عيد الغدير في الإسلام

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

عيد الغدير في الإسلام

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٢٨

هذه حقيقة عيد الغدير ، لكن الرجلين أرادا طعناً بالشيعة ، فأنكرا ذلك السلف الصالح ، وصوّراه بدعة معزوّة إلى معزّ الدولة ، وهما يحسبان أنّه لا يقف على كلامهما مَن يعرف التاريخ فيناقشهما الحساب.

(فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ)

(الأعراف / ١١٦ ـ ١١٧)

٨١
٨٢

التتويج يوم الغدير

[العمائم تيجان العرب]

ولمّا عرفت من تعيين صاحب الخلافة الكبرى للملوكيّة الإسلامية ونيله ولاية العهد النبوي ، كان من الحريّ تتويجه بما هو شارة الملوك وسمة الأمراء ، ولمّا كانت التيجان المكلّلة بالذهب والمرصعة [ـ] بالجواهر من شناشن ملوك الفرس ، ولم يكن للعرب منها بدلٌ إلّا العمائم ، فكان لا يلبسها إلّا العظماء والأشراف منهم ، ولذلك جاء عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قوله : «العمائم تيجان العرب» ، رواه القضاعي (١)

__________________

(١) الشهاب : ٧٥.

٨٣

والديلمي (١) ، وصحّحه السيوطي في الجامع الصغير ٢ : ١٥٥ (٢) ، وأورده ابن الأثير في النهاية (٣).

وقال المرتضى الحنفي الزبيدي في تاج العروس ٢ : ١٢ : التاج : الإكليل والفضة والعمامة ، والأخير على التشبيه جمع تيجان وأتواج ، والعرب تسمّي العمائم : التاج ، وفي الحديث : «العمائم تيجان العرب» جمع تاج ، وهو : ما يُصاغ للملوك من الذهب والجوهر ، أراد : أنّ العمائم بمنزلة التيجان للملوك ، لأنهم أكثر ما يكونون في البوادي مكشوفي الرءوس أو بالقلانس ، والعمائم فيهم قليلة ، والأكاليل تيجان ملوك العجم ، وتوّجه أي : سوّده وعمّمه.

وفي ٨ : ٤١٠ : ومن المجاز عُمّم بالضم أي : سوّد ، لأن تيجان العرب العمائم ، فكلّما قيل في العجم : توّج من التاج ، قيل في العرب : عمّم ، قال : وفيهم إذ عمّم المعمّم ، وكانوا إذا سوّدوا رجلاً عمّموه عمامة حمراء ، وكانت الفرس تتوّج ملوكها فيقال له : المتوّج. وعدّ الشبلنجي في نور الأبصار : ٢٥ من ألقاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : صاحب التاج ، فقال : المراد العمامة ، لأن العمائم تيجان العرب كما

__________________

(١) فردوس الأخبار ٣ : ١١٧.

وراجع : كنز العمال ١٥ : ٣٠٥ ، موسوعة أطراف الحديث ٥ : ٥١٩.

(٢) الجامع الصغير ٢ : ١٩٣ ح ٥٧٢٣.

(٣) النهاية ١ : ١٩٩ «توج».

٨٤

جاء في الحديث (١).

[تتويج النبي لعلي بالعمامة]

فعلى هذا الأساس ، عمّمه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هذا اليوم بهيئة خاصّة تُعرب عن العظمة والجلال ، وتوّجه بيده الكريمة بعمامته (السحاب) في ذلك المحتشد العظيم ، وفيه تلويحٌ أنّ المتوّج بها مقيَّض ـ بالفتح ـ بإمرة كإمرته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، غير أنّه مبلّغ عنه وقائمٌ مقامه من بعده.

روى الحافظ عبد الله بن أبي شيبة ، وأبو داود الطيالسي (٢) ، وابن منيع البغوي ، وأبو بكر البيهقي ، كما في كنز العمال ٨ : ٦٠ (٣) عن عليّ قال : عمّمني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم غدير خم بعمامة فسدلها خلفي.

وفي لفظ : فسدل طرفها على منكبي.

ثمّ قال : «إنّ الله أمدّني يوم بدر وحنين بملائكة يعتمّون هذه العمّة».

وقال : «إن العمامة حاجزةٌ بين الكفر والإيمان».

ورواه من طريق السيوطي عن الأعلام الأربعة السيد أحمد

__________________

(١) نور الأبصار : ٥٨.

(٢) مسند أبي داود الطيالسي : ٢٣ ح ١٥٤ ، ط دار المعرفة.

(٣) كنز العمال ١٥ : ٤٨٢ ح ٤١٩٠٩.

٨٥

القشاشي (١) في السمط المجيد (٢).

وفي كنز العمال ٨ : ٦٠ ، عن مسند عبد الله بن الشخير ، عن عبد الرحمن بن عدي البحراني ، عن أخيه عبد الأعلى بن عديّ : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دعا عليّ بن أبي طالب فعمّمه وأرخى عَذَبةَ (٣) العمامة من خلفه (الديلمي) (٤).

وعن الحافظ الديلمي ، عن ابن عبّاس قال : لَمّا عمّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليّاً بالسحاب (٥) قال له : «يا علي العمائم تيجان العرب» (٦).

وعن ابن شاذان في مشيخته ، عن علي : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عمّمه بيده ، فذنب العمامة من ورائه ومن بين يديه ، ثمّ قال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أدبر» ، فأدبر ، ثمّ قال له : «أقبل» ، فأقبل ، وأقبل على أصحابه ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هكذا تكون تيجان الملائكة» (٧).

__________________

(١) المتوفى ١٠٧١ ، ترجمه المحبي في خلاصة الأثر ١ : ٣٤٣ ـ ٤٣ [٣] وأثنى عليه (المؤلّف قدس‌سره).

(٢) السمط المجيد : ٩٩.

(٣) عذبة بفتح المهملة : طرف الشيء (المؤلّف قدس‌سره).

(٤) كنز العمال ١٥ : ٤٨٣ ح ٤١٩١١.

(٥) قال ابن الأثير في النهاية ٢ : ١٦٠ : كان اسم عمامة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم السحاب (المؤلّف قدس‌سره).

راجع النهاية لابن الأثير ٢ : ٣٤٥ «سحب».

(٦) فردوس الاخبار ٣ : ٨٧ ح ٤٢٤٦.

(٧) عنه في السمط المجيد في سلاسل التوحيد : ٩٩.

٨٦

وأخرج الحافظ أبو نعيم في معرفة الصحابة ، ومحبّ الدين الطبري في الرياض النضرة ٢ : ٢١٧ (١) ، عن عبد الأعلى بن عديّ النهرواني : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دعا عليّاً يوم غدير خم فعمّمه ، وأرخى عَذَبة العمامة من خلفه.

وذكره العلامة الزرقاني في شرح المواهب ٥ : ١٠.

وأخرج شيخ الإسلام الحمويني في الباب الثاني عشر من فرائد السمطين ، من طريق أحمد بن منيع ، بإسناد فيه عدةٌ من الحفّاظ الأثبات ، عن أبي راشد ، عن علي قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّ الله عزوجل أيّدني يوم بدر وحنين بملائكة معتمّين هذه العمّة ، والعمّة الحاجز بين المسلمين والمشركين» ، قاله لعليّ لمّا عمّمه يوم غدير خم بعمامة سدل طرفها على منكبه (٢).

وأخرج بإسناد آخر من طريق الحافظ أبي سعيد الشاشي المترجم ص ١٠٣ (٣) أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عمّم عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه عمامته السحاب ، فأرخاها من بين يديه ومن خلفه ، ثمّ قال : «أقبل» ، فأقبل ، ثمّ قال : «أدبر» ، فأدبر ، قال : «هكذا جاءتني

__________________

(١) الرياض النضرة ٢ : ٢٨٩ ، ط بيروت.

(٢) فرائد السمطين ١ : ٧٥ ح ٤١ ، ط مؤسسة المحمودي. و ٦٣ ، ط دار الأضواء.

(٣) قال في كتابه الغدير ١ : ١٠٣ رقم ١٦٨ :

الحافظ الهيثم بن كليب أبو سعيد الشاشي ، المتوفى ٣٣٥ ، صاحب المسند الكبير ، ترجمه الذهبي في تذكرته ٣ : ٦٦ ووثّقه ...

٨٧

الملائكة» (١).

وبهذا اللفظ رواه جمال الدين الزرندي الحنفي في نظم درر السمطين (٢) ، وجمال الدين الشيرازي في أربعينه (٣) ، وشهاب الدين أحمد في توضيح الدلائل (٤) ، وزادوا : ثمّ قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللهمّ والِ مَن والاه ، وعادِ مَن عاداه ، وانصر مَن نصره ، واخذل مَن خذله».

وأخرج الحمويني بإسناد آخر ، من طريق الحافظ أبي عبد الرحمن بن عائشة ، عن عليّ قال : عمّمني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم غدير خم بعمامة ، فسدل نمرقها (٥) على منكبي وقال : «إنّ الله أيّدني (٦) يوم بدر وحنين بملائكة معتمين بهذه العمامة (٧).

وبهذا اللفظ رواه ابن الصبّاغ المالكي في الفصول المهمة : ٢٧ (٨) ،

__________________

(١) فرائد السمطين ١ : ٧٦ ح ٤٢ ، ط مؤسسة المحمودي. و ٦٣ ، ط دار الأضواء.

(٢) نظم درر السمطين : ١١٢ ، ط مطبعة القضاء.

(٣) الأربعين :

وعنه في العبقات ١٠ : ٤٤٤.

(٤) توضيح الدلائل : ١٦ ، نسخة مكتبة ملي بفارس.

وعنه في العبقات ١٠ : ٤٤٠.

(٥) في الفصول المهمّة : يمرقها.

(٦) في الفصول المهمّة : أمدّني.

(٧) فرائد السمطين ١ : ٧٦ ح ٤٣ ، ط مؤسسة المحمودي. و ٦٤ ، ط دار الأضواء.

(٨) الفصول المهمّة : ٤٢.

٨٨

والحافظ الزرندي في نظم درر السمطين (١) ، والسيد محمود القادري المدني في الصراط السوي (٢) (٣).

__________________

(١) نظم درر السمطين : ١١٢.

(٢) الصراط السوي : مخطوط.

وعنه في العبقات ١٠ : ٤٤٤ ـ ٤٤٥.

(٣) وأخرج حديث : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمّم عليّاً عليه‌السلام يوم الغدير ، غير من ذكرهم العلامة الأميني :

١ ـ الحافظ الذهبي ، في رسالته طرق حديث من كنت مولاه ، رقم ١٢٤ ، قال : أُنبئتُ عن الحافظ عبد الغني ، أنا أبو موسى الحافظ ، أنا الحداد ، أنا أبو نعيم ، أنا محمد بن أحمد بن الحسن ، حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا سفيان بن بشير ، حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن عبد الله بن الحبراني ، عن عبد الرحمن بن عدي النهرواني ، عن أخيه عبد الله :

أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دعا عليّاً يوم غدير خم ، فعمّمه ، وأرخى عذبة العمامة من خلفه ، وقال : «هكذا فاعتمّوا ، فإنّ العمائم سيما للإسلام ، وهي حاجز بين المسلمين والمشركين».

وأخرجه أيضاً في كتابه ميزان الاعتدال ، ٢ : ٢٥ ط القاهرة.

٢ ـ ابن عدي ، في كتابه الكامل ٤ : ١٤٩ ط بيروت ، في ترجمة عبد الله بن بسر الشامي السككي الحبراني ، رواه بثلاثة أسانيد.

٣ ـ الحافظ محمد بن سليمان الكوفي ، في كتابه مناقب الإمام أمير المؤمنين ، ٢ : ٤٢ ح ٥٢٩ :

قال : حدّثنا محمد بن عبد الله الخزاعي ، قال : حدّثنا أبو الربيع السمان ، عن عبد الله بن بسر ، عن أبي راشد الحبراني ، عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

و ٢ : ٣٨٩ ح ٨٦٤ :

قال : محمد بن منصور ، عن إسماعيل بن عياش ، عن عبد الله بن بسر ، عن عبد

٨٩

فائدة : [علي في السحاب]

قال أبو الحسين الملطي (١) في التنبيه والردّ : ٢٦ : قولهم ـ يعني الروافض ـ عليّ في السحاب ، فإنّما ذلك قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعلي : «أقبل» وهو معتمّ بعمامة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كانت تُدعى السحاب ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «قد أقبل عليّ في السحاب» ، يعني : في تلك العمامة التي تسمّى السحاب ، فتأولوه هؤلاء على غير تأويله (٢).

وقال الغزالي كما في البحر الزخار : ٢١٥ : كانت له عمامة تسمّى السحاب ، فوهبها من عليّ ، فربما طلع عليّ فيها فيقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أتاكم عليّ في السحاب» (٣).

وقال الحلبي في السيرة ٣ : ٣٦٩ : كان له صلى‌الله‌عليه‌وسلم عمامة تسمّى السحاب كساها عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه ، فكان ربما طلع عليه عليّ كرم الله وجهه فيقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أتاكم عليّ في السحاب» ،

__________________

الرحمن بن عدي ، عن أخيه عبد الأعلى ، أن رسول الله (ص) دعا علي بن أبي طالب يوم غدير خم ، فعمّمه بيده ... إلى آخر الحديث.

٤ ـ العلامة المناوي ، في كتابه شرح جامع الصغير : ٢٩٢.

٥ ـ الحافظ الشيخ جلال الدين عبد الرحمن الشافعي ، في كتابه الحبائك في أخبار الملائك : ١٣١ ، ط دار التقريب القاهرة :

أخرجه من طريق الطيالسي والبيهقي.

(١) محمد بن أحمد بن عبد الرحمن الملطي الشافعي ، المتوفى ٣٧٧ (المؤلّف قدس‌سره).

(٢) التنبيه والردّ على أهل الأهواء والبدع : ١٩.

(٣) راجع : إحياء علوم الدين ٢ : ٣٤٥.

٩٠

يعني : عمامته التي وهبها له صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١) (٢).

قال الأميني : هذا معنى ما يُعزى إلى الشيعة من قولهم : إن علياً في السحاب ، ولم يؤوّله أيّ أحد منهم قطّ من أول يومهم على غير تأويله كما حسبه الملطي ، وإنّما أوّله الناس افتراءً علينا ، والله من ورائهم حسيب.

فيوم التتويج هذا أسعد يوم في الإسلام ،

__________________

(١) السيرة الحلبية ٣ : ٣٤١.

(٢) وأخرج حديث : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كسا عليّاً عمامته السحاب ، غير من ذكرهم العلامة الأميني :

١ ـ العلامة السيوطي ، في كتابه الحاوي : ٧٣ ، ط القاهرة.

٢ ـ العلامة الشيخ الشعراني ، في كتابه كشف الغمة ٢ : ٢١٧ ، ط مصر.

٣ ـ الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني ، في كتابه لسان الميزان ٦ : ٢٣ ، ط حيدرآباد.

أخرجه في ترجمة مسعدة بن اليسع الباهلي ، عن محمد بن وزير ، عن مسعدة ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه.

٤ ـ الشيخ عبد الرءوف المناوي ، في كتابه الكواكب الدرّية ١ : ٢٠ ، ط الأزهر بمصر.

٥ ـ العلامة الامر تستري ، في كتابه أرجح المطالب : ٥٨٧ ، ط لاهور.

٦ ـ شهاب الدين أحمد بن عبد الله الشيرازي الحسيني الشافعي ، في كتابه توضيح الدلائل : ١٩٦ ، نسخة مكتبة ملي بفارس :

رواه عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جدّه.

٩١

وأعظم عيد لموالي أمير المؤمنين عليه‌السلام ، كما أنه مثار حنق وأحقاد لمن ناوأه من النواصب.

(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ* وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ* تَرْهَقُها قَتَرَةٌ) سورة عبس (١)

__________________

(١) عبس : ٣٨ ـ ٤١.

٩٢

القربات يوم الغدير

بما أنّ هذا اليوم يومٌ أكمل الله به الدين وأتمّ النعمة على عباده ، حيث رضي بمولانا أمير المؤمنين إماماً عليهم ، ونصبه عَلماً للهدى ، يحدو بالأُمة إلى سنن السعادة وصراط حقّ مستقيم ، ويقيهم عن مساقط الهلكة ومهاوي الضلال ، فلن تجد بعد يوم المبعث النبوي يوماً قد أُسبغت فيه النعم ظاهرةً وباطنةً ، وشملت الرحمة الواسعة ، أعظم من هذا اليوم الذي هو فرع ذلك الأساس المقدّس ومسدِّد تلك الدعوة القدسية.

كان من واجب كلّ فرد من أفراد الملأ الديني القيام بشكر تلكم

٩٣

النعم بأنواع من مظاهر الشكر ، والتزلّف إليه سبحانه بما يتسنّى له من القرَب من صَلاة وصوم وبرّ وصلة رحم وإطعام واحتفال باليوم بما يناسب الوقت والمجتمع ، وفي المأثور من ذلك أشياء ، منها : الصوم.

حديث صوم يوم الغدير :

أخرج الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي المتوفّى ٤٦٣ ، في تاريخه ٨ : ٢٩٠ ، عن عبد الله بن علي بن محمد بن بشران ، عن الحافظ علي بن عمر الدارقطني ، عن أبي نصر حبشون الخلال ، عن علي بن سعيد الرملي ، عن ضمرة بن ربيعة ، عن عبد الله بن شوذب ، عن مطر الوراق ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي هريرة قال : قال : من صام يوم ثمان عشر من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً ، وهو يوم غدير خم ، لمّا أخذ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيد عليّ بن أبي طالب فقال : «ألست ولي المؤمنين؟» قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : «من كنت مولاه فعليّ مولاه» ، فقال عمر بن الخطاب : بَخ بَخ لك يا بن أبي طالبٍ ، أصبحت مولاي ومولى كلّ مسلم ، فأنزل الله : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) ومن صام يوم سبعة وعشرين من رجب كتب له صيام ستين شهراً ، وهو أول يوم نزل جبريل عليه‌السلام على محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالرسالة.

٩٤

ورواه بطريق آخر عن علي بن سعيد الرملي.

وأخرج العاصمي في زين الفتى قال : أخبرنا محمد بن أبي زكريا ، أخبرنا أبو إسماعيل بن محمد الفقيه ، أخبرنا أبو محمد يحيى ابن محمد العلوي الحسيني ، أخبرنا إبراهيم بن محمد العامي ، أخبرنا حبشون بن موسى البغدادي ، حدّثنا علي بن سعيد الشامي ، حدّثنا ضمرة ، عن ابن شوذب ... إلى آخر السند والمتن المذكورين ، من دون ذكر صوم المبعث.

وأخرجه ابن المغازلي الشافعي في مناقبه ، عن أبي بكر أحمد بن محمد بن طاوان ، قال : أخبرنا أبو الحسين أحمد بن الحسين بن السماك ، حدثني أبو محمد جعفر بن محمد بن نصير الخلدي ، حدّثني علي بن سعيد الرملي ... إلى آخر السند والمتن (١).

ورواه سبط ابن الجوزي في تذكرته : ١٨ (٢) ، والخطيب الخوارزمي في مناقبه : ٩٤ (٣) ـ من طريق الحافظ البيهقي ، عن الحافظ الحاكم النيسابوري ابن البيّع صاحب المستدرك ، عن أبي يعلى الزبيري ، عن أبي جعفر أحمد بن عبد الله البزاز ، عن علي بن سعيد الرملي ... إلى آخره ـ وشيخ الإسلام الحمويني في فرائد

__________________

(١) مناقب علي بن أبي طالب : ١٨ ـ ١٩ ح ٢٤ ، ط المكتبة الإسلامية.

(٢) تذكرة الخواص : ٣٠ ، ط المطبعة الحيدرية.

(٣) المناقب : ١٥٦ ح ١٨٤.

٩٥

السمطين في الباب الثالث عشر ، من طريق الحافظ البيهقي (١) (٢).

__________________

(١) فرائد السمطين ١ : ٧٧ ب ٣ ح ٤٤ ، ط مؤسسة المحمودي. و ٦٤ ، ط دار الأضواء.

(٢) وأخرج حديث صوم يوم الغدير ، غير من ذكرهم العلامة الأميني :

١ ـ ابن عساكر ، في تاريخ مدينة دمشق ، بأربعة أسانيد تنتهي إلى أبي هريرة ، كما في ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق.

٢ : ٧٥ ح ٥٧٧ : أخبرنا أبو الحسن بن القيس ، عن بدر بن عبد الله ، عن أبي بكر الخطيب ، عن عبد الله بن علي بن محمد بن بشران ، عن علي بن عمر الحافظ ، عن أبي نصر حبشون ، عن علي بن سعيد ، عن ضمرة ، عن ابن شوذب ، عن مطر ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي هريرة.

٢ : ١٦ ح ٥٧٨ : أخبرنيه الأزهري ، عن محمد بن عبد الله ، عن أحمد بن عبد الله النيّري ، عن علي بن سعيد الشامي ، عن ضمرة ، عن ابن شوذب ، عن مطر ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي هريرة.

٢ : ٧٦ ح ٥٧٩ : أخبرناه عالياً أبو بكر بن المرزقي ، عن الحسين بن المهتدي ، عن عمر بن أحمد ، عن أحمد بن عبد الله ، عن علي بن شعيب الرقي ، عن ضمرة ، عن ابن شوذب ، عن مطر ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي هريرة.

٢ : ٧٧ ح ٥٨٠ : وأخبرناه أبو القاسم بن السمرقندي ، عن أبي الحسين ابن النقور ، عن محمد بن عبد الله الدقاق ، عن أحمد بن عبد الله المعروف بابن النيّري ، املاءً لثلاث بقين من جمادى الآخرة سنة ثمان عشرة وثلاثمائة ، أنبأنا علي بن سعيد الشامي ، عن ضمرة ، عن ابن شوذب ، عن مطر الوراق ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي هريرة.

٢ ـ العلامة يحيى بن الموفق الشجري ، المتوفى سنة ٤٩٩ ه‍ ، في كتابه الأمالي ١ : ٤٢.

قال : حدّثنا القاضي أبو القاسم علي بن الحسن علي التنوخي املاءً ، قال : حدّثنا أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان الواعظ ، قال : حدّثنا أحمد بن عبد

٩٦

رجال سند الحديث :

١ ـ أبو هريرة :

أجمع الجمهور على عدالته وثقته ، فلا نحتاج إلى بسط المقال فيه.

__________________

الله بن سالم ، قال : حدّثنا عليّ بن سعد الرقي.

(ح) قال : وحدّثنا أبو الحسن عليّ بن عبد الله بن محمد بن عبيد الزجاج الشاهد النبيل ، قال : حدّثنا أبو نصر حيشون بن موسى بن أيوب الحلال ، قال : حدّثنا علي بن سعيد الشافي ، قال : حدّثنا ضمرة بن ربيعة ، عن ابن شوذب ، عن مطر ، عن شهر ـ يعني ابن حوشب ـ عن أبي هريرة.

وقال في ص ١٤٦ :

حدّثنا القاضي أبو القاسم علي بن المحسن بن علي التنوخي املاءً ، قال : حدّثنا أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان الوعظ ، قال : حدّثنا أحمد بن عبد الله بن سالم ، قال : حدّثنا علي بن سعيد الرقي.

(ح) قال السيد : وحدّثناه القاضي أبو القاسم ، قال : وحدّثنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن محمد بن عبيد الزجاج الشاهد النبيل ، قال : حدّثنا أبو نصر حبشون بن أيوب الحلال ، قال : حدّثنا علي بن سعيد الشامي ، قال : حدّثنا ضمرة بن ربيعة ، عن ابن شوذب ، عن مطر ، عن شهر ـ يعني ابن حوشب ـ عن أبي هريرة.

٣ ـ محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ، المتوفى سنة ٧٤٨ ه‍ :

أخرجه في رسالته طرق حديث من كنت مولاه فعليّ مولاه ، رقم ٨٦ ، عن حبشون بن موسى الخلال وأحمد بن عبد الله النيري ، عن علي بن سعيد الرملي ، عن ضمرة بن ربيعة ، عن ابن شوذب ، عن مطر الوراق ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي هريرة.

٤ ـ علي بن شهاب الدين الهمداني ، المتوفى سنة ٧٨٦ ه‍ ، أخرجه في كتابه مودة القربى ، كما عنه في العبقات ٧ : ١٠٧.

٩٧

٢ ـ شهر بن حوشب الأشعري :

عدّه الحافظ أبو نعيم من الأولياء ، وأفرد له ترجمة ضافية في حليته ٦ : ٥٩ ـ ٦٧.

وحكى الذهبي في ميزانه ثناء البخاري عليه ، وذكر عن أحمد ابن عبد الله العجلي ، ويحيى ، وابن شيبة ، وأحمد ، والنسوي ثقته (١).

وترجمه الحافظ ابن عساكر في تاريخه ٦ : ٣٤٣ وقال سُئل عنه الإمام أحمد فقال : ما أحسن حديثه ووثّقه وأثنى عليه ، وقال مرّة : ليس به بأس ، وقال العجلي : هو شامي تابعي ثقة ، ووثقه يحيى بن معين ، وقال يعقوب بن شيبة : هو ثقةٌ على أنّ بعضهم طعن فيه (٢).

وترجمه ابن حجر في تهذيب التهذيب ٤ : ٣٧٠ ، وحكى عن أحمد ثقته وحسن حديثه والثناء عليه ، وعن البخاري حسن حديثه وقوّة أمره ، وعن ابن معين ثقته وثبته ، وعن العجلي ويعقوب والنسوي ثقته ، وعن أبي جعفر الطبري أنه كان فقيهاً قارئاً عالماً. وهناك من ضعّفه ، فهو كما قال أبو الحسن القطّان : لم يسمع له حجّة (٣).

وقد أخرج الحديث عنه البخاري ومسلم والأئمة الأربعة

__________________

(١) ميزان الاعتدال ٢ : ٢٨٣ رقم ٣٧٥٦.

(٢) تهذيب تاريخ ابن عساكر ٦ : ٣٤٣ ـ ٣٤٤.

(٣) تهذيب التهذيب ٤ : ٣٢٤.

٩٨

الآخرون أرباب الصحاح : الترمذي ، أبو داود ، النسائي ، ابن ماجة.

٣ ـ مطر بن طهمان الورّاق أبو رجاء الخراساني ، مولى علي ، سكن البصرة وأدرك أنساً :

عدّه الحافظ أبو نعيم من الأولياء ، وأفرد له ترجمة في حليته ٣ : ٧٥ ، وروى عن أبي عيسى أنه قال : ما رأيت مثل مطر في فقهه وزهده.

وترجمه ابن حجر في تهذيبه ١٠ : ١٦٧ ، ونقل قول أبي نعيم المذكور ، وذكر ابن حبّان له في الثقات ، وعن العجلي صدقه ونفي البأس عنه ، وعن البزّاز : ليس به بأس رأى أنساً ولا نعلم أحداً يترك حديثه ، مات ١٢٥ ، وقيل : ١٢٩ ، وقيل : قتله المنصور قرب ١٤٠ (١).

أخرج عنه الحديث البخاري ، ومسلم وبقية الأئمّة الستّة أرباب الصحاح.

٤ ـ أبو عبد الرحمن بن شوذب :

ذكره الحافظ أبو نعيم من الأولياء في حليته ٦ : ١٢٩ ـ ١٣٥ ،

__________________

(١) تهذيب التهذيب ١٠ : ١٥٢.

وراجع الثقات لابن حبان ٥ : ٤٣٥ ، وتاريخ الثقات للعجلي : ٤٣٠ رقم ١٥٨٤.

٩٩

وروى عن كثير بن الوليد أنّه قال : كنت إذا رأيت ابن شوذب ذكرت الملائكة.

وحكى الجزري في خلاصته : ١٧٠ عن أحمد وابن معين ثقته (١).

وفي تهذيب ابن حجر ٥ : ٢٥٥ ما ملخّصه : سمع الحديث وتفقّه ، كان من الثقات ، قال سفيان الثوري : كان من ثقات مشايخنا ، ونقل ابن خلفون توثيقه عن ابن نمير وغيره ، وعن أبي طالب والعجلي وابن عمار وابن معين والنسائي : أنه ثقة ، ولد ٨٦ ، وتُوفّي ١٤٤ / ١٥٦ / ١٥٧ ، أخرج حديثه الأئمة الستّة غير مسلم ، وصحّح حديثه الحاكم في المستدرك والذهبي في تلخيصه (٢).

٥ ـ ضمرة بن ربيعة القرشي ، أبو عبد الله الدمشقي ، المتوفّى ١٨٢ ـ ٢٠٠ ـ ٢٠٢ :

ترجمه الحافظ ابن عساكر في تاريخه ٧ : ٣٦ ، وحكى عن أحمد أنه قال : بلغني إنّه كان شيخاً صالحاً ، وقال لما سئل عنه : ذلك الثقة المأمون رجلٌ صالحٌ مليح الحديث ، ونقل عن ابن معين ثقته ، وعن ابن سعد : كان ثقةً مأموناً خيّراً لم يكن هناك أفضل منه ، وعن ابن يونس : كان فقيهاً في زمانه (٣).

__________________

(١) الخلاصة ٢ : ٦٦ رقم ٣٥٦٦.

(٢) تهذيب التهذيب ٥ : ٢٢٥.

(٣) تهذيب تاريخ ابن عساكر ٧ : ٣٧.

١٠٠