معالم المدرستين - ج ١

السيد مرتضى العسكري

معالم المدرستين - ج ١

المؤلف:

السيد مرتضى العسكري


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة البعثة
الطبعة: ٤
الصفحات: ٦١٦

الخزرجي : اختر خمسين رجلا من الأنصار يكونوا معك ، فإذا توفّيت فاستحثّ هؤلاء النفر حتّى يختاروا لأنفسهم وللأمّة أحدهم ولا يتأخّروا عن أمرهم فوق ثلاث. وأمر صهيبا أن يصلّي بالناس إلى أن يتّفقوا على إمام. وكان طلحة بن عبيد الله غائبا في ماله بالسراة (١٢٠) ، فقال عمر : إن قدم طلحة في الثلاثة الأيام ، وإلّا فلا تنتظروه بعدها وأبرموا الأمر واصرموه ، وبايعوا من تتّفقون عليه ، فمن خالف عليكم فاضربوا عنقه. قال : فبعثوا إلى طلحة رسولا يستحثّونه ويستعجلونه بالقدوم ، فلم يرد المدينة إلّا بعد وفاة عمر والبيعة لعثمان. فجلس في بيته وقال : أعلى مثلي يفتات! فأتاه عثمان ، فقال له طلحة : إن رددت أتردّه؟ قال : نعم. قال : فانّي أمضيته. فبايعه. وقريب منه ما في العقد الفريد ٣ / ٧٣.

وروى في ص ٢٠ منه ، قال :

فقال عبد الله بن سعد بن أبي سرح : ما زلت خائفا لأن ينتقض هذا الأمر حتّى كان من طلحة ما كان ، فوصلته رحم ولم يزل عثمان مكرما لطلحة حتّى حصر فكان أشدّ الناس عليه.

وروى البلاذري في ٥ / ١٨ من كتابه أنساب الأشراف بسند ابن سعد قال :

(قال عمر : ليتبع الأقل الأكثر ، فمن خالفكم فاضربوا عنقه).

وروى في ص ١٩ منه : عن أبي مخنف أنّه قال :

(أمر عمر أصحاب الشورى أن يتشاوروا في أمرهم ثلاثا ، فإن اجتمع اثنان على رجل واثنان على رجل ، رجعوا في الشورى ، فإن اجتمع أربعة على واحد وأباه واحد ، كانوا مع الأربعة ، وإن كانوا ثلاثة وثلاثة كانوا مع الثلاثة

__________________

(١٢٠) السراة : الجبل الذي فيه طرف الطائف ويقال لأماكن أخرى. معجم البلدان.

١٨١

الّذين فيهم ابن عوف إذ كان الثقة في دينه ورأيه ، المأمون للاختيار على المسلمين). وقريب منه ما في العقد الفريد ٣ / ٧٤.

وروى أيضا عن هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، أنّ عمر قال : (إن اجتمع رأي ثلاثة وثلاثة فاتّبعوا صنف عبد الرّحمن بن عوف واسمعوا وأطيعوا) وأخرجه ابن سعد في الطبقات ٣ / ق ١ / ٤٣.

وفي تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٦٠ : وروى البلاذري في أنساب الأشراف ٥ / ١٥ أنّ عمر قال :

(إنّ رجالا يقولون إنّ بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرها ، وإنّ بيعة عمر كانت عن غير مشورة والأمر بعدي شورى ، فإذا اجتمع رأي أربعة فليتّبع الاثنان الأربعة ، وإذا اجتمع رأي ثلاثة وثلاثة فاتّبعوا رأي عبد الرّحمن بن عوف فاسمعوا وأطيعوا وإن صفّق عبد الرّحمن بإحدى يديه على الأخرى فاتّبعوه).

وروى المتّقي في كنز العمال ٣ / ١٦٠ ، عن محمّد بن جبير عن أبيه ، أنّ عمر قال :

(إن ضرب عبد الرّحمن بن عوف إحدى يديه على الأخرى فبايعوه). وعن أسلم أنّ عمر بن الخطاب قال :

(بايعوا لمن بايع له عبد الرّحمن بن عوف ، فمن أبى فاضربوا عنقه).

ومن كلّ هذا يظهر أنّ الخليفة كان قد جعل أمر الترشيح بيد عبد الرّحمن بن عوف ، وبيّت معه أن يشترط في البيعة العمل بسيرة الشيخين ، وهم يعلمون أنّ الإمام عليّا يأبى أن يجعل العمل بسيرة الشيخين في عداد العمل بكتاب الله وسنّة رسوله (ص) وأنّ عثمان يوافق على ذلك ، فيبايع عثمان بالخلافة ، ويخالفهم الإمام علي فيعرض على السيف.

والدليل على ما قلنا بالإضافة إلى ما سبق ، ما رواه ابن سعد في طبقاته

١٨٢

عن سعيد بن العاص ما خلاصته : أنّ سعيد بن العاص أتى الخليفة عمر يستزيده في الأرض ليوسّع داره ، فوعده الخليفة بعد صلاة الغداة وذهب معه حينئذ إلى داره. قال سعيد :

(فزادني وخطّ لي برجليه فقلت : يا أمير المؤمنين زدني فإنّه نبتت لي نابتة من ولد وأهل. فقال : حسبك واختبئ عندك ، إنّه سيلي الأمر من بعدي من يصل رحمك ويقضي حاجتك. قال : فمكثت خلافة عمر بن الخطاب حتّى استخلف عثمان وأخذها عن شورى ورضى فوصلني وأحسن وقضى حاجتي وأشركني في أمانته) (١٢١).

إذا فالخليفة عمر قد أنبأ سعيد بن العاص أنّه سيلي بعده ذو رحم سعيد وهو عثمان وطلب منه أن يخبئ الأمر عنده ؛ ويتّضح من هذه المحاورة أنّ أمر تولية عثمان الخلافة كان قد بتّ فيه في حياة الخليفة عمر ، وتعيين الستّة في الشّورى كان من أجل تمرير هذا الأمر بصورة مرضية لدى الجميع.

أمّا تعريض الإمام علي للقتل فممّا يدلّ عليه بالإضافة إلى ما مرّ ما رواه ابن سعد أيضا بترجمة سعيد بن العاص : أنّ عمر بن الخطاب قال لسعيد بن العاص : (ما لي أراك معرضا كأنّك ترى أنّي قتلت أباك؟ ما أنا قتلته ولكنّه قتله علي بن أبي طالب) (١٢٢) وكان قد قتله ببدر.

أليس في هذا القول تحريش على الإمام عليّ وإثارة للضغائن عليه.

الإمام علي (ع) يعلم بأنّ الخلافة زويت عنه

كان الإمام عليّ يعلم بأنّ الخلافة زويت عنه وإنّما اشترك معهم في

__________________

(١٢١) بترجمة سعيد بن العاص من الطّبقات ، ط. أوربا ٥ / ٢٠ ـ ٢٢.

(١٢٢) سعيد بن العاص بن سعيد بن أحيحة بن أميّة : توفي رسول الله (ص) وهو ابن تسع سنين أو نحوه طبقات ابن سعد ٥ / ٢٠ ـ ٢٢.

١٨٣

الشّورى كي لا يقال : هو الّذي زهد في الخلافة. ويدلّ على أنّه كان يعلم ما بيّت له ، الحديث الآتي :

روى البلاذري في ٥ / ١٩ من كتابه أنساب الأشراف :

إنّ عليّا شكا إلى عمّه العبّاس ما سمع من قول عمر : كونوا مع الّذين فيهم عبد الرّحمن بن عوف ، وقال : والله لقد ذهب الأمر منّا. فقال العبّاس : وكيف قلت ذلك يا ابن أخي؟ فقال : إنّ سعدا لا يخالف ابن عمّه عبد الرّحمن وعبد الرّحمن نظير عثمان وصهره فأحدهما لا يخالف صاحبه لا محالة ، وإن كان الزبير وطلحة معي فلن أنتفع بذلك إذ كان ابن عوف في الثلاثة الآخرين. وقال ابن الكلبي : عبد الرّحمن بن عوف زوج أمّ كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وأمّها أروى بنت كريز وأروى أمّ عثمان فلذلك قال صهره. وقريب منه ما في العقد الفريد ٣ / ٧٤.

وروى في ص ٢١ منه عن أبي مخنف قال :

لما دفن عمر أمسك أصحاب الشورى وأبو طلحة يؤمّهم فلم يحدثوا شيئا ، فلمّا أصبحوا جعل أبو طلحة يحوشهم للمناظرة في دار المال ، وكان دفن عمر يوم الأحد وهو الرابع من يوم طعن ، وصلّى عليه صهيب بن سنان. قال : فلمّا رأى عبد الرّحمن تناجي القوم وتناظرهم وأنّ كلّ واحد منهم يدفع صاحبه عنها ، قال لهم : يا هؤلاء أنا أخرج نفسي وسعدا على أن أختار يا معشر الأربعة أحدكم ، فقد طال التناجي وتطلّع الناس إلى معرفة خليفتهم وإمامهم ، واحتاج من أقام الانتظار ذلك من أهل البلدان الرجوع إلى أوطانهم ، فأجابوا إلى ما عرض عليهم إلّا عليّا فإنّه قال : أنظر.

وأتاهم أبو طلحة فأخبره عبد الرّحمن بما عرض وبإجابة القوم إيّاه إلّا عليّا فأقبل أبو طلحة على عليّ ، فقال : يا أبا الحسن إنّ أبا محمّد ثقة لك وللمسلمين ، فما بالك تخالف وقد عدل الأمر عن نفسه ، فلن يتحمّل المأثم

١٨٤

لغيره؟ فأحلف عليّ عبد الرّحمن بن عوف أن لا يميل إلى هوى وأن يؤثر الحقّ وأن يجتهد للأمّة ، وأن لا يحابي ذا قرابة ، فحلف له ، فقال : اختر مسدّدا. وكان ذلك في دار المال ويقال في دار المسور بن مخرمة.

ثم إنّ عبد الرّحمن أحلف رجلا رجلا منهم بالأيمان المغلظة ، وأخذ عليهم المواثيق والعهود أنّهم لا يخالفونه إن بايع منهم رجلا وأن يكونوا معه على من يناويه ، فحلفوا على ذلك ، ثمّ أخذ بيد عليّ فقال له : عليك عهد الله وميثاقه إن بايعتك أن لا تحمل بني عبد المطّلب على رقاب الناس ، ولتسيرنّ بسيرة رسول الله (ص) لا تحول عنها ولا تقصر في شيء منها ، فقال عليّ : لا أحمل عهد الله وميثاقه على ما لا أدركه ولا يدركه أحد. من ذا يطيق سيرة رسول الله (ص) ولكنّي أسير من سيرته بما يبلغه الاجتهاد منّي ، وبما يمكنني وبقدر علمي. فأرسل عبد الرّحمن يده. ثمّ أحلف عثمان وأخذ عليه العهود والمواثيق أن لا يحمل بني أميّة على رقاب الناس وعلى أن يسير بسيرة رسول الله (ص) وأبي بكر وعمر ولا يخالف شيئا من ذلك ، فحلف له. فقال عليّ : قد أعطاك أبو عبد الله الرّضا فشأنك فبايعه. ثمّ إنّ عبد الرّحمن عاد إلى عليّ فأخذ بيده وعرض عليه أن يحلف بمثل تلك اليمين أن لا يخالف سيرة رسول الله وأبي بكر وعمر ، فقال عليّ : عليّ الاجتهاد ، وعثمان يقول: نعم ، عليّ عهد الله وميثاقه وأشدّ ما أخذ على أنبيائه أن لا اخالف سيرة رسول الله (ص) وأبي بكر وعمر في شيء ولا أقصر عنها. فبايعه عبد الرّحمن وصافحه وبايعه أصحاب الشورى ، وكان عليّ قائما ، فقعد ، فقال له عبد الرحمن : بايع وإلّا ضربت عنقك. ولم يكن مع أحد يومئذ سيف ، فيقال : إنّ عليّا خرج مغضبا فلحقه أصحاب الشورى ، فقالوا : بايع وإلّا جاهدناك ، فأقبل معهم يمشي حتّى بايع عثمان) ا ه.

في هذا الخبر حذف من أوّل قول عبد الرحمن (وسيرة الشيخين) ونقل

١٨٥

أوّل كلام الإمام عليّ بتصرّف وحذف آخره ؛ وتمام الخبر في الرواية الآتية :

في تاريخ اليعقوبي ١ / ١٦٢ : أنّ عبد الرحمن خلا بعليّ بن أبي طالب ، فقال : لنا الله عليك ، إن وليت هذا الأمر ، أن تسير فينا بكتاب الله وسنّة نبيّه وسيرة أبي بكر وعمر. فقال : أسير فيكم بكتاب الله وسنّة نبيّه ما استطعت. فخلا بعثمان فقال له : لنا الله عليك ، إن وليت هذا الأمر ، أن تسير فينا بكتاب الله وسنّة نبيّه وسيرة أبي بكر وعمر. فقال : لكم أن أسير فيكم بكتاب الله وسنّة نبيّه وسيرة أبي بكر وعمر. ثمّ خلا بعليّ فقال له مثل مقالته الأولى ، فأجابه مثل الجواب الأول ؛ ثمّ خلا بعثمان فقال له مثل المقالة الأولى ، فأجابه مثل ما كان أجابه ، ثمّ خلا بعليّ فقال له مثل المقالة الأولى ، فقال : إنّ كتاب الله وسنة نبيّه لا يحتاج معهما إلى إجّيرى (١٢٣) أحد ، أنت مجتهد أن تزوي هذا الأمر عنّي. فخلا بعثمان فأعاد عليه القول ، فأجابه بذلك الجواب ، وصفق على يده.

وفي ذكر حوادث سنة ٢٣ من تاريخ الطبري ٣ / ٢٩٧ ، وكذلك ابن الأثير ٣ / ٣٧ ، قال الإمام عليّ لعبد الرحمن لمّا بايع عثمان في اليوم الثالث :

«حبوته حبوة دهر ، ليس هذا أول يوم تظاهرتم فيه علينا ، فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون. والله ما ولّيت عثمان إلا ليردّ الأمر إليك ، والله كلّ يوم في شأن». وكذلك ورد في العقد الفريد ٣ / ٧٦ ، في العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم برقم : ٥.

بيعة الإمام علي (ع)

قتل عثمان وعاد إلى المسلمين أمرهم وانحلّوا من كل بيعة سابقة

__________________

(١٢٣) الإجّيرى بالكسر والتشديد : العادة والطريقة.

١٨٦

توثقهم ، فتهافتوا على ابن أبي طالب يطلبون يده للبيعة ؛ قال الطبري (١٢٤) :

فأتاه أصحاب رسول الله (ص) فقالوا :

إنّ هذا الرجل قد قتل ولا بدّ للناس من إمام ولا نجد اليوم أحقّ بهذا الأمر منك ، لا أقدم سابقة ، ولا أقرب من رسول الله (ص).

فقال : لا تفعلوا فإنّي أكون وزيرا خير من أن أكون أميرا.

فقالوا : لا ، والله ما نحن بفاعلين حتّى نبايعك.

قال : ففي المسجد ، فإنّ بيعتي لا تكون خفيا ، ولا تكون إلّا عن رضى المسلمين ....

وروى بسند آخر وقال :

اجتمع المهاجرون والأنصار فيهم طلحة والزبير فأتوا عليّا فقالوا : يا أبا الحسن ، هلمّ نبايعك.

فقال : لا حاجة لي في أمركم. أنا معكم فمن اخترتم فقد رضيت به ، فاختاروا.

فقالوا : والله ما نختار غيرك.

قال : فاختلفوا إليه بعد ما قتل عثمان (رض) مرارا ثمّ أتوه في آخر ذلك ، فقالوا له:

إنّه لا يصلح الناس إلّا بإمرة وقد طال الأمر.

فقال لهم : إنّكم قد اختلفتم إليّ وأتيتم وإنّي قائل لكم قولا إن قبلتموه قبلت أمركم وإلّا فلا حاجة لي فيه.

قالوا : ما قلت قبلناه إن شاء الله. فجاء فصعد المنبر فاجتمع الناس

__________________

(١٢٤) الطبري ٥ / ١٥٢ ـ ١٥٣ ، وط. أوربا ١ / ٣٠٦٦. وراجع الكنز ٣ / ١٦١ ح ٢٤٧١ فإنّه يروي تفصيل بيعة عليّ ومجيء طلحة والزبير إليه وامتناعه عن البيعة .... وكذلك حكاه ابن أعثم بالتفصيل في ص ١٦٠ ـ ١٦١ من تأريخه.

١٨٧

إليه.

فقال : إنّي قد كنت كارها لأمركم فأبيتم إلّا أن أكون عليكم. ألا وإنّه ليس لي أمر دونكم ، ألا إنّ مفاتيح مالكم معي. ألا وإنّه ليس لي أن آخذ منه درهما دونكم. رضيتم؟

قالوا : نعم.

قال : اللهمّ اشهد عليهم. ثمّ بايعهم على ذلك.

وروى البلاذري (١٢٥) وقال :

وخرج عليّ فأتى منزله ، وجاء الناس كلّهم يهرعون إلى عليّ ، أصحاب النبيّ وغيرهم ، وهم يقولون : (إنّ أمير المؤمنين عليّ) حتّى دخلوا داره ، فقالوا له : نبايعك ، فمدّ يدك فإنّه لا بدّ من أمير. فقال عليّ : ليس ذلك إليكم إنّما ذلك إلى أهل بدر ، فمن رضي به أهل بدر فهو خليفة. فلم يبق أحد من أهل بدر إلّا أتى عليّا ، فقالوا : ما نرى أحدا أحقّ بهذا الأمر منك .... فلمّا رأى عليّ ذلك صعد المنبر ، وكان أوّل من صعد إليه فبايعه طلحة بيده ، وكانت إصبع طلحة شلّاء فتطيّر منها عليّ وقال : ما أخلقه أن ينكث.

روى الطبري (١٢٦) : (أنّ حبيب بن ذؤيب نظر إلى طلحة حين بايع فقال : أوّل من بدأ بالبيعة يد شلّاء لا يتمّ هذا الأمر ...) انتهى.

* * *

بعد دراسة الواقع التاريخي في إقامة الحكم في صدر الإسلام ، ندرس في ما يأتي رأي المدرستين في الخلافة والإمامة ونبدأ بذكر آراء مدرسة الخلافة.

__________________

(١٢٥) الأنساب ٥ / ٧٠. وقد روى الحاكم في المستدرك ٣ / ١١٤ تشاؤم علي من بيعة طلحة.

(١٢٦) الطبري ٥ / ١٥٣ وط. اوربا ١ / ٣٠٦٨.

١٨٨

الفصل الثاني

بحوث مدرسة الخلفاء في الإمامة

رأي مدرسة الخلافة وما استدلوا

به آراء أتباع مدرسة الخلفاء

وجوب طاعة الإمام وإن خالف الرسول (ص)

استدلال أتباع مدرسة الخلافة في القرون الأخيرة

مصطلحات بحث الإمامة والخلافة

دراسة آراء مدرسة الخلفاء في أمر الخلافة

الأول : مناقشة الاستدلال بالشورى

الاستدلال بالشورى بكتاب الله وسنة رسوله (ص)

الثاني : مناقشة الاستدلال بالبيعة

الثالث : مناقشة الاستدلال بعمل الصحابة

مناقشة الاستدلال بالشورى والبيعة وعمل الأصحاب

الرابع : مناقشة الاستدلال بأن الخلافة تقام بالقهر والغلبة

إطاعة الإمام الجائر المخالف لسنّة الرسول (ص) خلاصة البحث

١٨٩
١٩٠

رأي مدرسة الخلافة وما استدلّوا به

أولا ـ قال الخليفة أبو بكر (١) :

لن يعرف هذا الأمر إلّا لهذا الحيّ من قريش هم أوسط العرب نسبا ودارا وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين : (عمر وأبي عبيدة) فبايعوا أيّهما شئتم (٢).

ثانيا ـ قال الخليفة عمر بن الخطاب (٣) :

فلا يغترّنّ امرؤ أن يقول إنّما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمّت ، ألا

__________________

(١) أبو بكر ، عبد الله بن أبي قحافة ، عثمان بن عامر القرشي التيمي ، وأمّه : أمّ الخير سلمى أو ليلى بنت صخر التيمي. ولد بعد الفيل بسنتين أو ثلاث. صاحب الرسول (ص) في هجرته إلى المدينة وسكن (سنح) خارج المدينة وكان يحلب للحيّ أغنامهم حتّى ولي الخلافة. انتقل إلى المدينة بعد ستّة أشهر من ذلك ، وتوفّي سنة ثلاث عشرة. وروى عنه أصحاب الصحاح ١٤٢ حديثا. راجع ترجمته بأسد الغابة وفي تاريخ ابن الأثير ٢ / ١٦٣ في ذكر بعض أخباره. وجوامع السيرة ص : ٢٧٨.

(٢) البخاري ، كتاب الحدود ، باب رجم الحبلى ٤ / ١٢٠.

(٣) أبو حفص ، عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي العدوي ، وأمّه : حنتمة بنت هاشم أو هشام بن المغيرة المخزومي. أسلم بعد نيف وخمسين بمكّة وشهد بدرا وما بعدها. استخلفه أبو بكر في مرض موته ، وتوفي من طعنة أبي لؤلؤة إياه ، ودفن هلال محرم سنة ٢٤ ه‍ إلى جنب ـ

١٩١

وإنّها قد كانت كذلك ، ولكنّ الله وقى شرّها ، وليس منكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر ، من بايع رجلا عن غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الّذي بايعه تغرّة أن يقتلا(٤).

آراء أتباع مدرسة الخلفاء :

قال أقضى القضاة الماوردي (ت : ٤٥٠ ه‍) في الأحكام السلطانية (٥) والإمام علامة الزمان القاضي أبو يعلى (ت : ٤٥٨ ه‍) في الأحكام السلطانية (٦) ، كلاهما ، قالا في كتابيهما :

الإمامة تنعقد من وجهين : أحدهما باختيار أهل الحلّ والعقد ، والثاني بعهد الإمام من قبل.

فأمّا انعقادها باختيار أهل الحلّ والعقد ، فقد اختلف العلماء في عدد من تنعقد به الإمامة منهم على مذاهب شتّى ، فقالت طائفة :

__________________

ـ أبي بكر. روى عنه أصحاب الصحاح ٥٣٧ حديثا. ترجمته في الاستيعاب وأسد الغابة وجوامع السيرة ص : ٢٧٦.

(٤) البخاري ، كتاب الحدود ، باب رجم الحبلى ٤ / ١٢٠. و (التّغرّة) : مصدر غررته : إذا ألقيته في الغرر وهي من التغرير ، كالتعلة من التعليل ، والمقصود أن الّذي يبايع آخر دون مشورة من المسلمين ، فإنّهما قد غررا بالمسلمين وجزاء المبايع والمبايع له أن يقتلا. (راجع معاجم اللغة).

(٥) الأحكام السلطانية لأبي الحسن عليّ بن محمد البصريّ البغدادي ، ط. الثانية سنة ١٣٥٦ ه‍ ، ص ٧ ـ ١١. والماوردي نسبة إلى (بيع ماء الورد) كان من وجوه فقهاء الشافعية ، له مصنّفات كثيرة.

(٦) الأحكام السلطانية للشيخ أبي يعلى محمد بن الحسن الفراء الحنبلي ط. الأولى بمصر سنة ١٣٥٦ ه‍ ، ص : ٧ ـ ١١.

وإنما اعتمدنا عليهما أكثر من غيرهما من كتب مدرسة الخلفاء ، لأنّ هذا النوع من الكتب مثل كتاب الخراج لأبي يوسف ، إنّما ألّف لتدوين الأحكام الّتي تخصّ شئون الحكم على رأي مدرسة الخلفاء ومن أجل العمل به ، خلافا للكتب الّتي دوّنت في مقام المناظرة وليس للعمل بها. وكلّ ما نورده في ما يلي من كلا الكتابين وما انفرد به أحدهما ذكرنا ذلك في الهامش.

١٩٢

لا تنعقد إلّا بجمهور أهل العقد والحلّ من كلّ بلد ليكون الرضا به عامّا والتسليم لإمامته إجماعا ، وهذا مذهب مدفوع ببيعة أبي بكر (رض) على الخلافة باختيار من حضرها ولم ينتظر ببيعته قدوم غائب عنها.

وقالت طائفة أخرى :

أقل من تنعقد به منهم الإمامة خمسة يجتمعون على عقدها أو يعقدها أحدهم برضا الأربعة استدلالا بأمرين : أحدهما ، أنّ بيعة أبي بكر (رض) انعقدت بخمسة اجتمعوا عليها ثمّ تابعهم الناس فيها ، وهم عمر بن الخطاب ، وأبو عبيدة بن الجراح (٧) ، وأسيد بن حضير ، وبشير بن سعد ، وسالم مولى أبي حذيفة (رض). والثاني ، أنّ عمر (رض) جعل الشورى في ستّة ليعقد لأحدهم برضا الخمسة. وهذا قول أكثر الفقهاء والمتكلّمين من أهل البصرة.

وقال آخرون من علماء الكوفة : تنعقد بثلاثة يتولّاها أحدهم برضا الاثنين ليكونوا حاكما وشاهدين كما يصحّ عقد النكاح بوليّ وشاهدين.

__________________

(٧) أبو عبيدة ، عامر بن عبد الله بن الجراح : كان حفّارا للقبور بمكّة شهد بدرا وما بعدها ومات بطاعون عمواس ـ كورة قرب بيت المقدس ـ سنة ١٨ ه‍. روى عنه أصحاب الصحاح ١٤ حديثا. ترجمته بأسد الغابة وجوامع السيرة ص : ٢٨٤ ، وطبقات ابن سعد ، ط. أوربا ٢ / ٢ / ٧٤.

وأسيد بن حضير : مرّت ترجمته في ص ١٥٢ ، الهامش رقم (١٦).

وبشير بن سعد بن ثعلبة الخزرجي : يقال أول من بايع أبا بكر ، وكان حاسدا لسعد بن عبادة ، وقتل يوم عين التمر مع خالد. أخرج حديثه النسائي في سننه. راجع عبد الله بن سبأ ١ / ٩٦. والتقريب ١ / ١٠٣. وأسد الغابة.

وأبو عبد الله ، سالم مولى أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة الأموي : كان من اصطخر فارس أعتقته ثبيتة الأنصارية زوج أبي حذيفة فتبناه أبو حذيفة ولذلك عدّ من المهاجرين هاجر إلى المدينة قبل رسول الله وكان يؤم المهاجرين فيها وفيهم عمر بن الخطاب لأنه كان أقرأهم للقرآن ، آخى الرسول بينه وبين معاذ من الأنصار. قتل يوم اليمامة. ترجمته بأسد الغابة والإصابة.

١٩٣

وقالت طائفة اخرى :

(تنعقد بواحد ، لأنّ العبّاس (٨) قال لعليّ رضوان الله عليهما : امدد يدك أبايعك ، فيقول الناس عمّ رسول الله (ص) بايع ابن عمّه ، فلا يختلف عليك اثنان ، ولأنّه حكم وحكم واحد نافذ) (٩).

(وأمّا انعقاد الإمامة بعهد من قبله ، فهو ممّا انعقد الإجماع على جوازه ووقع الاتّفاق على صحّته لأمرين عمل المسلمون بهما ولم يتناكروهما ، أحدهما : أنّ أبا بكر (رض) عهد بها إلى عمر (رض) فأثبت المسلمون إمامته بعهده).

والثاني أنّ عمر (رض) عهد بها إلى أهل الشورى ... إلى قوله : لأنّ بيعة عمر (رض) لم تتوقف على رضا الصحابة ، ولأن الإمام أحقّ بها) (١٠).

ونقل اختلاف العلماء في لزوم معرفة الإمام وأنّ بعضهم قال :

(واجب على الناس كلّهم معرفة الإمام بعينه واسمه ، كما عليهم معرفة الله ومعرفة رسوله).

ثمّ قال :

(والّذي عليه جمهور الناس ، أنّ معرفة الإمام تلزم الكافّة بالجملة دون التفصيل)(١١).

وأضاف قاضي القضاة أبو يعلى الفرّاء الحنبلي في الأحكام السلطانية (١٢).

__________________

(٨) أبو الفضل ، العبّاس بن عبد المطّلب ، وأمّه : نتيلة بنت خباب النمري. شهد مع رسول الله بيعة العقبة وأسر في بدر ففدى نفسه وابني أخويه عقيلا ونوفلا ، هاجر قبل فتح مكة وشهده. استسقى به عمر بن الخطاب في عام الرمادة ـ عام الجدب والقحط ـ توفّي سنة ٣٢ ه‍. روى عنه أصحاب الصحاح ٣٥ حديثا. ترجمته بأسد الغابة وجوامع السيرة ص : ٢٨١.

(٩) الأحكام السلطانية للماوردي ص : ٦ ـ ٧.

(١٠) المصدر السابق ص : ١٠. ويظهر من أقوالهم بأنّهم يدينون بما وقع وأنّ الأمر الذي وقع هو الدين ولا يختلفون في ذلك وإنما الاختلاف في كيفية ما وقع.

(١١) المصدر السابق ص : ١٥.

(١٢) الأحكام السلطانية ص : ٧ ـ ١١.

١٩٤

على تلكم الأقوال قول بعضهم :

(إنّها تثبت بالقهر والغلبة ، ولا تفتقر إلى العقد).

(ومن غلب عليهم بالسيف حتّى صار خليفة وسمّي أمير المؤمنين ، فلا يحلّ لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت ولا يراه إماما برّا كان أو فاجرا ، فهو أمير المؤمنين).

وقال في الإمام يخرج عليه من يطلب الملك فيكون مع هذا قوم ومع هذا قوم : (تكون الجمعة مع من غلب) واحتجّ بأنّ ابن عمر صلّى بأهل المدينة في زمن الحرّة وقال : (نحن مع من غلب) (١٣).

وقال إمام الحرمين الجويني (ت : ٤٧٨ ه‍) في باب الاختيار وصفته وذكر ما ينعقد به الإمامة من كتاب الإرشاد :

(اعلموا أنّه لا يشترط في عقد الإمامة الإجماع ، بل تنعقد الإمامة وإن لم تجمع الأمّة على عقدها. والدليل عليه أنّ الإمامة لمّا عقدت لأبي بكر ابتدر لإمضاء أحكام المسلمين ، ولم يتأنّ لانتشار الأخبار إلى من نأى من الصّحابة في الأقطار ، ولم ينكر عليه منكر ، ولم يحمله على التريّث حامل. فإذا لم يشترط الإجماع في عقد الإمامة ، لم يثبت عدد معدود ، ولا حدّ محدود ،

__________________

(١٣) المصدر السابق ص ٧ ـ ٨ في طبعة وفي أخرى ص ٢٠ ـ ٢٣.

وابن عمر ، هو عبد الله بن عمر بن الخطاب ، أمّه زينب بنت مظعون الجمحية. استصغره الرسول في أحد وشهد ما بعدها. روي عنه في الثناء على نفسه وأبيه روايات متعددة. أفتى ستّين سنة بعد رسول الله في الموسم. قالوا : كان جيّد الحديث ، ولم يكن جيّد الفقه. لم يشهد شيئا من الحروب مع عليّ ، ثمّ ندم من ذلك لمّا حضرته الوفاة ، قال : (ما أجد في نفسي من الدنيا إلا أنّي لم أقاتل الفئة الباغية مع عليّ بن أبي طالب). وكان سبب وفاته أنّ الحجّاج أمر رجلا فوضع زجّ رمح مسموم على قدمه في الزحام فمات سنة ٧٣ ه‍ ، وروى عنه أصحاب الصحاح ٢٦٣٠ حديثا. ترجمته بأسد الغابة وسير النبلاء وجوامع السيرة ص ٢٧٥.

١٩٥

فالوجه الحكم بأنّ الإمامة تنعقد بعقد واحد من أهل الحلّ والعقد) (١٤).

وقال الإمام ابن العربي (ت : ٥٤٣ ه‍) :

(لا يلزم في عقد البيعة للإمام أن تكون من جميع الأنام ، بل يكفي لعقد ذلك اثنان أو واحد) (١٥).

وقال الشيخ الفقيه الإمام العلّامة المحدّث القرطبي (ت : ٦٧١ ه‍) في المسألة الثامنة في تفسير (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) البقرة / ٣٠ ، من تفسير سورة البقرة :

(فإن عقدها واحد من أهل الحلّ والعقد ، فذلك ثابت ، ويلزم الغير فعله ، خلافا لبعض الناس حيث قال : لا تنعقد إلّا بجماعة من أهل الحلّ والعقد. ودليلنا أنّ عمر (رض) عقد البيعة لأبي بكر ولم ينكر أحد من الصحابة ذلك ، فوجب ألا يفتقر إلى عدد يعقدونه كسائر العقود).

وقال الإمام أبو المعالي : (من انعقدت له الإمامة بعقد واحد فقد لزمت ، ولا يجوز خلعه من غير حدث وتغير أمر ، قال : وهذا مجمع عليه).

وقال في المسألة الخامسة عشرة من تفسير الآية :

(إذا انعقدت الإمامة باتّفاق أهل الحلّ والعقد أو بواحد على ما تقدّم ، وجب على النّاس كافّة مبايعته) (١٦).

وقال أقضى القضاة عضد الدين الإيجي (ت : ٧٥٦ ه‍) في المواقف :

المقصد الثالث فيما تثبت به الإمامة ، ما ملخّصه : أنّها تثبت بالنصّ من

__________________

(١٤) الإرشاد في الكلام لإمام الحرمين عبد الملك بن عبد الله الجويني ط. القاهرة ١٣٦٩ ه‍ ، ص ٤٢٤.

(١٥) الإمام أبو بكر محمد بن عبد الله الإشبيلي المشهور بابن العربي في شرحه سنن الترمذي ١٣ / ٢٢٩.

(١٦) القرطبي ، هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي الأندلسي في كتاب جامع أحكام القرآن ، ط. مصر سنة ١٣٨٧ ه‍ ، ١ / ٢٦٩ ، ٢٧٢.

١٩٦

الرّسول ، ومن الإمام السابق بالإجماع ، وتثبت ببيعة أهل الحل والعقد خلافا للشيعة. دليلنا ثبوت إمامة أبي بكر (رض) بالبيعة.

وقال :

إذا ثبت حصول الإمامة بالاختيار والبيعة ، فاعلم أنّ ذلك لا يفتقر إلى الإجماع ، إذ لم يقم عليه دليل من العقل أو السمع ، بل الواحد والاثنان من أهل الحلّ والعقد كاف ، لعلمنا أنّ الصّحابة مع صلابتهم في الدين اكتفوا بذلك كعقد عمر لأبي بكر ، وعقد عبد الرّحمن بن عوف لعثمان ، ولم يشترطوا اجتماع من في المدينة فضلا عن إجماع الأمّة. هذا ولم ينكر عليهم أحد ، وعليه انطوت الأعصار إلى وقتنا هذا (١٧).

ووافق القاضي الإيجي شرّاح كتابه كتاب المواقف مثل السيد الشريف الجرجاني (ت : ٨١٦ ه‍) (١٨).

وجوب طاعة الإمام وإن خالف الرسول (ص)

روى مسلم في صحيحه عن حذيفة قال : قال رسول الله :

«يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنّون بسنّتي ، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشّياطين في جثمان إنس» قال :

قلت : كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال :

«تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع».

وروى عن ابن عباس أنّ رسول الله قال :

«من رأى من إمامه شيئا يكرهه فليصبر ، فإنّه من فارق الجماعة شبرا

__________________

(١٧) المواقف في علم الكلام ، ط. مصر ١٣٢٥ ه‍ ، ٨ / ٣٥١ ـ ٣٥٣ تأليف القاضي عبد الرحمن بن أحمد الإيجي ، توفّي بالسجن عام ٧٥٦ ه‍.

(١٨) السيد الشريف الجرجاني في شرحه على المواقف والّذي طبع مع الكتاب بمصر.

١٩٧

فمات ، مات ميتة جاهليّة».

وفي أخرى :

«ليس أحد خرج من السلطان شبرا فمات عليه إلّا مات ميتة جاهلية».

وروي عن عبد الله بن عمر بن الخطاب أنّه حين كان من أمر الحرّة ما كان زمن يزيد بن معاوية قال : سمعت رسول الله (ص) يقول :

«من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجّة له ، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهليّة» (١٩).

وقال النووي في شرحه بباب لزوم طاعة الأمراء في غير معصية :

(وقال جماهير أهل السنّة من الفقهاء والمحدّثين والمتكلّمين : لا ينعزل بالفسق والظلم وتعطيل الحقوق ، ولا يخلع ولا يجوز الخروج عليه بذلك ، بل يجب وعظه وتخويفه للأحاديث الواردة في ذلك). وقال قبله :

(وأمّا الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين وإن كانوا فسقة ظالمين ، وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته ، وأجمع أهل السنّة أنّه لا ينعزل السلطان بالفسق) (٢٠).

قال القاضي أبو بكر محمّد بن الطيّب الباقلاني (ت : ٤٠٣ ه‍) في كتاب التمهيد(٢١) في باب ذكر ما يوجب خلع الإمام وسقوط فرض طاعته

__________________

(١٩) صحيح مسلم ٦ / ٢٠ ـ ٢٢ كتاب الإمارة باب الأمر بلزوم الجماعة.

وروى الحديث عن حذيفة ، وهو ابن اليمان العبسي ، كان أبوه قد أصاب دما في الجاهلية ، فهرب الى المدينة ، وتزوّج بها وحالف بني عبد الأشهل ، وسمّي اليمان لمحالفته اليمانية واسمه حسل. شهد حذيفة الخندق وما بعدها ، وولي لعمر المدائن ، ومات بها سنة ستّ وثلاثين ، أربعين ليلة بعد بيعة الإمام علي. روى عنه أصحاب الصّحاح ٢٢٥ حديثا. ترجمته في الاستيعاب وأسد الغابة والإصابة وبجوامع السيرة ص ٢٧٧.

(٢٠) ١٢ / ٢٢٩ في شرحه على صحيح مسلم ، وراجع سنن البيهقي ٨ / ١٥٨ ـ ١٥٩.

(٢١) ط. القاهرة ١٣٦٦ ه‍.

١٩٨

ما ملخّصه :

(قال الجمهور من أهل الإثبات وأصحاب الحديث : لا ينخلع الإمام بفسقه وظلمه بغصب الأموال ، وضرب الأبشار ، وتناول النفوس المحرّمة ، وتضييع الحقوق ، وتعطيل الحدود ، ولا يجب الخروج عليه ، بل يجب وعظه وتخويفه وترك طاعته في شيء ممّا يدعو إليه من معاصي الله. واحتجّوا في ذلك بأخبار كثيرة متظافرة عن النبيّ (ص) وعن الصّحابة في وجوب طاعة الأئمّة وإن جاروا واستأثروا بالأموال ، وأنّه قال (ع) : اسمعوا وأطيعوا ولو لعبد أجدع ، ولو لعبد حبشيّ ، وصلّوا وراء كلّ برّ وفاجر. وروي أنّه قال : أطعهم وإن أكلوا مالك ، وضربوا ظهرك).

استدلال أتباع مدرسة الخلافة في القرون الأخيرة

في القرون الأخيرة غالبا ما يستدلّ أتباع مدرسة الخلافة على صحّة قيام حكم الخلافة في الماضي على أنّه كان قائما على أساس الشّورى بين المسلمين للخليفة ، وبعضهم يستنتج من ذلك أنّ الحكم الإسلاميّ أيضا يقام اليوم على أساس البيعة فمن بايعه المسلمون أصبح حاكما إسلاميّا يجب على جميع المسلمين بذل الطّاعة له.

* * *

كان ذلكم رأي مدرسة الخلفاء في كيفية إقامة الحكم الإسلامي وأدلّتهم على ما يرتئون ، وقبل البدء بدراسة ما ارتأوا وما استدلّوا عليه ، ينبغي أن ندرس المصطلحات الّتي يدور عليها البحث في ما يأتي.

١٩٩

مصطلحات بحث الإمامة والخلافة

يدور بحث الإمامة والخلافة على المصطلحات السبعة التالية :

أ ـ الشورى

ب ـ البيعة

ج ـ الخليفة وخليفة الله في الأرض

د ـ أمير المؤمنين

ه ـ الإمام

و ـ الأمر وأولو الأمر

ز ـ الوصيّ والوصيّة

وفي ما يلي تعريف المصطلحات المذكورة آنفا :

أوّلا ـ الشورى

التشاور ، والمشاورة ، والمشورة في لغة العرب : استخراج الرأي بمراجعة البعض البعض الآخر.

وشاوره : استخرج ما عنده من رأي.

وأشار عليه بالرأي ، يشير : إذا ما وجه الرأي.

٢٠٠