شرح كتاب الفقه الأكبر للإمام الأعظم أبي حنيفة

الملّا علي القاري الحنفي

شرح كتاب الفقه الأكبر للإمام الأعظم أبي حنيفة

المؤلف:

الملّا علي القاري الحنفي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
ISBN: 978-2-7451-0998-7
الصفحات: ٣٣٦

وقد كانت منهم زلّات وخطيئات ، ...

____________________________________

بالكبائر ، وهذا أمر مرجعه إلى ما يقوم بالقلب هو قدر زائد على مجرد الفعل ، والإنسان يعرف ذلك من نفسه وغيره ، وأيضا فإنه قد [يعفى] (١) لصاحب الإحسان العظيم ما لا يعفى لغيره (٢) من الذنب الجسيم ، ثم هذه العصمة ثابتة للأنبياء قبل النبوّة وبعدها على الأصح وهم مؤيّدون بالمعجزات الباهرات والآيات الظاهرات ، وقد ورد في مسند أحمد رحمه‌الله أنه عليه الصلاة والسلام سئل عن عدد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فقال : مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا ، والرّسل منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر أولهم آدم عليه الصلاة والسلام وآخرهم محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٣) ، وهو لا ينافي قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ) (٤). فإن ثبوت الإجمال لا ينافي تفصيل الأحوال نعم الأولى أن لا يقتصر على الأعداد فإن الآحاد لا تفيد الاعتماد في الاعتقاد ، بل يجب كما قال الله تعالى : (كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ) (٥). أن يؤمن إيمانا إجماليّا من غير تعرّض لتعدّد الصفات وعدد الملائكة والكتب والأنبياء وأرباب الرسالة من الأصفياء (وقد كانت منهم) أي من بعض الأنبياء قبل ظهور مراتب النبوّة أو بعد ثبوت مناقب الرسالة (زلّات) أي تقصيرات (وخطيئات) أي عثرات بالنسبة إلى ما لهم من عليّ المقامات وسنيّ الحالات كما وقع لآدم عليه الصلاة والسلام في أكله من الشجرة على وجه النسيان ، أو ترك العزيمة واختيار الرخصة ظنّا منه أن المراد بالشجرة المنهيّة المشار إليها بقوله تعالى : (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) (٦). هي الشخصية لا الجنسية فأكل من الجنس لا من الشخص بناء على الحكمة الإلهيّة ليظهر ضعف قدر البشرية وقوة اقتضاء مغفرة الربوبية ، ولذا ورد حديث : «لو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر الله لهم» (٧) ، وبسط هذا يطول فنعطف عن هذا القول ، وهذا ما

__________________

(١) تصحّفت في الأصل إلى (يعفي) بالياء والصواب يعفى بالألف المقصورة كما في شرح الطحاوية.

(٢) انظر شرح الطحاوية ٢ / ٤٥١.

(٣) تقدّم تخريجه ص ٨٨ رقم (١).

(٤) غافر : ٧٨.

(٥) البقرة : ٢٨٥.

(٦) البقرة : ٣٥.

(٧) أخرجه مسلم ٢٧٤٩ ، وأحمد ٢ / ٣٠٥ و ٣٠٩ ، والترمذي ٢٥٢٦ ، والبغوي ١٢٩٤ ، و ١٢٩٥ من حديث أبي هريرة ، وفي الباب عن أبي أيوب عند أحمد ٥ / ١١٤ بلفظ : «لو لا أنكم تذنبون لخلق ـ

١٠١

____________________________________

عليه أكثر العلماء خلافا لجماعة من الصوفية ، وطائفة من المتكلمين حيث منعوا السهو والنسيان والغفلة ، وأما قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «إنه ليغان على قلبي ، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة» (١) ، فقال الرازي في التفسير الكبير : اعلم أن الغين يغشى القلب فيغطيه بعض التغطية وهو كالغيم الرقيق الذي يعرض في الهواء ، فلا يحجب عين الشمس ، ولكن يمنع كمال ضوئها ، ثم ذكروا لهذا الحديث تأويلات.

أولها : أن الله تعالى أطلع نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ما يكون في أمته من بعده من الخلاف وما يصيبهم ، فكان إذا ذكر ذلك وجد غنيا في قلبه فاستغفر لأمته ، قلت : وفيه بعد ظاهر في الإفهام من جهة دوام تذكّر ذلك المقام مع أنه عليه الصلاة والسلام كان في مرتبة عالية من المرام.

ثانيها : أنه عليه الصلاة والسلام كان ينتقل من حالة إلى أخرى أرفع من الأولى فكان الاستغفار لذلك يعني لتوقفه وظنه أنه الحالة الأعلى ، وهذا المعنى هو الأولى لمطابقة قوله تعالى : (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى) (٢).

وثالثها : أن الغين عبارة عن السكر (٣) الذي كان يلحقه في طريق المحبة حتى يصير فانيا على نفسه بالكليّة ، فإذا عاد إلى الصحو كان الاستغفار من ذلك الصحو ، وهو تأويل أرباب الحقيقة قلت : ويؤيده حديث «لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرّب أي جبرائيل المقدس ، أو نبي مرسل» (٤) أي نفسه الأنفس ، إلا أنه قد يقال الاستغفار ليس من الصحو ، بل من المحو لظاهر قوله عليه الصلاة والسلام : «وإنه ليغان على قلبي حتى يمنعني عن شهود ربي في مقام جمع الجمع الذي لا يحجب الكثرة عن الوحدة ولا يمنع

__________________

 ـ الله خلقا يذنبون ، فيغفر لهم» ، وهو في صحيح مسلم ٢٧٤٨ ، والترمذي ٣٥٣٩ ، وتاريخ بغداد ٤ / ٢١٧.

(١) أخرجه مسلم ٢٧٠٢ ح ٤١ ، وأحمد ٤ / ٢٦٠ ، وأبو داود ١٥١٥ ، وابن حبان ٩٣١ ، والنسائي في عمل اليوم والليلة ٤٤٢ ، والبغوي ١٢٨٧ ، والطبراني ٨٨٨ و ٨٨٩ من حديث الأغرّ المزني.

(٢) الضحى : ٤.

(٣) هذا الكلام لا يجوز في حق النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلا يجوز أن يوصف بالسكر لأنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان دائما في حالة الوعي التام والتفكير في دعوة الناس إلى الإسلام لإخراجهم من الظلمات إلى النور وهذا الكلام الذي قاله الرازي هو من سفسطات الصوفية وشطحاتهم ولا يؤيده دليل من الكتاب والسّنّة.

(٤) لم أجده وأمارة الوضع ظاهرة عليه يشبه أحاديث القصاص.

١٠٢

____________________________________

الوحدة عن الكثرة» (١). لا سيما وهو في منصب الرسالة وفي مقام تبليغ الدعوة والدلالة ، فكلّ ما يمنعه عن المقام الأكمل فنسبة الاستغفار إليه أمثل ، وقد يقال : الغين كناية عن الغير من ملاحظة الخلائق ومرابطة العلائق ومضايقة العوائق ، كما أن الغين كناية عن مراقبة الذات ومشاهدة الصفات وهو عين العلم والإيمان ، وزيّن العمل والإحسان كما يشير إليه حديث «الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه» (٢) ، أي أن تكون في مقام العبودية لله بحيث لا يخطر ببالك ما سواه ، والخواطر لا تنفك عن السرائر ، فكلما خطر بباله سوى الله قال : استغفر الله كما أشار شيخ مشايخنا أو الحسن البكري (٣) في حزبه إلى هذا المقام السري ، والحال السري ، وأومى إليه العارف ابن الفارض (٤) أيضا بقوله :

ولو خطرت لي في سواك إرادة

على خاطري سهوا حكمت بردّتي

ومن هذه العبارات يفهم مضمون كلام من قال من أهل الإشارات حسنات الأبرار سيئات المقرّبين الأحرار.

ورابعها : وهو تأويل أهل الظاهر أن القلب لا ينفك عن الخطرات وخواطر الشهوات وأنواع الميل والإرادات ، وكان يستعين بالرب في دفع تلك الخواطر قلت :

وخامسها : تبعا لأرباب الظاهر أنه عليه الصلاة والسلام كان استغفاره من رؤية العبادات ، أو من تقصيره في الطاعات ، أو عجزه عن شكر النّعم في الحالات ، ولذا كان

__________________

(١) الحديث إلى قوله : إنه ليغان على قلبي تقدّم تخريجه وما تبقى من تتمة فهو ليس من كلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإنما هو من شطحات وضلالات الصوفية القائلين بوحدة الوجود والحلول والاتحاد.

(٢) هو بعض حديث طويل مشهور أخرجه مسلم ٨ ، وأبو داود ٤٦٩٥ ، والترمذي ٢٦١٣ ، والنسائي ٨ / ٩٧ ، وابن ماجة ٦٣ من حديث عمر بن الخطاب.

(٣) هو محمد بن أبي محمد بن عبد الرحمن بن أحمد البكري الصديقي الشافعي المصري المتوفى سنة ٩٥٢ وأشهر تأليفه الأحاديث المحذّرات من شرب المسكرات ، وحزب الأنوار وغيرها انظر كشف الظنون ٦ / ٢٣٩.

(٤) هو عمر بن الحسن بن علي بن المرشد بن علي شرف الدين أبو حفص الحموي الأصل المصري الدار المعروف بابن الفارض الصوفي. توفي بمصر سنة ٦٣٦ ه‍. وله الألغاز ديوان شعر مشهور ونظم السلوك القصيدة التائية وهذا البيت المتقدّم منها وقد حكم العلماء في عصره وبعده بكفره انظر تحذير العباد من أهل العناد ببدعة الاتحاد المطبوعة مع تنبيه العتبي إلى تكفير ابن عربي لبرهان الدين البقاعي. ولا يجوز إطلاق اسم العارف عليه ولا على غيره لأن المعرفة لا يسبقها جهل وهي صفة الله سبحانه وتعالى.

١٠٣

____________________________________

يستغفر إذا فرغ من الصلاة ، وكذا إذا خرج من قضاء الحاجات ومن هذا القبيل قول رابعة العدوية : استغفارنا يحتاج إلى استغفار كثير ، وله معنيان أحدهما : أصدق من الآخر فتأمل وتدبّر فلنعطف من هذا المقام إلى ما كنّا في صدده من الكلام.

فذكر القاضي أبو زيد (١) في أصول الفقه أن أفعال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن قصد على أربعة أقسام : واجب ومستحبّ ومباح وزلّة ، فأما ما كان يقع من غير قصد كما يكون من النائم والمخطئ ونحوهما فلا عبرة بها ، لأنها غير داخلة تحت الخطاب ، ثم الزلة لا تخلو عن القرآن ببيان أنها زلّة إما من الفاعل من نفسه كقول موسى حين قتل القبطي بوكزته هذا من عمل الشيطان وإما من الله سبحانه كما قال الله تعالى في حق آدم عليه‌السلام : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) (٢). مع أنه قيل زلّته كانت قبل نبوّته لقوله تعالى : (ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى) (٣). وإذا لم تخل الزلّة عن البيان لم يشكل على أحد أنما غير صالحة للاقتداء بها فتلقّى العبرة للأنواع الثلاثة.

وقد ذكر شمس الأئمة أيضا نحوه ، وفي شرح العقائد أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون عن الكذب خصوصا فيما يتعلق بأمر الشرع وتبليغ الأحكام وإرشاد الأمة أما عمدا فبالإجماع ، وإما سهوا فعند الأكثرين وفي عصمتهم عن سائر الذنوب تفصيل وهو أنهم معصومون عن الكفر قبل الوحي وبعده بالإجماع ، وكذا عن تعمّد الكبائر عند الجمهور خلافا للحشوية (٤) ، وأما سهوا فجوّزه الأكثرون ، وأما الصغائر فتجوز عمدا عند الجمهور خلافا للجبائي وأتباعه ، وتجوز سهوا بالاتفاق إلا ما يدل على الخسّة كسرقة لقمة وتطفيف حبة ، لكن المحقّقين اشترطوا أن ينبّهوا عليه فينتهوا عنه هكذا كله بعد الوحي ، وأما قبله فلا دليل على امتناع صدور الكبيرة خلافا للمعتزلة ومنع الشيعة صدور الصغيرة والكبيرة قبل الوحي وبعده ، لكنهم جوّزوا إظهار الكفر تقية (٥) فما نقل

__________________

(١) هو القاضي عبيد الله بن عمر الدبوسي المتوفى سنة ٤٣٠ ه‍ وأشهر مصنفاته : تأسيس النظر وتقويم الأدلة المعروف بأصول الدبوسي.

(٢) طه : ١٢١.

(٣) طه : ١٢٢.

(٤) الحشوية هم الذين أدخلوا في الحديث كثيرا من الغرائب وسمّي ذلك حشوا أي حشو الحديث بالأخبار الغريبة ، والروايات المغلوطة ، ومنها المأخوذ عن اليهود ، وهو ما يسمى بالإسرائيليات.

وهم مشبهة. انظر الملل والنّحل ١ / ١٠٤ ـ ١٠٥.

(٥) التقية : هي المداراة ، والتظاهر بعقيدة لا يعتقد بها صاحبها.

١٠٤

ومحمد عليه الصلاة والسلام نبيه ...

____________________________________

عن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مما يشعر بكذب وبمعصية بطرق ثابتة فمصروف عن ظاهره إن أمكن ، وإلا فمحمول على ترك الأولى ، أو كونه قبل البعثة (١).

وقال ابن الهمام والمختار أي : عند جمهور أهل السّنّة العصمة عنها أي عن الكبائر لا الصغائر غير المنفردة خطأ أو سهوا ، ومن أهل السّنّة من منع السهو عليه والأصح جواز السهو في الأفعال ، والحاصل : أن أحدا من أهل السّنّة لم يجوز ارتكاب المنهي منهم عن قصد ، ولكن بطريق السهو والنسيان ويسمى ذلك زلّة.

قال القونوي : واختلف الناس في كيفية العصمة ، فقال بعضهم : هي محض فضل الله تعالى بحيث لا اختيار للعبد فيه وذلك إما بخلقهم على طبع يخالف غيرهم بحيث لا يميلون إلى المعصية ولا ينفرون عن الطاعة كطبع الملائكة ، وإما يصرف همّتهم عن السيئات وجذبهم إلى الطاعات جبرا من الله تعالى بعد أن أودع في طبائعهم ما في طبائع البشر.

وقال بعضهم : العصمة فضل من الله ولطف منه ، ولكن على وجه يبقى اختيارهم بعد العصمة في الإقدام على الطاعة والامتناع عن المعصية وإليه مال الشيخ أبو منصور الماتريدي حيث قال : العصمة لا تزيل المحنة أي الابتلاء والامتحان يعني لا تجبره على الطاعة ولا تعجزه عن المعصية ، بل هي لطف من الله تعالى يحمله على فعل الخير ويزجره عن الشر مع بقاء الاختيار تحقيقا للابتلاء والاختيار (ومحمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم) أي محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن نضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معدّ بن عدنان هذا القدر من نسبه عليه الصلاة والسلام لم يختلف فيه أحد من العلماء الأعلام ، وقد روي من أخبار الآحاد عنه عليه الصلاة والسلام أنه نسب نفسه كذلك إلى نزار بن معدّ بن عدنان (٢) (نبيّه) وفي نسخة

__________________

(١) العقائد النسفية ٢١٥ ـ ٢١٦ بشيء من التصرّف.

(٢) اضطربت كلمة النسّابين فيما بعد عدنان حتى نراهم لا يكادون يجمعون على جدّ حتى يختلفوا فيمن قوفه ، وقد حكي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه كان إذا انتسب لم يتجاوز في نسبه إلى عدنان بن أدد ثم يمسك ويقول : كذب النسّابون. وقال عمر بن الخطاب : إنني لأنتسب إلى معدّ بن عدنان ، ولا أدري ما هو. وعن سليمان بن أبي خيثمة قال : ما وجدنا في علم عالم ، ولا شعر شاعر أحدا يعرف ما وراء معدّ بن عدنان ، ويعرب بن قحطان». انظر السيرة النبوية لابن هشام ١ / ١ و ٢.

١٠٥

وعبده ورسوله ...

____________________________________

حبيبه (وعبده) أي المختص به لأنه المفرد الأكمل عند إطلاقه (ورسوله) وناسخ أديان من قبله فقد قال عليه الصلاة والسلام : «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ، وقولوا عبد الله ورسوله» (١). وقدّم العبودية لتقدّمها وجودا على الرسالة وللدلالة على عدم استنكافه عن ذلك المقام ، بل للإشارة إلى أنه عليه الصلاة والسلام مفتخر بذلك المرام ولله درّ القائل بنظم هذا النظام :

لا تدعني إلا بيا عبدها

فإنه أشرف أسمائي

ثم في تقديم النبوّة على الرسالة إشعار بما هو مطابق في الوجود من عالم الشهود ، وإيماء إلى ما هو الأشهر في الفرق بينهما من المنقول بأن النبي أعمّ من الرسول إذ الرسول من أمر بالتبليغ والنبي من أوحي إليه أعمّ من أن يؤمر بالتبليغ أم لا ، قال القاضي (٢) عياض : والصحيح الذي عليه الجمهور أن كل رسول نبي من غير عكس ، وهو أقرب من نقل غيره الإجماع عليه لنقل غير واحد الخلاف فيه فقيل : النبي مختص بمن لا يؤمر ، وقيل : هنا مترادفان واختاره ابن الهمام والأظهر أنهما متغايران لقوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍ) (٣) الآية. ولبعض الأحاديث الواردة في عدد الأنبياء والرّسل عليه‌السلام ، وأما هو صلى‌الله‌عليه‌وسلم فخوطب بيا أيها النبي ويا أيها الرسول لكونه موصوفا بجميع أوصاف المرسلين ، وفي قوله تعالى : (وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ) (٤). إيماء إلى ما ورد في بعض أحاديث الإسراء «جعلتك أول النبيين خلقا وآخرهم بعثا» (٥) كما رواه البزار من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

__________________

(١) أخرجه ابن أبي شيبة ١٤ / ٥٦٣ ـ ٥٦٧ ، والبخاري ٦٨٣٠ ، وابن حبان ٤١٣ مطوّلا.

وابن أبي شيبة ١٤ / ٥٦٣ ، وابن حبّان ٢٦٣٩ مختصرا من حديث عمر بن الخطاب.

(٢) هو القاضي عياض بن موسى بن عمر بن موسى ، أبو الفضل اليحصبي البستي المراكشي المحدّث المالكي المتوفى سنة ٥٤٤٠ ه‍ بمراكش أهم مصنفاته الشفا في تعريف حقوق المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وغيرها.

(٣) الحج : ٥٢.

(٤) الأحزاب : ٤٠.

(٥) أخرجه البزار رقم ٥٥ ، والطبري في تهذيب الآثار مسند عبد الله بن عباس رقم ٧٢٧ ، والبيهقي في الدلائل ٢ / ٣٩٧ ـ ٤٠٤ والطبري في جامع البيان ١٥ / ٦ ـ ١٥.

من حديث أبي هريرة مطوّلا وفيه عيسى بن أبي عيسى أبو جعفر الرازي مختلف فيه ، وثّقه بعضهم وضعّفه آخرون كما في تفسير ابن كثير ٣ / ٢٩ وقد تفرّد في هذا الحديث بألفاظ وهو غير حجة.

١٠٦

____________________________________

قال الإمام فخر الدين الرازي : الحق أن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل الرسالة ما كان على شرع نبي من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وهو المختار عند المحقّقين من الحنفية لأنه لم يكن من أمة نبي قطّ ، لكنه كان في مقام النبوّة قبل الرسالة وكان يعمل بما هو الحق الذي ظهر عليه في مقام نبوّته بالوحي الخفي والكشوف الصادقة من شريعة إبراهيم عليه الصلاة والسلام وغيرها.

كذا نقله القونوي في شرح عمدة النسفي وفيه دلالة على أن نبوّته لم تكن منحصرة فيما بعد الأربعين كما قال جماعة : بل إشارة إلى أنه من يوم ولادته متّصف بنعت ثبوته ، بل يدل حديث : «كنت نبيّا وآدم بن الروح والجسد» (١) على أنه متّصف بوصف النبوّة في عالم الأرواح قبل خلق الأشباح ، وهذا وصف خاص له لا أنه محمول على خلقه للنبوّة واستعداده للرسالة كما يفهم من كلام الإمام حجة الإسلام ، فإنه حينئذ لا يتميز عن غيره حتى يصلح أن يكون ممدوحا بهذا النعت بين الأنام ثم نبوّته ورسالته عليه الصلاة والسلام ثابتة بالمعجزات ، بل هو معجزة في حدّ الذات والصفات كما قال صاحب البردة :

كفاك بالعلم في الأميّ معجزة

في الجاهلية والتأديب في اليتم

وما أحسن قول حسان رضي الله تعالى عنه :

لو لم يكن فيه آيات مبيّنة

كانت بديهته تأتيك بالخبر (٢)

وبيانه أن ما من أحد ادّعى النبوّة من الكذابين إلا وقد ظهر عنه من الجهل والكذب لمن له أدنى تمييز بل وقد قيل : ما أسرّ أحد سريرة إلّا أظهرها الله على صفحات وجهه

__________________

(١) أخرجه الترمذي ٣٦١٣ وقال حسن صحيح والحاكم ٢ / ٦٠٩ كلاهما من حديث أبي هريرة.

ورواه أحمد ٤ / ٦٦ و ٥ / ٣٧٩ وابن أبي عاصم في السّنّة ٤١١ من حديث عبد الله بن شقيق عن رجل.

وأحمد ٥ / ٥٩ والحاكم ٢ / ٦٠٨ ـ ٦٠٩ وصحّحه ووافقه الذهبي من حديث عبد الله بن شقيق عن ميسرة الفخر قال : قلت يا رسول الله ...

ورواه من حديث ميسرة أيضا ابن أبي عاصم في السّنّة ٤١٠ والطبراني ، وقال الهيثمي في المجمع ٨ / ٢٢٣ : رجاله رجال الصحيح ... وهو صحيح كما قال الألباني في الصحيحة (١٨٥٦).

(٢) أنشده المبرّد في الكامل ص ٩ ـ ١٠ لحسّان وهو في البيان والتبيين ١ / ١٥ والروض الآنف ١ / ١٨٧ وعيون الأخبار ١ / ٢٢٤ غير منسوب ونسبه في الإصابة ٤٦٦٧ إلى عبد الله بن رواحة.

١٠٧

وصفيّه ونقيّه ولم يعبد الصنم ولم يشرك بالله تعالى طرفة عين قطّ ولم يرتكب صغيرة ولا كبيرة قطّ. وأفضل الناس بعد النبيّين عليهم الصلاة والسلام أبو بكر الصديق ، ...

____________________________________

وفلتات لسانه ويزيده قوله تعالى : (وَاللهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) (١). (وصفيّه ونقيّه) أي مصطفاه بأنواع من الكرامات وحقائق المقامات الدنيوية والأخروية وفي نسخة بزيادة ومنتقاه أي مختاره ومجتباه من بين مخلوقاته كما يشير إليه قول القائل :

لولاه لم تخرج الدنيا من العدم (٢)

(ولم يعبد الصنم) أي ولا غيره لقوله : (ولم يشرك بالله طرفة عين قطّ) أي لا قبل النبوة ولا بعدها فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون عن الكفر مطلقا بالإجماع ، وإن جوّز بعضهم صدور الصغيرة بل الكبيرة قبل النبوّة بل وبعدها أيضا في مقام النزاع ، وأما هو صلى‌الله‌عليه‌وسلم فكما قال الإمام الأعظم رحمه‌الله (ولم يرتكب صغيرة ولا كبيرة قطّ) وأما قوله تعالى : (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) الآية. وكذا قوله تعالى : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى) (٣) الآية. فمحمول على ترك الأولى بالنسبة إلى مقامه الأعلى (وأفضل الناس بعد النبيين عليهم الصلاة والسلام) أي بعد وجوده لأنه خاتم النبيين حال شهوده ، وأما عيسى فقد وجد قبله ، وإن كان يقع نزوله بعده ولا يبعد أن يقال : أراد الإمام الأعظم البعدية الزمانية ففي شرح المقاصد ذهب العظماء من العلماء إلى أن أربعة من الأنبياء في زمرة الأحياء الخضر وإلياس في الأرض وعيسى وإدريس في السماء (٤).

والحاصل : أن أفضل الناس بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام (أبو بكر الصديق)

__________________

(١) البقرة : ٧٢.

(٢) مستند هذا الشاعر حديث موضوع ولفظه : «لولاك لولاك ما خلقت الأفلاك». قال الصغاني موضوع. انظر كشف الخفاء : ٢١٢٣.

(٣) الأنفال : ٦٧.

(٤) أما حياة عيسى وإدريس فهي حياة لا يعلمها إلا الله وأما حياة الخضر وإلياس فمستند هؤلاء حديث موضوع أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات ١ / ١٩٦ ـ ١٩٧ : من حديث علي بن أبي طالب يجتمع في كل يوم عرفة جبريل وميكائيل وإسرافيل والخضر ...». وقال : وأما حديث اجتماعه مع جبريل ففيه عدة مجاهيل لا يعرفون وقد أغرى خلق كثير من المهوسين بأن الخضر حيّ إلى اليوم.

ورووا أنه التقى بعلي بن أبي طالب وبعمر بن عبد العزيز وأن خلقا كثيرا من الصالحين رأوه وصنّف بعض من سمع الحديث ولم يعرف علله كتابا جمع فيه ذلك ولم يسأل عن أسانيد ما نقل وانتشر الأمر إلى أن جماعة من المتصنّعين بالزهد يقولون : رأيناه وكلّمناه فوا عجبا ألهم فيه علامة؟! وهل يجوز لعاقل أن يلقى شخصا فيقول له الشخص أنا الخضر فيصدقه؟ ا. ه.

١٠٨

____________________________________

(رضي الله عنه) كان اسمه في الجاهلية عدن الكعبة ، فسمّاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عبد الله واسم أبيه أبو قحافة عثمان بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر القرشي الصديق التيمي وهو الصديق لكثرة صدقه ، وتحقيقه وقوة تصديقه وسبق توفيقه فهو أفضل الأولياء من الأولين والآخرين.

وقد حكى الإجماع على ذلك ولا عبرة بمخالفة الروافض هنا لك وقد استخلفه عليه الصلاة والسلام في الصلاة (١) فكان هو الخليفة حقّا وصدقا وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : دخل عليّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في اليوم الذي بدئ فيه فقال : «ادعي إليّ أباك وأخاك حتى أكتب لأبي بكر كتابا ثم قال : يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر» (٢). وأما قول عمر : إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني يعني أبا بكر رضي الله عنه ، وإن لا أستخلف فلم يستخلف من هو خير مني يعني النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٣) فلعل مراده لم يستخلف بعهد مكتوب ، ولو كتب عهدا لكتبه لأبي بكر ، بل قد أراد كتابته ، ثم تركه وقال : يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر. فكان هذا أبلغ من مجرد العهد ، فإنه دلّ المسلمين على استخلاف أبي بكر بالفعل والقول واختاره لخلافته اختيار راض بذلك وعزم على أن يكتب بذلك عهدا هنالك ثم علم أن المسلمين يجتمعون عليه فترك الكتابة

__________________

(١) يشير المصنّف إلى حديث «مروا أبا بكر فليصلّ بالناس». أخرجه البخاري ٦٦٤ و ٦٧٩ ، والدارمي ١ / ٣٩ ، وأحمد ٦ / ٩٦ و ١٥٩ ، وفي فضائل الصحابة ٨٨ و ٥٨٩ ، ومالك ١ / ١٧٠ ـ ١٧١ ، والترمذي ٣٦٧٢ ، والنمائي ٢ / ٩٩ ـ ١٠٠ ، وابن ماجة ١٢٣٢ ، والبغوي ٨٥٣ ، وابن أبي عاصم ١١٦٧ ، وابن سعد ٣ / ٧٩ ، ١٧٩ ، والبيهقي ٣ / ٨١ من حديث عائشة رضي الله عنها.

وأخرجه من حديث أبي موسى الأشعري البخاري ٦٧٨ ، وابن سعد ٣ / ١٧٨ ، وأحمد في فضائل الصحابة ١٤٠ و ٥٨٢. وأخرجه من حديث ابن عمر البخاري ٦٨٢ ، وأخرجه من حديث العباس أحمد ١ / ٢٠٩ ، وفي فضائل الصحابة ٧٩ و ٨٠ ، وصحّحه ابن حبان ٢١٧٤.

(٢) أخرجه مسلم ٢٣٨٧ ، وأحمد ٦ / ٤٧ و ١٠٦ و ١٤٤ ، والطيالسي ١٥٠٨ وابن سعد ٣ / ١٨٠ ، وابن أبي عاصم ١١٥٦ و ١١٦٣ ، والبغوي ١٤١١ ، وأبو نعيم ٢ / ١٨٥ ، والبيهقي في الدلائل ٦ / ٣٤٣ ، وأخرجه البخاري ٥٦٦٦ ، ٧٢١٧ بلفظ : «هممت ـ أو أردت ـ أن أرسل إلى أبي بكر وابنه ، فأعهد أن يقول القائلون ، أو يتمنى المتمنّون ، ثم قلت : يأبى الله ويدفع المؤمنون أو يدفع الله ويأبى المؤمنون».

(٣) أخرجه البخاري ٧٢١٨ ، وأحمد ١ / ٤٣ ، والترمذي ٢٢٢٥ ، ورواه أحمد ١ / ٤٧ ، ومسلم ١٨٢٣ ، وأبو داود ٢٩٣٩ ، فزادوا فيه قال : (القائل عبد الله بن عمر) : فو الله ما هو إلا أن ذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبا بكر ، فعلمت أنه لم يكن يعدل برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحدا وأنه غير مستخلف. لفظ أحمد.

١٠٩

____________________________________

اكتفاء بإرادة الله تعالى ، واختيار الأمة ثم عزم على ذلك في مرضه يوم الخميس ، فلما حصل لبعضهم شك هل ذلك القول من جهة المرضع أو هو قول يجب اتّباعه (١) ترك الكتابة اكتفاء بما سبق فلو كان التعيين مما يشتبه على الأمة لبيّنه بيانا قاطعا للمعذرة ، لكن لما دلّهم دلالات متعددة على أن أبا بكر هو المتعيّن وفهموا ذلك حصل المقصود هنا لك ثم الأنصار كلهم بايعوا أبا بكر إلا سعد بن عبادة لكونه هو الذي كان يطلب الولاية لنفسه ، ولذا لما بايع عمر وأبو عبيدة ومن حضر من الأنصار ، قال قائل : قتلتم سعدا (٢) فقال عمر : قتله الله (٣) ولم يقل أحد من الصحابة رضي الله عنه أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نصّ على

__________________

(١) أخرج البخاري ٧٣٦٦ ، ومسلم ١٦٣٧ ح ٢٢ من طريق معمر ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس قال : «لما حضر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هلمّ (وفي رواية ايتوني بكتاب) أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده فقال عمر : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم غلبه الوجع ، وعندكم القرآن فحسبنا كتاب الله ، فاختلف أهل البيت ، واختصموا ، فمنهم من يقول : قرّبوا يكتب لكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كتابا لن تضلّوا بعده ، ومنهم من يقول ما قال عمر ، فلما أكثروا اللغط والاختلاف عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : قوموا عني قال عبيد الله فكان ابن عباس يقول : إن الرزيّة كل الرزيّة ما حال بين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم. وأخرجه البخاري أيضا ١١٤ و ٣٠٥٣ و ٣١٦٨ و ٤٤٣١ وفي بعضها ومسلم : أن ذلك كان يوم الخميس.

قال القرطبي فيما نقله عنه الحافظ في الفتح ١ / ٢٠٨ ـ ٢٠٩ : وكان حق المأمور أن يبادر للامتثال ، لكن ظهر لعمر رضي الله عنه مع طائفة أنه ليس على الوجوب ، وأنه من باب الإرشاد إلى الأصلح ، فكرهوا أن يكلّفوه من ذلك ما يشقّ عليه في تلك الحالة مع استحضارهم قوله تعالى : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) ، وقوله تعالى : (تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ). ولهذا قال عمر : حسبنا كتاب الله ، وظهر لطائفة أخرى أن الأولى أن يكتب لما فيه من امتثال أمره وما يتضمنه من زيادة الإيضاح ، ودلّ أمره لهم بالقيام على أن أمره الأول كان على الاختيار ، ولهذا عاش صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد ذلك أياما ، ولم يعاود أمرهم بذلك ولو كان واجبا لم يتركه لاختلافهم ، لأنه لم يترك التبليغ لمخالفة من خالف ، وقد كان الصحابة يراجعونه في بعض الأمور ما لم يجزم بالأمر ، فإذا اعتزم امتثلوا. قال الحافظ : واختلف في المراد بالكتاب فقيل : كان أراد أن يكتب كتابا ينصّ فيه على الأحكام ليرتفع الاختلاف ، وقيل : بل أراد أن ينصّ على أسامي الخلفاء بعده حتى لا يقع بينهم الاختلاف ، قاله سفيان بن عيينة ، ويؤيده أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال في أوائل مرضه وهو عند عائشة : «ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب كتابا فإني أخاف أن يتمنى متمنّ ويقول قائل ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر». أخرجه مسلم (٣٣٨٧) وللمصنف (أي البخاري) معناه ، ومع ذلك فلم يكتب ، والأول أظهر لقول عمر : كتاب الله حسبنا ، أي كافينا ، مع أنه لم يشمل الوجه الثاني ، لأنه بعض أفراده والله أعلم.

(٢) في البخاري سعد بن عبادة.

(٣) أخرجه البخاري ٣٦٦٨ ، ولم أجده في مسلم.

١١٠

ثم عمر بن الخطاب ، ثم عثمان بن عفان ذو النورين ، ....

____________________________________

غير أبي بكر رضي الله عنه من علي وعباس وغيرهما رضي الله عنهم ولو كان لأظهراه وروى ابن بطة بإسناده أن عمر بن عبد العزيز بعث محمد بن الزبير الحنظلي (١) إلى الحسن البصري فقال : هل كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم استخلف أبا بكر فقال : أو في شكّ صاحبك؟ نعم والله الذي لا إله إلا هو استخلفه لهو كان أنقى لله من أن يتوثب عليها (٢) والتقييد بالناس لأن خواص الملائكة كجبرائيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل (٣) وحملة العرش والكروبيين (٤) من الملائكة المقرّبين أفضل من عوامّ المؤمنين ، وإن كانوا دون مرتبة الأنبياء والمرسلين على الأصح من أقوال المجتهدين مع أنه لا ضرورة إلى هذه المسألة في أمر الدين على وجه اليقين ، (ثم عمر بن الخطاب) أي ابن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن دراج بن عدي بن كعب القرشي العدوي وهو الفاروق كما في نسخة أي المبالغ في الفرق بين الخلق والباطل لقوله عليه الصلاة والسلام : «إن الحق يجري على لسان عمر) (٥). أو بين المنافق والموافق لما نزل في حقه قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) (٦). الآيات. وقد أجمعوا على فضيلته وحقيّة خلافته ، وقصة قتل عمر بن الخطاب والمبايعة لعثمان مذكورة في صحيح البخاري (٧) بطولها (ثم عثمان بن عفان ذو النورين) أي ابن العاص بن أمية بن

__________________

(١) ضعّفه ابن معين والنسائي ، وقال أبو حاتم ليس بالقوي في حديثه إنكار وقال البخاري منكر الحديث وفيه نظر ، وكان شعبة لا يرضاه ، وقال ابن عدي : بصري كوفي الأصل قليل الحديث والذي يرويه غرائب وإفراد مترجم في تهذيب التهذيب ٩ / ١٦٧.

(٢) من قوله : أبو بكر الصديق كان اسمه في الجاهلية ص ٩٧ إلى هنا مأخوذ من شرح العقيدة الطحاوية ٢ / ٦٩٩ ـ ٧١٠ بتصرّف.

(٣) لم ترد تسمية ملك الموت بعزرائيل لا في الكتاب ولا في السّنّة ، إنما هذه التسمية مأخوذة عن أهل الكتاب ، والأولى الاقتصار على تسمية ملك الموت كما ورد في الكتاب والسّنّة.

(٤) قال في القاموس : الكروبيّون : مخفّفة الراء سادة الملائكة. ا. ه.

(٥) تقدم تخريجه فيما سبق مستوفيا.

(٦) النساء : ٦٠.

(٧) أخرجه البخاري ٣٧٠٠ وفيه مقتل عمر رضي الله عنه من طريق موسى بن إسماعيل حدّثنا أبو عوانة عن حصين بن عبد الرحمن عن عمرو بن ميمون وهو عنده مختصرا ١٣٩٢ و ٣٠٥٢ و ٤٨٨٨ ، وأخرجه ابن سعد في الطبقات ٣ / ٣٣٧ ـ ٣٣٩ ، وابن أبي شيبة ١٤ / ٥٧٤ ـ ٥٧٨ ، كلاهما من طريق محمد بن فضيل ، عن حصين بن عبد الرحمن ، ورواه عن عمرو بن ميمون أبو إسحاق السبيعي أخرجه من طريقه ابن أبي شيبة ١٤ / ٥٧٨ ، وابن سعد ٣ / ٣٤٠ ـ ٣٤٢. قال الحافظ في ـ

١١١

ثم عليّ بن أبي طالب المرتضى ...

____________________________________

عبد شمس بن عبد مناف بن قصي القرشي الأموي ، وهو ذو النورين كما في نسخة لأنه تزوج بنتي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقال عليه الصلاة والسلام : «لو كانت إليّ أخرى لزوّجتها إياه» (١) ، ويقال : لم يجمع بين بنتي نبي من لدن آدم عليه الصلاة والسلام إلى قيام الساعة إلا عثمان بن عفان رضي الله عنه وقيل : إنما لقّب به لأنه عليه الصلاة والسلام دعا لأبي بكر رضي الله عنه بدعوة ولعثمان بدعوتين (ثم عليّ بن أبي طالب) أي ابن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي القرشي الهاشمي (المرتضى) وهو المرتضى زوج فاطمة الزهراء ، وابن عمّ المصطفى والعالم في الدرجة العليا والمعضلات التي سأله كبار الصحابة عنها ورجعوا إلى فتواه فيها كثيرة شهيرة تحقّق قوله عليه الصلاة والسلام : «أنا مدينة العلم وعليّ بابها» (٢). وقوله عليه الصلاة

__________________

 ـ الفتح : ٧ / ٦٢ : وروى بعض قصة مقتل عمر أيضا أبو رافع ، وروايته عند أبي يعلى وابن حبان ، وجابر وروايته عند مسلم ٥٦٧ ، وابن أبي شيبة ٤ / ٥٧٩ ، وأبي يعلى ١٨٤ ، وأحمد ١ / ١٥ و ٢٧ ـ ٢٨ ، والنسائي ٢ / ٤٣ وعند كل واحد منهم ما ليس عند الآخر ...

(١) أخرجه الطبراني في الكبير كما ذكره الهيثمي في المجمع : ٩ / ٩٣ من حديث عصمة بن مالك وفي سنده الفضل بن المختار وهو ضعيف ، ولفظه : «لما ماتت بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم التي تحت عثمان قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم زوّجوا عثمان لو كانت عندي ثالثة لزوّجته وما زوّجته إلا بوحي من الله عزوجل»».

(٢) أخرجه الحاكم ٣ / ١٢٦ من حديث ابن عباس. وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرّجاه.

وأبو الصلت ثقة مأمون. وقال الذهبي في التلخيص بل موضوع وأبو الصلت لا والله لا ثقة ولا مأمون.

وقال في الميزان ٢ / ٦١٦ : أبو الصلت عبد السلام بن صالح : قال أبو حاتم لم يكن عندي بصدوق وضرب أبو زرعة على حديثه. وقال العقيلي : رافضي خبيث. وقال ابن عدي متّهم. وقال النسائي : ليس بثقة. وقال الدارقطني : رافضي خبيث. ا. ه.

وقال ابن حبان في الضعفاء ١ / ١٥١ عبد السلام بن صالح يروي عن حماد بن زيد وأهل العراق العجائب في فضائل علي وأهل بيته ، ولا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد.

وهو الذي روى عن أبي معاوية عن الأعمش عن مجاهد ، عن ابن عباس. قال قال رسول الله ...

فذكره. وقال : وهذا شيء لا أصل له من حديث ابن عباس ولا مجاهد ولا الأعمش ولا أبو معاوية حدّث به وكلّ من حدّث بهذا المتن فإنما سرقه من أبي الصلت هذا وإن أقلب إسناده. ا. ه. وتمامه : «فمن أراد المدينة فليأت الباب».

ورواه الطبراني كما ذكر الهيثمي في المجمع ٩ / ١١٤ من حديث ابن عباس. وقال الهيثمي : فيه عبد السلام بن صالح الهروي ، وهو ضعيف.

١١٢

رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ...

____________________________________

والسلام : أقضاكم عليّ (١) (رضوان الله تعالى عليهم أجمعين) وفضائلهم في كتب الحديث مسطورة وشمائلهم على ألسنة العلماء مشهورة ، وقد بيّنّا طرفا منها في المرقاة شرح المشكاة وأولى ما يستدل به على أفضلية الصدّيق في مقام التحقيق نصبه عليه الصلاة والسلام لإمامة الأنام مدة مرضه في الليالي والأيام ولذا قال : أكابر الصحابة رضيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لديننا أفلا نرضاه لدنيانا ، ثم إجماع جمهورهم على نصبه للخلافة ومتابعة غيرهم أيضا في آخر أمرهم ففي الخلاصة (٢) رجلان في الفقه والصلاح سواء إلا أن أحدهما أقرأ فقدّم أهل المسجد الآخر فقد أساءوا وكذا لو قلّد القضاء رجلا وهو من أهله وغيره أفضل منه. انتهى.

وتفضيل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما متّفق عليه بين أهل السّنّة ، وهذا الترتيب بين عثمان وعلي رضي الله عنهما هو ما عليه أكثر أهل السّنّة ، خلافا لما روي عن بعض أهل الكوفة والبصرة من عكس القضية.

ثم اعلم أن جميع الروافض وأكثر المعتزلة يفضّلون عليّا على أبي بكر رضي الله عنه ، وروي عن أبي حنيفة رضي الله عنه تفضيل عليّ على عثمان رضي الله عنه ، والصحيح ما عليه جمهور أهل السّنّة وهو الظاهر من قول أبي حنيفة رضي الله عنه على ما رتبه هنا وفق مراتب الخلافة.

وفي شرح العقائد على هذا الترتيب وجدنا السلف ، والظاهر أنه لو لم يكن لهم

__________________

 ـ وأخرجه من حديث جابر بن عبد الله الحاكم ٣ / ١٢٧ ، والديلمي في الفردوس ١٠٦.

وفيه أحمد بن عبد الله بن يزيد الحراني. قال الذهبي في التلخيص : العجب من الحاكم وجرأته في تصحيحه هذا وأمثاله من البواطيل وأحمد هذا دجال كذاب. ا. ه. وتمامه : «فمن أراد العلم فليأت الباب». وأخرجه الترمذي ٣٧٢٣ من حديث علي بلفظ : أنا دار الحكمة وعلي بابها. وقال : هذا حديث غريب منكر. وروى بعضهم هذا الحديث عن شريك ولم يذكروا فيه عن الصنابحي ولا نعرف هذا الحديث عن شريك ولم يذكروا فيه عن الصنابحي ولا نعرف هذا الحديث عن واحد من الثقات عن شريك. والخلاصة : هذا حديث موضوع مهما تعدّدت طرقه.

(١) هو بعض حديث أخرجه أبو يعلى ٥٧٦٣ من حديث ابن عمر بإسناد ضعيف لضعف محمد بن عبد الرحمن البيلماني.

(٢) الخلاصة : هي خلاصة الدلائل في تنقيح المسائل للشيخ علي بن أحمد الرازي شرح فيه كتاب القدوري ، وهو شرح مختصر مفيد ، توفي سنة ٥٩٨ ه‍.

١١٣

____________________________________

دليل هنالك (١) لما حكموا بذلك. وكأن السلف كانوا متوقفين في تفضيل عثمان على عليّ رضي الله عنه حيث جعلوا من علامات السّنّة والجماعة تفضيل الشيخين ومحبة الحسنين والإنصاف أنه إن أريد بالأفضلية كثرة الثواب فللتوقف جهة ، وإن أريد كثرة ما يعدّه ذوو العقول من الفضائل فلا (٢). انتهى. ومراده بالأفضلية أفضلية عثمان على عليّ رضي الله عنه بقرينة ما قبله من ذكر التوقّف فيما بينهما إلا الأفضلية بين الأربعة كما فهم أكثر المحشين (٣) حيث قال بعضهم بعد قوله : فلا لأن فضائل كل واحد منهم كانت معلومة لأهل زمانه ، وقد نقل إلينا سيرهم وكمالاتهم فلم يكن التوقّف بعد ذلك وجه سوى المكابرة وتكذيب العقل فيما يحكم ببداهته قال : والمنقول عن بعض المتأخرين أنه لا جزم بالأفضلية بهذا المعنى أيضا إذ ما من فضيلة تروى لأحدهم إلّا ولغيره مشاركة فيها وبتقدير اختصاصها به حقيقة فقد يوجد لغيره أيضا اختصاصه بغيرها على أنه يمكن أن يكون فضيلة واحدة أرجح من فضائل كثيرة ، إما لشرفها في نفسها ، أو لزيادة كميتها ، وقال : محش آخر أي فلا جهة للتوقف ، بل يجب أن يجزم بأفضلية عليّ رضي الله عنه إذ قد تواتر في حقه ما يدل على عموم مناقبه ووفور فضائله واتّصافه بالكمالات واختصاصه بالكرامات هذا هو المفهوم من سوق كلامه ، ولذا قيل : فيه رائحة من الرفض لكنه فرية بلا مرية ، إذ كثرت فضائل عليّ رضي الله عنه وكمالاته العليّة.

وتواتر النقل فيه معنى بحيث لا يمكن لأحد إنكاره ، ولو كان هذا رفضا وتركا للسّنّة لم يوجد من أهل الرواية والدراية سنّيّ أصلا فإياك والتعصّب في الدين والتجنّب عن الحق اليقين. انتهى. ولا يخفى أن تقديم عليّ رضي الله عنه على الشيخين مخالف لمذهب أهل السّنّة والجماعة على ما عليه جميع السّلف ، وإنما ذهب بعض الخلف إلى تفضيل عليّ رضي الله عنه على عثمان رضي الله عنه ، ومنهم أبو الطفيل من الصحابة رضي الله عنهم هذا والذي أعتقده ، وفي دين الله اعتمده أن تفضيل أبي بكر رضي الله عنه قطعي حيث أمره صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالإمامة على طريق النيابة مع أن المعلوم من الدين أن الأولى بالإمامة أفضل ، وقد كان عليّ كرّم الله وجهه حاضرا في المدينة ، وكذا غيره من أكابر الصحابة رضي الله عنهم وعيّنه عليه الصلاة والسلام لما علم أنه أفضل الأنام في تلك

__________________

(١) في شرح العقائد : على ذلك.

(٢) شرح العقائد النسفية ٢٢٨ ـ ٢٢٩ بشيء من التصرّف.

(٣) هم الحشوية وسبق الكلام عنهم.

١١٤

عابدين ثابتين على الحق ومع الحق نتولاهم جميعا ...

____________________________________

الأيام حتى أنه تأخر مرة وتقدّم عمر رضي الله عنه فقال عليه الصلاة والسلام : «أبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر» (١) وقضية معارضة عائشة رضي الله عنها في حق أبيها معروفة (٢) وهذه الإمامة كانت إشارة إلى نصب الخلافة ، ولذا قالت الصحابة رضي الله عنهم : رضية صلى‌الله‌عليه‌وسلم لديننا أو ما نرضى به في أمر دنيانا ، وثبت عن علي رضي الله عنه أن من فضله على أبي بكر وعمر جلده جلد المفتري (عابدين ثابتين على الحق) وزيد في نسخة (ومع الحق) أي باقين عليه ومعه دائمين (كما كانوا) في الماضي من غير تغيّر حالهم ونقصان في كمالهم وفيه ردّ على الروافض حيث يقولون في حق الثلاثة : إنهم تغيّروا عمّا كانوا عليه في زمنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم حيث نزل في حقهم الآيات الدالّة على فضائلهم ، وورد في شأنهم الأحاديث المشعرة عن حسن شمائلهم وعلى الخوارج حيث يقولون : بكفر علي ومن تابعه ، وكفر معاوية ومن شايعه حيث ارتكبوا قتل المؤمن وهو عندهم كبيرة مخرجة عن حدّ الإيمان (نتولّاهم) أي نحبهم (جميعا) أي ولا نسبّ منهم أحدا لقوله عليه الصلاة والسلام : لا تسبوا أصحابي (٣) ، ولورود قوله تعالى : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ) (٤). إلى أن قال تعالى : (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) (٥). وبالإجماع إن هؤلاء الأربعة من سابقي المهاجرة فيدخلون في رضي الله سبحانه دخولا أوّليّا ، وهذه الآية قطعية الدلالة على تعيّن إيمانهم وتحسين مقامهم وعلوّ شأنهم فلا يعارضه إلّا دليل قطعي نقلا أو عقلا ، ولا يوجد قطعا عند من يحطّ عليهم ويسيء الأدب إليهم ولا يحفظ حرمة الصحبة الثابتة لديهم فقد أجمعوا على أن من أنكر صحبة أبي بكر الصديق كفر بخلاف إنكار صحبة غيره لورود النص في حقه حيث قال الله تعالى : (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَ

__________________

(١) تقدم تخريجه فيما سبق.

(٢) يشير إلى حديث مروا أبا بكر فليصلّ الناس وقد سبق تخريجه مستوفيا.

(٣) أخرجه البخاري ٣٦٧٣ ، ومسلم ٢٥٤١ ، وأبو داود ٤٦٥٨ ، والترمذي ٣٨٦٠ ، وأحمد في المسند ٣ / ١١ ، وفي فضائل الصحابة ٥ و ٦ و ٧ و ٦٥٤ و ١٧٣٥ ، والطيالسي ٢١٨٣ ، وأبو نعيم في أخبار أصبهان ٢ / ١٢٢ ، والبغوي ٣٨٥٦ ، والخطيب في تاريخه ٧ / ١٤٤ ، وابن أبي عاصم ٩٨٨ كلهم من حديث أبي سعيد الخدري وتمامه : «لا تسبّوا أحدا من أصحابي ، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ، ما أدرك مدّ أحدهم ولا نصيفه».

(٤) التوبة : ١٠٠.

(٥) التوبة : ١٠١ ، ١٠٢.

١١٥

ولا نذكر أحدا من أصحاب رسول الله إلا بخير ....

____________________________________

اللهَ مَعَنا) (١). فاتفق المفسرون على أن المراد بصاحبه هو أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه وفيه إيماء إلى أنه الفرد الأكمل من أصحابه حيث يحمل الإطلاق على بابه (ولا نذكر أحدا من أصحاب رسول الله) أي مجتمعين ومنفردين وفي نسخة : ولا نذكر أحدا من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (إلا بخير) يعني وإن صدر من بعضهم بعض ما هو في الصورة شرّ فإنه إما كان عن اجتهاد ولم يكن على وجه فساد من إصرار وعناد ، بل كان رجوعهم عنه إلى خير معاد بناء على حسن الظن بهم ولقوله عليه الصلاة والسلام : «خير القرون قرني» (٢) ، ولقوله عليه الصلاة والسلام : «إذا ذكر أصحابي فأمسكوا» (٣).

ولذلك ذهب جمهور العلماء إلى أن الصحابة رضي الله عنهم كلهم عدول قبل فتنة عثمان وكذا بعدها. ولقوله عليه الصلاة والسلام : «أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم» (٤). رواه الدارمي وابن عديّ وغيرهما ، وقال ابن دقيق العيد في عقيدته : وما

__________________

(١) التوبة : ٤٠.

(٢) أخرجه من حديث عمران بن الحصين ، البخاري ٢٦٥١ ، ٣٦٥٠ و ٦٤٢٨ و ٦٦٩٥ ، ومسلم ٢٥٣٥ ، والترمذي ٢٢٢١ و ٢٢٢٢ و ٣٣٠٣ ، وأبو داود ٤٦٥٧ ، وأحمد ٤ / ٤٢٦ و ٤٢٧ و ٤٣٦ و ٤٤٠ ، والنسائي ٧ / ١٧ ـ ١٨ ، وابن حبان ٢٢٨٥ ، والحاكم ٣ / ٤٧١ ، والطيالسي ٨٥٢ ، والطحاوي في المشكل ٣ / ١٧٦ و ١٧٧ ، والطبراني في الكبير ١٨ / ٥٢٦ و ٥٢٧ و ٥٢٨ و ٥٢٩ ، وأبو نعيم في الحلية ٢ / ٧٨ و ٨ / ٣٩١.

وأخرجه من حديث عبد الله بن مسعود البخاري ٢٦٥٢ و ٣٦٥١ و ٦٤٢٩ و ٦٦٥٨ ، ومسلم ٢٥٢٣ ح ٢١٢ ، والترمذي ٣٨٥٩ ، وابن ماجة ٢٣٦٢ ، وأحمد ١ / ٣٧٨ و ٤١٧ و ٤٣٤ و ٤٣٨ و ٤٤٢ ، والطيالسي ٢٩٩ ، والطحاوي في المشكل ٣ / ١٧٦ ، وابن أبي عاصم ١٤٦٦ و ١٤٦٧ ، والطبراني في الكبير ١٠٣٣٧ و ١٠٣٣٨ ، والخطيب في تاريخه ١٤ / ٥٣ ، وأبو نعيم في الحلية ٢ / ٧٨.

وأخرجه من حديث أبي هريرة مسلم ٢٥٣٤ ح ٢١٣ ، وأحمد ٢ / ٢٢٨ و ٤١٠ و ٤٧٩ ، والطيالسي ٢٥٥٠.

وأخرجه من حديث عمر بن الخطاب الترمذي ٢٣٠٤ ، وابن ماجة ٢٣٦٣ ، والبزار ٢٧٦٧ ، والطحاوي ٣ / ١٧٧ ، وأبو نعيم ٢ / ٧٨ و ٤ / ١٢٥ ، وابن أبي عاصم ١٤٧٧.

وأخرجه من حديث بريدة الأسلمي أحمد ٥ / ٣٥٠ و ٣٥٧ ، وابن أبي عاصم ١٤٧٣ و ١٤٧٤ ، وأبو نعيم ٢ / ٧٨.

(٣) تقدم تخريجه فيما سبق.

(٤) أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله ٢ / ٩١ ، وابن حزم في الإحكام ٦ / ٨٢ من طريق سلام بن سليم قال : حدّثنا الحارث بن غصين ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر مرفوعا «أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم» وسلام بن سليم مجمع على ضعفه ، وكذبه ابن حراش ، ـ

١١٦

ولا نكفر مسلما بذنب من الذنوب وإن كانت كبيرة إذا لم يستحلّها ولا نزيل عنه اسم الإيمان ونسمّيه مؤمنا حقيقة ، ويجوز أن يكون مؤمنا فاسقا غير كافر ....

____________________________________

نقل فيما شجر بينهم واختلفوا فيه فمنه ما هو باطل وكذب فلا يلتفت إليه وما كان صحيحا أوّلناه تأويلا حسنا لأن الثناء عليهم من الله سابق ، وما نقل من الكلام اللاحق محتمل للتأويل والمشكوك والموهوم لا يبطل المحقّق والمعلوم.

هذا وقال الشافعي رحمه‌الله : تلك دماء طهّر الله أيدينا منها فلا نلوّث ألسنتنا بها ... وسئل أحمد عن أمر عليّ وعائشة رضي الله عنه فقال : تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عمّا كانوا يعملون.

وقال أبو حنيفة رضي الله عنه : لو لا عليّ لم نعرف السيرة في الخوارج (ولا نكفّر) بضم النون وكسر الفاء مخفّفا أو مشدّدا أي لا ننسب إلى الكفر (مسلما بذنب من الذنوب) أي بارتكاب معصية ، (وإن كانت كبيرة) أي كما يكفّر الخوارج مرتكب الكبيرة (إذا لم يستحلّها) أي لكن إذا لم يكن يعتقد حلّها لأن من استحلّ معصية قد ثبتت حرمتها بدليل قطعي فهو كافر (ولا نزيل عنه اسم الإيمان) أي ولا نسقط عن المسلم بسبب ارتكاب كبيرة وصف الإيمان ، كما يقوله المعتزلة حيث ذهبوا إلى أن مرتكب الكبيرة يخرج عن الإيمان ولا يدخل في الكفر فيثبتون المنزلة بين الكفر والإيمان مع اتفاقهم على أن صاحب الكبيرة مخلد في النار ، وأما ما روي عن أبي حنيفة رحمه‌الله أنه قال لجهم : اخرج عني يا كافر فمحمول على التشبيه ، ثم في بسط الإمام الكلام على نفي تكفير أرباب الآثام من أهل القبلة ولو من أهل البدعة (ونسمّيه) أي مرتكب الكبيرة (مؤمنا حقيقة) أي لا مجازا لأن الإيمان هو التصديق بالجنان والإقرار باللسان ، وأما العمل بالأركان فهو من كمال الإيمان وجمال الإحسان عند أهل السّنّة والجماعة وشرط ، أو شطر عند الخوارج والمعتزلة ، فهذا منشأ الخلاف في المسألة (ويجوز أن يكون) أي الشخص (مؤمنا) أي بتصديقه وإقراره (فاسقا) أي بعصيانه وإصراره (غير كافر) أي لثباته في مقام اعتباره.

__________________

 ـ وقال ابن حبان : روى أحاديث موضوعة من طريق سليمان بن أبي كريمة ، عن جويبر ، عن الضحاك بن مزاحم ، عن ابن عباس مرفوعا : «مهما أوتيتم من كتاب الله فالعمل به لا عذر لأحدكم في تركه ، فإن لم يكن في كتاب الله ، فسنّة مني ماضية ، فإن لم يكن سنّة ماضية ، فيما قال أصحابي لكم رحمة». وسليمان بن أبي كريمة ضعيف الحديث ، وجويبر هو ابن سعيد الأزدي متروك ، والضحاك لم يلق ابن عباس ، وروي من حديث عمر وابنه وكلاهما لا يصحّ.

١١٧

____________________________________

وأصل هذه المنازعة أن رئيس المعتزلة واصل بن عطاء (١) اعتزل مجلس الحسن البصري (٢) رضي الله عنه يقرّر أن مرتكب الكبيرة ليس بمؤمن ولا كافر ، وأثبت المنزلة بين المنزلتين ، فقال الحسن رضي الله عنه : قد اعتزل عنّا فسمّوا المعتزلة وهم سمّوا أنفسهم أصحاب العدل والتوحيد لقولهم بوجوب ثواب المطيع وعقاب العاصي على الله سبحانه ، ونفي الصفات القديمة عنه ، ثم أنهم توغلوا في علم الكلام وتشبثوا بأذيال الفلاسفة في كثير من الأصول ، وشاع مذهبهم فيما بين الناس إلى أن قال الشيخ أبو الحسن الأشعري لأستاذه أبي علي الجبائي (٣) : ما تقول في ثلاثة إخوة مات أحدهم مطيعا والآخر عاصيا والثالث صغيرا؟ فقال : الأول : يثاب بالجنة ، والثاني : يعاقب بالنار ، والثالث : لا يعاقب ولا يثاب ، قال الأشعري : فإن قال الثالث : يا رب لم أمتّني صغيرا ، وما أبقيتني إلى أن أكبر فأومن بك وأطيعك فأدخل الجنة ، فقال : يقول الربّ : إني كنت أعلم منك أنك لو كبرت لعصيت فدخلت النار ، فكان الأصلح لك أن تموت صغيرا. قال الأشعري : فإن قال الثاني : يا ربّ لم لم تمتني صغيرا لئلا أعصي فلا أدخل النار ما ذا يقول الربّ؟ فبهت الجبائي وترك الأشعري مذهبه واشتغل هو ومن تبعه بإبطال رأي المعتزلة وإثبات ما وردت به السّنّة ومضى عليه الجماعة فسمّوا أهل السّنّة والجماعة ، ثم لما نقلت الفلسفة إلى العربية وخاض فيها الطبقة الإسلامية حاولوا الردّ على الفلاسفة والحكماء الطبيعية فيما خالفوا فيها الشريعة الحنيفية ، فخلطوا بعلم الكلام كثيرا من الفلسفة في مقام المرام ليتحقّقوا مقاصدها فيتمكّنوا من إبطالها وردّها وهلمّ جرّا إلى أن أدرجوا فيه معظم الطبيعيات والإلهيات والرياضيات حتى كاد لا يتميز عن الفلسفيات لو لا اشتماله على السمعيات (٤) فصار بهذا الاعتبار مذموما عند العلماء بالكتاب والسّنّة الذين يكتفى بهما في أمر الدين من النقليات والعقليات.

__________________

(١) واصل بن عطاء الغزال ، أبو حذيفة من موالي بني ضبة ، أو بني مخزوم ، من أئمة البلغاء والمتكلمين ، سمّي أتباعه بالمعتزلة لاعتزاله حلقة الحسن البصري ، وهو الذي نشر مذهب الاعتزال ، ولد سنة ٦٠ ه‍ ، وتوفي سنة ١٣١ ه‍. انظر لسان الميزان ٦ / ٢١٤.

(٢) هو الحسن بن يسر من مشاهير علماء التابعين ، وزهّاد البصرة في القرن الهجري الأول وكان يلقّب بإمام أهل البصرة ، توفي سنة ١١٥ ه‍. انظر طبقات ابن سعد ٧ / ١٥٦ ، وتذكرة الحفّاظ ١ / ٧١.

(٣) هو محمد بن عبد الوهاب الجبائي رئيس المعتزلة بالبصرة ، ولد في الجباء ، وهي قرية وفي الوفيات في جبي (خوزستان) وتوفي سنة ٣٣٠ ه‍. انظر وفيات الأعيان رقم : ٥٧٩.

(٤) الكلام من قوله وأصل هذه المنازعة ص ١٠٣ إلى هنا مأخوذ من شرح العقائد النسفية ص ٥٤ و ٥٥.

١١٨

____________________________________

ثم اعلم أن القونوي ذكر أن أبا حنيفة رحمه‌الله كان يسمى مرجئا لتأخيره أمر صاحب الكبيرة إلى مشيئة الله تعالى والإرجاء التأخير وكان يقول : إني لأرجو لصاحب الذنب الكبير والصغير وأخاف عليهما ، وأنا أرجو لصاحب الذنب الصغير وأخاف على صاحب الذنب الكبير انتهى. وأما ما وقع في الغنية للشيخ عبد القادر الجيلاني (١) رضي الله عنه عند ذكر الفرق الغير الناجية حيث قال : ومنهم القدرية وذكر أصنافا منهم ، ثم قال : ومنهم الحنفية وهم أصحاب أبي حنيفة نعمان بن ثابت رحمه‌الله زعم أن الإيمان هو المعرفة والإقرار بالله ورسوله وبما جاء من عنده جملة على ما ذكره البرهوني في كتاب الشجرة ، وهو اعتقاد فاسد ، وقول كاسد مخالف لاعتقاده في الفقه الأكبر وما نقله أصحابه أنه يقول : الإيمان هو مجرد التصديق دون الإقرار فإنه شرط عنده لإجراء أحكام الإسلام ومناقض لسائر كتب العقائد الموضوعة للخلاف بين أهل السّنّة والجماعة وبين المعتزلة وأهل البدعة مع أن الإيمان هو المعرفة والإقرار هو المذهب المختار ، بل هو أولى من أن يقال الإيمان هو التصديق والإقرار ، لأن التصديق الناشئ عن التقليد دون التحقيق مختلف في قبوله بخلاف المعرفة الناشئة عن الدلالة مع الإقرار وبالإقرار فإنه إيمان بالإجماع ، وأما الاكتفاء بالمعرفة دون الإقرار وبالإقرار دون المعرفة فهو في محل النزاع كما قاله بعض أهل الابتداع ، ثم المرجئة المذمومة من المبتدعة ليسوا من القدرية بل هم طائفة قالوا لا يضرّ مع الإيمان ذنب ، كما لا ينفع مع الكفر طاعة ، فزعموا أنه أحدا من المسلمين لا يعاقب على شيء من الكبائر فأين هذه الأرجاء ثم قول أبي حنيفة رحمه‌الله مطابق لنص القرآن وهو قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (٢). بخلاف المرجئة حيث لا يجعلون الذنوب مما عدا الكفر تحت المشيئة وبخلافه المعتزلة حيث يوجبون العقوبة على الكبيرة ، وبخلاف الخوارج حيث يخرجون صاحب الكبيرة والصغيرة عن الإيمان.

ثم اعلم أن مذهب المرجئة أن أهل النار إذا دخلوا النار فإنهم يكونون في النار بلا عذاب كالحوت في الماء إلا أن الفرق بين الكافر والمؤمن أن للمؤمن استمتاعا في الجنة

__________________

(١) هو عبد القادر بن أبي صالح موسى حنبكي دوست ابن أبي عبد الله بن يحيى الزاهدي بن محمد بن داد محيي الدين الجيلي البغدادي الصوفي الحنبلي المتوفى سنة ٥٦١ من تصانيفه تحفة المتقين والغنية في التصوّف وغيرها.

(٢) النساء : ٤٨.

١١٩

____________________________________

يأكل ويشرب وأهل النار في النار ليس لهم استمتاع أكل وشرب ، وهذا القول باطل بالكتاب والسّنّة وإجماع الأمة من أهل السّنّة والجماعة وسائر المبتدعة كما يدلّ عليه قوله تعالى : (وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها) (١). وقوله تعالى : (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ) (٢). وقوله تعالى : (وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها) (٣). وقوله تعالى : (فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً) (٤). وغير ذلك من الآيات والأحاديث البيّنات ، وأما ما روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أنه «سيأتي على جهنم يوم تصفّق الريح أبوابها وليس فيها أحد» (٥) ، واستدل به الجهمية وهم

__________________

(١) فاطر : ٣٧.

(٢) النساء : ٥٦.

(٣) فاطر : ٣٦.

(٤) النبأ : ٣٠.

(٥) أخرجه يعقوب بن سفيان في تاريخه ٢ / ١٠٣ من طريق بندار ، عن أبي داود عن شعبة عن أبي بلج ، عن عمرو بن ميمون ، عن عبد الله بن عمرو قال : ليأتينّ على جهنم زمان تخفق أبوابها ليس فيها أحد. ثم قال يعقوب : قال أبو داود : وحدّثنا علي بن سلمة ، عن ثابت قال : سألت الحسن عن هذا الحديث فأنكره. وأبو بلج واسمه يحيى بن سليم أو ابن أبي سليم ـ مختلف فيه وقد استنكر له الإمام الذهبي في الميزان ٤ / ٣٨٥ هذا الأثر ، وعدّه من بلاياه.

والآثار التي استدلّ بها البعض من أجل تأكيد القول بفناء الدار كلها واهية ومردودة فأثر عمر أخرجه عبد بن حميد من طريق سليمان بن حرب ، حدّثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن الحسن قال : قال عمر بن الخطاب ... وهذا سند ضعيف لانقطاعه ، فإن الحسن لم يسمعه من عمر ومراسيل الحسن عندهم واهية ، لأنه كان يأخذ عن كل أحد ، قال ابن سيرين : فيما نقله عنه الدارقطني في سنة ١ / ١٧١ ـ وكان عالما يأبى العالية والحسن ـ : لا تأخذوا بمراسيل الحسن ولا أبي العالية ، فإنهما لا يباليان عمّن أخذا عنه.

وأثر ابن مسعود «ليأتينّ على جهنم زمان ليس فيها أحد» وعن أبي هريرة مثله ، علّقهما البغوي في تفسيره ٤ / ٣٩٨ ثم قال بإثرهما : ومعناه عند أهل السّنّة ـ إن ثبت ـ أنه لا يبق فيهما أحد من أهل الإيمان ، وأما مواضع الكفّار فممتثلة أبدا.

وقد أخرج الطبري أثر ابن مسعود في تفسيره ٥ / ٤٨٤ بسند تالف لا يعبأ به ، ولا يعوّل عليه ، وأما أثر أبي هريرة فقد ذكره ابن القيّم في «حادي الأرواح» ص ٢٥٢ من رواية إسحاق بن راهويه ، حدّثنا عبيد الله بن معاذ ، حدّثنا أبي ، حدّثنا شعبة ، عن يحيى بن أيوب ، عن أبي زرعة ، عن أبي هريرة قال : «ما أنا بالذي لا أقول : «إنه سيأتي على جهنم يوم لا يبق فيها أحد». وقرأ قوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ) الآية. قال عبيد الله ـ وهو شيخ إسحاق ـ كان أصحابنا يقولون : يعني به الموحدين. وسنده صحيح ولكنه كما ترى لا يدلّ على المدّعى.

وأثر أبي سعيد أورده الطبري في تفسيره ١٨ / ٤٨٢ من طريق عبد الرزاق ، عن ابن التيمي عن أبيه ، ـ

١٢٠