القضاء والقدر

محمّد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري [ فخر الدين الرازي ]

القضاء والقدر

المؤلف:

محمّد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري [ فخر الدين الرازي ]


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٢٨

أنفسهم ؛ لأنّ المرء لا يكون أقدر على شيء منه على ما بين إصبعيه. ويحتمل أنّه أراد أنّها بين نعمتي النفع والدفع ، أو بين أثريه في الفضل والعدل يؤيده قوله : «إن شاء أقامه وإن شاء أزاغه» وروي ذلك أيضا في حديث أم سلمة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

٣١٧ ـ أخبرنا أبو سعيد مسعود بن محمد الجرجاني ، أنا حامد الهروي ، أنا أبو علي بشر بن موسى ، أنا أبو عبد الرحمن ح.

٣١٨ ـ وأخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن الحسن بن إسحاق البزار ـ ببغداد ، أنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن إسحاق الفاكهي ـ بمكة ، أنا أبو يحيى بن أبي [مسرة] (١) ، أنا أبو عبد الرحمن المقرئ ، أنا سعيد بن / أبي أيوب قال : أخبرني عبد الله بن الوليد ، عن سعيد بن المسيب ، عن عائشة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا استيقظ من

__________________

ـ [التوحيد ـ لابن خزيمة ـ ٢ / ٥٦٣].

وقال شيخ الإسلام ـ ابن تيميّة ـ رحمه‌الله تعالى : «الضحك في موضعه المناسب له صفة مدح وكمال وإذا قدر حيان أحدهما يضحك مما يضحك منه ، والآخر لا يضحك قط ، كان الأول أكمل من الثاني.

ولهذا قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ينظر إليكم الرب قانطين فيظل يضحك ، يعلم أن فرجكم قريب» فقال له أبو رزين العقيليّ : يا رسول الله! أو يضحك الرب؟! قال : «نعم» قال : لن نعدم من رب يضحك خيرا. فجعل الأعرابي العاقل ـ بصحة فطرته ـ ضحكه دليلا على إحسانه وإنعامه ، فدل على أن هذا الوصف مقرون بالإحسان المحمود ، وأنه من صفات الكمال ، والشخص العبوس الذي لا يضحك قط هو مذموم بذلك ، وقد قيل في اليوم الشديد العذاب ، إنّه : (يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً). [مجموع الفتاوى ٦ / ١٢١ ، ١٢٢].

وانظر «رد الإمام الدارميّ على بشر المريسي» (ص ١٧٤).

ولا أدري كيف غفل عن هذا محققه الشيخ محمد حامد الفقي حين علق على كلام الإمام الدارميّ بما نقله من كلام «البيهقي» من كتابه «الأسماء والصفات» في تأويل صفة الضحك ، وكلام «البيهقي» في تأويل صفة الضحك هو بعينه تأويل بشر المريسي الذي نقضه الإمام الدارمي في كتابه! فلا حول ولا قوة إلّا بالله.

(١) في الأصل [ميسرة] وما أثبت من مصادر ترجمته انظر : «سير أعلام النبلاء» (٤ / ٥٩٢).

٢٤١

الليل قال : «لا إله إلّا أنت سبحانك اللهم إنّي أستغفرك لذنبي وأسألك رحمتك ، اللهم زدني علما ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني ، وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب».

لفظ حديث بن أبي [مسرة] (١) وفي رواية بشر : «علما نافعا».

٣١٩ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، قال : أخبرني أبو النّضر الفقيه ، أنا عثمان بن سعيد بن خالد بن سعيد الدارمي ، أنا مسدد ، أنا سفيان ، عن سمي ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «تعوذوا بالله من جهد البلاء ، وسوء القضاء ، ومن درك الشقاء ، وشماتة الأعداء».

رواه البخاري في «الصحيح» عن مسدد (٢).

٣٢٠ ـ أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان ، أنا أحمد بن عبيد الصفّار ، أنا الحارث بن أبي أسامة ، أنا روح ، أنا عثمان الشحام ، حدّثني مسلم بن أبي بكر أنّه سمع والده وهو يدعو يقول : «اللهم إنّي أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر» قال : فأخذتهن عنه فكنت أدعو بهنّ في دبر الصلاة قال : فمر بي وأنا أدعو بهن فقال : يا بني أنّى علمت هؤلاء الكلمات؟ قال : قلت : يا أبي سمعتك تدعو بهنّ في دبر الصلاة فأخذتهن عنك ، قال : فالزمهن يا بني فإنّ نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يدعو بهنّ في دبر الصلاة.

٣٢١ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا : أنا أبو العبّاس محمد بن يعقوب ، أنا محمد بن إسحاق الصغاني ، أنا عبد الله بن صالح قال : حدّثني حرملة بن عمران [ح] (٣).

٣٢٢ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر القاضي قالا : أنا أبو العبّاس محمد بن يعقوب ، أنا أبو عتبة ، أنا محمد بن جرير ، أنا

__________________

(١) انظر ما قبله.

(٢) كتاب القدر (٦٦١٦) باب : من تعوذ بالله من درك الشقاء وسوء القضاء.

(٣) علامة التحويل ليست في الأصل وإنّما أثبتها جريا على عادة المصنف.

٢٤٢

شهاب بن خراش ، عن حرملة ، عن عقبة بن مسلم ، عن عقبة بن عامر الجهني ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم / قال : «إذا رأيتم الله يعطي العبد ما يحب وهو مقيم على معصيته فإنّما ذلك استدراج» ثمّ نزع بهذه الآية : (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ) (١).

لفظ حديث أبي صالح. وفي رواية أبي خراش قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا رأيت الله يعطي عبدا من الدنيا على معاصيه ممّا يحب فإنّما هو له استدراج» ثم قرأ. فذكره.

٣٢٣ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : سمعت أبا علي الحسين بن محمد الصغاني ـ بمرو ـ يقول سمعت أبا رجاء محمد بن حمدويه يقول : سمعت أحمد بن حنبل يقول : سمعت أبا معاذ النحوي يقول : (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) (٢) قال : أظهر لهم النعم ، وأنسيهم الشكر.

٣٢٤ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا : أنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، أنا يحيى بن أبي طالب ، أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء ، أنا زياد الجصاص ، عن الحسن ، عن عبد الله بن مغفل قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تحت الشجرة يبايع الناس وإنّي أرفع أغصانها عن رأسه إذ جاء رجل ووجهه يسيل دما فقال : يا رسول الله هلكت. قال : «وما أهلك؟» قال : يا رسول الله خرجت من منزلي فإذا أنا بامرأة فأتبعتها بصري فأصاب وجهي الجدار فأصابني ما ترى! فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّ الله إذا أراد بعبد خيرا عجل له عقوبة ذنبه في الدنيا ، وإذا أراد به شرا أمسك عليه بذنبه حتى يوافي القيامة كأنّه عير».

قال أبو نصر ـ يعني : الحمار ـ.

قال : وحدّثنا يحيى ، أنا عبد الوهاب ، أخبرنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن عبد الله بن مغفل ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمثله.

__________________

(١) سورة الأنعام ، الآية رقم (٤٤).

(٢) سورة القلم ، الآية رقم (٤٤).

٢٤٣

ورويناه ـ أيضا ـ من حديث يونس بن عبيد ، عن الحسن.

٣٢٥ ـ أخبرنا (١) أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو زكريا يحيى بن محمد [العنبري] (٢) ، أنا محمد بن عبد السلام ، أنا إسحاق ، أنا جرير ، عن الأعمش ، / عن خيثمة ، عن عبد الله قال : والذي لا إله غيره ما على الأرض نفس إلّا الموت خيرا لها ؛ إن كان مؤمنا فإن الله تعالى يقول : (لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) (٣) وإن كان فاجرا ، فإنّ الله ـ عزوجل ـ يقول : (إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً) (٤).

٣٢٦ ـ أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عبيد الله الخولاني ـ ببغداد ـ أنا أحمد بن سلمان الفقيه ، أنا معاذ بن المثنى ، أنا أبو بكر بن أبي شيبة ، أنا محمد بن فضيل ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن عبد الله ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : (يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) (٥) قال : يحول بين المؤمن وبين معصية الله ، وبين الكافر وبين طاعة الله عزوجل.

٣٢٧ ـ أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق ، أنا أبو الحسن الطرائفي ، أنا عثمان بن سعيد ، أنا عبد الله بن صالح ، عن معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : (يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) (٦) يقول : يحول بين المؤمن وبين الكفر ، ويحول بين الكافر وبين الإيمان. وقوله : (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ) (٧) قال : لو ردوا إلى الدنيا لحيل بينهم وبين الهدى كما حيل بينهم أوّل

__________________

(١) في الأصل جاءت الصيغة مختصرة [أنا].

(٢) في الأصل [العبدي] وهو خطأ والتصحيح من مصادر ترجمته انظر : «سير أعلام النبلاء» (١٥ / ٥٣٣ ، ٥٣٤).

(٣) سورة آل عمران ، الآية رقم (١٩٨).

(٤) سورة آل عمران ، الآية رقم (١٧٨).

(٥) سورة الأنفال ، الآية رقم (٢٤).

(٦) سورة الأنفال ، الآية رقم (٢٤).

(٧) سورة الأنعام ، الآية رقم (١١٠).

٢٤٤

مرة في الدنيا ، وقوله : (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) (١) قال : فاستجاب الله لموسى ـ عليه‌السلام ـ وحال بين فرعون وبين الإيمان حتى أدركه الغرق فلم ينفعه الإيمان ، وقوله : (وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ) (٢) يقول : أضللناهم عن الهدى فكيف يهتدون ، وقال مرّة : أعميناهم عن الهدى ، وقوله : (رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي) (٣) يقول : أضللتني ، وقوله : (فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ) (٤) يقول : لا تضلون أنتم ولا أضل منكم إلّا من قضيت له أنه صال الجحيم ، وقوله : و (جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً) (٥) وقوله : (مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا) (٦) وقوله : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) (٧) / ونحو هذا من القرآن قال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يحرص على أن يؤمن جميع الناس ويتابعوه على الهدى فأخبره الله أنّه لا يؤمن إلّا من سبق له من الله السعادة في الذكر الأول ، ولا يضل إلّا من سبق له من الله الشقاء في الذكر الأول ثمّ قال لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) (٨) وقوله : و (كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ) (٩) قال : زين لكل أمة عملهم الذي يعملون حتى يموتوا وقوله : (أَمَرْنا مُتْرَفِيها) (١٠) يقول : سلّطنا شرارها فعصوا فيها فإذا فعلوا ذلك أهلكناهم بالعذاب وهو قوله : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها) (١١).

هذا كله عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس بالإسناد الذي تقدم.

٣٢٨ ـ وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو العبّاس محمد بن

__________________

(١) سورة يونس ، الآية رقم (٨٨).

(٢) سورة يس ، الآية رقم (٦٦).

(٣) سورة الحجر ، الآية رقم (٣٩).

(٤) سورة الصافات ، الآية رقم (١٦١ ، ١٦٣).

(٥) سورة يس ، الآية رقم (١٨).

(٦) سورة الكهف ، الآية رقم (٢٨).

(٧) سورة يونس ، الآية رقم (٩٩).

(٨) سورة الشعراء ، الآية رقم (٣ ، ٤).

(٩) سورة الأنعام ، الآية رقم (١٠٨).

(١٠) سورة الإسراء ، الآية رقم (١٦).

(١١) سورة الأنعام ، الآية رقم (١٢٣).

٢٤٥

يعقوب ، أنا الحسن بن علي بن عفان العامريّ ، أنا أبو أسامة ، أنا الأعمش ، عن عبد الملك بن ميسرة ، عن طاوس ، قال : كنت عند ابن عباس ومعنا رجل من القدرية فقلت : إنّ أناسا يقولون : لا قدر؟ قال : أوفي القوم أحد منهم؟ قال : قلت : لو كان فيهم ما كنت تصنع به؟ قال : لو كان فيهم أحد منهم لأخذت برأسه ثم قرأت عليه آية كذا وكذا (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً) (١).

٣٢٩ ـ أخبرنا أبو عمرو محمد بن عبد الله الأديب ، أخبرنا أبو بكر الإسماعيلي ، أنا أبو يعلى ، أنا هارون بن معروف ومحمد بن عبّاد قالا : أنا سفيان ، عن منصور ، عن أبي وائل ، عن عبد الله قال : كنّا نقول للحي في الجاهلية إذا كثروا : قد أمر بنو فلان.

رواه البخاري في «الصحيح» عن علي بن سفيان (٢).

٣٣٠ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا عبد الرحمن بن الحسن القاضي ، أنا إبراهيم بن / الحسين ، أنا آدم بن أبي إياس ، أنا [مبارك] (٣) ابن فضالة ، عن الحسن (أَمَرْنا مُتْرَفِيها) (٤) قال : أكثرنا. قال : وكانت العرب تقول : أمر بنو فلان ، أيّ كثر بنو فلان.

قال : وحدّثنا آدم ، أنا ورقاء ، عن عبد الكريم ، عن مجاهد قال : أكثرنا فساقها. وعن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد (أَمَرْنا مُتْرَفِيها) (٥) بعثنا.

٣٣١ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو العبّاس محمد بن يعقوب ، أنا محمد بن إسحاق ، نا الخفاف ـ يعني عبد الوهاب بن

__________________

(١) سورة الإسراء ، الآية رقم (٤).

(٢) كتاب التفسير (٤٧١١) باب : قوله : (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها ...) الآية.

(٣) في الأصل [المبارك] والصحيح ما أثبت انظر : «تهذيب التهذيب» (١٠ / ٢٨).

(٤) سورة الإسراء ، الآية رقم (١٦).

(٥) سورة الإسراء ، الآية رقم (١٦).

٢٤٦

عطاء ـ أنا سعيد ، عن قتادة ، والحسن (أَمَرْنا مُتْرَفِيها) (١) يقول : أكثرنا جبابرتها. وعن هارون عن أبي المعلّى عن يحيى بن يعمر أنه كان يقول : (أَمَرْنا مُتْرَفِيها) وتفسيره مثل قول الحسن وقتادة قال : وحدّثنا الخفاف ، أنا عوف ، عن أبي عثمان النهدي (أَمَرْنا) ـ مثقلة ـ يقول : جعلنهم أمراء.

قال الشيخ : وبلغني عن أبي عبيد أنّه قال : و (أَمَرْنا) (٢) أخبرنا هذه القراءة يعني «أمرنا» بالتخفيف لأنّ المعاني الثلاثة تجتمع فيها ، فإن كان من الأمر فهو بين وتأويله : أمرناهم بالطاعة فعصوا ، وإن كان من الكثرة فالحجة فيه حديث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «خير المال مهرة مأمورة» يريد كثرة الولد ، والمأمورة إنّما هي من أمرت بغير مد ، ولو كان لا يكون إلّا ممدودا من آمرت كانت مؤمرة قال : ومن الأمارة قولهم : أمير غير مأمور ، فقد اجتمع في هذه القراءة المعاني الثلاث : الأمر والإمارة والكثرة.

٣٣٢ ـ أخبرنا أبو نصر بن قتادة قال : أنا أبو منصور العبّاس بن الفضل ، أنا أحمد بن نجدة ، أنا سعيد بن منصور ، أنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : (لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٣) قال : لا تسلطهم علينا فيفتنوننا ، فيفتتنوا بنا.

٣٣٣ ـ أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطّان ، أنا عبد الله بن جعفر ، أنا يعقوب بن سفيان ، أنا الحجاج بن منهال وسليمان بن حرب قالا : أنا أبو الأشهب ، عن الحسن في هذه الآية / (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ) (٤) قال : حيل بينهم وبين الإيمان.

٣٣٤ ـ وأخبرنا أبو الحسين ، أخبرنا عبد الله ، أنا يعقوب ، أنا الحجاج ، أنا حمّاد ، عن حميد قال : قرأت القرآن كله على الحسن في

__________________

(١) سورة الإسراء ، الآية رقم (١٦).

(٢) سورة الإسراء ، الآية رقم (١٦).

(٣) سورة يونس ، الآية رقم (٨٥).

(٤) سورة سبأ ، الآية رقم (٥٤).

٢٤٧

بيت أبي خليفة ففسره لي أجمع على الإثبات فسألته عن قوله : (كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) (١) قال : الشرك سلكه الله في قلوب المجرمين. وسألته عن قوله : (وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ هُمْ لَها عامِلُونَ) (٢) قال : أعمال سيعملونها ولم يعملوها. وسألته عن قول الله ـ عزوجل ـ : و (ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ) (٣) قال : ما أنتم عليه بمضلين إلّا من هو صال الجحيم.

٣٣٥ ـ وأخبرنا أبو الحسين ، أنا عبد الله ، أنا يعقوب ، أنا النعمان ، أنا حمّاد ، عن خالد قال : سألت الحسن قلت : يا أبا سعيد (ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ) (٤) قال : نعم الشياطين لا يضلون بضلالتهم إلّا من أوجب الله له أنّه يصلى الجحيم.

٣٣٦ ـ أخبرنا أبو نصر بن قتادة ، أنا أبو منصور النصروي ، أنا أحمد بن نجدة ، أنا سعيد بن منصور ، أنا أبو معشر ، عن محمد بن كعب في قوله : (ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ) (٥) قال : ما أنتم بمضلين أحدا إلّا من كتبت عليه أنّه من أهل الجحيم.

٣٣٧ ـ أخبرنا (٦) أبو القاسم عبد الرحمن بن عبيد الله الحرفي ـ ببغداد ـ أنا أبو بكر أحمد بن سلمان الفقيه ، أنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : حدّثني أبي ، أنا أنس بن عياض قال : حدثني نافع بن مالك أبو سهيل أنّ عمر بن عبد العزيز قال له : ما ترى في الذين يقولون لا قدر؟ قال : أرى أن يستتابوا فإن تابوا وإلّا ضربت أعناقهم ؛ قال عمر :

ذاك الرأي فيهم ، لو لم يكن إلّا هذه الآية الواحدة كفى بها (فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ) (٧).

__________________

(١) سورة الشعراء ، الآية رقم (٢٠٠).

(٢) سورة المؤمنون ، الآية رقم (٦٣).

(٣) سورة الصافات ، الآية رقم (١٦٢ ، ١٦٣).

(٤) سورة الصافات ، الآية رقم (١٦٢ ، ١٦٣).

(٥) سورة الصافات ، الآية رقم (١٦٢ ، ١٦٣).

(٦) في الأصل جاءت صيغة الأداء مختصرة [أنا].

(٧) سورة الصافات ، الآية رقم (١٦٢ ، ١٦٣).

٢٤٨

٣٣٨ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا عبد الرحمن بن حسن ، أنا إبراهيم بن الحسين ، أنا آدم بن أبي إياس ، أنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : (يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ / وَقَلْبِهِ) (١) قال : يحول بين الكافر وقلبه حتى يتركه لا يعقل.

٣٣٩ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر القاضي قالا : أنا أبو العبّاس ـ هو الأصم ـ أنا أبو عتبة ، أنا بقية ، أنا مقاتل بن سليمان ، عن عطاء بن أبي رباح في قوله : (يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) (٢) قال : يحول بين المرء المؤمن وبين الكفر ، ويحول بين الكافر والإيمان.

قال : وحدّثنا بقية ، أنا محمد الكوفي ، عن الثوري ، عن منصور ، عن مجاهد في قوله : (ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ) (٣) قال : بمضلين (إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ) (٤) قال : في علم الله ـ عزوجل.

٣٤٠ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا : أنا أبو العبّاس محمد بن يعقوب ، أنا العبّاس بن الوليد ، أخبرني ابن شعيب قال : أخبرني شيبان ، أنا منصور ، عن مجاهد وإبراهيم النخعي في قول الله ـ عزوجل ـ : (ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ) (٥) قالا : ما أنتم بمضلين أحدا إلّا من كتب الله عليه أنّه صال الجحيم.

٣٤١ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو بكر بن إسحاق ، أنا أبو مسلم ، أنا أبو عاصم ، أنا ابن أبي رواد ، عن الضحاك بن مزاحم (يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) (٦) قال : يحول بين المؤمن وبين أن يعصيه وبين الكافر وبين أن يطيعه.

٣٤٢ ـ أخبرنا أبو القاسم عبد الخالق بن علي المؤذن ، أنا

__________________

(١) سورة الأنفال ، الآية رقم (٢٤).

(٢) سورة الأنفال ، الآية رقم (٢٤).

(٣) سورة الصافات ، الآية رقم (١٦٢ ، ١٦٣).

(٤) سورة الصافات ، الآية رقم (١٦٢ ، ١٦٣).

(٥) سورة الصافات ، الآية رقم (١٦٢ ، ١٦٣).

(٦) سورة الأنفال ، الآية رقم (٢٤).

٢٤٩

محمد بن أحمد بن خنب ، أنا يحيى بن أبي طالب ، أنا عبد الوهاب ، أنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة في قول الله ـ عزوجل ـ : (أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) (١) قال : تزعجهم إلى المعاصي إزعاجا.

__________________

(١) سورة مريم ، الآية رقم (٨٣).

٢٥٠

باب

قول الله ـ عزوجل ـ :

(مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (١)

وقوله : (مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٢).

وقوله : (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً) (٣). وقوله : (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) (٤) وقوله : / (وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍ) (٥) وقوله : (وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ) (٦) وقوله : (فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللهُ) (٧) وقوله : (وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ) (٨) وقوله : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (٩). وقوله : (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ) (١٠).

٣٤٣ ـ أخبرنا أبو زكريا يحيى بن إبراهيم بن محمد بن يحيى ، أنا أحمد بن عثمان بن يحيى ـ ببغداد ـ أنا عبد الملك بن محمد الرقاشي ، أنا أبي ، أنا يزيد بن زريع ، أنا داود بن أبي هند ح.

٣٤٤ ـ وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو عبد الله محمد بن

__________________

(١) سورة الأعراف ، الآية رقم (١٨٦).

(٢) سورة الأنعام ، الآية رقم (٣٩).

(٣) سورة الكهف ، الآية رقم (١٧).

(٤) سورة الزمر ، الآية رقم (٢٣) ، وسورة غافر ، الآية رقم (٣٣).

(٥) سورة الزمر ، الآية رقم (٣٧).

(٦) سورة النحل ، الآية رقم (٩٣).

(٧) سورة الروم ، الآية رقم (٢٩).

(٨) سورة الجاثية ، الآية رقم (٢٣).

(٩) سورة القصص ، الآية رقم (٥٦).

(١٠) سورة النساء ، الآية رقم (٨٨).

٢٥١

يعقوب قال : حدثني أبي وعبد الله بن محمد قال أبي : أنا محمد بن المثنى قال : حدثني عبد الأعلى ، أنا داود بن أبي هند ، عن عمرو بن سعيد ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس أنّ ضماد قدم مكة وكان من أزد شنوءة ، وكان يرقي من هذه الريح فسمع سفهاء من أهل مكة يقولون إن محمدا مجنون ، فقال : لو أنّي رأيت هذا الرجل لعل الله أن يشفيه على يدي ، قال : فلقيه فقال : يا محمد إنّي أرقي من هذه الريح ، وإنّ الله يشفي على يدي من يشاء ، فهل لك. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّ الحمد لله نحمده ، ونستعينه ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله أمّا بعد» ، فقال : أعد علي كلماتك هؤلاء. فأعادهن عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثلاث مرات فقال : لقد سمعت قول الكهنة وقول السحرة وقول الشعر ، فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء ولقد بلغنا قاموس البحر فقال : هات يدك أبايعك على الإسلام فبايعه فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «وعلى قومك» فقال : وعلى قومي قال فبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سرية فمروا بقومه فقال صاحب السرية للجيش : هل أصبتم من هؤلاء شيئا فقال رجل من القوم : أصبت منهم مطهرة قال : ردوها فإنّ هؤلاء قوم ضماد.

قال : هذا / لفظ حديث محمد بن المثنى ، عن عبد الأعلى. وفي رواية يزيد بن زريع نقصان أحرف وزيادة أحرف ومما زاد قوله : «ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له».

رواه مسلم في «الصحيح» عن محمد بن المثنى (١).

٣٤٥ ـ أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان ، أنا أحمد بن عبيد الصفّار ، أنا العبّاس الأسفاطي ، أنا أبو الوليد ، أنا شعبة ، عن أبي إسحاق قال : سمعت أبا عبيدة يحدث ، عن عبد الله قال : علمنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خطبة الحاجة «الحمد لله أو إنّ الحمد لله نستعينه ، ونستغفره ، وأعوذ بالله من شرور أنفسنا ، من يهده الله فلا

__________________

(١) كتاب الجمعة (٢ / ٥٩٣).

٢٥٢

مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أنّ لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله» ثم يقرأ ثلاث آيات (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) (١) الآية. (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (٢). (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) (٣) الآية ثمّ يتكلم بحاجته.

ورويناه عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، وأبي عبيدة عن عبد الله ، وعن أبي عياض ، عن عبد الله.

٣٤٦ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا أحمد بن جعفر ، أنا عبد الله بن أحمد قال : حدّثني أبي ، أنا وكيع ، عن سفيان ، عن جعفر بن محمد عن أبيه ، عن جابر قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخطب الناس فيحمد الله ويثني عليه بما هو أهله ثمّ يقول : «من يهد الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له» وذكر الحديث.

رواه مسلم في «الصحيح» عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن وكيع (٤).

٣٤٧ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، وأبو بكر بن رجاء الأديب قالا : أنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب ، أنا إبراهيم بن عبد الله / ، حدّثنا محمد بن عبيد ، أنا يزيد بن كيسان ح.

٣٤٨ ـ وأخبرنا أبو صالح بن أبي طاهر العنبري ، أنا جدي يحيى بن منصور القاضي ، أنا أحمد بن سلمة ، أنا محمد بن بشار ، أنا يحيى ـ هو القطّان ـ أنا يزيد بن كيسان قال : حدّثني أبو حازم ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم [لعمه] (٥) : «قل لا إله إلّا الله أشهد لك بها يوم القيامة» فقال : لو لا أن تعيّرني قريش ـ إنّما حمله عليه

__________________

(١) سورة الأحزاب ، الآية رقم (٧٠).

(٢) سورة آل عمران ، الآية رقم (١٠٢).

(٣) سورة النساء ، الآية رقم (١).

(٤) كتاب الجمعة (٢ / ٥٩٣).

(٥) سقطت من الأصل وأثبتها من صحيح مسلم (١ / ٥٥).

٢٥٣

الجزع ـ لأقررت بها عينك فأنزل الله ـ عزوجل ـ : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (١).

لفظ حديث يحيى بن سعيد ، وزاد محمد بن عبيد «عند الموت» ولم يذكر قوله : إنّما حمله عليه الجزع.

رواه مسلم في «الصحيح» عن محمد بن حاتم ، عن يحيى بن سعيد (٢).

٣٤٩ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو عبد الله بن يعقوب ، أنا محمد بن النصر الجارودي ، أنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، أنا حسين المعلم ، أنا ابن بريدة قال : حدثني يحيى بن يعمر ، عن ابن عباس أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يقول : «اللهم لك أسلمت ، وبك آمنت ، وعليك توكلت ، وإليك أنبت وبك خاصمت ، أعوذ بعزتك لا إله إلّا أنت أن تضلني ، أنت الحيّ الذي لا يموت والجنّ والإنس يموتون».

رواه البخاري في «الصحيح» عن أبي معمر (٣) ، ورواه مسلم عن حجاج بن الشاعر ، عن أبي معمر ، عن عبد الوارث الأكبر (٤).

__________________

(١) سورة القصص ، الآية رقم (٥٦).

(٢) كتاب الإيمان (١ / ٥٥).

(٣) كتاب التوحيد (٧٣٨٣) باب : قول الله تعالى : (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(٤) كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (٤ / ٢٠٨٦).

٢٥٤

باب

ذكر البيان أن الله تبارك وتعالى عادل

في إضلال من شاء من عبيده حكيم في إنشائه

الكفر باطلا فاسدا قبيحا خلافا للإيمان

قال الله ـ عزوجل ـ : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (١) وقال : (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) (٢) فأخبر بأنه / يضل من يشاء ويهدي من يشاء ، ثمّ أشار إلى المعنى الذي يوجب أن يكون ذلك عدلا منه فقال : (وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٣) يريد أنّكم المسئولون عمّا تعملون ثم بينه في آية أخرى فقال : (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) (٤) فبين لذلك أنّه لا يجري عليه حكم غيره ويجري حكمه على غيره ، فغيره من المكلفين تحت حدّه ، فمن جاوز حدّه كان ظالما ، وليس هو تحت حدّ غيره حتى يكون لمجاوزته ظالما.

٣٥٠ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا الشيخ أبو بكر أحمد بن إسحاق بن أيوب الفقيه ، أخبرنا إسماعيل بن إسحاق ، أنا محمد بن عبيد ، أنا حمّاد بن زيد ، عن حبيب بن الشهيد قال : سمعت إياس بن معاوية يقول : لم أخاصم بعقلي كلّه من أهل الأهواء غير أصحاب القدر قلت : أخبرني عن الظلم في كلام العرب ما هو قال : أن يأخذ الرجل ما ليس له. قلت : فإنّ الله له كلّ شيء.

__________________

(١) سورة النحل ، الآية رقم (٩٣).

(٢) سورة الأنبياء ، الآية رقم (٢٣).

(٣) سورة النحل ، الآية رقم (٩٣).

(٤) سورة الأنبياء ، الآية رقم (٢٣).

٢٥٥

قال الشيخ أبو بكر بن إسحاق : الظلم عند العرب هو فعل ما ليس للفاعل فعله ، وليس من شيء فعله الله إلّا وله فعله ألا ترى أنّه فعل بالأطفال والمجانين والبهائم ما شاء من أنواع البلاء فقال : (أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً) (١) فأغرقهم صغيرهم وكبيرهم وقال : (وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ) (٢) وغير ذلك من الآيات الواردة في تعذيب الصغير والكبير والأطفال والمجانين بأنواع البلاء.

٣٥١ ـ أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى بن الفضل ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفّار ، أنا أبو الحسن محمد بن النضر الزبيري الأصبهاني ـ بأصبهان ولقبه حمشاذ ـ أنا بكر بن بكّار أبو عمرو القيسي ، أنا عزرة بن ثابت ، أنا يحيى بن عقيل ، عن يحيى بن يعمر ، عن أبي الأسود الديلي ، قال : قال لي عمران بن حصين ذات يوم : أرأيت ما يعمل الناس اليوم فيه ويكدحون فيه ، شيء قدر عليهم ومضى عليهم من قدر قد سبق أو فيما / يستقبلون مما جاءهم به نبيهم واتخذت عليهم فيه الحجة؟ قال : قلت : لا ، بل شيء قضي عليهم ومضى عليهم من قدر قد سبق. فقال : فهل يكون ذلك ظلما؟ قال : ففزعت من ذلك فزعا شديدا وقلت : إنه ليس شيء إلا وهو خلق الله وملك يمينه : (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) (٣) قال : سددك الله إنّما أردت أن أجرب عقلك ، إنّ رجلا أتى من جهينة إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله أرأيت ما يعمل الناس ويكدحون فيه أشيء قضي عليهم ومضى عليهم من قدر قد سبق أو فيما يستقبلون فيما جاءهم به نبيهم واتخذت عليهم فيه الحجة؟ قال : «لا بل شيء قد قضي عليهم ، ومضى عليهم من قدر قد سبق» قال : ففيم يعملون إذا؟ قال : «من خلقه الله ـ عزوجل ـ لواحدة من المنزلتين [هيأه] (٤) لعملها ، وتصديق

__________________

(١) سورة نوح ، الآية رقم (٢٥).

(٢) سورة الذاريات ، الآية رقم (٤١).

(٣) في الأصل [هيأ] وما أثبت من «صحيح مسلم» (٤ / ٢٠٤١).

(٤) سورة الأنبياء ، الآية رقم (٢٣).

٢٥٦

ذلك في كتاب الله عزوجل (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها)» (١).

أخرجه مسلم في «الصحيح» من حديث عزرة كما مضى (٢).

٣٥٢ ـ حدثنا أبو عبد الله الحافظ ، إملاء قال : أنا علي بن عيسى ، أنا إبراهيم بن أبي طالب ، أنا ابن أبي عمر ، أنا سفيان ، عن حنظلة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله ـ عزوجل ـ : (فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) (٣) قال : ألزمها فجورها وتقواها.

٣٥٣ ـ وحدثنا أبو عبد الله ، أنا عبد الرحمن بن الحسن القاضي ، أنا إبراهيم بن الحسين ، أنا آدم بن أبي إياس ، أنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : (فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) (٤) قال : عرفها شقاءها وسعادتها (وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) (٥) قال : أغواها.

٣٥٤ ـ وأخبرنا به أبو عبد الله في تفسير مجاهد بهذا الإسناد فلم يجاوزه مجاهد. وقال في قوله : (فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) (٦) عرفها الشقاء والسعادة ، وقال : في قوله : (وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) (٧) يعني خاب من أغواه الله.

واختلاف اللفظتين يدل على أنّه إنّما [أملاه] (٨) عن غير التفسير ، وكأنّه في نسخة آدم مرفوع إلى ابن عباس.

٣٥٥ ـ وأخبرنا أبو زكريا بن / أبي إسحاق ، أخبرنا أبو الحسن الطرائفي ، أنا عثمان بن سعيد ، أنا عبد الله بن صالح ، عن معاوية [بن صالح] (٩) عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ

__________________

(١) سورة الشمس ، الآية رقم (٧ ، ٨).

(٢) كتاب القدر (٤ / ٢٠٤١).

(٣) سورة الشمس ، الآية رقم (٧ ، ٨).

(٤) سورة الشمس ، الآية رقم (٧ ، ٨).

(٥) سورة الشمس ، الآية رقم (٧ ، ٨).

(٦) ليست في الأصل.

(٧) سورة الشمس ، الآية رقم (٩).

(٨) في الأصل [ابتلاه] وما أثبت أقرب إلى الصواب.

(٩) في الأصل [ابن أبي صالح] وهو خطأ ، والتصحيح من مصادر ترجمته ، انظر : «سير أعلام النبلاء» (٧ / ١٥٨).

٢٥٧

زَكَّاها وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) (١) يقول : قد أفلح من زكى الله نفسه ، وقد خاب من دس الله نفسه ، فأضله الله.

٣٥٦ ـ أخبرنا أبو القاسم الحرفي ـ ببغداد ـ أنا حمزة بن محمد بن العباس ، أنا محمد بن إسماعيل ح.

٣٥٧ ـ وأخبرنا علي بن أحمد بن عبدان ، أنا أحمد بن عبيد الصفّار ، أنا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي ، أنا أبو صالح عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح أنّ أبا الزاهرية حدّثه عن كثير بن مرة ، عن ابن الدّيلمي أنّه لقي سعد بن [أبي] (٢) وقاص فقال له : إنّي شككت في بعض أمر القدر ، فحدّثني لعل الله ـ عزوجل ـ يجعل لي عندك فرجا قال : نعم يا بني حق ، لو عذّب الله ـ عزوجل ـ أهل السماء وأهل الأرض عذبهم وهو غير ظالم لهم ، ولو رحمهم كانت رحمته إياهم خيرا لهم من أعمالهم ، ولو أنّ لامرئ مثل أحد ذهبا ينفقه في سبيل الله ـ عزوجل ـ حتى ينفد ، ثمّ لم يؤمن بالقدر خيره وشره لم يقبل منه ، ولا عليك أن تأتي عبد الله بن مسعود. فذهب ابن الدّيلمي إلى عبد الله بن مسعود فقال له مثل مقالة سعد فقال ابن مسعود : ولا عليك أن تلقى أبيّ بن كعب. فذهب ابن الدّيلمي إلى أبيّ بن كعب فقال مثل مقالته لابن مسعود فقال له أبيّ مثل مقالة صاحبه ، فقال أبيّ : ولا عليك أن تلقى زيد بن ثابت. فذهب ابن الدّيلمي إلى زيد بن ثابت فقال له : إنّي شككت في بعض أمر القدر فحدثني لعل الله ـ عزوجل ـ يجعل لي عندك منه فرجا ، قال زيد : نعم يا ابن أخي إني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «إنّ الله ـ عزوجل ـ لو عذّب أهل السماء والأرض عذبهم وهو غير ظالم لهم ، ولو رحمهم كانت رحمته إياهم خير لهم من أعمالهم ، ولو أنّ لامرئ مثل أحد ذهبا / فأنفقه في سبيل الله حتى ينفد ولا يؤمن بالقدر خيره وشره دخل النّار».

__________________

(١) سورة الشمس ، الآية رقم (٨ ، ٩).

(٢) ساقطة من الأصل.

٢٥٨

ورواه أيضا أبو الأسود الدّؤلي ، عن عمران بن الحصين ثمّ عن عبد الله بن مسعود وأبيّ بن كعب من قولهم.

٣٥٨ ـ أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي ، أنا أبو سهل أحمد بن محمد بن زياد القطّان ، أنا بشر بن موسى الأسدي ، أنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المقري ، عن أبي لهيعة قال : حدّثني عمرو بن شعيب ، عن سعيد بن المسيب ، عن رافع بن خديج في حديث طويل فذكره ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّ عامة من هلك من بني إسرائيل بالتكذيب بالقدر فقيل : يا رسول الله فما الإيمان بالقدر؟ قال : «تؤمن بالله وحده وتؤمن بالجنة والنار وتعلم أن الله خلقهما قبل الخلق ثمّ خلق الخلق لهما ، فجعل من شاء منهم إلى الجنة. ومن شاء منهم إلى النّار عدلا منه ، وكل يعمل لما فرغ منه ، صائرا إلى ما خلق له».

وقد رويناه فيما مضى بطوله عن عطية بن عطية ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن عمرو بن شعيب.

٣٥٩ ـ أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ ، أنا أبو الحسن علي بن الفضل السامردي ، أنا أحمد بن محمد بن عبد الحميد القرشي بسرّ من رأى ، أنا يزيد بن هارون ، أنا فضيل بن مرزوق ، أنا أبو سلمة الجهني ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن عبد الله ـ هو ابن مسعود ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما قال عبد إذا أصابه همّ وحزن اللهم إنّي عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ، ماض فيّ حكمك عدل فيّ قضاؤك ، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحدا من خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ، أن تجعل القرآن ربيع قلبي ، ونور صدري ، وجلاء حزني وذهاب همّي ، إلّا أذهب الله همه وأبدله مكان حزنه فرحا» قالوا : يا رسول الله ، ينبغي لنا أن نتعلم / هؤلاء الكلمات قال : «أجل ينبغي لمن سمعهن أن يعلمهن».

تابعه عبد الرحمن بن إسحاق ، عن القاسم بن عبد الرحمن.

٣٦٠ ـ أخبرنا أبو عبد الحافظ وأبو بكر القاضي قالا : نا أبو العباس

٢٥٩

محمد بن يعقوب نا أبو [عتبة] (١) أحمد بن الفرج ، نا بقية ، نا أبو الحجاج ، عن سليمان أبي (٢) حمزة المصري ، عن أبي أيوب الأنصاري أنّه قال : يا رسول الله أيقدّر الله عليّ أمرا ثمّ يعذبني عليه؟ قال : «نعم وهو غير ظالم لك يا أبا أيوب ، فلو كان لك مثل أحد ذهبا تنفقه في سبيل الله ، ولم تؤمن بالقدر خيره وشره ، لم ينفعك ذلك شيئا».

٣٦١ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه ، أنا موسى بن الحسن بن عبّاد ، نا حجاج بن منهال ، نا حمّاد ، عن خالد الحذّاء ، عن عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر ، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل قال : خطبنا عمر بن الخطاب بالجابية فحمد الله وأثنى عليه ، فلمّا أتى على «من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له» ، والجاثليق (٣) بين يديه فقال بقميصه : بركست بركست فقال عمر : ما يقول عدو الله قالوا : لم يقل شيء. ثم أعادها فتشهد فقال : من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له. فقال الجاثليق بقميصه : بركست بركست. فقال عمر : ما يقول قالوا : يزعم أنّ الله يهدي ولا يضل قال : كذب عدو الله بل الله خلقك ، وهو أضلك ، وهو يدخلك النّار إن شاء الله ، والله لو لا ولث عهدك لضربت عنقك. قال وذكر الحديث.

ورواه سفيان الثوري ، عن خالد الحذاء بمعناه وذكر في آخره عن عمر أنّه قال : إنّ الله خلق أهل الجنّة وما هم عاملون ، فلا بد من أن يعملوه ، وخلق أهل النّار وما هم عاملون ، فلا بد من أن يعملوه فقال : هؤلاء لهذه وهؤلاء لهذه قال : فتفرّق الناس ولا يختلفون في القدر.

٣٦٢ ـ أخبرنا أبو نصر بن قتادة ، أخبرنا / أبو منصور النصروي ،

__________________

(١) في الأصل [أبو عبيد] والصحيح ما أثبت انظر : «سير أعلام النبلاء» (٨ / ٥٢٠).

(٢) في الأصل [أبو] والصحيح ما أثبت.

(٣) في «القاموس المحيط» : الجاثليق ؛ بفتح الثاء المثلثة : رئيس للنصارى في بلاد الإسلام بمدينة السلام ، ويكون تحت يد بطريق أنطاكية ، ثم المطران تحت يده ، ثم الأسقف يكون في كل بلد من تحت المطران ثم القسيس ، ثم الشماس».

٢٦٠