معالم المدرستين - ج ١

السيد مرتضى العسكري

معالم المدرستين - ج ١

المؤلف:

السيد مرتضى العسكري


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة البعثة
الطبعة: ٤
الصفحات: ٦١٦

بعد دفن الرسول (ص)

اندحر سعد ومرشّحوه ، وبقي عليّ وجماعته ـ بعد أن أصبحوا أقلّية ـ يتناحرون وحزب أبي بكر الظافر وكلّ يجتهد في جلب الأنصار لحوزته. قال الزبير بن بكار في الموفّقيات : لمّا بويع أبو بكر واستقرّ أمره ، ندم قوم كثير من الأنصار على بيعته ولام بعضهم بعضا ، وذكروا عليّ بن أبي طالب وهتفوا باسمه (٤٩).

قال اليعقوبي (٥٠) :

وتخلّف عن بيعة أبي بكر قوم من المهاجرين والأنصار ومالوا مع عليّ بن أبي طالب ، منهم العبّاس بن عبد المطّلب والفضل بن العبّاس ، والزبير بن العوام ، وخالد بن سعيد ، والمقداد بن عمرو (٥١) ، وسلمان الفارسيّ ، وأبو ذر الغفاري ، وعمّار بن ياسر ، والبراء بن عازب (٥٢) ،

__________________

(٤٩) الموفقيات ص ٥٨٣.

(٥٠) في تاريخه ٢ / ١٢٤ ـ ١٢٥. والسّقيفة لأبي بكر الجوهري حسب رواية ابن أبي الحديد ٢ / ١٣ ، والتفصيل في ١ / ٧٤ منه. وبلفظ قريب منه في الإمامة والسياسة ١ / ١٤.

(٥١) المقداد بن الأسود الكندي : هو ابن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة بن عامر بن مطرود البهراني. أصاب دما في قومه ، فلحق بحضرموت ، فحالف كندة ، وتزوّج امرأة ، فولدت له المقداد. فلمّا كبر المقداد ، وقع بينه وبين أبي شمر بن حجر الكندي ، فضرب رجله بالسيف ، وهرب إلى مكّة فحالف الأسود بن عبد يغوث الزّهري فتبنّاه الأسود ، فصار يقال له : المقداد بن الأسود الكندي. فلمّا نزلت : (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ) الأحزاب / ٥. قيل له : المقداد بن عمرو. وقال الرسول : «إن الله عزوجل أمرني بحبّ أربعة من أصحابي وأخبرني أنه يحبّهم.» فقيل : من هم؟ فقال : «عليّ والمقداد وسلمان وأبو ذرّ». توفّي سنة ٣٣ ه‍. الاستيعاب بهامش الاصابة ٣ / ٤٥١. والإصابة ٣ / ٤٣٣ ـ ٤٣٤.

(٥٢) أبو عمرو البراء بن عازب بن الحارث بن عدي بن جشم بن مجدعة بن الحارث بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري الأوسي : كان ممّن استصغره الرسول يوم بدر ورده. وغزا مع الرسول ١٤ غزوة وشهد مع عليّ الجمل وصفين والنّهروان. سكن الكوفة وابتنى بها دارا وتوفّي بها في إمارة مصعب بن الزبير. الاستيعاب بهامش الاصابة ١ / ١٤٣ ـ ١٤٤. والإصابة ١ / ١٤٦

١٦١

وأبيّ بن كعب (٥٣) ، فأرسل أبو بكر إلى عمر بن الخطاب وأبي عبيدة بن الجراح ، والمغيرة بن شعبة

فقال : ما الرأي؟

قالوا (٥٤) : الرأي أن تلقى العبّاس بن عبد المطّلب فتجعل له في هذا الأمر نصيبا يكون له ولعقبه من بعده فتقطعون به ناحية عليّ بن أبي طالب (وتكون لكما حجّة) (٥٥) على عليّ إذا مال معكم.

فانطلق أبو بكر ، وعمر ، وأبو عبيدة بن الجراح ، والمغيرة ، حتّى دخلوا على العباس ليلا (٥٦) ، فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه ثمّ قال :

إنّ الله بعث محمّدا نبيّا وللمؤمنين وليّا. فمنّ عليهم بكونه بين أظهرهم حتّى اختار له ما عنده ، فخلّى على الناس أمورهم (٥٧) ليختاروا لأنفسهم في مصلحتهم مشفقين (٥٨). فاختاروني عليهم واليا ولأمورهم راعيا. فوليت ذلك وما أخاف بعون الله وتسديده وهنا ، ولا حيرة ، ولا جبنا ، وما توفيقي إلا بالله عليه توكّلت وإليه أنيب. وما انفكّ يبلغني عن طاعن بقول الخلاف على عامّة المسلمين يتّخذكم لجأ ، فتكونوا حصنه المنيع ، وخطبه البديع ، فإمّا دخلتم مع الناس فيما اجتمعوا عليه ، وإمّا صرفتموهم عمّا مالوا إليه. ولقد جئناك ونحن نريد أن نجعل لك في هذا الأمر نصيبا يكون لك

__________________

(٥٣) أبيّ بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النّجار : وهو تيم اللات بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج الأكبر. شهد العقبة الثانية وبايع النبيّ فيها وشهد بدرا وما بعدها ، وكان من كتّاب النبيّ. مات في آخر خلافة عمر أو صدر خلافة عثمان. الاستيعاب ١ / ٢٧ ـ ٣٠. والإصابة ١ / ٣١ ـ ٣٢.

(٥٤) في نصّ الجوهري أنّ قائل هذا الرأي هو المغيرة بن شعبة ، وهذا هو الأقرب إلى الصواب.

(٥٥) هذه الزيادة في نسخة الإمامة والسياسة ١ / ١٤.

(٥٦) في رواية ابن أبي الحديد أن ذلك كان في الليلة الثانية بعد وفاة النبيّ.

(٥٧) إن ضمير (هم) موجود في رواية ابن أبي الحديد.

(٥٨) في نسخة الإمامة والسياسة وابن أبي الحديد ١ / ٧٤ : (متفقين) وهو الأشبه بالصواب.

١٦٢

ويكون لمن بعدك من عقبك ، إذ كنت عمّ رسول الله ، وإن كان الناس قد رأوا مكانك ومكان صاحبك (فعدلوا الأمر عنكم) (٥٩) على رسلكم بني هاشم فإنّ رسول الله منّا ومنكم.

فقال عمر بن الخطاب : وأخرى إنّا لم نأتكم لحاجة إليكم ، ولكن كرها أن يكون الطعن في ما اجتمع عليه المسلمون منكم فيتفاقم الخطب بكم وبهم ، فانظروا لأنفسكم!

فحمد العبّاس الله وأثنى عليه وقال : إنّ الله بعث محمّدا كما وصفت نبيّا ، وللمؤمنين وليّا ، فمنّ على أمّته به ، حتّى قبضه الله إليه واختار له ما عنده ، فخلّى على المسلمين أمورهم ليختاروا لأنفسهم مصيبين الحقّ لا مائلين بزيغ الهوى. فإن كنت برسول الله طلبت ، فحقّنا أخذت ، وإن كنت بالمؤمنين أخذت فنحن منهم. فما تقدّمنا في أمرك فرطا ، ولا حللنا وسطا ، ولا برحنا سخطا ، وإن كان هذا الأمر وجب لك بالمؤمنين ، فما وجب إذ كنّا كارهين. ما أبعد قولك من أنّهم طعنوا عليك من قولك أنّهم اختاروك ومالوا إليك ؛ وما أبعد تسميتك خليفة رسول الله من قولك خلّى على الناس أمورهم ليختاروا فاختاروك. فأمّا ما قلت : إنك تجعله لي ، فإن كان حقّا للمؤمنين فليس لك أن تحكم (٦٠) فيه ، وإن كان لنا فلم نرض ببعضه دون بعض وعلى رسلك ، فإنّ رسول الله من شجرة نحن أغصانها وأنتم جيرانها. فخرجوا من عنده.

التّحصن بدار فاطمة (ع)

قال عمر بن الخطّاب : (وإنّه كان من خبرنا حين توفّى الله نبيّه أنّ عليّا

__________________

(٥٩) الزيادة في نسخة ابن أبي الحديد والإمامة والسياسة.

(٦٠) في نسخة الجوهري والإمامة والسياسة : فإن يكن حقّا لك فلا حاجة لنا فيه.

١٦٣

والزبير ومن معهما تخلّفوا عنّا في بيت فاطمة) (٦١).

وذكر المؤرّخون في عداد من تخلّف عن بيعة أبي بكر وتحصّن بدار فاطمة مع عليّ والزبير كلّا من :

١) العبّاس بن عبد المطّلب.

٢) عتبة بن أبي لهب.

٣) سلمان الفارسي.

٤) أبو ذرّ الغفاري.

٥) عمّار بن ياسر.

٦) المقداد بن الأسود.

٧) البراء بن عازب.

٨) أبيّ بن كعب.

٩) سعد بن أبي وقّاص (٦٢).

١٠) طلحة بن عبيد الله.

وجماعة من بني هاشم وجمع من المهاجرين والأنصار (٦٣).

وقد تواتر حديث تخلّف عليّ ومن معه عن بيعة أبي بكر وتحصّنهم بدار فاطمة في كتب السير ، والتواريخ ، والصّحاح والمسانيد ، والأدب ، والكلام ، والتراجم ، غير أنهم لمّا كرهوا ما جرى بين المتحصّنين والحزب الظافر لم يفصحوا ببيان حوادثها إلّا ما ورد ذكره عفوا. ومن ذلك ما رواه

__________________

(٦١) مسند أحمد ١ / ٥٥ ، والطبري ٢ / ٤٦٦ (ط. أوربا ١ / ١٨٢٢). وابن الأثير ٢ / ١٢٤. وابن كثير ٥ / ٢٤٦. وصفوة الصفوة ١ / ٩٧ ، وابن أبي الحديد ١ / ١٢٣ ، وتاريخ السيوطي في مبايعة أبي بكر ص ٤٥ ، وابن هشام ٤ / ٣٣٨ ، وتيسير الوصول ٢ / ٤١.

(٦٢) أبو إسحاق سعد بن أبي وقّاص ، واسم أبي وقّاص مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب القرشي ، وكان سابع سبعة سبقوا إلى الإسلام. شهد بدرا وما بعدها ، وهو أول من رمى بسهم في الإسلام ، وكان رأس من فتح العراق وكوّف الكوفة ، ووليها لعمر وعيّنه في الستّة أصحاب الشورى ، واعتزل الناس بعد مقتل عثمان. ومات بمسكنه في العقيق في خلافة معاوية ، وحمل إلى المدينة ودفن بالبقيع. الاستيعاب ٢ / ١٨ ـ ٢٥. والإصابة ٢ / ٣٠ ـ ٣٢.

(٦٣) صرّحت المصادر الآتية بالإضافة إلى المصادر المذكورة آنفا أنّ هؤلاء كانوا قد تخلّفوا عن بيعة أبي بكر واجتمعوا بدار فاطمة. ومن هذه المصادر ما ذكرت اسم بعضهم وأنّهم اجتمعوا ليبايعوا عليّا. الرياض النضرة ١ / ١٦٧. وتاريخ الخميس ١ / ١٨٨. وابن عبد ربّه ٣ / ٦٤. وتاريخ أبي الفداء ١ / ١٥٦. وابن شحنة بهامش الكامل ١١٢. والجوهري حسب رواية ابن أبي الحديد ١ / ١٣٠ ـ ١٣٤. والحلبية ٣ / ٣٩٤ و ٣٩٧.

١٦٤

البلاذري وقال : بعث أبو بكر عمر بن الخطّاب إلى عليّ ـ رضي الله عنهم ـ حين قعد عن بيعته وقال : ائتني به بأعنف العنف. فلمّا أتاه جرى بينهما كلام ، فقال : احلب حلبا لك شطره ؛ والله ما حرصك على إمارته اليوم إلّا ليؤثرك غدا ـ الحديث (٦٤).

قال أبو بكر في مرض موته : (أما إنّي لا آسي على شيء من الدّنيا إلّا على ثلاث فعلتهن ، وددت أنّي تركتهن ـ إلى قوله ـ : فأمّا الثلاث الّتي فعلتها فوددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة عن شيء ، وإن كانوا قد أغلقوه على الحرب) (٦٥).

وفي اليعقوبي : (وليتني لم أفتّش بيت فاطمة بنت رسول الله وأدخله الرجال ولو كان أغلق على حرب) (٦٦).

وقد عدّ المؤرّخون في الرجال الّذين أدخلوا بيت فاطمة بنت رسول الله كلّا من :

١) عمر بن الخطاب.

٢) خالد بن الوليد (٦٧).

__________________

(٦٤) أنساب الأشراف ١ / ٥٨٧.

(٦٥) الطبري ٢ / ٦١٩ (وط. أوربا ١ / ٢١٤٠) عند ذكره وفاة أبي بكر. ومروج الذّهب ١ / ٤١٤ ، وابن عبد ربّه ٣ / ٦٩ عند ذكره استخلاف أبي بكر لعمر. والكنز ٣ / ١٣٥. ومنتخب الكنز ٢ / ١٧١. والإمامة والسياسة ١ / ١٨ ، والكامل للمبرّد حسب رواية ابن أبي الحديد ١ / ١٣٠ ـ ١٣١. وقد ذكر أبو عبيد في الأموال ص ١٣١ قول أبي بكر هكذا : (أما الثلاث الّتي فعلتها فوددت أني لم أكن فعلت كذا وكذا ـ لخلّة ذكرها ـ قال أبو عبيد : لا أريد ذكرها). انتهى. وأبو بكر الجوهري برواية النهج ٩ / ١٣٠. ولسان الميزان ٤ / ١٨٩. وراجع ترجمة أبي بكر في ابن عساكر ومرآة الزّمان لسبط ابن الجوزي. وتاريخ الذّهبي ١ / ٣٨٨.

(٦٦) تاريخ اليعقوبي ٢ / ١١٥.

(٦٧) أبو سليمان خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي ، وأمّه : لبابة بنت الحارث بن الحزن الهلالية أخت ميمونة زوجة النبيّ ، وكانت إليه أعنّة الخيل في الجاهلية. هاجر بعد الحديبية وشهد فتح مكّة ، وأمّره أبو بكر على الجيوش ، وكان يقال له : سيف الله ، وتوفي بحمص أو بالمدينة. سنة ٢١ أو ٢٢ ه‍. الاستيعاب ١ / ٤٠٥ ـ ٤٠٨.

١٦٥

٣) عبد الرحمن بن عوف.

٤) ثابت بن قيس بن شمّاس (٦٨).

٥) زياد بن لبيد (٦٩).

٦) محمّد بن مسلمة (٧٠).

٧) زيد بن ثابت (٧١).

٨) سلمة بن سلامة بن وقش (٧٢).

٩) سلمة بن أسلم (٧٣).

١٠) أسيد بن حضير (٧٤).

وقد ذكروا في كيفيّة كشف بيت فاطمة وما جرى للمتحصّنين وهؤلاء الرجال وقالوا :

إنه (غضب رجال من المهاجرين في بيعة أبي بكر منهم عليّ بن أبي

__________________

(٦٨) ثابت بن قيس بن شمّاس بن زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج الأنصاري : شهد أحدا وما بعدها ، وقتل مع خالد في اليمامة. الاستيعاب ١ / ١٩٣. والإصابة ١ / ١٩٧.

(٦٩) زياد بن لبيد بن ثعلبة بن سنان بن عامر بن عديّ بن أميّة بن بياضة الأنصاري من بني بياضة بن عامر بن زريق ، مهاجري أنصاري : خرج إلى رسول الله بمكّة وأقام معه حتى هاجر معه إلى المدينة. شهد العقبة وبدرا وما بعدها. مات في أوّل خلافة معاوية. الاستيعاب ١ / ٥٤٥ ، والإصابة ١ / ٥٤٠. في نسبه بجمهرة ابن حزم ص ٣٥٦ سقط (بياضة).

(٧٠) محمد بن مسلمة بن سلمة بن خالد بن عديّ بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس : شهد بدرا وما بعدها ، وكان ممن لم يبايع عليّ بن أبي طالب ولم يشهد معه حروبه ، وتوفي سنة ٤٣ أو ٤٦ أو ٤٧ ه‍. الاستيعاب ٣ / ٣١٥. والإصابة ٣ / ٣٦٣ ـ ٣٦٤. ونسبه في جمهرة ابن حزم ص ٣٤١.

(٧١) راجع أنساب الأشراف ١ / ٥٨٥.

(٧٢) أبو عوف سلمة بن سلامة بن وقش بن زغبة بن زعوراء بن عبد الأشهل الأنصاري ، وأمّه : سلمى بنت سلمة بن خالد بن عدي الأنصارية. شهد العقبة الأولى والآخرة ، ثمّ شهد بدرا وما بعدها. توفي بالمدينة سنة ٤٥ ه‍. الاستيعاب ٢ / ٨٤. والإصابة ٢ / ٦٣.

(٧٣) أبو سعيد ، سلمة بن أسلم بن حريش بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن عدي بن مالك بن الأوس الأنصاري. شهد بدرا وما بعدها ، وقتل يوم جسر أبى عبيد سنة ١٤ ه‍. الاستيعاب ، الترجمة رقم ٢٤٥٥ ، ٢ / ٨٣ ، والاصابة ٢ / ٦١.

(٧٤) الطبري ٢ / ٤٤٣ و ٤٤٤ ، وأبو بكر الجوهري حسب رواية ابن ابي الحديد ١ / ١٣٠ ـ ١٣٤ ، و ٢ / ٨١٩ وأسيد بن حضير ، مرّت ترجمته في الهامش رقم (١٦) من هذا البحث.

١٦٦

طالب والزبير ، فدخلا بيت فاطمة ومعهما السّلاح) (٧٥) ، (فبلغ أبا بكر وعمر أنّ جماعة من المهاجرين والأنصار قد اجتمعوا مع عليّ بن أبى طالب في منزل فاطمة بنت رسول الله) (٧٦) ، (وانهم اجتمعوا على أن يبايعوا عليّا) (٧٧).

فبعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطّاب ليخرجهم من بيت فاطمة ، وقال له : إن أبوا فقاتلهم.

فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار ، فلقيتهم فاطمة فقالت : يا ابن الخطّاب أجئت لتحرق دارنا!؟ قال : نعم ، أو تدخلوا في ما دخلت فيه الأمّة!) (٧٨).

وفي أنساب الأشراف :

فتلقّته فاطمة على الباب ، فقالت فاطمة : يا ابن الخطّاب أتراك محرقا عليّ بابي!؟ قال : نعم ... (٧٩).

وإلى هذا أشار عروة بن الزبير حين كان يعتذر عن أخيه عبد الله بن الزبير فيما جرى له مع (بني هاشم وحصره إيّاهم في الشعب وجمعه الحطب لإحراقهم ... ليدخلوا في طاعته كما أرهب بنو هاشم وجمع لهم الحطب لتحريقهم إذ هم أبوا البيعة في ما سلف) (٨٠) يعني ما سلف لبني هاشم من قضيّة

__________________

(٧٥) الرياض النضرة ١ / ٢١٨ ط. مصر الثانية سنة ١٣٧٢ ، وأبو بكر الجوهري برواية ابن أبي الحديد ١ / ١٣٢ ، و ٦ / ٢٩٣ ، وتاريخ الخميس ٢ / ١٦٩ ط. مؤسسة شعبان ـ بيروت (ب. ت).

(٧٦) اليعقوبي ٢ / ١٢٦.

(٧٧) ابن أبي الحديد ١ / ١٣٤ ، وابن شحنة بهامش الكامل ١١ / ١١٣ بلفظ : «ومالوا مع على بن أبى طالب».

(٧٨) ابن عبد ربّه ، ٣ / ٦٤ ، وأبو الفداء ، ١ / ١٥٦.

(٧٩) أنساب الأشراف ١ / ٥٨٦. وراجع كنز العمال ٣ / ١٤٠. والرياض النضرة ، ١ / ١٦٧ ، وأبو بكر الجوهري برواية ابن أبي الحديد ، ١ / ١٣٢ ، وج ٦ في الصفحة الثانية منه ، والخميس ١ / ١٧٨ ، وأبو بكر الجوهري برواية ابن أبي الحديد ١ / ١٣٤ ، وتاريخ ابن شحنة ص ١١٣ بهامش الكامل ١١ / ١١٣.

(٨٠) مروج الذهب ٢ / ١٠٠. وأورده ابن أبي الحديد ٢٠ / ٤٨١ ط. إيران ، عند شرحه قول ـ

١٦٧

الحطب والنّار عند امتناعهم عن بيعة أبي بكر.

وفي هذا يقول شاعر النيل حافظ إبراهيم :

وقولة لعلي قالها عمر

أكرم بسامعها أعظم بملقيها

حرّقت دارك لا أبقي عليك بها

إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها

ما كان غير أبي حفص يفوه بها

أمام فارس عدنان وحاميها (٨١)

وقال اليعقوبي :

فأتوا في جماعة حتّى هجموا على الدار ـ إلى قوله ـ : وكسر سيفه ـ أي سيف عليّ ـ ودخلوا الدار (٨٢).

وقال الطبري :

أتى عمر بن الخطاب منزل عليّ وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين فخرج عليه الزبير مصلتا بالسيف ، فعثر فسقط السيف من يده ، فوثبوا عليه فأخذوه (٨٣).

وقال أبو بكر الجوهري

وعليّ يقول : «أنا عبد الله وأخو رسول الله» حتّى انتهوا به إلى أبي بكر ، فقيل له: بايع ، فقال : أنا أحقّ بهذا الأمر منكم ، لا أبايعكم ، وأنتم أولى بالبيعة لي. أخذتم هذا الأمر من الأنصار ، واحتججتم عليهم بالقرابة من رسول الله ، فأعطوكم المقادة وسلّموا إليكم الإمارة ، وأنا أحتجّ عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار ، فأنصفونا إن كنتم تخافون الله من

__________________

ـ علي (ع) : «الزبير منّا حتّى نشأ ابنه».

(٨١) ديوان حافظ إبراهيم ط. المصرية.

(٨٢) اليعقوبي ٢ / ١٢٦.

(٨٣) الطبري ٢ / ٤٤٣ و ٤٤٤ و ٤٤٦ (وط. أوربا ١ / ١٨١٨ و ١٨٢٠ و ١٨٢٢) وقد أورده العقّاد في عبقريّة عمر ص ١٧٣. وذكر كسر سيف الزبير المحبّ الطبري في الرياض النضرة ١ / ١٦٧. والخميس ١ / ١٨٨. وابن أبي الحديد ١ / ١٢٢ و ١٣٢ و ١٣٤ و ٥٨ ، و ٢ / ٢ ـ ٥. وكنز العمال ٣ / ١٢٨.

١٦٨

أنفسكم ، واعرفوا لنا من الأمر مثل ما عرفت الأنصار لكم ، وإلا فبوءوا بالظلم وأنتم تعلمون. فقال عمر : إنّك لست متروكا حتى تبايع. فقال له علي : احلب يا عمر حلبا لك شطره ؛ اشدد له اليوم أمره ليردّ عليك غدا. لا والله ، لا أقبل قولك ولا أتابعه ، فقال له أبو بكر : فإن لم تبايعني لم أكرهك.

فقال له أبو عبيدة : يا أبا الحسن إنّك حدث السّن وهؤلاء مشيخة قريش قومك ، ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالأمور ، ولا أرى أبا بكر إلّا أقوى على هذا الأمر منك وأشدّ احتمالا له واضطلاعا به ، فسلّم له هذا الأمر وارض به ؛ فإنّك إن تعش ويطل عمرك فأنت لهذا الأمر لخليق وعليه حقيق في فضلك وقرابتك وسابقتك وجهادك.

فقال عليّ : يا معشر المهاجرين ، الله الله ، لا تخرجوا سلطان محمّد عن داره وبيته إلى بيوتكم ودوركم ، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقّه. فو الله يا معشر المهاجرين ، لنحن أهل البيت أحقّ بهذا الأمر منكم أما كان منّا القارئ لكتاب الله ، الفقيه لدين الله ، العالم بالسنّة ، المضطلع بأمر الرعية؟ والله إنّه لفينا ، فلا تتّبعوا الهوى فتزدادوا من الحقّ بعدا.

فقال بشير بن سعد : لو كان هذا الكلام سمعته منك الأنصار يا عليّ قبل بيعتهم لأبي بكر ما اختلف عليك اثنان ، ولكنّهم قد بايعوا. وانصرف عليّ إلى منزله ولم يبايع. رواه أبو بكر الجوهري كما في شرح النهج ٢ / ٢ ـ ٥. وروى أبو بكر الجوهري أيضا وقال :

ورأت فاطمة ما صنع بهما ـ أي بعليّ والزبير ـ فقامت على باب الحجرة وقالت : يا أبا بكر ، ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله ، والله

١٦٩

لا أكلّم عمر حتى ألقى الله (٨٤)

وفي رواية أخرى :

وخرجت فاطمة تبكي وتصيح فنهنهت من الناس (٨٥).

وقال اليعقوبي :

فخرجت فاطمة ، فقالت : والله لتخرجنّ أو لأكشفنّ شعري ولأعجّنّ إلى الله. فخرجوا وخرج من كان في الدار (٨٦).

وقال المسعودي :

لمّا بويع أبو بكر في السّقيفة وجدّدت له البيعة يوم الثلاثاء ، خرج عليّ فقال : أفسدت علينا أمورنا ولم تستشر ولم ترع لنا حقّا!

فقال أبو بكر : بلى ولكنّي خشيت الفتنة (٨٧).

وقال اليعقوبي :

واجتمع جماعة إلى عليّ بن أبي طالب يدعونه إلى البيعة ، فقال لهم : اغدوا عليّ محلّقين الرءوس. فلم يغد إلّا ثلاثة نفر (٨٨).

ثمّ إنّ عليّا حمل فاطمة على حمار ، وسار بها ليلا إلى بيوت الأنصار يسألهم النصرة ، وتسألهم فاطمة الانتصار له ؛ فكانوا يقولون :

يا بنت رسول الله ، قد مضت بيعتنا لهذا الرجل ، ولو كان ابن عمّك سبق إلينا أبا بكر ما عدلنا به. فقال عليّ :

أفكنت أترك رسول الله (ص) ميتا في بيته لم أجهّزه وأخرج إلى الناس أنازعهم في سلطانه!؟ فقالت فاطمة :

__________________

(٨٤) برواية ابن أبي الحديد ١ / ١٣٤ ، و ٢ / ٢ ـ ٥.

(٨٥) السقيفة لأبي بكر الجوهري برواية ابن أبي الحديد ١ / ١٣٤.

(٨٦) تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٢٦.

(٨٧) مروج الذهب ١ / ٤١٤. والإمامة والسياسة ١ / ١٢ ـ ١٤ مع اختلاف.

(٨٨) تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٢٦ ، وفي شرح النهج ٢ / ٤.

١٧٠

ما صنع أبو الحسن إلّا ما كان ينبغي له ، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم عليه (٨٩)

ولقد أشار معاوية إلى هذا وإلى ما نقلناه عن اليعقوبي قبله في كتابه إلى عليّ :

وأعهدك أمس تحمل قعيدة بيتك ليلا على حمار ويداك في يدي ابنيك الحسن والحسين يوم بويع أبو بكر الصدّيق ، فلم تدع أحدا من أهل بدر والسّوابق إلّا دعوتهم إلى نفسك ، ومشيت إليهم بامرأتك ، وأدللت إليهم بابنيك ، واستنصرتهم على صاحب رسول الله ، فلم يجبك منهم إلّا أربعة أو خمسة ، ولعمري لو كنت محقّا لأجابوك ، ولكنّك ادّعيت باطلا ، وقلت ما لا يعرف ، ورمت ما لا يدرك. ومهما نسيت فلا أنسى قولك لأبي سفيان لمّا حرّكك وهيّجك : لو وجدت أربعين ذوي عزم منهم لناهضت القوم (٩٠).

وروى معمّر عن الزّهري عن أمّ المؤمنين عائشة في حديثها عما جرى بين فاطمة وأبي بكر حول ميراث النبيّ (ص) قالت :

فهجرته فاطمة ، فلم تكلّمه حتّى توفّيت وعاشت بعد النبيّ (ص) ستّة أشهر. فلمّا توفيت دفنها زوجها ، ولم يؤذن بها أبا بكر وصلّى عليها. وكان لعليّ من الناس وجه حياة فاطمة ، فلمّا توفّيت فاطمة انصرفت وجوه الناس عن عليّ. ومكثت فاطمة ستّة أشهر بعد رسول الله (ص) ثمّ توفّيت. قال معمّر :

فقال رجل للزّهري : أفلم يبايعه عليّ ستّة أشهر؟

__________________

(٨٩) أبو بكر الجوهري في كتابه السقيفة برواية ابن أبي الحديد ٦ / ٥ ـ ٢٨ ، ط. المصرية وابن قتيبة ١ / ١٢.

(٩٠) ابن أبي الحديد ٢ / ٦٧. وصفّين لنصر بن مزاحم ص ١٨٢.

١٧١

قال : لا (٩١) ، ولا أحد من بني هاشم حتّى بايعه عليّ. فلمّا رأى علي انصراف وجوه الناس عنه ضرع إلى مصالحة أبي بكر ـ الحديث (٩٢).

وقال البلاذري :

لمّا ارتدّت العرب ، مشى عثمان إلى عليّ فقال : يا ابن عمّ ، انّه لا يخرج أحد إلى قتال هذا العدوّ ، وأنت لم تبايع. فلم يزل به حتّى مشى إلى أبي بكر فبايعه. فسر المسلمون ، وجدّ الناس في القتال وقطعت البعوث (٩٣).

ضرع عليّ إلى مصالحة أبي بكر بعد وفاة فاطمة وانصراف وجوه الناس عنه ، غير أنّه بقي يشكو ممّا جرى عليه بعد وفاة النبيّ حتّى في أيّام خلافته. وذكر شكواه في خطبته المشهورة بالشّقشقيّة الّتي سنوردها في آخر هذا الباب.

__________________

(٩١) في تيسير الوصول ٢ / ٤٦ : (قال : لا والله ولا أحد من بني هاشم).

(٩٢) قد أوردت هذا الحديث مختصرا من كلّ من الطبري ٢ / ٤٤٨ (وط. أوربا ١ / ١٨٢٥). وصحيح البخاري ، كتاب المغازي ، باب غزوة خيبر ، ٣ / ٣٨. وصحيح مسلم ١ / ٧٢ ، و ٥ / ١٥٣ ، باب قول رسول الله : «نحن لا نورث ؛ ما تركناه صدقة» ، وابن كثير ٥ / ٢٨٥ ـ ٢٨٦ ، وابن عبد ربّه ٣ / ٦٤. وقد أورده ابن الأثير ٢ / ١٢٦ مختصرا. والكنجي في كفاية الطالب ص ٢٢٥ ـ ٢٢٦. وابن أبي الحديد ١ / ١٢٢. والمسعودي ٢ / ٤١٤ من مروج الذهب. وفي التنبيه والإشراف له ص ٢٥٠ : (ولم يبايع علي حتى توفيت فاطمة). والصواعق ١ / ١٢. وتاريخ الخميس ١ / ١٩٣. وفي الإمامة والسياسة ١ / ١٤ : أن بيعة علي كانت بعد وفاة فاطمة وأنها قد بقيت بعد أبيها ٧٥ يوما. وفي الاستيعاب ٢ / ٢٤٤ : أن عليّا لم يبايعه إلّا بعد موت فاطمة. وأبو الفداء ١ / ١٥٦. والبدء والتاريخ ٥ / ٦٦. وأنساب الأشراف ١ / ٥٨٦. وفي أسد الغابة ٣ / ٢٢٢ بترجمة أبي بكر : (كانت بيعتهم بعد ستّة أشهر على الأصحّ). وقال اليعقوبي ٢ / ١٢٦ (لم يبايع علي إلّا بعد ستة أشهر) وفي الغدير ٣ / ١٠٢ عن الفصل لابن حزم ص ٩٦ ـ ٩٧ «وجدنا عليّا رضي الله عنه تأخر عن البيعة ستة أشهر».

(٩٣) انساب الاشراف ١ / ٥٨٧.

١٧٢

من تخلّف عن بيعة الخليفة أبي بكر

أ ـ فروة بن عمرو

قال الزبير بن بكّار في الموفّقيات : (كان فروة بن عمرو ممّن تخلّف عن بيعة أبي بكر ، وكان ممّن جاهد مع رسول الله (ص) وقاد فرسين في سبيل الله. وكان يتصدّق من نخله بألف وسق في كلّ عام ، وكان سيّدا. وهو من أصحاب عليّ ، وممّن شهد معه يوم الجمل.

وذكر الزبير بن بكّار بعد ذلك عتاب فروة لبعض الأنصار الّذين ساعدوا أبا بكر في بيعته (٩٤).

ب ـ خالد بن سعيد الأموي

كان عاملا لرسول الله على صنعاء اليمن (فلمّا مات رسول الله رجع هو وأخواه أبان وعمر عن عمالتهم ، فقال أبو بكر : ما لكم رجعتم عن عمالتكم؟ ما أحد أحقّ بالعمل من عمّال رسول الله (ص) ، ارجعوا إلى أعمالكم. فقالوا : نحن بنو أحيحة ، لا نعمل لأحد بعد رسول الله) (٩٥).

وتأخّر خالد وأخوه أبان عن بيعة أبي بكر ، فقال لبني هاشم : إنّكم

__________________

(٩٤) الموفقيات ص ٥٩٠.

وفروة بن عمر والأنصاري البياضي : شهد العقبة وبدرا وما بعد هما مع رسول الله (ص). أسد الغابة ٤ / ١٧٨.

(٩٥) خالد بن سعيد بن العاص بن أميّة بن عبد شمس : أسلم قديما فكان ثالثا أو رابعا وقيل كان خامسا ، وقال ابن قتيبة في المعارف ص ١٢٨ : (أسلم قبل إسلام أبي بكر). وابن أبي الحديد ٢ / ١٣. وكان ممّن هاجر إلى الحبشة واستعمله رسول الله مع أخويه على صدقات مذحج واستعمله على صنعاء اليمن. ثمّ رجعوا بعد وفاة النبي ثمّ مضوا جميعا إلى الشام فقتلوا هناك ، واستشهد خالد بأجنادين يوم السبت لليلتين بقيتا من جمادى الأولى سنة ١٣ ه‍. الاستيعاب ١ / ٣٩٨ ـ ٤٠٠. والإصابة ١ / ٤٠٦. وأسد الغابة ٢ / ٨٢. وراجع ابن أبي الحديد ٦ / ١٣ و ١٦.

١٧٣

لطوال الشجر طيّبو الثمر نحن تبع لكم (٩٦).

و (تربّص ببيعته شهرين يقول : قد أمّرني رسول الله (ص) ثمّ لم يعزلني حتّى قبضه الله ، وقد لقي عليّ بن أبي طالب وعثمان بن عفّان ، فقال : يا بني عبد مناف ، لقد طبتم نفسا عن أمركم يليه غيركم ، فأمّا أبو بكر فلم يحفلها عليه ، وأما عمر فاضطغنها عليه)(٩٧).

(وأتى عليّا فقال : هلمّ أبايعك ، فو الله ما في الناس أحد أولى بمقام محمّد منك) (٩٨) ، (فلمّا بايع بنو هاشم أبا بكر بايعه خالد) (٩٩).

(ثمّ بعث أبو بكر الجنود إلى الشّام وكان أول من استعمل على ربع منها خالد بن سعيد ، فأخذ عمر يقول : أتؤمّره وقد صنع ما صنع وقال ما قال!؟ فلم يزل بأبي بكر حتّى عزله ، وأمر يزيد بن أبي سفيان) (١٠٠).

ج ـ سعد بن عبادة (١٠١).

ذكروا (إنّ سعدا ترك أيّاما ثم بعث إليه أن أقبل فبايع ، فقد بايع الناس

__________________

(٩٦) أسد الغابة ٢ / ٨٢ ، وابن أبي الحديد ٢ / ١٣٥ ، ط. المصرية الأولى.

(٩٧) الطبري ٢ / ٥٨٦ (ط. أوربا ١ / ٢٠٧٩). وتهذيب تاريخ ابن عساكر ٥ / ٥١. وفي أنساب الأشراف ١ / ٥٨٨ ذكر أنّ خالد بن سعيد تأخر عن البيعة.

(٩٨) اليعقوبي ٢ / ١٢٦.

(٩٩) أسد الغابة ٢ / ٨٢. وراجع تفصيل ذلك في ابن أبي الحديد ١ / ١٣٥ نقلا عن سقيفة أبي بكر الجوهري.

(١٠٠) الطبري ٢ / ٥٨٦ (وط. أوربا ١ / ٢٠٧٩). وتهذيب تاريخ ابن عساكر ٥ / ٥١.

وفي أنساب الأشراف ١ / ٥٨٨ ذكر أن خالد بن سعيد تأخر عن البيعة.

(١٠١) سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة بن أبي خزيمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج الأنصاري : شهد العقبة ومغازي رسول الله عدا بدر ، فإنه اختلف في أنّه هل شهدها أم لم يشهدها. كان جوادا سخيّا ، وكانت راية الأنصار بيده يوم الفتح ، ولمّا نادى : (اليوم يوم الملحمة اليوم تسبى الحرمة) نزع رسول الله اللواء منه وأعطاه لابنه قيس. ولم يبايع أبا بكر حتّى قتل بسهمين في الشام سنة ١٥ ه‍ ودفن بحوارين ، نسبه في جمهرة ابن حزم ص ٦٥. وخبره في الاستيعاب ٢ / ٢٣ ـ ٣٧. والإصابة ٢ / ٢٧ ـ ٢٨.

١٧٤

وبايع قومك ، فقال : أما والله حتّى أرميكم بما في كنانتي من نبل وأخضب سنان رمحي ، وأضربكم بسيفي ما ملكته يدي ، وأقاتلكم بأهل بيتي ومن أطاعني من قومي فلا أفعل. وأيم الله لو أنّ الجنّ اجتمعت لكم مع الإنس ما بايعتكم حتى أعرض على ربّي وأعلم ما حسابي)(١٠٢).

فلمّا أتي أبو بكر بذلك ، قال عمر : لا تدعه حتّى يبايع.

فقال له بشير بن سعد : إنّه قد لجّ وأبى ، وليس بمبايعكم حتّى يقتل ، وليس بمقتول حتّى يقتل معه ولده وأهل بيته وطائفة من عشيرته ، فاتركوه فليس تركه بضارّكم ، إنّما هو رجل واحد.

فتركوه وقبلوا مشورة بشير بن سعد ، واستنصحوه لما بدا لهم منه ، فكان سعد لا يصلّي بصلاتهم ولا يجتمع معهم ولا يحجّ ولا يفيض معهم بإفاضتهم ـ الخ. (فلم يزل كذلك حتّى توفي أبو بكر وولي عمر) (١٠٣).

ولمّا ولي عمر الخلافة لقيه في بعض طرق المدينة.

فقال له : إيه يا سعد!؟

فقال له : إيه يا عمر!؟

فقال له عمر : أنت صاحب المقالة؟

قال سعد : نعم ، أنا ذلك ، وقد أفضى إليك هذا الأمر ، كان والله صاحبك أحبّ إلينا منك وقد أصبحت والله كارها لجوارك.

فقال عمر : من كره جوار جار تحوّل عنه.

فقال سعد : ما أنا غير مستسرّ بذلك ، وأنا متحوّل إلى جوار من هو

__________________

(١٠٢) الطبري ٣ / ٤٥٩. وابن الأثير ٢ / ١٢٦. أورد الرواية إلى : فاتركوه. وكنز العمال ٣ / ١٣٤ ، ح ٢٢٩٦. والإمامة والسياسة ١ / ١٠ ، والسيرة الحلبية ٤ / ٣٩٧ ، بعده : (لا يسلّم على من لقي منهم). والطبري ط. أوربا ١ / ١٨٤٤.

(١٠٣) الرياض النضرة ١ / ١٦٨ ، مضافا إلى سائر المصادر.

١٧٥

خير منك.

فلم يلبث إلّا قليلا حتّى خرج إلى الشّام في أوّل خلافة عمر ـ إلخ) (١٠٤).

وفي رواية البلاذري : أنّ سعد بن عبادة لم يبايع أبا بكر وخرج إلى الشام فبعث عمر رجلا وقال : ادعه إلى البيعة واحتل له ، فإن أبى فاستعن الله عليه. فقدم الرجل الشّام فوجد سعدا في حائط بحوارين (١٠٥) فدعاه إلى البيعة.

فقال : لا أبايع قرشيا أبدا.

قال : فإني أقاتلك.

قال : وإن قاتلتني.

قال : أفخارج أنت ممّا دخلت فيه الأمّة؟

قال : أمّا من البيعة فإنّي خارج. فرماه بسهم فقتله (١٠٦).

وفي تبصرة العوام : أنّهم أرسلوا محمّد بن مسلمة الأنصاريّ فرماه بسهم.

وقيل : إن خالدا كان في الشّام يوم ذاك ، فأعانه على ذلك (١٠٧).

قال المسعودي : (وخرج سعد بن عبادة ولم يبايع ، فصار إلى الشام فقتل هناك سنة ١٥ ه‍) (١٠٨).

وفي رواية ابن عبد ربّه : (رمي سعد بن عبادة بسهم فوجد دفينا في جسده فمات ، فبكته الجنّ فقالت :

__________________

(١٠٤) طبقات ابن سعد ٣ / ق ٢ / ١٤٥. وابن عساكر ٦ / ٩٠ بترجمة سعد من تهذيبه ، وكنز العمال ٣ / ١٣٤ ، برقم ٢٢٩٦. والحلبية ٣ / ٣٩٧.

(١٠٥) من قرى حلب معروفة. معجم البلدان.

(١٠٦) أنساب الأشراف ١ / ٥٨٩. والعقد الفريد ٣ / ٦٤ ـ ٦٥ باختلاف يسير.

(١٠٧) تبصرة العوام ط. المجلس بطهران ص ٣٢.

(١٠٨) مروج الذهب ٢ / ٣٠١ و ٣٠٤.

١٧٦

وقتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة

ورميناه بسهمين فلم نخطئ فؤاده (١٠٩)

وروى ابن سعد : (أنه جلس يبول في نفق فاقتتل فمات من ساعته ووجدوه قد اخضرّ جلده) (١١٠).

وفي أسد الغابة (١١١) : (لم يبايع سعد أبا بكر ولا عمر ، وسار إلى الشّام فأقام بحوران إلى أن مات سنة ١٥ ه‍ ، ولم يختلفوا أنّه وجد ميتا على مغتسله وقد اخضرّ جسده ولم يشعروا بموته حتى سمعوا قائلا يقول من بئر ولا يرون أحدا ...) إلخ.

هكذا انتهت حياة سعد بن عبادة. ولمّا كان قتل سعد بن عبادة من الحوادث الّتي كره المؤرخون وقوعها ، أغفل جمع منهم ذكرها (١١٢) وأهمل قسم منهم بيان كيفيتها ونسبوها إلى الجنّ (١١٣) ، غير أنّهم لم يكشفوا عن منشأ العداء بين الجنّ وسعد بن عبادة ، ولما ذا فوّقت سهمها إلى فؤاد سعد دون سائر الصحابة ، فلو أنّهم أكملوا الأسطورة وقالوا : إن صلحاء الجنّ كرهت امتناع سعد عن البيعة فرمته بسهمين فما أخطا فؤاده لكانت أسطورتهم تامّة.

من روى أن سعدا لم يبايع :

(١) ابن سعد في الطّبقات. (٢) ابن جرير في تاريخه. (٣) البلاذري في ج ١ من أنسابه. (٤) ابن عبد البرّ في الاستيعاب. (٥) ابن عبد ربّه في العقد الفريد. (٦) ابن قتيبة في الإمامة والسّياسة ١ / ٩. (٧) المسعودي في

__________________

(١٠٩) العقد الفريد ٤ / ٢٥٩ ـ ٢٦٠.

(١١٠) الطبقات ٣ / ق ٢ / ١٤٥. وأبو حنيفة الدينوري في المعارف ص ١١٣.

(١١١) في ترجمة سعد. والاستيعاب ٢ / ٣٧.

(١١٢) كابن جرير وابن كثير وابن الأثير في تواريخهم.

(١١٣) كمحبّ الدين الطبري في الرياض النضرة. وابن عبد البرّ في الاستيعاب.

١٧٧

مروج الذّهب. (٨) ابن حجر العسقلاني في الإصابة ٢ / ٢٨. (٩) محبّ الدين الطّبري في الرّياض النضرة ١ / ١٦٨. (١٠) ابن الأثير في أسد الغابة ٣ / ٢٢٢. (١١) تاريخ الخميس. (١٢) عليّ بن برهان الدين في السيرة الحلبيّة ٣ / ٣٩٦ ، ٣٩٧. (١٣) أبو بكر الجوهري ، برواية ابن أبي الحديد عنه.

كان ما ذكرناه خلاصة من خبر استخلاف أبي بكر وبيعته ، أوردناه ملخّصا من كتاب عبد الله بن سبأ الجزء الأول.

وفي ما يلي خبر استخلاف عمر وبيعته.

استخلاف عمر وبيعته

دعا أبو بكر عثمان خاليا (١١٤) فقال :

اكتب : بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة إلى المسلمين ، أمّا بعد.

قال : ثم أغمي عليه فذهب عنه ، فكتب عثمان :

أما بعد فإنّي استخلفت عليكم عمر بن الخطّاب ولم آلكم خيرا. ثمّ أفاق أبو بكر فقال : اقرأ عليّ. فقرأ عليه ، فكبّر أبو بكر وقال : أراك خفت أن يختلف الناس إن افتلتت نفسي في غشيتي؟ قال : نعم. قال : جزاك الله خيرا عن الإسلام وأهله. وأقرّها أبو بكر (رض) من هذا الموضع.

وذكر قبل ذلك عن عمر أنّه كان جالسا والنّاس معه وبيده جريدة ومعه شديد مولى لأبي بكر معه الصحيفة الّتي فيها استخلاف عمر ، وعمر يقول : (أيّها الناس اسمعوا وأطيعوا قول خليفة رسول الله إنّه يقول إنّي لم

__________________

(١١٤) دعاه خاليا : انفرد به في خلوة.

١٧٨

الكم نصحا) (١١٥).

كم من الفرق بين موقف أبي حفص هذا وموقفه من كتابة وصيّة الرسول (ص)!؟

الشّورى وبيعة عثمان

قال ابن عبد ربّه في العقد الفريد :

لمّا طعن الخليفة عمر قيل له : لو استخلفت. فقال :

لو كان أبو عبيدة بن الجراح حيّا لاستخلفته ، فإن سألني ربّي قلت : نبيّك يقول : إنّه أمين هذه الأمّة. ولو كان سالم مولى أبي حذيفة حيّا لأستخلفنّه ، فإن سألني ربّي قلت : سمعت نبيّك يقول : إنّ سالم ليحبّ الله حبّا لو لم يخف الله ما عصاه (١١٦).

وإنّهم قالوا له : يا أمير المؤمنين ، لو عهدت. فقال : لقد كنت أجمعت بعد مقالتي لكم أن أوّلي رجلا أمركم أرجو أن يحملكم على الحقّ ـ وأشار إلى عليّ ـ ثمّ رأيت أن لا أتحمّلها حيّا وميّتا ... الخ.

وروى البلاذري في أنساب الأشراف (١١٧) قال عمر : ادعوا لي عليّا وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرّحمن بن عوف وسعد بن أبي وقّاص. فلم يكلّم أحدا منهم غير عليّ وعثمان ، فقال : يا عليّ ، لعلّ هؤلاء سيعرفون لك قرابتك من النّبيّ (ص) وصهرك وما أنالك الله من الفقه والعلم ، فإن وليت هذا الأمر فاتّق الله فيه. ثمّ دعا عثمان وقال : يا عثمان ، لعلّ هؤلاء القوم يعرفون لك صهرك من رسول الله وسنّك ، فإن وليت هذا الأمر فاتّق الله

__________________

(١١٥) تاريخ الطبري ط. أوربا ١ / ٢١٣٨.

(١١٦) العقد الفريد ٤ / ٢٧٤ ، أوردناه ملخصا.

(١١٧) أنساب الأشراف ٥ / ١٦.

١٧٩

ولا تحمل آل أبي معيط على رقاب النّاس. ثمّ قال : ادعوا لي صهيبا. فدعي ، فقال : صلّ بالناس ثلاثا ، وليخل هؤلاء النفر في بيت ، فإذا اجتمعوا على رجل منهم ، فمن خالفهم فاضربوا رأسه. فلمّا خرجوا من عند عمر قال : إن ولّوها الأجلح سلك بهم الطريق (١١٨).

وفي الرّياض النّضرة ط ٢ بمصر ١٣٧٣ ه‍ ، ٢ / ٩٥.

(لله درّهم إن ولّوها الأصيلع كيف يحملهم على الحقّ وإن كان السيف على عنقه. قال محمّد بن كعب : فقلت : أتعلم ذلك منه ولا تولّيه؟ فقال : إن تركتهم فقد تركهم من هو خير منّي).

روى البلاذري في أنساب الأشراف ٥ / ١٧ عن الواقدي بسنده ، قال : (ذكر عمر من يستخلف فقيل : أين أنت عن عثمان؟ قال : لو فعلت لحمل بني أبي معيط على رقاب الناس. قيل : الزّبير؟ قال : مؤمن الرضى ، كافر الغضب. قيل : طلحة؟ قال : أنفه في السّماء واسته في الماء. قيل : سعد؟ قال : صاحب مقنب (١١٩) ، قرية له كثير. قيل : عبد الرّحمن؟ قال : بحسبه أن يجري على أهل بيته).

وروى البلاذري في ج ٥ / ١٨ من أنساب الأشراف : أنّ عمر بن الخطّاب أمر صهيبا مولى عبد الله بن جدعان حين طعن أن يجمع إليه وجوه المهاجرين والأنصار. فلمّا دخلوا عليه قال : إنّي جعلت أمركم شورى إلى ستّة نفر من المهاجرين الأوّلين الّذين قبض رسول الله (ص) وهو عنهم راض ليختاروا أحدهم لإمامتكم ـ وسمّاهم ، ثمّ قال لأبي طلحة زيد بن سهل

__________________

(١١٨) وقريب منه ما في طبقات ابن سعد ج ٣ ق ١ ص ٢٤٧. وراجع ترجمة عمر من الاستيعاب ومنتخب الكنز ج ٤ ص ٤٢٩.

(١١٩) المقنب : جماعة من الخيل تجتمع للغارة.

١٨٠