في ظلال التّوحيد

الشيخ جعفر السبحاني

في ظلال التّوحيد

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: نشر مشعر
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-6293-82-4

الصفحات: ٧١٢

ما شُفّعوا» (١).

٩٣ ـ قال جعفر بن محمد الصادق عليهما‌السلام : «إنّ المؤمن ليشفع يوم القيامة لأهل بيته فيشفّع فيهم حتى يبقى خادمه فيقول ـ فيرفع سبابتيه ـ يا رب خويدمي كان يقيني الحر والبرد ، فيشفّع فيه» (٢).

٩٤ ـ كتب جعفر بن محمد الصادق عليهما‌السلام إلى أصحابه : «واعلموا أنّه ليس يغني عنهم من الله أحد من خلقه شيئاً ، لا ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل ولا من دون ذلك ، فمن سرّه أن تنفعه شفاعة الشافعين عند الله فليطلب إلى الله أن يرضى عنه» (٣).

٩٥ ـ قال جعفر بن محمد الصادق عليهما‌السلام : «إذا كان يوم القيامة بعث الله العالم والعابد ، فإذا وقفا بين يدي الله عزوجل قيل للعابد : انطلق إلى الجنة ، وقيل للعالم : قف تشفّع للناس بحسن تأديبك لهم» (٤).

٩٦ ـ قال جعفر بن محمد الصادق عليهما‌السلام في تفسير قوله سبحانه : (لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) «لا يشفّع ولا يشفّع لهم ولا يشفعون إلّا من أذن له بولاية أمير المؤمنين والأئمة من ولده فهو العهد عند الله» (٥).

٩٧ ـ قال جعفر بن محمد الصادق عليهما‌السلام : «يا معشر الشيعة فلا تعودون وتتّكلون على شفاعتنا ، فو الله لا ينال شفاعتنا إذا ركب هذا (الزنا) حتى يصيبه ألم العذاب ويرى هول جهنم» (٦).

__________________

(١) المحاسن : ص ١٨٤.

(٢) بحار الأنوار ٨ : ٥٦ و ٦١ نقلاً عن الاختصاص للمفيد وتفسير العياشي بتفاوت يسير.

(٣) الكافي ٨ : ١١.

(٤) بحار الأنوار ٨ : ٥٦ نقلاً عن عيون أخبار الرضا للشيخ الصدوق.

(٥) تفسير علي بن ابراهيم القمي ص ٤١٧ ، ونقل عن الإمام الباقر أيضاً كما في البحار ٨ : ٣٧.

(٦) الكافي ٥ : ٤٦٩ ؛ من لا يحضره الفقيه ٤ : ٢٨.

٥٦١

٩٨ ـ سئل جعفر بن محمد الصادق عليهما‌السلام عن المؤمن هل له شفاعة؟ قال : «نعم» ، فقال له رجل من القوم : هل يحتاج المؤمن إلى شفاعة محمد؟ قال : «نعم ، إنّ للمؤمنين خطايا وذنوباً وما من أحد إلّا يحتاج إلى شفاعة محمد يومئذٍ» (١).

٩٩ ـ قال جعفر بن محمد الصادق عليهما‌السلام أو محمد بن علي الباقر عليهما‌السلام في تفسير قوله : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) قال : «هي الشفاعة» (٢).

١٠٠ ـ عن سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن شفاعة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم القيامة؟ قال : «يلجم الناس يوم القيامة العرق ويقولون : انطلقوا بنا إلى آدم يشفع لنا عند ربّه ، فيأتون آدم فيقولون : اشفع لنا عند ربّك فيقول : إنّ لي ذنباً وخطيئة فعليكم بنوح ، فيأتون نوحاً فيردّهم إلى من يليه ، وكلّ نبي يردّهم إلى من يليه حتى ينتهون إلى عيسى فيقول : عليكم بمحمد رسول الله ـ صلّى الله عليه وعلى جميع الأنبياء ـ فيعرضون أنفسهم عليه ويسألونه فيقول : انطلقوا ، فينطلق بهم إلى باب الجنة ويستقبل باب الرحمن ويخرّ ساجداً فيمكث ما شاء الله ، فيقول عزوجل : ارفع رأسك واشفع تشفّع وسل تعط وذلك قوله : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) (٣).

١٠١ ـ عن عيسى بن القاسم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «إنّ أُناساً من بني هاشم أتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي وقالوا : يكون لنا هذا السهم الذي جعله للعاملين عليها فنحن أولى به ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا بني عبد المطلب إنّ الصدقة لا تحل لي ولا لكم ولكنّي وُعدت الشفاعة ثمّ قال : والله

__________________

(١) تفسير العياشي المعاصر للشيخ الكليني ٢ : ٣١٤ ، وفي المحاسن ١ : ١٨٤ ومع زيادات في بحار الأنوار ٨ : ٤٨.

(٢) تفسير العياشي ٢ : ٣١٤.

(٣) بحار الأنوار ٨ : ٣٥ ـ ٣٦ نقلاً عن تفسير علي بن إبراهيم : ص ٣٨٧. الذنب الذي ورد في الحديث بمعنى ما يتبع الإنسان لا بمعنى المعصية ، وعلى كل حال فحسنات الأبرار سيئات المقرّبين.

٥٦٢

أشهد أنّه قد وعدها فما ظنّكم يا بني عبد المطلب إذا أخذت بحلقة الباب أتروني مؤثراً عليكم غيركم ، ثمّ قال : إنّ الجن والإنس يجلسون يوم القيامة في صعيد واحد فإذا طال بهم الموقف طلبوا الشفاعة فيقولون : إلى من؟ فيأتون نوحاً فيسألونه الشفاعة ، فقال : هيهات قد رفعت حاجتي ، فيقولون إلى من؟ فيقال : إلى إبراهيم ...» (١).

١٠٢ ـ عن سماعة ، عن أبي إبراهيم عليه‌السلام في قول الله تعالى : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) قال : «يقوم الناس يوم القيامة مقدار أربعين عاماً ويؤمر الشمس فيركب على رءوس العباد ويلجمهم العرق ، ويؤمر الأرض لا تقبل من عرقهم شيئاً ، فيأتون آدم فيتشفّعون منه فيدلّهم على نوح ، ويدلّهم نوح على إبراهيم ، ويدلّهم إبراهيم على موسى ، ويدلّهم موسى على عيسى ، ويدلّهم عيسى فيقول : عليكم بمحمد خاتم البشر ، فيقول محمد : أنا لها ، فينطلق حتى يأتي باب الجنة فيدقّ فيقال له : من هذا ـ والله أعلم ـ فيقول : محمد! فيقال : افتحوا له ، فإذا فتح الباب استقبل ربه فيخر ساجداً فلا يرفع رأسه حتى يقال له : تكلّم وسل تعط واشفع تشفّع ، فيرفع رأسه فيستقبل ربّه فيخر ساجداً فيقال له مثلها فيرفع رأسه حتى أنّه ليشفع من قد احترق بالنار ، فما أحد من الناس يوم القيامة في جميع الأُمم أوجه من محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو قول الله تعالى : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) (٢).

١٠٣ ـ قال موسى بن جعفر الكاظم عليهما‌السلام : «لمّا حضر أبي (جعفر بن محمد) الوفاة قال لي : يا بني إنّه لا ينال شفاعتنا من استخفّ بالصلاة» (٣).

__________________

(١) بحار الأنوار ٨ : ٤٧ ـ ٤٨ وذيل الحديث موافق لما تقدمه ولأجل ذلك تركناه.

(٢) بحار الأنوار ٨ : ٤٨ ـ ٤٩ نقلاً عن تفسير العياشي ، والمراد من «استقبل ربه» : استقبل رضوانه أو باب رحمته أو ما يناسب ذلك كما ورد في الحديث المروي عن الإمام الصادق عليه‌السلام.

(٣) الكافي ٣ : ٢٧٠ و ٦ : ٤٠١ ؛ التهذيب ٩ : ١٠٧ ؛ بهذا المضمون في من لا يحضره الفقيه ١ : ١٣٣ ، ونقله الشيخ في التهذيب ٩ : ١٠٦ عن الإمام الصادق عليه‌السلام.

٥٦٣

١٠٤ ـ قال موسى بن جعفر الكاظم عليهما‌السلام : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : لا تستخفوا بفقراء شيعة علي ؛ فإنّ الرجل منهم ليشفع بعدد ربيعة ومضر» (١).

١٠٥ ـ قال موسى بن جعفر الكاظم عليهما‌السلام : «شيعتنا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويحجّون البيت الحرام ويصومون شهر رمضان ويوالون أهل البيت ويتبرءون من أعدائهم ، وإنّ أحدهم ليشفع في مثل ربيعة ومضر فيشفّعه الله فيهم لكرامته على اللهعزوجل»(٢).

١٠٦ ـ قال علي بن موسى الرضا عليهما‌السلام ناقلاً عن علي عليه‌السلام : «من كذّب بشفاعة رسول الله لم تنله» (٣).

١٠٧ ـ قال علي بن موسى الرضا عليهما‌السلام : «مذنبو أهل التوحيد لا يخلّدون في النار ويخرجون منها والشفاعة جائزة لهم» (٤).

١٠٨ ـ قال علي بن موسى الرضا عليهما‌السلام ناقلاً عن آبائه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة : المكرم لذريّتي ، والقاضي لهم حوائجهم ، والساعي في أُمورهم عند ما اضطرّوا إليه ، والمحبّ لهم بقلبه ولسانه» (٥).

١٠٩ ـ قال علي بن موسى الرضا عليهما‌السلام ، ناقلاً عن آبائه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من لم يؤمن بشفاعتي فلا أناله شفاعتي ، ثمّ قال عليه‌السلام : إنّما شفاعتي لأهل الكبائر من أُمتي فأمّا المحسنون فما عليهم من سبيل» ، قال الحسين بن خالد : فقلت للرضا عليه‌السلام : يا بن رسول الله فما معنى قول الله عزوجل : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ

__________________

(١) بحار الأنوار ٨ : ٥٩ ؛ وبهذا المضمون في أمالي الشيخ الطوسي : ص ٦٣ ، وبشارة المصطفى : ص ٥٥.

(٢) صفات الشيعة : ص ١٦٤ ، الحديث الخامس.

(٣) عيون أخبار الرضا ٢ : ٦٦.

(٤) عيون أخبار الرضا ٢ : ١٢٥.

(٥) عيون أخبار الرضا ٢ : ٢٤ ، وباختصار يسير في بشارة المصطفى : ص ١٤٠.

٥٦٤

ارْتَضى)؟ قال : «لا يشفعون إلّا لمن ارتضى الله دينه» (١).

١١٠ ـ قال علي بن محمد الهادي عليهما‌السلام كما في الزيارة الجامعة : «ولكم المودّة الواجبة والدرجات الرفيعة والمقام المحمود ، والمقام المعلوم عند الله عزوجل والجاه العظيم ، والشأن الكبير والشفاعة المقبولة» (٢).

١١١ ـ قال الحسن بن علي العسكري عليهما‌السلام ناقلاً عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في ضمن حديث : «لا يزال المؤمن يشفع حتى يشفع في جيرانه وخلطائه ومعارفه» (٣).

١١٢ ـ قال الحجة بن الحسن عليهما‌السلام في الصلوات المنقولة عنه : «اللهمّ صلّ على سيد المرسلين وخاتم النبيين وحجة ربّ العالمين ، المرتجى للشفاعة» (٤).

هذه هي الأحاديث الواردة عن طرق الشيعة الإمامية وأنت إذا أضفتها إلى ما رواه أصحاب الصحاح والمسانيد ، يتجلّى لك موقف الشفاعة في الشريعة الإسلامية وانها من الأُمور الثابتة والقطعية كما يتجلّى لك معناها إلى غير ذلك من الخصوصيات التي مرّ بيان الخلاف فيها.

ثمّ بقيت في المقام روايات مبعثرة في الكتب والصحاح والمسانيد ، يستلزم جمعها إفراد رسالة في المقام ، ولأجل ذلك اكتفينا بما ذكرناه.

__________________

(١) أمالي الصدوق : ص ٥.

(٢) من لا يحضره الفقيه ٢ : ٦١٦.

(٣) بحار الأنوار ٨ : ٤٤.

(٤) مصباح المتهجّد : ص ٢٨٤.

٥٦٥

خاتمة المطاف :

بحث وتمحيص

حول الروايات الواردة في الشفاعة

قد وقفت على النصوص والروايات التي نقلناها من الصحاح والمسانيد لأهل السنّة والمجاميع الحديثية للشيعة الإمامية والواجب هنا هو الوقوف على مضمون هذه الروايات على وجه الاختصار وإليك ما تدلّ عليه تلك المأثورات :

١ ـ يستفاد من الروايات المختلفة أنّ الشفاعة من ضروريات التشيع وأنّ أئمة أهل البيت يجاهرون بذلك ، فلاحظ الأرقام التالية من الأحاديث المتقدّمة : ٨٦ ، ١٠٦ ، ١٠٩.

٢ ـ إنّ الدقة فيما مرّ من الروايات المتواترة يقضي ببطلان ما ذهب إليه المعتزلة في معنى الشفاعة ، وأنّ الحقّ في الشفاعة هو ما عليه جمهور المسلمين من أنّه عبارة عن غفران الذنوب الكبيرة ببركة شفاعة الشفيع ودعائه ، فلاحظ الأرقام التالية من الأحاديث المقدّمة : ١ ، ٧ ، ١٥ ، ١٦ ، ٥٥ ، ٥٨ ، ٦٥ ، ٦٦ ، ٨٥ ، ١٠٩ وغيرها من الروايات.

٣ ـ إنّ الشفاعة كما تحفظ من دخول النار توجب خروج المذنب من النار بعد الدخول فيها ، فلاحظ الأرقام التالية : ٢٦ ، ٥٠ ، ٥٧ ، ١٠٧ وغيرها.

٥٦٦

٤ ـ إنّ شفاعة الشافعين مشروطة بوجود مؤهلات في المشفوع لهم وقد جاءت شروطها في الروايات. منها : أن لا يكون مشركاً ، ومنها : أن يكون مسلماً ، ومنها : أن يكون مؤمناً ، ومنها : أن يكون محبّاً لأهل البيت لا ناصباً لهم العداء ، ومنها : أن لا يكون مستخفاً بالصلاة ، نعم من كان مؤدياً للأمانة ، وحسن الخلق ، وقريباً من الناس يشفع قبل كل أحد ، فلاحظ في ذلك كلّه الأرقام التالية : ٢ ، ٣ ، ٦ ، ٩ ، ١١ ، ١٧ ، ٢٤ ، ٩١ ، ٩٢ ، ١٠٣.

٥ ـ إنّ القرآن وإن أجمل مسألة الشفيع ولم يصرّح في ذلك إلّا في مورد أو موردين ، غير أنّ الأحاديث أعطت صورة مفصّلة عن الشفعاء ، وإليك أسماءهم مع الإشارة إلى الأحاديث الدالّة عليها.

أ ـ الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله من الشفعاء ، فلاحظ الأرقام التالية من الأحاديث الماضية : ٤ ، ٥ ، ٧ ، ٨ ، ١٠ ، ١٤ ، ٥٦ ، ٦٩ ، ٧٣ ، ٧٤ ، ٧٦ ، ١٠٠ ، ١٠١.

ب ـ الملائكة من الشفعاء ، فلاحظ الأرقام التالية : ١٨ ، ٢١ ، ٢٢.

ج ـ الأنبياء من الشفعاء ، فلاحظ الأرقام التالية : ٢٠ ، ٢١ ، ٢٢.

د ـ أهل البيت من الشفعاء ، فلاحظ الأرقام التالية : ٥١ ، ٥٦.

ه ـ علي من الشفعاء ، فلاحظ الرقم : ٦١.

و ـ فاطمة من الشفعاء ، فلاحظ : ٦٠ ، ٨٢.

ز ـ العلماء من الشفعاء ، فلاحظ : ٢٠ ، ٦٢ ، ٩٥.

ح ـ الشهداء من الشفعاء ، فلاحظ : ٢٠ ، ٢٢ ، ٢٨ ، ٦٢.

ط ـ القرآن من الشفعاء ، فلاحظ : ٤٣ ، ٤٤ ، ٥٦ ، ٦٤.

ي ـ متعلّم القرآن والعامل به من الشفعاء ، فلاحظ : ٢٩.

ك ـ المؤمن من الشفعاء ، فلاحظ : ٧٧ ، ٧٨ ، ٨٨ ، ٩١ ، ٩٣ ، ١٠٥ ، ١١١.

ل ـ من بلغ التسعين يشفع ، لاحظ : ٣٠.

٥٦٧

م ـ من كان حافظاً للرحم مؤدّياً للأمانة يشفع ، لاحظ : ٥٦.

ما ذكرناه عصارة هذه الروايات ، وأمّا الوقوف على الجزئيات فيتوقف على ملاحظتها واحدة بعد الأُخرى.

٥٦٨

الفصل السابع

التوسّل

مفهومه وأقسامه وحكمه

في الشريعة الإسلامية الغرّاء

٥٦٩
٥٧٠

تمهيد

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف أنبيائه وأفضل سفرائه محمد وآله الطاهرين وعلى عباد الله الصالحين.

أمّا بعد : فقد خلق الله سبحانه العالم التكويني على أساس الأسباب والمسبّبات ، فلكل ظاهرة في الكون سبب عادي يؤثّر فيها بإذنه سبحانه ، وليس للعلم والعالم التجريبي شأن سوى الكشف عن تلك الروابط الموجودة بين الظواهر الكونية ، وكلّما تقدّم العلم في ميادين الكشف ، تتجلّى تلك الروابط بأعمق صورة لدينا والكلُّ يدلّ على أنّه سبحانه خلق النظام الكوني على أساس وسائل وأسباب تتبنّى مسبّباتها بتنظيم منه سبحانه إذ (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً) (١) والماء سبباً للحياة فالكل مؤثرات فيما سواه حسب مشيئته وإذنه ، قال سبحانه : (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ)(٢) والباء في الآية بمعنى السببية والضمير يرجع إلى الماء ، وقال أيضاً : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ

__________________

(١) يونس : ٥.

(٢) البقرة : ٢٢.

٥٧١

الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ) (١) ، فالآية صريحة في تأثير الماء على الزرع ، وأنّه سبحانه أعطى له تلك المقدرة وكلٌّ من الأسباب جنود له سبحانه ، قال : (وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) (٢) فإذا كانت الملائكة جنوداً لله تبارك وتعالى كما يقول سبحانه : (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها) (٣) فالأسباب العادية التي تعتمد عليها الحياة الجسمانية للإنسان ، جنوده سبحانه في عالم المادة ومظاهر إرادته ومشيئته.

وهذا ليس بمعنى تفويض النظام لهذه الظواهر المادية ، والقول بتأصّلها في التأثير واستقلالها في العمل ، بل الكل متدلٍّ بوجوده سبحانه ، قائم به ، تابع لمشيئته وإرادته وأمره.

هذا هو الذي نفهمه من الكون ويفهمه كل من أمعن النظر فيه ، فكما أنّ الحياة الجسمانية قائمة على أساس الأسباب والوسائل ، فهكذا نزول فيضه المعنوي سبحانه إلى العباد تابع لنظام خاص كشف عنه الوحي ، فهدايته سبحانه تصل إلى الإنسان عن طريق ملائكته وأنبيائه ورسله وكتبه ، فالله سبحانه هو الهادي ، والقرآن أيضاً هادٍ ، والنبي الأكرم أيضاً هادٍ ولكن في ظل إرادة الله سبحانه ، قال سبحانه : (وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) (٤) وقال سبحانه : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) (٥) وقال سبحانه في حقّ نبيّه : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٦).

__________________

(١) السجدة : ٢٧.

(٢) المدثّر : ٣١.

(٣) التوبة : ٤٠.

(٤) الأحزاب : ٤.

(٥) الإسراء : ٩.

(٦) الشورى : ٥٢.

٥٧٢

فهداية الله تعالى تصل إلى الإنسان عن طريق الأسباب والوسائل التي جعلها الله سبحانه طريقاً لها وإلى هذا الأصل القويم يشير الإمام الصادق عليه‌السلام في كلامه ويقول : «أبى الله أن تجري الأشياء إلّا بأسباب فجعل لكل شيءٍ سبباً ، وجعل لكل سبب شرحاً» (١).

فعلى ضوء هذا الأساس فالعالم المعنوي يكون على غرار العالم المادي فللأسباب سيادة وتأثير بإذنه سبحانه ، وقد شاء الله أن يكون لها دور في كلتا النشأتين ، فلا ضير على من يطلب رضا الله أن يتمسّك بالوسيلة ، قال الله سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٢).

فالله سبحانه حثّنا للتقرب إليه على التمسّك بالوسائل وابتغائها ، والآية دعوة عامة لا تختص بسبب دون سبب ، بل تأمر بالتمسّك بكل وسيلة توجب التقرّب إليه سبحانه ، وعندئذٍ يجب علينا التتبّع في الكتاب والسنّة ، حتّى نقف على الوسائل المقرّبة إليه سبحانه ، وهذا ممّا لا يعلم إلّا من جانب الوحي ، والتنصيص عليه في الشريعة ، ولو لا ورود النص لكان تسمية شيء بأنّه سبب للتقرّب ، بدعة في الدين ؛ لأنّه من قبيل إدخال ما ليس من الدين في الدين.

ونحن إذا رجعنا إلى الشريعة نقف على نوعين من الأسباب المقرّبة إلى الله سبحانه :

النوع الأوّل : الفرائض والنوافل التي ندب إليها الكتاب والسنّة ، ومنها التقوى ، والجهاد الواردان في الآية ، وإليه يشير عليّ أمير المؤمنين عليه‌السلام ويقول : «إنّ أفضل ما توسّل به المتوسّلون إلى الله سبحانه وتعالى ، الإيمان به ، وبرسوله ،

__________________

(١) الكافي ١ : ١٨٣.

(٢) المائدة : ٣٥.

٥٧٣

والجهاد في سبيله ؛ فإنّه ذروة الإسلام ، وكلمة الإخلاص ؛ فإنّها الفطرة ، وإقام الصلاة ؛ فإنّها الملّة ، وإيتاء الزكاة ؛ فإنّها فريضة واجبة ، وصوم شهر رمضان ؛ فإنّه جُنّة من العقاب ، وحجّ البيت واعتماره ؛ فإنّهما ينفيان الفقر ، ويرحضان الذنب ، وصلة الرحم ؛ فإنّها مثراة في المال ، ومنسأة في الأجل ، وصدقة السرّ ؛ فإنّها تكفّر الخطيئة ، وصدقة العلانية ؛ فإنّها تدفع ميتة السوء ؛ وصنائع المعروف ؛ فإنّها تقي مصارع الهوان» (١).

غير أنّ مصاديق هذا النمط من الوسيلة لا تنحصر فيما جاء في الآية أو في تلك الخطبة بل هي من أبرزها.

النوع الثاني : وسائل ورد ذكرها في الكتاب والسنّة الكريمة ، وحثّ عليها الرسول وتوسّل بها الصحابة والتابعون وكلّها توجب التقرّب إلى الله سبحانه ، وهذا هو الذي نطلبه في هذا الأصل حتى يعلم أنّ الوسيلة لا تنحصر في الفرائض والمندوبات الرائجة بل هناك وسائل للتقرّب دلّت عليها السنّة ، وهي التوسّل بالنبي الأكرم على أشكاله المختلفة التي سنذكرها ، فهذا عليّ عليه‌السلام يقول في ذكر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «اللهمّ اعل على بناء البانين بناءه ، وأكرم لديك نُزُله ، وشرِّف عندك منزله وآته الوسيلة وأعطه السناء والفضيلة ، واحشرنا في زمرته» (٢).

فإذا وقفنا على أنّ النبيّ هو الوسيلة المقرّبة إلى الله ، فتجب علينا مراجعة السنّة لنطّلع على كيفية التوسّل به فهي تبيّن لنا تلك الكيفية. فعلى من يطلب استجابة دعائه ، أن يتوسّل إلى الله بأسباب جعلها الله سبحانه وسيلة لهذا المبتغى.

* * *

__________________

(١) نهج البلاغة : الخطبة ١١٠.

(٢) المصدر نفسه : الخطبة ١٠٦.

٥٧٤

التوسّل لغة واصطلاحاً

التوسّل لغة من وسلت إلى ربّي وسيلة : عملتُ عملاً أتقرّبُ به إليه ، وتوسّلت إلى فلان بكتاب أو قرابة ، أي تقربتُ به إليه (١).

وقال الجوهري في الصحاح : الوسيلة ما يتقرّب به إلى الغير والجمع : الوُسُل والوسائل(٢).

ونحن في غنى عن تحقيق معنى الوسيلة في اللغة ؛ لأنّها من المفاهيم الواضحة لدينا وحقيقتها لا تتجاوز اتّخاذ شيء ذريعة إلى أمر آخر يكون هو المقصود والمبتغى ، وهي تختلف حسب اختلاف المقاصد.

فمن ابتغى رضا الله تبارك وتعالى يتوسّل بالأعمال الصالحة التي بها يكتسب رضاه ، ومن طلب استجابة دعائه يتوسّل بشيء جُعِل في الشريعة وسيلة لها ، ومن أراد زيارة بيت الله الحرام يتوسّل بما يوصله إليها ، فوضوح معناه يبعثنا إلى أن نترك نقل أقوال اللغويين في ذلك المضمار وإن كانت أكثر كلماتهم في المقام متماثلة.

__________________

(١) الخليل ، ترتيب العين ، مادة «وسل».

(٢) الصحاح ، ج ٥ ، مادة «وسل».

٥٧٥

والمقصود من التوسّل في المقام ، هو أن يقدِّم العبدُ إلى ربّه شيئاً ، ليكون وسيلةً إلى الله تعالى لأن يتقبّل دعاءه ويجيبه إلى ما دعا ، وينالَ مطلوبه ، مثلاً إذا ذكر الله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العليا ومجّده وقدّسه وعظّمه ، ثمّ دعا بما بدا له ، فقد اتّخذ أسماءه وسيلة لاستجابة دعائه ونيل مطلوبه ، ومثله سائر التوسّلات ، والتوسّل بالأسباب في الحياة أمر فطري للإنسان ، فهو لم يزل يدق بابها ليصلَ إلى مسبباتها ، وقال الإمام الصادق عليه‌السلام : «أبى الله أن تجري الأشياء إلّا بأسباب فجعل لكل شيء سبباً» (١).

إنّ الوسيلة إذا كانت وسيلة عادية للشيء وسبباً طبيعياً له ، فلا يشترط فيها إلّا وجود الصلة العادية بين الوسيلة والمتوسّل إليه ، فمن يريد الشبع فعليه الأكل ولا يُريحه شربُ الماء ؛ إذ لا صلة بين شرب الماء ، وسدِّ الجوع ، فالعقلاء في حياتهم الدنيوية ينتهجون ذلك المنهج بوازع فطري ، أو بعامل تجريبي ، نرى أنّ ذا القرنين عند ما دُعي إلى دفع شرّ يأجوج ومأجوج اللّذين كانوا يأتيان من وراء الجبل ويفسدان ويقتلان ويغيران عليهم ، لبّى دعوتهم وتمسّك بالسبب الطبيعي القويم الذي يدفع به شرّهم فخاطبهم بقوله : (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً* فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً) (٢).

ففي هذا الموقف العصيب توسّل ذو القرنين ـ ذلك الإنسان الإلهي ـ بسبب طبيعي ؛ إذ إنّه وقف على الصلة بين الوسيلة وما يهدف إليه ، وهو سدّ الوديان بِقِطَعِ الحديد حتى إذا ساوى بين الجبلين أمر الحدّادين أن ينفخوا في نار الحديد التي أُوقدت فيه حتى جعله ناراً ، وعند ذلك قال : ائتوني نحاساً مذاباً أو صفراً مذاباً ،

__________________

(١) الكافي ١ : ١٨٣.

(٢) الكهف : ٩٦ ـ ٩٧.

٥٧٦

حتى أصبَّه على السد بين الجبلين وينسد بذلك النقب ويصير جداراً مصمتاً ، فكانت حجارته الحديد وطينه النحاس الذائب.

ففي المورد وأضرابه التي بنيت عليها الحياة الإنسانية في هذا الكوكب ، لا يشترط بين الوسيلة والهدف سوى الرابطة الطبيعية أو العادية التي كشف عنها العلم والتجربة وأمّا التوسّل في الأُمور الخارجة عن نطاق الأُمور العادية ، فبما أنّ التعرّف على أسبابه خارج عن إطار العلم والتجربة بل يُعدّ من المكنونات الغيبية ، فلا يقف عليها الإنسان إلّا عن طريق الشرع وتنبيه الوحي ، وبيان الأنبياء والرسل وما ذاك إلّا لأنّهم هم الذين يرفعون الستار عن وجه الحقيقة ويصرّحون بالوسيلة ويبيّنون بأنّ هناك صلة بينها وبين ما يبغيه الإنسان المتوسّل.

وهذا الأصل يبعثنا إلى أن لا نتوسل بشيء فيما نبتغيه من رضا الربّ ، وغفران الذنوب واستجابة الدعاء ونيل المنى ، إلّا عن طريق ما عيّنه الشارع وصرّح بأنّه وسيلة لذلك الأمر ، فالخروج عن ذلك الإطار يسقطنا في مهاوي التشريع ومهالك البِدع التي تعرّفتَ على مضاعفاتها.

فالمسلمون سلفُهم وخلفهم ، صحابيّهم وتابعيّهم ، والتابعون لهؤلاء بإحسان في جميع الأعصار ما كانوا يخرجون عن ذلك الخط الذي رسمناه ، فما نَدَب إليه الشرع في مجال التوسّل يأخذون به ، وما لم يذكره ، أو نهى عنه يتركونه ، ولا اعتبار بالبدَعِ المحدثة التي ما أنزل الله بها من سلطان.

وها نحن نتلو عليك التوسّلات المشروعة التي ندب إليها الشرع ، وحثّ عليها النبي الأكرم وخلفاؤه مجتنبين عن الإسهاب في الكلام ، مقتصرين على اللبّ تاركين القشر.

٥٧٧

(١)

التوسّل بأسمائه وصفاته

أمر الله سبحانه عباده بدعائه بأسمائه الحسنى فقال تعالى : (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١).

إنّ الآية تصف أسماءه كلَّها بالحسنى لحسن معانيها ، من غير فرق بين ما يرجع إلى صفات ذاته كالعالم والقادر ، والحي ، وما يرجع إلى صفات فعله كالخالق والرازق والمحيي والمميت ، ومن غير فرق بين ما يفيد التنزيه ورفع النقص كالغنيّ والقدّوس ، وما يعرب عن رحمته وعفوه كالغفور والرحيم ، فعلى المسلم دعاؤه سبحانه بها فيقول : يا الله يا رحمن يا رحيم ، يا خالق السماوات والأرض ، يا غافر الذنوب ويا رازق الطفل الصغير. وتركِ عملِ الذين يعدلون بأسماء الله تعالى عمّا هي عليه فيسمّون بها أصنامهم بالزيادة والنقصان ، فيسمّون أصنامهم باللات والعزّى أخذاً من الله العزيز ، سيجزون ما كانوا يعملون في الآخرة.

فعند ما يذكره العبد بأسمائه التي تضمّنت كل خير وجمال ، ورحمة ومغفرة

__________________

(١) الأعراف : ١٨٠.

٥٧٨

وعزّة وقدرة ، ثمّ يعقبه بما يطلبه من مغفرة الذنوب وقضاء الحوائج فيستجيب له سبحانه ، وقد دلّت على ذلك ، الآثار الصحيحة التي نذكر منها ما يلي :

١ ـ أخرج الترمذي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه أنّ رسول الله سمع رجلاً يقول : اللهمّ إنّي أسألك بأنّي أشهد أنّك أنت الله لا إله إلّا أنت ، الأحد ، الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد ، فقال النبي : «لقد سألتَ الله باسمه الأعظم الذي إذا دُعيَ به أجاب ، وإذا سُئل به أعطى» (١).

والحديث تضمّن بيان الوسيلة ، والتوسّل بالأسماء ، وإن لم يأت فيه الغرض الذي لأجله سأل الله تعالى بأسمائه.

٢ ـ عن أبي هريرة قال : جاءت فاطمة إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله تسأله خادماً ، فقال لها : «قولي : اللهمّ ربّ السماوات السبع ، وربّ العرش العظيم ، ربّنا وربّ كل شيء ومنزل التوراة والإنجيل والقرآن ، فالق الحبّ والنوى ، أعوذ بك من شرّ كل شيء أنت آخذ بناصيته ، أنت الأوّل فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ، وأنت الباطن فليس دونك شيء ، اقض عني الدين وأغنني من الفقر» (٢).

٣ ـ وأخرج أحمد والترمذي عن أنس بن مالك ، أنّه كان مع رسول الله جالساً ورجل يصلّي ، ثمّ دعا : اللهم إنّي أسألك بأنّ لك الحمد لا إله إلّا أنت ، أنت المنّان بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حيّ يا قيّوم ، فقال النبي : «تدرون بم دعا الله؟ دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب ، وإذا سُئل به أعطى» (٣).

__________________

(١) الترمذي ، الصحيح ٥ : ٥١٥ برقم ٣٤٧٥ ، الباب ٦٥ من كتاب الدعوات.

(٢) الترمذي ، الصحيح ٥ : ٥١٨ برقم ٣٤٨١ ، الباب ٦٨ من كتاب الدعوات.

(٣) الترمذي ، الصحيح ٥ : ٥٤٩ ـ ٥٥٠ برقم ٣٥٤٤ ، الباب ١٠٠ من كتاب الدعوات.

٥٧٩

وفي روايات أئمة أهل البيت : نماذج من هذا النوع من التوسّل يقف عليها الذي يسبر رواياتهم وأحاديثهم.

٤ ـ فقد روى الإمام الرضا عليه‌السلام عن جدّه محمد الباقر عليه‌السلام أنّه كان يدعو الله تبارك وتعالى في شهر رمضان بدعاء جاء فيه : «اللهمّ إنّي أسألك بما أنت فيه من الشأن والجبروت ، وأسألك بكلّ شأن وحده وجبروت وحدها ، اللهم إنّي أسألك بما تجيبني به حين أسألك فأجبني يا الله» (١).

٥ ـ روى الشيخ الطوسي في مصباحه عن الإمامين الباقر والصادق عليهما‌السلام دعاءً باسم دعاء السمات مستهلّه :

«اللهمّ إنّي أسألك باسمك العظيم الأعظم ، الأعزّ الأجلّ الأكرم ، الذي إذا دُعيتَ به على مغالق أبواب السماء للفتح بالرحمة ، انفتحت ؛ وإذا دُعيتَ به على مضايق أبواب الأرض للفرج ، انفرجت ؛ وإذا دعيت به على العسير لليسر تيسّرت ...» (٢).

إنّ ثناء الله وتقديسه ووصفه بما وصف به في كتابه وسنّة نبيّه ، يوجد أرضية صالحة لاستجابة الدعاء ، ويكشف عن استحقاق الداعي لرحمته وعفوه وكرمه. وبما أنّ هذا القسم من التوسّل اتّفقت عليه الأُمّة سلفها وخلفها ولم يذكر فيه أيّ خلاف فلنقتصر فيه على هذا المقدار.

__________________

(١) إقبال الأعمال : ٣٤٨ ، ط ١٤١٦ ه‍.

(٢) مصباح المتهجد : ص ٣٧٤.

٥٨٠