الوهابيّون والبيوت المرفوعة

الشيخ محمد علي بن الحسن الهمداني السنقري الكردستاني

الوهابيّون والبيوت المرفوعة

المؤلف:

الشيخ محمد علي بن الحسن الهمداني السنقري الكردستاني


المحقق: لجنة من العلماء
الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ٢
الصفحات: ١٢٨

وجشع استعمار البلاد ، واسترقاق العباد ؛ من غير رأفة ولا رقّة ولا شفقة بإخوانهم في الدين ، فضلاً عن البشرية.

فقاموا بمقتضاه وشمّروا على هتك حرمات الله ، ولقد جاءوا بها شيئاً إدّاً (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا).

وأمّا بحسب الظاهر فبجهلهم وجمودهم :

[شبهة تسنيم القبور]

فتارة بشبهة التمسّك بحديث أبي الهياج المروي في صحيح مسلم في قوله : (لا تدع تمثالاً إلّا طمسته ، ولا قبراً مُشرِفاً إلّا سوّيته) (١).

مع وضوح فساد التمسّك به بما تقدّم من السيرة النبويّة ، وما ورد من أمره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بزيارة القبور وحثّه [عليها] وتعاهدها والدعاء عندها.

والنبيّ من لا ينطق عن الهوى (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى).

كيف يأمر بهدم القبور من هو يأمر بزيارتها؟!

أم كيف يأمر بهدمها وهو يزورها ، ويقف عليها ، ويدعو الله عندها؟!

على أنّ تسوية القبور وتسطيحها وتعديلها المقابل لتسنيمها ، المشتقّ من سنام البعير شرفه وعُلُوّه ، كما يدلّ عليه قوله : مُشرِفاً ، وإلّا كان هذا القيد لغواً عبثاً.

وعليه فالحديث يدلّ على مرجوحيّة التسنيم للقبور الذي أخذته العامّة لها شعاراً ، مع مخالفته فعل رسول الله بتسطيحه قبر ولده إبراهيم ، وكما استشهد به لذلك شُرّاح الحديث كالقسطلاني وغيره.

ويدلّ بمفهومه على أفضلية ما ذهبت إليه الإماميّة ، ووافقهم عليه الإمام

__________________

(١) صحيح مسلم ٣ / ٦١.

٨١

الشافعي من التسطيح.

هذا ، مع أنّ الحديث بمعزل عن ذلك كلّه لوروده مورد قبور عظماء الكفّار وتماثيلهم وآلهتهم هناك.

وفي ذمّ اليهود والنصارى من كفّار الحبشة ، وما كانوا عليه من اتّخاذهم لقبور صلحاء موتاهم كهيئة تمثال صاحب القبر أصناماً يعبدونها من دون الله.

فأمر النبيّ عليّاً عليه‌السلام بطمس تلك الهياكل والتماثيل وهدمها وتخريبها ومحوها ومساواتها ، ويدلّ عليه قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (ولا تدع تمثالاً).

[اتخاذ القبور مساجد]

ومثلها ما ورد من [الأحاديث] الناهية عن اتّخاذ القبور مساجد للصلاة.

والمغالطة فيها ، فإنّها ـ كما ترى ـ مقيّدة بما كان [عليه] اليهود وغيرهم من المشركين ، كانوا يمثّلون هناك الصور والتماثيل لصاحب القبر.

أو ما كانوا يجعلون البارز من القبر قبلة يستقبلونها بأيّ جهة كانت ، ويصلّون تجاهها ، فنهى النبيّ عن ذلك.

حتّى أنّه روى البخاري عن أنس قال : (كان قِرامٌ لعائشة ـ أي ستر خفيف ـ سترتْ به جانب بيتها ، فقال النبيّ : أميطي عنّا قِرامك ، فإنّه لا يزال تصاويره تعرض في صلاتي) (١).

وكلّ هذا ممّا لا يُنكره أحد من المسلمين.

ويدلّ على الوجه الأوّل : ما رواه كلٌّ من البخاري ومسلم في صحيحه عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : (إنّ أُولَئِكَ إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات فبنوا على قبره

__________________

(١) صحيح البخاري ١ / ٩٩.

٨٢

مسجداً وصوّروا فيه تلك الصورة) (١).

وعلى الوجه الثاني : ما ورد أيضاً في الصحيحين عن عائشة عن النبي قوله : (لعن الله اليهود والنصارى اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد) (٢).

ولذلك قالت عائشة : «ولو لا ذلك أبرز قبره غير أنه خشي أن يُتّخذ مسجداً» (٣).

فالظاهر من الرواية ـ بمساعدة ما فهمته عائشة منها ، بحيث لم يُنكر عليها أحد ممّن روى الخبر عنها ـ :

أنّ المنهيّ عنه إنّما هو خصوص الصلاة إلى القبر باتّخاذ البارز من القبر قبلة.

لا مجرّد الصلاة عند القبر بالتوجّه إلى الكعبة.

وقد عرفت صحّة الاتّخاذ بهذا المعنى فيما مضى وستأتي الحجّة عليه من القرآن والسُّنّة الصحيحة.

وهذا معنى الحديث.

ولو لا ذلك لما كان الإبراز سبباً لحصول الخشية ، فإنّ المخشيّ منه هو استقبال القبر بجعله واتّخاذه قبلة ، وأمّا الصلاة إلى الكعبة فممّا لا يتوقّف على البارز.

ويؤكّد هذا المعنى للحديث صريح ما رواه المناوي (٤) ، وأخرجه عن ابن حِبّان في صحيحه : (أنّ النبيّ نهى عن الصلاة إلى القبور).

[الصلاة في المقابر؟]

ومثله في الوهن ما أوردوه من الشبهة في النهي عن الصلاة في المقابر.

__________________

(١) صحيح البخاري ١ / ١١١ و ١١٢ و ٤ / ٢٤٥ ، وصحيح مسلم ٢ / ٦٦.

(٢) صحيح البخاري ١ / ١١٠ و ١١٢ و ١١٣ ، و ٢ / ٩١ و ١٠٦ ، و ٤ / ١٤٤ ، و ٥ / ١٣٩ و ١٤٠ ، و ٧ / ٤١ ، وصحيح مسلم ٢ / ٦٧.

(٣) لاحظ صحيح البخاري ٢ / ٩١ ، ولاحظ ص ١٠٦ و ٥ / ١٣٩ ، وصحيح مسلم ٢ / ٦٧.

(٤) في ص ١٦٩ من الكنوز.

٨٣

وكذا كلّ ما يتشبّث به الوهّابيّون من المناهي حول عنوان القبر ؛ من التجصيص والتجديد والكتابة عليها ، كما تراها بمعزل عمّا رموا به المسلمين.

فإنّ المشاهد المشرّفة ممّا ليس هناك قبر بارز ، وإنّما هو مجرّد الصندوق والشّباك الواقعين على السرداب الأجنبي عن القبر ؛ ليكون حريماً وعلامة لا يوطأ ولا يُصلّى عليه ، عملاً بالنهي.

هذا ، مع أنّ النهي محمول على الكراهة ، بل ومخصوص بما فسّره شُرّاح الحديث.

وقد قال ابن الأثير في «النهاية» ، وإنّما النهي عن الصلاة في المقابر ، لاختلاط ترابها بصديد الموتى ، وإلّا فإن صلّى في مكان طاهر منها صحّت صلاته.

قال : ومنه الحديث : (لا تجعلوا بيوتكم مقابر) أي لا تجعلوها كالقبور ، فلا تصلّوا فيها ، فإنّ العبد إذا مات ، وصار في قبره لم يصلّ ، ويشهد له قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ، ولا تتّخذوها قبوراً). انتهى كلامه.

وهذا أحمد بن حنبل ، فقد روى في مسنده ما يفسّر الحديثين المذكورين ، كما روى عنه المناوي في «الكنوز».

أمّا بالنسبة إلى العنوان الأوّل ؛ أي اتّخاذ القبور مساجد :

فقد روى عن مسنده (١) عن النبي أنه قال : (لا تجلسوا على القبور ولا تصلّوا إليها). وما روى فيه أيضا عن الطبراني في الحديث قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (لا تصلّوا إلى قبر ، ولا على قبر).

وأمّا بالنسبة إلى العنوان الثاني :

فقد روى عن مسند أحمد (٢) عن النبي قال : (لا تتّخذوا بيوتكم قبوراً ، صلّوا فيها).

__________________

(١)

كنوز المناوي ص ١٨١ ، ومسند أحمد ٤ / ١٣٥.

(٢) كنوز المناوي ص ١٧٩ ، ومسند أحمد ٤ / ١١٤.

٨٤

ومثله ما تقدّمه عن ابن الأثير.

فلا يغني المتكلّف مطلق النهي ، ولا النهي عن مطلق الاتّخاذ.

نعم هكذا يُراد قتل الحقائق ، ورمي عباد الله الموحّدين بسهم العصبية ، فانظر وراجع وانتصف.

فأين مناسبة هذه الروايات لما رامه الجاهل المعاند؟!

ويا ليتهم دروا من الروايات مواردها ، أو من التسوية والمساواة اشتقاقها.

وليتهم إذا لم يدروا وقفوا ، ولم يُفتوا.

[البناء في الأرض المسبلة]

كما أطالوا الكلام تارة حول الأرض المُسْبلة ، وأفتوا بغير ما أنزل الله ؛ لشبهة أنّ البناء في المُسْبلة مانع عن الانتفاع بالمقدار المبني عليه ، فهو غصب يجب رفعه ، وبه أفتى قاضي قضاتهم على هتك حُرُمات الله.

ومن الواضح أنّ هذه المختصّات من الأبنية وغيرها في نظر الشارع الإسلامي ، كأملاك لا يسوغ لغير مالكها أو من يقوم مقامه في التصرف فيها.

مع ما تقدّم من وجوب حرمة المؤمن ميّتاً كوجوبه حيّاً ، فيحرم هتك حرمته بهدم حرمه وقبره.

وكيف التجرّؤ عليه بمجرّد دعوى التسبيل من غير حجّة ودليل؟

على أنّ مقتضى القاعدة فيها ونظائرها التمسّك في الإباحة الأصليّة ما لم يثبت هناك عروض الملكيّة ، ودونه خَرْط القتاد.

وحيث لم يقرع سمع أحد من المسلمين ، ولم يوجد حديث أو تاريخ على أنّ البقيع ممّا استملكها أحد ، ثمّ وقفها أحد وسبّلها لدفن الموتى ، فهي باقية بعدُ على إباحتها ، يحوزها من يشاء من المسلمين من غير أن يتعرّضه أحد ، ومع الشكّ في

٨٥

العروض يبقى استصحاب الإباحة الأصليّة سليمة عن المزاحم.

ثمّ لو فرض مع هذا ثبوت الوقف قبل الحيازة ـ ومن المحال ثبوته ـ فلا ينفع المتكلّف بشيء ، ولم يسمع منه ذلك إلّا بعد إثباته وقوعه منه على غير مجرى عرف أهل المعرفة من المسلمين وعاداتهم في مجاري البرّ والخير ، من الرعاية لحقّ العظيم في الإسلام والمحترمين من الصحابة والأولياء ؛ ممّن يكثر زوّارهم من المسلمين التالين لكتاب الله لديهم وإهداء ثوابها إليهم ؛ عملاً بالسُّنّة المأثورة وقياماً لأداء حقّ عظيم شرفهم في الإسلام.

كلّا وليس في المسلمين أحد ممّن يوقف مقبرة للمسلمين على غير الوجه الأمثل ، لرعاية البرّ والطاعة ، والأقرب بأداء الحقوق ، والأوفى بتعظيم الشعائر.

ولم تزل السيرة القطعية ـ من أكابر الصحابة والتابعين وتابعي التابعين إلى زمان الأئمة الأربعة والخلفاء ، من الامويين والعبّاسيين ، وجهابذة العلماء وأساطين الدين باقتدارهم وسلطنتهم وكمال تضلّعهم في إجراء السنّة ومحو البدعة طول هذه المدّة ـ جارية في إبقاء ما ثبت من الأبنية ، من غير نكير منهم في حين.

وسيرتهم حجّة قاطعة لا يزاحمها شيء ، ولم يحتمل أحد منهم أُحدوثة التسبيل أو توهّمه.

سوى ما ظهر في يومنا هذا من العلم المخزون والديانة المحتكرة في أعراب نجد!

وهذا أحمد بن تيميّة [شيخ إسلام] مؤسّس الوهّابيّة وإمام زعيمهم ، ممّن صرّح بسيرة هؤلاء.

فحكم في باب الوضوء بغسل الرجلين تمسّكاً بها ، بأن رعاية الأقرب في العطف في قوله تعالى : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ) ممّا كان يوجب مسح الرجلين ، لو لا السيرة المستمرّة على الغسل؟

وقد استدلّ قاضي قضاة الوهّابيّين بمكّة المكرّمة في الحين بعمل المسلمين على

٨٦

إمامة من قهر الناس ، واستولى عليهم : بأنه على ذلك جرى المسلمون في غالب الأعصار.

كما في (صفحة ٥) في سؤال وجوابه في مدّعي الخلافة المطبوع في سنة (١٣٤٤).

وفي (صفحة ٩) منها حيث قال : كما جرى على ذلك عمل المسلمين من بعد الخلفاء الراشدين. انتهى كلامه.

[قبور أئمة البقيع ملك لبني هاشم]

هذا ، وقد تقدّم ما يشهد به التاريخ على قُبّة العباس بن عبد المطلب ، المحتوي على قبور الأئمة الأربعة مع جدّتهم فاطمة بنت رسول الله على قول ، وفاطمة بنت أسد ، في القرن الأوّل.

وما يظهر منها أنه أوّل مقبرة في البقيع لبني هاشم بُنيت في دار عقيل بن أبي طالب المختصّة بهم ، كما ذكره السمهودي عن عبد العزيز وكما يظهر منه : أنها كانت تُدعى يومئذٍ مسجد فاطمة.

وروي عن الطبري عن الشيخ أبي العبّاس المرسي : أنه كان إذا زار البقيع وقف أمام قبلة قبّة العبّاس ، وسلّم على فاطمة.

وفيما حكاه عن ابن جماعة : أنّ في قبر فاطمة قولين :

أحدهما : أنه الصّندوق الذي أمام المصلّي ... إلى قوله :

وثانيهما : أنه المسجد المنسوب إليها بالبقيع ؛ أي البناء المربع في جهة قبلة قبّة العبّاس للمشرق ، وهو المعنيّ بقول الغزالي : ويصلّي في مسجد فاطمة.

انتهى كلامه.

وروي عن المسعودي والسبط ابن الجوزي فيما نقله عن الطبري

٨٧

المدني ـ المولود بالمدينة سنة ثلاثين ومائة ـ ما يؤيّد هذا المقام.

وروى بإسناده عن زيد بن السائب ، عن جدّه ، أنّ عقيل بن أبي طالب بنى على قبر أُمّ حبيبة أُمّ المؤمنين بيتاً.

قال : قال ابن السائب : فدخلت ذلك البيت ورأيت فيه ذلك القبر انتهى.

وبالجملة : وبعد ما عرفت ـ كما تقدّم ـ من الحجج الواضحة في الجواب عن الشبهات بالأحاديث المتشابهات.

فبأيّ وجه تجرّءوا على هتك حرمات الله ورسوله في حَرَمه ، وسَفْك دماء الصالحين من عترته ، والموحّدين من أُمّته؟!

فلا يستخفنّهم المهَل والاستدراج ، فإنّه ـ عزوجل ـ لا يخفره البدار ، ولا يخاف عليه فوت الثار ، وهو العالم بالعباد ، وبالظالمين لبالمرصاد.

[المقامات المهدومة]

وهذه مساجد الله ومحاريبه والمزارات والمقامات والقِباب المهدومة بأيدي هؤلاء ، أصبحت تشتكي إلى الله.

وحرماته المهتوكة بظلمهم في الحرمين الشريفين والطائف ، أمست تصرخ وتستغيث بعدل الله (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها) الآية.

وإليك أسماء القباب الشريفة التي هدموها في الثامن من شوال سنة (١٣٤٤) في البقيع خارجه وداخله :

الأوّل : قبّة أهل البيت عليهم‌السلام المحتوية على ضريح سيدة النساء فاطمة الزهراء ـ على قول ـ ومراقد الأئمة الأربعة : الحسن السبط ، وزين العابدين ، ومحمد الباقر ، وابنه جعفر بن محمد الصادق عليهم الصلاة والسلام ، وقبر العبّاس

٨٨

ابن عبد المطلب عمّ النبيّ ، وبعد هدم هذه القِباب دَرَست الضرائح.

الثاني : قُبّة سيّدنا إبراهيم ابن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

الثالث : قُبّة أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

الرابعة : قُبّة عمّات النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

الخامسة : قُبّة حليمة السعدية مرضعة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

السادسة : قُبّة سيّدنا إسماعيل ابن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام.

السابعة : قُبّة أبي سعيد الخدري.

الثامنة : قُبّة فاطمة بنت أسد.

التاسعة : قُبّة عبد الله والد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

العاشرة : قُبّة سيّدنا حمزة خارج المدينة.

الحادية عشرة : قبّة علي العريضي ابن الإمام جعفر بن محمد خارج المدينة.

الثانية عشرة : قُبّة زكي الدين خارج المدينة.

الثالثة عشرة : قُبّة مالك أبي سعد من شهداء أُحد داخل المدينة

الرابعة عشرة : موضع الثنايا خارج المدينة.

الخامسة عشرة : مصرع سيّدنا عقيل بن أبي طالب عليه‌السلام.

السادسة عشرة : سيّدنا عثمان بن عفان.

السابعة عشرة : بيت الأحزان لفاطمة الزهراء.

ومن المساجد مسجد الكوثر ، ومسجد الجنّ ، ومسجد أبي القبيس ، ومسجد جبل النور ، ومسجد الكبش ... إلى ما شاء الله.

كهدمهم من المآثر والمقامات وسائر الدور والمزارات المحترمة ، كما صرّح بها في (المفاوضات).

٨٩

[نهب الأملاك والأموال]

هذا ، بعد ما نهبوا جميع ما فيها.

كما قد نهبوا حرم النبيّ من قبل ، ولم يراعوا حرمته ، فأخذوا في تلك السنة ما كان في خزانة الرسول من الحُليّ والحُلَل ، كما عن تاريخ عجائب الآثار للجبروتي.

قال ـ في ضمن تاريخ سنة ١٢٢٣ ـ : ويقال : إنّه ملأ الوهّابي أربعة صناديق من الجواهر المحلّاة بالألماس والياقوت العظيمة القدر.

من ذلك أربع شمعدانات من الزُّمُرُّد وبدل الشمعة قطعة الماس تضيء في الظلام.

ونحو مائة سيف لا تُقوّم قِراباتها ، ملبّسة بالذهب الخالص ، ومنزّل عليها ألماس والياقوت ، ونصابها من الزُّمُرُّد واليشم ونحو ذلك ، ونصلها من الحديد الموصوف ، وعليها أسماء الملوك والخلفاء ، السالفين.

وليت شعري بأيّ حقّ لهم ، وبأي وجه نهبوا وأخذوا؟!

وبأيّ حكم حكموا في أموال المسلمين ، وخالفوا كتاب الله و [سُنّة] رسوله وسُنّة الشيخين؟!

أو ما ذُكر عند عمر بن الخطاب حُليّ الكعبة ، فقال قوم : لو أخذته فجهّزتَ به جيوش المسلمين كان أعظم للأجر ، وما تصنع الكعبة بالحُليّ؟!

فَهمّ عمر بذلك ، وسأل عنه أمير المؤمنين ، فقال : (إنّ القرآن أُنزل على النبي والأموال أربعة : أموال المسلمين ، فقسّمها بين الورثة ، والفرائض والفيء ، فقسّمها على مستحقّيها ، والخمس فوضعه حيث وضعه ، والصدقات فجعلها حيث يجعلها.

وكان حُليّ الكعبة فيها ـ يومئذٍ ـ فتركه الله على حاله ، ولم يتركها نسياناً ، ولم يخفَ عنه مكاناً فأقرّه حيث أقره الله ورسوله).

فقال عمر : «لولاك لافتضحنا» ، وترك الحُليّ بحاله.

٩٠

[سفك الدماء]

ثمّ ، وبعد ما اجترءوا على هتك حرمات الله ورسوله بهدم قبابها ونهب ما فيها ، تجاسروا على سفك دماء المسلمين ، وأشراف المؤمنين من الموحّدين ، والسادة المنتجبين من قاطني حرم الله ، ومجاوري الطائف من بيت الله.

وما ذنبهم إلّا التوحيد وقراءة القرآن المجيد ، فسفكوا دماءهم ، وأباحوا أموالهم وأعراضهم وحرائرهم بمرْأى من الله ورسوله ونصب عينه.

وهم يصرخون ويضجّون ويعجّون وينادون : يا الله ، يا محمّداه ، يا رسول الله.

وكان قد تألّف في هذه السنة (١٣٤٥) وفد من أشراف الهند ومؤمنيهم ، قاصدين إلى الحجاز بعنوان «جمعيّة خدّام الحرمين» ؛ وذلك ليتحقّقوا عظمة سلطان نجد والوهّابيّين عن مهاجماتهم للطائف والحرمين الشريفين.

فسألوهم حول هذه العناوين عن مسائل (٨٩) تسعة وثمانين.

فكان نتيجة التحقيق من أمر الطائف ما ذكروه في الصحيفة الخامسة ، نمرة (ه) من منشورها بعنوان «المفاوضات الخطّيّة» المتبادلة المطبوعة في محروسة الهند ، غضون يناير ـ فبراير سنة (١٩٢٦) ـ.

قال : كلّ أحد حتّى السلطان ومستشاره اعترفوا بأنّ النجديين أعطوا أهل الطائف الأمان ، ثمّ نهبوا تلك البلدة ، وقتلوا بالرصاص الرجال والنساء.

وأخرجوا بعض النساء وحبسوهنّ في بستان ثلاثة أيّام بلا طعام ، وبعد ذلك أعطوا لكلّ مائة شخص منهم كيساً من دقيق.

وجرّوا أجساد الموتى كما تُجرّ البهائم إلى الدفن بلا صلاة ولا تغسيل.

وعذّبوا أناساً كثيرين لإخراج الكنوز.

وأرسلوا الباقين حفاة عراة إلى مكّة.

ونهبوا أموال المسلمين كغنيمة.

٩١

وأُمراء الطائف اليوم في مكّة فقراء ، والمخدّرات اللواتي لم تكن غير السماء ترى وجوههن ، يشتغلن اليوم بغسل الحوائج وطحن الحنطة بحالة تفتّت الأكباد.

والسلطان يظهر البراءة من هذه الفضائع ، ويتمثّل في الجواب عنها بقصّة خالد ابن الوليد.

ولكنّه في الوقت نفسه أخذ خمس الغنائم ومنهوبات المسلمين ، ودخل جند ابن السعود مكّة سلماً لا حرباً.

وهدموا المساجد والمزارات والقباب والمقامات ، وصور أنقاضها لدينا ، وسننشرها على حِدَة مع إحصاء المساجد والمزارات والمقامات الجليلة المهدّمة.

[هتك حرمة العقائد]

قال : وأمّا حرمة المعتقدات فهي مفقودة في الحجاز ، وليس للسلطان حرمة والناس يُضربون على قول : «يا رسول الله»!

والنجديّون إذا طافوا يدفعون الناس ويحقّرون المذاهب «المدارس».

ودور الكتب أقفلها النجديّون أو بعضها.

والسلطان أعطى قليلاً منها إعانات زهيدة ، بشرط تعلّم مبادي الوهّابيّة.

والتي لا تفعل ، لا تفتح.

التدخين : يعاقِبون عليه عقاباً شديداً.

ولكلّ نجديّ الحقّ بإنزال العقاب حسب مشيّته.

والسلطان يتقاضى رسوم الدخان!

ويغري الناس على جلبه! حتّى إذا شرِبوه عاقبهم. انتهى.

فاعتبر أيّها المنصف.

أو لم يكن لبلاد المسلمين ـ ولا سيّما لمجاوري حرم الله ورسوله ومن بحماه ـ

٩٢

حرمة وأمن؟!

أو لم يجعل الله لهم بشرف جوارهم احتراماً؟!

أو لم يلعن الله ورسوله من حقّر مسلماً ، أو استحلّ حرمةً ، كما لعن المستحلين لحرمة عترته في الحديث المتقدّم؟!

أو لم يلعن الله من أحدث في المدينة أو آوى محدثاً؟!

[حرمة المدينة]

ففي «الكنوز» للمناوي باب الميم قال : (من أخاف أهل المدينة فقد أخاف ما بين جنبيّ) أخرجه من مسند أحمد (١).

وفيه عن صحيح ابن حِبّان : (من أخاف أهل المدينة أخافه الله) (٢).

وفي «جامع البخاري» قال : (لو رأيت الظِّباء بالمدينة ترتع لما ذعرتها) ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (ما بين لابَتَيْها حرام) (٣).

وفيه عن النبيّ : (لا يكيد أهل المدينة أحد إلّا إنماع كما ينماع الملح في الماء) (٤).

وعن «الجمع بين الصحيحين» للحميدي ، من الثامن والأربعين من أفراد مسلم ، في الصحيح من مسند أبي هريرة ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة عن النبيّ قال : (المدينة حرم فمن أحدث فيها حدثاً ، أو آوى مُحدِثاً ، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، ولا يقبل الله منه عدلاً ولا صرفاً) (٥).

__________________

(١) مسند أحمد ٤ / ٥٥.

(٢) لاحظ مجمع الزوائد ٣ / ٣٠٧.

(٣) صحيح البخاري ٢ / ٢٢١.

(٤) صحيح البخاري ٢ / ٢٢٢.

(٥) صحيح البخاري ٢ / ٢٢١ و ٤ / ٦٧ و ٨ / ١٠ و ٨ / ١٤٨ ، وصحيح مسلم ٤ / ١١٥ و ٢١٧.

٩٣

وزاد في حديث سفيان : (وذمّة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم ، فمن أحقر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، ولا يقبل الله منه يوم القيامة عدلاً ولا صرفاً).

أقول : وبعد ذلك فإن أردت الحقيقة فأنسب حديث الانتحال إلى التوحيد تارة ، والتشبّث بحديث أبي الهياج أُخرى.

ثمّ اعتبرهما بما ورد من النبيّ في الصحاح والقياس إلى بعض الأقلّ من هذه الصادرات ، من الدماء المسفوكات وهتك الحرمات ، فتجد الحقيقة كالشمس الضاحية.

[منع الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم]

واعتبرها أيضاً بعد ذلك بحديث المنع من الصلوات على سيّد الكائنات.

فإنّ شيخهم وزعيمهم ممّن كان يكره الصلوات على رسول الله ، ويتأذّى من استماعها ، ويمنع منها والإعلان بها على المنارات في ليالي الجمعة.

وكان بحيث لو سمعها ممّن جهر بها عاقبه بها ، يزعم أنّها منافية للتوحيد.

وقد سبقه إلى هذا عبد الله بن الزبير ، فقطعها من الجمعة والجماعة ، ومنع عنها أتباعه وأشياعه.

قال ابن أبي الحديد فيما رواه عن المدائني ، قال : قطع عبد الله بن الزبير في الخطبة ذكر رسول الله جُمُعاً كثيرة ، فاستعظم الناس ذلك.

فقال : إنّي لا أرغب عن ذكره ، ولكن له أُهيل سوء! إذا ذكرته أتلعوا أعناقهم ، فأنا أُحبّ أن أكبتهم (١) ...

__________________

(١) لاحظ تاريخ اليعقوبي ٢ / ٢٦١ ، ومروج الذهب ٣ / ٨٨.

٩٤

إلى قوله : ولم يذكر رسول الله في خطبته ؛ لا يوم الجمعة ولا غيرها ، عاتبه قوم من خاصّته وتشاءموا بذلك منه ، وخافوا عاقبته.

فقال : ما تركت ذلك علانية إلّا وأنا أقوله سرّاً وأُكثر منه ، لكن لما رأيت بني هاشم إذا سمعوا ذكره اشرأبوا واحمرّت ألوانهم ، وطالت رقابهم.

والله ما كنت لآتي سروراً وأنا أقدر عليه.

والله لقد هممتُ أن احْظِرَ لهم حظيرة ، ثمّ أضرمها ناراً.

فإنّي لا أقتل منهم إلّا آثماً كفّاراً سحّاراً.

لا أنماهم الله ولا بارك عليهم.

بيت سوء لا أوّل لهم ولا آخر ...

إلى آخر ما كفر به.

ومن بعده زياد ابن أبيه حيث خطب الخطبة البتراء ، لم يحمد الله فيها ، ولم يصلّ على النبيّ وآله ، كما في تفسير «مجمع البيان» سورة الكوثر (١).

وأمّا محمّد بن عبد الوهّاب :

فقد كان في مسجد الدرعية وعاصمة بلده ومركزه ، وهو يقول في خطبته : من توسّل بالنبيّ فقد كفر.

واعلم أن أمر ابن الزبير وابن سميّة أهون من أمر الرجل وأشياعه.

فإنّ اعتذارهما فيما أنكراه من الصلوات إن كان من أهل محمّد ، فقد كان الرجل إنكاره من محمّد نفسه.

والعياذ بالله ممّن طبع الله على قلبه وأعماه.

مع ما عرفت من إجماع أهل القبلة على وجوب التوسّل به ، فكيف

__________________

(١) لاحظ الصحاح للجوهري (مادة : بتر) ٢ / ٥٨٤ ، وكذلك لسان العرب.

٩٥

بالصلوات عليه؟

فلعن الله منكري الضرورة من الدين ، وجاحدي آيات القرآن المبين.

[الله : يصلّي في القرآن على نبيّه]

وهذا كتاب الله الحَكَم الفَصْل.

وقد صلّى الله وملائكته على نبيّه ، فقال تعالى : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً).

٩٦

خاتمة

[من دلائل النبوّة : التحذير من الفتنة]

ومن معجزات نبيّنا الباقية.

ما أخبر به ـ زُهاءَ ألف سنة قبل هذا ـ بظهور هذه الفتنة ممّن يسعى ويجدّ في هدم أعلام الدين وبقيّة النبيّين ، وإطفاء مآثرهم وتخريب آثارهم ومشاهدهم وبقاعهم ، وتعيير الصالحين من زوّارهم والمعاهدين لديهم ، فلا يزداد بذلك أمر الله إلّا عُلُواً ونوراً ، كما أخبر الله تعالى به في قوله : (وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) :

[أحاديث تنبّئ بالمنع عن الزيارة وبالعداء للمشاهد](١)

منها : ما صحّ لي روايته ورواه الحفّاظ وأجلّة الأثبات والثقات ، وهو الحديث المتقدّم بإسنادهم إلى عمارة بن يزيد ، عن أبي عامر البناني واعظ أهل الحجاز ، عن الإمام جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جدّه الحسين بن علي عليه‌السلام ، عن أبيه عليّ ، عن

__________________

(١) لاحظ كتاب (شفاء السقام) للامام السبكي في الحث على زيارة المشاهد وتعظيمها.

٩٧

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (ولكن حثالة من الناس يُعيِّرون زوّار قبوركم ، كما تعير الزانية بزنائها ، أُولئك شرار أُمّتي لا أنا لهم الله شفاعتي ، ولا يَرِدون حوضي) (١).

ومنها : ما رواه رئيس المحدّثين في المائة الثالثة مولانا الشيخ أبو جعفر محمّد بن قولويه (٢) ، وأخرجه بإسناده عن الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما‌السلام ، عن عقيلة أهل البيت عمّته زينب بنت علي بن أبي طالب ، عن أبيها أمير المؤمنين عليه‌السلام.

وأُخرى روته عن أُم أيمن ، عن رسول الله ، عن جبرئيل ، عن الله ـ عزوجل ـ في حديث طويل يذكر فيه ما سيكون من أُمته ، وما يجري منهم من بعده على أهل بيته ، من عظيم شهادة ولده وعترته في يوم الطفّ ....

إلى قوله : (ثمّ يبعث الله قوماً من أُمّتك لا يعرفه الكفّار ، ولم يشركوا في تلك الدماء بقول ولا فعل ولا نية ، فيوارون أجسامهم ، ويقيمون رسماً لقبر سيّد الشهداء بتلك البطحاء ، ويكون علماً لأهل الحقّ ، وسبباً للمؤمنين إلى الفوز ، وتحفّه ملائكة من كلّ سماء مائة ألف مَلَك في كلّ يوم وليلة يُصلّون عليه ، ويسبِّحون الله عنده ، ويستغفرون الله لزواره ، ويكتبون أسماءَ من يأتيه زائراً من أُمّتك متقرّباً إلى الله وإليك بذلك ، وأسماءَ آبائهم وعشائرهم وبلدانهم ، ويوسَمون بميسم نور الله : «هذا زائر قبر خير الشهداء وابن خير الأنبياء» ، فإذا كان يوم القيامة

__________________

(١) رواه الطوسي الإمامي في تهذيب الأحكام ٦ / ٢٢ و ١٠٧ ، ورواه العلامة الحلي الإمامي في كتاب منتهى المطلب ٢ / ٨٩٠ ، والشهيد في الذكرى ص ٦٩ و ١٥٥ ، وانظر الحدائق الناضرة ١٧ / ٤٠٥ ، وجواهر الكلام ٤ / ٣٤١ و ٢٠ / ٩٢ ، وانظر وسائل الشيعة ١٠ / ٢٩٨ ، ومستدرك الوسائل ١٠ / ٢١٥.

(٢) رواه في كامل الزيارات ص ٢٦٥ ، وعنه في مستدرك الوسائل ١٠ / ٢٢٩.

٩٨

يطلع في وجوههم من أثر ذلك الميسم نور تغشى منه الأبصار تدلّ عليهم ويُعرفون به.

وكأني بك يا محمّد بيني وبين ميكائيل وعلي أمامنا ، ومعنا من ملائكة الله ما لا تُحصى ، ونحن نلتقط من ذلك الميسم في وجهه من بين الخلائق ، حتى ينجيهم الله من هول ذلك اليوم وشدائده.

وذلك حكم الله وعطاؤه لمن زار قبرك يا محمد أو قبر أخيك أو قبر سبطيك لا يريد به غير الله عزوجل.

ثمّ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وسيجتهد أُناس ممّن حقّت عليهم من الله اللعنة والسخط أن يعفوا رسم ذلك القبر ويمحوا أثره ، فلا يجعل الله تعالى لهم إلى ذلك سبيلاً).

وممّا رواه الإمام علي بن الحسين عليه‌السلام أنها قالت في حديثها له يوم الطفّ وتسليتها إيّاه :

(يا ابن أخي لا يجزعنّك ما ترى ، فو الله إنّ ذلك لعهد معهود من رسول الله جدّك وأبيك وعمّك ، ولقد أخذ الله ميثاق أُناس من هذه الأُمّة لا يعرفهم فراعنة أهل الأرض ، وهم معروفون في أهل السماوات ، وإنّهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرّقة ، فيوارونها ، وهذه الجسوم المضرّجة.

وينصبون لهذا الطف عَلَماً لقبر أبيك سيّد الشهداء ، لا يُدرس أثره ولا يعفو رسمه على كرور الأيّام والليالي.

وليجتهدنّ أئمّة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه ، فلا يزداد أثره إلّا ظهوراً وأمره إلّا عُلُوّاً) (١).

تنبيه : أُمّ أيمن في الحديث تعدّ من الثقات جدّاً ، وهي المنعوتة في لسان النبيّ

__________________

(١) لاحظ بحار الأنوار للمجلسي الإمامي ٢٨ / ٥٧.

٩٩

أنّها امرأة من أهل الجنّة ، وفيما أخرجه المناوي عن ابن عساكر قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (أُم أيمن أُمّي بعد أُمّي).

[أحاديث في نجد وشروره]

ومنها : ما رواه حجّة الإسلام السيّد العلّامة صدر الدين الحسيني العاملي الكاظمي ، عن شيخ الإسلام أحمد بن زيني دحلان في كتابه «خلاصة الكلام» ، رواه عن النبيّ أنه قال : (سيظهر من نجد شيطان تتزلزل جزيرة العرب من فتنته).

ويؤيّد هذا الحديث في ذمّ نجد باعتبار أهله ، أحاديث رواها أهل الحديث ، تكون جواباً عن اعتذار العالم النجدي للعالم العراقي عن الصحيحة التي رواها البخاري عن ابن عمران : (هنالك الزلازل والفتن ، وفيها يطلع قرن الشيطان) (١).

ومثله ما رواه في الصحيحين عن أبي هريرة عنه أنّه قال : (رأس الكفر نحو المشرق ، والفتنة هاهنا حيث يطلع قرن الشيطان) (٢) وغيرها.

فاعتذر عنهما : بأنّ ما ورد في ذمّ نجد ممّا لا يوجب الرمي به أهله :

فمنها : ما رواه في «شرح السُّنّة» بإسناده عن عُقبة بن عامر ، قال : (أشار رسول الله بيده نحو اليمن ، وقال : الإيمان يمانيّ هاهنا ، إلّا أنّ القسوة وغلظ القلوب في الفدّادين ، عند أُصول أذناب الإبل ، حيث يطلع قرن الشيطان في ربيعة ومضر) (٣).

__________________

(١) صحيح البخاري ٢ / ٢٣ و ٨ / ٩٥ ، مسند أحمد ٢ / ١١٨ و ١٢٦ ، وسنن الترمذي ٥ / ٣٩٠.

(٢) صحيح البخاري ٤ / ٤٦ و ٩٣ ، و ٥ / ١٢٢ ، و ٨ / ٩٥ ، وصحيح مسلم ٨ / ١٨٠ ، ومسند أحمد ٢ / ١٨ و ٧٢ و ٩٣ و ١١١.

(٣) صحيح البخاري ٤ / ٩٧ ، وانظر ٤ / ١٥٤ ، و ٥ / ١٢٢ ، و ٦ / ١٧٨ ، وصحيح مسلم ١ / ٥١ ، ومسند أحمد ٢ / ٢٥٨ ، و ٢ / ٢٧٠ و ٢٧٢ و ٤٠٨ و ٤١٨ و ٤٢٦ و ٤٥٧ و ٤٨٤ و ٥٠٦ ، و ٣ / ٣٣٢ ، و ٤ / ١١٨ ، و ٥ / ٢٧٣.

١٠٠