في ظلال التّوحيد

الشيخ جعفر السبحاني

في ظلال التّوحيد

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: نشر مشعر
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-6293-82-4

الصفحات: ٧١٢

ويسنّ لمن قصد المدينة الشريفة (إلخ) ثمّ فصّل القول في آداب الزيارة وذكر التسليم على الشيخين وزيارة السيدة فاطمة وأهل البقيع والمزارات المشهورة ؛ وهي نحو ثلاثين موضعاً كما قال وما أحسن ما قيل :

هنيئاً لمن زار خير الورى

وحطّ عن النفسِ أوزارها

فإنّ السعادة مضمونةٌ

لمن حلّ طيبة أو زارها (١)

٤٣ ـ قال الشيخ عبد الباسط بن الشيخ علي الفاخوري مفتي بيروت :

الفصل الثاني عشر : في زيارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : وهي متأكّدة مطلوبة ومستحبّة محبوبة ، وتسنّ زيارته في المدينة كزيارته حيّاً وهو في حجرته حيّ يردّ على من سلّم عليه‌السلام ، وهي من أنجح المساعي وأهمّ القربات وأفضل الأعمال وأزكى العبادات ، وقد قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من زار قبري وجبت له شفاعتي». ومعنى «وجبت» ثبت بالوعد الصادق الّذي لا بدّ من وقوعه وحصوله ، وتحصل الزيارة في أيّ وقت وكونها بعد تمام الحج أحبّ ، يجب على من أراد الزيارة التوبة من كل شيء يخالف طريقه وسنته صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أن قال : ويستحب التبرّك بالاسطوانات الّتي لها فضل ، وشرف ؛ وهي ثمان : أُسطوانة محلّ صلاته صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأُسطوانة عائشة (رض) وتسمى أُسطوانة القرعة ، وأُسطوانة التوبة محلّ اعتكافه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأُسطوانة السرير ، وأُسطوانة عليّ رضى الله عنه وأُسطوانة الوفود ، وأُسطوانة جبرئيل عليه‌السلام ، وأُسطوانة التهجّد (٢).

٤٤ ـ قال الشيخ عبد المعطي السقّا في زيارة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله :

إذا أراد الحاجّ أو المعتمر الانصراف من مكّة ـ أدام الله تشريفها وتعظيمها ـ طلب منه أن يتوجّه إلى المدينة المنوّرة للفوز بزيارته عليه الصلاة والسلام ؛ فإنّها

__________________

(١) مصباح الظلام ٢ : ١٤٥ ، كما في الغدير ٥ : ١٢٣

(٢) الكفاية لذوي العناية : ص ١٢٥ ، كما في الغدير ٥ : ١٢٣.

٢٦١

من أعظم القربات وأفضل الطاعات وأنجح المساعي المشكورة ، ولا يختصّ طلب الزيارة بالحاجّ غير أنّها في حقّه آكد ، والأولى تقديم الزيارة على الحجّ إذا اتّسع الوقت فإنّه ربما يعوقه عنه عائق ... (١).

٤٥ ـ قال الشيخ محمد زاهد الكوثري :

والأحاديث في زيارته صلى‌الله‌عليه‌وآله في الغاية من الكثرة ، وقد جمع طرقها الحافظ صلاح الدين العلائي في جزء ، وعلى العمل بموجبها استمرت الأُمة إلى أن شذّ ابن تيمية عن جماعة المسلمين في ذلك ، قال علي القاري في شرح «الشفاء» : وقد أفرط ابن تيمية من الحنابلة ؛ حيث حرّم السفر لزيارة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كما أفرط غيره حيث قال : كون الزيارة قربة معلوم من الدين بالضرورة ، وجاحده محكوم عليه بالكفر ، ولعلّ الثاني أقرب إلى الصواب ؛ لأنّ تحريم ما أجمع العلماء فيه بالاستحباب يكون كفراً ؛ لأنّه فوق تحريم المباح المتّفق عليه (٢).

٤٦ ـ قال فقهاء المذاهب الأربعة المصريّون في (الفقه على المذاهب الأربعة) : زيارة قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل المندوبات ، وقد ورد فيها أحاديث. ثمّ ذكروا أحاديث ستّة ، وجملة من أدب السرائر وزيارة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وأُخرى للشيخين (٣).

٤٧ ـ قال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز إجابة عن الأسئلة حول زيارة المسجد النبوي : الزيارة للمسجد النبوي سنّة وليست واجبة ـ إلى أن قال ـ : وإذا زار المسجد النبويّ شرع له أن يصلّي في الروضة ركعتين ، ثمّ يسلّم على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى صاحبيه أبي بكر وعمر (رضي الله عنهما) ، كما يشرع له زيارة البقيع والشهداء بالسلام على المدفونين هناك من الصحابة وغيرهم ، والدعاء لهم

__________________

(١) الإرشادات السنية : ص ٢٦٠ ، كما في الغدير ٥ : ١٢٣.

(٢) تكملة السيف الصقيل : ص ١٥٦ ، ط دمشق.

(٣) الفقه على المذاهب الأربعة ١ : ٥٩٠.

٢٦٢

والترحّم عليهم ، كما كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يزورهم وكان يعلّم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا : السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون ، نسأل الله لنا ولكم العافية. وفي رواية عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه كان يقول إذا زار البقيع : «يرحم الله المستقدمين منّا والمستأخرين ، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد» ويشرع أيضاً لمن زار المسجد النبويّ أن يزور مسجد قباء ويصلّي فيه ركعتين ؛ لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يزوره كلّ سبت ، ويصلّي فيه ركعتين إلى آخر ما قال (١).

(وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (٢)

__________________

(١) جريدة الجزيرة المؤرخة : يوم الجمعة ٢٤ ذو القعدة ١٤١١ ، العدد ٦٨٢٦.

(٢) الأنعام : ١٥.

٢٦٣

المبحث الثالث

زيارة النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله في الكتاب والسنّة

زيارة النبيّ الأكرم في القرآن الكريم

أمر القرآن الكريم المسلمين بالحضور عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ليستغفر لهم الله ؛ لأنّ دعاءه يستجاب فيهم ، قال عزوجل : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً) (١).

قال الإمام السبكي : «دلّت الآية على الحث على المجيء إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله والاستغفار عنده واستغفاره لهم ، وذلك وإن كان ورد في حال الحياة ؛ فهي رتبة له لا تنقطع بموته تعظيماً له» (٢).

ثمّ إنّه بسط الكلام في دلالة الآية على شمولية المجيء إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد موته ، فمن أراد فليرجع إليه ، غير أنّا نستدلّ بالآية بوجه آخر ونقول :

لو كانت هذه الآية هي الوحيدة في هذا المجال ، لذهبنا إلى القول بأنّها خاصّة

__________________

(١) النساء : ٦٤.

(٢) شفاء السقام : ص ٨١.

٢٦٤

بحياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومدة وجوده بين الناس ، ولكنّنا نستخلص منها حكماً عامّاً شاملاً لا يختص بالحياة الدنيوية وذلك من خلال ما يلي :

أوّلاً : أنّ القرآن الكريم يصرّح بحياة الأنبياء والأولياء ـ وجماعات أُخرى ـ في البرزخ، ويعتبرهم مبصرين وسامعين في ذلك العالم.

ثانياً : أنّ الأحاديث الشريفة تصرّح بأنّ الملائكة تبلّغ خاتمَ الأنبياءصلى‌الله‌عليه‌وآله سلامَ من يسلّم عليه ، فقد جاء في الصحاح : «ما من أحد يسلّم عليَّ إلّا ردّ الله عليَّ روحي حتّى أردَّ عليه‌السلام» (١).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «صلّوا عليّ ؛ فإنّ صلاتكم تبلغني حيثما كنتم» (٢).

ثالثاً : إنّ المسلمين ـ منذ ذلك اليوم ـ فهموا من هذه الآية معنى مطلقاً لا ينتهي بموت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى أنّ بعض الأعراب ـ بوحي من أذهانهم الخالصة من كلّ شائبة ـ كانوا يقصدون قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ويزورونه ويتلون هذه الآية عند قبره المطهّر ويطلبون منه الاستغفار لهم.

وقد ذكر تقيّ الدين السبكي في كتاب «شفاء السقام» والسمهودي في كتاب «وفاء الوفا» نماذج من زيارة المسلمين لقبر رسول الله ، وتلاوة هذه الآية عند قبره الشريف ، وفيما يلي نذكر بعض تلك النماذج :

روى سفيان بن عنبر عن العتبي ـ وكلاهما من مشايخ الشافعي وأساتذته ـ أنّه قال : كنت جالساً عند قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فجاء أعرابيّ فقال :

«السلام عليك يا رسول الله ، سمعت الله يقول : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً) (٣) وقد

__________________

(١) سنن أبي داود ١ : ٤٧٠ و ٤٧١ ، كتاب الحج ، باب زيارة القبور.

(٢) التاج الجامع للأُصول في أحاديث الرسول ٢ : ١٨٩.

(٣) النساء : ٦٤.

٢٦٥

جئتك مستغفراً من ذنبي ، مستشفعاً بك إلى ربّي». ثمّ بكى وأنشأ يقول :

يا خيرَ من دُفنت بالقاع أعظمُهُ

فطاب من طيبهنّ القاعُ والأكمُ

نفسي الفداءُ لقبرٍ أنت ساكنُهُ

فيه العَفافُ وفيه الجودُ والكرمُ

ثمّ استغفر وانصرف (١).

ويروي أبو سعيد السمعاني عن الإمام عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام أنّ أعرابياً جاء بعد ثلاثة أيام من دفن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فرمى بنفسه على القبر الشريف وحثا من ترابه على رأسه وقال : يا رسول الله قلتَ فسمعنا قولك ، ووعيت عن الله ما وعينا عنك ، وكان فيما أنزله عليك : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ...) وقد ظلمت نفسي وجئتك تستغفر لي إلى ربّي(٢).

إنّ كل هذا يدلّ على أنّ المنزلة الرفيعة الّتي منحها الله تعالى لحبيبه المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله كما صرّحت بها هذه الآية ليست خاصّة بحياته ، بل تؤكّد على أنّها ثابتة له بعد وفاته أيضاً.

وبصورة عامّة ... يَعتبر المسلمون كلّ الآيات النازلة في تعظيم رسول الله واحترامه ، عامّة لحياته وبعد مماته ، وليس هناك من يُخصِّصها بحياته صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وقد جاء في التاريخ : لمّا استُشهد الإمام الحسن بن عليّ عليهما‌السلام وجيء بجثمانه الطاهر إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله ظنّ بنو أُمية أنّ بني هاشم يريدون دفن الإمام بجوار قبر جدّه المصطفى ، فأثاروا الفتنة والضجّة للحيلولة دون ذلك ، فتلا الإمام الحسين عليه‌السلام قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ)(٣).

__________________

(١) وفاء الوفا ٤ : ١٣٦١ ؛ الدرر السنيّة : ص ٧٥ ط. دار جوامع الكلم.

(٢) ابن حجر ، الجوهر المنظم ، وذكره السمهودي في وفاء الوفا ٢ : ٦١٢ ، وزيني دحلان في الدرر السنية : ٢١.

(٣) الحجرات : ٢.

٢٦٦

ولم يردَّ عليه أحد ـ حتّى من الأُمويين ـ بأنّ هذه الآية خاصّة بحياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله.

واليوم نصب المسلمون هذه الآية على الجدار المقابل لقبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهم يقصدون بذلك المنع من رفع الأصوات هناك.

ومن هذا المنطلق يمكننا أن نستنتج من الآية معنىً واسعاً عامّاً ، وهو أنّ للمسلمين اليوم أن يَقِفوا أمام قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ويسألوه أن يستغفر اللهَ لهم. وليس لزيارة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله معنى سوى ما تضمّنته هذه الآية وأمثالها ؛ فإنّها تدلّ على موضوعين هما :

١ ـ إنّ للإنسان أن يقف عند قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد وفاته ويسأله أن يستغفر الله له.

٢ ـ إنّ هذه الآية تشهد على جواز زيارة قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأنّ حقيقة الزيارة لا تعني سوى «حضور الزائر عند المزور» فإذا كان الوقوف عند قبر النبيّ وسؤاله أن يستغفر الله له جائزاً فقد تحقّق أمران :

أ ـ سألناه أن يستغفر الله لنا.

ب ـ حضرنا عنده وتحدّثنا إليه ، والزيارة ليست إلّا هذا.

٢٦٧

زيارة النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله في السنّة النبوية

تضافرت السنّة على استحباب زيارة قبر النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث رواها أئمة المذاهب الأربعة وأصحاب السنن والمسانيد في كتبهم. ولمّا ظهرت بدعة التشكيك في زيارة النبيّ الأكرم قام الإمام تقي الدين السبكي (ت ٧٥٦ ه‍) بجمع ما رواه الحفّاظ في هذا المجال ، فبلغت خمسة عشر حديثاً ، وقد صحّح كثيراً من أسانيدها بما كان له من اطّلاع واسع في مجال رجال الحديث (١).

وممّن قام بنفس العمل الحافظ نور الدين علي بن أحمد السمهودي (ت ٩١١ ه‍) في كتابه «وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى» حيث أحصى سبعة عشر حديثاً غير ما ورد في ذلك المجال ، ولم يشتمل على لفظ «الزيارة» (٢).

وقد قام بنفس ما قام به الإمام السبكي من تصحيحٍ للاسناد وذِكر لمصادر الروايات على وجه بديع.

من جهة أُخرى قام الكاتب الإسلامي الشيخ محمد الفقي ، من علماء الأزهر الشريف ، بجمع ما ورد في زيارة النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله من غير تحقيق للاسناد بل مجرد النقل فبلغ اثنين وعشرين حديثاً (٣).

وبذل المجاهد الكبير الشيخ الأميني جهداً كبيراً في العثور على مظانّ الروايات في كتب الحديث والتفسير والتاريخ ، وربما نقل بعض الأحاديث ، كالحديث الأوّل ، عن واحد وأربعين مصدراً.

والأحاديث التي سنسردها على صفحات هذه الرسالة بلغت من الكثرة ما

__________________

(١) شفاء السقام في زيارة خير الأنام ، الباب الأول : ص ٥ ـ ٣٩ وفي طبعة أُخرى : ص ٦٥ ـ ١١٥.

(٢) وفاء الوفا ٤ : ١٣٣٦ ـ ١٣٤٨ ، الباب الثاني.

(٣) التوسل والزيارة في الشريعة الإسلامية : ٤٨ ـ ٥٠.

٢٦٨

يغنينا عن التحقيق في أسانيدها ورواتها ؛ حيث سجّلها الحفّاظ في كتبهم وصحاحهم ، وهي بمجموعها كافية للحكم باستحبابها ، ولأجل ذلك سنكتفي بذكر متون الأحاديث مجرّدة عن الأسناد وما دار حول رواتها من كلام للرجاليين ، تاركين كلّ ذلك إلى كتاب شفاء السقام للإمام السبكي ، وسنذكر بعض المصادر لكلّ حديث دون الاستيعاب لجميعها.

الحديث الأوّل : روى الدارقطني في سننه بسنده إلى ابن عمر قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من زار قبري وجبت له شفاعتي» (١).

ورواه البيهقي أيضاً في سننه (٢) ، وأبو الحسن الماوردي : في الأحكام السلطانية (٣).

إلى غير ذلك من الحفّاظ الّذين نقلوه في كتبهم (٤).

الحديث الثاني : روى الطبراني في المعجم الكبير (٥) ، والغزالي في إحياء العلوم (٦) ، عن عبد الله بن عمر مرفوعاً عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من جاءني زائراً لا تَحمِلُه حاجة إلّا زيارتي كان حقّاً عليّ أن أكون له شفيعاً يوم القيامة».

الحديث الثالث : أخرج الدارقطني عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من حجَّ فزار قبري بعد وفاتي ، فكأنّما زارني في حياتي» (٧).

__________________

(١) الدار قطني ، السنن ٢ : ٢٧٨ ، باب المواقيت ، الحديث ١٩٤ ، ط دار المحاسن ، القاهرة.

(٢) البيهقي ، السنن ٥ : ٢٤٥.

(٣) الأحكام السلطانية : ص ١٠٥.

(٤) أخرجه العلّامة الأميني عن واحد وأربعين مصدراً حديثياً وفقهياً ، انظر : الغدير ٥ : ٩٣ ـ ٩٦.

(٥) المعجم الكبير.

(٦) إحياء العلوم ١ : ٣٠٦ ، وفيه «لا يهمّه إلّا زيارتي» مكان قوله : «لا تحمله» ؛ وقد نقله الإمام السبكي ، في شفاء السقام : ص ١٦ ؛ والسمهودي ، في وفاء الوفا ٤ : ١٣٤٠ ؛ ونقله العلّامة الأميني عن ستة عشر مصدراً حديثياً وفقهياً في الغدير ٥ : ٩٧ و ٩٨.

(٧) الدار قطني ، السنن ٢ : ٢٧٨ ، باب المواقيت ، الحديث ١٩٢.

٢٦٩

وأخرجه الحافظ أبو بكر البيهقي في سننه (١) ورواه الإمام السبكي في شفاء السقام (٢) والسمهودي في وفاء الوفا (٣).

الحديث الرابع : أخرج الدار قطني عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من زارني بعد موتي ، فكأنّما زارني في حياتي ، ومن مات بأحد الحرمين بُعث من الآمنين يوم القيامة» (٤).

الحديث الخامس : أخرج البيهقي في سننه قال :

روى ابن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من زار قبري (أو من زارني) كنت له شفيعاً (أو شهيداً)» (٥).

الحديث السادس : أخرج الحافظ ابن عدي (ت ٣٦٥ ه‍) في كتابه الكامل عن عبد الله بن عمر أنّه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من حجّ البيت ولم يزرني فقد جفاني»(٦).

الحديث السابع : روي عن أنس بن مالك أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «من زارني بالمدينة محتسباً كنت له شفيعاً وشهيداً» (٧).

__________________

(١) البيهقي ، السنن ٥ : ٢٤٦.

(٢) شفاء السقام : ص ٢١.

(٣) وفاء الوفا ٤ : ١٣٤٠ ، ورواه العلّامة الأميني عن خمسة وعشرين مصدراً في الغدير ٥ : ٩٨ ـ ١٠٠.

(٤) الدار قطني ، السنن ٢ : ٢٧٨ ، باب المواقيت ، الحديث ١٩٣ ـ ورواه الإمام السبكي في شفاء السقام : ص ٢٣٣ ، والسمهودي ، في وفاء الوفا ٤ : ١٣٤٤ ، ونقله العلّامة الأميني في الغدير ٥ : ١٠١ ، عن ثلاثة عشر مصدراً حديثياً.

(٥) البيهقي ، السنن الكبرى ٥ : ٢٤٥ ، ورواه الإمام السبكي ، في شفاء السقام : ص ٢٩ ، والسمهودي في وفاء الوفا ٤ : ١٣٤٢. وقال : أخرجه الدار قطني في السنن.

(٦) شفاء السقام : ص ٢٧ ؛ ونقله السمهودي في وفاء الوفا ٤ : ١٣٤٢ وقد ذكر اسناد ابن عدي إلى ابن عمر ؛ ونقله العلّامة الأميني عن مصادر تسعة في الغدير ٥ : ١٠٠.

(٧) رواه الإمام السبكي في شفاء السقام بسنده إلى أنس بن مالك : ص ٣٥ ، كما رواه السمهودي في وفاء الوفا عن ابن أبي الدنيا بسنده إلى أنس ٤ : ١٣٤٥ ، ورواه العلامة الأميني عن واحد وعشرين مصدراً ، الغدير ٥ : ١٠٢ و ١٠٣.

٢٧٠

الحديث الثامن : روى أنس بن مالك أنّه قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من زارني ميتاً فكأنّما زارني حيّاً ، ومن زار قبري وجبت له شفاعتي يوم القيامة ، وما من أحد من أُمّتي له سعة ثمّ لم يزرني ، فليس له عذر» (١).

الحديث التاسع : روى علقمة ، عن عبد الله بن عمر رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من حجّ حجّة الإسلام وزار قبري وغزا غزوة وصلّى عليَّ في بيت المقدس لم يسأله الله عزوجل فيما افترض عليه» (٢).

الحديث العاشر : أخرج الفردوس في مسنده عن ابن عبّاس أنّه قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من حجّ إلى مكّة ثمّ قصدني في مسجدي كُتِبَت له حجّتان مبرورتان» (٣).

واكتفينا بهذا العدد من الروايات ومن أراد التفصيل فعليه الرجوع إلى المصادر.

* * *

تجريد المتون عن الأسانيد

وبما أنّ الشيخ محمداً الفقي قد جمع متون الروايات بشكل موجز نذكر ما جمعه وإن مضى ذكر قسم منها ، ويستحبّ زيارة قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لما روى الدار قطني باسناده عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من حجّ فزار قبري بعد وفاتي فكأنّما زارني في حياتي» وفي رواية : «من زار قبري وجبت له شفاعتي» رواه

__________________

(١) شفاء السقام : ص ٣٧ ؛ وأخرجه السمهودي عن كتاب ابن النجّار في أخبار المدينة بسنده عن أنس ٤ : ١٣٤٥ ؛ ونقله العلّامة الأميني عن مصادر ستة في الغدير ٥ : ١٠٤.

(٢) شفاء السقام : ٣٠٣ ، عن كتاب الفوائد لأبي الفتح الأزدي ؛ وأخرجه السمهودي ، في وفاء الوفا ٤ : ١٣٤٤ ؛ والعلامة الأميني في غديره ٥ : ١٠٢ عن مصادر خمسة.

(٣) وفاء الوفا ٤ : ١٣٤٧ ؛ ورواه الشوكاني في نيل الأوطار ٤ : ٣٢٦.

٢٧١

باللفظ الأوّل سعيد ، حدثنا حفص بن سليمان ، عن ليث ، عن مجاهد ، عن ابن عمر. وقال أحمد في رواية عبد الله بن يزيد بن قسيط عن أبي هريرة : إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «ما من أحد يسلّم عليَّ عند قبري إلّا ردّ اللهُ عليَّ روحي حتّى أردَّ عليه‌السلام» رواه أبو داود بدون زيادة «عند قبري».

فإقراره للزيارة وتقريره لها اعتراف بالغ الأهمية باستحبابها وروعة الترغيب فيها ، وانتصار للحقّ ووقوف بجانبه ، ولا يمكن أن يوصف ذلك الإمام بالتحيّز ، ولا ينبغي أن يرمى بضعف التقدير ، إذ إنّ إقراره ذلك يتّفق تماماً مع هدى الدين والرسائل السماوية والأحاديث النبوية المتعدّدة الطرق المختلفة الأسانيد ، والّتي ندعها وحدها تتكلّم عن مدى تقدير الزيارة وعظم اهتمام الشارع بها ، وما تتجلّى عنه من مزايا واسعة الآفاق كبيرة النوال :

١ ـ عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من زار قبري وجبت له شفاعتي» رواه ابن خزيمة في صحيحه.

٢ ـ وعن أنس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من زارني في قبري حلّت له شفاعتي يوم القيامة» رواه ابن أبي الدنيا.

٣ ـ وعن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من زار قبري حلّت له شفاعتي يوم القيامة» رواه الدار قطني.

٤ ـ وعن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من زارني في مماتي كان كمن زارني في حياتي» رواه العقيلي.

٥ ـ وعن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من زارني بالمدينة بعد موتي كنت له شفيعاً يوم القيامة» رواه أبو داود الطيالسي.

٦ ـ وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من زارني بعد موتي فكأنّما زارني وأنا حيّ» رواه الحافظ سعيد بن محمد.

٢٧٢

٧ ـ وعن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من زارني حتّى ينتهي إلى قبري كنت له يوم القيامة شهيداً أو شفيعاً» رواه العقيلي.

٨ ـ وعن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من جاءني زائراً لا تعلم له حاجة إلّا زيارتي كان حقّاً عليّ أن أكون له شفيعاً» رواه الدارقطني.

٩ ـ وعن بكر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من أتى المدينة زائراً إليَّ وجبت له شفاعتي يوم القيامة» رواه يحيى بن حسين.

١٠ ـ وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من زارني كنت له شهيداً وشفيعاً يوم القيامة» رواه ابن مردويه.

١١ ـ وعن أنس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من زارني بالمدينة محتسباً كنت له شهيداً وشفيعاً يوم القيامة» رواه أبو عوانة.

١٢ ـ وعن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من زارني بعد وفاتي فكأنّما زارني في حياتي» رواه ابن عدي.

١٣ ـ وعن أنس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من زار قبري وجبت له شفاعتي» رواه ابن النجّار.

١٤ ـ وعن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من جاءني زائراً لا تعمده حاجة إلّا زيارتي كان حقّاً عليَّ أن أكون له شفيعاً أو شهيداً يوم القيامة» رواه الطبراني.

١٥ ـ وعن ابن عباس عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من حجّ إلى مكّة ثمّ قصدني في مسجدي كُتِبَت له حجّتان مبرورتان» رواه الديلمي في مسند الفردوس.

١٦ ـ وعن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من جاءني زائراً لا يهمّه إلّا زيارتي كان حقّاً على الله أن أكون له شفيعاً يوم القيامة» رواه الطبراني وصحّحه ابن السكن.

٢٧٣

١٧ ـ وعن أنس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ما من أحد من أُمّتي له سعة ثمّ لم يزرني فليس له عذر» رواه ابن النجار.

١٨ ـ وعن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من وجد سعة ولم يفد إليّ فقد جفاني» رواه ابن حبّان.

١٩ ـ وعن أنس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا عذر لمن كان له سعة من أُمّتي أن لا يزورني» رواه ابن عساكر.

٢٠ ـ وعن ابن عمر : «من حجّ وزار قبري بعد موتي كان كمن زارني في حياتي» رواه سعيد بن منصور.

٢١ ـ وعن أنس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من حجّ ولم يزر قبري فقد جفاني» رواه ابن عساكر.

٢٢ ـ وعن ابن عمر : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني» رواه ابن عديّ بسند حسن (١).

زيارة النبيّ الأكرم في حديث العترة

تضافر الحديث عن العترة الطاهرة حول زيارة قبر النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله نقتبس منه ما يلي:

١ ـ روى الحميري (ت ٢٩٩ ه‍) عن هارون ، عن ابن صدقة عن الصادق عن أبيه الباقر عليهما‌السلام أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «من زارني حيّاً وميّتاً ، كنت له شفيعاً يوم القيامة»(٢).

__________________

(١) التوسل والزيارة في الشريعة الإسلامية : ص ٤٨ و ٤٩.

(٢) قرب الاسناد : ٣١ ، البحار ٩٧ : ١٣٩.

٢٧٤

٢ ـ روى الصدوق (٣٠٦ ـ ٣٨١ ه‍) بسنده عن الإمام عليّ (صلوات الله عليه) : «أتمّوا برسول الله حجّكم إذا خرجتم إلى بيت الله ؛ فإنّ تركه جفاء وبذلك أُمرتم ، وأتمّوا بالقبور الّتي ألزمكم الله زيارتها وحقّها» (١).

٣ ـ روى الصدوق بسنده عن الامام الرضا عليه‌السلام أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «من زارني في حياتي وبعد موتي فقد زار الله تعالى ...» (٢).

٤ ـ روى الصدوق عن إبراهيم بن أبي حجر الأسلمي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من أتى مكّة حاجّاً ولم يزرني إلى المدينة جفوته يوم القيامة ، ومن جاءني زائراً وجبت له شفاعتي ، ومن وجبت له شفاعتي وجبت له الجنّة» (٣).

٥ ـ روى ابن قولويه (ت ٣٦٩ ه‍) عن أبي حجر الأسلمي قال : قال رسول الله (وذكر مثل ما سبق وزاد في آخره) «ومن مات في أحد الحرمين ـ مكّة أو المدينة ـ لم يعرض إلى الحساب ومات مهاجراً إلى الله وحشر يوم القيامة مع أصحاب بدر» (٤).

٦ ـ روى الصدوق بسنده عن المعلى بن شهاب عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : قال الحسن بن عليّ عليه‌السلام لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أبتاه ما جزاء من زارك؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا بني : من زارني حيّاً أو ميّتاً أو زار أباك أو أخاك أو زارك كان حقّاً عليَّ أن أزوره يوم القيامة فأُخلِّصه من ذنوبه (٥).

٧ ـ روى ابن قولويه بسنده عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : «قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

__________________

(١) الخصال ٢ : ٤٠٦ ؛ البحار ٩٧ : ١٣٩.

(٢) عيون أخبار الرضا ١ : ١١٥ ؛ البحار ٩٧ : ١٤٠.

(٣) علل الشرائع : ٤٦٠ ؛ البحار ٩٧ : ١٤٠.

(٤) كامل الزيارات : ص ٤٦٠ ؛ البحار ٩٧ : ١٤٠.

(٥) علل الشرائع : ص ٤٦٠ ؛ البحار ٩٧ : ١٤٠.

٢٧٥

«من أتاني زائراً كنت شفيعه يوم القيامة» (١).

٨ ـ روى ابن قولويه عن ابن أبي نجران قال : قلت لأبي جعفر الثاني (الإمام الجوادعليه‌السلام) : جعلت فداك ، ما لمن زار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله متعمّداً؟ قال : «له الجنّة»(٢).

٩ ـ روى ابن قولويه باسناده عن عبد الله بن الحسن ، عن أبيه ، عن عليّ بن أبي طالب قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من زارني بعد وفاتي كان كمن زارني في حياتي وكنت له شهيداً أو شافعاً يوم القيامة» (٣).

١٠ ـ روى ابن قولويه بسنده عن علي بن الحسين عليه‌السلام قال : «قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من زار قبري بعد موتي كان كمن هاجر إليَّ في حياتي ، فإن لم تستطيعوا فابعثوا إليَّ بالسلام فإنّه يبلغني» (٤).

نكتفي بهذا القدر من الروايات ، وبهذا يتضح اتفاق الفريقين على استحباب زيارة قبر النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد بلغ الاتفاق إلى حدّ نرى وحدة المضمون بل التعبير في رواياتهم ، وهناك روايات أُخرى عن العترة الطاهرة لم نذكرها روماً للاختصار.

ومن تجرّد عن الرأي المسبق أو التشكيك الذي أثاره بعض الناس ، ونظر إلى كلمات أعلام المذاهب وروايات الفريقين يحصل له القطع واليقين على أنّ استحباب زيارتهصلى‌الله‌عليه‌وآله من الأُمور الواضحة في الشريعة الإسلامية الغرّاء ، وأنّ التشكيك فيها تشكيك في الأُمور المسلَّمة والمتَّفق عليها.

__________________

(١) كامل الزيارات : ص ١٢ ؛ البحار ٩٧ : ١٤٢.

(٢) المصدر نفسه ؛ البحار ٩٧ : ١٤٣.

(٣) المصدر نفسه : ١٣ ؛ البحار ٩٧ : ١٤٣.

(٤) المصدر نفسه : ١٤ ؛ البحار ٩٧ : ١٤٤.

٢٧٦

المبحث الرابع

شدّ الرحال إلى زيارة النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله

إذا كانت زيارة النبيّ الأكرم أمراً مطلوباً وعملاً مستحبّاً كما دلّت عليه الروايات المتضافرة والسيرة القطعية ، يكون شدّ الرحال الّذي هو بمنزلة المقدمة أمراً مستحبّاً ، بناءً على الملازمة بين استحباب الشيء واستحباب مقدّمته ، كما عليه أكثر الأُصوليين ، وهذا له نظائر في الشريعة الإسلامية تحكي أنّ وسيلة القربة ، قربة قال سبحانه : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ) (١) فهذا الإنسان مأجور بخروجه هذا وإن كان مقدمة لأمر مطلوب آخر.

يقول سبحانه في حقّ المجاهدين : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ* وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٢).

__________________

(١) النساء : ١٠٠.

(٢) التوبة : ١٢٠ ـ ١٢١.

٢٧٧

وهذه الأُمور الّتي كتب الله لهم بها أجراً ، وسيلة للجهاد ، ومقدمة للقتال ، وهذا يكشف عن التلازم بين الاستحبابين ، أو الثوابين.

نعم ، ذهب بعض الأُصوليين إلى عدم الملازمة ، ولكنّهم متّفقون على لزوم كون المقدمة مباحة لا محرّمة ؛ لاستلزامه التناقض في التشريع ؛ حيث لا يعقل البعث إلى أمر ، مع المنع عمّا يوصل المكلّف إليه ، وعلى كلّ تقدير لا يصحّ تحريم السفر مع افتراض كون الزيارة أمراً راجحاً ، وفعلاً مستحبّاً ، فلا محيص عن القول باستحبابه ، أو إباحته. ولا تجتمع حرمة المقدمة مع استحباب ذيها.

نعم ، هنا فرق بين زيارة قبر النبيّ ، وزيارة قبور المسلمين ؛ فإنّ الأوّل مستحبّ بالخصوص ، بخلاف الآخرين ؛ فإنّها مسنونة على وجه العموم ؛ فلو زار إنسان قبر أبيه أو أخيه ، فإنّما يزورهما بما أنّ زيارتهما داخلة تحت عموم قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «فزوروا القبور ؛ فإنّ زيارتها تذكّركم الآخرة» ، وهذا بخلاف زيارة الرسول ، فإنّها ـ مضافاً إلى أنّها داخلة تحت العموم ـ مستحبّة في نفسها.

وقد جرت سيرة المسلمين من عصر الصحابة إلى يومنا هذا على شدِّ الرحال إلى زيارة النبيّ الأكرم وعدّوا زيارتها قربة ، والسفر إليها مثلها ، ولم ينكر أحد قربيّة الزيارة ولا جواز السفر إلّا ابن تيمية في أوائل القرن الثامن لشبهة طرأت له ، وسنتعرض لها في فصل مستقل.

ولأجل إيقاف القارئ على اتصال السيرة إلى عصر الصحابة نذكر بعض ما يدلّ عليه:

١ ـ روى ابن عساكر بإسناده عن أبي الدرداء قال : لمّا فرغ عمر بن الخطاب رضى الله عنه عن فتح بيت المقدس فصار إلى الجابية سأله بلال أن يقرَّه بالشام ففعل ذلك ـ إلى أن قال ـ : ثمّ إنّ بلالاً رأى في منامه رسول الله وهو يقول : ما هذه الجفوة يا بلال أما آن لك أن تزورني يا بلال ، فانتبه حزيناً وجلاً خائفاً ، فركب راحلته

٢٧٨

وقصد المدينة فأتى قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فجعل يبكي عنده ويمرّغ وجهه عليه ، فأقبل الحسن والحسين (رضي الله عنهما) فجعل يضُمّهما ويقبّلهما فقالا له : نشتهي أذانَك الّذي كنت تؤذِّن به لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في المسجد ففعل ، فعلا سطح المسجد فوقف موقفه الّذي كان يقف فيه فلمّا أن قال : الله أكبر ، الله أكبر ، ارتجّت المدينة ، فلمّا أن قال : أشهد أن لا إله إلّا الله ، ازدادت رجّتها ، فلمّا أن قال : أشهد أنّ محمداً رسول الله ، خرجت العواتق من خدورهنّ وقالوا : بُعِثَ رسول الله. فما رئي يوم أكثر باكياً ولا باكية بالمدينة بعد رسول الله من ذلك اليوم (١).

٢ ـ استفاض أنّ عمر بن عبد العزيز كان يبعث بالرسول قاصداً من الشام إلى المدينة ليقرئ النبيّ السلام ثمّ يرجع. قال ابن الجوزي : وكان عمر بن عبد العزيز يرد البريد من الشام يقول : سلّم لي على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٢).

وربّما كان يجتمع مع قصد الزيارة قصد أمر آخر. فكان يُشَدّ لغايتين.

٣ ـ روى يزيد بن أبي سعيد ، مولى المهري قال : قدمت على عمر بن عبد العزيز فلمّا ودّعته قال : إليك حاجة إذا أتيت المدينة سترى قبر النبيّ فاقرئه منّي السلام (٣).

٤ ـ روى أبو الليث السمرقندي الحنفي في الفتاوي في باب الحجّ : قال أبو القاسم : لمّا أردت الخروج إلى مكّة قال القاسم بن غسان : إنّ لي إليك حاجة ، إذا أتيت قبر النبي فاقرئه منّي السلام ، فلمّا وضعت رحلي في مسجد المدينة ذكرت.

قال الفقيه : فيه دليل إن لم يقدر على الخروج يأمر غيره ليسلّم عنه ؛ فإنّه ينال

__________________

(١) مختصر تاريخ دمشق ٥ : ٢٦٥ ؛ تهذيب الكمال ٤ : ٢٨٩.

(٢) مثير العَزْم الساكن إلى أشرف الأماكن ٢ : ٢٩٧ ، تحقيق مرزوق علي إبراهيم ط. دار الراية ـ الرياض ١٤١٥ ه‍.

(٣) شفاء السقام : ص ٥٦.

٢٧٩

فضيلة السلام (١).

٥ ـ روى الواقدي في فتوح الشام : كان أبو عبيدة منازلاً بيت المقدس ، فأرسل كتاباً إلى عمر مع ميسرة بن مسروق رضى الله عنه يستدعيه الحضور ، فلمّا قدم ميسرة مدينة رسول الله دخلها ليلاً ودخل المسجد وسلّم على قبر رسول الله وعلى قبر أبي بكر رضى الله عنه ... ثمّ إنّ عمر لمّا صالح أهل بيت المقدس وقدم عليه كعب الأحبار وأسلم وفرح عمر بإسلامه قال عمر رضى الله عنه له : هل لك أن تسير معي إلى المدينة وتزور قبر النبيّ وتتمتّع بزيارته ، فقال لعمر : يا أمير المؤمنين أنا أفعل ذلك ، ولمّا قدم عمر المدينة ، أول ما بدأ بالمسجد وسلّم على رسول الله (٢).

٦ ـ قال ابن بطّة العكبري الحنبلي (ت ٣٨٧ ه‍) في كتاب الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية : إنّ كل عالم من علماء المسلمين وفقيه من فقهائهم ألَّف كتاباً في المناسك ففصّله فصولاً وجعله أبواباً ، يذكر في كلّ باب فقهه ، ولكلّ فصل عمله وما يحتاج إليه الحاج إلى عمله والعمل به قولاً وفعلاً من الإحرام والطواف والسعي والوقوف ، والنحر ، والحلق ، والرمي ، وجميع ما لا يسع الحاجّ جهله ، ولا غنى بهم عن عمله ، حتّى زيارة قبر النبي فيصف ذلك فيقول : تأتي القبر فتستقبله وتجعل القبلة وراء ظهرك وتقول : السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة الله وبركاته ، حتى تصف السلام والدعاء ثمّ يقول : وتتقدّم على يمينك وتقول : السلام عليك يا أبا بكر وعمر ـ إلى أن قال ـ : ولقد أدركنا الناس ورأيناهم وبلغنا عمّن لم نره أنّ الرجل إذا أراد الحجّ فسلّم عليه أهله وصحابته قالوا : وتقرأ على النبيّ وأبي بكر وعمر منّا السلام ، فلا ينكر ذلك أحد ولا يخالفه (٣).

__________________

(١) شفاء السقام : ص ٥٦.

(٢) فتوح الشام ١ : ٢٤٤ ، ط. دار الجيل ، بيروت.

(٣) الإبانة عن شريعة الفرق الناجية ، كما في شفاء السقام : ص ٦٠.

٢٨٠