معالم المدرستين - ج ١

السيد مرتضى العسكري

معالم المدرستين - ج ١

المؤلف:

السيد مرتضى العسكري


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة البعثة
الطبعة: ٤
الصفحات: ٦١٦

وتابعهم على ذلك الملأ من أتباعهم.

وهكذا انقسم المسلمون إلى مدرستين ؛ مدرسة الخلفاء الّتي أغدق حكامها : المال والجاه والمناصب والحظوة على مروّجي أفكار مدرستها ، ومدرسة أهل البيت (ع) الّتي قاومت تلك الأفكار والروايات المرويّة تأييدا للسّلطات واجتهاداتها ، فبذلت لها السّلطات الحاكمة القتل والسّجن والتشريد وحملات الإبادة وإحراق الكتب والمكتبات مدى العصور (٦٨) لإبعاد أفكارها المحافظة على سنّة الرسول (ص) من المجتمع وإخفائها عن أنظار المسلمين (٦٩).

وبعد كلّ ما ذكرنا ، ما ذا يصل إلينا من الحقائق في هذا العصر!؟

خلاصة البحث

كان المنطق السّائد يوم السّقيفة في الأفعال والأقوال ، هو المنطق القبلي سواء أكان لدى المهاجرين أم الأنصار ، وكانت بيعة أبي بكر يوم ذاك فلتة حسب تقويم الخليفة عمر لها.

ولم يستند الخليفة عمر إلى أيّ دليل من الكتاب والسنّة في ما طرحه من إقامة الخلافة بالشّورى وإنّما اعتمد اجتهاده الخاصّ.

اجتهد فجعل تعيين وليّ الأمر من بعده بين ستّة أشخاص لا أكثر من ذلك.

واجتهد فجعلهم من المهاجرين دون الأنصار.

واجتهد فجعل الترشيح بيد عبد الرحمن بن عوف دون الآخرين

__________________

(٦٨) يأتي شرحها في بحث حملة المغول على البلاد الإسلامية من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.

(٦٩) ندرس تفصيل كلّ ما ذكرناه في البحوث الآتية إن شاء الله تعالى.

٢٦١

وقال : إذا اتّفق اثنان على واحد واثنان على واحد ، كونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن.

واجتهد وقال : إذا صفق عبد الرحمن بإحدى يديه على الأخرى فاتّبعوه ، فمن اتّخذ من اجتهاد الخليفة عمر في عداد كتاب الله وسنّة رسوله (ص) مصدرا للتّشريع الإسلامي ، قال بأنّ الإمامة تقام بالشورى بين ستّة ، يبايع خمسة منهم الواحد منهم.

وأمّا ما استشهد به أتباع مدرسة الخلفاء بآية : (وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ) فإنّ الآية لا تدلّ على أكثر من رجحان الشّورى في أمر لم يأت عن الله ورسوله فيه أمر ، لأنّ الله سبحانه كلّما أراد الفرض في أمر قال : كتب الله عليكم كذا ، أو فرض كذا ، أو جعل أو وصّى ، أو غيرها من الألفاظ الدالّة على الوجوب.

وأما آية : (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) في الخطاب للرسول (ص) فإنّ القصد المشاورة في الغزوات ، ومن أجل تربية نفوس المسلمين أو إيجاد الشكّ والخلاف بين المشركين ، وكلّها كانت من أجل تعيين إجراء الحكم الشرعيّ ، وليس من أجل معرفة الحكم الشرعيّ. ثم إنّهم لم يعيّنوا كيف تكون الشّورى من أجل تعيين الإمام ، وقد رأينا كيف تمّت الشّورى لإقامة خلافة عثمان. هذا عن الشورى.

وأما البيعة فإنّها لا تنعقد بالإجبار وحدّ السيف ، ولا تنعقد للقيام بمعصية ، ولا لمن يعصي الله.

وأما سيرة الأصحاب ، فإن اتّخذت في عداد الكتاب والسنّة مصدرا للتّشريع الإسلاميّ ، صحّ الاستدلال بها ، وإلّا فلا.

وما استشهد به في هذا المقام ، من كلام الإمام علي (ع) ، فإنّه كان لمحاججة الخصم بما التزم به ، وهذا متعارف لدى العقلاء ، ثمّ إنّ إجماع

٢٦٢

الصحابة بما فيهم الإمام علي والإمام الحسن والإمام الحسين يدلّ على رضا الله كما عبّر عنه الإمام.

أمّا قولهم : من غلب بالسيف فهو أمير المؤمنين تجب طاعته برّا كان أو فاجرا ، فهو الواقع الّذي دأبوا عليه ، كما يظهر ذلك لمن يدرس تاريخ الخلفاء في الإسلام.

كانت هذه دراسة آراء مدرسة الخلفاء وأدلّتهم عليها ؛ أمّا مدرسة أهل البيت ، فسندرس آراءهم وأدلّتهم في البحث الآتي بحوله تعالى.

٢٦٣
٢٦٤

الفصل الثالث

بحوث مدرسة أهل البيت (ع) في الإمامة

اهتمام الرسول (ص) بأمر تعيين أولي الأمر من بعده

وصيّ الرسول (ص) ووزيره ووليّ عهده وخليفته من بعده

مدرسة الخلفاء تبذل جهودا كبيرة في سبيل كتمان أخبار الوصية

دراسة عمل مدرسة الخلفاء بنصوص سنّة الرسول (ص) المخالفة لاتّجاهها

انتشار أحاديث سيف من تاريخ الطبري إلى كتب التاريخ وسببه

ما بقي من النصوص الواردة عن الرسول (ص) في أمر الحكم من بعده.

ما أشبه تعيين الوصيّ في هذه الأمّة بتعيين الوصيّ في أمّة موسى (ع)

الولاية وأولو الأمر في القرآن الكريم

الأئمة عليّ وبنوه مبلغون عن الرسول (ص)

٢٦٥
٢٦٦

في البحث السابق ذكرنا آراء مدرسة الخلفاء في الإمامة وأدلّتهم عليها.

أمّا أتباع مدرسة أهل البيت (ع) فإنّهم يشترطون في الإمام بعد النبيّ أن يكون معصوما من الذنوب ، منصوبا من قبل الله عزوجل ، منصوصا عليه من قبل نبيّه (ص) ، لقوله تعالى لخليله إبراهيم (ع) :

(إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ، قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) البقرة / ١٢٤.

إذا فالإمامة عهد من الله يخبر نبيّه عمّن عهد الله إليه ، كما يخبر عن سائر أوامر الله وأحكامه ، وأنّه لا ينال عهد الإمامة من الله من كان ظالما ، وأنّ كلّ من لم يتّصف بالظّلم إلى نفسه ولا إلى غيره فهو معصوم.

وعلى هذا فالإمامة عهد وتعيين من الله ، والرسول مبلّغ إيّاها ، ويلزمها العصمة. وقد تحقّق هذان الشّرطان في أئمة أهل البيت (ع) كما يأتي بيانهما.

٢٦٧
٢٦٨

عصمة أهل البيت (ع)

أخبر الله سبحانه وتعالى بأن أهل البيت ـ وهم محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم ـ معصومون من الذنوب في قوله تعالى :

(إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) الأحزاب / ٣٣.

شأن نزول الآية وما صنع الرسول (ص) بهذه المناسبة

روى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب (١) قال :

(لمّا نظر رسول الله (ص) إلى الرحمة هابطة ، قال : «ادعوا لي ، ادعوا لي». فقالت صفيّة (٢) : من يا رسول الله؟ قال : «أهل بيتي عليّا وفاطمة

__________________

(١) بمستدرك الصحيحين ٣ / ١٤٧.

وعبد الله بن جعفر ذو الجناحين : ابن عمّ النبي أبي طالب وأمّة أسماء بنت عميس الخثعمية. ولد بأرض الحبشة في هجرة أبويه إليها ، وهاجر أبوه به إلى المدينة. وكان حليما كريما يقال له : بحر الجود ، توفي بالمدينة سنة ثمانين عام الجحاف ـ عام جاء فيه سيل عظيم ببطن مكّة جحف الحاجّ وذهب بالإبل عليها أحمالها ـ. وروى عنه أصحاب الصحاح ٢٥ حديثا. ترجمته بأسد الغابة وجوامع السيرة ص ٢٨٢.

(٢) صفية بنت حيي بن أخطب : من سبط هارون بن عمران من بني إسرائيل ، وأمّها برة بنت ـ

٢٦٩

والحسن والحسين» (٣). فجيء بهم. فألقى عليهم النبيّ (ص) كساءه ، ثمّ رفع

__________________

ـ السموأل من بني قريظة. كانت زوجة كنانة بن الربيع من يهود بني النضير فقتل عنها يوم خيبر فاصطفاها النبيّ وقال لها : «إن اخترت الإسلام أمسكتك لنفسي وإن اخترت اليهودية فعسى أن أعتقك فتلحقي بقومك» ، فقالت : يا رسول الله لقد هويت الإسلام وصدقت بك قبل أن تدعوني حيث صرت إلى رحلك ، وما لي في اليهودية إرب وما لي فيها والد ولا أخ ، وخيّرتني الكفر والإسلام ، فالله ورسوله أحبّ إليّ من العتق وأن أرجع إلى قومي. فاعتدّت ثم تزوّجها النبيّ وتوفّيت في سنة ٥٢ ه‍. وروى عنها أصحاب الصحاح ١٠ أحاديث. ترجمتها بطبقات ابن سعد ٨ / ١٢٠ ـ ١٢٩. وجوامع السيرة ص ٢٨٥.

(٣) فاطمة بنت رسول الله (ص) وأمّها أمّ المؤمنين خديجة (ع).

في ترجمتها بأسد الغابة والإصابة : أن كنيتها أمّ أبيها وأنه انقطع نسل رسول الله إلا منها ، وقال رسول الله (ص) لفاطمة : «إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك». أخرجه ـ أيضا ـ الحاكم في مستدركه ٣ / ١٥٣. وبميزان الاعتدال ٢ / ٧٧. وتهذيب التهذيب ١٢ / ٤٤١. وفي باب مناقب فاطمة بصحيح البخاري ٤ / ٢٠٠ و ٢٠١ و ٢٠٥ : قال رسول الله (ص) : «فاطمة بضعة منّي ، من أغضبها أغضبني».

وفي رواية أخرى فيه بباب ذبّ الرجل عن ابنته من كتاب النكاح ٣ / ١٧٧ ، وباب فضائل فاطمة من صحيح مسلم ، والترمذي. وبمسند أحمد ٤ / ٤١ و ٣٢٨. ومستدرك الصحيحين ٣ / ١٥٣ : «يؤذيني ما آذاها ، أو يؤذيها».

وكان آخر الناس عهدا برسول الله إذا سافر فاطمة ، وإذا قدم من سفر كان أول الناس عهدا به فاطمة ، كما في مستدرك الصحيحين ٣ / ١٥٦ و ١٥٥ و ١ / ٤٨٩. ومسند أحمد ٥ / ٢٧٥. وسنن البيهقي ١ / ٢٦.

وفي باب فرض الخمس من صحيح البخاري ٢ / ١٢٤ ، عن عائشة أنّ فاطمة سألت أبا بكر الصديق بعد وفاة رسول الله (ص) أن يقسم لها ميراثها ما ترك رسول الله ممّا أفاء الله عليه ، فقال أبو بكر : إنّ رسول الله قال : «لا نورث ما تركنا صدقة». فغضبت فاطمة بنت رسول الله فهجرت أبا بكر ، فلم تزل مهاجرته حتى توفّيت ، وعاشت بعد رسول الله (ص) ستّة أشهر.

وفي باب غزوة خيبر منه ٣ / ٣٨ : فلمّا توفيت دفنها زوجها عليّ ليلا ، ولم يؤذن بها أبا بكر ، وصلّى عليها ، وكان لعليّ وجه حياة فاطمة ، فلمّا توفّيت استنكر عليّ وجوه الناس فالتمس مصالحة أبي بكر ...

ورواه مسلم كذلك في صحيحه بكتاب الجهاد ٥ / ١٥٤. ومسند أحمد ١ / ٩. وسنن البيهقي ٦ / ٣٠٠.

وبترجمتها في أسد الغابة : وأوصت إلى أسماء أن تغسلها ولا تدخل عليها أحدا ، فلما توفّيت ـ

٢٧٠

يديه ، ثمّ قال : «اللهمّ هؤلاء آلي فصل على محمّد وآل محمّد». وأنزل الله عزوجل : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً).

وفي رواية أمّ المؤمنين عائشة : أنّ الكساء كان مرطا مرحّلا من شعر أسود (٤).

__________________

ـ جاءت عائشة فمنعتها أسماء.

قال المؤلف :

ولم يعرف موضع قبرها حتّى اليوم.

وروى عنها أصحاب الصّحاح ١٨ حديثا. جوامع السيرة ص ٢٨٣.

والحسنان سبطا رسول الله وابنا عليّ وفاطمة.

ولد الحسن في النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة ، وولد الحسين لثلاث خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة.

قال رسول الله (ص) : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة وأبوهما خير منهما. في سنن ابن ماجة باب فضائل أصحاب رسول الله (ص). ومستدرك الصحيحين ٣ / ١٦٧. ومصادر كثيرة غيرهما.

بايع المسلمون الحسن بعد وفاة أبيه سنة أربعين وبقي أكثر من ستّة أشهر في الخلافة ، ثمّ اقتضت مصلحة الإسلام العليا أن يصالح معاوية. ولمّا أراد معاوية أن يأخذ البيعة لابنه يزيد دسّ إليه السّمّ فقتله سنة خمسين. أحاديث أمّ المؤمنين عائشة ١ / ٢٥١ ـ ٢٦٦.

وفي سنة ستّين أبى الحسين أن يبايع يزيد وقال : «وعلى الإسلام السلام إذا بليت الأمّة براع مثل يزيد». فقتله جيش يزيد بكربلاء عاشوراء سنة إحدى وستّين. اللهوف لابن طاوس.

روى أصحاب الصحاح عن الحسن ١٣ حديثا ، عدا البخاري ومسلم ، وعن الحسين ٨ أحاديث. جوامع السيرة ص ٢٨٤ و ٢٨٦. وتقريب التهذيب ١ / ١٦٨.

(٤) المرط : كساء من صوف أو خز. والمرحل من الثياب : ما أشبهت نقوشه رحال الإبل.

وعائشة بنت أبي بكر وأمّها أم رومان. ولدت في السنة الرابعة بعد البعثة ، بنى بها الرسول (ص) بعد ثمانية عشر شهرا من هجرته إلى المدينة. وتوفّيت سنة ٥٧ أو ٥٨ أو ٥٩ ، وصلّى عليها أبو هريرة. وروى عنها أصحاب الصحاح ٢٢١٠ أحاديث ، راجع كتابنا أحاديث عائشة.

وروايتها في شأن نزول آية التطهير في صحيح مسلم ٧ / ١٣٠ ، باب فضائل أهل بيت النبي. ومستدرك الصحيحين ٣ / ١٤٧. وبتفسير الآية في تفسير ابن جرير والدر المنثور للسيوطي وآية المباهلة في تفسير الزمخشري والرازي. وسنن البيهقي ٢ / ١٤٩.

٢٧١

وفي رواية الصّحابيّ واثلة بن الأسقع : إنّ رسول الله أدنى عليّا وفاطمة وأجلسهما بين يديه وأجلس حسنا وحسينا كلّ واحد منهما على فخذه ـ الحديث (٥).

وفي رواية أمّ المؤمنين أمّ سلمة قالت : نزلت هذه الآية في بيتي : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ ...) وفي البيت سبعة : جبرئيل وميكائيل (ع) وعليّ وفاطمة والحسن والحسين (رض) وأنا على باب البيت ، قلت : يا رسول الله ألست من أهل البيت؟ قال : «إنك إلى خير. إنك من أزواج النبيّ» (٦).

وقد روى شأن نزول آية التّطهير غير من ذكرنا كلّ من :

أ ـ عبد الله بن عباس (٧).

ب ـ عمر بن أبي سلمة (٨) ربيب النبيّ (ص).

__________________

(٥) واثلة بن الأسقع الليثي : أسلم والنبيّ يتجهّز إلى تبوك. وقيل إنّه خدم النبي ثلاث سنوات ومات سنة خمس وثمانين أو ثلاث وثمانين بدمشق أو ببيت المقدس. روى عنه أصحاب الصحاح ٥٦ حديثا. ترجمته بأسد الغابة وجوامع السيرة ص ٢٧٩. وروايته في شأن آية التطهير بسنن البيهقي ٢ / ١٥٢ ، ورواية أخرى منه بمسند أحمد ٤ / ١٠٧. ومستدرك الصحيحين ٢ / ٤١٦ و ٣ / ١٤٧. ومجمع الزوائد ٩ / ١٦٧. وابن جرير والسيوطي في تفسير الآية من تفسيريهما. وأسد الغابة ٢ / ٢٠.

(٦) رواية أم سلمة في تفسير الآية بتفسير السيوطي ٥ / ١٩٨ و ١٩٩.

ورواية أخرى في سنن الترمذي ، ١٣ / ٢٤٨. ومسند أحمد ٦ / ٣٠٦. وأسد الغابة ٤ / ٢٩ ، و ٢ / ٢٩٧. وتهذيب التهذيب ٢ / ٢٩٧.

وأخرى بمستدرك الصحيحين ٢ / ٤١٦ و ٣ / ١٤٧. وسنن البيهقي ٢ / ١٥٠. وأسد الغابة ٥ / ٥٢١ و ٥٨٩. وفي تاريخ بغداد ٩ / ١٢٦.

وأخرى : بمسند أحمد ٦ / ٢٩٢.

(٧) رواية ابن عباس بمسند أحمد ١ / ٣٣٠ ، وخصائص النسائي ص ١١. والرياض النضرة ٢ / ٢٦٩. ومجمع الزوائد ٩ / ١١٩ و ٢٠٧ ، وتفسير الآية بالدر المنثور.

(٨) عمر بن أبي سلمة بن عبد الأسد أبو حفص المخزومي : ربيب رسول الله ، أمّه أمّ سلمة. ولد في الحبشة. شهد مع عليّ الجمل ، واستعمله على البحرين وعلى فارس. توفّي سنة ٨٣ ه‍.

٢٧٢

ج ـ أبو سعيد الخدري (٩).

د ـ سعد بن أبي وقاص (١٠).

ه ـ أنس بن مالك (١١) ، وغيرهم (١٢).

واستشهد بها الحسن السبط (ع) على المنبر (١٣) ، وعليّ بن الحسين (ع) في الشّام (١٤).

كان رسول الله بعد نزول هذه الآية عدّة أشهر يأتي إلى باب دار عليّ وفاطمة يسلّم عليهم ويقرأ الآية. قال ابن عبّاس :

__________________

روى عنه أصحاب الصحاح ١٢ حديثا. ترجمته بأسد الغابة وجوامع السيرة ص : ٢٨٤. وحديثه بشأن آية التطهير في : «فضائل الخمسة» ١ / ٢١٤ عن صحيح الترمذي ٢ / ٢٠٩.

(٩) رواية أبي سعيد في تفسير الآية بتفسير ابن جرير والسيوطي وتاريخ بغداد ١٠ / ٢٧٨. ومجمع الزوائد ٩ / ١٦٧ و ١٦٩. وستأتي ترجمته في الهامش رقم (٥) ص ٢٩٥.

(١٠) سعد بن أبي وقاص. ـ مرّت ترجمته في الهامش رقم (٦٢) من بحث : الواقع التاريخي ـ وأبى أن يبايع عليّا ، وأبى على معاوية أن يسبّ عليّا. ودسّ إليه معاوية السمّ لمّا أراد أن يبايع ليزيد ، فمات. وروى عنه أصحاب الصحاح ٢٧١ حديثا. ترجمته بأسد الغابة وصحيح مسلم ٧ / ١٢٠ وأحاديث أم المؤمنين عائشة ١ / ٣٥٦ ط. بيروت ١٤٠٥ ه‍.

وروايته بشأن آية التطهير في خصائص النسائى ص ٤ ـ ٥. وسنن الترمذي ١٣ / ١٧١ ـ ١٧٢.

(١١) رواية أنس بن مالك في سنن الترمذي ١٣ / ٢٤٨. ومجمع الزوائد ٩ / ٢٠٦.

(١٢) مثل قتادة في تفسير الآية عند ابن جرير والسيوطي وعطية بترجمته بأسد الغابة ٣ / ٤١٣ ، ومعقل بن يسار ، راجع سنن الترمذي ١٣ / ٢٤٨.

(١٣) روي استشهاد السبط بمستدرك الصحيحين ٣ / ١٧٢. ومجمع الزوائد ٩ / ١٤٦ و ١٧٢.

(١٤) علي بن الحسين : أمّه بنت يزدجرد كما في الباب العاشر من ربيع الأبرار للزمخشري راجع ج ٢ ورقة ٤٤ ، مصورة مكتبة أمير المؤمنين في النجف تسلسل ٢٠٥٩ ، أدب. وماتت في نفاسها به ، فكفله بعض أمهات ولد أبيه ، وزوّجها علي بن الحسين بعد أبيه (عيون أخبار الرضا ٢ / ١٢٨) ويبدو أنها كانت تسمى غزالة. توفي علي بن الحسين بالمدينة سنة خمس وتسعين. وروى عنه أصحاب الصحاح بعض الأحاديث واستشهاده بآية التطهير ورد في تفسير الآية بتفسير الطبري. ترجمته بوفيات الأعيان ٢ / ٤٢٩. وتاريخ اليعقوبي ٢ / ٣٠٣.

٢٧٣

شهدت رسول الله (ص) تسعة أشهر يأتي كلّ يوم باب عليّ بن أبي طالب عند وقت كلّ صلاة فيقول : «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهل البيت ، (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ ...) الصّلاة رحمكم الله» كلّ يوم خمس مرّات (١٥).

وعن أبي الحمراء ، قال : حفظت رسول الله ثمانية أشهر بالمدينة ليس من مرّة يخرج إلى صلاة الغداة إلّا أتى باب عليّ فوضع يده على جنبتي الباب ثم قال : «الصلاة ، (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ ...)» (١٦)

وقال أبو برزة : إنّه صلّى مع رسول الله سبعة أشهر ، فإذا خرج من بيته أتى باب فاطمة ... (١٧).

وعن أنس بن مالك ستّة أشهر (١٨). وروى ـ أيضا ـ غيرهم في ذلك.

في هذه الآية ، أخبر الله عن المعصومين في عصر رسول الله خاصّة ، وعيّنهم الرسول بما فعل من نشر الكساء عليهم وقراءة الآية في ملأ من أصحابه عدّة شهور على باب بيتهم.

إنّ هذه الآية ، وما ورد عن رسول الله (ص) من قول وفعل في تفسيرها ، تكفي دليلا لإثبات عصمة أهل البيت (ع).

ومن الناحية العمليّة ، لم يسجّل التاريخ عن أئمة أهل البيت (ع) ما ينافي عصمتهم ، على أنّ التاريخ الإسلاميّ دوّن من قبل علماء مدرسة

__________________

(١٥) رواية ابن عباس في تفسير الآية وآية (وَأْمُرْ أَهْلَكَ). من الدر المنثور.

(١٦) أبو الحمراء : مولى رسول الله ، اسمه هلال بن الحارث أو ابن ظفر ، والحديث بترجمته في الاستيعاب ٢ / ٥٩٨. وأسد الغابة ٥ / ١٧٤. ومجمع الزوائد ٩ / ١٦٨.

(١٧) أبو برزة الأسلمي : اختلفوا في اسمه. توفّي في البصرة سنة ستّين أو أربع وستّين. روى عنه أصحاب الصحاح ٢٠ أو ٤٦ حديثا. ترجمته بأسد الغابة وجوامع السيرة ص ٢٨٠ و ٢٨٣. وحديثه المذكور في مجمع الزوائد ٩ / ١٦٩ ، لفظه : سبعة عشر شهرا ونراه من غلط النساخ.

(١٨) رواية أنس بمسند أحمد ٣ / ٢٥٢. والطيالسي ٧ / ٢٧٤ ، ح ٢٥٠٩. وأسد الغابة ٥ / ٥٢١. وتفسير الآية عند ابن جرير والسيوطي.

٢٧٤

الخلفاء ، وغالبا ما دوّنوا في كتب التاريخ الإسلامي ما يجلبون به رضا الخلفاء مدى العصور ، وكان الخلفاء مدى العصور جادّين لإطفاء نور أئمة أهل البيت (ع) خشية ميل المسلمين إليهم (ع) ومبايعتهم بالخلافة ، ولهذا السبب قتلوا منهم من قتلوا ، وسجنوا منهم من سجنوا ، وشرّدوا منهم من شرّدوا ، وخاصّة بنو أميّة الّذين أمروا بلعن الإمام عليّ (ع) في خطب صلاة الجمعة على منابر المسلمين ، ولم ينج من عذابهم ومطاردتهم محبّو أئمة أهل البيت وشيعتهم ومن اعتقد بإمامتهم ؛ مع كلّ ذلك لا نجد في التاريخ المدوّن أيّة صغيرة أو هفوة نسبت إلى أئمة أهل البيت (ع). وكفى بهذا دليلا على أن الله عصمهم من الرجس وطهّرهم تطهيرا.

كان هذا أهمّ أدلّة مدرسة أهل البيت على عصمة أهل البيت (ع) ، وفي ما يأتي بيان بعض النصوص الواردة عن رسول الله (ص) في إمامتهم ، وقد قال الله تعالى في حقّ رسوله :

(وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) النجم / ٣ ـ ٤.

٢٧٥

اهتمام الرسول (ص) بأمر تعيين أولي الأمر من بعده

قبل أن ندرس النصوص الواردة عن رسول الله (ص) في تعيين أولي الأمر من بعده ، ندرس شيئا من اهتمام الرسول (ص) بهذا الأمر في ما يأتي :

إن أمر الإمامة بعد الرسول (ص) كان من الأمور المهمّة الّتي لم تغب عن بال الرسول (ص) ومن كان حوله ، بل كانوا يفكّرون فيه منذ البدء ؛ فقد رأينا بيحرة من بني عامر بن صعصعة يشترط على رسول الله (ص) لإسلامهم أن يكون لهم أمر من بعد الرسول (ص) ، ورأينا هوذة الحنفي يطلب من الرسول (ص) منحه شيئا من الأمر.

وكذلك كان الرسول (ص) ـ أيضا ـ يفكّر في الأمر من بعده ويدبّر له منذ أوّل يوم دعا إلى الإسلام ، وأوّل يوم أخذ فيه البيعة لإقامة المجتمع الإسلامي.

أمّا تدبيره في أوّل يوم أخذ فيه البيعة لإقامة المجتمع الإسلامي ، فقد كان ما رواه البخاريّ ومسلم في صحيحيهما ، والنسائيّ وابن ماجة في سننهما ، ومالك في الموطّأ ، وأحمد في المسند ، وغيرهم في غيرها ـ واللّفظ للأوّل ـ قال :

٢٧٦

قال عبادة بن الصامت : بايعنا رسول الله (ص) على السمع والطاعة في (العسر واليسر) والمنشط والمكره. وأن لا ننازع الأمر أهله ... (١).

وعبادة هذا كان أحد النّقباء الاثني عشر على الأنصار يوم بيعة العقبة الكبرى (٢) حين قال النبيّ (ص) للنيف والسبعين من الأنصار الّذين بايعوه : أخرجوا إليّ اثني عشر نقيبا يكونون على قومهم بما فيهم. فأخرجوا من بينهم اثني عشر نقيبا ، فقال رسول الله (ص) للنّقباء : أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء ، ككفالة الحواريّين لعيسى بن مريم (ع) ...(٣).

إنّ عبادة بن الصّامت أحد أولئك النّقباء الاثني عشر روى من بنود البيعة الّتي بايعوا الرسول عليها : «أن لا ينازعوا الأمر أهله».

* * *

وإنّما أراد رسول الله (ص) من (الأمر) الوارد في هذا الحديث الصّحيح ، والّذي يذكر فيه أخذ البيعة من اثنين وسبعين رجلا وامرأتين من الأنصار أن لا ينازعوا الأمر أهله ، هو الأمر الّذي تنازعوا عليه في سقيفة بني ساعدة (٤) ، وأهل الأمر هم الّذين ذكرهم الله تعالى في قوله : (أَطِيعُوا اللهَ

__________________

(١) صحيح البخاري ، كتاب الأحكام ، باب كيف يبايع الإمام الناس ، ح ١ ، ٤ / ١٦٣. ولفظ العسر واليسر في صحيح مسلم ، كتاب الإمارة ، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية ، ح ٤١ و ٤٢. وسنن النسائي ، كتاب البيعة ، باب البيعة على أن لا ننازع الأمر أهله. وسنن ابن ماجة ، كتاب الجهاد ، باب البيعة ح ٢٨٦٦. وموطأ مالك ، كتاب الجهاد ، باب الترغيب في الجهاد ، ح ٥. ومسند أحمد ٥ / ٣١٤ و ٣١٦ و ٣١٩ و ٣٢١ ، وراجع ٤ / ٤١١ منه.

وترجمة عبادة بسير أعلام النبلاء ٢ / ٣. وتهذيب ابن عساكر ٧ / ٢٠٧ ـ ٢١٩.

(٢) بترجمة عبادة في الاستيعاب ٢ / ٤١٢. وأسد الغابة ٣ / ١٠٦ ـ ٨١٠٧.

(٣) الطبري ، ط. أوربا ١ / ١٢٢١.

(٤) راجع نزاع الأنصار القبلي مع المهاجرين في فصل السقيفة وبيعة أبي بكر ، بأول الكتاب.

٢٧٧

وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (٥)

وإنّ رسول الله (ص) وإن لم يشخص هنا وليّ الأمر من بعده ، لأنّه لم يكن من الحكمة أن يعرّف وليّ الأمر من بعده وهو من غير قبيلة الأنصار ، ولعلّ نفوس بعض المبايعين لم تكن تتحمّل ذلك يومئذ ، غير أنه أخذ البيعة منهم أن لا ينازعوه حين يعيّنه لهم بعد ذلك.

وقد عيّن الرسول (ص) وليّ الأمر من بعده وشخص وصيّه وخليفته في مجتمع أصغر من هذا المجتمع ، وذلك في أوّل يوم دعا الأقربين إليه للإسلام ، كما رواه جمع من أهل الحديث والسير مثل : الطبري ، وابن عساكر ، وابن الأثير ، وابن كثير ، والمتّقي ، وغيرهم ـ واللفظ للأوّل (٦) ـ قال : عن عليّ بن أبي طالب (ع) قال :

لمّا نزلت هذه الآية على رسول الله (ص) : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) الشعراء / ٢١٤. دعاني رسول الله (ص) فقال لي :

يا عليّ ، إنّ الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين ، فضقت بذلك ذرعا ، وعرفت أنّي متى أباديهم بهذا الأمر ، أرى ما أكره ، فصمتّ عليه ، حتّى جاءني جبرئيل فقال : يا محمّد إن لا تفعل ما تؤمر به يعذّبك ربّك. فاصنع لنا صاعا من طعام ، واجعل عليه رجل شاة ، واملأ لنا عسّا من لبن ، ثمّ اجمع لي بني عبد المطّلب حتّى أكلّمهم وأبلّغهم ما أمرت به.

__________________

(٥) النساء / ٥٩. ويأتي تفسيرها والأحاديث الواردة عن رسول الله (ص) حوله في بحوث الكتاب إن شاء الله تعالى.

(٦) تاريخ الطبري ط. أوربا ٣ / ١١٧١ ـ ١١٧٢. وابن عساكر تحقيق المحمودي ج ١ من ترجمة الإمام. وتاريخ ابن الأثير ٢ / ٢٢٢. وشرح ابن أبي الحديد ٣ / ٢٦٣. وفي تاريخ ابن كثير ٣ / ٣٩ ، وقد حذف الألفاظ وقال : كذا وكذا. وكنز العمال للمتقي ، ١٥ / ١٠٠ و ١١٥ و ١١٦ منه ، وفي ص ١٣٠ : يكون أخي وصاحبي ووليّكم بعدي. والسيرة الحلبية نشر المكتبة الإسلاميّة ببيروت ١ / ٢٨٥.

٢٧٨

ففعلت ما أمرني به ، ثمّ دعوتهم له وهم يومئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصونه ، فيهم أعمامه : أبو طالب ، وحمزة ، والعبّاس ، وأبو لهب. فلمّا اجتمعوا إليه دعاني بالطّعام الّذي صنعت لهم ، فجئت به. فلمّا وضعته تناول رسول الله (ص) حذية (أي : قطعة) من اللّحم فشقّها بأسنانه ، ثمّ ألقاها في نواحي الصّحفة ، ثمّ قال : خذوا بسم الله. فأكل القوم حتّى ما لهم بشيء من حاجة ، وما أرى إلّا موضع أيديهم. وأيم الله الّذي نفس عليّ بيده إن كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدمت لجميعهم. ثمّ قال : اسق القوم. فجئتهم بذاك العسّ ، فشربوا منه حتّى رووا منه جميعا ، وأيم الله إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله.

فلمّا أراد رسول الله (ص) أن يكلّمهم ، بدره أبو لهب إلى الكلام فقال : لشدّ ما سحركم صاحبكم. فتفرّق القوم ولم يكلّمهم رسول الله (ص) فقال الغد : يا عليّ إنّ هذا الرجل سبقني إلى ما قد سمعت من القول ، فتفرّق القوم قبل أن أكلّمهم ، فعد لنا من الطّعام بمثل ما صنعت ، ثمّ اجمعهم إليّ.

قال : ففعلت ، ثمّ جمعتهم ، ثمّ دعاني بالطّعام ، فقرّبته لهم ففعل كما فعل بالأمس ، فأكلوا حتّى ما لهم بشيء حاجة ، ثمّ قال : اسقهم. فجئتهم بذاك العسّ ، فشربوا حتّى رووا منه جميعا. ثمّ تكلّم رسول الله (ص) فقال : يا بني عبد المطّلب ، إنّي والله ما أعلم شابّا في العرب جاء قومه بأفضل ممّا قد جئتكم به. إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه. فأيّكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم؟

قال : فأحجم القوم عنها جميعا وقلت ـ وإنّي لأحدثهم سنّا ، وأرمصهم عينا ، وأعظمهم بطنا ، وأحمشهم ساقا ـ : أنا يا نبيّ الله أكون

٢٧٩

وزيرك عليه. فأخذ برقبتي ، ثمّ قال : إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا. قال : فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع.

* * *

كانت هذه الدعوة في السنّة الثالثة من البعثة ، وهي أوّل مرّة أظهر فيها الرّسول (ص) الدعوة إلى الإسلام ، وشخّص فيها الإمام من بعده وعرّفه للأقربين إليه. وإنّما فعل ذلك هنا ، ولم يفعله بعدها بعشر سنوات ويوم أخذ البيعة من الأنصار لإقامة المجتمع الإسلامي ، لأنّ الإمام كان من غير قبائل الأنصار وكان بناء المجتمع عندهم على أساس قبلي ، ولم يكن من الحكمة أن يأخذ البيعة منهم لمن يلي الأمر بعده وهو ليس من قبائل الأنصار ، فاكتفى في ذلك المقام بأخذ البيعة منهم أن لا ينازعوه في الأمر.

وفي هذه المرّة شخّصه للأقربين إليه في محاورة شبيهة بمشاورة أصحابه في غزوة بدر ، فإنّه مع علمه في غزوة بدر بعاقبة الأمر ، كما أخبر بها أصحابه بعد الانتهاء من المشاورة وأراهم مصارع المشركين ، مع ذلك استشارهم أوّل الأمر في ما يفعل ، وكذلك فعل هنا ، فإنّه مع علمه بالعاقبة وأنّ الّذي يقبل مؤازرته هو الإمام عليّ ، مع ذلك علّق تعيين الوزير والوصيّ والخليفة من بعده على قبول المؤازرة في التبليغ وليتقدّم بالقبول أيّهم شاء ، ولمّا أبى كلّهم ذلك ، وبادر بالقبول ابن عمّه عليّ ، أخذ برقبته وقال فيه ما مرّ وأمرهم بطاعته.

* * *

رأينا في ما مرّ بنا إلى هنا اهتمام الرسول (ص) بأمر الإمامة من بعده : يشخّصه في مكان ، ويأخذ البيعة أن لا ينازعوه في مكان آخر ، ويقابل طمع الطّامعين بالرفض في غيرهما.

ومن أجل أن ندرك مدى اهتمام الرسول (ص) بأمر من يستخلفه من

٢٨٠