أيسر التفاسير لكلام العليّ الكبير - ج ٣

المؤلف:

أبي بكر جابر الجزائري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة العلوم والحكم
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٩٢

(وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (٤٩) قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً (٥٠) أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً (٥١) يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً (٥٢))

شرح الكلمات :

(وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً) : الاستفهام للإنكسار والاستبعاد والرّفات الأجزاء المتفرقة.

(مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ) : أي يعظم عن قبول الحياة في اعتقادكم.

(فَطَرَكُمْ) : خلقكم.

(فَسَيُنْغِضُونَ) : أي يحركون رؤوسهم تعجبا.

(مَتى هُوَ؟) : الاستفهام للاستهزاء أى متى هذا البعث الذي تعدنا.

(يَوْمَ يَدْعُوكُمْ) : أي يناديكم من قبوركم على لسان إسرافيل.

(فَتَسْتَجِيبُونَ) : أي تجيبون دعوته قائلين سبحانك اللهم وبحمدك.

(وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً) : وتظنون أنكم ما لبثتم في قبوركم إلا قليلا.

معنى الآيات :

ما زال السياق في تقرير العقيدة ففي الآيات قبل هذه كان تقرير التوحيد والوحي وفي هذه الآيات تقرير البعث والجزاء الآخر ففي الآية (٤٩) يخبر تعالى عن إنكار المشركين للبعث واستبعادهم له بقوله : (وَقالُوا (١) أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً) (٢) أي أجزاء متفرقة كالحطام (أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً) (٣) وفي الآية الثانية (٥٠) يأمر تعالى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يقول لهم

__________________

(١) هذا من قولهم الذي قالوا وهم يسمعون القرآن ، ويتناجون بينهم فيقولون كذا وكذا.

(٢) الرفات : ما تكسّر ويلي من كل شيء كالفتات ، والحطام والرّضاض يقال : رفت الشيء رفتا أي : حطم والاستفهام إنكاري.

(٣) الاستفهام للاستهزاء مع الجحد والإنكار ، و (خَلْقاً) : منصوب على الحال من ضمير (لَمَبْعُوثُونَ).

٢٠١

كونوا ما شئتم فإن الله تعالى قادر على إحيائكم وبعثكم للحساب والجزاء وهو قوله تعالى؟ قل كونوا حجارة أو حديدا (١) أو خلقا مما يكبر في (٢) صدوركم أي مما يعظم في نفوسكم أن يقبل الحياة كالموت (٣) مثلا فإن الله تعالى سيحييكم ويبعثكم. وقوله تعالى : فسيقولون من يعيدنا؟ يخبر تعالى رسوله أن منكري البعث سيقولون له مستبعدين البعث : من يعيدنا وعلمه الجواب فقال له قل الذي فطركم أي خلقكم أول مرة وهو جواب مسكت فالذي خلقكم ثم أماتكم هو الذي يعيدكم كما بدأكم وهو أهون عليه. وقوله تعالى (فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ؟) يخبر تعالى رسوله بما سيقوله منكروا البعث له فيقول تعالى (فَسَيُنْغِضُونَ) أي يحركون إليك رؤوسهم خفضا ورفعا استهزاء ويقولون : (مَتى هُوَ؟) أي متى البعث أي في أي يوم هو كائن. وقوله تعالى : (قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً) علمه تعالى كيف يجيب المكذبين. وقوله (يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ (٤) بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً) أي يكون بعثكم الذي تنكرونه يوم يدعوكم بأمر الله تعالى إسرافيل من قبوركم فتستجيبون أي فتجيبونه بحمد (٥) الله (وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ) أي لبثتم (إِلَّا قَلِيلاً) أي ما لبثتم في قبوركم إلا قليلا (٦) من اللبث وذلك لما تعاينون من الأهوال وتشاهدون من الأحوال المفزعة المرعبة.

هداية الآيات

من هداية الآيات :

١ ـ تقرير عقيدة البعث والجزاء وبيان حتميتها.

٢ ـ بيان ما كان عليه المشركون من شدة إنكارهم للبعث الآخر.

٣ ـ تعليم الله تعالى لرسوله كيف يجيب المنكرين المستهزئين بالتي هي أحسن.

٤ ـ بيان الأسلوب الحواري الهادي الخالي من الغلظة والشدة.

__________________

(١) الحديد : تراب معدني لا يوجد إلا في مغاور الأرض ، وهو تراب غليظ وأصنافه ثمانية وأشهر أنواعه الأحمر وهو صنفان ، ذكر وأنثى.

(٢) قال مجاهد : يعني السموات والأرض والجبال لعظمها في النفوس.

(٣) لأنّ الموت لا شيء أكبر منه في نفوس بني آدم ، قال أمية بن الصلت :

وللموت خلق في النفوس فظيع

وخلقا بمعنى مخلوق ، ومن يكبر في صدوركم صفة له.

(٤) روي أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : (انكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم).

(٥) قال سعيد بن جبير يخرج الكفار من قبورهم وهم يقولون : سبحانك وبحمدك.

(٦) وقيل : هذا ما بين النفختين ، وذلك أنّ العذاب يكفّ عن المعذّبين بين النفختين وذلك أربعين عاما فينامون فإذا نفخ النفخة الثانية قالوا : من بعثنا من مرقدنا وظنّوا أنهم ما لبثوا إلّا قليلا.

٢٠٢

٥ ـ استقصار مدة اللبث في القبور مع طولها لما يشاهد من أهوال البعث.

(وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً (٥٣) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (٥٤) وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (٥٥))

شرح الكلمات :

(الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) : أي الكلمة التي هي أحسن من غيرها للطفها وحسنها.

(يَنْزَغُ) : أي يفسد بينهم (١).

(عَدُوًّا مُبِيناً) : أي بيّن العداوة ظاهرها.

(رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ) : هذه هي الكلمة التي هي أحسن.

(وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً) : أي فيلزمك إجبارهم على الإيمان.

(فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ) : أي بتخصيص كل منهم بفضائل أو فضيلة خاصة به.

(وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) : أي كتابا هو الزبور هذا نوع من التفضيل.

معنى الآيات :

ما زال السياق في طلب هداية أهل مكة ، من طريق الحوار والمجادلة وحدث أن بعض المؤمنين واجه بعض الكافرين اثناء الجدال بغلظة لفظ كأن توعده بعذاب النار فأثار ذلك حفائظ المشركين فأمر تعالى رسوله أن يقول للمؤمنين إذا خاطبوا المشركين أن لا يغلظوا لهم القول فقال تعالى : (وَقُلْ لِعِبادِي) (٢) أي المؤمنين (يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) من الكلمات لتجد طريقا إلى قلوب الكافرين ، وعلل لذلك تعالى فقال (إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ) بالوسواس فيفسد العلائق التي

__________________

(١) روي أن الآية نزلت في عمر بن الخطاب وذلك أن رجلا من العرب شتمه وسبه عمر وهم بقتله فكادت تثير فتنة ، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فلذا الآية دعوة عامة لإحسان القول في أثناء دعوة الناس وهدايتهم.

(٢) أي بالكلمات التي هي أحسن.

٢٠٣

كان في الامكان التوصل بها إلى هداية الضالين ، وذلك أن الشيطان كان وما زال للإنسان عدوا مبينا أي بيّن العداوة ظاهرها فهو لا يريد للكافر أن يسلم ، ولا يريد للمسلم أن يؤجر ويثاب في دعوته. وقوله تعالى : (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ) فيتوب عليكم فتسلموا. (أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ) بأن يترككم تموتون على شرككم فتدخلوا النار. مثل هذا الكلام ينبغي أن يقول المؤمنون للكافرين لا أن يصدروا الحكم عليهم بأنهم أهل النار والمخلدون فيها فيزعج ذلك المشركين فيتمادوا في العناد والمكابرة. وقوله تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ (١) وَكِيلاً). يقول تعالى لرسوله إنا لم نرسلك رقيبا عليهم فتجبرهم على الإسلام وإنما أرسلناك مبلغا دعوتنا إليهم بالأسلوب الحسن وهدايتهم إلينا ، وفي هذا تعليم للمؤمنين كيف يدعون الكافرين إلى الإسلام. وقوله تعالى : (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يخبر تعالى رسوله والمؤمنين ضمنا أنه تعالى أعلم بمن في السموات والأرض فضلا عن هؤلاء المشركين فهو أعلم بما يصلحهم وأعلم بما كتب لهم أو عليهم من سعادة أو شقاء ، وأسباب ذلك من الإيمان أو الكفر ، وعليه فلا تحزنوا على تكذيبهم ولا تيأسوا من إيمانهم ، ولا تتكلفوا ما لا تطيقون في هدايتهم فقولوا التي هي أحسن واتركوا أمر هدايتهم لله تعالى هو ربهم وأعلم بهم وقوله تعالى : (وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) (٢) ، يخبر تعالى عن انعامه بين عباده فالذي فاضل بين النبيين وهم أكمل الخلق وأصفاهم فهذا فضله بالخلة كابراهيم وهذا بالتكليم كموسى ، وهذا بالكتاب الحافل بالتسابيح والمحامد والعبر والمواعظ كداود ، وأنت يا محمد بمغفرته لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، وبإرسالك إلى الناس كافة إلى غير ذلك من الإفضالات وإذا تجلت هذه الحقيقة لكم وعرفتم أن الله أعلم بمن يستحق الهداية وبمن يستحق الضلالة ، وكذا الرحمة والعذاب ففوضوا الأمر إليه ، وادعوا عباده برفق ولين وبالتي هي أحسن من غيرها من الكلمات.

هداية الآيات

من هداية الآيات :

١ ـ النهي عن الكلمة الخشنة المسيئة إلى المدعو إلى الإسلام.

__________________

(١) الرقيب والحفيظ والوكيل والكفيل كلها بمعنى واحد في هذا السياق ومن اطلاق الوكيل وارادة الرقيب قول الشاعر :

ذكرت أبا أروى فبتّ كأنني

برد الأمور الماضيات وكيل

(٢) الزبور : كتاب ليس فيه حلال ولا حرام ولا فرائض ولا حدود لعدم الحاجة إلى ذلك لوجود التوراة بينهم ، وإنما هو دعاء وتحميد وتمجيد والآية صالحة لحجاج اليهود منكري نزول القرآن على محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

٢٠٤

٢ ـ بيان أن الشيطان يسعى للإفساد دائما فلا يمكن من ذلك بالكلمات المثيرة للغضب والحاملة على اللجج والخصومة الشديدة.

٣ ـ بيان نوع الكلمة التي هي أحسن مثل (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ).

٤ ـ بيان أن الله تعالى أعلم بخلقه فهو يهب كل عبد ما أهله له حتى إنه فاضل بين أنبيائه ورسله عليهم‌السلام في الكمالات الروحية والدرجات العالية.

(قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً (٥٦) أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً (٥٧) وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً (٥٨) وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً (٥٩) وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْياناً كَبِيراً (٦٠))

شرح الكلمات :

(فَلا يَمْلِكُونَ) : أي لا يستطيعون.

(كَشْفَ الضُّرِّ) : أي إزالته بشفاء المريض.

(وَلا تَحْوِيلاً) : أي للمرض من شخص مريض إلى آخر صحيح ليمرض به.

٢٠٥

(يَدْعُونَ) : أي ينادونهم طالبين منهم أو متوسلين بهم.

(يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ) : أي يطلبون القرب منه بالطاعات وأنواع القربات.

(كانَ مَحْذُوراً) : أي يحذره المؤمنون ويحترسون منه بترك معاصي الله تعالى.

(فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً) : أي في كتاب المقادير الذي هو اللوح المحفوظ مكتوبا.

(أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ) : أي بالآيات التي طلبها أهل مكة كتحويل الصفا إلى جبل ذهب. أو إزالة جبال مكة لتكون أرضا زراعية وإجراء العيون فيها.

(إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ) : إذ طالب قوم صالح بالآية ولما جاءتهم كفروا بها فأهلكهم الله تعالى.

(النَّاقَةَ مُبْصِرَةً) : أي وأعطينا ثمود قوم صالح الناقة آية مبصرة واضحة بينة.

(فَظَلَمُوا بِها) : أي كفروا بها وكذبوا فأهلكهم الله تعالى.

(إِلَّا تَخْوِيفاً) : إلا من أجل تخويف العباد بأنا إذا أعطيناهم الآيات ولم يؤمنوا أهلكناهم.

(أَحاطَ بِالنَّاسِ) : أي قدرة وعلما فهم في قبضته وتحت سلطانه فلا تخفهم.

(وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا) (١) : هي ما رآه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلة الإسراء والمعراج من عجائب خلق الله تعالى.

(وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ) (٢) : هي شجرة الزقوم الوارد لفظها في الصافات والدخان.

(وَنُخَوِّفُهُمْ) : بعذابنا في الدنيا بالإهلاك والإبادة وفي الآخرة بالزقوم والعذاب الأليم.

(فَما يَزِيدُهُمْ) : أي التخويف إلا طغينانا وكفرا.

معنى الآيات :

ما زال السياق في تقرير التوحيد فيقول تعالى لرسوله قل يا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأولئك المشركين أدعوا الذين زعمتم أنهم آلهة من دون الله سبحانه وتعالى فإنهم لا يملكون أن يكشفوا الضر عن مريض ولا يستطيعون تحويله عنه إلى آخر عدو له يريد أن يمسه الضر لأنهم أصنام وتماثيل لا يسمعون

__________________

(١) لفظ الرؤيا يطلق في الغالب على الرؤيا في المنام ، ويطلق على رؤية العين كما في هذه الآية رواية صحيحة عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وفي البخاري والترمذي عن ابن عباس في قوله تعالى : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا ..) الخ قال هي رؤيا عين أريها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلة أسري به إلى بيت المقدس.

(٢) قيل فيها ملعونة جريا على عادة العرب في كل طعام مكروه يقولون فيه ملعون ، وجائز أن يكون المراد باللعن لعن آكلها أي : الشجرة الملعون آكلها.

٢٠٦

ولا يبصرون فضلا عن أن يستجيبوا دعاء من دعاهم لكشف ضر أو تحويله إلى غيره ، هذا ما دلت عليه الآية الأولى (٥٦) (قُلِ ادْعُوا (١) الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ ، فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً).

وقوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ). يخبرهم تعالى بأن أولئك الذين يعبدونهم من الجن (٢) أو الملائكة أو الأنبياء أو الصالحين هم أنفسهم يدعون ربهم ويتوسلون للحصول على رضاه. بشتى أنواع الطاعات والقربات فالذي يعبد لا يعبد ، والذي يتقرب إلى الله بالطاعات لا يتقرب إليه وإنما يتقرب إلى من هو يتقرب إليه ليحظى بالمنزلة عنده ، وقوله (يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَ (٣) يَخافُونَ عَذابَهُ) ، أي أن أولئك الذين يدعوهم الجهال من الناس ويطلبون منهم قضاء حاجاتهم هم أنفسهم يطلبون الله ويرجون رحمته ويخافون عذابه. لأن عذابه تعالى كان وما زال يحذره العقلاء ، لأنه شديد لا يطاق. فكيف يدعى ويرجى ويخاف من هو يدعو ويرجو ويخاف لو كان المشركون يعقلون.

وقوله تعالى : (وَإِنْ مِنْ (٤) قَرْيَةٍ) أي مدينة من المدن (إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها) أي بعذاب إبادة قبل يوم القيامة ، (أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً) بمرض أو قحط أو خوف من عدو (كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً) أي مكتوبا في اللوح المحفوظ ، فلذا لا يستعجل أهل مكة العذاب فإنه إن كان قد كتب عليهم فإنه نازل بهم لا محالة وإن لم يكن قد كتب عليهم فلا معنى لاستعجاله فإنه غير واقع بهم وهم مرجون للتوبة أو لعذاب يوم القيامة وقوله تعالى : (وَما (٥) مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ) أي بالمعجزات وخوارق العادات (إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا) أي بالمعجزات الأولون من الأمم فأهلكناهم بتكذيبهم بها ، فلو أرسلنا نبينا محمدا بمثل تلك الآيات وكذبت بها قريش

__________________

(١) قيل : إنه لما ابتليت قريش بالقحط ، وشكوا ذلك إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنزل الله تعالى هذه الآية أي : ادعوا الذين تعبدون من دون الله وزعمتم أنهم آلهة لكم.

(٢) روى مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في قول الله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ) قال : نفر من الجنّ أسلموا ، وكانوا يعبدون فبقي الذين كانوا يعبدونهم على عبادتهم وقد أسلم النفر من الجنّ ، وفي رواية قال : أنزلت في نفر من العرب كانوا يعبدون نفرا من الجنّ فأسلم الجنيّون ، والذين كانوا يعبدونهم لا يشعرون أي : بإسلامهم فبقوا يعبدونهم.

(٣) في الآية الجمع بين الخوف والرجاء وهما كجناحي الطائر إن انكسر احدهما لم يطر بالآخر ، ولذا فلا بد للمؤمن منهما فالخوف يحمل على أداء الفرائض واجتناب المحرمات ، والرجاء يحمل على المسابقة في الخيرات ، وبذلك تتم ولايته لربه ويأمن عاقبة أمره.

(٤) (وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ) أي : ظالمة حذفت الصفة للعلم بها إذ لا يأخذ الله أهل قرية إلّا بعد ظلمهم إذ هو أعدل من يعدل وعدل ، وأرحم من يرحم ورحم وقد جاء هذا الوصف في عدّة آيات منها : (وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ) وفي الآية تهديد ووعيد عرفه ابن مسعود رضي الله عنه فقال : إذا ظهر الزنى والربا في قرية أذن الله في هلاكهم.

(٥) أي : وما صرفنا عن إرسالك يا رسولنا بالمعجزات التي يطالب بها المشركون إلّا تكذيب الأولين بها وهؤلاء مثلهم لو أرسلناك بها فكذّبوا بها واستحقوا الهلاك ونحن لا نريد لهم ذلك.

٢٠٧

لأهلكهم ، وهو تعالى لا يريد أهلاكهم بل يريد هدايتهم ليهتدي على أيديهم خلقا كثيرا من العرب والعجم والأبيض والأصفر فسبحان الله العليم الحكيم وقوله تعالى (وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً) أي آية مبصرة أي مضيئة بينة فظلموا بها أي كذبوا بها فعقروها فظلموا بذلك أنفسهم وعرضوها لعذاب الإبادة فأبادهم الله فأخذتهم الصيحة وهم ظالمون هذا دليل على أن المانع من الإرسال بالآيات هو ما ذكر تعالى في هذه الآية وقوله تعالى : (وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً) (١) يخبر تعالى أنه ما يرسل الرسل مؤيدين بالآيات التي هي المعجزات والعبر والعظات إلا لتخويف الناس عاقبة الكفر والعصيان لعلهم يخافون فيؤمنون ويطيعون قوله تعالى (وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ) أي اذكر يا محمد إذ قلنا لك بواسطة وحينا هذا إن ربك أحاط بالناس. فهم في قبضته وتحت قهره وسلطانه فلا ترهبهم ولا تخش منهم أحدا فإن الله ناصرك عليهم ، ومنزل نقمته بمن تمادى في الظلم والعناد ، وقوله تعالى : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ) يريد رؤيا الإسراء والمعراج حيث أراه الله من آياته وعجائب صنعه وخلقه ، ما أراه (إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) أي لأهل مكة اختبارا لهم هل يصدقون أو يكذبون ، إذ ليس لازما لتقرير نبوتك وإثبات رسالتك وفضلك أن نريك الملكوت الأعلى وما فيه من مظاهر القدرة والعلم والحكمة والرحمة.

وقوله تعالى : (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ) أي وما جعلنا الشجرة الملعونة في القرآن الكريم وهي شجرة الزقوم وأنها (تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ) إلا فتنة كذلك لأهل مكة حيث قالوا كيف يصح وجود نخلة ذات طلع في وسط النار ، كيف لا تحرقها النار قياسا للغائب على الشاهد وهو قياس فاسد ، وقوله تعالى (وَنُخَوِّفُهُمْ) بالشجرة الملعونة وأنها (طَعامُ الْأَثِيمِ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ) وبغيرها من أنواع العذاب الدنيوي والأخروي ، وما يزيدهم ذلك إلا طغيانا كبيرا أي ارتفاعا وتكبرا عن قبول الحق والاستجابة له لما سبق في علم الله من خزيهم وعذابهم فاصبر أيها الرسول وامض في دعوتك فإن العاقبة لك.

هداية الآيات

من هداية الآيات :

١ ـ تقرير التوحيد بالحكم على عدم استجابة الآلهة المدعاة لعابديها.

٢ ـ بيان حقيقة عقلية وهي أن دعاء الأولياء والاستغاثة بهم والتوسل إليهم بالذبح والنذر هو أمر

__________________

(١) في السياق ما يدل على أنّ هناك رغبة في المعجزات من الكافرين والمؤمنين ولذا ذكر تعالى علل عدم إعطائها لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فالعلة الأولى تكذيب الأولين بها ودلل بتكذيب ثمود بها والثانية أنه ما يرسل بالمعجزات من أرسلهم بها إلا لعلة التخويف فقط والثالثة إعلامه تعالى رسوله بأن ربك محيط بعباده قادر عليهم فلا تخفهم ولا تطلب الآية لهم ، والرابعة : أن معجزة الإسراء والمعراج لم تكن للهداية وإنما هي للفتنة لا غير.

٢٠٨

باطل ومضحك في نفس الوقت ، إذ الأولياء كانوا قبل موتهم يطلبون الوسيلة إلى ربهم بأنواع الطاعات والقربات ومن كان يعبد لا يعبد. ومن كان يتقرب لا يتقرّب إليه ، ومن كان يتوسّل لا يتوسل إليه بل يعبد الذي كان يعبد ويتوسل إلى الذي كان يتوسل إليه ويتقرب إلى الذي كان يتقرب إليه ، وهو الله سبحانه وتعالى.

٣ ـ تقرير عقيدة القضاء والقدر.

٤ ـ بيان المانع من عدم إعطاء الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم الآيات على قريش.

٥ ـ بيان علة الإسراء والمعراج ، وذكر شجرة الزقوم في القرآن الكريم.

(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً (٦١) قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً (٦٢) قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً (٦٣) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُوراً (٦٤) إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً (٦٥))

شرح الكلمات :

(لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً) : أي من الطين.

(أَرَأَيْتَكَ) : أي أخبرني

(كَرَّمْتَ عَلَيَ) : أي فضّلته علي بالأمر بالسجود له.

(لَأَحْتَنِكَنَ) : لأستولين عليهم فأقودهم إلى الغواية كالدابة إذا جعل الرسن في

٢٠٩

حنكها ، تقاد حيث شاء راكبها!.

(اذْهَبْ) : أي منظرا إلى وقت النفخة الأولى.

(جَزاءً مَوْفُوراً) : أي وافرا كاملا.

(وَاسْتَفْزِزْ) : أي واستخفف

(بِصَوْتِكَ) : أي بدعائك إياهم إلى طاعتك ومعصيتي بأصوات المزامير والأغاني واللهو.

(وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ) : أي صح فيهم بركبانك ومشاتك.

(وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ) : بحملهم على أكل الربا وتعاطيه.

(وَالْأَوْلادِ) : بتزيين الزنا ودفعهم إليه.

(وَعِدْهُمْ) : أي بأن لا بعث ولا حساب ولا جزاء.

(إِلَّا غُرُوراً) : أي باطلا.

(لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) : أي إن عبادي المؤمنين ليس لك قوة تتسلط عليهم بها.

(وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً) : أي حافظا لهم منك أيها العدوّ.

معنى الآيات :

قوله تعالى : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) أي اذكر يا رسولنا لهؤلاء المشركين الجهلة الذين أطاعوا عدوهم وعدو أبيهم من قبل ، وعصوا ربهم ، اذكر لهم كيف صدّقوا ظنّ إبليس فيهم ، واذكر لهم (إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) فامتثلوا أمرنا (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) قال منكرا أمرنا ، مستكبرا عن آدم عبدنا (أَأَسْجُدُ (١) لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً)؟ أي لمن خلقته من الطين لأن آدم خلقه الله تعالى من أديم الأرض عذبها وملحها ولذا سمى آدم آدم ثم قال في صلفه وكبريائه (أَرَأَيْتَكَ) أي أخبرني أهذا (الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَ) (٢)؟! قال هذا استصغار لآدم واستخفافا بشأنه ، (لَئِنْ أَخَّرْتَنِ) أي وعزتك لئن أخرت موتي (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ) أي لأستولين عليهم وأسوقهم إلى أودية الغواية والضلال حتى يهلكوا مثلي (إِلَّا قَلِيلاً) (٣) منهم ممن

__________________

(١) الاستفهام انكاري.

(٢) أي : فضّلت ، والإكرام : اسم جامع لكل ما يحمد ، وفي الكلام حذف تقديره أخبرني عن هذا الذي فضلته عليّ لم فضلته وقد خلقتني من نار وخلقته من طين ، ويصح بدون تقدير المحذوف أي : أترى هذا الذي كرّمته عليّ لأفعلن به كذا وكذا.

(٣) (إِلَّا قَلِيلاً) : يعني المعصومين وهم الذين قال تعالى فيهم : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) واستثناء إبليس القليل كان ظنا منه فقط كما قال تعالى : (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ) وقال الحسن : ظن ذلك لأنه وسوس لآدم في الجنة ولم يجد له عزما فحصل له بذلك هذا العلم المعبّر عنه بالظنّ إذ يطلق لفظ الظن ، ويراد به العلم.

٢١٠

تستخلصهم لعبادتك فأجابه الرب تبارك وتعالى : (قالَ اذْهَبْ) (١) أي منظرا وممهلا إلى وقت النفخة الأولى وقوله تعالى : (فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ) أي عصاني وأطاعك (فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً) أي وافرا كاملا.

وقوله تعالى : (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ) قال هذا لإبليس بعد أن أنظره إلى يوم الوقت المعلوم أذن له في أن يعمل ما استطاع في إضلال أتباعه ، (وَاسْتَفْزِزْ (٢) مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ) أي واستخفف منهم بدعائك إلى الباطل بأصوات المزامير والأغاني وصور الملاهي وأنديتها وجمعياتها ، (وَأَجْلِبْ (٣) عَلَيْهِمْ) أي صح على خيلك ورجلك (٤) الركبان والمشاة وسقهم جميعا على بني آدم لإغوائهم وإضلالهم (وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ) بحملهم على الربا وجمع الأموال من الحرام وفي (الْأَوْلادِ) بتزيين الزنا وتحسين الفجور وعدهم بالأماني الكاذبة وبأن لا بعث يوم القيامة ولا حساب ولا جزاء قال تعالى : (وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً) أي باطلا وكذبا وزورا. وقوله تعالى : (إِنَّ عِبادِي) أي المؤمنين بي ، المصدقين بلقائي ووعدي ووعيدي ليس لك عليهم قوة تتتسلط عليهم بها ، (وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً) أي حافظا لهم : منك فلا تقدر على إضلالهم ولا إغوائهم يا عدوي وعدوهم.

هداية الآيات :

من هداية الآيات :

١ ـ مشروعية التذكير بالأحداث الماضية للتحذير من الوقوع في الهلاك.

٢ ـ ذم الكبر وأنه من شر الصفات.

٣ ـ تقرير عداوة إبليس والتحذير منها.

٤ ـ بيان مشاركة إبليس أتباعه في أموالهم وأولادهم ونساءهم.

٥ ـ بيان أن أصوات الأغاني والمزامير والملاهي وأندية الملاهي وجمعياتها الجميع من جند إبليس الذي يحارب به الآدمي المسكين الضعيف.

٦ ـ بيان حفظ الله تعالى لأوليائه ، وهم المؤمنون المتقون ، جعلنا الله تعالى منهم وحفظنا بما يحفظهم به إنه بر كريم.

__________________

(١) الأمر هنا : للإهانة والطرد والاحتقار والصغار.

(٢) الاستفزاز : طلب الفز ، وهو الخفة والانزعاج ، وترك التثاقل ، والسين والتاء فيه لشدة طلب الاستخفاف والإزعاج.

(٣) الإجلاب : جمع الجيوش وسوقها مشتق من الجلبة التي هي الصياح إذ الجيوش تجمع بالجلبة فيهم والصياح بهم.

(٤) قرأ حفص : (وَرَجِلِكَ) بكسر الجيم لغة في رجل وقرأ غيره ورجلك بسكون الجيم ، والمعنى بخيلك : أي فرسانك ورجالك.

٢١١

(رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (٦٦) وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً (٦٧) أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً (٦٨) أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً (٦٩) وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً (٧٠))

شرح الكلمات :

(يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ) : أي يسوقها فتسير فيه.

(لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) : أي لتطلبوا رزق الله بالتجارة من إقليم إلى آخر.

(وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ) : أي الشدة والبلاء والخوف من الغرق.

(ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ) : أي غاب عنكم من كنتم تدعونهم من آلهتكم.

(أَعْرَضْتُمْ) : أي عن دعاء الله وتوحيده في ذلك.

(أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً) : أي ريحا ترمي بالحصباء لشدتها.

(ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً) : أي حافظا منه أي من الخسف أو الريح الحاصب.

(قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ) : أي ريحا شديدة تقصف الأشجار وتكسرها لقوتها.

(عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً) : أي نصيرا ومعينا يتبعنا ليثأر لكم منا.

(وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ) : أي فضلناهم بالعلم والنطق واعتدال الخلق.

(حَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) : في البر على البهائم والبحر على السفن.

٢١٢

معنى الآيات :

ما زال السياق الكريم في تقرير التوحيد والدعوة إليه. فقوله تعالى : (رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) يخبرهم تعالى بأن ربهم الحق الذي يجب أن يعبدوه ويطيعوه بعد أن يؤمنوا به هو الذي (يُزْجِي (١) لَكُمُ الْفُلْكَ) أي السفينة (فِي الْبَحْرِ) أي يسوقها فتسير بهم في البحر إلى حيث يريدون من أجل أن يطلبوا رزق الله لهم بالتجارة من إقليم لآخر. هذا هو إلهكم (٢) الحق ، أما الأصنام والأوثان فهي مخلوقة لله مربوبة له ، لا تملك لنفسها فضلا عن غيرها ، نفعا ولا ضرا.

وقوله تعالى : (إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً) ومن رحمته تعالى تسخيره البحر لهم وإزجاء السفن وسوقها فيه ليحصلوا على أقواتهم عن طريق السفر والتجارة. وقوله تعالى : (وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ (٣) فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ) يذكرهم بحقيقة واقعة لهم وهي أنهم إذا ركبوا في الفلك وأصابتهم شدة من مرض أو ضلال طريق أو عواصف بحرية اضطربت لها السفن وخافوا الغرق دعوا الله وحده ولم يبق من يدعوه سواه تعالى لكنهم إذا نجاهم من الهلكة التي خافوها ونزلوا بشاطىء السلامة اعرضوا عن ذكر الله وذكروا آلهتهم ونسوا ما كانوا يدعونه وهو الله من قبل (وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً) هذا طبعه وهذه حاله سرعة النسيان ، وشدة الكفران وقوله تعالى : وهو يخاطبهم لهدايتهم (أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ) يقرعهم على إعراضهم فيقول (أَفَأَمِنْتُمْ) الله تعالى (أَنْ يَخْسِفَ) (٤) (بِكُمْ) جانب الأرض الذي نزلتموه عند خروجكم من البحر (أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً) أي ريحا شديدة تحمل الحصباء (٥) فيهلككم كما أهلك عادا (ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ) من غير الله (وَكِيلاً) يتولى دفع العذاب عنكم ويقول : (أَمْ أَمِنْتُمْ) الله تعالى (أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ) أي في البحر (تارَةً أُخْرى) أي مرة أخرى (فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ) أي ريحا شديدة تقصف الأشجار وتحطمها (فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ) أي بسبب كفركم كما أغرق آل فرعون (ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً) أي تابعا يثأر لكم منا ويتبعنا مطالبا بما نلنا منكم من العذاب.

__________________

(١) الإزجاء : السوق قال تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحاباً) وقال الشاعر :

يا أيها الراكب المزجي مطيّته

سائل بني أسد ما هذه الصوت

(٢) أي : الذي يجب أن يشكروه بعبادته وحده دون من سواه.

(٣) لفظ الضرّ يعم المرض وخوف الغرق والإمساك عن الجري وأهوال حالة اضطراباته.

(٤) الخسف : انهيار الأرض بالشيء فوقها ، وجانب البر : ناحية الأرض إذ البحر جانب والأرض جانب.

(٥) يقال لكل ريح تحمل التراب والحصباء : حاصب ، قال الفرزدق :

مستقبلين شمال الشام يضربنا

بحاصب كنديف القطن منثور

٢١٣

فما لكم إذا لا تؤمنون وتوحدون وبالباطل تكفرون. وقوله تعالى : (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ) أي فضلناهم بالنطق والعقل والعلم واعتدال الخلق (وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) على ما سخرنا لهم من المراكب (وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) (١) أي المستلذات من اللحوم والحبوب والفواكه والخضر والمياه العذبة الفرات. وقوله تعالى : (وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً) فالآدميون أفضل من الجن وسائر الحيوانات ، وخواصهم أفضل من الملائكة ، وعامة الملائكة أفضل من عامة الآدميين ومع هذا فإن الآدمي إذا كفر ربه وأشرك في عبادته غيره ، وترك عبادته ، وتخلى عن محبته ومراقبته أصبح شر الخليقة كلها. قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها ، أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ).

هداية الآيات :

من هداية الآيات :

١ ـ تعريف الله تعالى بذكر صفاته الفعلية والذاتية.

٢ ـ تذكير المشركين بحالهم في الشدة والرخاء حيث يعرفون الله في الشدة ويخلصون له الدعاء ، وينكرونه في الرخاء ويشركون به سواه.

٣ ـ تخويف المشركين بأن الله تعالى قادر على أن يخسف بهم الأرض أو يرسل عليهم حاصبا من الريح فيهلكهم أو يردهم إلى البحر مرة أخرى ويرسل عليهم قاصفا من الريح فيغرقهم بسبب كفرهم بالله ، وعودتهم إلى الشرك بعد دعائه تعالى والتضرع إليه حال الشدة.

٤ ـ بيان منن الله تعالى على الانسان وأفضاله عليه في تكريمه وتفضيله.

٥ ـ حال الرخاء أصعب على الناس من حال الشدة بالقحط والمرض ، أو غيرهما من المصائب.

٦ ـ الاعلان عن كرامة الآدمي وشرفه على سائر المخلوقات الأرضية.

(يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ (٢) أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٧١) وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ

__________________

(١) في الآية دليل على إبطال الزهد في لذيذ الطعام كالعسل والسمن واللحم والفواكه والاكتفاء بالخبز بالملح ونحوه مع توفر طيب الطعام والشراب لأنه مخالف لمنهج السلف وفيه كفر ما أنعم الله تعالى به على عباده من طيب الرزق.

(٢) (فَمَنْ أُوتِيَ) معطوف على مقدر اقتضاه قوله : (نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) أي فيؤتون كتبهم (فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ ...) الخ.

٢١٤

أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً (٧٢) وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (٧٣) وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً (٧٤) إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً (٧٥) وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً (٧٦) سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً (٧٧))

شرح الكلمات :

(بِإِمامِهِمْ) : أي الذي كانوا يقتدون به ويتبعونه في الخير أو الشر.

(فَتِيلاً) : أي مقدار فتيل وهو الخيط الذي يوجد وسط النواة.

(وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى) : من كان في الدنيا أعمى عن حجج الله تعالى الدالة على وجوده وعلمه وقدرته ، فلم يؤمن به ولم يعبده فهو في الآخرة أشد عمى وأضل سبيلا.

(وَإِنْ كادُوا) : أي قاربوا.

(لَيَفْتِنُونَكَ) : أي يستنزلونك عن الحق ، أي يطلبون نزولك عنه.

(لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ) : أي لتقول علينا افتراء غير الذي أوحينا إليك.

(إِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً) : أي لو فعلت الذي طلبوا منك فعله لاتخذوك خليلا لهم.

(ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ) : أي لعذبناك عذاب الدنيا مضاعفا وعذاب الآخرة كذلك.

(لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ) : أي ليستخفونك من الأرض أرض مكة.

(لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ) : أي لا يبقون خلفك أي بعدك إلا قليلا ويهلكهم الله.

(سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ) : أي لو أخرجوك لعذبناهم بعد خروجك بقليل ، سنتنا في الأمم.

(وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً) : أي عما جرت به في الأمم السابقة.

٢١٥

معنى الآيات :

يقول تعالى لرسوله في تقرير عقيدة البعث والجزاء ، اذكر يا رسولنا (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) الذي كانوا يقتدون به ويتبعونه فيتقدم ذلك الإمام ووراءه أتباعه وتوزع الكتب عليهم واحدا واحدا فمن أعطى كتابه بيمينه تشريفا له وتكريما ، فأولئك الذين أكرموا بإعطائهم كتبهم بأيمانهم ، (يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ) ويحاسبون بما فيه (وَلا يُظْلَمُونَ) أي لا ينقصون مقدار فتيل لا تنقص حسناتهم ، ولا بزيادة سيئاتهم (١). واذكر هذا لهم تعظهم به لعلهم يتعظون ، وقوله تعالى : (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ) أي الدنيا (أَعْمى) لا يبصر هذه الحجج والآيات والدلائل وأصر على الشرك ، والتكذيب والمعاصي (فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى) أي أشد عمى (وَأَضَلُّ سَبِيلاً) فلا يرى طريق النجاة ولا يسلكه حتى يقع في جهنم. وقوله : (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ) (٢) أي يصرفونك (عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا (٣) إِلَيْكَ) من توحيدنا والكفر بالباطل وأهله. (لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ) أي لتقول علينا غير الحق الذي أوحيناه إليك ، وإذا لو فعلت بأن وافقتهم على ما طلبوا منك ، من الإغضاء على شركهم والتسامح معهم إقرارا لباطلهم ، ولو مؤقتا ، (لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً) لهم وكانوا أولياء لك ، وذلك أن المشركين في مكة والطائف ، واليهود في المدينة كانوا يحاولون جهدهم أن يستنزلوا الرسول على شيء من الحق الذي يأمر به ويدعو إليه مكرا منهم وخديعة سياسية إذ لو وافقهم على شيء لطالبوا بآخر ، ولقالوا قد رجع إلينا ، فهو إذا يتقوّل ، وليس بالذي يوحى إليه بدليل قبوله منا كذا وكذا وتنازله عن كذا وكذا. وقوله تعالى : (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ) أي على الحق حيث عصمناك (لَقَدْ كِدْتَ) أي قاربت (تَرْكَنُ) (٤) أي تميل (إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) بقبول بعض اقتراحاتهم (إِذاً) أي لو ملت إليهم ، وقبلت منهم ولو شيئا يسيرا (لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ (٥) الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ) (٦) ، أي لضاعفنا عليك العذاب في الدنيا والآخرة ثم لا تجد لك نصيرا ينصرك إذا نحن خذلناك وعذبناك وقوله تعالى في حادثة أخرى وهي أنهم لما فشلوا في المحاولات السلمية أرادوا استعمال القوة فقرروا إخراجه من مكة بالموت أو الحياة فأخبر تعالى

__________________

(١) لم يذكر من أوتي كتبهم بشمائلهم إذ هم الذين خسروا أنفسهم اكتفاء بذكر من أوتوا كتبهم بأيمانهم ، وقد ذكر في أول السورة : (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ) وذكر في سورتي الحاقة والانشقاق.

(٢) عدي فعل يفتنونك بعن لأنه مضمن معنى فعل يتعدّى بها وهو الصرف يقال : صرفه عن كذا. أي يصرفونك.

(٣) الآية مسوقة مساق الامتنان على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حيث عصمه ، وفيها بيان مدى ما كان المشركون يريدونه من صرف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الحق الذي جاءه وهو يدعو إليه من التوحيد.

(٤) الركون : الميل بالركن الذي هو الجانب من جسد الإنسان واستعمل في الموافقة بعلاقة القرب.

(٥) هذه الجملة جزاء لجملة : (لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ) إذ تقدير الكلام لو ركنت إليهم لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات.

(٦) جائز أن يكون المراد بعذاب الدنيا : تراكم المصائب والأزراء في مدّة الحياة وعذاب الممات أن يموت مكمودا مستذلا بين من فازوا عليه بشرف سقوطه بينهم وضياع ما كان يأمله ويدعو إليه.

٢١٦

رسوله بذلك إعلاما وإنذارا ، فقال : (وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ) أرض مكة (لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً) أي لو فعلوا لم يلبثوا بعد إخراجك إلا زمنا قليلا ونهلكهم كما هي سنتنا في الأمم السابقة التي أخرجت أنبياءها أو قتلتهم هذا معنى قوله تعالى : (وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ) (١) أي يستخفونك (مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ (٢) إِلَّا قَلِيلاً سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً) أي عما جرت به في الأمم السابقة.

هداية الآيات

من هداية الآيات :

١ ـ الترغيب في الاقتداء بالصالحين ومتابعتهم والترهيب من الاقتداء بأهل الفساد ومتابعتهم.

٢ ـ عدالة الله تعالى في الموقف بإقامة الحجة على العبد وعدم ظلمه شيئا.

٣ ـ عمى الدنيا عن الحق وشواهده سبب عمى الآخرة وموجباته من السقوط في جهنم.

٤ ـ حرمة الركون أي الميل لأهل الباطل بالتنازل عن شيء من الحق الثابت إرضاء لهم.

٥ ـ الوعيد الشديد لمن يرضى أهل الباطل تملقا لهم طمعا في دنياهم فيترك الحق لأجلهم.

٦ ـ إمضاء سنن الله تعالى وعدم تخلفها بحال من الأحوال.

(أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً (٧٨) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً (٧٩) وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً (٨٠) وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً (٨١) وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ

__________________

(١) الاستفزاز : الحمل على الترحل ، وهو استفعال من فزّ يفزّ بمعنى : بارح المكان ، والمعنى : كادوا : أن يخرجوك من بلدك كرها ثم صرفهم الله عنك حتى خرجت برضاك واختيارك فلذا لم تنزل بهم العقوبة بخروجك من بلدك.

(٢) قرأ نافع : خلفك أي بعدك ، وقرأ حفص (خِلافَكَ) وهي لغة في خلف بمعنى : بعد.

٢١٧

وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَساراً (٨٢) وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً (٨٣) قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً (٨٤))

شرح الكلمات :

(لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) : أي زوالها من كبد السماء ودحوضها إلى جهة الغرب.

(إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ) : أي إلى ظلمة الليل ، إذ الغسق الظلمة.

(وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) : صلاة الصبح.

(كانَ مَشْهُوداً) : تشهده الملائكة ، ملائكة الليل وملائكة النهار.

(فَتَهَجَّدْ بِهِ) (١) : أي بالقرآن.

(نافِلَةً) : أي زائدة عن الغرض وهي التهجد بالليل.

(مَقاماً مَحْمُوداً) : هو الشفاعة العظمى يوم القيامة حيث يحمده الأولون والآخرون.

(أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ) : أي المدينة ، إدخالا مرضيا لا أرى فيه مكروها.

(وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ) : أي من مكة إخراجا لا ألتفت بقلبي إليها.

(وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ) : أي عند دخولك مكة فاتحا لها بإذن الله تعالى.

(زَهَقَ الْباطِلُ) : أي ذهب واضمحل.

(أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ) : أعرض عن الشكر فلم يشكر ، ونأ بجانبه : أي ثنى عطفه متبخترا في كبرياء.

(عَلى شاكِلَتِهِ) : أي طريقته ومذهبه الذي يشاكل حاله في الهدى والضلال.

معنى الآيات :

بعد ذلك العرض الهائل لتلك الأحداث الجسام أمر تعالى رسوله بإقام الصلاة فإنها مأمن الخائفين ، ومنار السالكين ، ومعراج الأرواح إلى ساحة الأفراح فقال : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ

__________________

(١) (فَتَهَجَّدْ) : إذا ألقى الهجود عنه ، وهو النوم ، وقام يصلّي ، والتهجّد من الهجود وهو من الأضداد هجد : نام ، وهجد : سهر.

٢١٨

الشَّمْسِ) أي لأول دلوكها (١) وهو ميلها من كبد السماء إلى الغرب وهو وقت الزوال ودخول وقت الظهر ، وقوله (إِلى غَسَقِ (٢) اللَّيْلِ) أي إلى ظلمته ، ودخلت صلاة العصر (٣) فيما بين دلوك الشمس وغسق الليل ، ودخلت صلاة المغرب وصلاة العشاء في غسق الليل الذي هو ظلمته ، وقوله : (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) (٤) أي صلاة الصبح وهذه هي الصلوات الخمس المفروضة على أمة الإسلام ، النبي وأتباعه سواء وقوله (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) يعني محضورا ، تحضره ملائكة النهار لتنصرف ملائكة الليل ، لحديث الصحيح «يتعاقب فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ....» وقوله (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ (٥) بِهِ نافِلَةً لَكَ) أي صلاة زائدة على الفرائض الخمس وهي قيام الليل ، وهو واجب عليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بهذه الآية ، وعلى أمته مندوب إليه ، مرغب فيه.

وقوله : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) عسى من الله تعالى تفيد الوجوب ، ولذا فقد أخبر تعالى رسوله مبشرا إياه بأن يقيمه يوم القيامة (مَقاماً مَحْمُوداً) يحمده عليه الأولون والآخرون. وهو الشفاعة العظمى حيث يتخلى عنها آدم فمن دونه ... حتى تنتهي إليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيقول : أنالها ، أنالها ، ويأذن له ربه فيشفع للخليقة في فضل القضاء ، ليدخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، وتستريح الخليقة من عناء الموقف وطوله وصعوبته.

وقوله تعالى : (وَقُلْ (٦) رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ.) هذه بشارة أخرى أن الله تعالى أذن لرسوله بالهجرة من تلقاء نفسه لا بإخراج قومه وهو كاره. فقال له : قل في دعائك ربي أدخلني المدينة دار هجرتي «مدخل صدق» بحيث لا أرى فيها مكروها ، وأخرجني من مكة يوم تخرجني «مخرج صدق» غير ملتفت إليها بقلبي شوقا وحنينا إليها.

(وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً) أي وسلني أن أجعل لك من لدني سلطانا نصيرا لك على من بغاك بسوء ، وكادك بمكر وخديعة ، وحاول منعك من إقامة دينك ، ودعوتك إلى ربك ،

__________________

(١) ما في التفسير أشهر وأولى بالأخذ به وهو ما ذهب إليه عمر وابنه وأبو هريرة وابن عباس ومالك ، ويرى غير هؤلاء من بعض الصحابة والتابعين : أنّ دلوك الشمس هو غروبها وعليه فلم تشمل الآية أوقات الصلوات الخمس بخلاف القول بدلوك الشمس : زوالها عن كبد السماء.

(٢) (غَسَقِ اللَّيْلِ) : سواده وظلمته قال ابن قيس الرّقيّات :

إنّ هذا الليل قد غسقا

واشتكيت الهمّ والأرقا

(٣) وقت العصر إذا زاد ظل كل شيء مثله ، ووقت المغرب : غروب الشمس ، ووقت العشاء : ذهاب الشفق الأحمر ، ووقت الصبح طلوع الفجر ووقت الظهر : زوال الشمس عن كبد السماء.

(٤) (قُرْآنَ) : منصوب على الاغراء أي : والزم قرآن الفجر لأهميته ويصح أن ينصب على العطف أي : أقم الصلاة وأقم قرآن الفجر أي : صلاته.

(٥) (نافِلَةً لَكَ) : أي نافلة لأجلك خاصة بك دون سائر أمتك.

(٦) روى الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة ثمّ أمر بالهجرة فنزلت : (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي ..) الخ وهو تعليم من الله لرسوله هذا الدعاء يقوله في صلاته وخارجها.

٢١٩

وقوله تعالى : (وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ) هذه بشارة أخرى بأن الله تعالى سيفتح له مكة ، ويدخلها ظافرا منتصرا وهو يكسر الأصنام حول الكعبة وكانت ثلاثمائة وستين صنما! ويقول جاء الحق وزهق الباطل أي ذهب الكفر واضمحل. (إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً). لا بقاء له ولا ثبات إذا صاول الحق ، ووقف في وجهه ، وجائز أن يكون المراد بالحق ، القرآن وبالباطل الكذب والافتراء ، وجائز أن يكون الحق الإسلام والباطل الكفر والشرك وأعم من ذلك ، أن الحق هو كل ما هو طاعة لله عزوجل ، والباطل كل طاعة للشيطان من الشرك والظلم وسائر المعاصي. وقوله تعالى : (وَنُنَزِّلُ (١) مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) أي وننزل عليك يا رسولنا محمد من القرآن ما هو شفاء (٢) أي ما يستشفى به من مرض الجهل والضلال والشك والوساوس ورحمة للمؤمنين دون الكافرين ، لأن المؤمنين يعملون به فيرحمهم‌الله تعالى بعملهم بكتابه ، وأما الكافرون ، فلا رحمة لهم فيه ، لأنهم مكذبون به تاركون للعمل بما فيه. وقوله : (وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً) أي ولا يزيد القرآن الظالمين وهم المشركون المعاندون الذين أصروا على الباطل عنادا ومكابرة ، هؤلاء لا يزيدهم ما ينزل من القرآن ويسمعونه إلا خسارا لازدياد كفرهم وظلمهم وعنادهم. وقوله تعالى : (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ (٣) وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً) يخبر الله تعالى عن الإنسان الكافر المحروم من نور الإيمان وهداية الإسلام أنه إذا أنعم عليه بنعمة النجاة من الهلاك وقد أشرف عليه بغرق أو مرض أو جوع أو نحوه ، أعرض عن ذكر الله ودعائه كما كان يدعوه في حال الشدة ، ونأى بجانبه أي بعد عنا فلا يلتفت إلينا بقلبه ، وذهب في خيلائه وكبريائه وقوله تعالى : (وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ (٤) يَؤُساً) أي قنوطا. هذا هو الكافر ، ذو ظلمة النفس لكفره وعصيانه. إذا مسه الشر من جوع أو مرض أو خوف أحاط به كان يؤوسا أي كثير اليأس والقنوط تامهما ، لعدم إيمانه بالله ورحمته وقدرته على إنجائه وخلاصه.

وقوله تعالى : (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً) أي قل يا رسولنا للمشركين ، كل منا ومنكم يعمل على طريقته ومذهبه بحسب حاله هداية وضلالا. والله تعالى ربكم أعلم بمن هو أهدى منا ومنكم سبيلا. ويجزي الكل بحسب عمله وسلوكه. وهذه كلمة

__________________

(١) (مِنَ) : بيانية أي : مبيّنة للموصول ، ما هو شفاء وليست للابتداء ولا هي زائدة أي : وننزّل القرآن الذي هو شفاء وهدى ورحمة للمؤمنين.

(٢) وقد يستشفى بالقرآن من الأمراض الجسمية ففي البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعثهم وكانوا ثلاثين راكبا فنزلوا على قوم من العرب فسألوهم أن يضيّفوهم فأبوا فلدغ سيّد الحي فأتاهم آت وقال لهم : هل فيكم من يرقي من العقرب؟ قلنا : نعم لكن حتى تعطونا فقالوا : إنّا نعطيكم ثلاثين شاة فرقاه بفاتحة الكتاب قرأها عليه سبع مرات فشفي فأخذوا الثلاثين شاة فأتوا بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال لهم كلوا وأطعمونا من الغنم.

(٣) المراد بالإنسان هنا : الكافر لا المؤمن وال فيه للجنس فيشمل اللّفظ كل إنسان كافر لم يهتد إلى الإسلام.

(٤) كونه يؤوسا : لا يتعارض مع كثرة دعائه كما في قوله تعالى : (فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ) إذ يدعو وهو قانط.

٢٢٠