أيسر التفاسير لكلام العليّ الكبير - ج ٤

أبي بكر جابر الجزائري

أيسر التفاسير لكلام العليّ الكبير - ج ٤

المؤلف:

أبي بكر جابر الجزائري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة العلوم والحكم
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٦٤

قبلوا التحكيم فحكّم فيهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سيد الأوس سعد بن معاذ رضي الله عنه فحكم فيهم بقتل المقاتلة من الرجال وسبي النساء والذراري وهو معنى قوله تعالى (فَرِيقاً تَقْتُلُونَ) وهم الرجال (وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً) وهم النساء والأطفال ، وقوله (وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ) الزراعية (وَدِيارَهُمْ) السكنيّة (وَأَمْوالَهُمْ) الصامتة والناطقة وقوله (وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها) أي أورثكم أرضا لم تطئوها بعد وهي أرض خيبر (١) حيث غزاهم رسول الله في السنة السادسة بعد صلح الحديبية وفتحها الله عليهم وقوله (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً) تذييل المراد به تقرير ما أخبر تعالى به (٢) من نصر أوليائه وهزيمة أعدائه.

هداية الآيات :

من هداية الآيات :

١) بيان عاقبة الغدر فإن قريظة لما غدرت برسول الله انتقم منها فسلط عليها رسوله والمؤمنين فأبادوهم عن آخرهم ولم يبق إلّا الذين لا ذنب لهم وهم النساء والأطفال.

٢) بيان صادق وعد الله إذ أورث المسلمين أرضا لم يكونوا قد وطئوها وهي خيبر والشام والعراق وفارس وبلاد أخرى كبيرة وكثيرة.

٣) تقرير أن قدرة الله لا تحد أبدا فهو تعالى على كل شيء قدير لا يعجزه شيء.

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً (٢٨) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (٢٩)

__________________

(١) وقال مقاتل هي خيبر إذ لم يكونوا قد نالوها بعد فوعدهم الله إياها وقال الحسن فارس والروم ، وقال عكرمة كل أرض تفتح إلى يوم القيامة والكل صالح ومقبول ، وما في التفسير أقرب لأنها أرض اليهود فالسياق ساعد على انها أرض خيبر ، وقال صاحب التحرير انها أرض بني النضير لأنهم ما فتحوها عنوة فلم تطأها حوافر الخيل ولا أقدام الأبطال.

(٢) وفيه الايحاء ببشرى فتوحات تعقب هذا الفتح.

٢٦١

يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً (٣٠))

شرح الكلمات :

(قُلْ لِأَزْواجِكَ) : أي اللائي هن تحته يومئذ وهن تسع طلبن منه التوسعة في النفقة عليهن ولم يكن عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما يوسع به عليهن.

(فَتَعالَيْنَ) : أي إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكان يومئذ قد اعتزلهن شهرا.

(أُمَتِّعْكُنَ) : أي متعة الطلاق المشروعة على قدر حال المطلق سعة وضيقا.

(أُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً) : أي اطلقكن طلاقا من غير إضرار بكن.

(تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ) : أي تردن رضا الله ورسوله والجنة.

(فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ) : أي عشرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم زيادة على الإحسان العام.

(بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) : أي بنشوز وسوء خلق يتأذى به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ) : أي مرّتين على عذاب غيرهن ممن آذين أزواجهن.

(وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) : أي مضاعفة العذاب يسيرة هيّنة على الله تعالى.

معنى الآيات :

شاء الله تعالى أن يجتمع نساء الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما رأين نساء الأنصار والمهاجرين قد وسّع عليهن في النفقة لوجود يسر وسعة رزق بين أهل المدينة ، أن يطالبن بالتوسعة في النفقة عليهن أسوة بغيرهن وكن يومئذ تسعا وهن عائشة بنت أبي بكر ، وحفصة بنت عمر ، وأم حبيبة بنت أبي سفيان ، وسودة بنت زمعة ، وأم سلمة بنت أبي أميّة ، وزينب بنت جحش ، وميمونة بنت الحارث الهلالية ، وجويرية بنت الحارث المصطلقية ، وصفيّة بنت حيي بن أخطب النضريّة فأبلغت عائشة ذلك رسول الله صلى

٢٦٢

الله عليه وسلم فتأثر لذلك ، لعدم القدرة على ما طلب منه وقعد في مشربة له واعتزلهن شهرا كاملا حتى أنزل الله تعالى آية التخيير وهي هذه (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ (١) الدُّنْيا وَزِينَتَها) من لذيذ الطعام والشراب وجميل الثياب وحلي الزينة ووافر ذلك كله فتعالين إلى مقام الرسول الرفيع (أُمَتِّعْكُنَ) المتعة المشروعة في الطلاق (وَأُسَرِّحْكُنَ) أي أطلقكن (٢) (سَراحاً جَمِيلاً) أي لا إضرار معه ، (وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ) أي رضاهما (وَالدَّارَ الْآخِرَةَ) أي الجنة (فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ) أي هيأ وأحضر (لِلْمُحْسِناتِ) طاعة الله ورسوله (مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً) وهو المقامات العالية في حضرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في دار السّلام.

وخيّرهن صلى‌الله‌عليه‌وسلم امتثالا لأمر الله في قوله (قُلْ لِأَزْواجِكَ) وبدأ بعائشة (٣) فقال لها : إني أريد أن أذكر لك أمرا فلا تقضي فيه شيئا حتى تستأمري أبويك أي تطلبين أمرهما في ذلك وقرأ عليها الآية فاختارت الله ورسوله والدار الآخرة ، وتتابعن على ذلك فما اختارت منهنّ امرأة غير الله ورسوله والدار الآخرة فأكرمهن الله لذلك وأنزل على رسوله : (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً)

وقوله تعالى (يا نِساءَ (٤) النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) أي بخصلة قبيحة ظاهرة كسوء عشرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإن الله تعالى (يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ) يوم القيامة لأنّ أذيّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أبواب الكفر والعياذ بالله تعالى. (وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) أي وكان تضعيف العذاب على من أتت بفاحشة (٥) مبيّنة شيئا يسيرا على الله لا يعجزه حتى لا يفعله وهذا لأمرين الأول لأن أذيّة الرسول من أبواب الكفر والثاني لعلو مقامهن وشرفهن فإن ذا الشرف والمنزلة العالية يستقبح منه القبيح أكثر مما يستقبح من غيره.

__________________

(١) عامة أهل السنة والجماعة على أن الرجل إذا خير زوجته فاختارت الطلاق كان طلاقا أما إذا خيرها فاختارت عدم الطلاق فليس عليها شيء ولا يقع طلاق ما دامت لم تختره واختارت عدمه وهو البقاء.

(٢) معنى ارادة الحياة الدنيا ايثارك ما في الحياة الدنيا من متع وترف على الاشتغال بالطاعات والزهد في زينة الحياة الدنيا ومظاهرها الساحرة الخلابة.

(٣) نص الحديث : يا عائشة اني أريد أن اعرض عليك امرا أحبّ ألا تتعجلي فيه حتى تستشيري أبويك ، قالت : وما هو يا رسول الله؟ فتلى عليها الآية. قالت أفيك يا رسول الله استشير ابويّ! بل اختار الله ورسوله والدار الآخرة.

(٤) ناداهن الله تعالى بعنوان نساء النبي اعلان عن شرفهن وكمالهن بعد أن اخترن الله ورسوله والدار الآخرة.

(٥) إذا اطلق لفظ الفاحشة معرفا بأل فهو الزنى ، وإذا ورد نكره فهو المعصية كما في هذه الآية.

٢٦٣

هداية الآيات :

من هداية الآيات :

١) مشروعية تخيير الزوجات فإن اخترن الطلاق تطلّقن وإن لم يخترنه فلا يقع الطلاق.

٢) كمال أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حيث اخترن الله ورسوله والدار الآخرة عن الدنيا وزينتها.

٣) مشروعية المتعة بعد الطلاق وهي أن تعطى المرأة شيئا من المال بحسب غنى المطلّق وفقره لقوله تعالى (عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ)

٤) وجوب الإحسان العام والخاص ، الخاص بالزوج والزوجة والعام في طاعة الله ورسوله.

٥) بيان أن سيئة العالم الشريف أسوأ من سيئة الجاهل الوضيع. ولذا قالوا حسنات الأبرار سيّئات المقربين كمثل من الأمثال السائرة للعظة والاعتبار.

٢٦٤

الجزء الثاني والعشرون

(وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً (٣١) يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً (٣٢) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (٣٣) وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً (٣٤))

شرح الكلمات :

(وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) : أي ومن يطع منكن الله ورسوله.

(نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ) : أي نضاعف لها أجر عملها الصالح حتى يكون ضعف عمل امرأة أخرى من غير نساء النبي.

(وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً) : أي في الجنة.

(يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ) : أي لستن في الفضل كجماعات النساء.

(إِنِ اتَّقَيْتُنَ) : بل أنتن أشرف وأفضل بشرط تقواكنّ لله.

(فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ) : أي نظرا لشرفكن فلا ترققن العبارة.

(فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) : أي مرض النفاق أو مرض الشهوة.

(وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً) : أي جرت العادة أن يقال بصوت خشن لا رقة فيه.

(وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَ) : أي أقررن في بيوتكن ولا تخرجن منها إلا لحاجة.

٢٦٥

(وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى) : أي ولا تتزين وتخرجن متبخترات متغنجات كفعل نساء الجاهلية الأولى قبل الاسلام.

(إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ) : أي إنما أمركنّ بما امركن به من العفة والحجاب ولزوم البيوت ليطهركن من الأدناس والرذائل.

(وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ) : أي الكتاب والسنة لتشكرن الله على ذلك بطاعته وطاعة رسوله.

معنى الآيات :

ما زال السياق الكريم مع أزواج النبي أمهات المؤمنين فبعد أن اخترن الله ورسوله والدار الآخرة عن الحياة الدنيا وزينتها أصبحن ذوات رفعة وشأن عند الله تعالى ، وعند رسوله والمؤمنين. فأخبرهن الرب تبارك وتعالى بقوله : (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) أي تطع الله بفعل الأوامر وترك النواهى وتطع رسوله محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلا تعص له أمرا ولا تسىء إليه فى عشرة ، وتعمل صالحا من النوافل والخيرات نؤتها أجرها مرتين أي نضاعف لها أجر عملها فيكون ضعف أجر عاملة أخرى من النساء غير أزواج الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقوله : (١) (وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً) أي في الجنة فهذه بشارة بالجنة لنساء النبي أمهات المؤمنين التسع اللاتى نزلت هذه الآيات في شأنهن.

هذا ما دلت عليه الآية الأولى (٣١) وقوله تعالى : (يا نِساءَ النَّبِيِ (٢) لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَ) (٣) أي يا زوجات النبي أمهات المؤمنين إنكن لستن كجماعات النساء إن شرفكن أعظم ومقامكن أسمى وكيف وانتن أمهات المؤمنين وزوجات خاتم النبيين فاعرفن قدركن بزيادة الطاعة لله ولرسوله ، وقوله إن اتقيتن أي إن هذا الشرف حصل لكن بتقواكن لله فلازمن التقوى إنكن بدون تقوى لا شيء يذكر شأنكن شأن سائر النساء. وبناء عليه (فَلا تَخْضَعْنَ (٤) بِالْقَوْلِ) أي لا تليّن الكلمات وترققن الصوت إذا تكلمتن مع الأجانب من الرجال. وقوله تعالى : (فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي

__________________

(١) التاء في (أَعْتَدْنا) بدل عن أحد الدالين من أعد لقرب مخرجيها وقصد التخفيف.

(٢) أعيد خطابهن من قبل الله تعالى كما أعيد نداؤهن تشريفا لهن وإظهارا للاهتمام بالخبر. وأحد بمعنى واحد قلبت همزته واوا.

(٣) هذا الشرط معتبر في التقوى ، إذ بين لهن أن هذا الشرف وهذه البشرى بالجنة إنما كانت بشرط التقوى والتقوى اجتناب وامتثال.

(٤) قال ابن عباس : المرأة تندب إذا خاطبت الأجانب إلى الغلظة في القول من غير رفع صوت فإن المرأة مأمورة بخفض الكلام.

٢٦٦

قَلْبِهِ مَرَضٌ) نفاق أو ضعف إيمان مع شهوة عارمة تجعله يتلذذ بالخطاب وقوله : (وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً) وهو ما يؤدي المعنى المطلوب بدون زيادة ألفاظ وكلمات لا حاجة إليها. وقوله : (وَقَرْنَ (١) فِي بُيُوتِكُنَ) أي اقررن فيها بمعنى اثبتن فيها ولا تخرجن الا لحاجة لا بد منها وقوله : (وَلا تَبَرَّجْنَ) أي إذا خرجتن لحاجة (تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى) أي قبل الإسلام إذ كانت المرأة تتجمل وتخرج متبخترة متكسرة متغنجة في مشيتها وصوتها تفتن الرجال.

وقوله تعالى : (وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ) بآدائها مستوفاة الشروط والأركان والواجبات فى أوقاتها مع الخشوع فيها (وَآتِينَ الزَّكاةَ ، وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ) بفعل الأمر واجتناب النهى. أمرهن بقواعد الإسلام وأهم دعائمه. وقوله : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) أي إنما أمرناكن (٢) ونهيناكن إرادة إذهاب الدنس والإثم ابقاء على طهركن يا أهل البيت النبوى.

وقوله تعالى : (وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) أي كاملا تاما من كل ما يؤثم ويدسى النفس ويدنسها.

وقوله تعالى (وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ) من الكتاب والسنة وهذا أمر لهنّ على جهة الموعظة وتعدد النعمة.

وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ كانَ لَطِيفاً) أي بكم يا أهل البيت خبيرا بأحوالكم فثقوا فيه وفوضوا الأمر إليه. والمراد من أهل البيت هنا أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٣) وفاطمة وابناها الحسن والحسين وعليّ الصهر الكريم رضي الله عن آل بيت رسول الله أجمعين وعن صحابته اكتعين (١) أبتعين أبصعين.

هداية الآيات

من هداية الآيات :

١ ـ لا شرف الا بالتقوى. ان اكرمكم عند الله أتقاكم.

٢ ـ بيان فضل نساء النبي وشرفهن.

__________________

(١) قرأ نافع وحفص (وَقَرْنَ) بفتح القاف من قرر كعلم يقرر والأمر اقررن فحذفت الراء الأولى تخفيفا وألغيت حركتها على القاف ، فسقطت همزة الوصل لعدم الحاجة إليها عند ما تحركت القاف الساكنة فصارت وقرن ، وقرأ الجمهور بكسر القاف.

(٢) المعنى العام للآية : ما يريد الله لكن مما أمركن به ونهاكن عنه إلا عصمتكن من النقائص وتحليتكن بالكمالات ودوام ذلك لكن فلم يرد بكن مقتا ولا نكاية.

(٣) من جهل الرافضة وما وضع لهم من قواعد في دينهم لاخراجهم من الإسلام وإبعادهم عن جماعة المسلمين قصرهم هذه الآية على علي وفاطمة والحسنين دون أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع أن الخطاب في الآية لأزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وحديث الكساء لا ينافي ادخال سائر نساء النبي في أهل بيته إذ ليس فيه صيغة من صيغ القصر المعروفة في لغة القرآن ونصه في صحيح مسلم عن عائشة قالت خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم غداة وعليه مرط مرحل فجاء الحسن فأدخله ثم جاء الحسين فأدخله ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله ، ثم قال إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا.

٢٦٧

٣ ـ حرمة ترقيق المرأة صوتها وتليين عباراتها اذا تكلمت مع أجنبى.

٤ ـ وجوب بقاء النساء في منازلهن ولا يخرجن إلا من حاجة لا بد منها.

٥ ـ حرمة التبرج وهى أن تتزين المرأة وتخرج بادية المحاسن متبخترة فى مشيتها.

٦ ـ على المسلم أن يذكر ما شرفه الله به من الإيمان والإسلام ليترفع عن الدنايا والرذائل.

٧ ـ بيان أن الحكمة هى السنة النبوية الصحيحة.

٨ ـ الإشارة الى وجود جاهلية ثانية وقد ظهرت منذ نصف قرن وهى تبرج النساء بالكشف عن الرأس والصدور والسيقان وحتى الأفخاذ.

(إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (٣٥))

شرح الكلمات :

(إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ) : إن الذين أسلموا لله وجوههم فانقادوا لله ظاهرا وباطنا والمسلمات أيضا.

(وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) : أي المصدقين بالله ربا وإلها والنبي محمد نبيا ورسولا والإسلام دينا وشرعا والمصدقات.

(وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ) : أي المطيعين لله ورسوله من الرجال والمطيعات من النساء.

(وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ) : أي الصادقين في أقوالهم وأفعالهم والصادقات.

(وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ) : أي الحابسين نفوسهم على الطاعات فلا يتركوها وعن المعاصى فلا يقربوها وعلى البلاء فلا يسخطوه ولا يشتكوا الله إلى عباده والحابسات.

٢٦٨

(الْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ) : أي المتذللين لله المخبتين له والخاشعات من النساء كذلك.

(وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ) : أي المؤدين الزكاة والفضل من أموالهم عند الحاجة إليه والمؤديات كذلك.

(وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ) : أي عن الحرام والحافظات كذلك الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم بالنسبة للرجال أما النساء فالحافظات فروجهن الا على ازواجهن فقط.

(وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ) : أي بالألسن والقلوب فعلى أقل تقدير يذكرن الله ثلثمائة مرة في اليوم والليلة زيادة على ذكر الله فى الصلوات الخمس.

(أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً) : أي لذنوبهم وذنوبهن.

(وَأَجْراً عَظِيماً) : أي الجنة دار الأبرار.

معنى الآيات :

هذه الآية وإن نزلت جوابا عن تساؤل بعض أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذ قلن للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما لنا لا نذكر في القرآن كما يذكر الرجال فأنزل (١) الله تعالى هذه الآية المباركة إن المسلمين والمسلمات ، فإن مناسبتها لما قبلها ظاهرة وهى أنه لما أثنى على آل البيت بخير فإن نفوس المسلمين والمسلمات تتشوق لخير لهم كالذى حصل لآل البيت الطاهرين فذكر تعالى أن المسلمين (٢) والمسلمات الذين انقادوا لأمر الله ورسوله وأسلموا وجوههم لله فلا يلتفتون إلى غيره ، كالمؤمنين والمؤمنات بالله ربا وإلها ومحمدا نبيا ورسولا والإسلام دينا وشرعا ، كالقانتين أي المطيعين لله ورسوله والمطيعات فى السراء والضراء والمنشط والمكره في حدود الطاقة البشرية ، كالصادقين في أقوالهم وأفعالهم والصادقات كالصابرين أي الحابسين نفوسهم على الطاعات فعلا ، وعن المحرمات تركا ، وعلى البلاء رضا وتسليما والصابرات كالخاشعين في صلاتهم وسائر طاعاتهم والخاشعات لله تعالى كالمتصدقين بأداء زكاة أموالهم وبفضولها عند الحاجة إليها والمتصدقات كالصائمين رمضان والنوافل كعاشوراء والصائمات ، كالحافظين فروجهم عما حرم الله تعالى عليهم من المناكح وعن

__________________

(١) روى الترمذي عن أم عمارة الأنصارية أنها أتت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالت : ما أرى كل شيء إلا للرجال وما أرى النساء يذكرن بشيء؟ فنزلت الآية ، وروى أحمد والنسائي وابن جرير عن أم سلمة أنها قالت قلت ما لنا لا نذكر في القرآن كما يذكر الرجال فنزلت.

(٢) بدىء بذكر الإسلام لأنه علم على الملة المحمدية وهو يعم الإيمان وعمل الجوارح ثم ذكر الإيمان لأنه كالطاقة المحركة والدافعة إلى القول الحق والطاعة لله ورسوله.

٢٦٩

كشفها لغير الأزواج والحافظات (١) ، كالذاكرين الله كثيرا بالليل (٢) والنهار ذكر القلب واللسان والذاكرات (٣) الكل الجميع أعد الله تعالى لهم مغفرة لذنوبهم إذ كانت لهم ذنوب ، وأجرا عظيما أي جزاء عظيما على طاعاتهم بعد إيمانهم وهو الجنة دار السّلام جعلنا الله منهم ومن أهل الجنة.

هداية الآيات

من هداية الآيات :

١ ـ بشرى المسلمين والمسلمات بمغفرة ذنوبهم ودخول الجنة إن اتصفوا بتلك الصفات المذكورة في هذه الآية وهي عشر صفات أولها الإسلام وآخرها ذكر الله تعالى.

٢ ـ فضل الصفات المذكورة إذ كانت سببا في دخول الجنة بعد مغفرة الذنوب.

٣ ـ تقرير مبدأ التساوى بين الرجال والنساء في العمل والجزاء فى العمل الذي كلف الله تعالى به النساء والرجال معا وأماما خص به الرجال أو النساء فهو على خصوصيته للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن والله يقول الحق ويهدي السبيل.

(وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً (٣٦) وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي

__________________

(١) حذف من الآخر لدلالة الأول والمحذوف فروجهن ، ولأن ذكر فروج النساء غير لائق ذكره وسماعه لما عرف به أهل هذه الملة من عدم الرضا بذكر النساء لصيانتهن عن الابتذال والمهانة.

(٢) وحذف المقابل في الذاكرات طلبا للإيجاز غير المخل لأن الذكر الآخر مع ذكر الأول مع العلم به إطناب لا داعي له قال الشاعر :

وكمتا مدماة كأن متونها

جرى فوقها واستشعرت لون مذهب

(٣) قال مجاهد : لا يكون العبد ذاكرا لله تعالى كثيرا حتى يذكره قائما وجالسا ومضطجعا ، وقال أبو سعيد الخدري «من أيقظ أهله بالليل وصليا أربع ركعات كانا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات.

٢٧٠

أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً (٣٧) ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللهُ لَهُ سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً (٣٨) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللهَ وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً (٣٩) ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٤٠))

شرح الكلمات :

(ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ) : أي لا ينبغي ولا يصلح لمؤمن ولا مؤمنة.

(أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) : أي حق الاختيار فيما حكم الله ورسوله فيه بالجواز أو المنع.

(فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) : أي أخطأ طريق النجاة والفلاح خطأ واضحا.

(أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ) : أي أنعم الله عليه بالإسلام ، وأنعمت عليه بالعتق وهو زيد بن حارثة.

(وَاتَّقِ اللهَ) : أي في أمر زوجتك فلا تحاول طلاقها.

(وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ) : أي وتخفى فى نفسك وهو علمك بأنك إذا طلق زيد زينب زوجكها الله إبطالا لما عليه الناس من حرمة الزواج من امرأة المتبنّى.

(مَا اللهُ مُبْدِيهِ) : أي مظهره حتما وهو زواج الرسول من زينب بعد طلاقها.

(وَتَخْشَى النَّاسَ) : أي يقولوا تزوج محمد مطلقة مولاه زيد.

(وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) : وهو الذي أراد لك ذلك الزواج.

(فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً) : أي حاجته منها ولم يبق له رغبة فيها لتعاليها عليه بشرف نسبها ومحتد آبائها.

٢٧١

(زَوَّجْناكَها) : إذ تولى الله عقد نكاحها فدخل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليها بدون إذن من أحد وذلك سنة خمس وأشبع الناس لحما وخبزا في وليمة عرسها.

(لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ) : أي إثم في تزوجهم من مطلقات أدعيائهم.

(وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً) : أي وما قدره الله في اللوح المحفوظ لا بد كائن.

(وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ) : أي يفعلون ما أذن لهم فيه ربهم ولا يبالون بقول الناس.

(وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً) : أي حافظا لأعمال عباده ومحاسبا لهم عليها يوم الحساب.

(ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ) : أي لم يكن أبا لزيد ولا لغيره من الرجال إذ مات أطفاله الذكور وهم صغار.

(وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ) : أي لم يجىء نبي بعده إذ لو جاء نبي بعده لكان ولده أهلا للنبوة كما كان أولاد ابراهيم ويعقوب ، وداود مثلا.

معنى الآيات :

قوله تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ) (١) الآيات هذا شروع في قصة زواج زيد بن حارثة الكلبى مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بزينب بنت جحش بنت عمة النبي اميمة بنت عبد المطلب إنه لما أبطل الله التبني وحرمه بقوله : (وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ) وقوله : (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ) تبع ذلك أن لا يرث الدعى ممن ادعاه ، وان لا تحرم مطلقته على من تبنّاه وادعاه وهكذا بطلت الأحكام التى كانت لازمة للتّبنّي ، وكون هذا نزل به القرآن ليس من السهل على النفوس التى اعتادت هذه الأحكام في الجاهلية وصدر الإسلام أن تتقبلها وتذعن لها بسهولة فأراد الله تعالى أن يخرج ذلك لحيز الوجود فألهم رسوله أن يخطب زينب لمولاه زيد ، واستجابت زينب للخطبة فهما منها أنها مخطوبة لرسول الله لتكون أما للمؤمنين ولكن تبين لها بعد ليال أنها مخطوبة لزيد بن حارثة مولى رسول الله وليست كما فهمت وهنا أخذتها الحمية وقالت لن يكون هذا لن تتزوّج شريفة مولى من موالى الناس ونصرها أخوها على ذلك وهو عبد الله بن جحش. فنزلت هذه الآية وما

__________________

(١) روى قتادة وابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد في سبب نزول هذه الآية أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خطب زينب بنت جحش وكانت بنت عمته خطبها لمولاه زيد بن حارثة فظنت أن الخطبة له صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلما تبين انها لمولاه زيد كرهت وأبت وامتنعت فنزلت الآية فأذعنت وقبلت.

٢٧٢

كان لمؤمن (١) ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة (٢) من أمرهم الآية فما كان منها الا أن قبلت عن رضى الزواج من زيد وتزوجها زيد وبحكم الطباع البشرية فان زينب لم تخف شرفها على زيد وأصبحت تترفع عليه الأمر الذي شعر معه زيد بعدم الفائدة من هذا الزواج فأخذ يستشير رسول الله مولاه ويستأذنه في طلاقها والرسول يأبى عليه ذلك علما منه أنه إذا طلقها سيزوجه الله بها إنهاء لقضية جعل أحكام الدّعى كأحكام الولد من الصّلب فكان يقول له : اتق الله يا زيد لا تطلق بغير ضرورة ولا حاجة الى الطلاق واصبر على ما تجده من أمرأتك ، وهنا عاتب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ربّه عزوجل إذ قال له : (وَإِذْ (٣) تَقُولُ) أي اذكر إذ تقول (لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ) أي بنعمة الإسلام ، (وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ) بأن عتقته (أَمْسِكْ (٤) عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ ، وَتُخْفِي (٥) فِي نَفْسِكَ) وهو أمر زواجك منها ، (مَا اللهُ مُبْدِيهِ) أي مظهره لا محالة من ذلك (وَتَخْشَى (٦) النَّاسَ) أن يقولوا محمد تزوج امرأة ابنه زيد ، (وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ). وقد أراد منك الزواج من زينب بعد طلاقها وانقضاء عدتها هدما وقضاء على الأحكام التى جعلت الدّعى كابن الصّلب.

وقوله تعالى : (فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً) أي حاجته منها بالزواج بها وطلقها (زَوَّجْناكَها) (٧) إذ تولينا عقد نكاحها منك دون حاجة الي وليّ ولا إلى شهود ولا إلى مهر أو صداق وذلك من أجل أن لا يكون على المؤمنين حرج أي إثم في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا ، وقوله تعالى : (وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً) أي وما قضى به الله واقع لا محالة وقوله تعالى : (ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللهُ لَهُ) أي من إثم أو تضييق فى قول أو فعل شيء افترضه الله تعالى عليه وألزمه به سنة الله في الذين خلوا من قبل من الأنبياء ، وكان أمر الله أي مقضيه قدرا مقدورا أي واقعا نافذا لا محالة. وقوله : (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ) أي

__________________

(١) هذه الصيغة هي لنفي الحال والشأن فهي أبلغ من صيغ النهي أي أن مثل هذا القول والعمل مما لا يكون ولا ينبغي أن يكون نحو قوله تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً) وفي الآية دليل على أن الكفاءة تعتبر في الأديان لا في الأنساب بل هي نص في هذا.

(٢) الخيرة اسم مصدر من تخيّر ومثلها الطيرة من تطير ولم يسمع على هذا الوزن غيرهما ، ووقع لفظ مؤمن ومؤمنة نكرة في سياق النفي فأفادتا العموم.

(٣) روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها انها قالت : لو كان رسول الله كاتما شيئا من الوحي لكتم هذه الآية (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ) الآية وكذا قالت في آية عبس وتولى وهو كما قالت رضي الله عنها وأرضاها.

(٤) جاء زيد إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : إن زينب تؤذيني بلسانها وتفعل وتفعل! واني أريد أن أطلقها فقال له : أمسك عليك زوجك واتق الله الآية.

(٥) إن قيل كيف يأمر زيدا بعدم طلاق زينب وهو يعلم أنه سيطلقها ويزوجه الله تعالى بها؟ الجواب لا حرج في هذا ألا ترى أن الله يأمر العبد بالإيمان والإسلام وهو يعلم انه لا يؤمن ، لأن الأمر لاقامة الحجة ومعرفة العاقبة.

(٦) ما كان يخشاه هو إرجاف المنافقين واليهود قولهم : أينهى عن نكاح زوجة الابن ويتزوج زوجة ابنه زيد.

(٧) روى أن زينب كانت تقول لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم اني لأدل عليك بثلاث! ما من نسائك امرأة تدل بهن : أن جدى وجدك واحد ، وأن الله انكحك اياي من السماء ، وأن السفير في ذلك جبريل.

٢٧٣

هؤلاء الأنبياء السابقون طريقتهم التي سنها الله لهم هي أنهم ينفذون أمر الله ولا يتلفتون الى الناس يقولون ما يقولون ، ويخشون ربهم فيما فرض عليهم ولا يخشون غيره ، وكفى بالله حسيبا أي حافظا لأعمال عباده ومحاسبا عليها ومجاز بها ، وقوله تعالى في ختام السياق (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ) لا زيد ولا غيره إذ لم يكن له ولد ذكر قد بلغ الحلم إذ مات الجميع صغارا وهم أربعة ثلاثة من خديجة وهم القاسم والطيب والطاهر وابراهيم وهو من مارية القبطية ، فلذا لا يحرم عليه أن يتزوج مطلقة زيد لأنه ليس بابنه وان كان يدعى زيد بن محمد قبل إنهاء التبني وأحكامه ولكن رسول الله وخاتم النبيين فلا نبى بعده فلو كان له ولد ذكر رجلا لكان يكون نبيا ورسولا كما كان أولاد ابراهيم واسحق ويعقوب وداود ، ولما أراد الله أن يختم الرسالات برسالته لم يأذن ببقاء أحد من أولاد نبيّه بل توفاهم صغارا ، أما البنات فكبرن وتزوجن وأنجبن ومتن حال حياته الا فاطمة فقد ماتت بعده بستة أشهر وقوله تعالى : (وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) فما أخبر به هو الحق وما حكم به هو العدل وما شرعه هو الخير فسلموا لله فى قضائه وحكمه فإن ذلك خير وأنفع.

هداية الآيات

من هداية الآيات :

١ ـ بيان أن المؤمن الحق لا خيرة عنده في أمر قضى فيه الله ورسوله بالجواز أو المنع.

٢ ـ بيان أن من يعص الله ورسوله يخرج عن طريق الهداية إلى طريق الضلالة.

٣ ـ جواز عتاب الله تعالى لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

٤ ـ بيان شدة حياء الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

٥ ـ بيان إكرام الله لزيد بأن جعل اسمه يقرأ على ألسنة المؤمنين الى يوم الدين.

٦ ـ بيان إفضال الله على زينب لما سلمت أمرها لله وتركت ما اختارته لما اختاره الله ورسوله فجعلها زوجة لرسول الله وتولى عقد نكاحها في السماء فكانت تفاخر نساءها بذلك.

٧ ـ تقرير حديث ما ترك عبد شيئا لله الا عوضه الله خيرا منه.

٨ ـ إبطال أحكام التّبني التى كانت في الجاهلية.

٩ ـ تقرير نبوة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكونه خاتم الأنبياء فلا نبيّ بعده.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً (٤١) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٤٢) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ

٢٧٤

مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (٤٣) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً (٤٤))

شرح الكلمات :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) : أي يا من آمنتم بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا.

(اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً) : أي بقلبوكم وألسنتكم.

(وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) : أي نزهوه بقول سبحان الله وبحمده صباحا ومساء.

(هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ) : أي يرحكمكم.

(وَمَلائِكَتُهُ) : أي يستغفرون لكم.

(لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ) : أي يرحكمكم ليديم اخراجكم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان.

(تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ) : أي سلام عليكم فالملائكة تسلم عليهم.

(وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً) : أي وهيأ لهم أجرا كريما وهو الجنة.

معنى الآيات :

هذا النداء الكريم من رب رحيم يوجه إلى المؤمنين الصادقين ليعلمهم ما يزيد به إيمانهم ونورهم ، ويحفظون به من عدوهم وهو ذكر الله فقال تعالى لهم (يا أَيُّهَا الَّذِينَ (١) آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً) لا حد له ولا حصر إذ هو الطاقة التى تساعد على الحياة الروحية ، (وَسَبِّحُوهُ (٢) بُكْرَةً وَأَصِيلاً) بصلاة الصبح وصلاة العصر. وبقول سبحان الله والحمد لله والله أكبر دبر كل صلاة من الصلوات الخمس. وقوله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي (٣) عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ) وصلاته تعالى عليهم

__________________

(١) قال ابن عباس رضي الله عنهما لم يعذر واحد في ترك ذكر الله إلا من غلب عليه عقله وورد في فضل الذكر قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إعطاء الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا وما هو يا رسول الله قال ذكر الله عزوجل ـ وقوله وقد جاءه اعرابيان فقال احدهما يا رسول الله أي الناس خير؟ قال : من طال عمره وحسن عمله وقال الآخر إن شرائع الإسلام قد كثرت عليّ فمرني بأمر أتشبث به. فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يزال لسانك رطبا بذكر الله تعالى.

(٢) يجوز أن يراد بالتسبيح صلوات النوافل ، وجائز أن يكون التسبيح نحو سبحان الله وبحمده إذ ورد عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصح من قال سبحان الله وبحمده مائة مرة غفر له ما تقدم من ذنبه.

(٣) الصلاة الدعاء والذكر بخير وهي من الله تعالى ثناؤه على العبد بين الملائكة قاله البخاري وقيل صلاة الله تعالى على العبد الرحمة ويكون على النبي الثناء عليه وعلى غير النبي الرحمة وهذا أولى ، ولا منافاة بين القولين لقوله تعالى : فاذكروني أذكركم. وهي من الملائكة دعاء واستغفار لقوله تعالى الذي يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا الآية من سورة المؤمن.

٢٧٥

رحمته لهم ، وصلاة ملائكته الاستغفار لهم وقوله ليخرجكم من الظلمات أي من ظلمات الكفر والمعاصى الى نور الإيمان والطاعات. فصلاته تعالى وصلاة ملائكته هي سبب الإخراج من الظلمات إلى النور. وقوله تعالى (وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) وهذه علاوة أخرى زيادة على الإكرام الأول وهو الصلاة عليهم وإنه بالمؤمنين عامة رحيم فلا يعذبهم ولا يشقيهم. وقوله (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ (١) سَلامٌ) أي وتحيتهم يوم القيامة في دار السّلام السّلام إذ الملائكة يدخلون عليهم من كل باب قائلين سلام عليكم أي أمان وأمنة لكم فلا خوف ولا حزن. وقوله (وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً) أي هيأ لهم وأحضر أجرا كريما وهي الجنة. فسبحان الله ما أكرمه وسبحان الله ما أسعد المؤمنين. فيا لفضيلة الإيمان وطاعة الرحمن طلب منهم أن يذكروه كثيرا وأن يسبحوه بكرة وأصيلا وأعطاهم ما لا يقادر قدره فسبحان الله ما أكرم الله. والحمد لله.

هداية الآيات

من هداية الآيات :

١ ـ وجوب ذكر الله تعالى كثيرا ليل نهار ووجوب تسبيحه صباح مساء.

٢ ـ بيان فضل الله على المؤمنين بصلاته عليهم وصلاة ملائكته ورحمته لهم.

٣ ـ تقرير عقيدة البعث بذكر بعض ما يتم فيها من سلام الملائكة على أهل الجنة.

٤ ـ بشرى المؤمنين الصادقين بالجنة.

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٤٥) وَداعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً (٤٦) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً (٤٧) وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ وَدَعْ أَذاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً (٤٨))

__________________

(١) ورد أن ملك الموت لا يقبض روح مؤمن إلا سلم عليه وروي عن البراء بن عازب في قوله تعالى : (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ) قال فيسلم ملك الموت على المؤمن عند قبض روحه ، ولا يقبض روحه حتى يسلم عليه.

٢٧٦

شرح الكلمات :

(شاهِداً) : أي على من أرسلناك إليهم.

(وَمُبَشِّراً) : أي من آمن وعمل صالحا بالجنة.

(وَنَذِيراً) : أي لمن كفر وأشرك بالنار.

(وَداعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ) : أي وداعيا إلى الإيمان بالله وتوحيده وطاعته بأمره تعالى.

(وَسِراجاً مُنِيراً) : أي وجعلك كالسراج المنير يهتدي به من أراد الهداية إلى سبيل الفلاح.

(وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ) : أي فيما يخالف أمر ربك وما شرعه لك ولأمتك.

(وَدَعْ أَذاهُمْ) : أي أترك أذاهم فلا تقابله بأذى آخر حتى تأمر فيهم بأمر.

(وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) : أي فوض أمرك إليه فإنه يكفيك.

معنى الآيات :

هذا نداء خاص بعد ذلك النداء العام فالأول كان للمؤمنين والرسول إمامهم على رأسهم.

وهذا نداء خاص لمزيد تكريم الرسول وتشريفه وتكليفه أيضا فقال تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُ) محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (إِنَّا أَرْسَلْناكَ) (١) حال كونك شاهدا على (٢) من أرسلناك إليهم يوم القيامة تشهد على من أجاب دعوتك ومن لم يجبها ، ومبشرا لمن استجاب لك فآمن وعمل صالحا بالجنة ، ونذيرا لمن أعرض فلم يؤمن ولم يعمل خيرا بعذاب النار ، (وَداعِياً إِلَى اللهِ) تعالى عباده إليه ليؤمنوا به ويوحدوه ويطيعوه بأمره تعالى لك بذلك ، وسراجا (٣) منيرا يهتدى بك من أراد الاستهداء إلى سبيل السعادة والكمال.

وقوله تعالى : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) أي أنظر بعد دعوتك إياهم ، وبشر المؤمنين منهم أي الذين استجابوا لك وآمنوا وعملوا الصالحات بأن لهم من الله فضلا كبيرا ألا وهو مغفرة ذنوبهم وإدخالهم الجنة دار النعيم المقيم والسّلام التام. وقوله تعالى : (وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ) فيما

__________________

(١) قال القرطبي : هذه الآية فيها تأنيس للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وللمؤمنين وتكريم لجميعهم.

(٢) قال قتادة شاهدا على أمته بالتبليغ اليهم وعلى سائر الأمم بتبليغ أنبيائهم.

(٣) ورد في الصحيح والموطأ ومسلم أن للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم خمسة اسماء وهي محمد واحمد والماحي والحاشر والعاقب وهل شاهد ومبشر ونذير ورؤوف ورحيم أسماء؟ الظاهر أنها صفات ومن عدها أسماء فقد ذكر ابن العربي في أحكامه أن له صلى‌الله‌عليه‌وسلم سبعة وستين اسما.

عن عكرمة وابن عباس رضي الله عنهما لما نزلت (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً) وقد كان أمر عليا ومعاذا رضي الله عنهما ان يسيرا إلى اليمن فقال انطلقا فبشرا ولا تنفرا ويسرا ولا تعسرا إنه قد أنزل عليّ (يا أَيُّهَا النَّبِيُ) الآية.

٢٧٧

يقترحون عليك من أمور تتنافى مع دعوتك ورسالتك ، ودع أذاهم أي اترك أذيتهم واصبر عليهم حتى يأمرك ربك بما تقوم به نحوهم ، وتوكل على الله في أمرك كله ، فإنه يكفيك وكفى بالله وكيلا أي حافظا وعاصما يعصمك من الناس.

هداية الآيات

من هداية الآيات :

١ ـ بيان الكمال المحمدي الذي وهبه إياه ربّه تبارك وتعالى.

٢ ـ مشروعية الدعوة الى الله إذا كان الداعى متأهلا بالعلم والحلم وهما الإذن.

٣ ـ حرمة طاعة الكافرين والمنافقين والفجرة والظالمين فيما يتنافى مع مرضاة الله تعالى.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلاً (٤٩))

شرح الكلمات :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) : أي يا من صدقوا بالله ورسوله وكتابه وشرعه.

(إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ) (١) : أي إذا عقدتم عليهن ولم تبنوا بهن.

(مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَ) : أي من قبل الخلوة بهن ووطئهن.

(فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ) : أي ليس لكم مطالبتهن بالعدة إذ العدة على المدخول بها.

(فَمَتِّعُوهُنَ) : أي أعطوهن شيئا من المال يتمتعن به جبرا لخاطرهن.

(وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلاً) : أي اتركوهن يذهبن إلى أهليهن من غير إضرار بهن.

معنى الآية الكريمة :

ينادى الله تعالى عباده المؤمنين المسلمين فيقول لهم معلما مشرعا لهم : (إِذا نَكَحْتُمُ (٢)

__________________

(١) بمناسبة طلاق زيد لزينب أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وقد خطبها رسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وزوجه ربه بها وله الحمد ناسب ذكر حكم المطلقة قبل البناء وأنها لا عدة عليها ، وأنه لا مهر لها ولكن لها المتعة إن لم يكن قد سمى لها مهرا.

(٢) النكاح حقيقة في الوطء ويطلق ويراد به العقد كما في هذه الآية الكريمة ولم يرد في القرآن الكريم النكاح إلا والمراد منه العقد ، لأنه في معنى الوطء ، وهذا من أدب القرآن حيث يكنى عن الوطء بمثل المباشرة والملامسة والقربان والتغشي والإتيان.

٢٧٨

الْمُؤْمِناتِ) أي عقدتم عليهن ، (ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَ (١) مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَ) أي من قبل الدخول عليهن الذي يتم بالخلوة في الفراش ، (فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ) تعتدونها عليهن لا بالاقراء ولا بالشهور إذ العدة لمعرفة ما في الرحم وغير المدخول بها معلومة أن رحمها خالية ، فإن سميتم لهنّ مهرا فلهن نصف المسمّى والمتعة على سبيل الاستحباب ، وإن لم تسموا لهن مهرا فليس لهن غير المتعة وهى هنا واجبة لهن بحسب يسار المطلّق وإعساره وقوله : (وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلاً) أي خلوا سبيلهن يذهبن إلى ذويهن من غير إضرار بهن ولا أذى تلحقونه بهن.

هداية الآية الكريمة

من هداية الآية الكريمة :

١ ـ جواز الطلاق قبل البناء.

٢ ـ ليس على المطلقة قبل الدخول بها عدة بل لها أن تتزوج ساعة ما تطلق.

٣ ـ المطلقة قبل البناء إن سمى (٢) لها صداق فلها نصفه ، وإن لم يسم لها صداق فلها المتعة واجبة يقدرها القاضي بحسب سعة المطلق وضيقه.

٤ ـ حرمة أذية المطلقة بأي أذى ، ووجوب تخلية سبيلها تذهب حيث شاءت.

٥ ـ مشروعية المتعة لكل مطلقة.

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللهُ عَلَيْكَ وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ

__________________

(١) استدل بعض العلماء بقوله تعالى ثم طلقتموهن لما في ثم من المهلة على أن الطلاق لا يكون إلا بعد النكاح أي العقد ، وأن من طلق امرأة قبل العقد عليها طلاقه لاغ لا عبرة به ، وأن عينها فانه لا يلزمه هذا مذهب نحو من ثلاثين صحابيا وتابعيا واماما سمى البخاري منهم اثنين وسبعين وفي الحديث لاطلاق قبل النكاح وقال الجمهور ان عينها تطلق وان لم يعينها فلا طلاق عليه.

(٢) استدل الظاهرية بهذه الآية على أن من طلق طلاقا رجعيا ثم راجع قبل أن تنقضي العدة ثم طلقها قبل أن يمسها انه ليس عليها أن تتم عدتها وليس عليها عدة أخرى قياسا على المطلقة قبل البناء والجمهور على انها تستقبل عدة أخرى وعليه مالك وجمهور فقهاء مكة والكوفة والمدينة.

٢٧٩

وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللاَّتِي هاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٥٠))

شرح الكلمات :

(آتَيْتَ أُجُورَهُنَ) : أي أعطيت مهورهن.

(مِمَّا أَفاءَ اللهُ عَلَيْكَ) : أي مما يسبى كصفية وجويرية.

(اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ) : أي بخلاف من لم تهاجر وبقيت في دار الكفر.

(وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِ) : أي وأراد النبي ان يتزوجها. بغير صداق.

(خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) : أي بدون صداق.

(قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ) : أي على المؤمنين.

(فِي أَزْواجِهِمْ) : أي من الأحكام كأن لا يزيدوا على أربع ، وأن لا يتزوجوا الا بولى ومهر وشهود.

(وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) : أي بشراء ونحوه وان تكون المملوكة كتابية ، وأن تستبرأ قبل الوطء.

(لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ) : أي ضيق في النكاح.

معنى الآية الكريمة :

هذا النداء الكريم لرسول ربّ العالمين يحمل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إجازة ربانية تخفف عنه أتعابه التي يعانيها صلى‌الله‌عليه‌وسلم لقد علم الله ما يعاني رسوله وما يعالج من أمور الدين والدنيا فمنّ عليه بالتخفيف

٢٨٠