في ظلال التّوحيد

الشيخ جعفر السبحاني

في ظلال التّوحيد

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: نشر مشعر
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-6293-82-4

الصفحات: ٧١٢

ثور ، فما توارت بيدك من شعرة فانّك تعيش بها سنة (١).

وأخرجه ابن جرير الطبري في تأريخه ، وقال : «إنّ ملك الموت يأتي الناس عيوناً حتى أتى موسى فلطمه ففقأ عينه ـ إلى أن قال : ـ فجاء بعد ذلك إلى الناس خفية» (٢).

والحديث غنيّ عن التعليق ولا يوافق الكتاب ولا سنّة الأنبياء ولا العقل السليم من جهات هي :

١ ـ انّه سبحانه يقول : (إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) (٣) فظاهر قوله : «أجب ربك» انّه كان ممّن كتب عليه الموت وجاء أجله ومع ذلك تأخّر.

٢ ـ من درس حياة الأنبياء بشكل عام يقف على أنّهم عليهم‌السلام ما كانوا يكرهون الموت كراهة الجاهلين ، وهل كانت الدنيا عند الكليم أعزّ من الآخرة ، وهل كانت تخفى عليه نعمها ودرجاتها؟!

٣ ـ ما ذنب ملك الموت؟ إنْ هو إلّا رسول من الله مجنّد له ، يعمل بإمرته ، فهل كان يستحق مثل هذا الضرب؟!

٤ ـ كيف تُرِك القصاص عن موسى مع أنّه سبحانه يقول : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ)(٤).

__________________

(١) مسلم ، الصحيح ، ج ٧ ، كتاب الفضائل في باب فضائل موسى ؛ البخاري ، الصحيح ٤ : ١٥٧ ، كتاب بدء الخلق ، باب وفاة موسى.

(٢) الطبري ، التاريخ ١ : ٣٠٥ ، باب وفاة موسى.

(٣) يونس : ٤٩.

(٤) المائدة : ٤٥.

١٦١

٥ ـ وهل كان ملك الموت أضعف من موسى حتى غلب عليه وفقأ عينه ولم يتمكن من الدفاع ، ولم يزهق روحه مع كونه مأموراً به من ربه؟ أنا لا أدري ، وأظنّ أنّ القارئ في غنىً عن هذه التعليقات ، فانّ مضمون الحديث يصرّح بأعلى صوته أنّه مكذوب.

فتمحيص السنّة فريضة على المفكّرين لكي يقضوا بذلك على البدع التي ما انفكّت تتلاعب بالدين ، ولا يقوم بذلك إلّا من امتحن الله قلبه بالتقوى ولا تأخذه في الله لومة لائم ، وإن رماه المتطرّفون بأنواع التهم والأباطيل ، ولا غرو فإنّ المصلحين في جميع الأجيال كانوا أغراضاً لنبال الجهّال.

١٦٢

دراسة لأربع مسائل فقهيّة تدور بين البدعة والسنّة

مقدّمة

الحقيقةُ بنت البحث

إنّ الفقه الإسلامي عطاءٌ كبير ورثه الخلف عن السلف عبر جهود جبّارة ؛ بذلها علماءُ الأُمّة وفقهاؤُها المتقدّمون والمتأخّرون.

وقد رامَ هؤلاءِ العلماء والفقهاء الوصولَ إلى التشريع الحقيقي الّذي جاء به النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في الكتاب والسنّة ، فمنهم من أصاب ومنهم من أخطأ.

وهذا الجهد العظيم وإن خَلَّفَ تراثاً فقهيّاً وفكرياً عظيماً تعتزّ به الأُمّة ، إلّا أنّه انتهى إلى الخلاف في جملة من المسائل بعد الاتّفاق في أكثرها.

وحيث لم يكن حتميّاً أن تبقى المسائلُ الخلافية خلافيّةً إلى الأبد ؛ فمن الممكن أن يصل الفقهاءُ ـ لو بذلوا جهودهم في دراسة الخلافيّات بعيداً عن تقليد أيّ مذهبٍ من المذاهب ـ إلى وَحدة النظر ، واتّفاق الرأي فيها.

وقد أثبتت التجربةُ هذه الثمرةَ الحلوةَ ، ولأجل ذلك عمدنا إلى طرح مسائل

١٦٣

أربع اختلفت فيها مواقف الفقهاء وأنظار العلماء على بساط البحث المجدّد ، ورائدنا في هذه الدراسة : الكتاب والسنّة.

وها أنا ذا أُقدّم حصيلة جهودي هذه إلى فقهاء الأُمّة الّذين يهمّهم مصير الأُمّة ، وتشتاق نفوسهم إلى وحدتها وعزّتها.

١٦٤

المسألة الأُولى : القبض (١) بين البدعة والسنّة

إنّ قبض اليد اليسرى باليمنى ممّا اشتهر ندبه بين فقهاء أهل السنّة.

فقالت الحنفية : إنّ التكتّف مسنون وليس بواجب ، والأفضل للرجل أن يضع باطن كفّه اليمنى على ظاهر كفّه اليسرى تحت سُرّته ، وللمرأة أن تضع يديها على صدرها.

وقالت الشافعية : يُسنّ للرجل والمرأة ، والأفضل وضع باطن يمناه على ظهر يسراه تحت الصدر وفوق السرّة ممّا يلي الجانب الأيسر.

وقالت الحنابلة : إنّه سنّة ، والأفضل أن يضع باطن يمناه على ظاهر يسراه ، ويجعلها تحت السرّة.

وشذّت عنهم المالكية فقالوا : يُندَب إسدالُ اليدين في الصلاة الفرض ، وقالت به جماعة أيضاً قبلهم ، منهم : عبد الله بن الزبير ، وسعيد بن المسيب ، وسعيد بن جبير ، وعطاء ، وابن جريج ، والنخعي ، والحسن البصري ، وابن سيرين ، وجماعة من الفقهاء.

والمنقول عن الإمام الأوزاعي التخيير بين القبض والسدل (٢).

وأمّا الشيعة الإماميّة ، فالمشهور أنّه حرام ومبطل ، وشذّ منهم من قال بأنّه مكروه ، كالحلبي في الكافي (٣).

ومع أنّ غير المالكية من المذاهب الأربعة قد تصوّبوا وتصعّدوا في المسألة ،

__________________

(١) هو التكتّف ، والقبض اصطلاح أهل السنة وأمّا الشيعة فيطلقون عليه : التكفير بمعنى التستير ، الفقه على المذاهب الخمسة : ص ١١٠.

(٢) الفقه على المذاهب الخمسة : ١١٠ ؛ ولاحظ رسالة مختصرة في السدل للدكتور عبد الحميد : ص ٥.

(٣) جواهر الكلام ١١ : ١٥ ـ ١٦.

١٦٥

لكن ليس لهم دليل مقنع على جوازه في الصلاة ، فضلاً عن كونه مندوباً ، بل يمكن أن يقال : إنّ الدليل على خلافهم ، والروايات البيانية عن الفريقين الّتي تبيّن صلاة الرسول خالية عن القبض ، ولا يمكن للنبيّ الأكرم أن يترك المندوب طيلة حياته أو أكثرها ، وإليك نموذجين من هذه الروايات : أحدهما من طريق أهل السنّة ، والآخر من طريق الشيعة الإمامية ، وكلاهما يُبيّنان كيفية صلاة النبيّ ، وليست فيهما أيّة إشارة على القبض فضلاً عن كيفيته.

كيفيّة صلاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في روايات الفريقين

أ ـ حديث أبي حميد الساعدي :

روى حديث أبي حميد الساعدي غير واحد من المحدّثين ، ونحن نذكره بنصّ البيهقي ، قال : أخبرناه أبو علي عبد الله الحافظ :

فقال أبو حميد الساعدي : أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قالوا : لِمَ ، ما كنت أكثرنا له تبعاً ، ولا أقدمنا له صحبة؟! قال : بلى ، قالوا : فأعرض علينا ، فقال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتّى يحاذي بهما مَنْكَبيه ، ثمّ يكبّر حتّى يقرّ كلّ عضو منه في موضعه معتدلاً ، ثمّ يقرأ ، ثمّ يكبّر ويرفع يديه حتّى يحاذي بهما منكبيه ، ثمّ يركع ويضع راحتيه على ركبتيه ، ثمّ يعتدل ولا ينصب رأسه ولا يقنع ، ثمّ يرفع رأسه ، فيقول : سمع الله لمن حمده ، ثمّ يرفع يديه حتّى يحاذي بهما منكبيه ، حتّى يعود كلّ عظم منه إلى موضعه معتدلاً ، ثمّ يقول : الله أكبر ، ثمّ يهوي إلى الأرض فيجافي يديه عن جنبيه ، ثمّ يرفع رأسه ، فيثني رجله اليسرى ، فيقعد عليها ، ويفتح أصابع رجليه إذا سجد ، ثمّ يعود ، ثمّ يرفع فيقول : الله أكبر ، ثمّ يثني برجله ، فيقعد عليها معتدلاً حتّى يرجع أو يقرّ كلّ عظم موضعه معتدلاً ، ثمّ يصنع

١٦٦

في الركعة الأُخرى مثل ذلك ، ثمّ إذا قام من الركعتين كبّر ورفع يديه حتّى يحاذي بهما منكبيه كما فعل أو كبّر عند افتتاح صلاته ، ثمّ يصنع مثل ذلك في بقيّة صلاته ، حتّى إذا كان في السجدة الّتي فيها التسليم أخّر رجله اليسرى وقعد متورّكاً على شقّه الأيسر ، فقالوا جميعاً : صدق هكذا كان يصلّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

والّذي يوضّح صحّة الاحتجاج الأُمور التالية :

١ ـ تصديق أكابر الصحابة (٢) وبهذا العدد لأبي حميد يدلّ على قوّة الحديث ، وترجيحه على غيره من الأدلّة.

٢ ـ إنّه وصف الفرائض والسنن والمندوبات ولم يذكر القبض ، ولم ينكروا عليه ، أو يذكروا خلافه ، وكانوا حريصين على ذلك ، لأنّهم لم يسلّموا له أوّل الأمر أنّه أعلمهم بصلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل قالوا جميعاً : صدقت هكذا كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصلّي ، ومن البعيد جداً نسيانهم وهم عشرة ، وفي مجال المذاكرة.

٣ ـ الأصل في وضع اليدين هو الإرسال ؛ لأنّه الطبيعي فدلّ الحديث عليه.

٤ ـ لا يقال انّ هذا الحديث عامّ وقد خصّصته أحاديث القبض ؛ لأنّه وصف وعدّد جميع الفرائض والسنن والمندوبات وكامل هيئة الصلاة ، وهو في معرض التعليم والبيان ، والحذف فيه خيانة ، وهذا بعيد عنه وعنهم.

٥ ـ روى بعض من حضر من الصحابة أحاديث القبض ، فلم يعترض ، فدلّ على أنّ القبض منسوخ ، أو على أقل أحواله بأنّه جائز للاعتماد لمن طوّل في صلاته ، وليس من سنن الصلاة ، ولا من مندوباتها ، كما هو مذهب الليث بن سعد ، والأوزاعي ، ومالك(٣).

__________________

(١) البيهقي ، السنن ٢ : ٧٢ ـ ٧٣ ، ١٠١ ، ١٠٢ ؛ أبو داود ، السنن : ١ / ١٩٤ باب افتتاح الصلاة ، الحديث ٧٣٠ ـ ٧٣٦ ؛ الترمذي ، السنن ٢ : ٩٨ باب صفة الصلاة.

(٢) منهم أبو هريرة ، وسهل الساعدي ، وأبو أسيد الساعدي ، وأبو قتادة الحارث بن ربعي ، ومحمد بن مسلمة.

(٣) الدكتور عبد الحميد ، رسالة مختصرة في السدل : ص ١١.

١٦٧

هذا هو الحديث الّذي قام ببيان كيفية صلاة النبيّ ، وقد روي عن طريق أهل السنّة ، وقد عرفت وجه الدلالة ، وإليك ما رواه الشيعة الإمامية.

ب ـ حديث حمّاد بن عيسى :

روى حماد بن عيسى عن الإمام الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «ما أقبح بالرجل أن يأتي عليه ستون سنة أو سبعون سنة فما يقيم صلاة واحدة بحدودها تامّة!!» ، قال حمّاد : فأصابني في نفسي الذلّ ، فقلت : جعلت فداك فعلّمني الصلاة ، فقام أبو عبد الله مستقبل القبلة منتصباً فأرسل يديه جميعاً على فخذيه ، قد ضمّ أصابعه وقرّب بين قدميه حتّى كان بينهما ثلاثة أصابع مفرجات ، واستقبل بأصابع رجليه جميعاً لم يُحرفهما عن القبلة بخشوع واستكانة ، فقال : الله أكبر ، ثمّ قرأ الحمد بترتيل ، وقل هو الله أحد ، ثمّ صبر هنيئة بقدر ما تنفّس وهو قائم ، ثمّ قال : الله أكبر ، وهو قائم ، ثمّ ركع وملأ كفّيه من ركبتيه مفرجات ، وردّ ركبتيه إلى خلفه حتّى استوى ظهره ، حتّى لو صُبّ عليه قطرة ماء أو دهن لم تزل لاستواء ظهره وتردّد ركبتيه إلى خلفه ، ونصب عنقه ، وغمض عينيه ثمّ سبّح ثلاثاً بترتيل وقال : سبحان ربّي العظيم وبحمده ، ثمّ استوى قائماً ، فلمّا استمكن من القيام قال : سمع الله لمن حمده ، ثمّ كبّر وهو قائم ، ورفع يديه حيال وجهه ، وسجد ، ووضع يديه إلى الأرض قبل ركبتيه فقال : سبحان ربّي الأعلى وبحمده ثلاث مرّات ، ولم يضع شيئاً من بدنه على شيء منه ، وسجد على ثمانية أعظم : الجبهة ، والكفّين ، وعيني الركبتين ، وأنامل إبهامي الرجلين ، والأنف ، فهذه السبعة فرض ، ووضع الأنف على الأرض سنّة ، وهو الإرغام ، ثمّ رفع رأسه من السجود ، فلمّا استوى جالساً قال : الله أكبر ، ثمّ قعد على جانبه الأيسر ، ووضع ظاهر قدمه اليمنى على باطن قدمه اليسرى ، وقال : استغفر الله ربّي وأتوب إليه ، ثمّ كبّر وهو جالس وسجد الثانية وقال كما قال في

١٦٨

الأُولى ، ولم يستعن بشيء من بدنه على شيء منه في ركوع ولا سجود ، وكان مجنّحاً ، ولم يضع ذراعيه على الأرض ، فصلّى ركعتين على هذا.

ثمّ قال : «يا حمّاد هكذا صلّ ، ولا تلتفت ، ولا تعبث بيدك وأصابعك ، ولا تبزق عن يمينك ولا عن يسارك ولا بين يديك» (١).

ترى أنّ الروايتين بصدد بيان كيفية الصلاة المفروضة على الناس ، وليست فيهما أيّة إشارة إلى القبض بأقسامه المختلفة ، فلو كان سنّة لما تركه الإمام في بيانه ، وهو بعمله يجسّد لنا صلاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ لأنّه أخذها عن أبيه الإمام الباقر ، وهو عن أبيه عن آبائه ، عن أمير المؤمنين ، عن الرسول الأعظم ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ فيكون القبض بدعة ؛ لأنّه إدخال شيء في الشريعة وهو ليس منها.

ثمّ إنّ للقائل بالقبض أدلّة نأتي على دراستها :

أدلّة القبض عند أهل السنّة

إنّ مجموع ما يمكن الاستدلال به على أنّ القبض سنّة في الصلاة لا يعدو عن مرويات ثلاث :

١ ـ حديث سهل بن سعد. رواه البخاري.

٢ ـ حديث وائل بن حجر. رواه مسلم ونقله البيهقي بأسانيد ثلاثة.

٣ ـ حديث عبد الله بن مسعود. رواه البيهقي في سننه.

وإليك دراسة كلّ حديث :

__________________

(١) الوسائل الجزء ٤ ، الباب ١ من أبواب أفعال الصلاة ، الحديث ١ ، ولاحظ الباب ١٧ ، الحديث ١ و ٢.

١٦٩

أ ـ حديث سهل بن سعد

روى البخاري عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد ، قال : «كان الناس يُؤمرون أن يضع الرجلُ اليدَ اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة» قال أبو حازم : لا أعلمه إلّا يَنمي ذلك إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

قال إسماعيل (٢) : يُنمى ذلك ولم يقل يَنمي.

والرواية متكفّلة لبيان كيفية القبض إلّا أنّ الكلام في دلالتها بعد تسليم سندها. لكنها لا تدلّ عليه بوجهين :

أوّلاً : لو كان النبيّ الأكرم هو الآمر بالقبض فما معنى قوله : «كان الناس يؤمرون»؟ أوَما كان الصحيح عندئذٍ أن يقول : كان النبيّ يأمر؟ أوليس هذا دليلاً على أنّ الحكم نجم بعد ارتحال النبيّ الأكرم ؛ حيث إنّ الخلفاء وأُمراءهم كانوا يأمرون الناس بالقبض بتخيّل أنّه أقرب للخشوع؟ ولأجله عقد البخاري بعده باباً باسم «باب الخشوع». قال ابن حجر : الحكمة في هذه الهيئة أنّه صفة السائل الذليل ، وهو أمنع عن العبث ، وأقرب إلى الخشوع ، كان البخاري قد لاحظ ذلك وعقّبه بباب الخشوع.

وثانياً : إنّ في ذيل السند ما يؤيّد أنّه كان من عمل الآمرين ، لا الرسول الأكرم نفسه حيث قال : قال إسماعيل : «لا أعلمه إلّا يُنمى ذلك إلى النبي» بناءً على قراءة الفعل بصيغة المجهول.

ومعناه أنّه لا يعلم كونه أمراً مسنوناً في الصلاة ، غير أنّه يُعزى وينسب إلى النبيّ ، فيكون ما يرويه سهل بن سعد مرفوعاً.

__________________

(١) فتح الباري في شرح صحيح البخاري ٢ : ٢٢٤ ، باب وضع اليمنى على اليسرى. ورواه البيهقي في السنن الكبرى ٢ : ٢٨ ، باب وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة.

(٢) المراد : إسماعيل بن أبي أويس شيخ البخاري كما جزم به الحميدي. لاحظ فتح الباري ٥ : ٣٢٥.

١٧٠

قال ابن حجر : ومن اصطلاح أهل الحديث إذا قال الراوي يُنميه ، فمراده : يرفع ذلك إلى النبيّ (١).

هذا كلّه إذا قرأناه بصيغة المجهول ، وأمّا إذا قرأناه بصيغة المعلوم ، فمعناه أنّ سهلاً ينسب ذلك إلى النبيّ ، فعلى فرض صحّة القراءة وخروجه بذلك من الإرسال والرفع ، يكون قوله : «لا أعلمه إلّا ...» معرباً عن ضعف النسبة ، وأنّه سمعه عن رجل آخر ولم يسمّ.

ب ـ حديث وائل بن حجر :

وقد روي هذا الحديث بصور :

١ ـ روى مسلم ، عن وائل بن حُجر : انّه رأى النبيّ رفع يديه حين دخل في الصلاة كبّر ، ثمّ التحف بثوبه ، ثمّ وضع يده اليمنى على اليسرى ، فلمّا أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب ، ثمّ رفعهما ، ثمّ كبّر فركع ... (٢).

والاحتجاج بالحديث احتجاج بفعل النبيّ وهو متوقف على تمام دلالته على ذلك ؛ لأنّ ظاهر الحديث أنّ النبيّ جمع أطراف ثوبه فغطّى صدره به ، ووضع يده اليمنى على اليسرى ، أمّا هل فعل ذلك لكونه أمراً مسنوناً في الصلاة ، أو فعله لئلّا يسترخي الثوب بل يلصق بالبدن ليقي به نفسه من البرد؟ والفعل أمر مجهول العنوان ، لا يكون حجّة إلّا إذا علم أنّه فعل به لكونه مسنوناً. ثمّ إنّ النبيّ الأكرم صلّى مع المهاجرين والأنصار أزيد من عشر سنوات ، فلو كان ذلك ثابتاً من النبيّ

__________________

(١) فتح الباري ٥ : ٣٢٥. هامش رقم ١.

(٢) مسلم ، الصحيح ١ : ٣٨٢ ، الباب ٥ من كتاب الصلاة ، باب وضع يده اليمنى على اليسرى ، وفي سند الحديث «همام» ولو كان المقصود ، هو همام بن يحيى فقد قال ابن عمار فيه : كان يحيى القطّان لا يعبأ ب «همام» وقال عمر بن شيبة : حدّثنا عفان قال : كان يحيى بن سعيد يعترض على همام في كثير من حديثه. وقال أبو حاتم : ثقة في حفظه. لاحظ هدي الساري ١ : ٤٤٩.

١٧١

لكثر النقل وذاع ، ولما انحصر نقله بوائل بن حجر ، مع ما في نقله من الاحتمالين.

نعم روي بصورة أُخرى ليس فيه قوله : «ثمّ التحف بثوبه» وإليك صورته :

٢ ـ روى البيهقي بسنده عن موسى بن عمير : حدّثني علقمة بن وائل ، عن أبيه : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا قام في الصلاة قبض على شماله بيمينه ، ورأيت علقمة يفعله (١).

وبما أنّه إذا دار الأمر بين الزيادة والنقيصة فالثانية هي المتعيّنة ، فيلاحظ على الرواية بما لوحظ على الأُولى ، وهو أنّ وجه الفعل غير معلوم فيها. فلو كان النبيّ مقيماً على هذا العمل ، لاشتهر بين الناس ، مع أنّ قوله : «ورأيتُ علقمة يفعله» يعرب عن أنّ الراوي تعرّف على السنّة من طريقه.

٣ ـ رواه البيهقي أيضاً بسند آخر عن وائل بن حجر (٢) ويظهر الإشكال فيه بنفس ما ذكرناه في السابق.

ج ـ حديث عبد الله بن مسعود :

روى البيهقي مسنداً عن ابن مسعود رضى الله عنه انّه كان يصلّي فوضع يده اليسرى على اليمنى ، فرآه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فوضع يده اليمنى على اليسرى (٣).

يلاحظ عليه ـ مضافاً إلى أنّه من البعيد أن لا يعرف مثل عبد الله بن مسعود ذلك الصحابي الجليل ما هو المسنون في الصلاة مع أنّه من السابقين في الإسلام : أنّ

__________________

(١) سنن البيهقي ٢ : ٢٨ ، وفي سند الحديث عبد الله بن جعفر ، فلو كان هو ابن نجيح قال ابن معين : ليس بشيء ، وقال النسائي : متروك ، وكان وكيع إذا أتى على حديثه جزّ عليه ، متّفق على ضعفه. لاحظ دلائل الصدق للشيخ محمد حسن المظفر ١ : ٨٧.

(٢) المصدر نفسه وفي سنده عبد الله بن رجاء. قال عمرو بن علي الفلاس : كان كثير الخلط والتصحيف ، ليس بحجّة. لاحظ هدى الساري ١ : ٤٣٧.

(٣) سنن البيهقي ٢ : ٢٨ ، باب وضع اليد اليمنى على اليسرى.

١٧٢

في السند هشيم بن بشير ؛ وهو مشهور بالتدليس (١).

ولأجل ذلك نرى أنّ أئمة أهل البيت كانوا يتحرّزون عنه ، ويرونه أنّه من صنع المجوس أمام الملك.

روى محمد بن مسلم عن الصادق أو الباقر عليهما‌السلام قال : قلت له : الرجل يضع يده في الصلاة ـ وحكى ـ اليمنى على اليسرى؟ فقال : «ذلك التكفير ، لا يُفعل».

وروى زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام أنّه قال : «وعليك بالإقبال على صلاتك ، ولا تكفّر ؛ فإنّما يصنع ذلك المجوس».

وروى الصدوق باسناده عن عليّ عليه‌السلام أنّه قال : وعليك بالإقبال على صلاتك ، ولا تكفّر فإنّما يصنع ذلك المجوس.

وروى الصدوق باسناده عن عليّ عليه‌السلام أنّه قال : «لا يجمع المسلم يديه في صلاته وهو قائم بين يدي الله عزوجل يتشبّه بأهل الكفر ـ يعني المجوس ـ» (٢).

وفي الختام نلفت نظر القارئ إلى كلمة صدرت من الدكتور علي السالوس : فهو بعد ما نقل آراء فقهاء الفريقين ، وصف القائلين بالتحريم والإبطال بقوله : «واولئك الذين ذهبوا إلى التحريم والإبطال ، أو التحريم فقط ، يمثّلون التعصّب المذهبي وحبّ الخلاف ، تفريقاً بين المسلمين» (٣).

ما ذنب الشيعة إذا هداهم الاجتهاد والفحص في الكتاب والسنّة إلى أنّ القبض أمر حدث بعد النبي الأكرم ، وكان النّاس يؤمرون بذلك أيام الخلفاء ، فمن زعم أنّه جزء من الصلاة فرضاً أو استحباباً ، فقد أحدث في الدين ما ليس منه ، أفهل جزاء من اجتهد أن يُرمى بالتعصّب المذهبي وحبّ الخلاف؟!

__________________

(١) هدى الساري ١ : ٤٤٩.

(٢) الوسائل ٤ : الباب ١٥ من أبواب قواطع الصلاة ، الحديث ١ و ٢ و ٧.

(٣) فقه الشيعة الإمامية ومواضع الخلاف بينه وبين المذاهب الأربعة : ١٨٣.

١٧٣

ولو صحّ ذلك ، فهل يمكن توصيف الإمام مالك به؟ لأنّه كان يكره القبض مطلقاً ، أو في الفرض ، أَفهل يصحّ رمي إمام دار الهجرة بأنّه كان يحبّ الخلاف؟

أجل ، لما ذا يا ترى لا يكون عدم الإرسال ممثلاً للتعصب المذهبي وحبّ الخلاف بين المسلمين؟!

١٧٤

المسألة الثانية : صلاة الضحى

صلاة الضحى من النوافل الرواتب المشهورة في كتب الفقه والحديث لأهل السنّة وإن كانت مجهولة ومتروكة عند الكثير من عامّتهم.

ويمكننا في هذه العجالة أن نلقي نظرة خاطفة على ما يتعلّق بصلاة الضحى من قبيل : حكمها وأقوال الفقهاء حولها ، ووقتها ، وعدد ركعاتها ، وأدلّتهم على مشروعيّتها ، ونظر فقهاء الشيعة حولها.

ما هو حكمها؟

صلاة الضحى على المشهور عندهم سنّة ، كما عليه الحنابلة والحنفية والشافعية.

وفي مقابل المشهور هناك أقوال أُخر ، وهي :

١ ـ أنّها مندوبة (١) ـ كما عليه المالكية ـ فيستحبّ المداومة عليها.

٢ ـ لا تستحبّ أصلاً.

٣ ـ يستحبّ فعلها تارة وتركها أُخرى ، فلا يستحبّ المداومة عليها.

٤ ـ تستحبّ صلاتها والمحافظة عليها في البيوت.

٥ ـ لا تشرع إلّا بسبب مثل الشكر وغيره.

٦ ـ أنّها بدعة (٢).

__________________

(١) يفرق بين المسنون والمندوب ، بأنّ الأوّل هو ما واظب عليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والخلفاء الراشدون ، والثاني هو ما أمر به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يواظب عليه. (الفقه على المذاهب الخمسة ، للشيخ محمد جواد مغنية : ٧٨).

(٢) راجع : الشرح الكبير على المغني ، لشمس الدين ابن قدامى المقدسي ١ : ٧٧٥ ؛ الفقه على المذاهب الأربعة لعبد الرحمن الجزيري ١ : ٣٣٢ ؛ فقه السنة ، للسيّد سابق ١ : ١٨٥ ، زاد المعاد لابن قيم الجوزية ١ : ١١٦ ـ ١١٩ ، نيل الأوطار للشوكاني ٣ : ٦٢.

١٧٥

متى وقتها؟

ووقتها من ارتفاع الشمس قدر رمح ، إلى زوالها ، والأفضل أن يبدأها بعد ربع النهار. وعبر عن وقتها بهذه العبارة أيضاً : وأفضل وقتها إذا علت الشمس واشتدّ حرّها ، ويمتدّ وقتها إلى زوال الشمس ، وأوّله حين تبيضّ الشمس (١).

كم عدد ركعاتها؟

أقلّها ركعتان وأكثرها ثمان ، وقيل اثنتا عشرة ركعة ، وقال الحنفية : أكثرها ستّ عشرة ، وذهب بعض الشافعية والطبري إلى أنّه لا حدّ لأكثرها.

وقالوا بأنّه يكره أن يصلّى في نفل النهار زيادة على أربع ركعات بتسليمة واحدة (٢).

أدلّتها؟

لا دليل لهم على مشروعيّتها إلّا مجموعة أحاديث وردت في مجاميعهم الحديثية. ولكن بعد التمحيص والتنقيب يتجلّى عدم نهوضها للحجّية على ذلك ؛ لأنّها إمّا مجملة تقصر دلالتها عن الإثبات ، وإمّا مروية عن طرق لا يصحّ الاحتجاج بها ، مضافاً إلى معارضتها بأحاديث نافية للمشروعية ، راجحة عليها سنداً ودلالة.

__________________

(١) و (٢) راجع : الشرح الكبير على المغني ، لشمس الدين ابن قدامى المقدسي ١ : ٧٧٥ ، الفقه على المذاهب الأربعة لعبد الرحمن الجزيري ١ : ٣٣٢ ، فقه السنة ، للسيّد سابق ١ : ١٨٥ ، زاد المعاد لابن قيم الجوزية ١ : ١١٦ ـ ١١٩ ، نيل الأوطار للشوكاني ٣ : ٦٢.

١٧٦

وإليك نماذج من تلك الطوائف الثلاث ، وعليها يمكن قياس سائر الأحاديث التي لم نذكرها هنا رعاية للاختصار.

الطائفة الأُولى :

الأحاديث المجملة ، منها :

١ ـ ما روي عن نعيم بن هماز ، قال : سمعت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول :

«قال الله عزوجل يا ابن آدم لا تعجزني من أربع ركعات في أول نهارك أكفك آخره»(١).

رواه أبو داود وأحمد والترمذي.

ولفظه : «ابن آدم اركع من أوّل النهار أربع ركعات أكفك آخره».

وليس في هذا تصريح بصلاة الضحى ، ولا ظهور لاحتمال أنّ المقصود من الأربع هو فريضة الفجر ونافلتها ، كما اختاره مثل ابن تيمية وابن قيّم (٢) ، واحتمله البعض الآخر مثل الشوكاني والعراقي (٣).

٢ ـ ما روي عن أبي هريرة قال : أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهنّ حتّى أموت : صوم ثلاثة أيام من كلّ شهر ، وصلاة الضحى ونوم على وتر (٤).

احتمل في هذا الحديث اختصاص الوصية بأبي هريرة وأمثاله الذين لا يستيقظون لنافلة الليل أو ينشغلون عنها ، بأن يصلّوها في الضحى قضاءً ، ويؤيده قوله : «ونوم على وتر».

قال ابن قيم : «وأما أحاديث الترغيب فيها والوصية بها فالصحيح منها ،

__________________

(١) التاج الجامع للأُصول ١ : ٣٢١.

(٢) زاد المعاد ١ : ١٢٠.

(٣) نيل الأوطار ٣ : ٦٤.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ٧٣.

١٧٧

كحديث أبي هريرة وأبي ذر لا يدلّ على أنّها سنّة راتبة لكلّ أحد ، وإنّما أوصى أبا هريرة بذلك ؛ لأنّه قد روي أنّ أبا هريرة كان يختار درس الحديث بالليل على الصلاة ، فأمره بالضحى بدلاً من قيام الليل ، ولهذا أمره لا ينام حتّى يوتر ولم يأمر بذلك أبا بكر وعمر وسائر الصحابة» (١).

٣ ـ روي عن عبيد الله بن عُتيبة أنّه قال : دخلت على عمر بن الخطاب بالهاجرة ، فوجدته يُسبِّحُ ، فقمت وراءه ، فقرّبني حتّى جعلني حِذاءَهُ عن يمينه ، فلمّا جاء «يرفأ» (٢) تأخّرتُ فَصَفَفْنا وراءه (٣).

ولكن عمل الخليفة مجهول العنوان ، فمن أين يعلم بأنّه كان يصلّي الضحى؟ خاصّة مع شهادة ولده كما سيأتي بأنّه ما كان يصلّيها. ثمّ إنّ الهاجرة لغة ليست بمعنى الضحى ، بل بمعنى «نصف النهار عند زوال الشمس إلى العصر» (٤) على المشهور ، فسبحة الهاجرة تنطبق على نافلة الظهر ، وبناءً على ما حكي عن ابن السكيت بأنّ : الهاجرة إنّما تكون بالقيظ ، وقبل الظهر بقليل وبعدها بقليل (٥) فالرواية مجملة ؛ إذ كما يحتمل فيها صلاة الضحى يحتمل نافلة الظهر ، ولا مرجّح للأوّل على الثاني.

٤ ـ ما روي عن أبي هريرة قال : ما رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصلّي الضحى قطّ إلّا مرّة (٦).

فصدر الحديث ينفي صلاة الضحى وذيله مجمل ؛ لاحتمال أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان قد صلّى صلاة بسبب آخر ، كالحاجة أو غيرها ، وخفى على أبي هريرة ، فتصوّر أنّه صلّى الضحى ؛ إذ ليس فيه أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أعرب عن نيّة عمله.

__________________

(١) زاد المعاد ١ : ١١٩.

(٢) «يرفأ» اسم خادم عمر.

(٣) الموطأ للامام مالك ١ : ١٤٣ باب جامع سبحةِ الضّحى ، ط. دار الجيل ودار الآفاق.

(٤) و (٥) لسان العرب ، مادة «هجر».

(٦) مسند الإمام أحمد بن حنبل ٢ : ٤٤٦.

١٧٨

٥ ـ ما روي عن أنس أنّه قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في سفر صلّى سبحة الضحى ثماني ركعات ، فلمّا انصرف قال :

«إنّي صلّيت صلاة رغبة ورهبة ، سألت ربّي ثلاثاً فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة : سألته ألّا يبتلي أُمّتي بالسنين ففعل ، وسألته ألّا يُظهر عليهم عدوّهم ففعل ، وسألته ألّا يلبسهم شيعاً فأبى عليَّ» (١).

يرد على الاستدلال به ، أوّلاً : مثل ما مضى على سابقه ، وثانياً : انّ ذيله يتناقض مع الواقع التاريخي للأُمة الإسلامية. فكم من بلد إسلامي ابتلى بالقحط والسنين ، وما أكثر البلدان الإسلامية التي وقعت تحت سيطرة أعدائها في الزمن الغابر والحاضر.

وهذا ممّا يطمئننا باختلاقه ووضعه.

الطائفة الثانية :

الأحاديث الموضوعة :

قال ابن قيم الجوزية (٦٩١ ـ ٧٥١ ه‍) في تقييم أحاديث صلاة الضحى : «وعامّة أحاديث الباب في أسانيدها مقال ، وبعضها موضوع لا يحلّ الاحتجاج به» (٢).

ثمّ ذكر عدّة أحاديث قد صرّح أعلام الرجاليين بكون نقلتها وضّاعين كذبة ، منها :

١ ـ ما روي عن أنس مرفوعاً : «من داوم على صلاة الضحى ولم يقطعها إلّا عن علّة كنت أنا وهو في زورق من نور في بحر من نور».

__________________

(١) فقه السنة ١ : ١٨٥ ؛ كنز العمال ١١ : ١٧٤.

(٢) زاد المعاد ١ : ١١٩.

١٧٩

وضعه زكريا بن دريد الكندي عن حميد.

٢ ـ حديث يعلى بن أشدق ، عن عبد الله بن جراد ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال :

«من صلّى منكم صلاة الضحى فليصلّها متعبّداً ، فانّ الرجل ليصلّيها السنّة من الدهر ثمّ ينساها ويدعها ، فتحنّ إليه كما تحنّ الناقة على ولدها إذا فقدته».

ويا عجباً للحاكم كيف يحتجّ بهذا وأمثاله؟! فانّه يروي هذا الحديث في كتاب أفرده للضحى ، وهذه نسخة موضوعة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، يعني نسخة يعلى بن الأشدق.

وقال ابن عدي : روى يعلى بن الأشدق ، عن عمّه عبد الله بن جراد ، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أحاديث كثيرة منكرة ، وهو وعمّه غير معروفين. وبلغني عن أبي مسهر قال : قلت ليعلى بن الأشدق : ما سمع عمّك من حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : جامع سفيان وموطّأ مالك وشيئاً من الفوائد ، وقال أبو حاتم بن حبّان : لقي يعلى عبد الله ابن جراد ، فلمّا كبر اجتمع عليه من لا دين له فوضعوا له شبهاً بمائتي حديث ، فجعل يحدّث بها وهو لا يدري. وهو الذي قال له بعض أصحابنا : أيّ شيء سمعته عن عبد الله بن جراد؟ فقال : هذه النسخة ، وجامع أبي سفيان ، لا تحلّ الرواية عنه بحال.

٣ ـ حديث عمر بن صبيح ، عن مقاتل بن حبّان ، عن عائشة : «كان رسول الله يصلّي الضحى اثنتي عشرة ركعة».

وهو حديث طويل ذكره الحاكم في صلاة الضحى ، وهو حديث موضوع ، والمتهم به عمر بن صبيح.

قال البخاري : حدّثني يحيى بن عليّ بن جبير ، قال : سمعت عمر بن صبيح يقول : أنا وضعت خطبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقال ابن عديّ : منكر الحديث. وقال ابن حبّان : يضع الحديث على الثقات ، لا يحلّ حديثه إلّا على جهة التعجّب منه. وقال

١٨٠