ارشاد الطالبين الى نهج المسترشدين

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي

ارشاد الطالبين الى نهج المسترشدين

المؤلف:

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٦

حد عليه ، فوجدوه لم يسمعها فاسقط الحد عنه (١).

الرابع : أن حمارا دخل على بقرة فنطحته فمات ، فحكم أبو بكر باهدار الحمار ، فقال عليه‌السلام : ان كان دخل عليها في منامها فهو هدر والا فلا ، فصوب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حكمه في ذلك ، وغير ذلك مما يطول تعداده.

وأما عمر فمن وجوه أيضا :

الاول : ان امرأة زنت على عهده وهي حامل ، فأمر برجمها ، فقال له عليه‌السلام : ان كان لك عليها سبيل فليس لك على ما في بطنها سبيل ، فاطلقها وقال : لو لا علي لهلك عمر (٢).

الثاني : أن عمر أتي بامرأة ولدت لستة أشهر فأمر برجمها ، فنهاه علي عليه‌السلام وقال : ألم تسمع قوله تعالى (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) (٣) ثم قال في موضع آخر (وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ) (٤)؟ فقال عمر : لو لا علي لهلك عمر وخلى لسبيلها (٥).

الثالث : أن قدامة شرب الخمر على عهد عمر ، فاسقط عنه الحد لما تلى عليه (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا) (٦) فقال عليه‌السلام : الذين آمنوا وعملوا الصالحات لا يستحلون محرما ، فاردده واستتبه فان تاب فاجلده والا فاقتله ، فتاب ولم يدر عمر ما يجلده ، فقال عليه

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٨ / ٤٧٥.

(٢) رواه المحب الطبرى في رياض النضرة : ٢ / ١٩٥.

(٣) سورة الاحقاف : ١٥.

(٤) سورة البقرة : ٢٣٣.

(٥) راجع الطرائف : ٤٧٢ ورواه البيهقي في سننه : ٤ / ٤٤٢ ومحب الطبرى فى الرياض : ٢ / ١٩٤.

(٦) سورة المائدة : ٩٣.

٣٦١

السلام : اجلده ثمانين ، لانه اذا شرب سكر ، واذا سكر هذى ، واذا هذى افترى.

الرابع : أن عمر أتي بامرأة مجنونة شهد عليها بالزنا فأمر برجمها ، فنهاه علي عليه‌السلام وروى له قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : رفع القلم عن المجنون حتى يفيق (١). الى غير ذلك من مواضع خطائه مما يطول الباب بذكره.

وأما عثمان فمن وجه اجمالي وفيه كفاية ، وهو أن خطأ عثمان وزلله مشهور وكلام علي عليه‌السلام له في ذلك كثير مأثور ، حتى آل حال خطاءه وزلله الى تخاذل أعيان الصحابة عنه ، حتى آل الحال الى قتله.

وقد كتب أصحابنا في بدع هؤلاء الثلاثة وبيان خطائهم في أحكامهم ما فيه غنية ، فمن أراد وقف عليه (٢).

[أنه «ع» قضى بقضايا غريبة]

قال : السادس القضايا الغريبة والاحكام العجيبة التي حكم بها ولم يسبقه إليها أحد ، كحكمه على الحالف بصدقة زنة قيد العبد وهو في رجله قبل حله ، بوضع رجله مع القيد في قصعة مملوءة ماء ، ثم رفع القيد ووضع برادة الحديد حتى انتهى صعود الماء الى مكانه أو لا وأمره بصدقة زنة البرادة.

وكحكمه بين صاحب الارغفة (٣) الخمسة وصاحب الثلاثة ، لما أذنا لثالث في الاكل فرمى لهما ثمانية دراهم لما تشاحا ، بأن لصاحب الثلاثة درهما واحدا

__________________

(١) رواه أحمد في مسنده : ١ / رجم المجنون والبخارى في صحيحه ٨ / ٢١ وصحيح أبى داود ٢٨ / ١٤٧. ورواه السيد عن العامة في الطرائف : ٤٧٢.

(٢) ومن أحسن ما كتب في ذلك كتاب الطرائف للسيد ابن طاوس ، وكتاب السبعة من السلف ، وكتاب الاستغاثة للكوفى.

(٣) فى المطبوع من المتن : خمسة الارغفة.

٣٦٢

ولصاحب الخمسة الباقي ، حيث قسم الارغفة على أربعة وعشرين جزءا.

وغير ذلك من النكت التي لا تعد ولا تحصى.

أقول ، الوجه السادس على كونه أعلم أنه قضى بقضايا غريبة [وحكم بأحكام عجيبة] يعجز عنها حذاق العلماء ، فمنها أنه أتي بعبد قيده مولاه وحلف أنه لا يطلقه حتى يتصدق بزنة القيد ، فقال علي بقصعة فيها ، فأتي ثم حط رجل العبد وفيها القيد ، ثم رفع القيد من الماء وقال : عليّ ببرادة الحديد وطرحها في الماء الى أن عاد الى مكانه لما كان القيد فيه ، ثم قال لمولاه تصدق بزنة هذه البرادة ، فانها زنة القيد (١).

ومنها أنه أتاه شخصان مختصمان (٢) إليه ، فقال لهما : ما خطبكما؟ فقال أحدهما : اني اصطحبت أنا وهذا الشخص في الطريق ، وكان معي خمسة أرغفة ومعه ثلاثة أرغفة ، فجاء رجل فعرضنا عليه الاكل معنا ، فلما انصرف رمى لنا ثمانية دراهم ، فقلت له : خذ منها ثلاثة دراهم بعدد رغفاتك (٣) وآخذ أنا خمسة بعدد أرغفي ، فقال لا آخذ الا النصف ، فقال لهما : هذا مما لا ينبغي أن تتخاصم (٤) فيه الناس ، فقال صاحب الثلاثة : لا أريد الا مرّ الحق ، فقال : اذا كنت لا تريد إلا مرّ الحق فلك منها درهم واحد ، فقال وكيف ذلك؟ فقال : لان الثمانية الارغفة انقسمت على أربعة وعشرين جزءا لكل واحد منكم ثمانية أجزاء ، فأكلت أنت ثمانية أجزاء وبقي من خبزك جزءا واحدا ، وأكل هذا من خبزه ثمانية أجزاء ، فبقي له سبعة أجزاء ، فيكون الضيف قد أكل من خبزك جزءا واحدا ومن خبزه

__________________

(١) راجع احقاق الحق : ٨ / ٩٦.

(٢) فى «ن» : يتحاكمان.

(٣) فى «ن» : أرغفتك.

(٤) فى «ن» : عليه.

٣٦٣

سبعة أجزاء ، فيكون لك درهم واحد ولصاحبك سبعة دراهم (١) وغير ذلك من القضايا العجيبة التي يطول ذكرها.

[انتساب تمام العلوم إليه عليه‌السلام]

قال : السابع : أن جميع الفضلاء ينتسبون (٢) إليه ، فان أهل التفسير يرجعون في علومهم الى (عبد الله بن عباس) وهو تلميذ علي عليه‌السلام ، حتى روى أنه شرح الباء من (بسم الله الرحمن الرحيم) من أول الليل الى آخره.

والمعتزلة والاشاعرة من المتكلمين يأخذون علمهم عنه عليه‌السلام.

وكذا النحو هو مستنبطه والدال عليه وواضعه لابي الاسود الدؤلي.

وعلم الاصول مأخوذ (٣) من كلامه دون كلام غيره. وغير ذلك من العلوم.

أقول : الوجه السابع على أنه أعلم من جميع الفضلاء لانهم في العلوم ينتسبون إليه ويأخذون علومهم عنه ، وذلك كثير مشهور ، غير انا نذكر من ذلك العلوم المشهورة :

منها علم أصول الدين ووجوده في كلامه ، وكونه مستنبطا من خطبه ظاهر بيّن ، ورؤساء الاصوليين ينتسبون إليه ، فانهم : اما اشاعرة أو معتزلة ، فالاشاعرة شيخهم أبو الحسن الاشعري ، وهو تلميذ أبي علي الجبائي وهو من مشايخ المعتزلة ، وأبي علي قرأ على أبي يعقوب الشحام ، وأبي يعقوب قرأ على أبي الهذيل ، وأبي الهذيل قرأ على عثمان الطويل وعثمان قرأ على واصل بن عطاء ، وواصل قرأ على أبي هاشم عبد الله بن محمد الحنفية ، وأبو هاشم قرأ على أبيه محمد

__________________

(١) راجع ذخائر العقبى : ٨٤.

(٢) فى المطبوع من المتن : ينسبون.

(٣) فى المطبوع من المتن : موجود.

٣٦٤

الحنفية ، ومحمد قرأ على أبيه علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وأما الشيعة فأخذ علومهم عنه ظاهر.

ومنها : علم الفقه ورجوع رؤساء المجتهدين الى تلامذته والى أولاده الاخذين علومهم عنه مشهور.

ومنها : علم التفسير والمفسرون كلهم يرجعون الى عبد الله بن عباس وهو من أحد تلامذته ، حتى روى أنه شرح له في باء (بسم الله الرحمن الرحيم) من أول الليل الى آخره.

ومنها : علم النحو ومشهور أنه هو الذي استنبطه لابي الاسود الدؤلي حين دخل إليه ، فقال : يا أمير المؤمنين فسدت ألسن الناس فانح لهم نحوا ، فكتب له عليه‌السلام الكلام كله ثلاثة أشياء : اسم وفعل وحرف ، فالاسم ما أنبأ المسمى ، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى ، والحرف ما جاء لمعنى في غيره ، وكل فاعل مرفوع ، وكل مفعول منصوب ، وكل مضاف إليه مجرور فأخذه أبو الاسود وفرع عليه هو وغيره حتى صار علما مشهورا.

ومنها : علم الخطابة والبلاغة ، وإليه فيه تشد الرحال حتى قيل في كلامه : انه دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق ، منه يعلم الناس أصناف البلاغة ، حتى قال معاوية : ما سن الفصاحة لقريش غيره. وقال ابن نباتة : حفظت من خطبه مائة خطبة. وقال عبد الحميد بن يحيى : حفظت من خطبه سبعين خطبة. الى غير ذلك من العلوم التي يطول تعدادها (١).

__________________

(١) وقد عد انتساب هذه العلوم الى على عليه‌السلام محمد بن عمر الرازى فى الكتاب الّذي صنفه وجعله دستورا لولده وسماه كتاب الاربعين في الفصل الخامس من المسألة التاسعة والثلاثين : ٤٦٥ ـ ٤٧٦ وأورده السيد ابن طاوس في كتاب الطرائف : ٥١٥ ، وأورد شطرا من ذلك ابن أبى الحديد في مقدمة الجزء الاول من شرحه على نهج البلاغة : ١٧ ـ ٢٨.

٣٦٥

[كونه عليه‌السلام أشجع الصحابة]

قال : الثامن ـ أنه عليه‌السلام كان أشجع الصحابة حتى أن الفتوح بأجمعها كانت على يده ، ولم يبادره أحد الّا قتله. ووقائعه في الحروب [كثيرة] مشهورة لا تحصى كثرة. ولم يسبقه أحد تقدمه. ولا لحقه من تأخر عنه.

أقول : لما فرغ من بيان كونه أفضل من حيث العلم ، شرع [أن] يبيّن كونه أفضل من جهة الشجاعة وغيرها من خصائصه ، فقال : انه أشجع الصحابة ، وهذا باب البحث فيه إيضاح [للواضح] ، فان شجاعته عليه‌السلام مما يضرب بها الامثال ، واعترف له أعداؤه ببلوغ الغاية فيها ، حتى أن كل شجاع إليه ينتمي.

فقد روي أن معاوية انتبه يوما ، فرأى عبد الله بن الزبير جالسا تحت رجليه فقال له : لو شئت أن أفتك بك لفعلت ، فقال معاوية : لقد شجعت بعدنا قال : وما الذي تنكر من شجاعتي ، وقد وقفت بالصف بإزاء علي بن أبي طالب ، قال : لا جرم أنه قتلك وأباك بيسرى يديه ، وبقيت اليمنى فارغة يطلب بها من يقتله بها.

وقال ابن قتيبة : ما صارع أحد قط الا صرعه ، وهو الذي قلع باب خيبر بيده وجعله جسرا ، واجتمع عليه عصبة من الناس ليقلبوه فلم يقدروا ، وكان يفتحه ويرده عشرون رجلا ، وقال : ما قلعت باب خيبر بقوة جسمانية بل بقوة ربانية واقتلع هبل من فوق الكعبة وكان عظيما جدا وألقاه الى الارض واقتلع الصخرة العظيمة أيام خلافته بيده بعد عجز الجيش كله ، وأخرج الماء من تحتها.

وبالجملة بلغ من القوة والشدة غاية لم يبلغ إليها أحد ، حتى قيل أنه كان يقط إلهام قط الاقلام. وبشجاعته العظيمة نال فضيلة أخرى كبرى ، وهي الجهاد حتى أن أكثر الفتوح كانت على يده بل كلها ، ولو لم يكن الا ضربته لعمرو

٣٦٦

بن عبد ود التي قال فيها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : لضربة من علي لعمرو بن عبد ود أفضل من عمل الثقلين (١). وبالجملة هذا باب واسع ومجال شاسع (٢) تغني عن تحديده ، واذا كان أشجع وأكثر جهادا كان أفضل ، وهو المطلوب.

[كونه عليه‌السلام أزهد الناس]

قال : التاسع ـ أنه كان أزهد الصحابة ، ولم يترك الدنيا أحد سواه ، حتى أنه طلقها ثلاثا مبالغة في تركها والرفض لها ، ولم يتمكن أحد من مجازاته ، ولا لحق أحد درجته في الترك ، حتى أنه كان يصوم النهار ويفطر على قليل من جريش الشعير ، وكان يختمه عليه‌السلام ، فقيل له في ذلك فقال : «أخاف أن يضع أحد ولدي فيه أداما». وقال «والله لقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها» (٣) وهذا سبيل لم يسلكه (٤) أحد سواه.

أقول : من دلائل أفضليته عليه‌السلام كونه أزهد الصحابة ، وهذا أيضا باب ظاهر حاله شهير ، وهو فيه سيد الابدال ، وإليه تشد الرحال ، أعرض عن الدنيا اعراض من لم ينل منها ذرة ، مع أنه كان يجيء إليه حاصلها ، لم يخلف دينارا ولا درهما ، وطلق الدنيا ثلاثا مبالغة في تركها ، فقال : أليك عني يا دنيا قد طلقتك ثلاثا لا رجعة لي فيها. ولم يشبع من طعام قط ، وكان أخشن الناس مأكلا وملبسا.

قال عبد الله بن أبي رافع : دخلت عليه يوما فقدم جرابا مختوما ، فوجدنا

__________________

(١) رواه أخطب خوارزم فى المناقب : ٥٨ والسيد فى الطرائف : ٦٠.

(٢) فى «ن» : شامل شهرته.

(٣) نهج البلاغة : ٢ / ٦٦ وراجع احقاق الحق : ٨ / ٢٨٠.

(٤) فى المطبوع من المتن : لم يسلك.

٣٦٧

فيه خبز شعير يابسا موضوعا (١) فأكل منه ، فقلت : يا أمير المؤمنين كيف تختمه؟ قال : خفت هذين الولدين يلتانه بزيت أو سمن ، وكان مع ذلك يصوم النهار ويفطر على الشعير ، وكان ثوبه مرقوعا تارة بجلد وبليف أخرى ، ونعلاه من ليف وقال : والله لقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها ، ولقد قال لى قائل : ألا تنبذها يا ابن أبي طالب؟ فقلت : أغرب عني «عند الصباح يحمد القوم السرى» وكان اذا ائتدم فبخل أو ملح ، فان ترقى فبنبات الأرض ، فان ترقى فبلبن ، وكان لا يأكل اللحم الا قليلا ، وقال : لا تجعلوا بطنكم مقابر للحيوان (٢). وكان مع ذلك أشد الناس قوة ومواعظه وزواجره ، وتزهيده في الدنيا والترغيب في تركها مشهورة ، واذا كان أزهد كان أفضل ، وهو المطلوب.

[كونه عليه‌السلام أعبد الناس]

قال : العاشر ـ أنه عليه‌السلام أعبد الناس ، ولم يتمكن أحد من التأسي به ، حتى أن زين العابدين عليه‌السلام ـ مع كثرة عبادته ونسكه وكان يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة ـ كان يرمي بصحيفة علي عليه‌السلام كالمتضجر ويقول «أنى لي بعبادة علي عليه‌السلام (٣)».

أقول : من دلائل أفضليته كونه عليه‌السلام أعبد الناس ، وهذا أيضا باب [ظاهر] لم يماثله فيه أحد تقدمه ، ولم يلحقه أحد تأخر عنه ، حتى أنه كان في أيام صفين عند الزوال يرمق الشمس محافظة على ايقاع الصلاة في أول وقتها ، فقال له ابن عباس : ليس هذا وقت رمق الشمس : فقال : يا ابن عباس على الصلاة

__________________

(١) فى «ن» : موضوعا.

(٢) راجع فى ذلك كله احقاق الحق : ٨ / ٢٤٦ ـ ٣١٧.

(٣) راجع احقاق الحق : ٨ / ٦٠٢.

٣٦٨

نقاتلهم ، وكان اذا أريد اخراج شيء من نصول الحديد من جسمه ترك حتى يشتغل بالعبادة ثم يخرج منه ، لعلمهم باستغراق نفسه في تلك الحالة في عالم الجبروت ، وغفلتها عن هذا الهيكل.

وكان يحافظ على النافلة حتى أنه بسط له نطع (١) بين الصفين ليلة الهرير فصلى عليه ورده ، والسهام تقع بين يديه وعلى جوانبه ولا يرتاع لذلك ومنه تعلم الناس صلاة الليل ، وملازمة النافلة. وكانت جبهته كثفتة (٢) بعير من طول سجوده. واشتملت دعواته ومناجاته من تعظيم الله واجلاله على ما لم يسبق إليه.

وكان زين العابدين عليه‌السلام يصلى كل يوم وليلة ألف ركعة ويرمى بصحيفته على شبه المتضجر ويقول : أنى لي بعبادة علي.

واذا كان أعبد الناس كان أفضل ، وهو المطلوب.

[كونه عليه‌السلام أكرم الناس]

قال : الحادي عشر ـ أنه عليه‌السلام كان أكرم الناس بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فانه عمل (٣) بيده عليه‌السلام عدة حدائق وتصدق بها ، وآثر بقوته وقوت عياله ثلاثة أيام : للمسكين (٤) واليتيم والاسير ، وصبر على الطوى ثلاثة أيام ، ونزل فيه (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) (٥) الى آخر الآيات ، وتصدق بجميع ما معه عدة مرارا ، ولم يخلف شيئا من المال أصلا.

__________________

(١) النطع جمع انطاع : بساط من الجلد يفرش.

(٢) كثف كثافة وتكاثف : غلظ وكثر والتف.

(٣) فى المطبوع من المتن : عمر.

(٤) فى المطبوع من المتن : المسكين.

(٥) سورة الدهر : ٨.

٣٦٩

أقول : من دلائل أفضليته كونه أكرم الناس بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو أيضا بيّن ، فانه نقل أنه عمل بيده عدة حدائق وتصدق بها ، وآثر بقوته وقوت عياله ثلاثة أيام : المسكين واليتيم والاسير ، وأنزل الله في حقه سورة «هل أتى» دليل على أفضليته وأفضلية زوجته وأولاده وعصمته ، والقضية مشهورة (١).

وكان معه أربعة دراهم فتصدق بدرهم سرا وبدرهم علانية وبدرهم ليلا وبدرهم نهارا ، فأنزل في حقه (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٢).

وتصدق بجملة ماله مرارا ، حتى أنه لم يبق معه شيء ، وكان يعمل بالاجرة ويتصدق بها ، ويشد على بطنه الحجر.

قال الشعبي : كان علي عليه‌السلام أسخى الناس ، كان الخلق الذي يحبه الله ورسوله ، السخاء والجود ، ما قال لسائل «لا» قط.

وقال معاوية : لو يملك علي بن أبي طالب بيتا من تبن وبيتا من تبر لا نفق تبره قبل تبنه. وكان يكنس بيت المال ويصلي فيه ويقول : يا صفراء ويا بيضاء غري غيري. (٣) ولم يخلف ميراثا وكانت الدنيا تحمل إليه.

واذا كان أكرم الناس كان أفضل ، وهو المطلوب.

__________________

(١) راجع القصة الطرائف : ١٠٧ ـ ١١٠ وأخرجنا فى ذيله مداركه عن طرق العامة.

(٢) سورة البقرة : ٢٧٤.

(٣) راجع احقاق الحق : ٨ / ٢٦٤.

٣٧٠

[كونه عليه‌السلام أخبر بالمغيبات]

قال : الثاني عشر ـ اخباره بالمغيبات يدل على كمال أفضليته (١) عليه‌السلام ، وذلك في عدة مواطن ، كاخباره عن نفسه الشريفة بالقتل ، وبقتل ولده الحسين عليه‌السلام ، واخباراته في واقعة «النهروان» وغير ذلك. وهو كثير لا يعد ولا يحصى ، وقد ذكرنا طرفا من ذلك في كتاب «نهاية المرام».

أقول : من دلائل أفضليته كونه أخبر بالمغيبات ، وهذا باب ظاهر في أفضليته على غيره ومساواته للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيكون أفضل الناس بعد الرسول عليه‌السلام ، وهو المطلوب ، أما اخباره بالمغيبات فمن وجوه :

الاول : أنه أخبر عن نفسه الشريفة بالقتل في رمضان ، فقتل ليلة تسع عشرة وقبض ليلة احدى وعشرين ، ولم يزد على ثلاث لقم في افطار ليالي هذا الشهر ، فقال له الحسنعليه‌السلام فيه فقال : ألقى الله تعالى وأنا خميص البطن ، فانها ليلتان أو ثلاث (٢).

الثاني : أنه قال للبراء بن عازب : يا براء يقتل ولدي الحسين وأنت حي لا تنصره ، فقتل وهو حي لم ينصره ، فكان يظهر الحسرة على فوات النصرة. ولما رجع عليه‌السلام الى صفين أخبر بقتل ولده في كربلاء وأراهم أرضها (٣).

الثالث : أنه قال يوما على المنبر «سلوني قبل أن تفقدوني ، فو الله لا تسألوني عن فئة تضل مائة وتهدي مائة ، ألا أنبأكم بناعقها وسائقها الى يوم القيامة فقام إليه رجل فقال: أخبرني كم في لحيتي ورأسي من طاقة شعر؟ فقال أمير المؤمنين

__________________

(١) فى «ن» : فضيلته.

(٢) احقاق الحق : ٨ / ٧٩١ و ١٣٥.

(٣) احقاق الحق : ٨ / ١٤٣.

٣٧١

عليه‌السلام لقد حدثني حبيبي بما سألت عنه ، وأن على كل طاقة شعر في رأسك ملكا يلعنك ، وعلى كل طاقة شعر في لحيتك شيطان يستفزك ، وأنه في بيتك لسخلا يقتل ابن رسول الله ، وكان ابنه صبيا ، فلما كان من أمر الحسين عليه‌السلام ما كان [هو الذي] تولى قتله (١).

الرابع : أنه كان يوما يخطب فقيل له مات خالد بن عرفطة بوادي القرى ، فقال : لم يمت ولا يموت حتى يقود جيش ضلالة حامل لوائه حبيب بن حماد ، فقام رجل من تحت المنبر وقال : والله تعالى أني لك لمحب وأنا حبيب ، فقال : اياك أن تحملها ولتحملنها فتدخل بها من هذا الباب ، وأومأ الى باب الفيل ، فلما بعث ابن زياد عمر بن سعد (لعنه الله تعالى) الى الحسين ، فجعل على مقدمته خالدا وحبيب صاحب رايته ، فسار بها حتى دخل المسجد من باب الفيل (٢).

الخامس : أنه أخبر بقطع يد حويرث بن مسهر ورجله ، وصلبه على جذع ، ففعل به ذلك زياد في أيام معاوية.

واشترى عليه‌السلام ميثما من امرأة فأخبره عن اسمه ، فقال : سالم ، فقال عليه‌السلام : أخبرني النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن أباك سماك «ميثما» فارجع إليه ، فقال : صدقت ، وأخبره بصلبه على باب عمرو بن سعد بن حريث عاشر عشرة ، وأراه النخلة التي صلب على جذعها ، فحبسه عبيد الله بن زياد مع المختار ثم صلبه قبل قدوم الحسين عليه‌السلام بعشرة أيام ، لشدة حبه لعليعليه‌السلام. (٣)

وقال عليه‌السلام لرشيد الهجري : انك تقطع يداك ورجلاك وتصلب ،

__________________

(١) احقاق الحق : ٧ / ٦٢٠.

(٢) احقاق الحق : ٨ / ١٧٠.

(٣) احقاق الحق : ٨ / ١٥٨ و ١٥٧.

٣٧٢

ففعل به زياد بن نصر الحارثي ، وأخبر بصلب مزروع بن عبد الله بين شرفتين من شرف المسجد ، فصلب (١).

وأخبر أصحابه بأنه يعرض عليهم سبه ، وسوغه دون البراءة.

وأخبر لولاية الحجاج وانتقامه وموته (٢).

السادس : أنه أخبر بقتل ذي الثدية ، فلم ينظروه في القتلى ، فقال عليه‌السلام : ما كذبت ولا كذبت ، ثم قال عليه‌السلام فاعتبرهم حتى وجده ، وشق قميصه فوجد على كتفه سلعة كثدي المرأة عليها شعرات يتحدب كتفه مع حدبها ويرجع كتفه مع تركها (٣).

وأخبروه بعبور أهل النهروان الفرات ، فقال : لم يعبروا او أن مصارعهم دون النطفة (٤) ، ثم أخبر ثانيا فأنكر ذلك. فقال جندب بن عبد الله الازدي في نفسه : ان وجدت القوم عبروا لكنت أول من يقاتله ، فلما وصلنا النهر لم نجدهم عبروا ، فقال : يا أخا الازد أتبين لك الامر (٥).

السابع : أنه كان جالسا بذي قار لاخذ البيعة ، فقال : يأتيكم من قبل الكوفة ألف رجلا لا ينقصون رجلا ولا يزيدون رجلا يبايعوني على الموت ، فقال ابن عباس : فجزعت وخفت النقصان أو الزيادة فيفسد علينا الامر ، فأحصيت المقبلين فنقصوا واحدا ، فبينما أنا أفكر في ذلك اذ أقبل أويس وبايع على القتل (٦).

__________________

(١) احقاق الحق ٨ / ١٥٦.

(٢) احقاق الحق ٨ / ١٧٧.

(٣) احقاق الحق : ٨ / ٤٨٣.

(٤) فى «ن» : القنطرة.

(٥) احقاق الحق : ٨ / ١٠٧ و ٨٩.

(٦) احقاق الحق : ٨ / ٨٧.

٣٧٣

الى غير ذلك من اخباراته ، وهي أكثر من أن تحصى ذكرنا بعضها.

[قبح تقديم المفضول على الفاضل]

قال : واذا ثبت أنه أفضل كان أولى من غيره لما تقدم.

أقول : لما بين صغرى الدليل بالوجوه المتقدمة شرع [في] تبيين كبراه ، أعني كل من كان أفضل كان أولى بالامامة من غيره ، وذلك لقبح تقديم المفضول على الفاضل ، كما تقدم.

[اثبات إمامة باقى الائمة عليهم‌السلام]

قال : البحث الرابع ـ في إمامة باقي الائمة الاثني عشر عليهم‌السلام : لما بينا وجوب العصمة في الامام وجب اختصاص الامامة بالأئمة (١) الاثنى عشر عليهم‌السلام ، والا لزم خرق الاجماع ، اذ كل من أثبت العصمة قال بامامتهم خاصة دون غيرهم.

وللنقل المتواتر من الشيعة خلفا عن سلف بنص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على كل واحد واحد منهم ، وبنص كل امام على من بعده.

ولان غيرهم في زمانهم لم يكن أفضل منهم ولا ساواهم في الفضل ، بل كل واحد منهم في زمانه كان أفضل من كل موجود فيه من أشخاص البشر ، فيكون أولى بالامامة.

أقول : لما فرغ من اثبات إمامة علي عليه‌السلام ، شرع في اثبات إمامة باقي الائمة ، وهم: الحسن ، والحسين ، وعلي بن الحسين زين العابدين ، ومحمد ابن علي الباقر ، وجعفر بن محمد الصادق ، وموسى بن جعفر الكاظم ، وعلي

__________________

(١) لم تثبت فى المطبوع من المتن.

٣٧٤

ابن موسى الرضا ، ومحمد بن علي الجواد ، وعلي بن محمد الهادي ، والحسن ابن علي العسكري ، والخلف الحجة صاحب الزمان ابن الحسن (صلوات الله عليهم أجمعين).

ولنا على ذلك وجوه :

الاول : أنه كلّما كانت العصمة شرطا في الامامة وجب أن يكونوا هم الائمة دون غيرهم ، لكن المقدم حق فالتالي مثله. أما حقيقة المقدم فقد تقدّم بيانها.

وأما بيان الشرطية : فلان كل من قال بوجوب عصمة الامام قال بامامتهم ، وكل من لم يقل بوجوب العصمة لم يقل بامامتهم ، وقد دللنا على وجوب العصمة ، فلو أثبتناها لغيرهم لكان خرقا للاجماع ، وهو باطل ، فيكونوا هم الائمة ، وهو المطلوب.

الثاني : نقلت الشيعة نقلا متواترا نص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على كل واحد واحد منهم باسمه ونسبه ، وذلك كثير مشهور يملأ الطروس :

من ذلك ما رواه سلمان (رضي الله عنه) قال : كنت عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في مرضه الذي قبض فيه ، فجاءته فاطمة عليها‌السلام فبكت وقالت : يا رسول الله أخشى الضيعة بعدك ، فقال : يا فاطمة أما علمت أن الله تعالى حتم الفناء على جميع خلقه ، وأن الله تعالى اطلع الى الارض [اطلاعة] فاختار [منها] أباك ، ثم اطلع ثانية فاختار منها زوجك ، وأمرني أن أتخذه وليا ووزيرا ، وأن أجعله خليفتي في أمتي ، فأبوك خير أنبياء الله تعالى ، وبعلك خير الأوصياء ، وأنت أول من يلحق [بي] من أهلي ، ثم اطلع ثالثة فاختارك وولدك ، فأنت سيدة النساء ، وحسن وحسين سيدا شباب أهل الجنة ، وابنا بعلك أوصيائي الى يوم القيامة ، والأوصياء بعدي أخي علي والحسن والحسين ، ثم

٣٧٥

تسعة من ولد الحسين (١).

وعنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أنه قال للحسين عليه‌السلام : هذا ولدي امام ، ابن امام ، أخو امام ، أبو أئمة تسعة تاسعهم قائمهم أفضلهم (٢).

وعن جابر بن عبد الله قال : لما نزل قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) قلت : يا رسول الله عرفنا الله تعالى ورسوله ، فمن أولي الامر الذين قرن الله تعالى طاعتهم بطاعتك ، فقال عليه‌السلام : هم خلفائي يا جابر وأئمة المسلمين بعدي أولهم علي بن أبي طالب ، ثم الحسن ، ثم الحسين ، ثم عدّ تسعة من ولد الحسين (٣).

وأيضا من طرق الخصم ما رواه مسروق قال : بينا نحن عند عبد الله بن مسعود اذ يقول له شاب هل عهد إليكم نبيكم كم يكون من بعده خليفة؟ فقال : انك لحدث السن وأن هذا شيء ما سألني أحد عنه ، نعم عهد إلينا نبينا محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أنه يكون بعده اثنى عشر خليفة عدد نقباء بني اسرائيل (٤).

وروى البخاري عن جابر بن سمرة قال : سمعت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يقول : يكون بعدي اثنى عشر خليفة كلهم من قريش (٥).

وغير ذلك من رواياتهم ، فقد بيّن عليه‌السلام ان الائمة بعده اثنى عشر خليفة.

__________________

(١) احقاق الحق : ٤ / ٣٥٤ و ١٠ / ١٦٥.

(٢) رواه الخوارزمى فى مقتل الحسين : ٩٤ والبحار : ٣٦ / ٢٧٠ والطرائف : ١٧٤.

(٣) روى نحوه فى الاحقاق : ١٣ / ٤٩ والطرائف : ١٧٢.

(٤) احقاق الحق : ١٣ / ٤٥ وإثبات الهداة : ١ / ٧١٧.

(٥) البخارى فى صحيحه : ٨ / ١٢٧ و ١٠٥ و ٩ / ٨١ وراجع الطرائف : ١٦٨ ـ ١٧٢ وهو حديث متفق بين الفريقين.

٣٧٦

فنقول : كل من قال بهذه المقالة جعل الامامة فيهم ، والاخبار في هذا الباب كثيرة لا تحصى.

الثالث : نقلت الشيعة على كثرتهم في البلاد وانتشارهم خلفا عن سلف نقلا متواترا النص من كل واحد منهم على لاحقه ، فيكون كل واحد منهم إماما وهو المطلوب.

الرابع : أن كل واحد منهم كان أفضل من كل واحد واحد من أهل زمانه [من اشخاص البشر ، فيجب أن يكون كل واحد امام زمانه] ، والا لزم خلو الزمان من امام ، أو إمامة المفضول ، وكلاهما محال ، فيكونون أئمة ، وهو المطلوب ، وأما أنهم أفضل فذلك ظاهر بيّن لمن وقف على تواريخهم وتواريخ غيرهم.

[بحث فى غيبة الامام المنتظر عجل الله فرجه]

قال : وأما غيبة الامام عليه‌السلام : فاما [أن تكون] (١) لخوفه على نفسه من أعدائه ، أو على أوليائه ، فلا يظهر عاما ولا خاصا. واما لمصلحة خفية استأثر الله تعالى بعلمها.

ولا استبعاد في طول عمره عليه‌السلام ، فقد وجد في الازمنة الماضية والقرون الخالية من عمر عمرا مديدا أطول من عمره ، واذا ثبت أن الله تعالى قادر على كل مقدور ، فلا شك في امكان بقائه عليه‌السلام مدة طويلة ، فلا استبعاد. ووجوب القطع بوجوده عليه‌السلام هذا العمر الطويل ، للنص الدال عليه من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن الائمة ، المنقول المتواتر بين الامامية. ولوجوب نصب الرئيس في كل زمان ووجوب عصمته.

__________________

(١) لم تثبت فى المطبوع من المتن.

٣٧٧

أقول : هنا مسائل :

الاولى ـ في سبب غيبة الامام الثاني عشر ، فنقول : لما دل الدليل على إمامته وليس ظاهرا فوجب أن يكون غائبا.

وأما سبب الغيبة فقد ذكر المصنف سببين :

أحدهما : أن يكون سببها الخوف على نفسه ، لكثرة عدّوه وقلّة ناصره ، أو الخوف على أوليائه لو ظهر لهم ، فلذلك لا يظهر عاما لخوفه على نفسه ولا خاصا لخوفه على أوليائه.

وثانيهما : أن يكون سبب الغيبة مصلحة خفية استأثر الله تعالى بعلمها و [لا] يجب أن تعلم تلك [المصلحة بالتفصيل ، لانا اذا أثبتنا الغيبة وعلمنا أن فعل الحكيم لا بد له من علة حلمنا بذلك] اجمالا وان لم نعلمه تفصيلا.

الثانية : في [بيان] امكان بقائه هذه المدة الطويلة ، فنقول : لا شك أن هذا أمر ممكن ، والله تعالى قادر على كل الممكنات ، فيكون قادرا على ابقاء هذا الشخص هذه المدة الطويلة ، هذا مع أن مثل هذا التعمير وأضعافه قد وقع : أما في حق الأنبياء فكما في نوح وشعيب عليهما‌السلام ، وأما في حق الاشقياء فكما في السامري والدجّال ، واذا جاز ذلك في حق الطرفين فليجز في حق الوسط ، وهم الاولياء ، وحيث الحال كذلك فلا وجه لاستبعاد الخصم طول عمره عليه‌السلام.

الثالثة : في بيان وجوب وجوده في هذه المدة الطويلة ، وذلك لوجهين :

الاول : النصوص الدالة على وجوده ، وولادته ، وطول عمره ، وغيبته ، نقلتها الشيعة خلفا عن سلف نقلا متواترا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعن الائمة عليهم‌السلام.

٣٧٨

الثانى : الدليل الدال على أن كل زمان لا بد فيه من امام معصوم ، وغيره ليس بمعصوم بالاجماع ، فيجب أن يكون هو موجودا في هذه المدة الطويلة من حين وفاة أبيه الحسن العسكري عليه‌السلام الى انقطاع التكليف ، والا لزم خلو الزمان من امام معصوم ، وهو باطل بالاجماع ، لما تقدّم من الدليل.

٣٧٩

[مباحث حول الامر بالمعروف والنهى عن المنكر]

قال : الفصل الثاني عشر ـ في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر : الامر : هو طلب الفعل بالقول على جهة الاستعلاء. والمعروف : الفعل الحسن المختص بوصف زائد على حسنه ، اذا عرف فاعله ذلك ، أو دلّ عليه. والمنكر الفعل القبيح اذا عرف فاعله ذلك ، أو دل عليه. والنهي : ضد الامر.

والامر هنا أعم من أن يكون قولا أو فعلا ، وكذا النهي. فالامر بالمعروف هو الحمل على فعل الطاعات ، والنهي عن المنكر هو المنع عن فعل المعصية وهما قد يجبان باليد واللسان عند شرائط ، وبالقلب مطلقا.

وانما وجبا لكونهما لطفا ، فان المكلف اذا عرف أنه متى ترك المعروف أو فعل المنكر منع من ذلك على بعض الوجوه ، كان ذلك صارفا له عن ترك المعروف وفعل المنكر.

ولما انقسم المعروف الى الواجب والندب انقسم الامر إليهما. والمنكر لا ينقسم ، فلا ينقسم النهي عنه. وطريق وجوبهما السمع ، خلافا لبعضهم ، والا لزم ايقاع كل معروف وارتفاع كل منكر ، أو اخلاله تعالى بالواجب والتالي بقسميه باطل.

٣٨٠