ارشاد الطالبين الى نهج المسترشدين

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي

ارشاد الطالبين الى نهج المسترشدين

المؤلف:

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٦

[تحقيق]

قد عرفت أن الوجود طبيعة (١) معقولة واحدة ليس فيها تكثر ، لكن اذا اعتبر عروضه للماهيات ، حصل له التكثر ، لاستحالة حلول العرض الواحد في المحال المتعددة ، وحينئذ يكون ذلك الامر الكلي متحققا في كل واحد من هذه الوجودات العارضة للماهيات [و] صادقا عليها ، أي على هذه الوجودات العارضة للماهيات ، صدق الامر الكلي على جزئياته. وأما صدقه على تلك الماهيات المعروضة لهذه الوجودات ، صدق (٢) العارض على معروضاته ، فيكون مقولا على تلك الوجودات العارضة بالتشكيك ، لاختلاف صدقه عليها ، فان وجود العلة أولى بطبيعة الوجود من وجود المعلول.

وكذا وجود الجوهر أقدم من وجود العرض الى غير ذلك. وهذا هو المراد من قول الحكماء «انه مقول بالتشكيك». فالحاصل من هذه التقرير : أن لكل ماهية وجودين : أحدهما خاص بها مخالف لغيره من الوجودات ، والاخر مشترك بين الجميع.

[بداهة تصور الوجود والعدم والوجوب والامتناع والامكان]

قال : البحث الثالث : الحق أن تصور الوجود والعدم والوجوب والامكان والامتناع ضروري ، لانه لا شيء أظهر عند العاقل من كونه موجودا وأنه ليس بمعدوم.

__________________

(١) فى «ن» : طبيعية.

(٢) فى «ن» : كصدق.

٤١

ومن عرّف الواجب بأنه «ما ليس بممكن ولا ممتنع» وعرّف الممكن بأنّه «ما ليس بواجب ولا ممتنع» وأن «الممتنع هو الذي لا يمكن وجوده» لزمه الدور. وكذا كلما يقال في هذا الباب من التعريفات.

أقول : في هذا البحث مسألتان :

(الاولى) ان تصور الوجود والعدم ضروري ، وقد ذهب قوم غير محققين الى أن تصور الوجود كسبي ، وعرفوه بتعريفات ردية ، كقولهم أنه المنقسم الى الحادث والقديم ، أو المنقسم الى الفاعل والمنفعل ، أو الذي يمكن أن يخبر عنه ، وهذه تعريفات فاسدة :

أما الاول : فلانهم عرفوا الوجود بما يتوقف معرفته على معرفة الوجود ، فان القديم هو ما لم يسبق وجوده العدم ، والحادث هو ما سبق (١) وجوده العدم فالوجود جزء مفهوم تعريفهما ، فيكون متقدما عليهما ، فلو أخذا في تعريفه لزم تقديمهما (٢) عليه ، والتعريف سابق على المعرف ، لانه علة في تصوره ، فيلزم تقدم الشيء على نفسه وهو محال.

وأما الثاني : فكذلك ، اذ الفاعل هو المفيد للوجود ، والمنفعل هو المستفيد للوجود ، فقد توقف معرفتهما على معرفة الوجود.

وأما الثالث : فلان لفظة «الذي» انما يشار بها الى متحقق ثابت ، فقد أخذ [الوجود] في حد نفسه.

وذهب المحققون الى أن تصور الوجود والعدم بديهي التصور ، ولا حاجة فيه الى التعريف ، غير أن بعض هؤلاء زعم [أن] كون الوجود بديهي التصور مكتسب.

__________________

(١) فى «ن» : يسبق.

(٢) فى «ن» تقدمهما.

٤٢

واستدل عليه بأن تصور وجودي بديهي ، والوجود المطلق جزءا من وجودي ، اذ العام جزء من الخاص ، واذا كان كذلك كان المطلق بديهيا ، اذ لو كان كسبيا لكان تصور وجودي كسبيا ، لانه موقوف على جزئه وجزؤه كسبي ، والموقوف على الكسبي كسبي ، فيكون تصور وجودي كسبيا ، والفرض أنه بديهي هذا خلف.

وفيه نظر : أما أولا : فلانه مبني على اشتراك الوجود ، وهو (١) مسألة نظرية ولهذا اختلف فيها.

وأما ثانيا : فانا (٢) نمنع أن المطلق جزءا من وجودي ، بل هو عرض عام له ، لانه مقول بالتشكيك كما تقدم ، فلا يكون جزءا.

والحق أن تصور الوجود والعدم بديهي من أول الاوائل ، فانا نعلم ضرورة أن زيدا الذي لم يكن ثم كان ، حصلت له حالة لم تكن حاصلة من قبل ، وتلك هي الوجود. وكذا العدم فانه لا شيء أظهر عند العاقل من كونه موجودا ، وأنه ليس بمعدوم ، فالوجود والعدم أمران بينان ، يحكم بهما كل انسان ، فلا حاجة بهما الى تعريف.

(المسألة الثانية) ان تصور الوجوب والامكان والامتناع بديهي ، ولا يحتاج الى تعريف ، فان كل ما يعرف به فهو أوضح منه ، فان قيل [في] شيء في ذلك فهو تنبيه على معانيها وكشفا لألفاظها ، كقولنا : الوجوب كون الماهية مقتضية للوجود لذاتها ، والامتناع كونها مقتضية للعدم لذاتها ، والامكان كونها لا تقتضي وجودا ولا عدما لذاتها.

وذهب قوم الى أن تصور هذه المفهومات كسبي ، فعرفوا الواجب بأنه

__________________

(١) فى «ن» : وهى.

(٢) فى «ن» : فلانا نمنع كون الخ.

٤٣

ما ليس بممكن ولا ممتنع ، والممكن بما ليس بواجب ولا ممتنع ، والممتنع هو الذي لا يمكن وجوده.

وهذه التعريفات فاسدة ، لانه يلزم منها الدور كما ترى ، لتوقف معرفة كل واحد منها على الاخر ، لانه أخذ في تعريفه.

قوله «وكذا كل ما يقال» الى آخره ، اشارة الى ما ذكرناه في تعريف الوجود وزيفناه ، وكذا قول بعضهم «الواجب هو المستغني عن الغير والممكن هو المفتقر الى الغير» فنقول: ما المستغني؟ فيقال : غير المفتقر ، ثم نقول : ما المفتقر؟ فيقال : هو الممكن ، وكذا الكلام في الممكن.

كون الوجوب والامتناع والامكان من الاعتبارات العقلية

قال : البحث الرابع : الوجوب والامتناع والامكان من الاعتبارات العقلية وليست أمورا وجودية في الخارج. لان كل موجود في الخارج فهو اما واجب أو ممكن :

فلو كان الوجوب ثابتا في الخارج : فان كان واجبا لزم التسلسل ، وان كان ممكنا جاز زواله ، فيزول الوجوب عن الواجب فيكون الواجب ممكنا ، هذا خلف.

ولو كان الامكان ثابتا في الخارج : فان كان واجبا كان الممكن الذي هو شرط فيه واجبا ، لان شرط الواجب واجب ، هذا خلف. وان كان ممكنا لزم التسلسل.

وان (١) كان الامتناع ثابتا في الخارج : كان الموصوف به ـ وهو الممتنع في الخارج ـ ثابتا في الخارج ، لان ثبوت الصفة فرع ثبوت الموصوف وهو محال.

__________________

(١) في «ن» والمطبوع من النهج : ولو كان.

٤٤

أقول : لا شك أن الوجود والماهية أمر ان معقولان ، يحكم بأحدهما على الاخر ، وكل أمرين حكم (١) بأحدهما على الاخر ، لا بد للنسبة الواقعة بينهما ـ ايجابية كانت أو سلبية ـ من كيفية من الكيفيات الثلاث : اما الوجوب أو الامتناع أو الامكان ، وهي أمور اعتبارية يعتبرها الذهن عند تصور الماهية وحمل الوجود عليها ، وليس لها تحقق في الخارج.

ويدل على ذلك وجهان عام وخاص :

أما العام : فقد ذكر المحقق الطوسي أن هذه الثلاثة صادقة على المعدوم ، فان الممتنع يصدق عليه أنه مستحيل الوجود وأنه واجب العدم. والممكن قبل وجوده يصدق عليه أنه ممكن الوجود وهو معدوم ، واذا اتصف المعدوم بها كانت عدمية ، لاستحالة اتصاف العدمي بالامر الثبوتي.

وأما الخاص فنقول : أما الوجوب فقد قال المصنف ـ قدس الله سره ـ في المناهج : الاولى أنه لاحق بالنسب ، فان قلنا بوجودها فهو وجودي ، وإلا فلا. قال شيخنا ـ دام شرفه ـ : وذلك غير لازم ، فان القائل بوجود النسب لم يدع موجبة كلية ، حتى يلزم من ذلك وجود الوجوب ، بل قد صرحوا بأن من النسبة ما يمتنع وجوده خارجا ، كالوجوب والامتناع.

واستدل المصنف هنا بما تقريره أن نقول : لو كان الوجوب موجودا في الخارج للزم اما التسلسل ، او امكان الواجب ، واللازم بقسميه باطل ، فالملزوم مثله.

بيان الملازمة : أن كل موجود خارجي : فهو اما واجب أو ممكن لما عرفت ، فالواجب حينئذ ان كان واجبا لزم التسلسل ، لان الواجب هو الذي

__________________

(١) فى «ن» : يحكم.

٤٥

له الوجوب ، وننقل الكلام حينئذ الى الثاني ونقول فيه كما قلنا في الاول ، ويلزم التسلسل.

وان كان ممكنا جاز زواله ، اذ الممكن لا يستحيل عليه شيء من العدم ولا الوجود ، واذا جاز زواله فلنفرضه واقعا ، اذ الممكن لا يلزم من فرض وقوعه محال ، وحينئذ يزول الوجوب عن الواجب ، فيكون ممكنا ، فقد بانت الملازمة والتسلسل ، وامكان الواجب محال ، وهما لازمان من فرض وجود الوجوب خارجا ، فلا يكون موجودا في الخارج وهو المطلوب.

وفيه نظر : لان قولكم «اما واجب أو ممكن» قلنا : نختار أنه واجب.

قولكم «فيكون له وجوب» قلنا : ممنوع بل وجوب الوجوب عينه ، والفرق بينه وبين الوجوب الاول ، أن أحدهما وجوب الماهية ، والاخر وجوب الوجوب.

ويمكن أن يجاب عنه : بأن الوجوب كيفية لانتساب أمر الى آخر ، والنسبة مغايرة للمنتسبين ، وكيفية المغايرة مغايرة قطعا ، فيكون الوجوب الثاني زائدا ، وهو المطلوب.

وأما الامكان : فلانه لو كان موجودا في الخارج لزم اما وجوب الممكن أو التسلسل.

وبيان الملازمة : ان الامكان صفة للممكن وعارض له ، والعوارض يشترط في تحققها وجود معروضاتها.

فلو كان الامكان واجبا ، كان الممكن أولى بأن يكون واجبا ـ لان شرط الواجب واجب ، اذ لو لم يكن واجبا لكان ممكنا ، فيجوز زواله حينئذ ، فيزول المشروط ، والفرض أنه واجب. هذا خلف.

ولو كان ممكنا لكان له امكان ، وننقل الكلام الى الامكان الثاني ، ونقول فيه كما قلنا أولا وهلم جرى. ووجوب الممكن محال ، والا لزم انقلاب الحقائق ، والتسلسل أيضا محال كما يجيء.

٤٦

وهما لازمان من فرض كون الامكان موجودا في الخارج فلا يكون موجودا فيه ، وذلك هو المطلوب.

وأما الامتناع : فلانه لو كان موجودا في الخارج ، لكان الممتنع موجودا في الخارج ، والثاني باطل ، فالمقدم مثله.

بيان الشرطية : ان الامتناع صفة للممتنع وعارض له ، ويستحيل وجود العرض (١) بدون المعروض فلو كان العارض ـ أعني الامتناع ـ موجودا لزم وجود الممتنع ، وهو محال لازم من فرض كون الامتناع موجودا في الخارج ، فلا يكون موجودا فيه وهو المطلوب.

[وجود جوهر الفرد وعدمه]

قال : الفصل الرابع : (في أحكام الموجودات) وفيه مباحث : الاول : اختلف الناس في وجود الجوهر الفرد ، فأثبته قوم ونفاه آخرون.

احتج المثبتون : بأنا اذا وضعنا كرة حقيقة على سطح حقيقي (٢) لاقته بما لا ينقسم ، والا كانت مضلعة ، فاذا دحرجت عليه لاقته في كل آن يفرض (٣) بنقطة ، فيكونان مركبين(٤) من الجواهر.

واحتج النفاة : بأنا اذا وضعنا جوهرا بين جوهرين ، فان لاقاهما بالاسر (٥) لزم التداخل ، وان كان لا بالاسر لزم الانقسام. وهاهنا حجج كثيرة من الطرفين

__________________

(١) فى «ن» العارض.

(٢) فى المطبوع من المتن و «ن» : الكرة الحقيقية على السطح الحقيقى.

(٣) فى المطبوع من المتن : نفرض.

(٤) فى المطبوع من المتن : مركبتين.

(٥) فى «ن» : بالاثنين.

٤٧

ذكرناها في كتاب «الاسرار» (١).

أقول : لما قرر أن الجسم مركب من الجواهر الافراد ، وكان ذلك متوقفا على ثبوت الجواهر ، افتقر الى اقاقة البرهان على ذلك وقد اختلف آراء الحكماء والمتكلمين في هذا المقام.

وتحرير القول هنا أن نقول : الجسم مركب ، وكل مركب فله أجزاء (٢) ، فالجسم له أجزاء. وأجزاؤه (٣) اما أن تكون حاصلة فيه بالقوة أو بالفعل ، وعلى كلا التقديرين اما أن تكون متناهية أو غير متناهية.

فالاقسام أربعة :

الاول : أن يكون مركبا من أجزاء موجودة فيه بالقوة ، وهو مذهب الحكماء فهو عندهم واحد في نفسه ، كما هو واحد في الحس ، الا أنه يقبل انقسامات غير متناهية.

الثاني : أنه مركب من أجزاء بالقوة ، لكنه يقبل القسمة المنتهية الى حد لا يقبل القسمة ، وهو مذهب بعض الحكماء ، وبه قال الشهرستاني.

الثالث : أنه مركب من أجزاء بالفعل غير متناهية ، وهو مذهب النظام.

الرابع : أنه مركب من أجزاء بالفعل متناهية العدد كما أن الجسم متناهي المقدار ، وكل واحد من هذه الاجزاء غير منقسم لا بحسب الخارج ولا بحسب الذهن ، لا فرضا ولا وهما.

واتفق الحكماء والنظام على عدم انتهاء الجسم في القسمة الى الجزء الذي لا يتجزى ، الا أنه عند النظام موجود بالفعل في الجسم ، وعند الحكماء

__________________

(١) وهو كتاب «الاسرار الخفية فى العلوم العقلية» كما فى الخلاصة.

(٢) فى «ن» : جزء.

(٣) فى «ن» فأجزاؤه.

٤٨

يستحيل وجوده [بالفعل] (١).

ولكل فريق من هؤلاء حجج كثيرة ذكرت في المطولات ، لكن نذكر (٢) هنا تقرير ما ذكره المصنف من حجتي المتكلمين والحكماء.

أما المتكلمون : فقد استدلوا على وجود الجزء (٣) بالمعنى المذكور ، بأنا اذا وضعنا الكرة الحقيقية على السطح الحقيقي لاقته بما لا ينقسم ، فيكون الجزء موجودا.

وبيان هذه الحجة يتوقف على معرفة الاصطلاحات التي نذكر [ها] في الدليل المذكور ، وهي الكرة والسطح والخط والزاوية قائمة وحادة ومنفرجة.

فنقول : أما الكرة الحقيقية : فهي عبارة عن جسم مستدير محيط (٤) به سطح مستدير ، يمكن فرض نقطة في وسطه ، تسمى مركزا كل خط يخرج من تلك النقطة إليه يكون على التسوية (٥).

وأما السطح الحقيقي : فهو عبارة عن سطح كل خط يفرض عليه يكون مستقيما ، والخط المستقيم هو الذي اذا وضع على شعاع البصر لا يمنع طرفه رؤية وسطه.

وأما الزاوية : فاعلم أنه اذا قام خط على خط ، لا يخلو اما أن يكون مائلا الى أحد الجانبين أولا ، فان كان الثاني أي لا يكون مائلا حدثت عن جنبيه (٦) زاويتان ، كل منهما تسمى قائمة ، وان كان الاول ، أي يكون مائلا الى أحد

__________________

(١) كذا فى «ن».

(٢) فى «ن» : هاهنا.

(٣) فى «ن» : الجوهر.

(٤) فى «ن» : يحيط.

(٥) ولو اقتنع باستدارة السطح فحسب لكان أخصر ، كما فعله المحقق الطوسى.

(٦) فى «ن» جانبيه.

٤٩

الجانبين ، حدثت عن جنبيه زاويتان أيضا احدهما أصغر من الاخرى فالصغرى تسمى حادة ، والكبرى تسمى منفرجة.

اذا عرفت هذا فاعلم : انا اذا وضعنا الكرة الحقيقية على السطح الحقيقي فلا بد أن تلاقيه بجزء ، فذلك الجزء يجب أن يكون غير منقسم ، لانه لو لم يكن غير منقسم لكان منقسما ، وحينئذ يمكن اخراج خطين من مركز الكرة ـ أعني النقطة المفروضة ـ الى طرفي ذلك المنقسم الذي هو موضع الملاقاة.

ويمكن أيضا اقامة عمود بينهما على وسطه ، فيحصل من اقامة العمود زاويتان قائمتان ، لعدم ميل العمود الى أحد الجانبين ، ويحصل من كل واحد من الخطين المفروضين على طرف المنقسم زاوية حادة ، لميل كل منهما الى الوسط ، فيكون العمود حينئذ وترا للزاويتين الحادتين ، وكل واحد من الخطين وترا لزاوية قائمة.

وقد برهن اقليدس على أن وتر الحادة أقصر من وتر القائمة ، فيكون العمود أقصر حينئذ من الخطين الطرفين ، فلا تكون الخطوط الخارجة من النقطة الى المحيط متساوية ، واذا لم تكن متساوية تكون الكرة غير حقيقية ، بل مضلعة والفرض انها حقيقية ، هذا خلف أي محال و [هذا] المحال لازم من فرض كون موضع الملاقاة منقسما فلا يكون منقسما فيكون غير منقسم وهو المطلوب.

فاذا دحرجت عليه زال ذلك الجزء وحصل جزءا آخر مثله ، والكلام فيه كما في الاول حتى تتم الدورة ، فتكون الكرة والسطح معا مركبين من الاجزاء الغير المنقسمة وهو المطلوب.

ان قلت : ان الملاقاة انما حصلت هنا بالنقطة ، والنقطة عرض لانها نهاية الخط ، والبحث انما هو في وجود جوهر غير منقسم.

٥٠

قلنا : موضع الملاقاة ان كان جوهرا ثبت المطلوب ، وان كان عارضا فلا بد له من محل ، فمحله اما أن يكون منقسما أو غير منقسم ، فان كان منقسما لزم انقسام الحال فيه ، لان الحال في المنقسم يجب أن يكون منقسما.

لان الجزء الحاصل منه في أحد القسمين غير الحاصل في الآخر ، فيكون منقسما وقد فرض غير منقسم ، هذا خلف. وان كان غير منقسم ثبت المطلوب ، لان محل العرض جوهر ، أو منته الى الجوهر ، فيحصل لنا جوهر غير منقسم وهو المدعى.

قيل عليه : ان العرض على قسمين : سار وهو أن يلاقي كل جزء من الحال كل جزء من المحل ، وهذا يلزم من انقسام محله انقسامه. وغير سار وهو بخلافه ، وهذا لا يلزم من انقسام محله انقسامه. والنقطة من القسم الثاني ، لانها نهاية الخط ، والنهاية (١) عرض غير سار ، فلا يلزم من انقسام محلها (٢) انقسامها ، فلا يلزم مطلوبكم.

أجاب بعض الفضلاء : ان هذا ضعيف ، لانا لا نريد بالمحل الا موضع الملاقاة ، فان انقسم انقسم الحال بالضرورة.

أما الحكماء : فقد استدلوا على نفي الجزء بأنا اذا وضعنا جوهرا بين جوهرين ، فلا يخلو اما أن يكون الوسط مانعا من تلاقي الطرفين أولا ، فان كان مانعا فذلك انما يكون بأن يلاقي كل منهما ببعض منه ، فيلزم الانقسام حينئذ.

وان لم يكن مانعا يلزم التداخل ، وهو صيرورة جزء الشيء أقل مما ينبغي والتداخل محال ، وهو لازم من كونه غير مانع ، فيكون مانعا ، فيكون منقسما

__________________

(١) فى «ن» : ونهايته.

(٢) فى «ن» : محله.

٥١

وهو المطلوب. واما أن يكون الوسط ملاقيا لكل من الجوهرين بعين ما يلاقي به الاخر أو بغيره ، فان كان الاول لزم التداخل ، وهو اندماج الاجزاء بحيث يصير جزؤها (١) أقل مما ينبغي لها.

وان كان الثاني فذلك انما يكون بأن يلاقي كليهما ببعض (٢) منه ، والتداخل محال كما يجيء ، فتعين الثاني ، فيكون الوسط منقسما ، وهو المطلوب.

قال المصنف في المناهج (٣) : أجاب المتكلمون عن هذه الحجة ، بأن الملاقاة ليست ببعض الاجزاء أو لا بجميعها ، بل بأعراض حالة فيه ، كما هو عندكم في الاجسام المتلاقية بالسطوح.

وأجاب كمال الدين ـ قدس الله نفسه ـ : بأن الوسط يحجب الطرفين عن الالتماس ، ويلاقي كل منهما بنهايته من ذلك الجانب ونهايتاه عرضان قائمان به ، ولا يلزم من تعدد الأعراض تعدد محالها.

سلمنا لكن ما ذكرتموه من قبول الانقسام بسبب الوضع المذكور أمر يقدره الوهم ويحكم به ، كما يحكم في الاجسام المنقسمة ، فان العقل اذا حكم بصحة الجوهر الفرد ، كانت ملاقاة الجوهرين له بنسب واضافات لا يوجب تكثرها وتعددها تكثرا في ذاته ولا قسمة ، ولهذا (٤) كما يتوهم من محاذاة النقطة المفروضة في محيط دائرة لنقطة مركزها ، فان تكثر تلك النسب لا يوجب تكثر تلك النقطة.

وأما النظام : فقد استدل على مذهبه بأدلة المتكلمين على وجود الاجزاء

__________________

(١) فى «ن» : حيزها.

(٢) فى «ن» : كل منهما لبعض.

(٣) وهو كتاب «مناهج الهداية ومعارج الدراية» فى الكلام كذا فى الخلاصة.

(٤) فى «ن» : وهذا.

٥٢

الغير المنقسمة بالفعل ، وادعى مع ذلك أن تلك الاجزاء غير متناهية ، فورد عليه أمران :

أحدهما : أنه يلزم منه أن يقطع [المسافر] المسافة المتناهية في زمان غير متناه ، وهو باطل.

بيان ذلك : ان المتحرك لا يقطع المسافة الا بعد قطع أجزائها ، واذا كانت أجزاؤها غير متناهية ، كانت الازمنة التي يقع فيها القطع غير متناهية.

وثانيهما : أنه لو كانت الاجزاء غير متناهية ، لكان المقدار غير متناه ، واللازم باطل ، فالملزوم مثله. أما بيان بطلان اللازم فظاهر ، لتناهي المقدار بالضرورة. وأما الملازمة فلان زيادة المقدار ونقصانه (١) تابعان لزيادة الاقسام الموجودة في الجسم ، فاذا كانت الاقسام الموجودة في الجسم بالفعل غير واقفة عند حد فبالضرورة تكون المقدار كذلك.

اعتذر النظام عن الوجه الاول بالطفرة ، وهو أن المتحرك اذا قطع مسافة غير متناهية الاجزاء في زمان متناه ، فانه يطفر بعض الاجزاء ويتحرك على البعض الاخر ، كما ان النملة مثلا تقطع مسافة ما تطفر بعض أجزائها الى البعض.

وعن الوجه الثاني بالتداخل ، وهو أن قال : لا يلزم من عدم تناهي الاجزاء عدم تناهي المقدار ، وذلك لان الاجزاء تداخل (٢) ، فيصير جزءان وأزيد في جزء واحد وفي قدره ، فلا يلزم بقاء النسبة المقدارية.

وهذان العذران باطلان أما التداخل : فيجيء بطلانه فيما بعد إن شاء الله تعالى. وأما الطفرة : فهي مع شناعتها غير مفيدة ، فانا نعلم بالضرورة بطلانها فانه لا يعقل حركة جسم من أول المسافة الى آخرها الا بعد مروره بالوسط ،

__________________

(١) فى «ن» : زيادة المقادير ونقصانها.

(٢) بتشديد الدال وفى «ن» : تتداخل.

٥٣

وهاهنا حجج كثيرة لارباب هذه المذاهب ، ذكر المصنف ـ رحمه‌الله ـ في كتاب الاسرار في العلوم الثلاثة جملة منها.

[تماثل الاجسام فى الجسمية]

قال : البحث الثاني : في أحكام الجواهر (١) : الاجسام متماثلة خلافا للنظام ، لان المعقول من الجسم ، هو (٢) الجوهر القابل للابعاد الثلاثة المتقاطعة على زوايا قوائم أمر واحد متساو في الجميع فتكون متساوية.

أقول : اتفق العقلاء من الحكماء والمتكلمين على أن الاجسام متماثلة في الجسمية ، وانما تختلف بفصول تنضم إليها فتصير أنواعها مختلفة ، والدليل على ذلك أن المعقول من الجسم أمر واحد متساو في الجميع ، فان المعقول من الجسم عند الحكماء هو الجوهر القابل للابعاد الثلاثة المتقاطعة على زوايا قوائم ، وعند المتكلمين هو الطويل العريض العميق.

وهذان التعريفان صادقان على كل واحد من الاقسام ، فلو لم تكن متماثلة لما جمعها حد واحد ، اذ المختلفات لا يجمعها حد واحد ، بل ان اورد أمر مشترك بينها كان مع التقسيم [مختلفا] كقولنا : الحيوان اما ناطق أو صاهل أو ناهق ، والمراد بها الانسان والفرس والحمار.

وذهب النظام الى أن طبيعة كل جسم بخلاف (٣) طبيعة الجسم الاخر ، لاختلاف خواصها ، كالحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة واللطافة والكثافة ،

__________________

(١) فى المطبوع من المتن : الجوهر.

(٢) فى المطبوع من المتن : وهو.

(٣) فى «ن» تخالف.

٥٤

وغير ذلك من الخواص ، وهو ضعيف فان ذلك يدل على اختلاف أنواعها ، فأما على اختلاف مفهوم الجسم فلا.

توضيح :

المراد بالابعاد الثلاثة : هو الطول والعرض والعمق ، والمراد بتقاطعها هو أن نفرض كل واحد منها قاطعا للآخر ، كما نفرض العرض قاطعا للطول والعمق ، والعمق قاطعا للطول والعرض ، وقد ظهر لك كيفية تقاطعها على زوايا قوائم ، وقد عرفت معنى الزاوية والقائمة.

[بقاء الاجسام وعدم انعدامه]

قال : وهي باقية ، خلافا له أيضا. والضرورة قاضية بذلك البقاء ، فانا نعلم بالضرورة أن الجسم الذي شاهدناه في الزمن الاول هو بعينه في الزمن الثاني.

أقول : ذهب النظام الى أن الاجسام غير باقية ، بل آنا فآنا ينعدم الجسم ويوجد جسم آخر ، وهكذا كالماء الجاري ينقص (١) منه جزء ثم يأتي جزء آخر وهو باطل ، فانا نعلم علما ضروريا من غير شك بأن الجسم الذي شاهدناه في الزمن الاول هو بعينه الذي شاهدناه في الزمن الثاني ، وأعلم ضرورة أني الذي كنت بالامس.

وانما قال النظام ذلك (٢) ، لانه لما اعتقد أن الاجسام تعدم قبل [يوم] القيامة

__________________

(١) فى «ن» : ينقضى.

(٢) فى «ن» : بذلك.

٥٥

والاعدام عنده ليس بالفاعل ولا بطريان الضد ، اذ الاجسام ليس لها ضد ، فلا جرم قال بعدم بقائها.

وقال معتزلة خوارزم : ان هذا النقل عن النظام ليس بصحيح ، بل انما قال باحتياج الاجسام الى المؤثّر حال بقائها ، فذهب وهم النقلة الى أنه لا يقول ببقائها. واعتذر له بعضهم بأن الاجسام ، خصوصا النامية تزداد وتنقص بتحلل شيء من أجزائها ، مع انجذابها (١) بدل المتحلل وهكذا ، فلا جرم لم تكن باقية على حالة واحدة.

وهذا عذر ركيك ، فانه في الحقيقة تغير [في] الاجزاء الفضلية والاعراض المقدارية ، مع أنه ليس عاما في كل الاجسام ، اذ العلم حاكم في الجمادات (٢) بالبقاء على حاله واحدة. اللهم الا كما قيل في سبب تكون الجبال والوهاد من انتقال الاجزاء من محل الى آخر ، فيحصل لها استمساك بسبب الرطوبة واليبوسة الحادثين (٣) يحصل ازدياد المنتقل إليه وانتقاص المنتقل عنه ، لكن ذلك ليس اعداما.

ويجب أن يقيد قول المصنف في قوله «هو بعينه» بالجسم الجامد ، فان النامي يكذب العقل فيه الحس ، اذا حكم أنه هو بعينه ، لزيادة أقطاره قطعا.

[استحالة تداخل الاجسام]

قال : ويستحيل عليها التداخل ، خلافا له أيضا ، فانا نعلم بالضرورة أن البعدين اذا اجتمعا زادا على البعد الواحد.

__________________

(١) فى «ن» : اجتذابها.

(٢) فى «ن» : الجماديات.

(٣) فى «ن» : الحادثتين.

٥٦

أقول : التداخل اندماج (١) الاجزاء بحيث يصير حيزها أقل ما ينبغي لها. وهو باطل ، فانا نعلم ضرورة انا اذا ضممنا ذراعا الى ذراع آخر صارا ذراعين لا ذراعا واحدا ، والا لما تميز الجزءان عن جزء واحد ، وهو باطل قطعا.

وخالف فيه النظام وجوز التداخل على الاجزاء الجسمية ، وقد عرفت السبب الداعي له الى ذلك فلا وجه لاعادته.

[جواز خلو الاجسام عن الاعراض]

قال : ويجوز خلوها من جميع الاعراض ، الا الكون ، لان الهواء كذلك ، وخلاف الاشعرية ضعيف.

أقول : ذهبت المعتزلة والحكماء وفخر الدين الرازي الى جواز خلو الاجسام عن الاعراض الا الكون ، وقيد المحقق الطوسي ـ قدس الله نفسه ـ بالمذوقة والمرئية والمشمومة ، وكذا ابن نوبخت قيد باللون والطعم والرائحة.

وخالفت الاشاعرة في ذلك ، وقالوا بامتناع خلوها عن شيء من الاعراض.

واحتج المصنف على القول الاول بأن الهواء جسم ، مع أنه لا لون له ولا طعم ولا رائحة ولا غير ذلك الا الكون ، فان الجسم لا بد له من الحصول في المكان.

وأورد عليه شيخنا ـ دام شرفه ـ بأن الهواء حار رطب ، والحرارة والرطوبة من الاعراض ، فجعله الهواء دليلا على خلوها من جميع الاعراض غير موجه.

وأورد جدي ركن الدين الجرجاني (٢) ـ قدس الله نفسه ـ على المعتزلة

__________________

(١) فى «ن» : ادماج.

(٢) وهو العلامة ركن الدين محمد بن على الأسترآبادي الجرجانى ، كان قاطنا فى العراق ومتوطنا فى النجف الاشرف والحلة ، وكان من تلامذة العلامة الحلى قدس‌سره جد المؤلف من طرف الام ظاهرا.

٥٧

في هذا البحث بأن قال : ان ادعيتم جواز الخلو في كل واحد واحد من الاجسام ، فهو ممنوع ، وجواز الخلو في البعض ان صح لا يستلزم الخلو في الكل ، لجواز أن يكون لخصوصية البعض مدخل فيه.

وان ادعيتم جواز الخلو في بعضها كالهواء ، فهو ممنوع أيضا ، لجواز أن يكون عدم الاحساس في الهواء بالرائحة لاجل امتناع خلو الحاسة عن الهواء ، ويكون ذلك مانعا من الاحساس ، فانا نشاهد من دام على مصاحبة ذي الرائحة مدة لم يحس بها ، فكيف اذا (١) دام على المصاحبة مدة العمر.

والسر في ذلك أن من شرط ادراك الحاسة للمحسوس أن لا تكون الحاسة متكيفة بكيفية ، فيمتنع الادراك لامتناع (٢) شرطه.

قلت : ويرد أيضا أن عدم الاحساس في الهواء بالاعراض المذكورة لا يقوم حجة على الاشاعرة ، فانهم جوزوا عدم الادراك وان حصلت الشرائط ، لجواز توقفه عندهم على أمر لم يحصل. فلا بد في تتميم الحجة من ابطال مذهبهم في هذا التحرير.

واحتجت الاشاعرة على قولهم هنا : بأنه كما امتنع خلوها عن الكون ، فكذا يمتنع خلوها عن اللون قياسا عليه ، وأيضا يمتنع خلوها عن الاعراض القارة بعد اتصافها بها ، فكذا قبل الاتصاف قياسا عليه.

قال المصنف : ان حجتهم ضعيفة وبيانه من وجهين :

أما الاول : فلان القياس مع وجود الجامع غير مفيد لليقين ، فكيف مع عدم الجامع ، والجامع هنا معدوم ، وأيضا فالفرق حاصل ، فالكون (٣) لا يعقل

__________________

(١) فى «ن» : من.

(٢) فى «ن» : لاجل امتناع.

(٣) فى «ن» : فان الكون.

٥٨

خلو الجسم عنه بالضرورة ، بخلاف اللون فانه يمكن أن يتصور جسم خاليا عنه.

وأما الثاني : فلانا نمنع عدم جواز الخلو بعد الاتصاف ، سلمنا لكن الفرق حاصل ، فان الجسم انما امتنع خلوه عن العرض بعد الاتصاف لعدم طريان الضد ، وأما قبل الاتصاف فليس كذلك.

[كون الاجسام مرئية]

قال : وهي مرئية بواسطة الضوء واللون.

أقول : ذهبت المتكلمون الى أن الاجسام مرئية ، واستدلوا على ذلك : بأنا نرى شيئا حاصلا في الحيز ، فاما أن يكون ذلك الشيء جسما أو عرضا ، لا جائز أن يكون عرضا ، لامتناع كون العرض حاصلا في الحيز ، فبقي أن يكون جسما ، وهو المطلوب.

وأما الحكماء فقالوا : لا يجوز أن يكون الاجسام مرئية بالذات ، والا لرئي الهواء ، والتالي باطل ، بل [هي] مرئية بالعرض ، والمرئي بالذات هو اللون والضوء.

والمحقق الطوسي والمصنف قالا : هي مرئية بواسطة الضوء واللون ، أما اللون : فلانه لو لم يكن لها لون لما أمكن رؤيتها كالهواء. وأما الضوء. فلان الجسم لا يشاهد في الظلمة ، وهذا حكم ضروري.

[تحقيق حول تناهى الاجسام وعدمه]

قال : وهي متناهية ، خلافا للهند. لانه لو ذلك لا لأمكن فرض خطين غير متناهيين خرجا من نقطة واحدة كساقي مثلث ، فان البعد بينهما يتزايد بتزايدهما فاذا كانا غير متناهيين كان البعد بينهما غير متناه ، فيكون ما لا يتناهى محصورا

٥٩

بين حاصرين ، وهو باطل بالضرورة.

أقول : الاجسام هل هي متناهية (١)؟ بمعنى أنها تنتهي الى حد لا يكون وراه جسم ، أو غير متناهية؟ بمعنى أن [يكون] كل جسم وراه جسم وهكذا الى غير النهاية. فذهب حكماء الهند وبعض الاوائل الى الثاني ، وذهب المحققون [من الحكماء] وغيرهم الى الاول.

واستدل المصنف عليه ببرهان ذكره الشيخ في الاشارات وغيره من الحكماء ، وهو يقرر بعدة أوجه :

أحدها : ما ذكره المصنف وهو : أنه لو لم تكن الاجسام متناهية لكانت غير متناهية(٢) ، وحينئذ يمكننا اخراج خطين من مركز الارض كساقي مثلث مارين الى غير النهاية ، فلهما بعدان طولانيان ، وبينهما بعد عرضاني حينئذ.

ولا شك أن زيادة البعد العرضاني بحسب تزايد البعد الطولاني ، والبعد الطولاني غير متناه ، فيكون البعد العرضاني غير متناه ، وهو محصور بين حاصرين ،

__________________

(١) مسئلة تناهى الاجسام راجعة الى تناهى أبعادها ، وأدلة تلك المسألة ان تمت ، كما يجرى فى البعد الملائى الجسم ، تجرى أيضا فى البعد الخلائى ، الا أنه لما كان البعد المتحقق بلا خلاف هو الجسم دون الخلاء ، خصصوا تناهيته بالاثبات ، وبما ذكرنا أظهره أن تناهى الابعاد لا يتوقف على امتناع الخلاء.

(٢) هذا البرهان مسمى ب «السلمى» ، وحاصله أنه لو كانت الابعاد غير متناهية لزم امكان انحصار الغير المتناهى بين حاصرين ، أي لزم امكان تناهى الغير المتناهى ، وهو محال بالبديهة.

وأصل هذا الدليل مورد عن القدماء ، والا ان المتأخرين منهم الشيخ فى الاشارات غيروه بتتميمات وتقريرات ، وهذا التقرير الاول الّذي ذكره المصنف هاهنا منقول عن الحكماء فى الشفاء لا فى الاشارات ، مراد الشيخ بعد ما ذكر التقرير المذكور فى الشفاء وأورد عليه أراد ذكر الدليل فى الاشارات بتقرير آخر مرضى عنده بالتتميمات.

٦٠