ارشاد الطالبين الى نهج المسترشدين

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي

ارشاد الطالبين الى نهج المسترشدين

المؤلف:

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٦

وهما البعدان الطولانيان ، فيكون ما لا يتناهى محصورا بين حاصرين ، وكل محصور متناه ، فيلزم أن يكون متناهيا وغير متناه ، هذا خلف ، وهو لازم على تقدير أن يكون الاجسام غير متناهية ، فتكون متناهية وهو المطلوب.

وأورد شيخنا ـ دام شرفه ـ على هذا الوجه : بأنا لا نسلم أن البعد العرضاني محصور بين حاصرين ، لانه غير متناه ، اذ كل بعد عرضانى بعده بعد آخر عرضاني الى غير النهاية.

وثانيها : أن نفرض الخطين الخارجين من النقطة كساقي مثلث بعد انفراجهما عنها ، ذهبا الى غير النهاية ، فنسبة الانفراج كنسبة الذهاب ، والذهاب غير متناه ، فالانفراج غير متناه. ولا يمكن أن يقال : قد يذهبان ويتناهى الانفراج ، واذا كان الانفراج غير متناه ، كان ما لا يتناهى محصورا بين حاصرين وهو محال.

وهذا فيه نظر أيضا : فان اللازم من ذلك وجود انفراجات غير متناهية على كل حد انفراج مناسب كساقي ذلك الحد وهلم جرا الى غير النهاية.

وثالثها : ما قرره المصنف في شرح النظم (١) وهو يفتقر الى تقرير مقدمات :

الاول : أن الابعاد لو كانت غير متناهية لا لأمكن أن يفرض فيها خطان ، كساقي مثلث يمتدان الى غير النهاية.

الثاني : أنه يمكن أن نفرض أبعادا بين الخطين تزايد (٢) بقدر واحد من الزيادات الى غير النهاية ، وذلك بأن يكون البعد الاول ذراعا ، والثاني يزيد عليه بنصف ذراع ، والثالث يزيد على الثاني كذلك وهكذا.

الثالث : أن كل بعد نفرضه فانه موجود فيما فوقه مع زيادة عليه.

__________________

(١) وهو كتاب «معارج الفهم فى شرح النظم» فى الكلام كما فى الخلاصة.

(٢) بتشديد الزاى وفى «ن» : تتزايد.

٦١

اذا تقررت هذه المقدمات فنقول : اما أن يوجد فوق (١) البعدين بعد يشتمل على جميع الزيادات التي لا تتناهى ، أو لا يوجد ، فان وجد كان هو آخر الابعاد ، والا لكان فوقه آخر ، فلا يكون هو مشتملا على جميع الزيادات ، هذا خلف. وان لم يوجد كان هناك بعدا غير مشتمل عليه ، فيكون هو آخر الابعاد.

قال رحمه‌الله : والاخير مشكل ، فانه لا يلزم من عدم بعد لا يشتمل على ما لا يتناهى وجود بعد بعد هو آخر الابعاد. اللهم الا أن يقال : اذا كانت كل واحدة من الزيادات في بعد كان الكل كذلك ، وحينئذ يكون المنع أوجه ، فان للطالب أن يطالب على ذلك بالدليل.

ورابعها : ما ذكره بعض المهندسين ، وهو أن نفرض زاوية الخطين ثلثي قائمة ، فان كان الخطان غير متناهيين ، كان الواصل بينهما غير متناه ، ضرورة زاويتين تساوي زاويتي القاعدة ومساواتهما لزاويتي الخطين ، فان الخطوط متساوية ، فيكون الخط الواصل (٢) منهما محصور بين حاصرين هذا خلف.

وهذا فيه نظر : لان فيه مصادرة على المطلوب.

قال المصنف في الاسرار : هذه الحجة غير عامة على تقدير تمامها ، فانها تدل على التناهي من بعض الجهات.

واحتج حكماء الهند على قولهم : بأن خارج العالم يتميز فيه جانب عن جانب ، بأن الذي يلي القطب الشمالي يغاير الذي يلي القطب الجنوبي ، والعدم المحض لا امتياز فيه ، فهو موجود أما جسم أو جسماني ، فثبت أن وراء العالم أجسام الى غير النهاية.

والجواب : ان التميز مجرد أوهام ليس له حقيقية في الخارج.

__________________

(١) فى «ن» : بين.

(٢) فى «ن» : الواحد.

٦٢

[جواز الخلاء بين الاجسام]

قال : ويجوز الخلاء بينها (١) ، لانا اذا وضعنا سطحا مستويا على مثله ، ثم رفعناه رفعا مستويا (٢) ارتفع جميع جوانبه ، والا لزم التفكيك. ففي أول زمان رفعه يخلو الوسط ، لان حصول الجسم فيه انما يكون بعد المرور على الطرف ، فحال كونه في الطرف يكون الوسط خاليا.

ولان الملاء لو كان موجودا لكان اذا تحرك الجسم ، فان بقي المكان الذي ينتقل إليه مملوا لزم التداخل ، وان تحرك الجسم عنه ، فان كان الى مكان الاول (٣) لزم الدور وان كان الى مكان ثالثا (٤) لزم تحرك العالم بتحرك البقة ، وهو معلوم البطلان.

أقول : للخلاء تفسيران : أحدهما : اللاشيء. وثانيهما : البعد الغير الحال في (٥) جسم.

فالخلاء بالمعنى الاول ثابت خارج العالم ، بلا خلاف بين الحكماء والمتكلمين. وأما الخلاء بالمعنى الثاني فهل هو متحقق فيما بين الاجسام أولا؟ فقال المتكلمون وجمع من الحكماء : نعم هو متحقق. وقال أكثر الحكماء بعدم تحققه ، واختار المصنف الرأي الاول ، واستدل عليه بوجهين :

الاول : انا اذا وضعنا سطحا مستويا على سطح آخر مستوى بحيث يلاقيه بجميع أجزائه ملاقاة تامة حتى لا يبقي بينهما جسم ، ثم رفعناه رفعا مستويا

__________________

(١) فى «ن» : بينهما.

(٢) فى المطبوع من المتن : متساويا.

(٣) فى المطبوع من المتن : أول.

(٤) فى المطبوع من المتن : ثالث.

(٥) فى «ن» : فيه.

٦٣

ارتفع جميع جوانبه دفعة واحدة ، والا لزم التفكيك ، وهو أن يرتفع بعض الاجزاء ويبقى الاخر. وهو باطل.

لانا نفرضه في جسم صلب كالمس مستوى على مثله ، ولو ارتفع البعض لزم عدم استواء السطح ، بحيث يكون بعض أجزائه أغلظ ، فيرتفع أولا ، وبعضها أرق فيرتفع أخيرا. وهو باطل ، لان فرض سطح مستوى كما تقدم تعريفه في جسم صلب ممكن.

وفائدة اشتراط كونه مستويا أنه لو لم يكن مستويا لكان الهواء محتويا في تجاويفه. وفائدة اشتراط استواء الرفع أنه لو لم يكن مستويا لم يلزم المطلوب ، لجواز أن يدخل الهواء بين الجسمين على قدر الرفع ، هكذا قيل.

وفيه نظر : لان الرفع في هذه الصورة على أي وجه وقع حصل المطلوب ، وحينئذ نقول في أول زمان رفع السطح الفوقاني يخلو الوسط ، لان الجسم الهوائي لا يصل الى الوسط الا بعد مروره على الطرف (١) ، وحال مروره على الطرف يكون الوسط خاليا قطعا ، فثبت الخلاء وهو المطلوب.

الثاني : لو لم يكن الخلاء متحققا لزم اما التداخل أو الدور أو حركة العالم بجملته عند حركة البقة في الهواء أو السمكة في أعماق الماء ، واللازم بأقسامه باطل فالملزوم مثله.

أما بطلان اللازم فظاهر. أما التداخل فقد مضى. وأما الدور فلما يأتي. وأما الثالث فبالحس ، فانه يدل على عدمه قطعا.

وأما بيان الملازمة فنقول : اذا تحرك الجسم من مكانه الى مكان آخر ، فالجسم الحاصل في المكان الثاني على ذلك التقدير ان بقي على حاله لزم

__________________

(١) فى «ن» : الاطراف.

٦٤

التداخل ، وان لم يبق على حاله بل ينتقل عنه ، فاما أن ينتقل الى مكان الاول أو الى غيره.

فان كان الاول لزم الدور ، لان حركة كل واحد منهما متوقفة على حركة الاخر ، وان كان الى مكان آخر ، فننقل الكلام الى ذلك المكان ونقول فيه كما قلنا في الاول ، فيلزم اما التداخل أو الدور ، وهما محالان ، فيلزم الانتقال الى مكان رابع ، ونقول فيه كما قلنا في سابقه ، فيلزم حركة العالم عند حركة البقة.

واعتذر الخصم عن الوجهين : أما الاول : فقالوا : لا نسلم أن السطح العالي يرتفع بدون [السطح] السافل ، بل يرتفعان معا ، فان السطحين اذا تلاقيا ملاقاة تامة كما ذكرتم ، لزم من انجذاب أحدهما انجذاب الاخر ، كالهواء الجاذب للماء بالمص.

وأما الثاني : فقالوا : انما لزم (١) ما ذكرتم من التداخل أو الدور على تقدير عدم (٢) التخلخل والتكاثف. والتخلخل هو زيادة مقدار الجسم من غير انتقاش ولا انضمام شيء إليه. والتكاثف هو نقصان مقدار الجسم من غير اندماج ولا نقصان شيء منه ، ولكنهما جائزان على الاجسام الرقيقة ، واذا كان كذلك فنقول : ان الهواء الذي بين المتحرك [يتكاثف] وما إليه الحركة يتكاثف ، والذي بينه وبين ما منه الحركة يتخلخل ، فلا يلزم الخلاء فيما منه الحركة ، ولا التداخل فيما إليه الحركة.

واعلم أن هذا العذر مبني على ثبوت المادة المبني على عدم الجزء الذي لا يتجزى ، وعلى كل تقدير ثبوته لا يتم الا بهذا الاعتذار.

__________________

(١) فى «ن» : يلزم.

(٢) فى «ن» : عدم تقرير.

٦٥

[تحقيق حول حدوث الاجسام]

قال : وهي حادثة ، لانها لو كانت أزلية لكانت اما متحركة أو ساكنة ، والقسمان باطلان. أما الملازمة فلانها حينئذ لا بد لها من مكان ، فان كانت لا بثة فيه كانت ساكنة ، وان كانت منتقلة عنه كانت متحركة ، ولا واسطة بينهما.

وأما بطلان الاول فلان الحركة عبارة عن حصول الجسم في حيز بعد أن كان في آخر ، فماهيتها تستدعي المسبوقية بالغير ، والازل ينافي المسبوقية بالغير ، فالجمع بينهما محال.

وأما بطلان الثاني فلانها لو كانت ساكنة لامتنعت الحركة عليها ، لان السكون الازلي يستحيل زواله ، والتالي باطل ، لانّ الاجسام متحركة بأجمعها : أما الفلكيات فظاهرة ، وأما العناصر فلانها اما بسائط واما مركبات.

أما المركبات فحركتها ظاهرة ، وأما البسائط فلان الجانب الذي يلاقي به بعضها بعضا مساو للجانب الاخر ، فيصح على الاخر الملاقاة ، وانما يكون ذلك بالحركة ، فصحت الحركة.

أقول : هذه المسألة من المسائل الشريفة وعليها يبتني قواعد الاسلام ، وهي المعركة العظيمة بين المتكلمين والحكماء ، وقد اختلف آراء الحكماء في هذا المقام :

فذهب أرسطو وثامسطيوت (١) وأبو نصر الفارابي وأبو علي ابن سينا وأتباعهم الى أن الاجسام السماوية قديمة بذواتها وصفاتها ، الا الحركات والاوضاع ، فانها حادثة بأشخاصها ، وان هيولى الاجسام العنصرية قديمة بذواتها ، وأما الصورة الجسمية والنوعية فحادثة ، وكذلك الاعراض التابعة لها.

__________________

(١) فى «ن» : ثامسطيوس.

٦٦

وذهب انكساغورس وفيثاغورس (١) وسقراط وجميع الثنوية الى أن العالم بأسره قديم الذات محدث الصفات.

وأما أرباب الملل من المسلمين واليهود والنصارى فذهبوا الى أن العالم بأسره محدث الذات والصفات ، ولما كان العالم منحصرا عندهم في الاجسام والاعراض بحثوا عن حدوثهما.

وقد استدل المصنف على حدوث الاجسام ـ بمعنى أن وجودها مسبوق بالعدم سبقا بالزمان ـ بأنها لو لم يكن حادثة لكانت أزلية ، واللازم باطل فالملزوم مثله. أما الملازمة فظاهرة ، اذ لا واسطة بين الازلي والمحدث (٢). وأما بطلان اللازم فلانها لو كانت أزلية لكانت اما متحركة أو ساكنة ، واللازم بقسميه باطل ، فالملزوم مثله.

أما بيان الملازمة فلان كل جسم لا بد له من مكان ، فاما أن يكون لابثا فيه أو منتقلا عنه ، فان كان لابثا فيه فهو الساكن ، وان كان منتقلا عنه فهو المتحرك. فقد بانت الملازمة.

وأما بطلان اللازم بقسميه فنقول : أما بطلان كونه متحركا فلان الحركة عبارة عن حصول الجسم في حيز بعد أن كان في حيز آخر ، فماهيتها تستدعي المسبوقية بالغير ، فيصدق قياس هكذا من الشكل الثاني : الحركة مسبوقة بالغير ، ولا شيء من الازلي بمسبوق بالغير ، ينتج لا شيء من الحركة بأزلي. فلو كان الجسم متحركا في الازل ، لزم اجتماع الازلية والحدوث في شيء واحد ، وهو محال.

وأما بطلان كونه ساكنا فلانه لو كان الجسم في الازل ساكنا لامتنعت الحركة

__________________

(١) فى «ن» : متثاغورس.

(٢) فى «ن» : والحدوث.

٦٧

عليه ، واللازم باطل فالملزوم مثله.

أما الملازمة : فلان السكون الازلي يستحيل زواله ، لانه اما واجب الوجود أو ممكن الوجود ، فان كان واجبا فاستحالة العدم عليه ظاهرة. وان كان ممكنا فلا بد وأن تكون علته واجبة ، دفعا للدور والتسلسل ، وتلك العلة تجب أن تكون موجبة ، لان كل ما هو أثر المختار فهو حادث كما يجيء ، ولا شيء من الازلي بحادث ، فلا شيء من أثر المختار بأزلي. لكن الفرض أن السكون أزلي ، فلا يكون أثر المختار ، فتكون تلك العلة واجبة موجبة ، فيلزم من استمرار وجودها استمرار وجوده ، فلا يجوز عليه العدم ، وهو المطلوب.

لا يقال : الازلي انما يستحيل عدمه اذا كان وجوديا لا مطلقا ، فان الحوادث أزلي عندكم وقد زال ، وحينئذ نقول : السكون عدمي ، لانه عدم الحركة ، فيجوز حينئذ زواله فلا يلزم المطلوب.

لانا نقول : ان السكون وجودي كما يجيء بيانه فيتم المطلوب. واما بطلانه (١) فلان الحركة جائزة على جميع الاجسام.

أما الفلكيات : فحركتها ظاهرة ، فانا نشاهد حركات (٢) الكواكب وحركات الشمس من المشرق الى المغرب.

وأما العنصريات : فلانها : اما بسائط وهي العناصر الاربعة : الارض والماء والهواء والنار. أو مركبات وهي المعدن والنبات والحيوان ، وكل واحد منها يجوز عليه (٣) الحركة.

أما المركبات فظاهرة. وأما البسائط فلان كل واحد منها يلاقي ما فوقه

__________________

(١) فى «ن» : بطلان كونه ساكنا.

(٢) فى «ن» : حركة.

(٣) فى «ن» : عليها.

٦٨

بمحدبه وما تحته بمقعره ، والبسيط هنا هو الذي يكون طبيعة واحدة ، وكل ما صح على بعض منه صح على البعض الاخر ، وقد صح على كل واحدة من هذه البسائط ملاقاة (١) للذي فوقه بمحدبه ، فيصح أيضا أن يلاقي ما تحته بذلك المحدب وبمقعره ما فوقه ، والا لم يكن بسيطا ، والغرض أنه بسيط. هذا خلف.

وذلك انما يكون بالحركة والانقلاب ، فقد صحت الحركة على كل واحد من هذه البسائط ، واذا صحت الحركة على جميع الاجسام [صح] عدم السكون فلا يكون أزليا ، فيكون حادثا ، وهو المطلوب.

فقد بان بطلان اللازم بقسميه ، فيبطل الملزوم أعني كون الاجسام أزلية ، فلا تكون أزلية فتكون حادثة وهو المطلوب. ولما لم تكن الاعراض مستغنية عن الاجسام كانت حادثة أيضا ، لان المفتقر الى الحادث أولى بأن يكون حادثا ، فثبت حدوث العالم لما عرفت من انحصاره في الاجسام والاعراض عند المتكلمين ، وقد بان لك حدوثهما.

[تعريف الكون وأقسامه]

قال : البحث الثالث ـ في أحكام خاصة للاعراض وهي تسعة عشر ، الاول ـ الكون : وهو حصول الجسم في الحيز ، والمراد بالحيز والمكان شيء واحد ، وهو البعد المفطور (٢) الذي تشغله الاجسام بالحصول فيه.

ويندرج تحت الكون أربعة أنواع : الحركة وهي الحصول الاول في المكان الثاني والسكون وهو الحصول في مكان واحد أكثر من زمان واحد ، والاجتماع وهو حصول الجوهرين بحيث لا يتخللهما ثالث ، والافتراق وهو حصولهما بحيث

__________________

(١) فى «ن» : ملاقاته.

(٢) الخلاء الّذي بين الاجسام يسمى بعدا مفطورا.

٦٩

يتخللهما ثالث.

وهذه الاربعة أمور وجودية ، ومنها ما هو متماثل ، وما هو متضاد. وتدرك بالبصر بواسطة اللون والضوء.

أقول : لما فرغ من أحكام مختصة بالجواهر ، شرع في أحكام مختصة بالاعراض ، وابتدأ منها (١) بالكون ، لكونه لازما لجميع الاجسام ، ولا يتصور جسما خاليا عنه ، وفيه مسائل:

الاولى : اعلم أن الكون يسميه الحكيم «أينا» وعرفه المصنف بأنه حصول الجسم في الحيز.

وفيه نظر : فانه يخرج عنه حصول الخط والسطح في الحيز. فكان المناسب أن يقال : هو الحصول في الحيز ، والكون مغاير للجسم ، لانه يتبدل ويتغير ، والجسم باق فلا يتغير وما يتبدل (٢) غير ما لا يتبدل ولا يتغير. فالكون مغاير للجسم.

وهل هذا الحصول معلل بمعنى أم لا؟ ذهب أبو هاشم الى أن حصول الجسم في المكان معلل [بمعنى]. وذهب المحققون كأبي الحسين وأتباعه الى نفيه ، وهو الحق وتحقيق ذلك في المطولات.

الثانية : [في] المكان والحيز : وهما لفظان مترادفان في التحقيق لمعنى واحد ، وبعضهم فرق بينهما بأن الحيز هو ما أحاط بالجسم من سائر أقطاره. والمكان ما عليه اعتماده واستقلاله ، كالترس الموضوع على رأس السنان ، فان الفراغ المحيط به حيزه ، ورأس السنان الذي عليه اعتماده مكانه ، والتحقيق هو الاول والنزاع لفظي.

واختلف الحكماء والمتكلمون في وجود المكان أولا ، ثم في ماهيته ثانيا.

__________________

(١) فى «ن» : فابتدأ فيها.

(٢) فى «ن» : ولا يتبدل.

٧٠

أما الاول : فقد نفاه قوم غير محققين ، وهو خطأ ، فان بديهة العقل تشهد بأن الجسم ينتقل من مكان الى آخر ومن جهة الى أخرى ، والانتقال من العدمي الى العدمي (١) محال. وأيضا فانا نحكم قطعا بالنقلة مع بقاء الجسم بأعراضه ولوازمه ، فلا بد من شيء ينتقل عنه وإليه ، وليس هو الجسم بالضرورة ، ولا جزء الجسم ، لان الجزء ينتقل بانتقال الكل فيكون خارجا عنه ، فيكون موجودا وهو المطلوب.

وأما الثاني : فقال المتكلمون : هو الفراغ المتوهم الذي تشغله الاجسام بالحصول فيه. وقال أفلاطون : هو البعد المفطور. وقريب منه تفسير المتكلمين ، لكن البعد عند أفلاطون موجود مجرد ينفذ فيه الجسم ، وعند المتكلمين مفروض.

وقال أرسطو واتباعه : انه السطح الباطن من الجسم الحاوي المماس للسطح الظاهر من الجسم المحوى. ويرد على هذا محدد الجهات ، فانه ليس له هناك مكان على هذا التفسير ، مع أنه جسم ، وكل جسم لا بد له من المكان.

واختار المحقق الطوسي وأبو البركات مذهب أفلاطون وحققه المصنف ، والذي يدل على ذلك أن المعقول من المكان ليس الا البعد ، فانا اذا فرضنا أن الكون خاليا من الماء ، تصورنا الابعاد التي يحيط بها جرم الكوز ، بحيث اذا ملئ شغلها بجملتها ، بحيث (٢) أن الابعاد توصف بالملاءة والفراغ الموصوف بهما هو المكان ، فيكون المكان هو الابعاد ، وأيضا فان الامارات الشهيرة في المكان ، من كونه منتقلا عنه وإليه ، وكونه مساويا للمتمكن ومناسبا له في أقطاره الثلاثة ، وكونه يتعاقب عليه وغير ذلك ، انما يقال للبعد فيكون هو المكان ،

__________________

(١) فى «ن» : من العدم الى العدم.

(٢) فى «ن» : ثم.

٧١

حتى أن بعض القائلين بذلك حكم بأن هذا حكم فطري مركوز [مبدأ الفطرة للانسان].

ويرد على المصنف بأنه يذهب الى ثبوت الخلاء ، واختياره لتعريف المكان بقوله «البعد المفطور» يستلزم القول بالملاء ، فانه لا يتصور [الفطر] الا بموجود محقق. (١)

الثالثة : في أقسام الكون : اعلم أنه جنس تحته أنواع أربعة على المشهور بين المتكلمين:

أحدها : الحركة وتحرير الكلام في تعريفها أن نقول : اذ تحرك الجسم من حيز الى آخر ، فلا شك أن هناك أمور أربعة : الاول : الحصول في الحيز.

الثاني : الانتقال إليه. الثالث : زواله عن محاذات جسم الى محاذات آخر.

الرابع : محاذات جسم آخر.

فالمتكلّمون جعلوا اسم الحركة للاول ، وعرفوها بأنها الحصول الاول في المكان الثاني. [قالوا :] لان الجسم حال حصوله في المكان الاول غير متحرك ، وليس بين الاول والثاني مكان ، فاذن الحركة هي الحصول في المكان الثاني.

والحكماء جعلوا اسم الحركة للمعنى الثاني ، وهو نفس الانتقال ، وعرّفوها بأنها كمال أول لما بالقوة من حيث هو بالقوة. وبيانه : أن كل صفة غير ثابتة بالذات (٢) ، مع امكان ثبوتها لها ، فان تلك الذات يقال انها موصوفة بتلك الصفة بالقوة ، وحصول تلك الصفة كمال للذات.

وحينئذ نقول : الجسم اذا كان حاصلا في المكان الاول ، فان حصوله في

__________________

(١) فى «ن» : لموجود متحقق.

(٢) فى «ن» : للذات.

٧٢

المكان الثاني ممكن وغير ثابت له ، فهو كمال له حينئذ بالقوة ، وحصوله فيه لا يمكن الا بانتقاله عن المكان الاول وقطعه المسافة عنه ، وذلك الانتقال معدوم عنه ممكن له ، فهو كمال للجسم أيضا ، لكن الانتقال الذي هو الحركة أسبق الكمالين ، فانه [به] يحصل في المكان الثاني ، فالحركة اذن كمال الاول (١).

وبعض المتأخرين جعل الحركة للمعنى الثالث. وهو ضعيف ، لان زواله عن المحاذات ليس مقصود بالذات للمتحرك ، بل هو شيء يحصل بالعرض.

وثانيها : السكون وعرفه المتكلمون بأنه الحصول في حيز أكثر من زمان واحد. ان قلت : هذا انما يتم أن لو كان الزمان متجزيا وهو ممنوع. قلنا : هذا مبني على ثبوت الجزء وقد تقدم.

وأما الحكماء فقد جعلوه عدم الحركة لا مطلقا ، فان العرض لا يسمى ساكنا ، والمجرد أيضا لا يقال له ساكنا ، والمحدد لا يقال له ساكن ، بل عما من شأنه أن تتحرك ، فالتقابل بينه وبين الحركة على الاول تقابل التضاد ، وعلى الثاني العدم والملكة.

وثالثها : الاجتماع وهو حصول الجوهرين في حيزين لا يمكن أن يتخللهما ثالث.

ورابعها : الافتراق وهو حصول الجوهرين في حيزين ، بحيث يمكن أن يتخللهما ثالث.

سؤال : ان من شرط الانواع الداخلة تحت جنس واحد أن تكون متباينة ، بحيث لا يجتمع بعضها مع بعض ، كالانسان والفرس الداخلين تحت الحيوان ، والانواع هنا للكون ليست كذلك ، اذ قد تجتمع بعضها مع بعض ، فان الاجتماع يصدق مع الحركة ومع السكون وكذا الافتراق.

__________________

(١) فى «ن» : أول.

٧٣

جواب : ما ذكرته انما يتأتى في الانواع الحقيقية ، والانواع هاهنا اضافية فجاز اجتماع بعضها مع بعض ، كالجسم النامي والحيوان الداخلين تحت الجسم.

المسألة الرابعة : في أحكام هذه الانواع :

الاول : انها أمور وجودية ، أي ليس العدم مفهومها ولا جزء مفهومها ، وهو ظاهر من تعريفاتها المذكورة ، فان الحصول [من] المشترك بينها ثبوتي وكذا الفصول المميزة ، وهذا ما وعدنا به من بيان كون السكون وجوديا.

الثاني : ان هذه منها ما هو متماثل ، كحركتين الى فوق أو تحت ، أو سكونين في التحت ، أو في جهة من الجهات ، وكذا الاجتماع والافتراق ، ومنها ما هو متضاد ، كحركتين احداهما الى فوق والاخرى الى تحت.

الثالث : انها تدرك بالبصر ، وقد اختلف المتكلمون فيها هنا ، فمن قال ان الحصول معلل بمعنى قال انها غير مرئية ، ومن قال انه نفس الحصول قال انها مرئية.

وأما الحكماء فقالوا : انها مرئية بواسطة رؤية الالوان والاضواء لا بالذات. واختاره المصنف. أما اللون فانه لو لم يكن محلها ملونا (١) لما أدرك كالهواء. وأما الضوء فانه لو كان هناك جسما في الظلمة [وهو] يتحرك لم نشاهده وهو ظاهر.

[تعريف اللون]

قال : الثاني ـ اللون : وهو جنس للسواد والبياض ، وأثبت آخرون (٢)

__________________

(١) فى «ن» : فى الملون.

(٢) فى المطبوع من المتن : الآخرون.

٧٤

الحمرة والخضرة والصفرة بسائط ، ونفى قوم البياض ، وهو خطأ ، فانا نشاهده لا باعتبار ممازجة الهواء للاجسام (١) الشفافة ، كما في بياض البيض المسلوق.

أقول : من الاعراض المشتركة اللون ، وهو من المدركات بحسب البصر فلا يفتقر الى تعريف. وقد ذهب قوم من الاوائل غير محققين الى أن الالوان لا حقيقة لها في الخارج ، بل البياض يتخيل من مخالطة الهواء للاجسام الشفافة والسواد يتخيل من اكتناز (٢) أجزاء الجسم وعدم غور (٣) الضوء فيه. وأطبق المحققون على بطلان قولهم فانه مكابرة في الضروريات. وأثبت قوم السواد خاصة دون البياض.

والمحققون من الاوائل أثبتوا السواد والبياض أصلين بسيطين ، والبواقي من الالوان المركبة منهما بحسب الزيادة والنقصان. وقال آخرون : ان اصول الالوان ـ أي بسائطها ـ خمسة : السواد والبياض والحمرة والصفرة والخضرة والبواقي مركبة منها. وبه قال أبو هاشم. ونفى قوم الصفرة من البين وقال : انها مركبة من الحمرة والبياض.

وقال المصنف ـ رحمه‌الله ـ في المناهج : ان بساطة هذه الالوان وتركيبها مما لا يمكن الاطلاع عليه ، فاذن الاولى الوقف. أما الذين نفوا البياض فبينوا كيفية تخيله ، بأن الهواء تحمل الضوء الى أجزاء شفافة صغار فيقع على سطوحها ويتعاكس [من] بعضها الى بعض فيتخيل البياض وليس به ، ومثلوه في الزجاج المسحوق فانه قبل سحقه ليس بأبيض فاذا سحق (٤) أبيض ، وكذا زبد البحر والبلور.

__________________

(١) فى المطبوع من المتن : للاجزاء.

(٢) اكتنز : امتلا ـ اجتمع.

(٣) أى تعمق النظر. يقال : عرفت غور المسألة ، أى حقيقتها.

(٤) فى «ن» : انسحق.

٧٥

وهذا خطأ فانا نحس بالبياض لا باعتبار مخالطة الهواء للاجسام الشفافة ، فان بياض البيض قبل سلقه شفاف ويخالطه الهواء ، مع أنه لا يحس فيه ببياض ثم بعد سلقه يخرج الهواء منه ويكشف ويرى له بياض.

ان قلت : لم لا يجوز أن يكون حال سلقه مختلط به أجزاء هوائه يتخلل من الرطوبات ويخالطه فيحدث البياض.

قلت : لو كان كما زعمت لكان بعد السلق أخف ، لتحلل أجزائه منه ، والامر بالعكس فانه بعد سلقه يثقل.

[تعريف الضوء والظلمة]

قال : والضوء كيفية يكون الجسم به مستنيرا (١) : اما من ذاته كما في الشمس أو من غيره كما في المستضيء بنور غيره.

والضوء شرط لكون اللون مرئيا لا لوجوده ، كما ذهب إليه بعضهم.

والظلمة عدم الضوء عما من شأنه أن يكون مضيئا.

أقول : ذهب قوم الى أن الضوء جسم ينفصل عن الاجسام ويتحرك ، كالضوء المتحدر عن الكواكب. وهو خطأ ، فانه لو كان جسما لكان اما محسوسا أو غير محسوس ، والثاني باطل ، لان الضوء محسوس قطعا ، وكذا الاول أيضا باطل ، لانه كان يجب أن يستر ما تحته ، فيكون الاكثر ضوء أكثر خفاء ، والامر عكس ذلك. بل الحق أنه عرض ، وهو محسوس بحس البصر ، فلا يفتقر الى تعريف.

وقد يقال فيه لا على أنه تعريف بل شرحا لاسمه : انه كيفية يكون الجسم بها ظاهرا ، فان كان هذا الظهور للشيء من ذاته كالشمس والنار سمي «ضوءا»

__________________

(١) فى «ن» : مستترا.

٧٦

وان كان مستفادا من الغير كالجدار المستنير بضوء الشمس سمى «نورا» ، والترقرق الذي للشيء من ذاته يسمى «شعاعا» والترقوق الذي على الشيء من غيره يسمى بريقا» كالمرأة.

وهل الضوء شرط لوجود اللون أو لرؤيته؟ المحققون على الثاني ، وأبو علي [ابن سينا] ذهب الى الاول ، واحتج عليه : بأنا لا نحس بالالوان في الظلمة ، فعدم الاحساس بها اما لعدمها وهو المطلوب ، أو لمفارقة الظلمة عن الاحساس وهو باطل لوجهين :

الاول : ان الظلمة عدم ولا شيء من العدم بمانع.

الثاني : لو كانت الظلمة مانعة من الابصار ، لمنعت من هو بعيد عن النار عن مشاهدة القريب منها ليلا ، وليس كذلك.

والجواب أن يقال : لم لا يجوز أن يكون الضوء شرط ابصار الالوان؟ فلا ترى عند عدم الضوء لسبب فقدان الشرط ، لا لسبب المعاوقة (١) ، والبعيد عن النار الجالس في الظلمة انما رأى القريب منها لوجود شرط الرؤية ، وهو وقوع الضوء عليه ثم ينعكس (٢) عليه ، فانه لو كان توسط الضوء شرطا لوجود اللون لرأي الجالس عند النار الجالس في الظلمة لتوسط الضوء ، وفي هذا العكس نظر.

وأما الظلمة : فقال جماعة من الاشاعرة : أنها صفة وجودية. وهو خطأ والا لما رأى الجالس في الظلمة الجالس في الضوء ، لحصول الظلمة بينهما.

والحق أنها عدم الضوء لا مطلقا ، بل عما من شأنه أن يكون مضيئا ، فالمجرد ليس بمظلم ، اذ ليس من شأنه الاضاءة ، فالتقابل بينها وبين الضوء

__________________

(١) فى «ن» : المعاوق.

(٢) فى «ن» : انعكس.

٧٧

على الاول تقابل الضدين ، وعلى الثاني تقابل العدم والملكة فانها عدم وجود الضوء.

[تعريف الطعم وأنواعه]

قال : الثالث ـ الطعوم : وهي تسعة : لان الحار ان فعل في الكثيف حدثت المرارة(١) ، وان فعل في اللطيف حدثت الحرافة ، وان فعل في المعتدل حدثت الملوحة.

والبارد ان فعل في الكثيف حدثت العفوصة (٢) ، وان فعل في اللطيف حدثت الحموضة ، وان فعل في المعتدل حدثت القبض.

والمعتدل ان فعل في اللطيف حدثت الدسومة ، وان فعل في الكثيف حدثت الحلاوة ، وان فعل في المعتدل حدثت التفاهة.

وقد يجتمع طعمان في جسم واحد كالحرافة والقبض في الباذنجان.

أقول : الطعم كيفية مزاجية ، فلا بد له من جسم يقبله. والجسم اما لطيف أو كثيف أو معتدل بينهما ، والفاعل فيه اما الحرارة أو البرودة أو الكيفية المتوسطة بينهما ، ويحصل من ضرب ثلاثة في مثلها تسعة أنواع.

فالحرارة ثلاثة ، وهو الحرافة ان فعلت في اللطيف ، والمرارة ان فعلت في الكثيف ، والملوحة ان فعلت في المعتدل.

وللبرودة ثلاثة أخرى ، وهو الحموضة ان فعلت في اللطيف ، والعفوصة ان فعلت في الكثيف ، والقبض ان فعلت في المعتدل.

__________________

(١) فى المطبوع من المتن : الحرارة.

(٢) فى المطبوع من المتن : العفونة. العفوصة : المرارة والقبض اللذان يعسر معهما الابتلاع.

٧٨

وللمتوسط بينهما ثلاثة أخرى ، وهو الدسومة ان فعلت في اللطيف ، والحلاوة ان فعلت في الكثيف ، والتفاهة ان فعلت في المعتدل.

والنقة يقال بالاشتراك على معنيين متغايرين : أحدهما ما لا طعم له ، وثانيهما ما له طعم في الحقيقة لكن لا يحس بطعمه ، لانه لشدة كثافته لا ينحل من مخالطة اللسان (١) ، فلا يحس بطعمه كالنحاس ، فانه لا ينحل منه شيء بسهولة بحيث يدركه اللسان ، بل اذا احتيل في أجزائه بتحليلها وتلطيفها أحس منه بطعم. وهذا الثاني هو المعدود في الطعوم لا الاول ، فانه عدم ، والطعم موجود.

وانحصار الطعوم في هذه التسعة غير يقيني ، فانه لا برهان يدل عليه ، فان كثيرا من الطعوم لا تدخل تحت هذه التسعة (٢) ، مع أن النقض موجود فيما ذكروه في بيان الفعل والقبول ، فان الكافور مر مع أنه بارد ، والعسل حلو مع أنه حار ، والزيت دسم مع أنه حار ، الى غير ذلك من النقوض.

ثم القائلون (٣) بانحصارها في التسعة ذهب بعضهم الى أن خمسة منها بسائط ، وهي الحلاوة والحموضة والمرارة والملوحة والحرافة ، والبواقي مركبة منها. وفيه نظر.

ثم ان الجسم بالنسبة الى الطعم اما أن لا يكون موصوفا بشيء منه كالهواء ، أو يوصف بواحد لا غير ككثير من الاجسام ، أو بطعمين كالمرارة والقبض فى الحضض ، ويسمى بشاعة ، والحضض ـ بضم الضاد الاولى ـ وهو نوع من الاشنان ، وكذا المرارة والملوحة فى السبخة وتسمى زعوقة ، أو بثلاثة طعوم كالحرافة والمرارة والقبض فى الباذنجان اذا كانت شجرته عتيقة.

__________________

(١) فى «ن» : لا يتخلل منه شيء يخالطه اللسان.

(٢) فى «ن» : القسمة.

(٣) فى «ن» : القائلين.

٧٩

[تعريف الرائحة وأنواعها]

قال : الرابع ـ الروائح : وليس لانواعها أسماء بإزائها ، بل اما من جهة الموافقة أو المخالفة ، كما تقول «رائحة طيبة أو نتنة» (١) أو من جهة المحل كرائحة المسك.

وهي كيفيات تدرك بالشم : اما بتحلل شيء من أجزاء ذي الرائحة ووصوله الى الخيشوم ، أو بانفعال الهواء المتوسط بين ذي الرائحة والخيشوم بكيفية ذي الرائحة.

أقول : من الاعراض العامة الروائح ، وهي كيفيات تدرك بالشم ، وسيأتي تحقيق ماهيته فيما بعد. والرائحة جنس لانواع كثيرة ، لكن ليس لتلك الانواع أسماء بإزائها ، فانه لا يجب أن يوضع لكل معنى لفظ ، والّا لزم عدم تناهي الالفاظ ، اذ المعاني غير متناهية وتحقيقه فى الاصول ، بل لما تشتد الحاجة إليه. وهنا يحصل فهمها من وجوه :

الاول : باعتبار ملائمتها للمزاج ومخالفتها له ، فيقال للملائم : رائحة طيبة ، ولغيره رائحة خبيثة أو منتنة ، والملائمة والمخالفة أمر إضافي تختلف بحسب اختلاف المنسوب إليه ، بحيث يكون الشيء طيبا بالنسبة الى شخص دون آخر.

الثاني : من جهة طعوم تضاف إليها ، فان بعض الروائح قد يحصل له طعم حلو فيقال : رائحة حلوة ، وطعم حامض فيقال : رائحة حامضة.

الثالث : من جهة اضافتها الى محلها ، كما يقال : رائحة المسك ورائحة الكافور ، وحينئذ لا يكون ثمة حاجة الى الوضع.

__________________

(١) فى المطبوع من المتن : منتنة.

٨٠