شرح كتاب الفقه الأكبر للإمام الأعظم أبي حنيفة

الملّا علي القاري الحنفي

شرح كتاب الفقه الأكبر للإمام الأعظم أبي حنيفة

المؤلف:

الملّا علي القاري الحنفي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
ISBN: 978-2-7451-0998-7
الصفحات: ٣٣٦

____________________________________

وقد يجمع بين القولين بأنه لا يلزم من الوجوب ما يترتب على تركه العقاب فلا ينافي قوله تعالى في الكتاب : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (١). ولا يحتاج حينئذ إلى تقييد العذاب بالدنيا ، ولا إلى تعميم الرسول للعقل والنقل.

قال ابن الهمام : وثمرة هذا الخلاف تظهر فيمن لم تبلغه دعوة رسول فلم يؤمن حتى مات فهو مخلد في النار عند المعتزلة ، والفريق الأول من الحنفية دون الفريق الثاني منهم. والأشاعرة وإذا لم يكن مخاطبا بالإسلام عند هؤلاء فأسلم أي وحّد هل يصلح إسلامه؟ بأنه يثاب في الآخرة عند الحنفية ، نعم كاسلام الصبي الذي يعقل معنى الإسلام والتكليف ، وذكر بعض المشايخ الحنفية أنه سمع أبا الخطاب من المشايخ الشافعية يقول : لا يصحّ إيمان من لم تبلغه دعوة كإيمان الصبي عندهم أي على القول المرجح من مذهبهم. خلافا للأئمة الثلاثة لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم دعا عليّا إلى الإسلام (٢) ، فأجابه مع الإجماع على أن عباداته من صلاة وصوم ونحوهما صحيحة ، وأما ما نقله البيهقي من أن الأحكام إنما علقت بالبلوغ بعد الهجرة عام الخندق ، وأما قبل ذلك فكانت منوطة بالتمييز فيحتاج إلى بيان ذلك وكيفية وقوعه هنالك على أن أمور الإسلام في تكاليف الأحكام كانت تدريجية من الأهون إلى الأصعب لا بالعكس ، ولذا كان التكليف أولا بالتوحيد ثم زيد الصلاة والزكاة ونحوهما كما هو مقتضى حكمة الحكيم المجيد.

ثم من فروع هذا الأصل ما ذكره حجة الإسلام (٣) حيث قال : يجوز لله أن يكلّف عباده ما لا يطيقونه خلافا للمعتزلة إذ لو لم يجز لاستحال سؤال دفعه ، وقد سألوا ذلك فقالوا : ربّنا لا تحمّلنا ما لا طاقة لنا به ، ولأنه سبحانه أخبر أن أبا جهل لا يصدقه عليه الصلاة والسلام ، ثم أمره أن يصدق بجميع أقواله عليه الصلاة والسلام ، ومن جملتها أنه لا يصدقه عليه الصلاة والسلام ، فكيف يصدقه عليه الصلاة والسلام في أنه لا يصدقه هذا محال. انتهى.

وذكره غيره إلا أنه قال أبو لهب (٤) بدل أبي جهل ، وهو أنسب.

__________________

(١) الإسراء : ١٥.

(٢) انظر خبر إسلام علي رضي الله عنه ودعوة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم له في مجمع الزوائد ٩ / ١٠١ ـ ١٠٣.

وانظر السيرة النبوية لابن هشام ١ / ٢٤٦ ـ ٢٤٧.

(٣) يعني بذلك الإمام الغزالي المتوفى سنة ٥٠٥ ه‍ رحمه‌الله.

(٤) يشير المصنّف بذلك إلى ما رواه البخاري ٤٩٧١ و ١٣٩٤ و ٣٥٢٥ ، ومسلم ٢٠٨ ، والترمذي

١٨١

ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مات على الإيمان ....

____________________________________

قال ابن الهمام : ولا يخفى أن الدليل الأول ليس في محل النزاع وهو التكليف إذ عند القائلين بامتناعه يجوز أن يحمله جيلا فيموت ، وأما عند المعتزلة فبناء على جواز أنواع الإيلام بقصد العوض وجوبا ، وأما عند الحنفية المانعين منه أيضا فتفضّلا بحكم وعده على المصائب ، ولا يجوز أن يكلفه أن يحمل جبل بحيث إذا لم يفعل يعاقب وجوّزه الأشاعرة ، كما قال الله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) (١).

وعن هذا النص ذهب المحقّقون ممّن جوّزه عقلا من الأشاعرة إلى امتناعه سمعا ، وإن جاز عقلا أي وإلا لزم وقوع خلاف خبره سبحانه ، أما الفعل المستحيل باعتبار سبق العلم الأولى بعدم وقوعه لعدم امتثاله مختارا ، وهو مما يدخل تحت قدرة العبد عادة فلا خلاف في وقوعه كتكليف أبي جهل وغيره من الكفرة بالإيمان مع العلم بعدم إيمانه والإخبار به ، لمّا تقدم من أنه لا أثر للعلم في سلب قدر المكلّف ، وفي جبره على المخالفة.

قال : ومن فروعه أيضا وهو أن لله إيلام الخلق وتعذيبهم من غير جرم سابق ولا ثواب لاحق خلافا للمعتزل حيث لم يجوّزوا ذلك إلا بعوض ، أو جرم ، وإلا لكان جرما غير لائق بالحكمة ، ولذا أوجبوا أن يقتصّ لبعض الحيوانات من بعض. انتهى.

وقد سبق أن الظلم في حقه تعالى محال ، وأنه سبحانه لا يجب عليه شيء بحال ، ففعله إما عدل ، وإما فضل.

وفي نسخة زيد قوله : (ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مات على الإيمان) وليس هذا في أصل

__________________

٣٣٦٣ ، وأحمد ١ / ٢٨١ و ٣٠٧ ، والبيهقي في دلائل النبوة ٢ / ١٨١ ـ ١٨٢ ، والبغوي في شرح السّنّة ٣٧٤٢ ، والطبري في جامع البيان ١٩ / ١٢١ ، وابن حبان ٦٥٥٠ عن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) ورهطك منهم المخلصين. قال : وهنّ في قراءة عبد الله خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى أتى الصفا ، فصعد عليها ثم نادى يا صباحاه فاجتمع الناس إليه فبيّن رجل رجل يجيء وبين رجل يبعث رسوله ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا بني عبد المطلب ، يا بني فهر ، يا بني عبد مناف ، يا بني ، يا بني ، أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم أصدقتموني؟ قالوا : نعم ، قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ، فقال أبو لهب : تبّا لك سائر اليوم ، أما دعوتنا إلا لهذا ، ثم قام ، فنزلت : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ) وقد تبّ ، وقالوا ما جرينا عليه كذبا. انظر جامع الأصول ٢ / ٢٨٧ ، وشرح مسلم ٣ / ٨٣ ، وفتح الباري ٨ / ٥٠٢.

(١) البقرة : ٢٨٦.

١٨٢

____________________________________

شارح تصدّر لهذا الميدان لكونه ظاهرا في معرض البيان ، ولا يحتاج إلى ذكره لعلوّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم في هذا الشأن ، ولعل مرام الإمام على تقدير صحة ورود هذا الكلام أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم من حيث كونه نبيّا من الأنبياء عليهم‌السلام ، وهم كلهم معصومون عن الكفر في الابتداء والانتهاء نعتقد أنه مات على الإيمان ، وأما غيره من الأولياء والعلماء والأصفياء بالأعيان فلا نجزم بموتهم على الإيمان ، وإن ظهر منهم خوارق العادات وكمال الحالات ، وجمال أنواع الطاعات فإن مبنى أمره على العيان وهو مستور عن أفراد الإنسان ، ولهذا كانت العشرة المبشّرة (١) وأمثالهم خائفين من انقلاب أحوالهم وسوء آمالهم في مآلهم.

واعلم أن للسلف رحمهم‌الله في الشهادة بالجنة ثلاثة أقوال :

أحدها : أن لا يشهد لأحد إلا للأنبياء عليهم‌السلام ، وهذا ينقل عن محمد بن الحنفية والأوزاعي ، وهذا أمر قطعي لا نزاع فيه.

والثاني : أن يشهد لكل مؤمن جاء نص في حقه ، وهذا قول كثير من العلماء لكنه حكم ظنّيّ.

والثالث : أن يشهد أيضا لمن شهد له المؤمنون كما في الصحيحين أنه عليه الصلاة والسلام مرّ بجنازة فأثنوا عليها بخير ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «وجبت» ، ومرّ بأخرى فأثنى عليها بشرّ فقال عليه الصلاة والسلام : «وجبت». فقال عمر رضي الله تعالى عنه : يا رسول الله ما وجبت؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هذا أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة ، وهذا أثنيتم عليه شرّا وجبت له النار أنتم شهداء الله في الأرض» (٢). وهذا أمر ظاهري غالبي ، والله تعالى أعلم بالصواب (٣).

__________________

(١) وهم أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وطلحة بن عبيد الله التميمي ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وسعيد بن زيد ، وأبو عبيدة عامر بن الجراح ، والزبير بن العوام. انظر مسند أحمد ١ / ١٨٧ ـ ١٨٨ و ١٨٩ و ١٩٣ ، وسنن أبي داود ٤٦٤٩ و ٤٦٥٠ ، والترمذي ٣٧٤٨ و ٣٧٥٨ ، وابن ماجة ١٣٤.

(٢) أخرجه البخاري ١٣٦٧ و ٢٦٤٢ ، ومسلم ٩٤٩ ، وأخرجه الطيالسي ٢٠٦٢ ، والنسائي ٤ / ٤٩ ـ ٥٠ ، وأحمد ٣ / ١٨٦ ، والطحاوي في مشكل الآثار ٤ / ٢٨٩ من حديث أنس بن مالك.

ورواه من حديث أنس بن مالك دون ذكر لعمر رضي الله عنه ، مسلم ٩٤٩ ، والترمذي ١٠٥٨ ، وابن ماجة ١٤٩١ ، والبغوي ١٥٠٨ ، والطحاوي ٤ / ٢٨٨.

(٣) أقوال السلف في الشهادة بالجنة أخذها المصنّف من شرح الطحاوية لابن أبي العز ٢ / ٥٣٨ ـ ٥٣٩ بشيء من التصرّف.

١٨٣

وأبو طالب عمّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبو علي رضي الله عنه مات كافرا وقاسم وطاهر وإبراهيم كانوا بني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ...

____________________________________

(وأبو طالب عمّه) أي عمّ النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبو عليّ رضي الله عنه مات كافرا) ولم يؤمن به ، فقد ورد أنه لما حضر أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فوجد عنده أبا جهل وأضرابه ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا عمّ قل كلمة أحاجّ لك بها عند الله» ، فقال أبو جهل : أترغب عن ملّة عبد المطّلب؟ وتكرر هذا الكلام في ذلك المقام حتى قال أبو طالب في آخر المرام : أنا على ملّة عبد المطّلب ، وأبى أن يقول لا إله إلّا الله ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «والله لأستغفرنّ لك ما لم أنه عنك» ، فأنزل الله تعالى : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ). أي بأن ماتوا على الكفر ، وأنزل الله في حق أبي طالب حين عرض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الإيمان عليه حين موته فأبى ورد : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (١). رواه البخاري ومسلم (٢).

(وقاسم وطاهر وإبراهيم كانوا بني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم) أي أبناءه أما القاسم فهو أول ولد ولد له عليه الصلاة والسلام قبل النبوّة ، وبه كان يكنّى وعاش حتى مشى ، وقيل : عاش سنتين ، وقيل : بلغ ركوب الدابّة ، والأصح أنه عاش سبعة عشر شهرا ، ومات قبل البعثة وفي مستدرك الفريابي (٣) ما يدل على أنه توفي في الإسلام وهو أول من مات من أولاده عليه الصلاة والسلام ، وأما طاهر فقال الزبير بن بكار : كان له عليه الصلاة والسلام سوى القاسم وإبراهيم عبد الله مات صغيرا بمكة ، ويقال له : الطيب ، والطاهر ثلاثة أسماء ، وهو قول أكثر أهل النسب ، كما قاله أبو عمرو ، وقال الدارقطني : هو الأثبت ، ويسمى عبد الله بالطيب والطاهر لأنه ولد بعد النبوّة وقيل : عبد الله غير الطيب والطاهر ، كما حكاه الدارقطني وغيره.

وقيل : كان له عليه الصلاة والسلام الطيب والمطيب ولدا في بطن ، والطاهر

__________________

(١) التوبة : ١١٣.

القصص : ٥٦.

(٢) أخرجه البخاري ١٣٦٠ و ٣٨٨٤ و ٤٦٧٥ و ٤٧٧٢ و ٦٦٨١ ، ومسلم ٢٤ ح ٤٠ ، والنسائي ٤ / ٩٠ ، وابن حبان ٩٨٢ ، والبيهقي في الأسماء والصفات ص ٩٧ ـ ٩٨ ، والطبري في جمع البيان ١١ / ٤١ ـ ٤٢ و ٢٠ / ٩٢ ، والواحدي في أسباب النزول ص ١٨٧. كلهم من حديث المسيب بن حزم.

(٣) هو أحمد بن علي بن محمد الفريابي شهاب الدين المتوفى سنة ٧٧٨ ه‍ ، له شرح الإلمام في أحاديث الأحكام لابن دقيق العيد ولغات صحيح مسلم بن الحجاج.

١٨٤

وفاطمة ورقية وزينب وأم كلثوم كنّ جميعا بنات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ورضي عنهنّ ....

____________________________________

والمطهر ولدا في بطن ، كما ذكر صاحب الصفوة (١) ، وأما إبراهيم فولد من الجارية القبطية ، وقد قال عليه الصلاة والسلام بعد موته : «القلب يحزن والعين تدمع ولا نقول ما يسخط الربّ وإنّا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون» (٢). وتوفي وله سبعون يوما أو أكثر (٣) ، وصلى عليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالبقيع (٤) ، وقال : ندفنه عند فرطنا عثمان بن مظعون (٥) أخوه عليه الصلاة والسلام في الرضاعة.

(وفاطمة وزينب ورقية وأم كلثوم كنّ جميعا بنات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ورضي الله عنهنّ) ، وفي نسخة تقديم رقية على زينب بناء على اختلاف في أن زينب أكبر بناته عليه الصلاة والسلام ، وعليه أكثرهم أو رقية كما ذهب إليه بعضهم.

فعند [ابن] (٦) إسحاق أن زينب ولدت في سنة ثلاثين من مولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأدركت الإسلام وهاجرت وماتت سنة ثمان من الهجرة عند زوجها وابن خالتها أبي العاص لقيط ، وقد ولدت له عليّا مات صغيرا قد ناهز الحلم ، وكان رديف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ناقته يوم الفتح (٧) ، وولدت له أيضا أمامة التي حملها صلى‌الله‌عليه‌وسلم في صلاة الصبح على عاتقه ، وكان إذا

__________________

(١) هو الإمام أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي المتوفى ٥٩٧ ه‍ في كتابه صفة الصفوة ١ / ٧٧ حيث قال : قال أبو بكر البرقي : ويقال : إن الطاهر هو الطيب وهو عبد الله ويقال إن الطيب والمطيّب ولدا في بطن ، والطاهر والمطهر ولدا في بطن. ا. ه.

(٢) أخرجه البخاري ١٣٠٣ ، ومسلم ٢٣١٥ ، وأبو داود ٣١٢٦ كلهم من حديث أنس بن مالك.

ولفظه : «إن العين تدمع ، والقلب يخشع ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ، وإنّا بفراقك يا إبراهيم محزونون».

(٣) قال ابن الجوزي في صفة الصفوة ١ / ٧٧ : إبراهيم أمه مارية القبطية ، ولد في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة وتوفي ابن سنة عشر شهرا ، وقيل ثمانية عشر شهرا ، ودفن بالبقيع. ا. ه.

(٤) قال ابن القيم في زاد المعاد ١ / ١٠٤ : «واختلف هل صلى عليه أم لا؟ على قولين ...». وذكر الهيثمي في المجمع ٩ / ١٦٢ : عن السدي قال : سألت أنس بن مالك قلت : صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ابنه إبراهيم؟ قال : لا أدري ، رحمة الله على إبراهيم لو عاش لكان صدّيقا نبيّا». وقال : رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.

(٥) لم أجده بهذا اللفظ إنما وجدته من حديث الأسود بن سريع قال : لما مات عثمان بن مظعون أشفق المسلمون عليه فلما مات إبراهيم ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : الحق بسلفنا الصالح عثمان بن مظعون. رواه الطبراني كما في المجمع ٩ / ٣٠٢ : ورجاله ثقات.

(٦) تصحّفت ابن في الأصل إلى أبي والصواب ما أثبتناه وابن إسحاق هو صاحب السيرة النبوية المشهورة.

(٧) أخرجه الطبراني عن الزبير كما في المجمع ٩ / ٢١٢ ونصه : «قال الزبير : وحدّثني عمر بن أبي بكر

١٨٥

____________________________________

ركع وضعها وإذا رفع رأسه من السجود أعادها (١) وتزوّجها علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد موت فاطمة رضي الله عنها.

وأما فاطمة الزهراء البتول فولدت سنة إحدى وأربعين من مولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فتقديمها على زينب لتقدمها بحسب الرتبة فقد ورد مرفوعا : «إنما سمّيت فاطمة لأن الله تعالى قد فطمها وذريّتها عن النار يوم القيامة» (٢) ، أخرجه الحافظ الدمشقي ، وروى النسائي مرفوعا : «إنما سمّيت فاطمة لأن الله تعالى فطمها ومحبّيها عن النار (٣) وسمّيت بتولا لانقطاعها عن نساء زمانها فضلا ودينا وحسبا ونسبا ، وقيل : لانقطاعها عن الدنيا ، وتزوّجت بعليّ بن أبي طالب في السنة الثالثة ، وكان تزويجها بأمر الله ووحيه (٤) ، وكانت أحب أهله إليه ، وإذ أراد سفرا يكون آخر عهده بها ، وإذا قدم كان أول ما يدخل عليها ، وقال عليه الصلاة والسلام : «فاطمة بضعة مني فمن أبغضها أبغضني» (٥). ورواه البخاري ، وفي رواية مسلم قال لها : أو ما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين» (٦).

وفي رواية أحمد أفضل نساء أهل الجنة وتوفيت بعده عليه الصلاة والسلام بستة أشهر وهي ابنة تسع وعشرين سنة ، وقد ولدت لعليّ حسنا وحسينا سيّدا شباب أهل

__________________

الموملي قال : توفي علي بن أبي العاص بن الربيع ابن بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد ناهز الحلم وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أردفه على راحلته يوم الفتح». قال الهيثمي : وعمر بن أبي بكر متروك.

(١) أخرجه البخاري ٥١٦ ، ومسلم ٥٤٣ ح ٤١ ، وأبو داود ٩١٧ ، والنسائي ٣ / ١٠ ، والموطأ ١ / ١٧٠ ، وأحمد ٥ / ٢٩٦ و ٢٩٧ ، والدارمي ١ / ٣١٦ ، والطيالسي ١ / ١٠٩ ، والشافعي ١ / ٩٦ ، والحميدي ٤٢٢ ، وابن حبان ١١٠٩ ، والطبراني في الكبير ٢٢ / ١٠٦٦ ـ ١٠٦٧ كلهم من حديث أبي قتادة.

(٢) أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات ١ / ٤٢١ من حديث أبي هريرة وقال : هذا عمل الغلابي ، وقد ذكرنا عن الدارقطني أنه كان يضع الحديث.

(٣) لم أجده عند النسائي ولكن أخرجه الديلمي ١٣٨٥ في الفردوس من حديث جابر بن عبد الله ونصه : «إنما سمّيت بنتي فاطمة لأن الله عزوجل فطمها وفطم محبّيها عن النار».

(٤) يشير المصنّف إلى حديث عبد الله بن مسعود عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن الله أمرني أن أزوّج فاطمة من علي». قال الهيثمي في المجمع ٩ / ٢٠٤ : رواه الطبراني ورجاله ثقات. ا. ه.

(٥) أخرجه البخاري ٥٢٧٨ و ١٣٢٨ و ٥٢٣٠ ، ومسلم ٢٤٤٩ ح ٩٣ ، وأبو داود ٢٠٧١ ، والترمذي ٣٨٦٧ ، وابن ماجة ١٩٩٨ ، وأحمد ٤ / ٣٢٨ ، والنسائي في الفضائل ٢٦٥ ، والبيهقي ٧ / ٣٠٧ ، والبغوي ٣٩٥٨ ، وابن حبان ٦٩٥٥ ، والطبراني ٢٢ / ١٠١٢ كلهم من حديث المسور بن مخرمة.

(٦) أخرجه البخاري ٣٦٢٤ ، ومسلم ٢٤٥٠ ح ٩٨ و ٩٩ ، وابن ماجة ١٦٢١ ، والنسائي في الفضائل ٢٦٣ كلهم من حديث عائشة.

١٨٦

____________________________________

الجنة ، كما ثبت في السّنّة (١) ومحسنا مات محسن صغيرا ، وأم كلثوم وزينب لم يكن لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عقب إلا من ابنته فاطمة رضي الله عنها فانتشر نسله الشريف منها فقط من جهة السبطين أعني الحسنين ، وأما رقية فولدت سنة ثلاث وثلاثين من مولده عليه الصلاة والسلام وكانت تحت عتبة بن أبي لهب وأختها أم كلثوم تحت أخيه عتيبة بالتصغير ، فلما نزلت (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ) قال لهما أبو لهب : رأسي من رأسكما حرام إن لم تفارقا ابنتي محمد ففارقاهما (٢) ، ولم يكونا دخلا بهما فتزوّج عثمان بن عفّان رقية بمكة ، وهاجر بها الهجرتين ، وتوفيت والنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ببدر ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه لما عزّي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بها قال : الحمد لله دفن البنات من المكرمات (٣) ، وأما أم كلثوم فقد ورد أنه لمّا توفيت رقية خطب عثمان بنت عمر حفصة فردّه فبلغ ذلك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : «يا عمر أدلّك على خير لك من عثمان ، وأدلّ عثمان على خير له منك»؟ قال : نعم يا رسول الله. قال : «زوّجني ابنتك ، وأزوّج عثمان ابنتي» (٤) أخرجه الخجندي ، وروي أنه عليه الصلاة والسلام قال له : «والذي نفسي بيده لو أن عندي مائة بنت يمتن ، واحدة بعد واحدة زوّجتك أخرى هذا جبرائيل عليه‌السلام أخبرني أن الله يأمرني أن أزوّجكها» (٥). رواه الفضائلي ، ولم يذكر الإمام الأعظم رحمه‌الله أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأنا أذكرهنّ إجمالا في مقام المرام.

فأمّهات المؤمنين خديجة وسودة وعائشة وحفصة وأم سلمة ، وأم حبيبة ، وزينب

__________________

(١) أخرجه أحمد ٣ / ٣ و ٦٢ و ٦٤ ، والترمذي ٣٧٦٨ ، وابن أبي شيبة ١٢ / ٩٦ ، والحاكم ٣ / ١٦٦ ـ ١٦٧ ، والطحاوي في المشكل ٢ / ٣٩٣ ، وأبو يعلى ١١٦٩ ، والطبراني ٢٦١٢ ، وابن حبان ٦٩٥٩ ، والخطيب ١١ / ٩٠ ، والطبراني ٢٦١١ ، وأبو نعيم في الحلية ٥ / ٧١ كلهم من حديث أبي سعيد الخدري ، قال الترمذي حسن صحيح وهو كما قال.

(٢) انظر السيرة النبوية لابن هشام ٢ / ٦٥٢.

(٣) أخرجه الديلمي في الفردوس ٣٠٦٥ ، والطبراني في الكبير والأوسط والبزار كما في مجمع الزوائد ٣ / ١٢ من حديث ابن عباس. قال الهيثمي : وفيه عثمان بن عطاء الخراساني وهو ضعيف. ا. ه.

وذكره العجلوني في كشف الخفاء برقم ١٣٠٨. وقال : رواه الصغاني وحكم عليه بالوضع.

وذكره الذهبي في الميزان ٣ / ٦٢٢ في ترجمة محمد بن عبد الرحمن بن طلحة. وقال : هذا حديث عراك بن خالد ، عن عثمان ، سرقه هذا ـ أي محمد بن عبد الرحمن بن طلحة ـ منه ، قاله ابن عدي. ا. ه.

(٤) أورد نحوه الحافظ ابن حجر في الإصابة ٤ / ٢٧٣ ، وقال : أخرجه ابن سعد.

(٥) لم أجده.

١٨٧

وإذا أشكل على الإنسان شيء من دقائق علم التوحيد فإنه ينبغي له أن يعتقد في الحال ما هو الصواب عند الله تعالى إلى أن يجد عالما فيسأله ولا يسعه تأخير الطلب ولا يعذر بالوقف فيه ، ويكفر ....

____________________________________

بنت جحش ، وزينب بنت خزيمة ، وميمونة وجويرية ، وصفية رضي الله تعالى عنهنّ ، فهنّ إحدى عشرة من أزواجه عليه الصلاة والسلام التي دخل بهنّ لا خلاف بين أهل السّير والعلم بالأثر في حقّهنّ ، وقد ذكر أنه عليه الصلاة والسلام تزوّج نسوة من غيرهنّ.

هذا وقال الإمام الأعظم رحمه‌الله في كتابه الوصية : وعائشة رضي الله عنهما بعد خديجة الكبرى رضي الله عنها أفضل نساء العالمين ، وهي أم المؤمنين ومطهرة من الزنا وبريئة مما قال الروافض ، فمن شهد عليها بالزنا فهو ولد الزنا. انتهى.

ولا يخفى أن من قذفها بالزنا فهو كافر بالآيات القرآنية الواردة في براءة ساحتها مما نسب إليها من الأمور النفسانية ، وأما من سبّها بسبب محاربتها ومخالفتها لعليّ رضي الله عنه فهو ضالّ مبتدع غال فاجر ، والله تعالى أعلم بالسرائر ، وأما قوله : إنها أفضل نساء العالمين فيحتمل أنها أفضل نساء عالمي زمانها ، أو نساء العالمين جميعها ، وهل يدخل فيهنّ خديجة وفاطمة ومريم رضي الله عنهنّ على اختلاف ورد في حقّهنّ بحسب تفاوت الأحاديث الثابتة في فضلهنّ (١) ، وسيأتي تفصيل تفضيل بعضهنّ في المحال الأليق بهنّ.

ثم قول الإمام الأعظم رحمه‌الله في الوصية : فهو ولد الزنا لا يخلو عن غرابة في مقام المرام كما لا يخفى على ذوي الأفهام بالأحكام ، ولعله محمول على التشبيه البليغ والمعنى ، فهو كولد الزنا في كونه شرّ الثلاثة كما ورد يعني بحكم غلبة الواقعة.

(وإذا أشكل) أي التبس (على الإنسان) أي من أهل الإيمان (شيء من دقائق علم التوحيد) أي ولم يتحقق عنده حقائق مقام التفريد ومرام التمجيد (فينبغي له) أي يجب عليه أن يعتقد في الحال ما هو الصواب عند الله تعالى) أي بطريق الإجمال (إلى أن يجد عالما) أي عارفا بحقيقة الأحوال (فيسأله) أي ليعلم العلم التفصيلي على وجه الكمال (ولا يسعه تأخير الطلب) أي عند تردّده في صفة من صفات الجلال ، أو نعوت الجمال (ولا يعذر بالوقف فيه) أي يتوقفه في معرفة هذه الأحوال وعدم تفحّصه بالسؤال (ويكفر) أي

__________________

(١) أخرج الترمذي ٣٧٧٨ وأحمد ٣ / ١٣٥ ، والطحاوي في المشكل ١٤٧ ، وابن حبان ٧٠٠٣ ، والحاكم ٣ / ١٥٧ ـ ١٥٨ بإسناد صحيح عن أنس بن مالك أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد ، وآسية امرأة فرعون».

١٨٨

إن وقف. وخبر المعراج حق فمن ردّه فهو ضالّ مبتدع ، ....

____________________________________

في الحال (إن وقف) أي بأن توقف على بيان الأمر في الاستقبال ، لأن التوقّف موجب للشك ، وهو فيما يفترض اعتقاده كالإنكار ، ولذا أبطلوا قول الثلجي (١) من أصحابنا حيث قال : أقول بالمتفق وهو أنه كلامه تعالى ولا أقول مخلوق ، أو قديم ، هذا والمراد بدقائق علم التوحيد أشياء يكون الشك والشّبهة فيها منافيا للإيمان ومناقضا للإيقان بذات الله تعالى وصفته ومعرفة كيفية المؤمن به بأحوال آخرته فلا ينافي أن الإمام توقف في بعض الأحكام لأنها في شرائع الإسلام فالاختلاف في علم الأحكام رحمة ، والاختلاف في علم التوحيد والإسلام ضلالة وبدعة ، والخطأ في علم الأحكام مغفور ، بل صاحبه فيه مأجور بخلاف الخطأ في علم الكلام ، فإنه كفر وزور ، وصاحبه مأزور.

(وخبر المعراج) أي بجسد المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقظة إلى السماء ، ثم إلى ما شاء الله تعالى من المقامات العلى (حق) أي حديثه ثابت بطرق متعددة (فمن ردّه) أي ذلك الخبر ولم يؤمن بمقتضى ذلك الأثر (فهو ضالّ مبتدع) أي جامع بين الضلالة والبدعة.

وفي كتاب الخلاصة : من أنكر المعراج ينظر إن أنكر الإسراء من مكة إلى بيت المقدس فهو كافر ، ولو أنكر المعراج من بيت المقدس لا يكفر ، وذلك لأن الإسراء من الحرم إلى الحرم ثابت بالآية ، وهي قطعية الدلالة ، والمعراج من بيت المقدس إلى السماء ثبت بالسّنّة وهي ظنيّة الرواية والدراية ، وقد أفردت هذه المسألة المصوّرة رسالة مختصرة وسمّيتها بالمنهاج العلوي في المعراج النبوي ، وقد أغرب شارح العقائد في تأويل قول عائشة رضي الله تعالى عنها ما فقد جسد محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلة المعراج (٢) حيث قال : معناه ما فقد جسده عن الروح ، بل كان معه روحه (٣). انتهى. وغرابته لا تخفى (٤) ، والتأويل الصحيح أن المعراج كان بمكة في أوائل البعثة حين لم تولد عائشة رضي الله عنها ، أو يقال : القضية كانت متعددة ، ولذا اختلف في الانتهاء فقيل : إلى الجنة ، وقيل : إلى العرش ، وقيل : إلى ما فوقه وهو مقام (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) (٥). ولا يلزم من تعدّد الواقعة فرض الصلاة كل مرة كما

__________________

(١) الثلجي : هو ابن شجاع أبو عبد الله الثلجي أحد الفقهاء ، صحب الحسن بن زياد وتفقّه عليه ، له تصانيف منها تصحيح الآثار والنوادر. توفي سنة ٢٦٦ ه‍.

(٢) أخرجه ابن إسحاق في السيرة النبوية لابن هشام ١ / ٣٩٩. وانظر زاد المعاد للإمام ابن القيم ٣ / ٤٠.

(٣) شرح العقائد النسفية ص ٢٢٠.

(٤) تصحّفت في الأصل إلى يخفى والثواب تخفى بالتاء.

(٥) النجم : ٨ ، والمقصود بالدنو هنا هو دنو جبريل وتدلّيه كما قالت عائشة وابن مسعود رضي الله عنها

١٨٩

وخروج الدجّال ويأجوج ومأجوج ، وطلوع الشمس من مغربها ، ونزول عيسى عليه‌السلام من السماء ، ....

____________________________________

توهّم ابن القيّم معترضا (١).

 (وخروج الدجّال ويأجوج ومأجوج) كما قال الله تعالى : (حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ) (٢). أي يسرعون (وطلوع الشمس من مغربها) كما قال الله تعالى : (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً) (٣). أي لا ينفع الكافر إيمانه في ذلك الحين أي طلوع الشمس من المغرب ، ولا الفاسق الذي ما كسب خيرا في إيمانه ، أو توبته يعني لا ينفع نفسا إيمانها ولا كسبها الإيمان إن لم تكن آمنت من قبل ، أو كسبت خيرا. (ونزول عيسى عليه‌السلام من السماء) كما قال الله تعالى : (وَإِنَّهُ) أي عيسى (لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) (٤) أي علامة القيامة ، وقال الله تعالى : (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) (٥) أي قبل موت عيسى عليه‌السلام بعد نزوله عند قيام الساعة فتصير الملل واحدة وهي ملّة الإسلام الحقيقة.

وفي نسخة : قدّم طلوع الشمس على البقية وعلى كل تقدير فالواو لمطلق الجمعية ،

__________________

والسياق يدلّ عليه فإنه قال : (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى) [النجم : ٥]. وهو جبريل فالضمائر كلها عائدة إلى هذا المعلّم الشديد القوى ، وهو ذو المرة ، أي القوة ، وهو الذي استوى بالأفق الأعلى وهو الذي دنا فتدلى. انظر تفسير ابن كثير ٤ / ٢٢٢ ـ ٢٢٣ ، وزاد المعاد لابن القيّم ٣ / ٣٨.

(١) لم يعترض الإمام ابن القيم ولم يقل بتعدّد الإسراء والمعراج كما توهّم المصنّف بل على العكس من ذلك فإنه رحمه‌الله نقل عن العلماء أقوالهم في هذه المسألة وأخذ بالردّ على الذين يقولون بتعدّد الحادثة فقال : «ويا عجبا لهؤلاء الذين زعموا أنه مرارا ـ أي الإسراء والمعراج ـ كيف ساغ لهم أن يظنوا أنه في كل مرة تفرض عليه الصلاة خمسين ، ثم يتردّد بين ربّه وبين موسى حتى تصير خمسا ثم يقول : «أمضيت فريضتي وخفّفت عن عبادي» ثم يعيدها في المرة الثانية إلى الخمسين ، ثم يحطّها عشرا عشرا ، وقد غلّط الحفّاظ شريكا في ألفاظ من حديث الإسراء ، ومسلم أورد المسند منه ثم قال : فقدّم وأخّر وزاد ونقص ، ولم يسرد الحديث ، فأجاد رحمه‌الله». ا. ه. انظر زاد المعاد ٣ / ٤٢ ، وشرح الطحاوية ١ / ٢٧٢ ـ ٢٧٣ حيث نقل كلام الإمام ابن القيم من زاد المعاد.

(٢) الأنبياء : ٩٦.

(٣) الأنعام : ١٥٨.

(٤) الزخرف : ٦١.

(٥) النساء : ١٥٩.

١٩٠

____________________________________

وإلا فترتيب القضية أن المهدي عليه‌السلام يظهر أولا في الحرمين الشريفين (١) ، ثم يأتي بيت المقدس فيأتي الدجال ويحضره في ذلك الحال فينزل عيسى عليه‌السلام من المنارة الشرقية في دمشق الشام ويجيء إلى قتال الدجّال فيقتله بضربة في الحال (٢) ، فإنه يذوب كالملح في الماء عند نزول عيسى عليه‌السلام من السماء ، فيجتمع عيسى عليه‌السلام بالمهدي رضي الله عنه ، وقد أقيمت الصلاة فيشير المهدي لعيسى بالتقدّم ، فيمتنع معلّلا بأن هذه الصلاة أقيمت لك (٣) ، فأنت أولى بأن تكون الإمام في هذا المقام ويقتدي به ليظهر متابعته لنبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم كما أشار إلى هذا المعنى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقوله : «لو كان عيسى حيّا ما وسعه إلا اتّباعي» (٤).

وقد بيّنت وجه ذلك عند قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ) (٥). الآية. في شرح الشفاء وغيره ، وقد ورد أنه يبقى في الأرض أربعين سنة ، ثم يموت ويصلي عليه المسلمون ، ويدفنونه (٦) على ما رواه الطيالسي في مسنده ، وروى غيره أنه يدفن بين النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والصدّيق رضي الله عنه (٧) ،

__________________

(١) يشير المصنّف إلى ما أخرجه أبو داود ٤٢٨٦ من حديث أم سلمة.

(٢) هو بعض حديث طويل أخرجه مسلم ٢١٣٧ ، وأبو داود ٤٣٢١ مختصرا ، والترمذي ٢٢٤٠ ، وابن ماجة ٧٠٤٥ ، وأحمد ٤ / ١٨١ كلهم من حديث النواس بن سمعان الكلابي.

(٣) أخرجه ابن ماجة ٤٠٧٧ من حديث أبي أمامة الباهلي.

(٤) لم أجده بهذا اللفظ وإنما وجدته من حديث جابر بن عبد الله : أن عمر بن الخطاب أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فغضب. وقال : «أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب؟! والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به ، أو بباطل فتصدقوا به ، والذي نفسي بيده لو أن موسى كان فيكم حيّا ما وسعه إلا أن يتبعني». قال الهيثمي في المجمع : ١ / ١٧٤ : رواه أحمد وأبو يعلى والبزار وفيه مجالد بن سعيد ضعّفه أحمد ويحيى بن سعيد وغيرهما.

(٥) آل عمران : ٨١.

(٦) أخرجه أبو داود ٤٣٢٤ ، وأحمد ٢ / ٤٠٦ ، والطبري في تفسيره ١٠٨٣٠. وابن حبان ٦٨٢١ ، والحاكم ٢ / ٥٩٥ وصححه ووافقه الذهبي ، وعبد الرزاق ٢٠٨٤٥ كلهم من حديث أبي هريرة بإسناد صحيح.

(٧) أخرجه الترمذي ٣٦١٧ من حديث عبد الله بن سلام موقوفا وقال : حديث حسن غريب.

ونصه : «مكتوب في التوراة صفة محمد وصفة عيسى ابن مريم يدفن معه». قال : فقال : أبو مودود وقد بقي في البيت موضع قبر.

١٩١

وسائر علامات يوم القيامة على ما وردت به الأخبار الصحيحة حق كائن ، والله ....

____________________________________

وروي أنه يدفن بين الشيخين (١) فهنيئا للشيخين ، حيث اكتنفا بالنبيين ، وفي رواية أنه يمكث سبع سنين (٢) قيل : وهي الأصح ، والمراد بالأربعين في الرواية الأولى مدة مكثه قبل الرفع وبعده ، فإنه رفع وله ثلاث وثلاثون سنة ، وفي شرح العقائد الأصح أن عيسى عليه الصلاة والسلام يصلي بالناس ، ويؤمّهم ويقتدي به المهدي ، لأنه أفضل وإمامته أولى. انتهى.

ولا ينافي ما قدّمناه كما لا يخفى ، ثم يظهر يأجوج ومأجوج فيهلكهم الله أجمعين ببركة دعائه عليهم ، ثم يموت المؤمنون (٣) وتطلع الشمس من مغربها ، ويرفع القرآن كما روى ابن ماجة من حديث حذيفة يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب ، أي أطرافه حتى لا يدري صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة ، ويسري على كتاب الله في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية (٤) ، وروى البيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : اقرءوا القرآن قبل أن يرفع فإنه لا تقوم الساعة حتى يرفع ، قالوا : هذه المصاحف ترفع فكيف ما في الصدور؟ قال : يغدي عليهم ليلا فيرفع من صدورهم فيصبحون يقولون : لكنّا نعلم شيئا ثم يقعون في الشعر.

وقال القرطبي : وهذا إنما يكون بعد موت عيسى عليه الصلاة والسلام ، وبعد هدم الحبشة الكعبة ، وتفاصيل هذه الأحوال ليس هذا المحل محل بيان بسطها ، وكذا ما أبهم الإمام الأعظم رحمه‌الله بقوله : (وسائر علامات يوم القيامة) إذ يكفي الإيمان الإجمالي بما في الكتاب والسّنّة (على ما وردت) أي على وفق ما جاءت (به الأخبار الصحيحة) ، بل الآيات الصريحة بالنسبة إلى بعض شرائطها (حق كائن) أي ثابت وأمر قويم (والله

__________________

(١) روى الطبراني كما في المجمع ٨ / ٢٠٦ عن عبد الله بن سلام قال : يدفن عيسى ابن مريم عليه‌السلام مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصاحبيه رضي الله عنهما فيكون قبره رابع. قال الهيثمي : رواه الطبراني وفيه عثمان بن الضحاك وثّقه ابن حبان وضعّفه أبو داود وقد ذكر المزي رحمه‌الله هذا في ترجمته وعزاه إلى الترمذي وقال : حسن ولم أجده في الأطراف والله أعلم. ا. ه.

(٢) أخرجه مسلم ٢٩٤٠ من حديث عبد الله بن عمرو.

(٣) هو بعض حديث النواس بن سمعان المتقدّم برقم (٢).

(٤) أخرجه ابن ماجة ٤٠٤٩ ، والحاكم ٤ / ٤٧٣ و ٥٤٥ وقال صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وهو كما قالا ، والديلمي في الفردوس ٨٧٩٧ كلهم من حديث حذيفة. قال البوصيري في الزوائد (ق ٢٤٧ / ١) إسناده صحيح ورجاله ثقات وصحّحه الألباني في الصحيحة رقم : ٨٧.

١٩٢

تعالى يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

____________________________________

(تعالى يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) أي من جمال فضله ، وإن كان سبحانه كما قال : (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ). عموم الأنام بمقتضى عدله ، فختم الإمام الأعظم معتقده بالهداية الخاصة الخالصة فنفتدي به في طلب حسن الخاتمة باستمرار حالة البداية إلى مقام النهاية مقرونا بعين العناية ، وزين الحماية عمّا يؤدّي إلى الضلالة والغواية ، فنسأل الله العفو والعافية ودوام الرعاية.

١٩٣

____________________________________

فصل

ثم اعلم أن الإمام الأعظم رحمه‌الله صنّف الفقه الأكبر في حال الحياة والوصية عند الممات ، وقد ذكرت عبارتهما مستوفاة وهنا مسائل ملحقات لا بدّ من ذكرها في إتيان الاعتقادات ، ولو كانت من الأمور الخلافيات لتتم بها المقاصد وتكمل بها العقائد.

وذلك لأن حدّ أصول الدين علم يبحث فيه عما يجب الاعتقاد ، وهو قسمان : قسم يقدح الجهل به في الإيمان كمعرفة الله تعالى وصفاته الثبوتية والسلبية ، والرسال والنبوّة وأمور الآخرة ، وقسم لا يضرّ كتفضيل الأنبياء على الملائكة فقد ذكره السبكي في تأليف له لو مكث الإنسان مدة عمره لم يخطر بباله تفضيل النبي على الملك لم يسأله الله عنه. انتهى.

وعرف صاحب المقاصد علم الكلام : بأنه العلم بالعقائد الدينية عن الأدلة اليقينية ، فالقسم الثاني من الملحقات فمن شاء على ما قدّمناه ومن شاء زيادة الفائدة منها فليتعلق بما ألحقناه (فمنها) تفضيل بعض الأنبياء على بعضهم وهو قطعي بحسب الحكم الإجمالي. حيث قال الله تعالى : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) (١). وقال الله تعالى : (وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ) (٢). أي بمزيد العلم اللدني لا بوفور المال الدنيّ ، وأما بحسب الحكم التفصيلي فالأمر ظني ، والمعتقد المعتمد أن أفضل الخلق نبيّنا حبيب الحق ، وقد ادّعى بعضهم الإجماع على ذلك ، فقد قال ابن عباس رضي الله عنه : إن الله فضّل محمدا على أهل السماء ، وعلى الأنبياء (٣) ، وفي حديث مسلم والترمذي عن أنس رضي الله عنه : «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر» (٤). زاد

__________________

(١) البقرة : ٢٥٣.

(٢) الإسراء : ٥٥.

(٣) رواه الطبراني كما في المجمع ٨ / ٢٥٤ ـ ٢٥٥ ، وقال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح غير الحكم بن أبان وهو ثقة. ورواه أبو يعلى باختصار كثير. ا. ه.

(٤) أخرجه مسلم ٢٢٧٦ ، والترمذي ٣٦٠٥ و ٣٦٠٦ ، وأحمد ٤ / ١٠٧ ، وابن حبان ٦٢٤٢ ، والطبراني ٢٢ / ١٦١ كلهم من حديث واثلة بن الأسقع ، قال الترمذي حديث حسن صحيح. قلت : لم أجده في مسلم ولا الترمذي من رواية أنس بن مالك ولعله وهم من المصنف فقد بحثت كثيرا ولم أجده. ا. ه.

وفي الباب عن عبد الله بن مسعود عند ابن حبان ٦٤٧٨ ، وأبو يعلى ٣٥٠ / ١ ، وابن أبي عاصم ،

١٩٤

____________________________________

أحمد والترمذي وابن ماجة عن أبي سعيد «وبيدي لواء الحمد ولا فخر ، وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي ، وأنا أول من تنشقّ عنه الأرض ، ولا فخر ، وأنا أول شافع ، وأول مشفع ، ولا فخر» (١).

وروى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه ولفظه : «أنا أول من تنشقّ عنه الأرض فأكسى حلّة من حلل الجنة ثم أقوم عن يمين العرش ، وليس أحد من الخلائق يقوم ذلك المقام غيري» (٢). وأما ما ورد من حديث : فلا تخيّروني على موسى (٣) عليه الصلاة والسلام ، ولا تفضلوا بين الأنبياء (٤) وما ينبغي للعبد أن يقول : أنا خير من يونس ابن متّى (٥) ، فمؤوّل بما بينّاه في المرقاة شرح المشكاة ، ومجمله. أن المنع إنما هو مخصوص بما يجرّ إلى المنقصة أو الخصومة (٦) ، وأما ما ذكره النووي في شرح مسلم

__________________

وذكره الهيثمي في المجمع : ٨ / ٢٥٤ ، وقال : رواه أبو يعلى والطبراني ، وفيه عمرو بن عثمان الكلابي ، وثّقه ابن حبان على ضعفه. قلت يشهد له ما قبله وما بعده.

(١) أخرجه أحمد ٣ / ٢ ، والترمذي ٣٦١٥ ، وابن ماجة ٤٣٠٨ ، من حديث أبي سعيد الخدري وفيه علي بن زيد بن جدعان ، وفيه ضعف ، وحديثه حسن في الشواهد وهذا منها ولذا قال الترمذي حديث حسن.

(٢) أخرجه مسلم ٢٢٧٨ ، وأبو داود ٤٧٦٣ ، والترمذي ٣٦١٥ كلهم من حديث أبي هريرة.

(٣) أخرجه البخاري ٢٤١١ و ٣٤٠٨ ، ومسلم ٢٣٧٣ ح ١٦٠ ، وأبو داود ٤٦٧١ ، والبغوي ٤٣٠٢. من حديث أبي هريرة بلفظ : «لا تخيّروني على موسى». وأخرجه أحمد ٢ / ٢٦٤ بلفظ : لا تخيّروني عن موسى.

(٤) أخرجه البخاري ٣٤١٤ ، ومسلم ٢٣٧٣ ح ١٥٩ من حديث أبي هريرة. وأخرجه البخاري ٢٤١٢ ، و ٤٦٣٨ ، ومسلم ٢٣٧٤ ، وأحمد ٣ / ٣٣ ، وأبو داود ٤٦٦٨ ، وابن أبي شيبة ١١ / ٥٢٦ ، والطحاوي في المشكل ١ / ٤٥٢ من حديث أبي سعيد الخدري بلفظ : «لا تخيّروا بين الأنبياء».

(٥) أخرجه البخاري ٣٤١٥ و ٣٤١٦ و ٤٦٣١ ، ومسلم ٢٣٧٦ من حديث أبي هريرة وأخرجه البخاري ٣٤١٣ و ٤٦٣٠ ، ومسلم ٢٣٧٧ ، وأبو داود ٤٦٦٩ ، والطيالسي ٢٦٥٠ ، والطبراني في الكبير ١٢٧٥٣ ، وأحمد ١ / ٢٤٢ و ٢٥٤ من حديث ابن عباس ، وأخرجه البخاري ٤٦٠٤ و ٤٨٠٥ من حديث أبي هريرة بلفظ : «من قال أنا خير من يونس بن متّى فقد كذب».

وأخرجه البخاري ٣٤١٢ و ٤٦٠٣ من حديث ابن مسعود «لا يقولن أحدكم إني خير من يونس بن متّى».

(٦) جاء في فتح الباري ٦ / ٤٤٦ : قال العلماء في نهيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن التفضيل بين الأنبياء : إنما نهى عن ذلك من يقول برأيه ، لا من يقوله بدليل ، أو من يقوله بحيث يؤدي إلى تنقيص المفضول أو يؤدي إلى الخصومة والتنازع ، أو المراد : لا تفضلوا بجميع أنواع الفضائل بحيث لا يترك للمفضول فضيلة ،

١٩٥

____________________________________

من أنه ورد قبل العلم ، أو محمول على التواضع فما استحسنه الجمهور.

قال شارح عقيدة الطحاوي : وأما حديث لا تفضلوني على يونس بن متّى فقال بعض الشيوخ : لا أفسّره حتى أعطى مالا جزيلا فلما أعطوه فسّره بأن قرب يونس من الله وهو في بطن الحوت كقرب محمد من الله تعالى ليلة المعراج وعدّوا هذا تفسيرا عظيما ، وهذا يدلّ على جهلهم بكلام الله تعالى وكلام رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى أن قال : وهل يقول مؤمن إن مقام الذي أسري به إلى ربّه وهو معظّم كريم كمقام الذي ألقي في بطن الحوت ، وهو مليم وأين المكرّم المقرّب من الممتحن المؤدّب ، فهذا في غاية التقريب ، وهذا في غاية التأديب ، وهل يقام هذا الدليل على نفي علوّ الله تعالى على خلقه بإثبات الأدلة الصحيحة القطعية الصريحة التي تزيد على ألف (١). انتهى.

ولا يخفى أنه لا مرية في أن مقام الإسراء أعلى وأغلى من ميقات موسى فضلا عن مقام يونس بن متّى عليه الصلاة والسلام ، وإنما الكلام على أن قربه سبحانه يستوي بكلّ منهم في كل حال ومقام كما يدلّ عليه قوله تعالى : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) (٢). وقوله تعالى : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (٣). وأما علوّه تعالى على خلقه المستفاد من نحو قوله تعالى : (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) (٤). فعلوّ مكانة ومرتبة لا علوّ مكان (٥) كما

__________________

فالإمام مثلا إذا قلنا : إنه أفضل من المؤذّن ، لا يستلزم نقص فضيلة المؤذن بالنسبة إلى الأذان ، وقيل : النهي عن التفضيل إنما هو في حق النبوّة نفسها كقوله تعالى : (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) ، ولم ينه عن تفضيل بعض الذوات على بعض لقوله : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ). وقال الحليمي : الأخبار الواردة في النهي عن التخيير ، إنما هي في مجادلة أهل الكتاب ، وتفضيل بعض الأنبياء على بعض المخايرة ، لأن المخايرة إذا وقعت بين أهل دينين لا يؤمن أن يخرج أحدهما إلى الازدراء بالآخر ، فيفضي إلى الكفر ، فأما إذا كان التخيير مستندا إلى مقابلة الفضائل لتحصيل الرجحان ، فلا يدخل في النهي. ا. ه.

(١) شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز ١ / ١٦١ ـ ١٦٣ بتصرّف في العبارة.

(٢) الحديد : ٤.

(٣) ق : ١٦.

(٤) الأنعام : ١٨ ، ٦١.

(٥) قال الإمام الشافعي رحمه‌الله في وصيته ص ٣٨ ـ ٣٩ : «وأن الله عزوجل يرى في الآخرة ، ينظر إليه المؤمنون عيانا جهارا ، ويسمعون كلامه ، وأنه فوق العرش». ا. ه. وقال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه‌الله في عقيدته ص ١٧ : «وهو مستغن عن العرش وما دونه ، محيط بكل شيء وفوقه ، وقد أعجز عن الإحاطة خلقه». ا. ه.

١٩٦

____________________________________

هو مقرّر عند أهل السّنّة والجماعة ، بل وسائر طوائف الإسلام من المعتزلة والخوارج وسائر أهل البدعة إلا طائفة من المجسّمة وجهلة من الحنابلة القائلين بالجهة تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.

وقد أغرب الشارح حيث قال : في قوله تعالى : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ) (١) في ذلك إثبات صف العلو لله تعالى. انتهى. وغرابته لا تخفى إذ النزول والتنزيل تعديتهما بعلى ، والمراد بنزوله هاهنا من جهة السماء على أن الكلام في علوّ الكلام على قلب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولا نزاع في هذا المقام ولا يلزم من ذلك علوّ المكان للملك العلّام ، وأما قوله : وكلام السّلف في إثبات صفة العلوّ كثير جدّا بعد ما ذكر بعض الآيات والأحاديث الدالّة على صفة الفوقية ، ونعت العلويّة فمسلم إلا أنه مؤوّل (٢) كله بعلو المكانة ، ثم قال : ومنه ما روي عن أبي مطيع البلخي رحمه‌الله أنه سأل أبا حنيفة رحمه‌الله عمّن قال لا أعرف ربّي في السماء هو أم في الأرض ، فقال : قد كفر لأن الله تعالى يقول : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) (٣). وعرشه فوق سبع سماوات.

قلت : فإن قال إنه على العرش ، ولكن لا أدري العرش في السماء ، أم في الأرض ، قال : هو كافر لأنه أنكر كونه في السماء ، فمن أنكر أنه في السماء فقد كفر لأن الله تعالى في أعلى علّيّين ، وهو يدعى من أعلى لا من أسفل (٤). انتهى.

__________________

وقال الإمام أبو الحسن الأشعري في كتابه الإبانة ، ص ٩٧ : «ورأينا المسلمين جميعا يرفعون أيديهم إذا دعوا نحو السماء ، لأن الله عزوجل مستو على العرش الذي هو فوق السموات فلولا أن الله عزوجل على العرش لم يرفعوا أيديهم نحو العرش ، كما لا يحطّونها إذا دعوا إلى الأرض». ا. ه. وانظر بقية كلامه في الإبانة ، وانظر العلو للعليّ الغفّار للإمام الذهبي واجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية للإمام ابن القيّم. فالعلو عقيدة السّلف أهل السّنّة والجماعة ولا يمكن تأويله وإخراجه عن معناه الأصلي.

(١) الشعراء : ١٩٣.

(٢) قال الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء ١١ / ٣٧٦ : «هذه الصفات من الاستواء والإتيان والنزول قد صحّت بها النصوص ، ونقلها الخلف عن السلف ، ولم يتعرّضوا لها بردّ ولا تأويل ، بل أنكروا على من تأوّلها مع اتفاقهم على أنها لا تشبه نعوت المخلوقين ، وأن الله ليس كمثله شيء ، ولا ينبغي المناظرة ولا التنازع فيها ، فإن في ذلك محاولة للردّ على الله ورسوله ، أو حوما على التكييف أو التعطيل». ا. ه.

(٣) طه : ٥.

(٤) نقل الإمام الذهبي في العلو ص ١٠٣ كلام أبي حنيفة وعزاه إلى شيخ الإسلام أبو إسماعيل

١٩٧

____________________________________

والجواب أنه ذكر الشيخ الإمام ابن عبد السلام في كتاب حلّ الرموز أنه قال : «الإمام أبو حنيفة رحمه‌الله : من قال لا أعرف الله تعالى في السماء هو ، أم في الأرض كفر ، لأن هذا القول يوهم أن للحق مكانا ، ومن توهّم أن للحق مكانا فهو مشبّه» (١) انتهى. ولا شك أن ابن عبد السلام من أجلّ العلماء وأوثقهم فيجب الاعتماد على نقله لا على ما نقله الشارح مع أن أبا مطيع رجل وضّاع عند أهل الحديث ، كما صرّح به غير واحد.

والحاصل أن الشارح يقول بعلو المكان مع نفي التشبيه وتبع فيه طائفة من أهل البدعة ، وقد تقدم عن أبي حنيفة رحمه‌الله أنه يؤمن بالصفات المتشابهات ، ويعرض عن تأويلها وينزّه الله تعالى عن ظواهرها ويكل علمها إلى عالمها كما هو طريقة السّلف ، وكثير من الخلف ومذهبهم أسلم وأعلم وأحكم ، ولقد أغرب حيث قال : المكانة تأنيث المكان (٢) ، وأراد أنهما واحد في المعنى ، ولم يفرّق بين المنزلة المعنوية وبين المرتبة الحسّيّة مع أنه أورد ما جاء في الأثر إذ أحبّ أحدكم أن يعرف كيف منزلته عند الله ، فلينظر كيف منزلة الله فيه؟ فإن الله ينزل العبد من نفسه حيث أنزله العبد من قلبه (٣) ، ثم قال : وهو ما يكون في قلبه من معرفة الله ومحبته وتعظيمه وغير ذلك. انتهى. فهو من قبيل ما ورد في قوله عليه الصلاة والسلام : حبّك الشيء يعمي ويصمّ (٤) ، وقد ثبت عن إمام الحرمين في نفي صفة العلوّ قوله كان الله ولا عرش وهو الآن على ما كان (٥) ، ومما

__________________

الأنصاري في كتابه الفاروق وكذلك عزاه ابن أبي العز في شرحه للطحاوية ٢ / ٣٨٦.

(١) انظر التعليق السابق رقم ٣ وأقوال الأئمة هناك والردّ على هذا الكلام. وانظر الإبانة لأبي الحسن الأشعري ص ٩٧ ـ ١٠٣ ففيه ردّ كامل على هذا الكلام.

(٢) شرح الطحاوية ٢ / ٣٨٩.

(٣) أطلق المؤلّف كلمة الأثر على المأثور من كلام السلف ، كما هو اصطلاح الفقهاء ، فإن النص الذي أورده ليس بحديث.

(٤) أخرجه أحمد ٥ / ١٩٤ و ٦ / ٤٥٠ ، وأبو داود ٥١٣٠ ، والبخاري في التاريخ الكبير ٣ / ١ / ١٧٢.

والقضاعي في مسند الشهاب ٢١٩ ، والفسوي في المعرفة والتاريخ ٢ / ٣٢٨. والطبراني في مسند الشاميين ١٤٥٤ و ١٤٦٨ من طرق مختلفة عن أبي بكر بن أبي مريم به عن أبي الدرداء مرفوعا وأبو بكر بن أبي مريم ضعيف ورواه أبو الشيخ ١١٥ من طريق آخر وفيه من هو متكلم فيه وهو الحديث ١٢ من الدرّ الملتقط وردّ عليه الحافظ العراقي بأن ابن أبي مريم لم يتّهمه أحد بكذب ثم حسّنه ، والحق أنه ضعيف لا موضوع ولا حسن. ولذا قال الحافظ العلائي : هذا الحديث ضعيف لا ينتهي إلى درجة الحسن أصلا ، ولا يقال فيه موضوع.

(٥) القصة بتمامها حجة على المؤلف وليست حجة له وإليك نصها كاملا من شرح العقيدة الطحاوية

١٩٨

____________________________________

ينقض القول بالعلوّ المكاني وضع الجبهة على الأرض مع أنه ليس في جهة الأرض إجماعا ، وأما قول بشر المريسي في حال سجوده سبحان ربّي الأعلى والأسفل ، فهو زندقة وإلحاد في أسمائه تعالى ، ومن الغريب أنه استدلّ على مذهبه الباطل برفع الأيدي في الدعاء إلى السماء (١) ، وهو مردود لأن السماء قبلة الدعاء بمعنى أنها محل نزول الرحمة التي هي سبب أنواع النعمة ، وهو موجب دفع أصناف النقمة ، ولو كان الأمر كما قال هذا القائل في مدعاه الباطل لوقع التوجّه بالوجه إلى السماء ، وقد نهانا الشارع عن ذلك حال الدعاء لئلا يتوهّم أن يكون المدعو في السماء كما يشير إليه قوله تعالى : (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ) (٢). وقوله تعالى : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) (٣). وقد ذكر الشيخ أبو معين النسفي إمام هذا الفن في التمهيد له من أن المحقّقين قرّروا أن رفع الأيدي إلى السماء في حال الدعاء تعبّد محض ، قال الشارح العلّامة السغناقي : هذا جواب عمّا تمسك به غلاة الروافض واليهود والكرامية ، وجميع المجسّمة في أن الله تعالى على العرش هذا ، وقيل : إن العرش جعل قبلة للقلوب عند الدعاء ، كما جعلت الكعبة قبلة للأبدان في حال الصلاة ، وقد سبق أن هذا مما لا وجه له ، فإنه مأمورا باستقبال القبلة أيضا حال الدعاء وبرفع الأيدي إلى السماء ، وبعدم رفع الوجه إلى جهة العلو ، فالوجه ما قدّمناه مع أن التوجّه الحقيقي إنما يكون بالقلب إلى خالق السماء ، نعم نكتة رفع الأيدي إلى السماء أنها خزائن أرزاق العباد ، كما قال الله تعالى : (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ) (٤) الآية. مع أن الإنسان مجبول على الميل إلى التوجّه

__________________

٢ / ٣٩٠ : «وذكر محمد بن طاهر المقدسي أن الشيخ أبا جعفر الهمذاني حضر مجلس الأستاذ أبي المعالي الجويني المعروف بإمام الحرمين ، وهو يتكلم في نفي صفة العلو ، ويقول : كان الله ولا عرش وهو الآن على ما كان! فقال الشيخ أبو جعفر : أخبرنا يا أستاذ عن هذه الضرورة التي نجدها في قلوبنا؟ فإنه ما قال عارف قطّ يا الله إلا وجد في قلبه ضرورة تطلب العلو ، لا يلتفت يمنة ولا يسرة ، فكيف ندفع هذه الضرورة عن أنفسنا؟ قال فلطم أبو المعالي على رأسه ونزل! وأظنه قال : وبكى! وقال : حيّرني الهمذاني حيّرني الهمذاني!». وانظر الخبر في العلو للذهبي ص ١٨٨ ـ ١٨٩ ، وطبقات السبكي ٥ / ١٩٠.

(١) هذا هو مذهب السلف فيما حكاه الإمام الأشعري في إبانته ص ٩٧ ـ ٩٨. وانظر شرح الطحاوية ٢ / ٣٩٢ ـ ٣٩٤. فإنه قد أتى بأدلة عقلية ونقلية على هذه المسألة ولكن الملا علي القاري منعه تعصّبه الأعمى لمذهبه من تفهّم ما أراده شارح الطحاوية رحمه‌الله.

(٢) البقرة : ١٨٦.

(٣) البقرة : ١١٥.

(٤) الذاريات : ٢٢.

١٩٩

____________________________________

إلى جهة يتوقع منها حصول مقصوده كالسلطان إذا وعد العسكر بالأرزاق فإنهم يميلون إلى التوجّه نحو جنوب الخزينة ، وإن تيقنوا أن السلطان ليس فيها.

ثم جدّه عليه الصلاة والسلام إبراهيم أفضل بعده ، ففي الصحيح خير البريّة إبراهيم (١) عليه‌السلام فخصّ منه نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقوله على ما رواه الترمذي أن إبراهيم خليل الله ألا وأنا حبيب الله (٢) فبقي الباقي على عمومه.

واعلم أن الخلّة كمال المحبة وأنكر الجهمية حقيقة المحبة من الجانبين زعما منهم أن المحبة لا تكون إلا لمناسبة بين المحبّ والمحبوب ، وأنه لا مناسبة بين القديم والمحدث توجب المحبة ، وكان أول من ابتدع هذا في الإسلام هو الجعد بن درهم (٣) في أوائل المائة الثانية ، فضحّى به خالد بن عبد الله القسري (٤) أمير العراق والمشرق

__________________

(١) أخرجه مسلم ٢٣٦٩ ، وأبو داود ٤٦٧٢ ، وأحمد ٣ / ١٨٣ كلهم من حديث أنس ولفظه : «جاء رجل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال يا خير البرية فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ذاك إبراهيم عليه‌السلام». وفي رواية لأحمد : «ذاك إبراهيم أبي».

(٢) أخرجه الترمذي ٣٦١٦ من حديث ابن عباس ولفظه : «جلس ناس من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ينتظرونه قال : فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون فسمع حديثهم فقال : بعضهم : عجبا أن الله اتخذ من خلقه خليلا اتخذ إبراهيم خليلا ، وقال آخر : ما ذا بأعجب من كلام موسى كلمه تكليما ، وقال : فعيسى كلمة الله وروحه. وقال آخر : آدم اصطفاه الله ، فخرج عليهم فسلم وقال : قد سمعت كلامكم وعجبكم أن إبراهيم خليل الله وهو كذلك ، وموسى نجي الله وهو كذلك ، وعيسى روح الله وكلمته وهو كذلك ، وآدم اصطفاه الله وهو كذلك ، ألا وأنا حبيب الله ولا فخر ، وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر ، وأنا أول شافع وأول مشفع يوم القيامة ولا فخر ، وأنا أول من يحرّك حلق الجنة فيفتح الله لي فيدخلنيها ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر ، وأنا أكرم الأوّلين والآخرين ولا فخر. قال الترمذي هذا حديث غريب.

(٣) الجعد بن درهم ، عداده في التابعين ، مبتدع ضالّ ، زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ، ولم يكلم موسى تكليما ، فقتل على ذلك بالعراق يوم النحر ، والقصة مشهورة ، وكان من أهل الشام ، وهو مؤدّب مروان الحمار ، ولهذا يقال له : مروان الجعدي ، فنسب إليه ، وهو شيخ صفوان الذي تنسب إليه الطائفة الجهمية الذين يقولون : إن الله تعالى في كل مكان بذاته تعالى الله عما يقولون علوّا كبيرا. «ميزان الاعتدال» ١ / ٣٩٩ ، والبداية والنهاية : ١٠ / ١٩.

(٤) هو الأمير الكبير ، أبو الهيثم خالد بن عبد الله بن يزيد بن أسد بن كرز البجلي القسري الدمشقي أمير العراقيين لهشام ، المتوفى سنة ١٢٦ ه‍. قال الذهبي : كان جوادا ممدحا معظّما ، عالي الرتبة من نبلاء الرجال ، لكن فيه نصب ، وقال ابن معين : رجل سوء يقع في علي. مترجم في سير أعلام النبلاء ٥ / ٤٢٥ ـ ٤٣٢.

٢٠٠