معالم المدرستين - ج ١

السيد مرتضى العسكري

معالم المدرستين - ج ١

المؤلف:

السيد مرتضى العسكري


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة البعثة
الطبعة: ٤
الصفحات: ٦١٦

ويخالفه ـ أيضا ـ ما في قصّة تأمير علقمة بن علاثة الكلبي بعد ارتداده ، وقصّته كما في الأغاني والإصابة (١٧) بترجمته ما يلي :

أسلم علقمة على عهد رسول الله وأدرك صحبته. ثمّ ارتدّ على عهد أبي بكر. فبعث أبو بكر إليه خالدا ففرّ منه.

قالوا : ثمّ رجع فأسلم.

وفي الإصابة :

شرب الخمر على عهد عمر ، فحدّه ، فارتدّ ولحق بالروم. فأكرمه ملك الروم ، قال له : أنت ابن عمّ عامر بن الطفيل. فغضب وقال : لا أراني أعرف إلّا بعامر (١٨). فرجع وأسلم.

وفي الأغاني والإصابة ـ واللفظ للأوّل ـ :

لمّا قدم علقمة بن علاثة المدينة وكان قد ارتدّ عن الإسلام ، وكان لخالد بن الوليد صديقا ، فلقيه عمر بن الخطاب (رض) في المسجد في جوف اللّيل ، وكان عمر (رض) يشبه بخالد ، فسلّم عليه وظنّ أنه خالد.

فقال له : عزلك؟

قال : كان ذلك.

__________________

(١٧) ترجمته في الإصابة ٢ / ٤٩٦ ـ ٤٩٨ ، والأغاني ، ط. ساسي ١٥ / ٥٦ ، وقصة تنافر علقمة وعامر في الأغاني ١٥ / ٥٠ ـ ٥٥ ، وفي جمهرة ابن حزم ص ٢٨٤.

(١٨) وقعت منافرة بين علقمة وعامر ذكرها الأخباريون ، قال في الأغاني ، ط. ساسي ١٥ / ٥٠ : انّ علقمة كان قاعدا ذات يوم يبول ، فبصر به عامر ، فقال : لم أر كاليوم عورة رجل أقبح ....

فقال علقمة : أما والله ما وثبت على جاراتها ولا تنازل كناتها ، يعرض بعامر ....

فقال عامر : والله لأنا أكرم منك حسبا وأثبت منك نسبا ....

فقال علقمة : لأنا خير منك ليلا ونهارا.

فقال عامر : لأنا أحبّ إلى نسائك ـ إلى آخر القصة ، في الأغاني ، وترجمة علقمة في الإصابة.

قال المؤلف :

ولذلك أنف علقمة من أن يكرم لأنه ابن عمّ عامر ويشتهر ذلك عنه.

١٢١

قال : والله ما هو إلا نفاسة عليك وحسدا لك.

فقال له عمر : فما عندك معونة على ذلك؟

قال : معاذ الله ، إنّ لعمر علينا سمعا وطاعة وما نخرج إلى خلافه.

فلمّا أصبح عمر (رض) أذن للنّاس ، فدخل خالد وعلقمة. فجلس علقمة إلى جنب خالد ، فالتفت عمر إلى علقمة فقال له :

إيه يا علقمة ، أنت القائل لخالد ما قلت؟

فالتفت علقمة إلى خالد ، فقال :

يا أبا سليمان أفعلتها؟

قال : ويحك! والله ما لقيتك قبل ما ترى ، وإنّي أراك لقيت الرجل.

قال : أراه والله.

ثم التفت إلى عمر (رض) فقال :

يا أمير المؤمنين! ما سمعت إلّا خيرا.

قال : أجل ، فهل لك أن أوّليك حوران (١٩)؟

قال : نعم.

فولّاه إياها فمات بها ، فقال الحطيئة يرثيه ـ الحديث.

وزاد في الإصابة :

فقال عمر : لأن يكون من ورائي على مثل رأيك أحبّ إليّ من كذا وكذا.

* * *

كان ما نقلناه هو الواقع التاريخيّ غير أن علماء مدرسة الخلفاء استندوا إلى ما رووا واكتشفوا ممّا رووا ضابطة لمعرفة صحابة رسول الله (ص) وأدخلوا

__________________

(١٩) حوران : كورة واسعة من أعمال دمشق ذات قرى كثيرة ومزارع. معجم البلدان ٢ / ٣٥٨.

١٢٢

في عداد الصّحابة مختلقات سيف بن عمر المتّهم بالزندقة ممّا درسناه في كتابنا (خمسون ومائة صحابيّ مختلق).

* * *

بعد دراسة رأي المدرستين في تعريف الصحابيّ ، ندرس في ما يأتي أمر عدالة الصّحابة لدى المدرستين.

١٢٣
١٢٤
١٢٥

الفصل الثانى

عدالة الصحابة لدى المدرستين

رأي مدرسة الخلقاء في عدالة الصحابة

رأي مدرسة أهل البيت (ع) في عدالة الصحابة

ضابطة لمعرفة المؤمن والمنافق

١٢٦

رأي مدرسة الخلفاء في عدالة الصّحابة

ترى مدرسة الخلفاء أنّ الصّحابة كلّهم عدول ، وترجع إلى جميعهم في أخذ معالم دينها.

قال إمام أهل الجرح والتعديل الحافظ أبو حاتم الرازي (١) في تقدمة كتابه : (فأما أصحاب رسول الله (ص) فهم الّذين شهدوا الوحي والتّنزيل ، وعرفوا التّفسير والتّأويل ، وهم الّذين اختارهم الله عزوجل لصحبة نبيّه (ص) ونصرته وإقامة دينه وإظهار حقّه ، فرضيهم له صحابة ، وجعلهم لنا أعلاما وقدوة ، فحفظوا عنه (ص) ما بلّغهم عن الله عزوجل ، وما سنّ وشرع وحكم وقضى وندب وأمر ونهى وحظر وأدّب ، ووعوه وأتقنوه ، ففقهوا في الدّين ، وعلموا أمر الله ونهيه ومراده ، بمعاينة رسول الله (ص) ومشاهدتهم منه تفسير الكتاب وتأويله ، وتلقّفهم منه واستنباطهم عنه ؛ فشرّفهم الله عزوجل بما منّ عليهم وأكرمهم به من وضعه إيّاهم موضع

__________________

(١) هو أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي المتوفى سنة ٣٢٧ ه‍ ، وكتابه هذا (تقدمة المعرفة لكتاب الجرح والتعديل) ط. حيدرآباد سنة ١٣٧١ ه‍ ، نقلنا ما أوردناه من ص ٧ ـ ٩ منه.

١٢٧

القدوة ، فنفى عنهم الشكّ والكذب والغلط والريبة والفخر واللّمز ، وسمّاهم عدول الأمّة ، فقال عزّ ذكره في محكم كتابه : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) البقرة / ١٤٣. ففسّر النبيّ (ص) عن الله عزّ ذكره قوله : (وَسَطاً) قال : عدلا. فكانوا عدول الأمّة ، وأئمة الهدى ، وحجج الدّين ، ونقلة الكتاب والسنّة.

وندب الله عزوجل إلى التمسّك بهديهم والجري على منهاجهم والسلوك لسبيلهم والاقتداء بهم ، فقال : (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ ... وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى ...) (٢) الآية ، النساء / ١١٥.

ووجدنا النبيّ (ص) قد حضّ على التبليغ عنه في أخبار كثيرة ووجدناه يخاطب أصحابه فيها ، منها أن دعا لهم فقال : «نضّر الله امرأ سمع مقالتي فحفظها ووعاها حتّى يبلغها غيره». وقال (ص) في خطبته : «فليبلّغ الشاهد منكم الغائب» وقال : «بلّغوا عنّي ولو آية ، وحدّثوا عني ولا حرج».

ثمّ تفرّقت الصّحابة ـ رضي الله عنهم ـ في النواحي والأمصار والثغور ، وفي فتوح البلدان والمغازي والإمارة والقضاء والأحكام ، فبثّ كلّ واحد منهم في ناحيته والبلد الّذي هو به ما وعاه وحفظه عن رسول الله (ص) (٣) وأفتوا في ما سئلوا عنه ممّا حضرهم من جواب رسول الله (ص) عن نظائرها من المسائل ، وجرّدوا أنفسهم مع تقدمة حسن النيّة والقربة إلى الله تقدّس اسمه لتعليم الناس الفرائض والأحكام والسنن الحلال والحرام ، حتّى قبضهم الله عزوجل. رضوان الله ومغفرته ورحمته عليهم أجمعين.

__________________

(٢) ترى مدرسة أهل البيت أنّ المقصود من كل ذلك : المؤمنون منهم ، كما نصّت الآية عليه ، وسيأتي مزيد بيانه إن شاء الله تعالى.

(٣) سترى في ما يأتي إن شاء الله أنّ مدرسة الخلافة منعت نشر حديث الرسول وخاصة كتابته إلى رأس المائة من الهجرة!

١٢٨

وقال ابن عبد البرّ في مقدمة كتابه : الاستيعاب (٤) :

(ثبتت عدالة جميعهم). ثمّ أخذ بإيراد آيات وأحاديث وردت في حقّ المؤمنين منهم نظير ما أوردناه من الرازي.

وقال ابن الاثير في مقدمته لكتاب أسد الغابة (٥) :

(... إنّ السنن الّتي عليها مدار تفصيل الأحكام ومعرفة الحلال والحرام إلى غير ذلك من أمور الدّين ، إنّما ثبتت بعد معرفة رجال أسانيدها ورواتها ، وأوّلهم والمقدّم عليهم أصحاب رسول الله (ص) فإذا جهلهم الإنسان كان بغيرهم أشدّ جهلا وأعظم إنكارا ، فينبغي أن يعرفوا بأنسابهم وأحوالهم ...

والصّحابة يشاركون سائر الرواة في جميع ذلك إلّا في الجرح والتعديل ، فإنّهم كلّهم عدول لا يتطرّق إليهم الجرح ...).

وقال الحافظ ابن حجر في الفصل الثالث ، في بيان حال الصّحابة من العدالة ، من مقدمة الإصابة (٦) :

(اتّفق أهل السنّة على أنّ الجميع عدول ، ولم يخالف في ذلك إلّا شذوذ من المبتدعة ...).

وروى عن أبي زرعة أنّه قال :

(إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله (ص) فاعلم أنّه

__________________

(٤) الاستيعاب فى أسماء الاصحاب للحافظ المحدث أبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البرّ النمري القرطبى المالكي (٣٦٨ ـ ٤٦٣ ه‍).

(٥) أسد الغابة في معرفة الصحابة لأبي الحسن عز الدين علي بن محمد بن عبد الكريم الجزريّ المعروف بابن الأثير (ت : ٦٣٠ ه‍) ، ١ / ٣.

(٦) الإصابة في تمييز الصحابة للحافظ شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد الكناني العسقلاني الشافعي المعروف بابن حجر (٧٧٣ ـ ٨٥٢ ه‍) وقد رجعنا إلى ط. المكتبة التجارية سنة ١٣٥٨ ه‍ بمصر ، ١ / ١٧ ـ ٢٢.

١٢٩

زنديق ، وذلك أنّ الرسول حقّ ، والقرآن حقّ ، وما جاء به حقّ ، وإنّما أدّى ذلك إلينا كلّه الصّحابة ، وهؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنّة ، والجرح بهم أولى وهم زنادقة) (٧).

كان هذا رأي مدرسة الخلفاء في عدالة الصّحابة ، وفي ما يلي رأي مدرسة أهل البيت (ع) في ذلك.

رأي مدرسة أهل البيت (ع) في عدالة الصّحابة

ترى مدرسة أهل البيت تبعا للقرآن الكريم : أنّ في الصّحابة مؤمنين أثنى عليهم الله في القرآن الكريم وقال في بيعة الشجرة مثلا : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) الفتح / ١٨. فقد خصّ الله الثّناء بالمؤمنين ممّن حضروا بيعة الشجرة ولم يشمل المنافقين الّذين حضروها مثل عبد الله بن أبيّ وأوس بن خولي (٨).

وكذلك تبعا للقرآن ترى فيهم منافقين ذمّهم الله في آيات كثيرة مثل قوله تعالى :

(وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ) التوبة / ١٠١.

__________________

(٧) الإصابة ١ / ١٨. وأبو زرعة : هو عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد. قال ابن حجر في تقريب التهذيب ٢ / ٥٣٦ الترجمة ١٤٧٩ : إمام حافظ ثقة مشهور من الطبقة الحادية عشرة من الرواة. مات سنة أربع وستّين ومأتين ، وروى عنه من أصحاب الصحاح مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة.

أقول : لست أدري ما ذا يقول الإمام أبو زرعة في حقّ المنافقين من أصحاب رسول الله (ص).

(٨) راجع خبر بيعة الشجرة بيعة الرضوان في مغازي الواقدي ص ٦٠٤. وإمتاع الاسماع للمقريزي ص ٢٩١.

١٣٠

وفيهم من أخبر الله عنهم بالإفك ، أي من رموا فراش رسول الله (ص) بالإفك (٩) ـ نعوذ بالله من هذا القول ـ وفيهم من أخبر الله عنهم بقوله : (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً) الجمعة / ١١. وكان ذلك عند ما كان رسول الله قائما في مسجده يخطب خطبة الجمعة.

وفيهم من قصد اغتيال رسول الله في عقبة هرشى عند رجوعه من غزوة تبوك (١٠) ، أو من حجّة الوداع (١١).

وإنّ التشرف بصحبة النبيّ (ص) ليس أكثر امتيازا من التشرف بالزواج بالنبيّ (ص) ، فإن مصاحبتهن له كانت من أعلى درجات الصحبة ، وقد قال الله تعالى في شأنهن :

(يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ ...) الأحزاب / ٣٠ ـ ٣٢.

وقال في اثنتين منهنّ :

(إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ) ـ إلى قوله تعالى : ـ

__________________

(٩) إشارة إلى قصة الإفك التي نزلت في شأنها الآيات ١١ ـ ١٧ من سورة النور في براءة أمّ المؤمنين عائشة عمّا رميت به كما روتها هي ، أو في براءة مارية عما رميت به على قول غيرها ، كما في الجزء الثاني من أحاديث أمّ المؤمنين عائشة.

(١٠) مسند أحمد ٥ / ٣٩٠ و ٤٥٣. وراجع صحيح مسلم ٨ / ١٢٢ ـ ١٢٣ ، باب صفات المنافقين. ومجمع الزوائد ١ / ١١٠ و ٦ / ١٩٥. ومغازي الواقدي ٣ / ١٠٤٢. وإمتاع الأسماع للمقريزي ص ٤٧٧ ، وفي تفسير ، (وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا) الآية ٧٤ من سورة التوبة بتفسير الدر المنثور للسيوطي ٣ / ٢٥٨ ـ ٢٥٩.

(١١) ورد في أحاديث الشيعة أنّ ذلك كان عند مرجعه من حجّة الوداع وبمناسبة واقعة غدير خم بأرض الجحفة. راجع البحار ، ط. المكتبة الإسلامية بطهران سنة ١٣٩٢ ه‍ ، ٢٨ / ٩٧

١٣١

(ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ ... وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ ...) التحريم من أوّل السورة إلى آخرها.

ومنهم من أخبر عنهم الرسول (ص) في قوله عن يوم القيامة :

«وإنّه يجاء برجال من أمّتي ، فيؤخذ بهم ذات الشمال ، فأقول : يا ربّ أصيحابي. فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول كما قال العبد الصالح : (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) المائدة / ١١٧. فيقال : إنّ هؤلاء لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم منذ فارقتهم» (١٢)

وفي رواية :

«ليردنّ عليّ ناس من أصحابي الحوض حتّى عرفتهم اختلجوا دوني ، فأقول : أصحابي. فيقول : لا تدري ما أحدثوا بعدك» (١٣).

وفي صحيح مسلم :

ليردنّ عليّ الحوض رجال ممّن صاحبني حتّى إذا رأيتهم ورفعوا إليّ اختلجوا دوني ، فلأقولنّ : أي ربّ أصيحابي. فليقالنّ لي : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك» (١٤).

__________________

(١٢) صحيح البخاري ، كتاب التفسير ، تفسير سورة المائدة ، باب وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلمّا توفيتني ، وكتاب الأنبياء ، باب واتّخذ الله إبراهيم خليلا. والترمذي ، أبواب صفة القيامة ، باب ما جاء في شأن الحشر ، وتفسير سورة طه.

(١٣) البخاري ، كتاب الرقاق ، باب في الحوض ، ٤ / ٩٥ ، وراجع كتاب الفتن ، باب ما جاء في قول الله تعالى : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ ...) الأنفال / ٢٥. منه. وابن ماجة ، كتاب المناسك ، باب الخطبة يوم النحر ، ح ٥٨٣٠. وراجع مسند أحمد ١ / ٤٥٣ و ٣ / ٢٨ و ٥ / ٤٨.

(١٤) صحيح مسلم كتاب الفضائل ، باب إثبات حوض نبينا ، ٤ / ١٨٠٠ ح ٤٠.

١٣٢

ضابطة لمعرفة المؤمن والمنافق

لمّا كان في الصحابة منافقون لا يعلمهم إلّا الله ، وقد أخبر نبيّه بأنّ عليّا لا يحبّه إلّا مؤمن ولا يبغضه إلّا منافق ، كما رواه الإمام عليّ (ع) (١٥) وأمّ المؤمنين أمّ سلمة (١٦) وعبد الله بن عباس (١٧) ، وأبو ذرّ الغفاري (١٨) ،

__________________

(١٥) الإمام علي ابن عمّ الرسول أبي طالب بن عبد المطّلب : ولد في جوف الكعبة ، كما رواه الحاكم في المستدرك ٣ / ٤٨٣ ، والمالكي في الفصول المهمة. وابن المغازلي الشافعي (ت : ٤٨٣ ه‍) في المناقب ، ح ٣ ص ٧. والشبلنجي في نور الأبصار ص ٩٦. وكانت ولادته في ١٣ رجب سنة ثلاثين من عام الفيل. وبايعه المهاجرون والأنصار سنة ٣٥ ه‍. وضربه ابن ملجم المرادي ليلة التاسعة عشرة من شهر رمضان سنة ٤٠ للهجرة في محراب مسجد الكوفة ، وتوفّي في يوم ٢١ منه. روى عنه أصحاب الصحاح ٥٣٦ حديثا. راجع ترجمته في الاستيعاب وأسد الغابة والإصابة وص ٢٧٦ من جوامع السيرة.

وروايته في المنافقين في صحيح مسلم ١ / ٦١ ، باب الدليل على أنّ حبّ الأنصار وعليّ من الإيمان وبغضهم من علامات النفاق. وصحيح الترمذي ١٣ / ١٧٧ ، باب مناقب عليّ. وسنن ابن ماجة الباب الحادي عشر من مقدمته. وسنن النسائي ٢ / ٢٧١ ، باب علامة المؤمن وباب علامة المنافق كتاب الإيمان وشرائعه وخصائص النسائي ص ٣٨. ومسند أحمد ١ / ٨٤ و ٩٥ و ١٢٨. وتاريخ بغداد ٢ / ٢٥٥ و ٨ / ٤١٧ ، و ١٦ / ٤٢٦. وحلية الأولياء لأبي نعيم ٤ / ١٨٥ وقال : حديث صحيح متّفق عليه. وتاريخ الإسلام للذهبي ٢ / ١٩٨. وتاريخ ابن كثير ٧ / ٣٥٤ ، وبترجمته في كلّ من الاستيعاب ٢ / ٤٦١ وأسد الغابة ٤ / ٢٩٢. وكنز العمّال ١٥ / ١٠٥. والرياض النضرة ٢ / ٢٨٤. والمناقب لابن المغازلي ، ح ٢٢٥ ، ص ١٩٠.

(١٦) أمّ سلمة هند ابنة أبي أميّة بن المغيرة القرشي المخزومي : كانت قبل رسول الله (ص) عند أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي ، أسلما قديما وهاجرا إلى الحبشة ثمّ إلى المدينة. ولمّا جرح أبو سلمة بأحد وتوفّي سنة ثلاث من الهجرة ، تزوّجها رسول الله وكانت مصبية ، وتوفّيت بعد قتل الحسين سنة إحدى وستين. روى عنها أصحاب الصحاح ٣٧٨ حديثا. راجع ترجمتها وترجمة زوجها بأسد الغابة ، وجوامع السيرة ، ص ٢٧٦ ، وتقريب التهذيب ، ٢ / ٦١٧.

وحديثها في شأن المنافقين في سنن الترمذي ١٣ / ١٦٨. ومسند أحمد ٦ / ٢٩٢. والاستيعاب ٢ / ٤٦٠ ، بطرق متعددة. وتاريخ ابن كثير ٧ / ٣٥٤. وكنز العمّال ط. الأولى ٦ / ١٥٨.

(١٧) عبد الله ابن عمّ النبيّ العباس بن عبد المطّلب ، ولد قبل الهجرة بثلاث سنين ، وتوفّي سنة ثمان وستّين بالطائف ، وروى عنه أصحاب الصحاح ١٦٦٠ حديثا. ترجمته بأسد الغابة ـ الإصابة وجوامع السيرة ص ٢٧٦.

(١٨) أبو ذرّ جندب أو بريد بن جنادة أو عبد الله أو السكن أو غير ذلك : تقدم إسلامه وتأخّرت ـ

١٣٣

وأنس بن مالك (١٩) ، وعمران بن حصين (٢٠). وكان ذلك شائعا ومشهورا في عصر رسول الله (ص) :

قال أبو ذرّ : ما كنّا نعرف المنافقين إلّا بتكذيبهم الله ورسوله والتخلّف عن الصّلوات والبغض لعليّ بن أبي طالب (٢١).

وقال أبو سعيد الخدري : إنّا كنّا لنعرف المنافقين ـ نحن معاشر الأنصار ـ ببغضهم عليّ بن أبي طالب (٢٢).

وقال عبد الله بن عبّاس : إنّا كنّا نعرف المنافقين على عهد رسول الله (ص) ببغضهم عليّ بن أبي طالب (٢٣).

__________________

ـ هجرته ، فشهد ما بعد بدر من غزوات رسول الله. توفّي منفيّا بالربذة سنة اثنتين وثلاثين من الهجرة. روى عنه أصحاب الصحاح ٢٨١ حديثا. ترجمته في التقريب ٢ / ٤٢٠. وجوامع السيرة ص ٢٧٧. والجزء الثاني من عبد الله بن سبأ.

(١٩) أنس بن مالك بن النضر الأنصاري الخزرجي : روى هو أنه خدم النبيّ عشر سنين ، كان يخلق ذراعيه بخلوق للمعة بياض كانت به ، وكان ذلك من دعاء الإمام عليّ عليه لكتمانه الشهادة بحديث الغدير أن يضربه الله بيضاء لا تواريها العمامة ، أشار إليه في الأعلاق النفيسة ص ١٢٢ ، وتفصيله بشرح نهج البلاغة ٤ / ٣٨٨ ، وتوفي في البصرة بعد التسعين. روى عنه أصحاب الصحاح ٢٢٨٦ حديثا. ترجمته بأسد الغابة. والتقريب. وجوامع السيرة ص ٢٧٦. وروايته في شأن المنافقين بكنز العمال ط. الأولى ٧ / ١٤٠.

(٢٠) أبو نجيد عمران بن حصين الخزاعي الكعبي : أسلم عام خيبر ، وصحب الرسول وقضى بالكوفة ، وتوفّي بالبصرة سنة ٥٢. روى عنه أصحاب الصّحاح ١٨٠ حديثا. وروايته بشأن المنافقين بكنز العمّال ، ط. الأولى ٧ / ١٤٠. ترجمته في التقريب ٢ / ٧٢. وجوامع السيرة ص ٢٧٧.

(٢١) مستدرك الصحيحين ٣ / ١٢٩. وكنز العمال ١٥ / ٩١

(٢٢) أبو سعيد سعد بن مالك بن سنان الخزرجي الخدري : شهد الخندق وما بعدها. مات بالمدينة سنة ثلاث أو أربع أو خمس وستّين وقيل : سنة أربع وسبعين. وروى عنه أصحاب الصحاح ١١٧٠ حديثا. ترجمته بأسد الغابة ٢ / ٢٨٩ ، والتقريب ١ / ٢٨٩. وجوامع السيرة ص ٢٧٦. وحديثه في شأن المنافقين في صحيح الترمذي ١٣ / ١٦٧. وحلية أبي نعيم ٦ / ٢٨٤.

(٢٣) في تاريخ بغداد ٣ / ١٥٣ ، قال : كانوا عند ابن مسعود فتلا ابن عباس : (يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ) الفتح / ٢٩. قال : على بن أبي طالب. ثمّ قال : إنّا كنّا نعرف ـ الحديث.

١٣٤

وقال جابر بن عبد الله الأنصاريّ : ما كنّا نعرف المنافقين إلّا ببغض عليّ بن أبي طالب (٢٤).

لهذا كلّه ولقول رسول الله (ص) في حقّ الإمام عليّ (ع) :

«اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه» (٢٥).

فهم يحتاطون في أخذ معالم دينهم من صحابيّ عادى عليّا ولم يواله ، حذرا من أن يكون الصحابيّ من المنافقين الّذين لا يعلمهم إلّا الله.

__________________

(٢٤) جابر بن عبد الله بن عمرو الأنصاري السلمي : صحابيّ ابن صحابيّ ، شهد بيعة العقبة مع أبيه ، وشهد ١٧ غزوة مع النبيّ وصفّين مع الإمام عليّ ، ومات بالمدينة بعد السبعين. روى عنه أصحاب الصحاح ١٥٤٠ حديثا. ترجمته بأسد الغابة ١ / ٢٥٦ ـ ٢٥٧. والتقريب ١ / ١٢٢. وجوامع السيرة ص ٢٧٦. وروايته في شأن المنافقين في الاستيعاب ٢ / ٤٦٤. والرياض النضرة ٢ / ٢٨٤. وفي تاريخ الذهبي ٢ / ١٩٨ ولفظه : (ما كنّا نعرف منافقي هذه الأمّة). وفي مجمع الزوائد ٩ / ١٣٣ ولفظه : (ما كنّا نعرف منافقينا معشر الأنصار ...).

(٢٥) سنن الترمذي ١٣ / ١٦٥ باب مناقب علي. وسنن ابن ماجة باب فضل عليّ ، الحديث المرقم ١١٦. وخصائص النسائي ص ٤ و ٣٠. ومسند أحمد ١ / ٨٤ و ٨٨ و ١١٨ و ١١٩ و ١٥٢ و ٣٣٠ و ٤ / ٢٨١ و ٣٦٨ و ٣٧٠ و ٣٧٢ و ٥ / ٣٠٧ و ٣٤٧ و ٣٥٠ و ٣٥٨ و ٣٦١ و ٣٦٦ و ٤١٩ و ٥٦٨. ومستدرك الصحيحين ٢ / ١٢٩ و ٣ / ٩. والرياض النضرة ٢ / ٢٢٢ ـ ٢٢٥. وتاريخ بغداد ٧ / ٣٧٧ و ٨ / ٢٩٠ و ١٢ / ٣٤٣. ومصادر أخرى كثيرة.

١٣٥
١٣٦

الفصل الثالث

خلاصة بحث الصحابة لدى المدرستين

الصحابي وعدالته في مدرسة الخلفاء

الصحابي في مدرسة أهل البيت (ع)

١٣٧
١٣٨

الصّحابيّ وعدالته في مدرسة الخلافة

ترى مدرسة الخلفاء أنّ الصحابيّ من لقي النبيّ (ص) مؤمنا به ، ولو ساعة من نهار ، ومات على الإسلام.

وأنّه لم يبق بمكّة والطائف أحد سنة عشر إلّا أسلم وشهد مع النبي (ص) حجّة الوداع.

وأنّه لم يبق في الأوس والخزرج أحد في آخر عهد النبيّ (ص) إلّا دخل في الإسلام.

وأنّهم (كانوا في الفتوح لا يؤمّرون إلّا الصحابة) وبهذه القاعدة عدّوا جمعا في عداد الصّحابة ممّن برهنّا في كتابنا (خمسون ومائة صحابيّ مختلق) أنّهم مختلقون ولم يكن لهم وجود في التاريخ.

وترى أنّ جميع الصّحابة عدول لا يتطرق إليهم الجرح ، ومن انتقص أحدا منهم فهو من الزنادقة ، ثمّ يلتزمون بصحّة كلّ ما رواه من سمّي في اصطلاحهم بالصحابيّ ، ويأخذون من جميعهم معالم دينهم.

١٣٩

الصحابيّ في مدرسة أهل البيت (ع)

ترى مدرسة أهل البيت (ع) أن لفظ الصحابيّ ليس مصطلحا شرعيّا ، وإنّما شأنه شأن سائر مفردات اللّغة العربية ، و (الصاحب) في لغة العرب بمعنى الملازم والمعاشر ولا يقال إلّا لمن كثرت ملازمته ، والصّحبة نسبة بين اثنين ، ولذلك لا يستعمل الصاحب وجمعه الأصحاب والصحابة في الكلام إلّا مضافا ، كما ورد في القرآن الكريم (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ) و (أَصْحابُ مُوسى). وكذلك كان يستعمل في عصر الرسول (ص) ويقال : صاحب رسول الله ، وأصحاب رسول الله ، مضافا إلى رسول الله (ص) أو مضافا إلى غيره ، مثل قولهم (أصحاب الصّفّة) لمن كانوا يسكنون صفّة مسجد الرسول (ص) ثمّ استعمل الصحابيّ بعد رسول الله (ص) بلا مضاف إليه وقصد به أصحاب رسول الله (ص) وصار اسما لهم ، وعلى هذا فإنّ (الصحابي) و (الصحابة) من اصطلاح المتشرّعة وتسمية المسلمين وليس اصطلاحا شرعيّا.

أمّا عدالتهم ؛ فإنّ مدرسة أهل البيت ترى ، تبعا للقرآن الكريم ، أنّ في الصّحابة منافقين مردوا على النفاق ، ورموا فراش رسول الله (ص) بالإفك ، وحاولوا اغتيال رسول الله (ص) وأخبر عنهم الرسول أنّهم يوم القيامة يختلجون دون رسول الله (ص) فينادي : أصيحابي أصيحابي ، فيقال له : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم منذ فارقتهم. وأنّ منهم مؤمنين أثنى الله عليهم والرسول (ص) في أحاديثه ، وأنّهم المقصودون في ما ورد من الثناء في القرآن والحديث ، وقد عيّن النبيّ (ص) العلامة الفارقة بين المؤمن والمنافق : حبّ الإمام عليّ وبغضه ، ومن ثمّ فإنّهم

١٤٠