معالم المدرستين - ج ١

السيد مرتضى العسكري

معالم المدرستين - ج ١

المؤلف:

السيد مرتضى العسكري


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة البعثة
الطبعة: ٤
الصفحات: ٦١٦

بعده ، ندرس في ما يأتي ما كان يعمله (ص) عند ما يغيب عن المدينة أيّاما معدودات في الغزوات ، وكيف كان يعيّن خليفة عليهم من بعده.

باب ذكر من استخلف الرسول (ص) على المدينة في غزواته

في السنة الثانية من الهجرة :

أذن لرسول الله (ص) بالقتال في صفر من السنة الثانية ، فغزا بالمهاجرين يعترض عيرا لقريش فبلغ ودّان والأبواء (٧).

أولا : استخلف سعد بن عبادة سيّد الخزرج من الأنصار خمس عشرة ليلة ، مدة غيبته عن المدينة.

ثانيا : استخلف في غزوة بواط (٨) سعد بن معاذ من سادة الأوس من الأنصار في ربيع الأول.

ثالثا : استخلف مولاه زيد بن حارثة في غزوته لطلب كرز بن جابر الفهري ـ وكان أغار على سرح المدينة ـ فبلغ (ص) سفوان وفاته كرز والسرح (٩).

رابعا : استخلف أبا سلمة المخزومي في غزوة ذي العشيرة ، حين ذهب في جمادى الأولى أو الثانية يعترض عيرا لقريش ذاهبة إلى الشام ، ففاتته ، وكان

__________________

(٧) الأبواء : قرية من أعمال فراض على بعد ٢٣ ميلا من المدينة ، فيها قبر آمنة أمّ النبيّ (ص).

وودّان : قرية على مرحلة من الجحفة بينها وبين الأبواء ستّة أميال. معجم البلدان.

(٨) بواط : من جبال جهينة من طريق الشام ، وبين بواط والمدينة ثمانية برد ، وبرد : جمع البريد ويبلغ البريد : اثني عشر ميلا. في معجم البلدان بمادة بواط.

يبدو جليا مراعاة رسول الله (ص) في الغزوتين الأوليين مشاعر الأنصار القبلية حين استخلف في الأولى سيّد الخزرج وفي الثانية سيّدا من الأوس.

(٩) كانت هذه الغزوة أيضا في ربيع الأول وبعد بواط. وسفوان : واد بناحية بدر.

كرز بن جابر بن حسل الفهري : قتل يوم الفتح مع رسول الله (ص). راجع جمهرة أنساب العرب لابن حزم في ذكر نسب بني محارب بن فهر ، وبترجمته من الإصابة.

٢٨١

القتال ببدر في رجوعها من الشّام (١٠).

خامسا : استخلف ابن أمّ مكتوم الضرير في غزوة بدر الكبرى ، وغاب عن المدينة تسعة عشر يوما (١١).

سادسا : استخلف أبا لبابة الأنصاري الأوسي في غزوة بني قينقاع (١٢).

سابعا : استخلف أيضا أبا لبابة في غزوة السويق ، وكان خروجه (ص) في طلب أبي سفيان حين أقبل في مائتي راكب ليبرّ بنذره أن لا يمسّ الطّيب والنّساء حتى يثأر لأهل بدر ، وانتهوا إلى العريض فبلغهم خروج النبيّ (ص) فجعلوا يلقون جرب السويق تخفّفا ، فسمّيت غزوة السويق (١٣).

في السنة الثالثة :

ثامنا : استخلف ابن أمّ مكتوم في غزوة قرقرة الكدر ، وسار (ص) للنّصف من المحرّم يريد سليم وغطفان ـ قبيلتين من قيس عيلان ـ فانجفلوا ، وغنم من أموالهم ، ورجع ولم يلق كيدا (١٤).

__________________

(١٠) ذو العشيرة كما في التنبيه ، بناحية ينبع يبعد عن المدينة تسعة برد.

وأبو سلمة : عبد الله بن عبد الأسد ، أمه برة عمّة الرسول (ص) وابنة عبد المطّلب. هاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة. حضر بدرا وخرج في أحد ومات منه في جمادى الآخرة سنة ثلاث من الهجرة. راجع ترجمته في أسد الغابة.

(١١) خرج الرسول (ص) من المدينة لثلاث خلون من شهر رمضان ووقع القتال يوم الجمعة السابع عشر منه.

(١٢) قال أهل السيرة : لمّا قدم اليهود المدينة نزلوا السافلة منها ، فاستوخموها فأتوا العالية فنزل بنو النضير بطحان ونزلت بنو قريظة مهزورا ـ وهما واديان يهبطان من حرة هناك ـ فاتّخذ بنو النضير الحدائق والآطام وأقاموا فيها ، وأقاموا بها إلى أن غزاهم النبيّ (ص) وأخرجهم منها. راجع مادة : (بطحان) و (مهزور) من معجم البلدان.

وأبو لبابة : بشير أو رفاعة بن عبد المنذر ، اشتهر بكنيته ، أحد النقباء في بيعة العقبة ، راجع ترجمة بشير ورفاعة وأبي لبابة في أسد الغابة.

(١٣) العريض : وادي المدينة. معجم البلدان ، مادة : (عريض).

(١٤) قرقرة الكدر : ناحية معدن بني سليم ممّا يلي حارة العراق إلى مكّة وهي على بعد ثمانية أيام ـ

٢٨٢

تاسعا : استخلف ابن أمّ مكتوم في غزوة فران ، وغاب عن المدينة عشرة أيّام من جمادى الآخرة ، فتفرّقوا ولم يلق كيدا (١٥).

عاشرا : استخلف عثمان بن عفّان في غزوة ذي أمر بنجد ، سار (ص) يريد غطفان ، فانجفلوا من بين يديه ولم يلق كيدا ، وغاب فيها عن المدينة عشرة أيّام.

حادي عشر : استخلف ابن أمّ مكتوم في غزوة أحد ، وقاتل المشركين في سفح جبل أحد ـ على بعد ميل من المدينة ـ غاب فيها عن المدينة يوما واحدا.

ثاني عشر : استخلف ابن أمّ مكتوم في غزوة حمراء الأسد ـ على بعد عشرة أميال من المدينة ـ سار في طلب أبي سفيان حين بلغه أنه يريد الكرّ على المدينة ، ففاته أبو سفيان ومن معه ، فأقام فيها ثلاثة أيّام ، ثم عاد إلى المدينة.

في السنة الرابعة :

ثالث عشر : استخلف ابن أمّ مكتوم في غزوة بني النضير بناحية الغرس ، حصرهم خمسة عشر يوما ، ثم أجلاهم عنها (١٦).

رابع عشر : استخلف عبد الله بن رواحة الأنصاري في غزوة بدر الثالثة ستّة عشر يوما ، وأقام فيها ثمانية أيّام لموعد أبي سفيان إيّاهم في أحد أنه سيقاتلهم العام القادم في بدر ، وخرج أبو سفيان من مكّة إلى عسفان ، ثم عاد منها إلى مكة (١٧).

__________________

ـ من المدينة. معجم البلدان ، مادة : (قرقرة). سار إليها النبيّ في النصف من المحرم.

(١٥) فران : معدن بني سليم بناحية الفرع من المجاز. معجم البلدان ولسان العرب ، مادة : (فران).

(١٦) كانت منازل بني النضير من اليهود ببئر غرس بقبا وما والاها ، وقبا : قرية على ميلين من المدينة ، وأصله اسم بئر هناك عرفت القرية به. معجم البلدان ، مادة : (غرس) و (قبا).

(١٧) عبد الله بن رواحة الأنصاري الخزرجي : كان نقيب بني الحارث في بيعة العقبة. شهد المشاهد مع رسول الله (ص) وكان أحد الأمراء الثلاثة الّذين استشهدوا في مؤتة. ترجمته في ـ

٢٨٣

في السنة الخامسة :

خامس عشر : استخلف في غزوة ذات الرقاع عثمان بن عفّان خمس عشرة ليلة وخرج لعشر خلون من المحرّم ، فأجفلت العرب من بين يديه ولحقوا برءوس الجبال وبطون الأودية (١٨).

سادس عشر : استخلف ابن أمّ مكتوم في غزوة دومة الجندل حين سار إلى أكيدر بن عبد الملك النصراني ـ وكان يعترض سفر المدينة وتجارتهم ـ فهرب وتفرّق أهلها ، فلم يجد بها أحدا ، فأقام أيّاما وعاد إلى المدينة وهي أوّل غزواته إلى الروم (١٩).

سابع عشر : استخلف مولاه زيد بن حارثة في غزوة بني المصطلق على ماء المريسيع ثمانية عشر يوما ، خرج فيها لليلتين خلتا من شعبان (٢٠).

ثامن عشر : استخلف في غزوة الخندق ابن أمّ مكتوم ، وهو يقاتل الأحزاب دون الخندق من داخل المدينة في شهر شوّال أو ذي القعدة.

تاسع عشر : استخلف أبا رهم الغفاري في غزوة بني قريظة ، وهم على بعض يوم من المدينة ، حصرهم خمسة عشر يوما أو أكثر ، بدأهم بسبع بقين من ذي القعدة (٢١).

__________________

ـ الاستيعاب وأسد الغابة.

(١٨) ذات الرقاع : جبل قريب من النخيل ممّا يلي السعد والشقرة مختلفة ألوانه فيه بقع حمر وسود وبيض. راجع ترجمة الغزوة من التنبيه والإشراف للمسعودي.

(١٩) دومة الجندل : كانت حصنا مبنيا بالجندل في متّسع من الأرض خمسة فراسخ ، وهي على سبع مراحل من دمشق ، بينها وبين مدينة الرسول (ص) خمس عشرة ليلة. راجع مادة : (دومة) بمعجم البلدان وترجمة الغزوة في التنبيه والإشراف للمسعودي ، ذكر السنة الخامسة.

(٢٠) ماء المريسيع : على طريق الفرع والفرع ثمانية برد من المدينة.

(٢١) أبو رهم ؛ كلثوم بن الحصين : أسلم بعد قدوم النبيّ (ص) المدينة ، شهد أحدا فرمي بسهم في نحره فبصق عليه النبيّ (ص) فبرأ. انظر ترجمته في أسد الغابة.

٢٨٤

في السنة السادسة :

عشرين : استخلف في غزوة بني لحيان من هذيل ، بالقرب من عسفان ، ابن أمّ مكتوم ، أربع عشرة ليلة ورجع ولم يلق كيدا (٢٢).

حادي وعشرين : استخلف ابن أمّ مكتوم ، خمس ليال في غزوة ذي قرد ، على ليلتين من المدينة (٢٣).

ثاني وعشرين : استخلف ابن أمّ مكتوم في غزوة الحديبية (٢٤).

في السنة السابعة :

ثالث وعشرين : استخلف سباع بن عرفطة في غزوة خيبر ، وهي على بعد ثمانية برد من المدينة ، وبعد فتح قلاعها عنوة وصلحا سار إلى وادي القرى فحصرهم أيّاما حتى افتتحها عنوة ، ثمّ صالح أهل تيماء وهي على ثمانية مراحل من الشّام ، ووادي القرى بينها وبين المدينة (٢٥).

رابع وعشرين : واستخلف أيضا سباع بن عرفطة في عمرة القضاء (٢٦).

في السنة الثامنة :

__________________

(٢٢) بنو لحيان ، نسبهم في جمهرة أنساب ابن حزم ط. مصر سنة ١٣٨٢ ، ص ١٩٦ ـ ١٩٨. وعسفان بين مكّة والمدينة ، اختلفوا في تعيين موضعه. معجم البلدان ، مادة : (عسفان).

(٢٣) ذي قرد : من طريق خيبر ، وكان عيينة بن حصن الفزاري أغار على لقاحه وهو بالغابة وهي على بريد من المدينة أو أكثر. فخرج (ص) يوم الأربعاء لثلاث أو لأربع خلون من شهر ربيع الأول فاستنقذ بعضها وعاد إلى المدينة. التنبيه والإشراف ، ذكر السنة السادسة.

(٢٤) خرج الرسول (ص) يوم الاثنين هلال ذي القعدة للعمرة فصدّه المشركون عن دخول مكّة ، فأقام بالحديبية على تسعة أميال من مكّة ، ثمّ وقع الصلح بين الرسول وقريش على أن يعتمر في السنة القادمة.

(٢٥) سباع بن عرفطة الغفاري : استعمله النبي على المدينة لمّا سار إلى خيبر وتيماء. ترجمته بأسد الغابة.

(٢٦) سار النبي (ص) لستّ ليال خلون من ذي القعدة.

٢٨٥

خامس وعشرين : استخلف على المدينة أبا رهم الغفاري في غزوة مكّة.

سادس وعشرين : سار بعد غزوة مكّة إلى هوازن لغزو حنين ، وحنين واد إلى جانب ذي المجاز يبعد ثلاث ليال عن مكّة ، وبقي ـ أيضا ـ أبو رهم واليا على المدينة في هذه الغزوة.

سابع وعشرين : واستخلف علي بن أبي طالب في غزوة تبوك ـ على بعد تسعين فرسخا من المدينة ـ.

وهي آخر غزواته ، وكانت غزواته ثمانيا وعشرين غزوة إن اعتبرنا خيبر ووادي القرى غزوتين ، وإلّا فهي سبع وعشرون غزوة.

* * *

رجعنا في ذكر أسماء من استخلفهم رسول الله (ص) على المدينة في غيابه عنها إلى التنبيه والإشراف للمسعودي في ذكره التأريخ من السنة الثانية إلى السنة الثامنة من الهجرة ، وقد يختلف في ذكر أسماء من ولّاه رسول الله (ص) على المدينة مع غيره أحيانا. أمّا ما ذكره في استخلاف الإمام عليّ على المدينة في غزوة تبوك فقد قال ذلك ـ أيضا ـ إمام الحنابلة في مسنده في ما رواه عن سعد بن أبي وقّاص ؛ قال :

إنّ رسول الله (ص) حين خرج في غزوة تبوك استخلف عليها عليّا (رض) على المدينة ، فقال عليّ : يا رسول الله ما كنت أحبّ أن تخرج وجها إلّا وأنا معك. فقال : أو ما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي (٢٧).

ويؤيد ذلك أيضا ما رواه البخاريّ في صحيحه في كتاب بدء الخلق باب

__________________

(٢٧) مسند أحمد ١ / ١٧٧

٢٨٦

غزوة تبوك حيث روى عن سعد بن أبي وقاص أيضا أنّه قال :

إنّ رسول الله (ص) خرج إلى تبوك واستخلف عليّا فقال : أتخلفني في الصّبيان والنساء؟ قال : ألا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه ليس نبيّ بعدي(٢٨).

وما رواه مسلم ـ أيضا ـ في صحيحه عن سعد بن أبي وقّاص أنّه قال :

سمعت رسول الله (ص) يقول له وقد خلّفه في بعض مغازيه فقال له عليّ : يا رسول الله خلّفتني مع الصّبيان والنساء؟ فقال له رسول الله (ص) : أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبوّة بعدي (٢٩).

* * *

هكذا لم يغب الرسول (ص) في غزواته عن المدينة أيّاما معدودات دون أن يستخلف عليهم من يرجعون إليه مدّة غيابه عن المدينة ، بل إنّه لم يغب يوما عن المدينة أو بعض يوم دون أن يستخلف عليهم من يرجعون إليه ، كما كان الشأن في غزوة أحد ، وكان جبل أحد على بعد ميل من المدينة ، فإنّه (ص) قد عيّن خليفته عليهم مدّة غيابه عنهم ، بل وفي غزوة الخندق أيضا حيث كان يقاتل في المدينة واستقرّ دون الخندق ، عيّن لأهل المدينة المرجع لانشغاله عنهم في الحرب.

__________________

(٢٨) صحيح البخاري ، كتاب بدء الخلق ، باب غزوة تبوك ٣ / ٥٨.

(٢٩) صحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة ، باب فضل عليّ بن أبي طالب ، ح ٣٢ ، وراجع أيضا مسند أبي داود الطيالسي ١ / ٢٩. وحلية الأولياء لأبي نعيم ٧ / ١٩٥ و ١٩٦. ومسند أحمد ١ / ١٧٣ ، ١٨٢ ، ١٨٤ ، ٣٣٠ و ٤ / ١٥٣. وتاريخ بغداد للخطيب ١١ / ٤٣٢. وخصائص النسائي ص ٨ و ١٦. وطبقات ابن سعد ٣ / ق ١ / ١٥.

٢٨٧

إذا كان هذا دأب الرسول (ص) في غيابه عن المدينة بعض يوم ، كذلك في حال انشغاله عنهم بالحرب داخل المدينة ، فما ذا فعل لأمّته من بعده هو يتركهم أبد الدهر؟ هل تركهم هملا ، ولم يعيّن لهم المرجع من بعده؟ هذا ما سندرسه في ما يأتي من فصول هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.

٢٨٨

النصوص الواردة عن رسول الله (ص)

في تعيين وليّ الأمر من بعده

نبدأ هذا الباب بذكر ما فعله الأنبياء في تعيين الوصيّ ووليّ الأمر لأممهم من بعدهم.

الوصيّة في الأمم السّابقة

قد سلسل المسعوديّ (١) اتّصال الحجج وأوصياء الأنبياء من لدن آدم حتّى خاتم النبيين ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ وأوصيائه ، فقد ذكر ـ مثلا ـ :

أنّ وصيّ آدم كان هبة الله وهو شيث بالعبرانية.

وأنّ وصيّ إبراهيم كان إسماعيل (ع).

__________________

(١) إثبات الوصية ، للمسعودي ، المطبعة الحيدرية ، النجف الأشرف ص : ٥ ـ ٧٠.

والمسعودي هو : أبو الحسن ، علي بن الحسين المسعودي ، ينتهي نسبه إلى الصحابي عبد الله بن مسعود. توفي سنة ٣٤٦ ه‍. وفي ترجمته بطبقات الشافعية ٢ / ٣٠٧ : قيل كان معتزلي العقيدة. وأشار إلى هذا الكتاب الكتبي في فوات الوفيات ٢ / ٤٥ ، وياقوت الحموي في معجم الأدباء ١٣ / ٩٤ وقالا : له كتاب البيان في أسماء الأئمة ، وفي الميزان ، لابن حجر ٤ / ٢٢٤ : له كتاب تعيين الخليفة. وسماه في الذريعة وغيرها : (إثبات الوصية).

٢٨٩

وأنّ وصيّ يعقوب كان يوسف (ع).

وأنّ وصيّ موسى كان يوشع بن نون بن افرائيم بن يوسف (ع) وخرجت عليه صفورا زوجة موسى (ع).

وأنّ وصيّ عيسى كان شمعون (ع).

وأنّ وصيّ خاتم الأنبياء محمّد (ص) كان عليّ بن أبي طالب ، ثمّ الأحد عشر من ولده (ع).

ونحن نقتصر هنا على ذكر خبر ثلاثة من الأوصياء المذكورين آنفا :

أ ـ خبر وصيّة آدم لشيث :

قال اليعقوبي في خبر وصيّة آدم لشيث :

لمّا حضر آدم الوفاة ... جعل وصيّته إلى شيث.

وقال الطبري :

هبة الله ؛ وبالعبرانية : شيث ، وإليه أوصى آدم ... وكتب وصيّته ، وكان شيث في ما ذكر وصيّ أبيه آدم (ع).

وقال المسعودي في خبر وصيّة آدم لشيث ثمّ وفاته :

ثمّ إنّ آدم حين أدّى الوصيّة إلى شيث ، احتقبها واحتفظ بمكنونها ، وأتت وفاة آدم ....

وقال ابن الأثير :

وتفسير شيث : هبة الله ، وهو وصيّ آدم ، ولمّا حضرت آدم الوفاة عهد إلى شيث.

وقال ابن كثير :

ذكر وفاة آدم ووصيّته إلى ابنه شيث (ع) :

ومعنى شيث : هبة الله ... ولمّا حضرت آدم الوفاة عهد إلى ابنه

٢٩٠

شيث ....

ب ـ خبر يوشع بن نون وصيّ موسى

أولا : يوشع بن نون في التوراة :

ورد في مادة يوشع من قاموس الكتاب المقدس نقلا عن التوراة : أن يوشع بن نون كان مع موسى في جيل سينا ولم يتلوّث بعبادة العجل على عهد هارون.

وفي آخر الإصحاح السابع والعشرين من سفر العدد (٢) ورد خبر تعيينه من قبل الله وصيّا لموسى كالنّصّ الآتي :

فكلّم موسى الرّبّ قائلا. ١٦ ليوكّل الرّبّ إله ١٧ أرواح جميع البشر رجلا على الجماعة ١٧ يخرج أمامهم ويدخل أمامهم ويخرجهم ١٨ ويدخلهم لكيلا تكون جماعة الرّب كالغنم الّتي لا راعي لها. ١٨ فقال الرّبّ لموسى ١٩ خذ يشوع بن نون رجلا فيه روح وضع يدك عليه ١٩ وأوقفه قدّام ألعازار الكاهن ٢٠ وقدّام كلّ الجماعة وأوصه أمام أعينهم. ٢٠ واجعل من هيبتك عليه لكي يسمع له كلّ ٢١ جماعة بني إسرائيل. ٢١ فيقف أمام ألعازار الكاهن فيسأل له بقضاء الأوريم أمام الرّبّ. حسب قوله يخرجون وحسب قوله يدخلون هو وكلّ بني إسرائيل معه كلّ ٢٢ لجماعة. ٢٢ ففعل موسى كما أمره الرّبّ. أخذ يشوع وأوقفه قدّام ألعازار الكاهن ٢٣ وقدّام كلّ الجماعة ٢٣ ووضع يديه عليه وأوصاه كما تكلّم الرّبّ عن يد موسى ...

وورد خبر قيامه بأمر بني إسرائيل وحروبه في ثلاثة وعشرين إصحاحا من سفر يوشع بن نون.

ثانيا : في القرآن الكريم

__________________

(٢) التوراة من الكتاب المقدس ، بيروت ، المطبعة الأمريكية سنة : ١٩٠٧ م.

٢٩١

في القرآن الكريم ؛ عرّب يوشع ب (اليسع) في سورة الأنعام ، الآية : ٨٦ وسورة ص ، الآية : ٤٨.

ثالثا : في مصادر الدراسات الإسلامية.

في تاريخ اليعقوبي ١ / ٤٦ :

وكان موسى لمّا حضرته وفاته أمره الله عزوجل أن يدخل يوشع بن نون إلى قبّة الرّمان فيقدّس عليه ، ويضع يده على جسده لتتحوّل فيه بركته ، ويوصيه أن يقوم بعده في بني إسرائيل.

وجه الشّبه بين وصيّ خاتم الأنبياء ووصيّ موسى (ع)

إنّ يوسع بن نون كان مع موسى في جبل سينا ولم يعبد العجل. وأمر الله نبيّه موسى أن يعيّنه وصيّا من بعده لئلّا تكون جماعة الربّ كالغنم بلا راع.

وكان الإمام عليّ مع النبيّ في غار حراء ولم يعبد صنما قطّ وأمر الله نبيّه في رجوعه من حجّة الوداع أن يعيّنه أمام الحجيج قائدا للأمة من بعده ، ولا يترك أمّته هملا ؛ وقد صدع بذلك رسول الله (ص) في غدير خم وعيّنه وليّا للعهد من بعده كما سنذكره في ما يأتي ، وصدق رسول الله (ص) حيث قال :

«ليأتينّ على أمّتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل ...» وقد أوردنا مصادره في أول الجزء الثاني من (خمسون ومائة صحابيّ مختلق).

ج ـ خبر شمعون وصيّ عيسى

أولا : شمعون في الإنجيل.

ورد في قاموس الكتاب المقدّس ذكر عشرة أشخاص بهذا الاسم ،

٢٩٢

منهم : شمعون بطرس وشمعون اسمه في التوراة سمعون ، وقد ورد خبره في إنجيل متّى ، الإصحاح العاشر كالآتي :

«ثمّ دعا ـ يعني عيسى ـ تلاميذه الاثني عشر وأعطاهم سلطانا على أرواح نجسة حتّى يخرجوها ، ويشفوا كلّ مرض وكلّ ضعف. وهذه أسماء الاثني عشر رسولا : الأول سمعان الّذي يقال له بطرس ...».

وفي إنجيل يوحنا ، الإصحاح ٢١ العدد : ١٥ ـ ١٨ أن عيسى أوصى إليه وقال له: «ارع غنمي» كناية عن رعاية من آمن به.

وجاء في قاموس الكتاب المقدّس أيضا :

«عيّنه المسيح لهداية الكنيسة».

ثانيا : شمعون في مصادر الدراسات الإسلاميّة :

ذكر خبره اليعقوبي وسمّاه : سمعان الصفا.

وقال المسعودي في ١ / ٣٤٣ :

قتل برومية بطرس واسمه باليونانية : شمعون والعرب تسمّيه : سمعان.

وفي مادة : دير سمعان من معجم البلدان :

«دير سمعان : بنواحي دمشق ، وسمعان هذا الّذي ينسب إليه الدير أحد أكابر النصارى ، ويقولون إنه شمعون الصفا».

* * *

أوردنا نتفا من أخبار هؤلاء الأوصياء الثلاثة كمثال لأخبار بقيّة أوصياء الأنبياء في الأمم السابقة.

ولم يكن خاتم الأنبياء بدعا من الرسل ليترك أمّته دون تعيين وليّ الأمر من بعده ، وهو الّذي لم يغب عن المدينة ـ المجتمع الإسلاميّ الصغير ـ في

٢٩٣

غزواته ولا ساعة من نهار دون أن يستخلف عليها أحدا. كلّا لم يترك خاتم الأنبياء والمرسلين المجتمعات الإسلاميّة للأبد دون أن يعيّن أولي الأمر من بعده ، بل عيّنهم بألفاظ مختلفة وفي أماكن متعدّدة ؛ منها ما خصّ بالذكر الإمام من بعده ومنها ما ذكر فيها جميع الأئمة.

وممّا خصّ بالذكر الإمام عليّ بن أبي طالب وحده ؛ الأحاديث الآتية :

٢٩٤

وصيّ الرسول (ص) ووزيره وولي عهده وخليفته من بعده

الوصيّ في أحاديث الرسول (ص)

أوردنا في أول الباب قصّة إنذار بني هاشم وأنّ رسول الله (ص) قال لعليّ بن أبي طالب (ع) بمحضر من رجال بني هاشم في ذلك اليوم :

«إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا».

وبهذا القول عيّن الرسول (ص) وصيّه وخليفته فيهم وأمرهم بإطاعته ، وقد قال سبحانه وتعالى : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ) الحشر / ٧.

وروى الطبراني عن سلمان ، قال : قلت : يا رسول الله ، إنّ لكلّ نبيّ وصيّا فمن وصيّك؟ فسكت عنّي ، فلمّا كان بعد رآني فقال : يا سلمان. فأسرعت إليه ، قلت : لبّيك. قال : تعلم من وصيّ موسى؟ قال : نعم ، يوشع بن نون. قال : لم؟ قلت : لأنّه كان أعلمهم يومئذ. قال :

«فإنّ وصيّي وموضع سرّي وخير من أترك بعدي وينجز عدتي ويقضي ديني عليّ بن أبي طالب» (٣).

__________________

(٣) رواه الهيثمي عن الطبراني في المعجم الكبير ٦ / ٢٢١. ومجمع الزوائد ٩ / ١١٣ ، ورواه سبط ابن الجوزي في كتاب تذكرة خواص الأمّة باب حديث النجوى عن كتاب الفضائل لأحمد بن حنبل وهذا لفظه : ـ

٢٩٥

وعن أبي أيّوب أنّ رسول الله (ص) قال لابنته فاطمة :

«أما علمت أنّ الله عزوجل اطّلع على أهل الأرض فاختار منهم أباك فبعثه نبيّا ، ثمّ اطّلع الثانية فاختار بعلك فأوحى إلى فأنكحته واتّخذته وصيّا» (٤).

وعن أبي سعيد أنّ رسول الله (ص) قال :

«إنّ وصيّي وموضع سرّي وخير من أترك بعدي وينجز عدتي ويقضي ديني عليّ بن أبي طالب» (٥).

وعن أنس بن مالك أنّ الرسول توضّأ وصلّى ركعتين وقال له :

«أوّل من يدخل عليك من هذا الباب إمام المتّقين ، وسيّد المسلمين ، ويعسوب الدين ، وخاتم الوصيين ...» فجاء عليّ (ع) فقال (ص) : من

__________________

ـ قال أنس :

قلنا لسلمان : سل رسول الله (ص) من وصيّك؟ فسأل سلمان رسول الله (ص) ، فقال : من كان وصيّ موسى بن عمران؟ فقال : يوشع بن نون. قال : إنّ وصيي ووارثي ومنجز وعدي ، علي بن أبي طالب. وراجع الرياض النضرة للمحب الطبرى (٢ / ١٧٨).

(٤) مجمع الزوائد للهيثمي ٨ / ٢٥٣ ، وفي ٩ / ١٦٥ منه عن عليّ بن عليّ الهلالي : ووصيّي خير الأوصياء وأحبّهم إلى الله وهو بعلك ـ الحديث. ومنتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ٥ / ٣١. وكنز العمال ، كتاب الفضائل ، الفصل الثاني ، فضائل عليّ بن أبي طالب ، ح ١١٦٣ ، ١٢ / ٢٠٤.

وفي موسوعة أطراف الحديث عن المعجم الكبير للطبراني ٤ / ٢٠٥. وجمع الجوامع للسيوطي ، رقم الحديث : ٤٢٦١.

وأبو أيوب الأنصاري : اسمه خالد بن زيد الخزرجي. شهد بيعة العقبة وجميع مشاهد رسول الله (ص) وشهد مع الإمام عليّ الجمل وصفّين ونهروان. وتوفّي عند مدينة القسطنطينية سنة خمسين أو إحدى وخمسين. أسد الغابة ٥ / ١٤٣.

(٥) كنز العمال ، كتاب الفضائل ، الفصل الثاني ، فضائل عليّ بن أبي طالب ، ح ١١٩٢ ، الثانية ١٢ / ٢٠٩.

وفي أطراف الحديث عن كنز العمال ، الحديث ٣٢٩٥٢. والطبراني ٦ / ٢٧١

وأبو سعيد الخدري : سعد بن مالك الخزرجي ، كان من الحفّاظ لحديث رسول الله (ص) (ت : ٥٤ ه‍). أسد الغابة ٥ / ٢١١.

٢٩٦

جاء يا أنس؟ فقلت : عليّ. فقام إليه مستبشرا فاعتنقه ـ الحديث (٦).

وعن الصحابي بريدة قال : قال النبيّ :

«لكلّ نبيّ وصيّ ووارث ، وإنّ عليا وصيّي ووارثي» (٧).

وفي المحاسن والمساوئ للبيهقي ، ما موجزه : إنّ جبرائيل جاء بهديّة من الله ليهديها الرسول (ص) إلى ابن عمّه ووصيّه علي بن أبي طالب ـ الحديث (٨).

كان هذا ما وجدناه في الوصية في أحاديث الرسول (ص).

الوصيّة في كتب الأمم السّابقة

روى نصر بن مزاحم في كتابه وقعة صفّين والخطيب في تاريخ بغداد واللّفظ للأول :

إنّ الإمام عليّا في مسيره إلى صفّين عطش جيشه في صحراء ، فانطلق بهم حتّى أتى بهم على صخرة ، فأعانهم حتى اقتلعوها وشرب الجيش حتّى ارتووا ، وكان بالقرب منهم دير ، فلمّا اطلع صاحب الدير على هذا الأمر قال : ما بني هذا الدير إلا بذلك الماء وما استخرجه إلّا نبيّ أو وصيّ نبيّ (٩).

__________________

(٦) حلية الأولياء ١ / ٦٣. وتاريخ ابن عساكر ٢ / ٤٨٦. وشرح نهج البلاغة ، ط.

الأولى ١ / ٤٥٠. وفي موسوعة أطراف الحديث عن اتحاف السادة المتّقين للزبيدي ٧ / ٤٦١.

وأنس بن مالك : أبو ثمامة الخزرجي ، روى عنه البخاري ومسلم ٢٢٨٦ حديثا. اختلف في سنة وفاته من ٩٠ ـ ٩٣ ه‍. الاستيعاب. وأسد الغابة. والإصابة. مرّت ترجمته في ص ١٣٤.

(٧) تاريخ دمشق لابن عساكر ٣ / ٥. والرياض النضرة ٢ / ١٧٨ عن بريدة وهو :

أبو عبد الله بريدة بن الحصيب بن عبد الله الأسلمي ؛ قدم المدينة بعد أحد فشهد مع رسول الله (ص) مشاهده وتحول بعده إلى البصرة وابتنى بها دارا. ثم خرج غازيا إلى خراسان فأقام بمرو وتوفّي بها. أسد الغابة ١ / ١٧٥.

(٨) المحاسن والمساوئ لمحمد بن إبراهيم البيهقي (كان حيّا قبل : ٣٢٠ ه‍) ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ، ط. القاهرة سنة ١٣٨٠ ه‍ ١ / ٦٤ ـ ٦٥.

(٩) وقعة صفين ، ط. المدني بمصر سنة ١٣٨٢ ه‍ ص ١٤٥. وتاريخ الخطيب ١٢ / ٣٠٥. وقد أوردنا الخبر بإيجاز من الأوّل.

٢٩٧

خبر آخر يؤيد الخبر السابق :

في صفّين لنصر بن مزاحم وتاريخ ابن كثير واللّفظ للأول :

قال : لمّا نزل عليّ الرقّة بمكان يقال له بليخ على جانب الفرات ، فنزل راهب هناك من صومعته فقال لعلي : إنّ عندنا كتابا توارثناه عن آبائنا ، كتبه أصحاب عيسى بن مريم ، أعرضه عليك؟ قال عليّ : نعم ، فما هو؟ قال الراهب :

بسم الله الرحمن الرحيم

الّذي قضى فيما قضى ، وسطر فيما سطر ، أنّه باعث في الأميّين رسولا منهم يعلّمهم الكتاب والحكمة ، ويدلّهم على سبيل الله ، لا فظّ ولا غليظ ، ولا صخّاب في الأسواق ، ولا يجزي بالسيئة السيئة ، ولكن يعفو ويصفح ، أمّته الحمّادون الّذين يحمدون الله على كلّ نشز ، وفي كلّ صعود وهبوط ، تذلّ ألسنتهم بالتهليل والتكبير والتسبيح ، وينصره الله على كلّ من ناواه ، فإذا توفّاه الله اختلفت أمّته ثمّ اجتمعت ، فلبثت بذلك ما شاء الله ثمّ اختلفت ، فيمرّ رجل من أمّته بشاطئ هذا الفرات ، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، ويقضي بالحقّ ، ولا يرتشي في الحكم. الدنيا أهون عليه من الرماد في يوم عصفت به الريح ، والموت أهون عليه من شرب الماء على الظماء. يخاف الله في السرّ ، وينصح له في العلانية ، ولا يخاف في الله لومة لائم. من أدرك ذلك النبيّ (ص) من أهل هذه البلاد فآمن به كان ثوابه رضواني والجنّة ، ومن أدرك ذلك العبد الصالح فلينصره ، فإنّ القتل معه شهادة.

__________________

وقد بني في مكان الدير منذ قرون مسجد براثا ، وتغيّر مجرى نهري دجلة والفرات اللّذين كانا يجريان في أرض العراق وأصبح مجرى نهر دجلة قريبا من المسجد المذكور.

٢٩٨

ثمّ قال له : فأنا مصاحبك غير مفارقك حتّى يصيبني ما أصابك. قال : فبكى عليّ ثمّ قال : الحمد لله الّذي لم يجعلني عنده منسيا. الحمد لله الّذي ذكرني في كتب الأبرار. ومضى الراهب معه ، وكان ـ فيما ذكروا ـ يتغدّى مع عليّ ويتعشّى حتّى أصيب يوم صفّين. فلمّا خرج الناس يدفنون قتلاهم قال عليّ : اطلبوه. فلمّا وجدوه ، صلّى عليه ودفنه ، وقال : هذا منّا أهل البيت. واستغفر له مرارا (١٠).

الوصية في أحاديث الصّحابة والتّابعين

الوصية في خطبة أبي ذر

وقف أبو ذر على عهد عثمان بباب مسجد رسول الله وخطب وقال في خطبته :

(ومحمد وارث علم آدم وما فضّل به النبيّون ، وعلي بن أبي طالب وصيّ محمد ووارث علمه ...).

سيأتي تمام الخطبة في ذكر النوع العاشر من أنواع الكتمان في مدرسة الخلفاء إن شاء الله تعالى.

الوصية في حديث الأشتر

قال مالك بن الحارث الأشتر لمّا بويع أمير المؤمنين (ع) :

أيّها النّاس هذا وصيّ الأوصياء ، ووارث علم الأنبياء ، العظيم البلاء الحسن العناء ، الّذي شهد له كتاب الله بالإيمان ، ورسوله بجنّة الرضوان ، من كملت فيه الفضائل ، ولم يشكّ في سابقته وعلمه وفضله الأواخر ولا الأوائل (١١).

__________________

(١٠) صفين ص ١٤٧ ـ ١٤٨. وابن كثير ٧ / ٢٥٤.

والبليخ : اسم نهر بالرقّة ، يجتمع فيه الماء من عيون. معجم البلدان.

(١١) تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٧٨.

٢٩٩

الوصية في حديث عمرو بن الحمق الخزاعي

عند ما جمع أمير المؤمنين الناس بالكوفة وخاطبهم في شأن المسير إلى صفّين لحرب معاوية ، قام عمرو بن الحمق الخزاعي وخاطب الإمام وقال :

يا أمير المؤمنين إنّي ما أحببتك ولا بايعتك على قرابة بيني وبينك ، ولا إرادة مال تؤتينيه ، ولا التماس سلطان ترفع ذكري به ، ولكنّني أحببتك بخصال خمس : إنك ابن عمّ رسول الله (ص) ، ووصيّه ، وأبو الذريّة الّتي بقيت فينا من رسول الله (ص) ، وأسبق الناس إلى الإسلام ، وأعظم المهاجرين سهما في الجهاد (١٢).

الوصيّة في كتاب محمّد بن أبي بكر

كتب محمّد بن أبي بكر إلى معاوية :

بسم الله الرحمن الرحيم

من محمّد بن أبي بكر إلى الغاوي ابن صخر. سلام على أهل طاعة الله ممّن هو مسلم لأهل ولاية الله. أما بعد فإنّ الله ... انتخب

__________________

(١٢) شرح النهج لابن أبي الحديد ١ / ٢٨١.

وعمرو بن الحمق الخزاعي : هاجر إلى النبيّ (ص) بعد الحديبية ، سقى النبيّ (ص) فدعا له وقال : اللهمّ متّعه بشبابه ، فمرّت عليه ثمانون سنة لا ترى في لحيته شعرة بيضاء. شهد مع عليّ مشاهده كلّها وكان من أصحاب حجر بن عدي. وخاف زياد بن أبيه وهرب من الكوفة إلى الموصل واختفى في غار بالقرب منه ، فأرسل معاوية إلى العامل بالموصل ـ وكان العامل عمرو بن الحكم ابن أخت معاوية ـ ليحمل إليه عمرا فوجده ميتا ، كان قد نهشته حيّة فقطع رأسه وبعث به إلى خاله معاوية. وكان رأسه أول رأس حمل في الإسلام. وكان معاوية قد حبس زوجة عمرو بن الحمق ، آمنة بنت الشريد ، فوجّه إليها رأس عمرو فألقي في حجرها فارتاعت لذلك ثم وضعته في حجرها ووضعت كفّها على جبينه ثمّ لثمت فاه وقالت : غيبتموه عني طويلا ثمّ أهديتموه إليّ قتيلا فأهلا بها من هديّة غير قالية ولا مقلية. وكان قتله في سنة خمسين للهجرة. ترجمته بأسد الغابة ٤ / ١٠٠ ـ ١٠١.

٣٠٠