أيسر التفاسير لكلام العليّ الكبير - ج ١

أبي بكر جابر الجزائري

أيسر التفاسير لكلام العليّ الكبير - ج ١

المؤلف:

أبي بكر جابر الجزائري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة العلوم والحكم
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٦٤

وهي قوله تعالى : (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) فقد تضمنت إرشاد الله تعالى للمؤمن الذى يحضر مريضا على فراش الموت بأن لا يسمح له ان يحيف في الوصية بأن يوصى لوارث أو يوصى بأكثر من الثلث او يذكر دينا ليس عليه وإنما يريد حرمان الورثة. فقال تعالى آمرا عباده المؤمنين وليخش الذين لو تركوا من خلفهم أى من بعد موتهم ، ذرية ضعافا خافوا عليهم. أي فليخشوا هذه الحال على أولاد غيرهم ممن حضروا وفاته. كما يخشونها على أولادهم. إذا فعليهم أن يتقوا الله في أولاد غيرهم. وليقولوا لمن حضروا وفاته ووصيته قولا سديدا : صائبا لا حيف فيه ولا جور معه. هذا ما تضمنته الآية الثالثة (٩) أما الآية الرابعة (١٠) فقد تضمنت وعيدا شديدا لمن يأكل مال اليتيم ظلما إذ قال تعالى فيها : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى (١) ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ (٢) سَعِيراً). والمراد من الظلم انهم أكلوها بغير حق اباح لهم ذلك كأجرة عمل ونحوه ، ومعنى يأكلون في بطونهم نارا انهم يأكلون النار يوم القيامة فقوله إنما يأكلون في بطونهم نارا هو باعتبار ما يؤول إليه أمر أكلهم اليوم ، والعياذ بالله من نار السعير.

هداية الآيات

من هداية الآيات :

١ ـ تقرير مبدأ التوارث في الإسلام.

٢ ـ استحباب إعطاء من حضر قسمة التركة من قريب أو يتيم ومسكين وإن تعذر إعطاؤهم صرفوا بالكلمة الطيبة ، وفي الحديث الكلمة الطيبة صدقة.

٣ ـ وجوب النصح والإرشاد للمحتضر حتى لا يجور في وصيته عند موته.

٤ ـ على من يخاف على أطفاله بعد موته أن يحسن الى أطفال غيره فإن الله تعالى يكفيه فيهم.

٥ ـ حرمة أكل مال اليتامى ظلما ، والوعيد الشديد فيه.

__________________

(١) الآية دليل على أن أكل مال اليتيم بدون حق من كبائر الذنوب بل هو من الموبقات السبع لحديث الصحيح : «اجتنبوا السبع الموبقات ..» وذكر الشرك وعقوق الوالدين والربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات».

(٢) قرأ أبو حيوة : وسيصلون بضم الياء وتشديد اللام من التصلية التي هي كثرة الفعل مرّة بعد أخرى ومنه : (ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ) أي مرة بعد مرة وعليه قول الشاعر :

وقد تصليت حرّ حربهم

كما تصلى المقرور من قرتين

يريد أنه اكتوى بنار حربهم مرّة بعد مرّة كما يفعل من به البرد الشديد فإنه يستدفىء مرّة بعد مرّة.

٤٤١

(يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (١١))

شرح الكلمات :

(يُوصِيكُمُ) : يعهد إليكم.

(فِي أَوْلادِكُمْ) : في شأن أولادكم والولد يطلق على الذكر والأنثى.

(حَظِّ) : الحظ الحصة أو النصيب.

(نِساءً) : بنات كبيرات أو صغيرات.

(ثُلُثا ما تَرَكَ) : الثلث واحد من ثلاثة ، والثلثان اثنان من ثلاثة.

(السُّدُسُ) : واحد من ستة.

(إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ) : ذكرا كان أو أنثى ، او كان له ولد ولد أيضا ذكرا أو أنثى فالحكم واحد.

(فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ) : اثنان فأكثر.

(مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ) : أي يخرج الدين (١) ثم الوصية ويقسم الباقى على الورثة.

(لا تَدْرُونَ) : لا تعملون.

(فَرِيضَةً) (٢) : فرض الله ذلك عليكم فريضة.

__________________

(١) يرى الإمام الشافعي أن من مات وعليه زكاة أو حج الفرض أن يخرج ذلك من ماله قبل قسمة التركة وقال مالك إن أوصى به تنفذ وصيته ، وإن لم يوص فالمال للورثة وهو أمره إلى الله تعالى.

(٢) الفرائض ست وهي النصف ، والربع والثمن والثلثان والثلث والسدس.

٤٤٢

(عَلِيماً حَكِيماً) : عليما بخلقه وما يصلح لهم ، حكيما في تصرفه في شؤون خلقه وتدبيره لهم.

معنى الآية الكريمة :

هذه الآية الكريمة (١١) (يُوصِيكُمُ (١) اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ (٢) لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) الخ والتي بعدها (١٢) وهي قوله تعالى (وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ) إلخ نزلت لتفصيل حكم الآية (٧) والتي تضمنت شرعية التوارث بين الأقارب المسلمين ، فالآية الأولى (١١) يسن تعالى فيها توارث الأبناء مع الآباء فقال تعالى (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ) أي في شأن أولادكم (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) يريد إذا مات الرجل وترك أولادا ذكورا وإناثا فإن التركة تقسم على أساس أن للذكر مثل نصيب الأنثيين فلو ترك ولدا وبنتا وثلاثة دنانير فإن الولد يأخذ دينارين والبنت تأخذ دينارا وإن ترك بنات اثنين أو أكثر ولم يترك معهن ذكرا فإن للبنتين فأكثر الثلثين والباقى للعصبة إذ قال تعالى (فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ). وإن ترك بنتا واحدة فإن لها النصف والباقى للعصبة وهو معنى قوله تعالى (وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) ، وإن كان الميت قد ترك أبويه أي أمه وأباه وترك أولادا ذكورا أو إناثا فان لكلم واحد من أبويه السدس والباقى للأولاد ، وهو معنى قوله تعالى : (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ) ، يريد ذكرا كان أو أنثى (٣). فإن لم يكن للهالك ولد ولا ولد ولد فلأمه الثلث (٤) وان كان له أخوة اثنان فأكثر فلأمه السدس (٥) ، هذا معنى قوله تعالى : (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ). أي تسقط من الثلث (٦) الى السدس وهذا

__________________

(١) هذه الآية مبينة لما أجمل في آية : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ ..) وتسمى آية المواريث وهي من أعظم الآيات قدرا لأن علم الفرائض يعتبر ثلث العلم لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في رواية أبي داود وغيره العلم ثلاثة وما سوى ذلك فهو فضل : آية محكمة ، أو سنة قائمة ، أو فريضة عادلة». ومعنى محكمة : غير منسوخة ، ومعنى قائمة ثابتة صحيحة ، ومعنى عادلة : لم يخرج بها عن مراد الله تعالى منها ، وذلك بإعطاء الوارث ما كتب الله له.

(٢) خرج من لفظ الأولاد : الكافر لأنه لا حق له في الإرث لأنّ الكفر مانع وذلك لقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم» كما خرج ميراث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لقوله : «إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة».

(٣) إن كان الولد خنثى فإنه يورّث من حيث يبول ، إن بال من حيث يبول الرجال يورّث إرث الذكر وإن بال من حيث تبول النساء يورّث ارث النساء ، وإن أشكل ذلك يعطى نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى على هذا الجمهور.

(٤) هناك ما يعرف بالثلث الباقي وهو أن تهلك هالكة وتترك زوجها وأبويها. فللزوج النصف والباقي ثلثة للأم والثلثان للأب ، قرر هذا ابن عباس وزيد بن ثابت ، وقرره كافة الأصحاب وعليه الأئمة ، وحتى لا تأخذ المرأة أكثر من الرجل.

(٥) قيل في سرّ حجب الإخوة لأمهم من الثلث إلى السدس أنّ والدهم هو الذي يلي نكاحهم وهو الذي ينفق عليهم دون أمهم وهو رأي حسن.

(٦) الجدّة ترث السدس ولا ترث الثلث كما ترثه الأمّ إجماعا.

٤٤٣

يسمى بالحجب فحجبها إخوة ابنها الميت من الثلث الى السدس. وقوله تعالى (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ) يريد أن قسمة التركة على النحو الذى بين تعالى يكون بعد قضاء دين الميت واخراج ما أوصى به ان كان الثلث فأقل وهو معنى قوله تعالى (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ). وقوله تعالى (آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً) معناه نفذوا هذه الوصية المفروضة كما علمكم الله ولا تحاولوا ان تفضلوا أحدا على أحد فإن هؤلاء الوارثين آباؤكم وأبناؤكم ولا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا في الدنيا والآخرة ، ولذا فاقسموا التركة كما علمكم بلا محاباة فان الله تعالى هو القاسم والمعطى عليم بخلقه وبما ينفعهم أو يضرهم حكيم في تدبيره لشؤونهم فليفوض الأمر إليه ، وليرض بقسمته فإنها قسمة عليم حكيم.

هداية الآية الكريمة

من هداية الآية الكريمة :

١ ـ ان الله تعالى تولى قسمة التركات بنفسه فلا يحل لأحد أن يغير منها شيئا.

٢ ـ الاثنان يعتبران جمعا.

٣ ـ ولد الولد (١) حكمه حكم الولد نفسه في الحجب.

٤ ـ الأب عاصب فقد يأخذ فرضه مع أصحاب الفرائض وما بقى يرثه بالتعصيب لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ألحفوا الفرائض بأهلها فما ابقت الفرائض فالأولى رجل ذكر.

(وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ

__________________

(١) لفظ الولد يشمل المولود فعلا والجنين في بطن أمه دنيا أو بعيدا ، من الذكور أو الإناث على حدّ سواء.

٤٤٤

مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (١٢))

شرح الكلمات :

(أَزْواجُكُمْ) : الأزواج هنا الزوجات.

(وَلَدٌ) : المراد هنا بالولد ابن الصلب ذكرا كان أو أنثى وولد الولد مثله.

(الرُّبُعُ) : واحد من أربعة.

(كَلالَةً) (١) : الكلالة أن يهلك هالك ولا يترك ولدا ولا والدا ويرثه إخوته لأمه.

(لَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ) (٢) : أى من الأم.

(غَيْرَ مُضَارٍّ) : بهما ـ أي الوصية والدين ـ احدا من الورثة.

(حَلِيمٌ) : لا يعاجل بالعقوبة على المعصية.

معنى الآية الكريمة :

كانت الآية قبل هذه في بيان الوراثة بالنسب وجاءت هذه في بيان الوراثة بالمصاهرة والوارثون بالمصاهرة الزوج والزوجات قال تعالى : ولكم نصف ما ترك أزواجكم فمن ماتت وتركت مالا ولم تترك ولدا ولا ولد ولد ذكرا كان أو أنثى فإن لزوجها من تركتها النصف ، وإن تركت ولدا او ولد ولد ذكرا كان أو أنثى فإن لزوجها من تركتها الربع لا غير لقول الله تعالى (فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ). وهذا من بعد سداد الدين ان كان على الهالكة دين ، وبعد اخراج الوصية إن أوصت الهالكة بشيء ، لقوله تعالى (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ

__________________

(١) من يكلّله النسب إذا أحاط به وبه سمي الإكليل لاحاطته بالرأس وسمي القرابة كلالة لإحاطتهم بالميت من جوانبه وليسوا منه ولا هو منهم.

(٢) أخ : أصله أخو بدليل تثنيته على أخوين نصبا وجرا وأخوان رفعا.

٤٤٥

بِها أَوْ دَيْنٍ). هذا ميراث الزوج أما ميراث الزوجة من زوجها فهو الربع إن لم يترك الزوج ولدا ولا ولد ولد ذكرا كان أو أنثى فان ترك ولدا أو ولد ولد فللزوجة الثمن ، وهذا معنى قوله تعالى (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ). هذا وان كان للزوج الهالك زوجتان أو أكثر فإنهن يشتركن في الربع بالتساوي إن لم يكن للهالك ولد ، وان كان له ولد فلهن الثمن يشتركن فيه بالتساوى وقوله تعالى وان كان رجل يورث كلالة أو امرأة اى تورث كلالة أيضا ، والموروث كلالة وهو من ليس له والد ولا ولد ، وإنما يرثه إخوته لأمه كما في هذه الآية أو إخوته لأبيه وأمه كما في آية الكلالة في آخر هذه السورة ، فإن كان له أخ من أمه فله السدس وكذا إن كانت له أخت فلها السدس ، وإن كانوا اثنين فأكثر فلهم الثلث (١) لقوله تعالى : وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة ، وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس ، فإن كانوا اكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث من بعد (٢) وصيّة يوصى بها او دين غير مضار ، (٣) بأن يوصى بأكثر من الثلث ، أو يقر بدين وليس عليه دين وانما حسدا للورثة أو بغضا لهم لا غير ، فإن تبين ذلك فلا تنفذ الوصية ولا يسدد الدين وتقسم التركة كلها على الورثة ، وقوله تعالى : وصّية من الله أى وصاكم أيها المؤمنون بهذا وصيّة فهى جديرة بالاحترام والامتثال. والله عليم بنياتكم وأحوالكم وما يضركم وما ينفعكم فسلموا له قسمته واطيعوه فيها وهو حليم لا يعاجل بالعقوبة فلا يغركم حلمه ان بطشه شديد وعذابه أليم.

هداية الآية

من هداية الآية :

١ ـ بيان ميراث الزوج من زوجته ، والزوجة والزوجات من زوجهن.

٢ ـ بيان ميراث الكلالة وهو من لا يترك والدا ولا ولدا فيرثه إخوته فقط (٤) يحوطون به إحاطة

__________________

(١) وهنا ما يعرف بالحجرية أو الحمارية أو المشتركة وهي أن تموت امرأة وتترك زوجها وأمها وإخوة لأمها وأخا لأبيها وأمها ، فللزوج النصف وللأم السدس والباقي للإخوة لأم ، ولا شيء للأخ لأب أو لهما معا. وسميت بالحمارية ، لأنهم لمّا منعوا قالوا للقاضي بينهم : هب أبانا حمارا أليست أمنا واحدة ، وقالوا : هب أبانا حجرا أليست أمنا واحدة وطالبوا بتشريكهم في الإرث فسميت المشتركة.

(٢) ذكرت الوصية قبل الدّين والإجماع على تقديم الدّين على الوصية لحكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بذلك وقيل في السرّ في ذلك أن تقديم الوصية في اللفظ كان بسبب أنه لا يوجد من يطالب بها فقد تنسى ، وأمّا الدّين فأهله يطالبون به فلا ينسى ولا يترك.

(٣) مضارّ : اسم فاعل أي مضارر فأدغمت الراء في الراء فصارت مضارّ. أي حال كون الموصي غير مريد الإضرار بالورثة.

(٤) أي لأمه ولهذا خالف اخوة الأم الورثة في ثلاث مسائل : الأولى أنهم يرثون مع من يدلون به وهو أمهم والثانية إن ذكورهم وإناثهم في الميراث سواء والثالة أنهم لا يرثون إلّا إذا كان ميتهم يورث كلالة.

٤٤٦

الإكليل بالرأس فلذا سميّت الكلالة.

٣ ـ إهمال الوصيّة أو الدين ان علم إن الغرض منها الإضرار بالورثة فقط.

٤ ـ عظم شأن المواريث فيجب معرفة ذلك وتنفيذه كما وصى الله تعالى.

(تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٣) وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ (١٤))

شرح الكلمات :

(تِلْكَ حُدُودُ (١) اللهِ) : تلك اسم إشارة أشير به الى سائر ما تقدم من أحكام النكاح وكفالة اليتامى وتحريم أكل مال اليتيم ، وقسمة التركات. وحدود الله هى ما حده لنا وبينه من طاعته وحرم علينا الخروج عنه والتعدى له.

(الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) : هو النجاة من النار ودخول الجنة.

العذاب المهين : ما كان فيه اهانة للمعذب بالتقريع والتوبيخ ونحو ذلك.

معنى الآيتين :

لما بين تعالى ما شاء من احكام الشرع وحدود الدين أشار الى ذلك بقوله : تلك (٢) حدود الله قد بينتها لكم وأمرتكم بالتزامها ، ومن يطع الله ورسوله فيها وفي غيرها من الشرائع والأحكام فجزاؤه أنه يدخله جنات تجرى من تحتها الأنهار ، أنهار العسل واللبن والخمر والماء ، وهذا هو الفوز العظيم حيث نجاه من النار وأدخله الجنة يخلد فيها أبدا. ومن يعص الله تعالى ورسوله بتعد تلك الحدود وغيرها من الشرائع والأحكام ومات على ذلك فجزاؤه أن

__________________

(١) الحدود جمع حد وهو ظرف مكان يميزّ عن مكان آخر يمنع تجاوزه هذا هو الحد لغة وشرعا : ما منع الله تجاوزه مما أحل إلى ما حرّم ، فأحكام الشرع هي حدوده.

(٢) يرى بعضهم أنّ الإشارة لأقرب مذكور وهو قسمة المواريث ، وما فسرنا به أولى لأنّه أعم يشمل كل ما تقدّم من أحكام الشريعة.

٤٤٧

يدخله نارا يخلد فيها (١) وله عذاب مهين. والعياذ بالله من عذابه وشر عقابه.

هداية الآيتين

من هداية الآيتين :

١ ـ بيان حرمة تعدي حدود الله تعالى.

٢ ـ بيان ثواب طاعة الله ورسوله وهو الخلود في الجنة.

٣ ـ بيان جزاء معصية الله ورسوله وهو الخلود فى (٢) النار والعذاب المهين فيها.

(وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (١٥) وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً (١٦) إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٧) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٨))

__________________

(١) إن أريد بالعصيان هنا الكفر فالخلود على بابه ، وإن أريد به الكبائر فالخلود مستعار لمدّة ما كقولنا خلد الله ملكك وكقول زهير : ولا أرى خالدا إلّا الجبال الرّواسيا.

(٢) هذا الخلود لمن كانت معصيته مكفرة له أمّا من لم يكفر بمعصيته فإنه لا يخلد في النار بل يخرج منها بإيمانه كما بيّنت ذلك السنة الصحيحة.

٤٤٨

شرح الكلمات :

(اللَّاتِي) (١) : جمع التى اسم موصول للمؤنث المفرد واللاتى للجمع المؤنث.

(الْفاحِشَةَ) (٢) : المراد بها هنا الزنى.

(مِنْ نِسائِكُمْ) : المحصنات (٣)

(سَبِيلاً) : طريقا للخروج من سجن البيوت.

(يَأْتِيانِها) : الضمير عائد إلى الفاحشة المتقدم ذكرها.

(فَأَعْرِضُوا عَنْهُما) : اتركوا أذيتهما بعد أن ظهرت توبتهما.

(التَّوْبَةُ) : أصل التوبة الرجوع وحقيقتها الندم على فعل القبيح مع تركه ، والعزم على عدم العودة إليه.

(السُّوءَ) : كل ما أساء إلى النفس والمراد به هنا السيئات.

(بِجَهالَةٍ) : لا مع العمد والإصرار وعدم المبالاة.

(أَعْتَدْنا) : أعددنا وهيأنا.

(أَلِيماً) : موجعا شديد الإيجاع.

معنى الآيات :

لما ذكر تعالى بحدوده وذكر جزاء متعديها ، ذكر هنا معصية من معاصيه وهى فاحشة الزنى ، ووضع لها حدا وهى الحبس في البيوت حتى الموت او الى ان ينزل حكما آخر يخرجهن من الحبس وهذا بالنسبة الى المحصنات. فقال تعالى (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ) (٤) أى من المسلمين يشهدون بأن فلانة زنت بفلان

__________________

(١) ومثل اللاتي : اللائي وجمع اللاتي : اللواتي وجمع اللائي اللوائي.

(٢) سمي الزنا فاحشة : لأنه تجاوز الحد في الفساد ، إذ به يفسد الخلق والعرض والنسب والدين والمجتمع وكفى بهذا فسادا عظيما.

(٣) النساء : اسم جمع واحده من غير لفظه «امرأة» والمحصنات جمع محصنة وهي التي تزوجت زواجا شرعيا ، وسواء بقيت عليه أو تأيمت بموت أو طلاق.

(٤) منكم : أي من المسلمين إذ لا بد من أربعة شهود من المسلمين يشهدون بأنهم رأوا الفرج في الفرج مثل الميل في المكحلة لحديث أبي داود عن جابر قال : «جاءت اليهود برجل وامرأة منهم زنيا فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ائتوني بأعلم رجل منكم فأتوه بابني صوريا فنشدهما كيف تجدان أمر هذين في التوراة قالا نجد في التوراة إذا شهد أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة رجما ، قال : فما يمنعكما أن ترجموهما؟ قالا : ذهب سلطاننا فكرهنا القتل ، فدعا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم الشهود فحضروا وشهدوا فأمر برجمهما فرجما».

٤٤٩

فامسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن (١) الموت أو يجعل الله لهن سبيلا. أما غير المحصنات وهن الأبكار فقد قال تعالى في شأنهن ، واللذان يأتيانها منكم فآذوها أى بالضرب الخفيف والتقريع والعتاب ، مع الحبس للنساء أما الرجال فلا يحبسون وانما يكتفى بأذاهم الى ان يتوبوا ويصلحوا فحينئذ يعفى عنهم ويكف عن أذيتهم هذا معنى قوله تعالى (وَالَّذانِ (٢) يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً).

ولم يمض على هذين الحدين الا القليل من الزمن حتى أنجز الرحمن ما وعد وجعل لهن سبيلا فقد صح أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان جالسا بين أصحابه حتى أنزل الله تعالى عليه الحكم النهائى فى جريمة الزنى فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : خذوا عنى خذوا عنى قد جعل الله لهن سبيلا الثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة ، والبكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام. والمراد من الثيب بالثيب اى إذا زنى ثيب بثيب وكذا البكر بالبكر. وبهذا اوقف الحد الأول في النساء والرجال معا ومضى الثانى أما جلد البكرين فقد نزل فيه آية النور : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) ، وأما رجم المحصنين فقد مضت فيه السنة فقد رجم ما عز ، والغامدية بأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو حد قائم الى يوم القيامة. هذا ما دلت عليه الآيتان الأولى (١٥) والثانية (١٦) وأما الآيتان بعدهما وهما (١٧) (١٨) فقد أخبر تعالى أن الذين يستحقون التوبة وثبتت لهم من الله تعالى هم المذنبون الذين يرتكبون المعصية بسبب جهالة منهم ، ثم يتوبون من قريب لا يسوفون التوبة ولا يؤخرونها أما الذين يجترحون السيآت مع علم منهم وإصرار ، ولا يتوبون إثر غشيان الذنب فلا توبة تضمن لهم فقد يموتون بلا توبة شأنهم شأن الذين يعملون السيئآت ولا يتوبون حتى إذا مرض احدهم وظهرت عليه علامات الموت وأيقن انه ميت لا محالة قال انه تائب كشأن الكافرين اذا تابوا عند (٣) معاينة الموت فلا تقبل

__________________

(١) يتوفاهن : يتقاضاهن ، يقال توفى فلان حقه من فلان بمعنى استوفاه أي أخذه كاملا لم يبق منه شيئا ولمّا كان العمر أيّاما تمر يوما بعد يوم حتى ينقضي العمر ويموت الإنسان قيل في الموت الوفاة ويقال توفى فلان لأنّ أيامه أخذت يوما فيوما حتى انقضت على طريقة تسديد الدّين جزءا فجزءا حتى كمل قال الشاعر :

إذ ما تقاضى المرء يوم وليلة

تقاضاه شيى لا يملّ التقاضيا

(٢) المراد من هذا أنّ الإمساك للمرأة الزانية دون الرجل لأن الرجل يعمل فلا يحبس فلذا غلب جانب النساء في قوله (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ ..) وغلّب الرجل على المرأة في قوله : (وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ) لأن الأذى صالح للمرأة والرجل معا وهو عبارة عن السبّ والجفاء والتوبيخ باللّسان لا غير.

(٣) وعليه فقوله تعالى : (وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ) ليس على ظاهره ، وإنّما معناه يشرفون على الموت ومن أشرف على الموت ، وحضره فحكمه حكم من مات وهو سائغ في اللّغة.

٤٥٠

منهم توبة أبدا. هذا معنى الآيتين الكريمتين الأولى (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ) أى يقبل توبتهم لأنه عليم بضعف عباده حكيم يضع كل شىء في موضعه اللائق به ومن ذلك قبول توبة من عصوه بجهالة لا بعناد ومكابرة وتحد ، ثم تابوا من فريب لم يطيلوا (١) مدة المعاصى والثانية (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ) ، كما هى ليست للذين يعيشون على الكفر فإذا جاء أحدهم الموت قال تبت كفرعون فإنه لما عاين الموت بالغرق قال آمنت انه لا إله الا الذى آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين فرد الله تعالى عليه : (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ). وقوله تعالى (أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) إشارة الى كل من مات على غير توبة بارتكابه كبائر الذنوب ، أو بكفر وشرك ، الا أن المؤمن الموحد يخرج من النار بإيمانه ، والكافر يخلد فيها. نعوذ بالله من النار وحال أهلها.

هداية الآيات

من هداية الآيات :

١ ـ عظم قبح فاحشة الزنى.

٢ ـ بيان حد الزنى قبل نسخه بآية سورة النور ، وحكم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم في رجم المحصن والمحصنة.

٣ ـ التوبة التى تفضل الله بها هي ما كان صاحبها أتى ما أتى من الذنوب بجهالة لا بعلم وإصرار ثم تاب من قريب زمن.

٤ ـ الذين يسوفون التوبة ويؤخرونها يخشى عليهم أن لا يتوبوا حتى يدركهم الموت وهم على ذلك فيكونون من أهل النار ، وقد يتوب أحدهم ، لكن بندرة وقلة وتقبل توبته اذا لم يعاين امارات الموت لقول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم «ان الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر» رواه الترمذى وأحمد وغيرهما واسناده حسن.

٥ ـ لا تقبل توبة من حشرجت نفسه وظهرت عليه علامات الموت ، وكذا الكافر من باب أولى لا تقبل له توبة بالإيمان اذا عاين علامات الموت كما لم تقبل توبة فرعون.

__________________

(١) لأنّ سنة الله تعالى أنّ المرء إذا أدمن على معصية بطول فعلها يشربها قلبه فتحسن في نظره وتجمل في طبعه ، فلا يقوى على تركها ، وليس أدلّ على ذلك من فاحشة اللواط ، فهي من أقبح الفواحش ومع هذا من زينت له لا يقدر على تركها :

٤٥١

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (١٩) وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (٢٠) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (٢١))

شرح الكلمات :

(كَرْهاً) : بدون رضاهن.

العضل : المنع بشدة كأنه امساك بالعضلات أو من العضلات.

(بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَ) : أى من المهور.

الفاحشة : الخصلة القبيحة الشديدة القبح كالزنى.

(مُبَيِّنَةٍ) (١) : ظاهرة واضحة ليست مجرد تهمة أو مقالة سوء.

(بِالْمَعْرُوفِ) (٢) : ما عرفه الشرع واجبا أو مندوبا أو مباحا.

(قِنْطاراً) : اى من الذهب أو الفضة مهرا وصداقا.

__________________

(١) قرئت مبيّنة بفتح الياء وقرئت بكسرها مبيّنة وقرأ ابن عباس مبينة بكسر الباء اسم فاعل من أبان يبين فهو مبين وهي مبينة والمعنى واحد.

(٢) من المعاشرة بالمعروف : أن لا يعبّس في وجهها بغير ذنب وأن يكون منطلقا في القول ، لا فظا ولا غليظا ، ولا مظهرا ميلا إلى غيرها.

٤٥٢

(بُهْتاناً وَإِثْماً) : أى كذبا وافتراء ، واثما حراما لا شك في حرمته لأنه ظلم.

(أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ) : اى خلص الزوج الى عورة زوجته والزوجة كذلك.

(مِيثاقاً غَلِيظاً) : هو العقد وقول الزوج : إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.

معنى الآيات :

تضمنت هذه الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا (١) النِّساءَ كَرْهاً) ابطال ما كان شائعا بين الناس قبل الاسلام من الظلم اللاحق بالنساء فقد كان الرجل إذا مات والده على زوجته ورثها أكبر اولاده من غيرها فان شاء زوجها وأخذ مهرها وان شاء استبقاها حتى تعطيه ما يطلب منها من مال فأنزل الله تعالى قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً) ، فبطل ذلك الحكم الجاهلى بهذه الآية الكريمة وأصبحت المرأة إذا مات زوجها اعتدت في بيت زوجها فاذا انقضت عدتها ذهبت حيث شاءت ولها مالها وما ورثته من زوجها أيضا وقوله تعالى : (وَلا تَعْضُلُوهُنَ (٢) لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ). فهذا حكم آخر وهو أنه يحرم على الزوج إذا كره (٣) زوجته أن يضايقها ويضارها حتى تفتدى منه ببعض مهرها ، اذ من معانى العضل المضايقة والمضارة ، هذا ما لم ترتكب الزوجة فاحشة الزنى ، او تترفع عن الزوج وتتمرد عليه وتبخسه حقه في الطاعة والمعاشرة بالمعروف أما إن أتت بفاحشة مبينة لا شك فيها او نشزت نشوزا بينا فحينئذ للزوج أن يضايقها حتى تفتدى منه بمهرها او بأكثر حتى يطلقها ، وذلك لقوله تعالى : (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) ، ثم أمر تعالى عباده المؤمنين بمعاشرة الزوجات بالمعروف وهو العدل والاحسان ، فقال : (وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) ، وان فرض ان أحدا منكم كره زوجته وهى لم تأت بفاحشة مبينة فليصبر عليها ولا يطلقها فلعل الله تعالى يجعل في بقائها في عصمته خيرا كثيرا له نتيجة الصبر عليها وتقوى الله تعالى فيها وفي غيرها ، فقد يرزق منها ولدا ينفعه ، وقد يذهب من نفسه ذلك الكره ويحل محله الحب والمودة. والمراد أن الله تعالى ارشد المؤمن

__________________

(١) روى البخاري في سبب نزول هذه الآية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته إن شاء بعضهم تزوجها وإن شاء زوّجوها وإن لم يشاؤوا لم يزوّجوها فهم أحق بها من أهلها فنزلت هذه الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ ...) الخ.

(٢) جائز أن يكون فعل (تَعْضُلُوهُنَ) في محل نصب على تقدير ولا أن تعضلوهن ، كما هي قراءة ابن مسعود وجائز أن يكون في محل جزم على أنّ لا : ناهية.

(٣) كرها لدمامة أو سوء خلق أو سلاطة لسان فليصبر على ذلك فإنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر» رواه مسلم.

٤٥٣

ان كره زوجته ان يصبر ولا يطلق لما في ذلك من العاقبة الحسنة ، لأن الطلاق بغير موجب غير صالح ولا مرغوب للشارع وكم من أمر يكرهه العبد ويصبر عليه فيجعل الله تعالى فيه الخير الكثير. هذا ما تضمنته الآية الأولى (١٩) أما الآيتان بعدها فقد تضمنتا : تحريم أخذ شىء من مهر المرأة إذا طلقها الزوج لا لاتيانها بفاحشة ولا لنشوزها ، ولكن لرغبة منه في طلاقها ليتزوج غيرها في هذه الحال لا يحل له أن يضارها لتفتدى منه بشىء ولو قل ، ولو كان قد أمهرها قنطارا فلا يحل أن يأخذ منه فلسا فضلا عن دينار أو درهم هذا معنى قوله تعالى : (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَ (١) قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً) ، أتأخذونه بهتانا أى ظلما بغير حق وكذبا وافتراء وإثما مبينا أى ذنبا عظيما ، ثم قال تعالى منكرا على من يفعل ذلك : وكيف تأخذونه أى بأى وجه يحل لكم ذلك ، والحال أنه قد افضى (٢) بعضهم إلى بعض أى بالجماع ، اذ ما استحل الزوج فرجها الا بذلك المهر فكيف اذا يسترده أو شيئا منه بهتانا وإثما مبينا ، فقال تعالى : (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ)؟ وقوله تعالى وأخذن منكم ميثاقا غليظا يعنى عقد النكاح فهو عهد مؤكد يقول الزوج نكحتها على مبدأ : إمساك بمعروف أو تسريح باحسان ، فأين التسريح بإحسان إذا كان يضايقها حتى تتنازل له عن مهرها أو عن شيء منه ، هذا ما أنكره تعالى بقوله وكيف تأخذونه إذ هو استفهام إنكارى. (٣)

هداية الآيات :

من هداية الآيات :

١ ـ إبطال قانون الجاهلية القائم على ان ابن الزوج يرث امرأة أبيه.

٢ ـ حرمة العضل من أجل الافتداء بالمهر وغيره.

٣ ـ الترغيب في الصبر.

__________________

(١) روى أصحاب السنن وصححه الترمذي أن عمر بن الخطاب كان يخطب فقال ألا لا تغالوا في صدقات النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها رسول الله ، ما أصدق قط امرأة من نسائه ولا بناته فوق اثنتي عشرة أوقية ، فقامت إليه امرأة فقالت يا عمر : أيعطينا الله وتحرمنا ، أليس الله سبحانه وتعالى يقول : (وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً)؟ قال عمر : أصابت امرأة وأخطأ عمر.

(٢) اختلف في الإفضاء الذي يجب به المهر قال عمر : إن أغلق بابا وأرخى سترا ورأى عورة فقد وجب الصداق وعليها العدّة ولها الميراث وهو قول فصل ، أمّا الإفضاء الذي تحل به المطلقة ثلاثا فلا بد من الوطء لحديث : «حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك» والإفضاء في هذه الآية الجماع أيضا قاله ابن عباس رضي الله عنهما.

(٣) نعم إنكاري وفيه معنى التعجب أيضا لأنه أمر مستنكر ومتعجب منه لفظاعته وخروجه عن اللّياقة والأدب.

٤٥٤

٤ ـ جواز أخذ الفدية من الزوجة بالمهر أو أكثر أو أقل إن هى أتت بفاحشة ظاهرة لا شك فيها كالزنى أو النشوز.

٥ ـ جواز غلاء المهر فقد يبلغ القنطار (١) غير أن التيسير فيه أكثر بركة.

٦ ـ وجوب مراعاة العهود والوفاء بها.

(وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً (٢٢) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (٢٣))

شرح الكلمات :

(وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ) : لا تتزوجوا امرأة الأب أو الجد.

(إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) : إلا ما قد مضى قبل هذا التحريم.

__________________

(١) لا خلاف في أنّ أكثر الصداق لا حدّ له وإنّما الخلاف في أقله ، والذي عليه أكثر أهل العلم أنّه لا يقل عن ربع دينار أو ما يعادله دراهم قياسا على ما تقطع فيه يد السارق ، لأنّ الفرج محرّم كاليد.

٤٥٥

(إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً) : أى زواج نساء الآباء فاحشة شديدة القبح.

(مَقْتاً) (١) : ممقوتا مبغوضا للشارع ولكل ذى فطرة سليمة.

(وَساءَ سَبِيلاً) : أي قبح نكاح أزواج الآباء طريقا يسلك.

(أُمَّهاتُكُمْ) : جمع (٢) أم فالأم محرمة ومثلها الجدة وإن علت.

(وَرَبائِبُكُمُ) : الربائب جمع ربيبة هى بنت الزوجة.

(وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ) : الحلائل (٣) جمع حليلة وهى امرأة الابن من الصلب.

معنى الآيتين :

ما زال السياق الكريم في بيان الأحكام الشرعية المتعلقة بالارث والنكاح وعشرة النساء. وفي هاتين الآيتين ذكر تعالى محرمات النكاح من النسب ، والرضاع والمصاهرة فبدأ بتحريم امرأة الأب وان علا فقال : (وَلا تَنْكِحُوا (٤) ما نَكَحَ آباؤُكُمْ) ، ولم يقل من ليشمل التحريم منكوحة الأب والطريقة التى كانت متبعة عندهم في الجاهلية. ولذا قال الا ما قد سلف فى الجاهلية فانه معفو عنه بالاسلام بعد التخلى عنه وعدم المقام عليه ، وبهذه اللفظ حرمت امرأة الأب والجد على الابن وابن الابن ولو لم يدخل بها الأب ثم ذكر محرمات النسب فذكر الامهات والبنات والاخوات والعمات والخالات وبنات الأخ ، وبنات الأخت فهؤلاء سبع محرمات من النسب (٥) قال تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ) ثم ذكر المحرمات بالرضاع فقال (وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ) فمن رضع من امرأة خمس (٦) رضعات وهو في سن الحولين تحرم عليه ويحرم عليه امهاتها وبناتها واخواتها وكذا بنات زوجها واخواته وامهاته حتى

__________________

(١) سئل ابن الأعرابي عن نكاح المقت فقال هو أن يتزوج الرجل امرأة أبيه ، إذا طلقها أو مات عنها ويقال لمن تزوّج أمرأة أبيه : الضيزن.

(٢) الصواب جمع أمّهة ، إذ الأم تجمع على أمات وقلّ من يقول به ، والآية نصّ في تحريم كل انثى لها على الرجل ولادة فتدخل الأم فيه وأمّها وجدّاتها.

(٣) سميت امرأة الابن حليلة لأنها تحلّ معه حيث حلّ فهي فعيلة بمعنى فاعلة ، وقيل سميت حليلة لأنها محلّلة له.

(٤) روي أن أبا قيس توفى وكان من صالحي الأنصار فخطب ابنه قيس امرأة أبيه فقالت له : إنّي أعدّك ولدا ولكني آتي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأستأمره فأتته فأخبرته فأنزل الله تعالى هذه الآية : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ ..).

(٥) وحرّم بالسنة المتواترة الجمع بين المرأة وعمتها. والمرأة وخالتها.

(٦) خالف مالك رحمه‌الله تعالى ومن وافقه فقالوا : لا فرق بين قليل الرضاع وكثيره ، إذا وصل اللّبن إلى الأمعاء ولو مصّة واحدة مع أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا تحرم المصة ولا المصتان» رواه مسلم.

٤٥٦

قيل يحرم (١) من الرضاعة ما يحرم من النسب ، ثم ذكر تعالى المحرمات بالمصاهرة فقال : وامهات نسائكم فأم امرأة الرجل محرمة عليه بمجرد ان يعقد على بنتها تصبح أمها حراما. وقال وربائبكم التى في حجوركم فالربيية هى بنت الزوجة اذا نكح الرجل امرأة وبنى بها لا يحل له الزواج من ابنتها أما إذا عقد فقط ولم يبن فان البنت تحل له لقوله : من نسائكم اللاتى دخلتم بهن فان لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم أى لا إثم ولا حرج. (٢)

ومن المحرمات بالمصاهرة امرأة الابن بنى بها ام لم يبن لقوله تعالى : وحلائل ابنائكم الذين من اصلابكم أى ليس ابنا بالتبنى ، اما الإبن من الرضاع فزوجته كزوجة الابن من الصلب ، لأن اللبن الذى تغذى به هو السبب فكان اذا كالولد للصلب ، ومن المحرمات بالمصاهرة أيضا أخت الزوجة فمن تزوج امرأة لا يحل له أن يتزوج أختها حتى يموت او يفارقها وتنتهى عدتها لقوله تعالى وان تجمعوا بين الاختين الا ما قد سلف في الجاهلية فانه عفو بشرط عدم الإقامة عليه.

هداية الآيتين

من هداية الآيتين :

١ ـ تحريم مناكح الجاهلية الا ما وافق الإسلام منها ، وخاصة أزواج الآباء فزوجة الأب محرمة على الابن ولو لم يدخل بها الأب وطلقها او مات عنها.

٢ ـ بيان المحرمات من النسب وهن سبع الأمهات والبنات والاخوات ، والعمات والخالات وبنات الأخ وبنت الأخت.

٣ ـ بيان المحرمات من الرضاع وهن المحرمات من النسب فالرضيع يحرم عليه (٣) امه المرضع له وبناتها وأخواتها وعماته وخالاته ، وبنات أخيه وبنات أخته.

٤ ـ بيان المحرمات من المصاهرة وهن سبع أيضا : زوجة الأب بنى بها أو لم يبن ، أم امرأته بنى بابنتها أو لم يبن ، وبنت امرأته وهى الربيبة اذا دخل بأمها ، وامرأة الولد من الصلب

__________________

(١) القائل هو الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم والحديث متفق عليه.

(٢) ولحديث الصحيحين : «إذا نكح الرجل المرأة فلا يحل له أن يتزوج أمها دخل بالبنت أو لم يدخل ، وإذا تزوّج الأم فلم يدخل بها ثم طلقها فإن شاء تزوج البنت».

(٣) هذا إذا كان الرضاع في الحولين أمّا بعدهما فلا يحرم إجماعا.

٤٥٧

بنى بها الولد أو لم يبن (١) ، وكذا ابنه (٢) من الرضاع ، وأخت امرأته ما دامت اختها تحته لم يفارقها بطلاق أو وفاة. والمحصنات (٣) من النساء أى المتزوجات قبل طلاقهن أو وفاة أزواجهن وانقضاء عددهن.

__________________

(١) حكى القرطبي الإجماع على أنّ الرجل إذا وطيء امرأة بنكاح فاسد أنها تحرم على أبيه وعلى ابنه وعلى أجداده وأحفاده.

(٢) فى عد المحصنات من المحرمات بالصهر تجوزا.

(٣) لحديث : «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» وهو دليل الجمهور على أنّ امرأة الابن من الرضاع تحرم كما تحرم امرأة الابن من الصلب.

٤٥٨

الجزء الخامس

(وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (٢٤) وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٥))

شرح الكلمات :

(الْمُحْصَناتُ) : جمع محصنة (١) والمراد بها هنا المتزوجة.

(إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) : المملوكة بالسبي والشراء ونحوهما.

(ما وَراءَ ذلِكُمْ) : أي ما عداه أي ما عدا ما حرم عليكم.

(غَيْرَ مُسافِحِينَ) : المسافح : الزاني ، لأن السفاح هو الزنى.

__________________

(١) وسميت المتزوجة محصنة : لأن الرجل أي الزوج قد أحصنها أي حفظها باستقلاله بها عن غيره

٤٥٩

(أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) : مهورهن نحلة.

(طَوْلاً) (١) : سعة وقدرة على المهر.

(الْمُحْصَناتِ) : العفيفات.

(أُجُورَهُنَ) : مهورهن.

(وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ) : الخدين الخليل الذي يفجر بالمرأة سرا تحت شعار الصداقة.

(فَإِذا أُحْصِنَ) : بأن أسلمن أو تزوجن إذ الإحصان يكون بهما.

(الْعَنَتَ) : العنت الضرر في الدين والبدن.

معنى الآيتين :

ما زال السياق في بيان ما يحرم من النكاح وما يجوز ففي الآية الأولى (٢٤) عطف تعالى على المحرمات في المصاهرة المرأة المتزوجة فقال (وَالْمُحْصَناتُ) أي ذوات الأزواج فلا يحل نكاحهن إلا بعد مفارقة الزوج بطلاق أو وفاة ، وبعد انقضاء العدة أيضا واستثنى تعالى من المتزوجات المملوكة باليمين وهي المرأة تسبى في الحرب الشرعية وهي الجهاد في سبيل الله فهذه من الجائز أن يكون زوجها لم يمت في الحرب وبما أن صلتها قد انقطعت بدار الحرب وبزوجها وأهلها وأصبحت مملوكة أذن الله تعالى رحمة بها في نكاحها ممن ملكها من المؤمنين. ولذا ورد أن الآية نزلت في سبايا أوطاس وهي وقعة كانت بعد موقعة حنين فسبى فيها المسلمون النساء والذراري ، فتحرّج المؤمنون في غشيان أولئك النسوة ومنهن المتزوجات فأذن لهم في غشيانهنّ بعد أن تسلم إحداهن وتستبرأ بحيضة ، أما قبل إسلامها فلا تحل لأنها مشركة ، هذا معنى قوله تعالى (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) وقوله : (كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ) يريد ما حرمه تعالى من المناكح قد كتبه على المسلمين كتابا وفرضه فرضا لا يجوز إهماله أو التهاون به. فكتاب الله منصوب على المصدرية. (٢)

وقوله تعالى : (وَأُحِلَ (٣) لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) (٤) أي ما بعد الذي حرمه من المحرمات بالنسب

__________________

(١) الطّول : مصدر طال يطول طولا بمعنى قدر على التناول من بعد ولذا فسّر بالقدرة على المهر.

(٢) ويجوز الرفع نحو هذا كتاب الله وفرضه.

(٣) قرىء أحل بالبناء للمفعول وأحلّ للبناء للفاعل.

(٤) لا بد من مراعاة ما حرّم بالسنة وهو الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها ، ولا التفات إلى مذهب الخوارج إذ يبيحون ذلك كما يبيحون الجمع بين الاختين ، وعلّة المنع هي : أنّ الجمع يسبب قطيعة الرحم.

٤٦٠