ارشاد الطالبين الى نهج المسترشدين

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي

ارشاد الطالبين الى نهج المسترشدين

المؤلف:

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٦

وعن الثاني : أن الخبر المتواتر لا يشترط فيه اتفاق جمهور الناس على نقله ، بل يشترط أن ينقله جماعة يحصل العلم بقولهم ، وهو حاصل هنا ، فان الشيعة الآن كثيرون وينقلون عن سلفهم أنهم كانوا كذلك وهكذا حتى انتهى الى الطبقة الاولى ، فقد حصل الشرط واستوى الطرفان والواسطة ، فتكون هذه الاخبار متواترة ، وهو المطلوب.

وأما وجه اختصاصنا بافادتها العلم دونكم فلوجهين :

الاول : يشترط في افادة الخبر المتواتر العلم أن لا يكون السامع [قد] سبق الى اعتقاده نفي مخبره ، لشبهة أو تقليد كاليهود ، فانهم انما لم يفدهم تواتر معجزات الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله العلم ، لما سبق الى أذهانهم من شبهة «تمسكوا بالسبت أبدا» وتقليدهم لعلمائهم ، وكذلك أنتم لم تفدكم هذه الاخبار العلم ، لما ذكرنا من الشبهة السابقة في زمن الصحابة والتابعين.

الثاني : أن الناس قائلان : قائل بأن العلم عقيب الخبر المتواتر نظري. وقائل بأنه ضرورى ، ولا ريب في أن النظريات لا يجب الاشتراك فيها ، لوقوع التفاوت في الناس بالنسبة إليها ، وكذلك الضروريات ، خصوصا ان استندت الى سبب كالاحساس ، وهنا كذلك ، فان مستند (١) الخبر السماع.

[نزول آية انما وليكم الله في على عليه‌السلام]

قال : الثالث ـ قوله تعالى (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) (٢) والاستدلال به يتوقف على

__________________

٢ / ٢٥٦.

(١) فى «ن» : مستفيد.

(٢) سورة المائدة : ٥٥.

٣٤١

مقدمات :

احداها : أن لفظة «انما» تفيد الحصر ، وهو متفق عليه بين أهل اللغة.

الثانية : أن لفظة «الولي» هنا يراد بها الاولى بالتصرف ، وهو مشهور عند أهل اللغة ومستعمل في العرف ، لقوله عليه‌السلام «أيما امرأة نكحت نفسها بغير اذن وليها فنكاحها باطل» (١). وقولهم : «السلطان ولي الرعية ، وولي الدم وولي الميت» (٢).

الثالثة : أن المراد من (الَّذِينَ آمَنُوا) بعض المؤمنين لاتصافهم بصفة ليست عامة لكل المؤمنين ، ولانه لو كان للجميع لكان الولي والمتولي واحد وهو محال.

الرابعة : أن المراد بذلك البعض هو علي عليه‌السلام ، للاجماع على أنه هو الذي تصدّق بخاتمه حال ركوعه ، فنزلت هذه الآية.

أقول : هذا هو الوجه الثالث من دلائل إمامته عليه‌السلام ، ووجه الاستدلال بهذه الآية يتوقف على تقرير مقدمات.

الاولى : أن «انما» للحصر ، ويدل عليه المنقول والمعقول ، أما الاول فاجماع أهل العربية ظاهر ، قال الفرزدق :

أنا الذائد الحامي الذمار وانما

يدافع عن أحسابكم أنا أو مثلي

ووجه الاستدلال بهذا من جهة اللفظ والمعنى : أما اللفظ فهو أنه لو لم يرد الحصر ، أي ما يدافع الا أنا ، لزم أن يكون تقدير الكلام يدافع أنا ، وهو غلط ، لان العرب لا تبرز ضمير المتكلم في المضارع الّا عند تقدّمه

__________________

(١) المعجم المفهرس لالفاظ الحديث ٦ / ٥٤٩.

(٢) مجمع البحرين ١ / ٤٥٥.

٣٤٢

عليه ، أو فصله ب «الا» وأخواتها. وأما المعنى فلان غرض الشاعر الافتخار وذلك لا يحصل الّا اذا كان المدافع عن الاحساب هو أو مثله لا غيرهما ، وهو معنى الحصر.

وأما المعقول فهو «أن» للاثبات و «ما» للنفي ، فاذا ركبت احداهما مع الاخرى يجب أن يبقيا على ما كانتا عليه ، والا لزم التغيير والنقل ، وهو خلاف الاصل ، فاما أن يكونا واردين على موضوع واحد وهو محال ، أو يكون الاثبات لغير المذكور والنفي للمذكور وهو باطل بالاجماع ، فبقي العكس ، وهو أن يكون الاثبات للمذكور والنفي لغيره ، وهو المراد بالحصر.

ان قلت : لا نسلم أنها للحصر ، ويدل عليه صحة التأكيد ، يقال : انما جاءني زيد وحده ، ولو كان للحصر لزم التكرار ، وأيضا يقال : انما الناس العلماء. فلا يفيد الاختصاص ، والا لزم المجاز أو الاشتراك ، وهما على خلاف الاصل.

قلت : الجواب أما افادتها للحصر فقد دللنا عليه ، وأما أنه يؤكد فذلك لا دائما ، بل في موضع الاشتباه ، سلمنا لكن التأكيد لا بد أن يفيد فائدة الاختصاص ، والا لاستحال تأكيده بما يفيد الاختصاص.

قوله : انها تستعمل حيث الاختصاص ، كقوله «انما الناس العلماء».

قلنا ذلك استعمال على سبيل المجاز ، لانّا قد بيّنا كونه حقيقة في الحصر ، فلو جعلناه حقيقة في عدمه كان مشتركا والاصل عدمه ، وان كان الاصل [أيضا] عدم المجاز أولى ، والمجاز هنا ظاهر ، فان غير العالم اذا لم يحصل الصفة التي باعتبارها امتاز عن غيره من الحيوانات صحّ سلب الانسانية عنه مجازا.

المقدمة الثانية : أن المراد ب «الولي» هنا هو الاولى بالتصرف والتدبير ، ويدل عليه أن ذلك مستعمل فيه لغة وعرفا وشرعا.

٣٤٣

أما لغة فلان أهل اللغة نصوا على ذلك ، وقد ذكره المبرد في كتاب له في صفات الله تعالى ان الولي هو الاولى بالتصرف. وقال الكميت يمدح أمير المؤمنين عليه‌السلام :

فنعم ولي الامر بعد وليه

ومستجمع التقوى ونعم المؤدب

وأما عرفا فقولهم لمن ترشح للخلافة «ولي العهد» ، وقولهم «السلطان ولي من لا ولي له».

وأما شرعا فقوله عليه‌السلام : «أيما امرأة نكحت نفسها بغير اذن وليها فنكاحها باطل» أي من هو أولى بالعقد عليها. وقولهم «ولي الدم». والكل من هذه الاستعمالات يفيد الاولى بالتصرف ، واذا كان كذلك وجب أن يكون حقيقة فيه ، والا كان مجازا اذ الاصل عدمه ، واذا كان حقيقة فيه وجب أن لا يكون حقيقة في غيره ، والا لزم الاشتراك ، وهو خلاف الاصل.

ان قلت : قد ورد الولي بمعنى الصديق والناصر ، والاصل في الاستعمال الحقيقة ، فيكون مشتركا ، وخلاف الاصل يصار إليه للدليل ، فلم لا يجوز أن يكون المراد أحد المعنيين المذكورين؟ وحينئذ لا دلالة فيه على مطلوبكم.

قلت : حيث بينا أنه حقيقة في الاولى كان مجازا في غيره ، وان كان مستعملا ثم. ولئن سلمنا ما ذكرتم ، لكن لا يجوز أن يكون المراد بالولي هنا الصديق ، لانه كلام متهافت لا طائل تحته. ولا الناصر لان نصرة المؤمنين عامة بدليل قوله (الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) (١).

ونحن نستدل على أن المراد بالذين آمنوا هنا بعض المؤمنين ، فيلزم أن يكون للبعض الاخر غير ناصرا ، لما ذكرنا من إرادة الحصر ، وذلك مناقض للآية المذكورة ، والتناقض في كلامه تعالى محال.

__________________

(١) سورة التوبة : ٧١.

٣٤٤

المقدمة الثالثة : أن المراد ب (الَّذِينَ آمَنُوا) بعض المؤمنين ، ويدل عليه وجهان :

الاول : أنه وصفهم بوصف غير حاصل لجميعهم ، وهو ايتاء الزكاة حال الركوع ، اذ الجملة هنا حالية ، وانتفاء هذا الوصف عن كلهم ظاهر ، فيكون المراد البعض وهو المطلوب.

الثاني : أن الضمير المذكور ـ أعني الكاف والميم ـ عائد الى كل المؤمنين لانه قال قبل هذه الآية بلا فصل (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) (١) واذا كان كذلك لا يجوز أن يكون المراد ب (الَّذِينَ آمَنُوا) في هذه الآية الجميع ، والا لزم أن يكون الولي والمولى عليه واحدا ، فيكون كل واحد ولي نفسه ، وهو محال ، فيكون المراد البعض ، وهو المطلوب.

المقدمة الرابعة : أن المراد بذلك البعض هو علي بن أبي طالب عليه‌السلام لوجوه :

الاول : اتفاق المفسرين على ذلك ، فانه ورد أن عليا عليه‌السلام كان يصلي فسأله سائل وهو راكع في صلاته ، فاومى بخنصره اليمنى إليه ، فأخذ السائل الخاتم من خنصره (٢). ورواه الثعلبي وغيره والحديث طويل ، وفيه : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : اللهم اشرح لي صدري ويسر لي أمري واجعل لي وزيرا من أهلي عليا أخي أشدد به ظهري. قال أبو ذر : فو الله ما استتم الكلمة حتى

__________________

(١) سورة المائدة : ٥٤.

(٢) رواه السيد ابن طاوس عن تفسير الثعلبى في الطرائف : ٤٧ ، واحقاق الحق عنه : ٢ / ٤٠٢ ، والبحار : ٣٥ / ١٩٥.

٣٤٥

نزل جبرئيل فقال : يا محمد اقرأ (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) الآية (١).

ان قلت : يلزم استعمال لفظ الجمع في الواحد ، وهو خلاف الاصل حقيقة.

قلت : قد اشتهر في لغة العرب استعمال الجمع للواحد على سبيل التعظيم ، وهذا المقام مناسب للتعظيم فجاز ذلك.

الثاني : أنا قد بينا أن المراد ب (الَّذِينَ آمَنُوا) بعض المؤمنين ، وكل من قال بذلك قال : ان المراد هو علي عليه‌السلام. فلو حملناها على وجه آخر غيره كان خرقا للاجماع.

الثالث : أن المراد ب (الَّذِينَ آمَنُوا) اما كل المؤمنين أو بعضهم ، فان كان الاول فعلي داخل فيهم قطعا بل هو سيدهم ، وان كان الثاني فقد قلنا أنه المراد ، فعلي عليه‌السلام هو مراد على التقديرين وهو المطلوب.

الرابع : أنا قد بينا أن هذه الآية تدل على كون بعض المؤمنين أولى بالتصرف في كلهم ، وقد أجمع المسلمون أنها لا تقتضي أمة غيره ، فتكون مقتضية لامامته ، والا لزم تعطيلها.

اذا تقررت هذه المقدمات فنقول : علي عليه‌السلام أولى بالمؤمنين ، وكل من كان أولى بهم فهو امامهم ، ينتج : أن عليا عليه‌السلام امامهم ، أما الصغرى فقد تقدمت في المقدمات ، وأما الكبرى فلانه ليس مرادنا بالامام الا ذلك.

[خبر يوم الغدير]

قال : الرابع ـ الخبر المتواتر يوم الغدير من قوله عليه‌السلام ، ألست أولى منكم بأنفسكم قالوا : بلى يا رسول الله. فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ،

__________________

(١) رواه السيد ابن طاوس عن تفسير الثعلبى في الطرائف : ٤٨ ، وكذا احقاق الحق عنه : ٤ / ٩٥ ، والبحار : ٣٥ / ١٩٤ ، والكشاف : ١ / ٦٢٤.

٣٤٦

اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأدر الحق معه أينما دار. (١)

ولفظة «مولى» يراد بها الاولى بالتصرف : أما أولا فللاستعمال ، كما يقال لسيد العبد «مولاه» أي أولى به. وأما ثانيا فلانتفاء معانيها سوى المطلوب وأما ثالثا فلان مقدمة الخبر تدل عليه.

أقول : الرابع من دلائل إمامته عليه‌السلام خبر [يوم] الغدير ، وهو أن الرواة نقلوا نقلا متواترا أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لما رجع من حجة الوداع وصل الى موضع يقال له غدير خم ، فكان ذلك وقت الظهيرة في حر شديد ، فأمر أصحابه بالنزول وأن يضعوا [له] الاحمال شبه المنبر فوضعت ، فصعد عليها وخطب الناس خطبة عظيمة قال فيها : أيها الناس ألست أولى منكم بأنفسكم؟ قالوا بلى يا رسول الله ، قال فمن كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأدر الحق معه كيف ما دار. (٢) والاستدلال به يتوقف على أمرين :

الاول : بيان صحة الخبر ، فهذا مما لا شك فيه بين الرواة ونقلة الاحاديث ، وهو ما ذكره علي عليه‌السلام يوم الشورى. وأيضا أن الامة اختلفوا في دلالته : فقالت الشيعة يدل على إمامة علي عليه‌السلام ، وقال أهل السنة يدل على أفضليته ، ولم يقدم أحد على منعه ، فيكون صحيحا اجماعا.

__________________

(١) وهو حديث متواتر بين الفريقين ، وقد صنف الفريقان في ذلك كتبا ورسائل ، ورووا عن طرق مختلفة ، وروى السيد بن طاوس في الطرائف الحديث عن طريق العامة ، وعد قريب مائة وعشرين طريقا للحديث ، ومن المتأخرين صنف العلامة الامينى كتابه الشهير فى ذلك ، ولقد أحسن وأجاد.

(٢) راجع الطرائف : ١٣٩ ـ ١٥٣ ، والغدير : ١ / ٢٠ ـ ١٨١.

٣٤٧

ان قلت : ان ابن داود السجستاني منع من صحته ، والجاحظ طعن في رواته ، فلا يكون مجمعا على نقله.

قلت : نقل أن ابن داود تنصل من القدح فيه وتبرأ مما قذفه به محمد بن جريد الطبري حين خرجه للحديث من سبعين طريقا ، والجاحظ انما طعن في بعض رواته لا فيه ، مع أن خلاف الواحد لا يقدح.

الثاني : أن المراد هنا ب «المولى» الاولى بالتصرف لوجوه :

الاول : أنها مستعملة في ذلك ، كما يقال لسيد العبد «مولاه» أي أولى به ، وكما في قوله تعالى في حق الكفار (مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ) (١) ، قال أبو عبيدة : أي أولى بكم ، وقال الاخطل في حق عبد الملك يمدحه :

فأصبحت مولاها من الناس كلهم

وأخرى قريش ان تهاب وتحمدا

وقال المبرد : الولي والمولى بمعنى واحد ، أي الاولى.

وقال الفراء في كتاب معاني القرآن : الولي والمولى بمعنى واحد ، والاصل في الاستعمال الحقيقة.

الثاني : أن لفظة «مولى» وردت لمعان متعددة ، كالاولى بالتصرف كما ذكرنا والسيد وابن العم والجار والحليف والعتق والناصر ، ولا شيء من معانيها سوى الاول بمراد ، فيكون هو المتعين فهو المطلوب وانما قلنا أن ما عدا الاول غير مراد لان فيها (٢) ما هو كاذب عليه ، ومنها ما هو معلوم لكل أحد ، فلا فائدة في أعلامه. ونصب الرجال شبه المنبر في ذلك الوقت في الحر الشديد والاخبار بما هو ظاهر كقوله من كنت ابن عمه فعلي ابن عمه ، أو من كنت جاره فعلي جاره ، هذا مما لا يقوله ذو بصيرة.

ان قلت : لم لا يجوز أن يكون المراد غير ما ذكرتم ، وهو أن يراد به

__________________

(١) سورة الحديد : ١٥.

(٢) فى «ن» : منها.

٣٤٨

المشاجرة التي جرت بين علي عليه‌السلام وزيد بن حارثة ، وذلك أن عليا عليه‌السلام قال لزيد اني مولاك كما أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مولاك ، بمعنى ولاء الارث ، فأنكر زيد ذلك ، فأراد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصدق عليا عليه‌السلام بهذا الحديث.

قلت : هذا كلام باطل ، وذلك لان زيدا قتل في سرية مؤتة سنة ثمان من الهجرة ، وهذا الكلام كان في حجة الوداع سنة عشر من الهجرة ، فأين أحدهما من الاخر.

الثالث : أن مقدمة الخبر ولواحقه ومتنه تدل على ما قلناه. أما المقدمة فهو أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مهد قاعدة لهذا المعنى بقوله «ألست أولى منكم بأنفسكم» ثم عطف عليه بالفاء بقوله «فمن كنت مولاه» الى آخره ، فدل على أن المراد بالمولى هو الاولى ، والا لم يكن لتقديم تلك المقدمة والعطف عليها فائدة ، لان ايراد اللفظ المشترك لا مع القرينة الغاز ، وهو غير لائق بالنبي (ص).

وأما لواحقه فهو أن الصحابة في ذلك المقام هنئو العلي عليه‌السلام بذلك والتهنئة بغير هذا المعنى غير مستحسنة ، بل ولا شيء من غير هذا يوجب له التهنئة أصلا ، هذا مع أن عمر صرح بذلك في تهنئته بقوله «بخ بخ لك يا علي أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة»(١).

وأما متنه فهو أن عليا عليه‌السلام احتج به على العموم مرارا متعددة ، منها يوم الشورى ولم يرد عليه أحد بأنه لا دليل فيه على مرادك ، فدل على أن القوم فهموا معناه (٢) ، وهو المطلوب ، واذا ثبت أنه أولى بالتصرف فينا كان هو الامام ، اذ لا نعني بالامام الا ذلك.

__________________

(١) راجع الطرائف : ١٤٧.

(٢) فى «ن» : فهموا منه ما قلناه.

٣٤٩

[قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلى أنت منى بمنزلة هارون من موسى]

قال : الخامس ـ قوله عليه‌السلام المتواتر «أنت مني بمنزلة هارون من موسى الا أنه لا نبي بعدي» (١).

والمنزلة هنا للعموم ، والا لما صح الاستثناء منها. ومن جملة منازل هارون أنه لو عاش بعد موسى لكان خليفة ، لانه كان خليفة له حال حياته بقوله (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي) (٢) فيكون كذلك بعد وفاته ، والا لكان معزولا عن تلك الولاية ، فيكون غضا من منصب النبوة. ولانه كان رسولا مفترض الطاعة ، فلو عاش وجب عليهم طاعته.

أقول : هذا هو الوجه الخامس من دلائل إمامته عليه‌السلام ، ومضمونه أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعلي عليه‌السلام لما خرج الى تبوك وخلف عليا في المدينة ، فخرج لوداعه وقال : اني لم أتخلف عنك في غزاة قط ، فقال له : ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى الا أنه لا نبي بعدي (٣). وقال له ذلك أيضا في غير ذلك من المواطن.

ووجه الاستدلال به على إمامته يتوقف على مقدمات :

الاولى : تصحيح الخبر ، وهو أيضا مما لا شك في تواتره عند المخالف والمؤالف ، فالمخالف استدل به على فضيلته ، والمؤالف على إمامته ، وقد خرج

__________________

(١) رواه في الطرائف عن طرق مختلفة : ص ٥١ ـ ٥٤ ، وقد أخرجنا في ذيل تلك الصفحات مصادره عن كتب الفريقين ، وكذا مواطن تلك المقالة عن النبي (ص).

(٢) سورة الاعراف : ١٤٢.

(٣) رواه أحمد في مسنده : ٣ / ٣٢ و ٥٦ و ٧٤ و ٨٨ و ٩٤ و ٣٣٨. و ١ / ١٧٠ و ١٧٣ و ٢٣٠ و ٦ / ٤٣٨. وابن المغازلى في المناقب : ٣٣ و ٣٤.

٣٥٠

هذا الحديث البخاري ومسلم في صحيحيهما (١).

الثانية : أن المراد بالمنزلة هنا جميع المنازل الا النبوة ، والدليل عليه هو أنه ليس مراده منزلة واحدة ، وكلما كان كذلك كان المراد جميع المنازل ، أما الاول فلانه استثنى منه ، ولا شيء من الواحد بالشخص بمستثنى منه ، لاجماع أهل العربية على وجوب كون المستثنى منه أمرا متعددا.

أما الثاني فلوجوه :

الاول : أن الناس قائلان : قائل أن المراد منزلة واحدة ، وهو خلافته في حياته. وقائل أن المراد جميع المنازل ، فالقول بأنه ليس المراد منزلة واحدة ولا جميع المنازل خارق للاجماع.

الثاني : أنه لو لم يكن المراد جميع المنازل لما حسن الاستثناء ، لان الاستثناء اخراج ما لولاه لدخل كالعدد ، وحيث لا اخراج لم يكن استثناء حقيقة ، بل مجازا ، والا لزام الاشتراك وهو خلاف الاصل.

الثالث : أنه لو لم يكن المراد الجميع لزم الاجمال وعدم فهم مراد الحكيم من اللفظ ، واللازم باطل فكذا الملزوم ، بيان الملازمة : أنه لما تبين عدم إرادة المنزلة الواحدة وجب إرادة جميع المنازل ، لان حمله على بعض المنازل المعينة دون بعض ممتنع ، لعدم اشعار اللفظ بذلك البعض ، فبقي أن يحمل على بعض غير معين ، وهو اجمال من غير معين ، وهو ممتنع على الحكيم.

المقدمة الثالثة : أن هارون لو عاش بعد موسى عليه‌السلام لكان خليفة له لوجوه :

__________________

(١) البخاري في صحيحه : ٥ / ١٢٩ و ٤ / ٢٠٨ ، ومسلم في صحيحه : ٤ / ١٨٧٠ و ١٨٧١. وكذا في ٢ / ٩١ ط محمد على صبيح بمصر.

٣٥١

الاول : أنه خليفة له حال حياته ، لقوله (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي) (١) فلو لم يكن خليفة بعده لكان معزولا عن هذه المرتبة ، وهو حط من مرتبته.

الثاني : أنه كان شريكا له في الرسالة ، فلو عاش بعده لكان مفترض الطاعة على قومه.

الثالث : أنه لمكان نبوته كان معصوما فيجب على موسى عليه‌السلام أن يقدمه على غير المعصوم ، لقبح تقديم غير المعصوم على المعصوم.

الرابع : أن اليهود وغيرهم نقلوا أن موسى عليه‌السلام نص عليه ، وجعله وصيه وخليفة بعده ، فلما مات جعل الوصاية في يوشع بن نون ، وأفضى إليه بأسرار التوراة والالواح ، وذلك على سبيل الوداعة لا على سبيل الاستقرار ليوصلها الى ولدي هارون شبر وشبير ، وهو يدل على أن هارون لو عاش بعده لكان خليفة بدل يوشع بن نون.

اذا تقررت هذه المقدمات فنقول : ثبت لعلي عليه‌السلام منزلة من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كجميع منازل هارون من موسى ، ومن جملتها كونه خليفة لموسى لو عاش بعده ، فيكون علي عليه‌السلام كذلك ، لانه عاش بعده ، وهو المطلوب.

[انه عليه‌السلام أفضل الناس بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله]

قال : السادس ـ أنه عليه‌السلام كان أفضل الصحابة ، فيكون هو الامام.

أما المقدمة الصغرى فمن وجوه :

الاول : أنه جمع الفضائل النفسانية : كالعلم ، والذكاء والكرم. والفضائل

__________________

(١) سورة الاعراف : ٦٦.

٣٥٢

البدنية : كالزهد ، والعبادة ، والشجاعة. وغير ذلك مما لم يحصل لا حد من الصحابة.

أقول : الدليل السادس على إمامته عليه‌السلام هو أنه أفضل الناس بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكل من كان كذلك فهو الامام. أما الصغرى : فلنا في بيانها طريقان : اجمالي وتفصيلي.

أما الاجمالي فمن وجوه :

الاول : قوله تعالى (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ) (١) ، والمراد ب «أنفسنا» هو علي عليه‌السلام ، لما ثبت بالنقل الصحيح (٢) ، وليس المراد أن نفسه هي نفس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في الحقيقة ، لبطلان الاتحاد ، فوجب حمله على المجاز أي نفسه كنفسه ، اذ هو المتعارف بين أهل اللغة في قولهم «زيد الاسد» أي مثل الاسد في الشجاعة ، وأبو يوسف [هو] أبو حنيفة ، أي مثله في الفقه. ومعلوم أن نفس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل من سائر الصحابة ، فنفس علي عليه‌السلام كذلك.

الثاني : خبر الطائر نقلا متواترا أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أتي بطائر مشوي ، فقال : اللهم ائتني بأحب خلقك أليك يأكل معي من هذا الطائر ، فجاء علي عليه‌السلام (٣) والمعنىّ من محبة الله هو إرادة الثواب الزائد ، وذلك لا يستحق الا بأكمل الطاعات ، فتكون طاعات علي عليه‌السلام أكمل ، فيكون أفضل.

__________________

(١) سورة آل عمران : ٦١.

(٢) حديث المباهلة مسطور في كتب الفريقين ، ورواه السيد ابن طاوس عن طريق العامة في كتابه الشريف الطرائف بأسناد مختلفة : ٤٢ ـ ٤٧.

(٣) حديث الطائر متفق بين الفريقين ورواه السيد ابن طاوس في الطرائف : ٧١ ـ ٧٣ ، وابن المغازلى في المثاقب : ١٦٣ ـ ١٦٤ ، والبحار : ٣٨ / ٣٥٥ ، والفصول المهمة : ٣٧.

٣٥٣

الثالث : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لما آخى بين الصحابة آخى بينه وبين علي عليه‌السلام (١) والمؤاخاة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دالة على أفضليته على باقي الصحابة.

الرابع : روي عن ابن مسعود أنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : علي خير البشر فمن أبي فقد كفر (٢).

الخامس : روت عائشة أنها قالت : كنت عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأقبل علي عليه‌السلام فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : هذا سيد العرب ، فقلت : يا رسول الله ألست سيد العرب؟! قال : أنا سيد العالمين (٣).

السادس : روى البيهقي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من أراد أن ينظر الى آدم في علمه والى نوح في تقواه والى ابراهيم في حلمه والى موسى في هيبته والى عيسى في عبادته ، فلينظر الى علي بن أبي طالب عليه‌السلام (٤) وهذا دال على مساواته للانبياء المذكورين ، وقد كان هؤلاء أفضل الناس ، والمساوي لهم كذلك.

السابع : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال لفاطمة عليها‌السلام : ان الله اطلع على أهل الدنيا ، فاختار منها أباك فاتخذه نبيا ، ثم اطلع ثانيا فاختار منهم بعلك فاتخذه وصيا (٥).

__________________

(١) رواه السيد ابن طاوس عن طريق العامة في الطرائف : ٦٣ ـ ٦٥ ، وأخرجنا في ذيل تلك الصفحات مصادره عن كتب العامة فراجع.

(٢) راجع الطرائف : ٨٨ والخوارزمى في المناقب : ٦٦.

(٣) راجع احقاق الحق : ٤ / ٤١ و ٣٤٨ والطرائف : ٧٩ ومناقب ابن المغازلى : ٢١٤.

(٤) راجع احقاق الحق : ٤ / ٣٩٤.

(٥) راجع احقاق الحق : ٧ / ٣٧٥ و ٤ / ١١١.

٣٥٤

الثامن : روى أنس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ان أخي ووزيري ووصيي من أتركه بعدي يقضي ديني وينجز وعدي علي بن أبي طالب (١).

والاخبار في هذا الباب كثيرة لا يمكن حصرها بعدّ ولا ضبطها بحدّ ، كما روى أخطب خوارزم عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : لو أن الرياض أقلام والبحر مداد والجن والانس كتاب وحساب لما أحصوا فضائل علي بن أبي طالب (٢).

وأما تفصيلا : فهو أن الفضائل اما نفسانية أو بدنية أو خارجية ، وكان علي عليه‌السلام أفضل في كل واحدة من هذه الفضائل :

أما النفسانية : فكالعلم والذكاء والفطنة والحلم وحسن الخلق والحرص على اقامة الدين وغير ذلك. فأما العلم والذكاء فسيأتي بيانه. وأما الحلم فقد بلغ فيه الغاية القصوى ، ولم يقابل مسيئا بإساءته ، كما صفح عن مروان بن الحكم يوم الجمل وكان من أعدى الناس له ، وكان عبد الله بن الزبير يشتم عليا عليه‌السلام على رءوس الاشهاد ، حتى قال علي عليه‌السلام : لم يزل الزبير رجلا منا أهل البيت حتى سب عبد الله واستأسره يوم الجمل وعفى عنه ، وعفى عن سعيد بن العاص مع عداوته له ، وأكرم عائشة وبعث بها الى المدينة مع عشرين امرأة مع حربها له ، وعفى عن أهل البصرة مع حربهم له وشتمهم له ولاولاده ، وأخرج لاصحاب معاوية عن الشريعة حتى شربوا مع أنهم فعلوا مع أصحابه الضد من ذلك. الى غير ذلك من مواضع حلمه.

وأما حسن الخلق فقد كان أشرف الناس خلقا وأطلقهم ، وجها ، حتى نسبه عمر الى الدعابة ، وهذا مع شدة بأسه وهيبته ، قال صعصعة : كان فينا كاحدنا لين جانب وشدة تواضع وسهوله قيد ، وكنا نهاية مهابة الاسير المربوط للسياف

__________________

(١) راجع الطرائف : ٢٢ والبحار : ٣٨ / ١٩ والعمدة : ٣٧.

(٢) مناقب الخوارزمى : ٢.

٣٥٥

الواقف على رأسه وقال معاوية لقيس بن سعد : (رحم الله) أبا حسن فلقد كان هشا بشا ذا فكاهة ، فقال قيس : أما والله لقد كان مع تلك الفكاهة والطلاقة أهيب من ذي لبدتين قد مسه الطوى ، تلك هيبة التقوى ، لا كما تهابك طغام الشام (١).

واما الحرص على اقامة الدين فأظهر من الشمس ، لم يراقب أخا ولا عما ولا ابن عم ولا صاحبا ، وتفصيل ذلك مشهور.

وأما البدنية : فكالزهد ، والعبادة ، والشجاعة ، وسيأتي بيانها.

وأما الخارجية : فمنها نسبه الشريف ، وقربه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو أقرب من العباس ، لان أبا طالب أخا عبد الله من الابوين ، وأما العباس فأخوه من الأب ، ومنها زواجه لسيدة نساء العالمين ، ومنها شرف الاولاد بحيث لم يحصل لاحد من المسلمين كأولادهعليه‌السلام.

كونه (ع) فى غاية الذكاء والحرص على تحصيل المعارف

قال : الثانى : أنه كان في غاية الذكاء والفطنة والحرص على تحصيل المعارف واقتناء الفضائل والمتابعة للرسول عليه‌السلام ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان شديد الحرص على التكميل. والملازمة بينهما شديدة بحيث لا ينفك عنه في أكثر الأوقات. ومع حصول القابل وتحقق المؤثر وانتفاء الموانع يحصل التأثر على أبلغ أحواله.

أقول : استدل المصنف على كونه أفضل بوجوه :

الاول : أنه أعلم الخلق بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيكون أفضل ، والكبرى ظاهرة ، وأما الصغرى فلوجوه :

الاول : من حيث البرهان اللمي ، وهو الاستدلال على الشيء بأسبابه

__________________

(١) راجع شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ١ / ٢٥ وقد نقل تمام هذه الفضائل

٣٥٦

وعلله ، وتقريره : أن عليا عليه‌السلام كان في غاية الذكاء والفطنة وقوة الحدس ، وشدة الحرص على التعلم واقتناء الفضائل ، وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي معلمه واستاذه أعلم الخلق وأحرصهم على ايصال العلم الى المتعلم ، وكان لعلي عليه‌السلام معه ملازمة شديدة من حين الطفولية الى حين مفارقته صلى‌الله‌عليه‌وآله للدنيا ، بحيث لا يفارقه وقتا من الاوقات الا أوقاتا يسيرة كان يبعثه فيها للجهاد.

ولا شك ولا ريب في أنه اذا كان المتعلم بهذه الصفة والمعلم بهذه النسبة مع شدة الملازمة بينهما ، فانه يكون أعلم الخلق بعد ذلك المعلم ، لحصول الشرائط بالنسبة الى القابل والفاعل ، فيحصل التأثير التام ، وهو ضروري ، فيكون علي عليه‌السلام أفضل الخلق ، وهو المطلوب.

[قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله أقضاكم على]

قال : الثالث : قوله عليه‌السلام «أقضاكم علي» (١) والقضاء يستلزم العلم والدين. وقوله عليه‌السلام «أنا مدينة العلم وعلي بابها» (٢). واتفق المفسرون على أن قوله (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) (٣) المراد به علي عليه‌السلام.

أقول : الوجه الثالث (٤) على أنه أعلم ، وهو استدلال من حيث النص على ذلك ، وهو من وجوه :

__________________

(١) أخرجه الخوارزمى في المناقب : ٤٩ وكفاية الطالب. ١٩ وغير هما مما يطول ذكرها.

(٢) أخرجه الحاكم في المستدرك ٣ / ١٢٦ و ٢٢٦ وذخائر العقبى ٧٧ وغيرهما مما يطول ذكرها.

(٣) سورة الحاقة : ١٢.

(٤) وفي «ن» : الثانى وكذا بعده. وهو يناسب ما قبله من الشرح.

٣٥٧

الاول : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله «أقضاكم علي» والقضاء يفتقر الى جميع العلوم ، فيكون علياعليه‌السلام عالما به ، ولم ينص على أحد من الصحابة بمثل ذلك ، بل ان حصل في علم خاص ، كقوله «اقرأكم أبي» أي أعلمكم بايراد القرآن ، وقوله «أفرضكم زيد» أي أعلمكم بالفرائض وهو المواريث ، وذلك كله جزء من أجزاء علم القضاء.

الثاني : قوله «أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد الحكمة فليأتها من بابها» واذا هو الباب ، فهو أعلم الاصحاب.

الثالث : قوله تعالى (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) ذكر المفسرون أنها أذن علي عليه‌السلام ، وهو مبالغة له في وصفه له بالوعاية ، فيكون أعلم ، وهو المطلوب.

[علمه عليه‌السلام بجميع الشرائع]

قال : الرابع : قوله عليه‌السلام «لو نشرت لي الوسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم ، وبين أهل الإنجيل بانجيلهم ، وبين أهل الزبور بزبورهم وبين أهل الفرقان بفرقانهم» (١). وذلك يدل على احاطته بجميع الشرائع ، ولم يحصل لغيره من الصحابة ذلك.

أقول : الوجه الرابع على أنه عليه‌السلام أعلم ، وهو استدلال باخباره [عن نفسه] واخباره حق ، لما ثبت من عصمته ، وهو من وجوه :

الاول : قال عليه‌السلام «لو كسرت لي الوسادة وجلست عليها لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الإنجيل بانجيلهم وبين أهل الزبور بزبورهم وبين أهل الفرقان بفرقانهم ، والله ما من آية نزلت في بر أو بحر أو سهل أو جبل أو ليل أو نهار الا وأنا أعلم فيمن نزلت وفي أى شيء نزلت» (٢).

__________________

(١) راجع احقاق الحق : ٧ / ٥٧٩ ـ ٥٨١.

(٢) راجع احقاق الحق : ٧ / ٥٧٩ ـ ٥٨١.

٣٥٨

وذلك دليل على معرفته بجميع الشرائع ، ولم يحصل لغيره من الصحابة ذلك ، بل قال أبو بكر يوم السقيفة : «وليتكم ولست بخيركم وعلي فيكم ، فان أحسنت فاعينوني ، وان أسأت فقوموني ، ان لى شيطانا يعترينى» (١) فاستدل أنت بكلامهما على الفرق بينهما.

اعترض أبو هاشم الجبائي على قوله عليه‌السلام «فحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم» الى آخره : بأن هذه الكتب منسوخة فكيف يجوز الحكم بها؟

والجواب : المراد أنه متمكن من تفاصيل أحكامها كما أنزلت ، وبيانها لمن له العمل بها بعد أداء حق الجزية ، أو المراد بيان أحكامها وما نسخه القرآن منها وما لم ينسخه ، أو المراد استخراج المواضع الدالة على نبوة نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

الثاني : قوله عليه‌السلام : «بل اندمجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الارشية في الطوى البعيدة» (٢) ، وقوله «ألا ان هاهنا ـ وأشار الى صدره ـ لعلما جما لو بحت به أصبت له حملة» (٣).

الثالث : قوله عليه‌السلام : «لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا» (٤) وقوله : «سلوني قبل أن تفقدوني ، سلوني عن طرق السماء فاني أعلم بها من طرق الارض» (٥) الى غير ذلك من أقواله ، ومن تتبع كلامه (صلوات الله عليه) وجد أكثر من ذلك.

__________________

(١) أخرجه ابن جرير في تاريخه : ٢ / ٤٤٠ وابن سعد في طبقاته : ٣ / ١٢٩ وابن قتيبة فى الامامة والسياسة : ٦. وكنز العمال. ٣ / ١٣٦.

(٢) نهج البلاغة : ٥٢ الخطبة الخامسة واحقاق الحق : ٧ / ٦٠٤.

(٣) راجع احقاق الحق : ٧ / ٦٠٣.

(٤) راجع احقاق الحق : ٧ / ٦٠٥ ـ ٦٠٧.

(٥) نهج البلاغة : ٢٨٠.

٣٥٩

[رجوع الصحابة إليه عليه‌السلام فى أخذ الاحكام]

قال : الخامس : أن الصحابة كانوا يرجعون إليه في الاحكام ويأخذون عنه الفتاوى ، ويقلدونه ويرجعون عن اجتهادهم اذا خالفهم ، وأخطأ أكثرهم في الاحكام ودلهم على زللهم(١) فرجعوا إليه.

أقول : الوجه الخامس على أنه عليه‌السلام أعلم ، وهو استدلال ببرهان اني مأخوذ من اختلاف (٢) الصحابة وغلطهم ، وأنه عليه‌السلام بين لهم الصواب فيكون أعلم ، وهو المطلوب ، وبيان ذلك : أما أبو بكر فمن وجوه :

الاول : أن بعض اليهود سأله أين الله؟ فقال : على العرش ، فقال اليهودي : خلت الارض منه حينئذ واختص ببعض الامكنة ، فأمره أبو بكر بالانصراف ، فلقيه علي عليه‌السلام بعد أنه استهزأ بالاسلام ، فقال له علي عليه‌السلام : ان الله أين الاين فلا أين له (٣) ، الى آخر الحديث ، فأسلم على يده.

الثاني : أنه سئل عن الكلالة والارث فلم يدر ما هما ، فأوضحهما له علي عليه‌السلام (٤).

الثالث : أن شخصا في زمن أبي بكر شرب الخمر وادعى أنه جهل تحريمها فلم يدر أبو بكر ما وجه الحكم ، فقال علي عليه‌السلام : اختبروا حاله من المهاجرين والانصار أنه هل سمع منهم آية التحريم أم لا؟ فان لم يسمع فلا

__________________

(١) فى المطبوع من المتن : ذلك.

(٢) فى «ن» : اختلاط.

(٣) التوحيد للصدوق : ١٨٠.

(٤) راجع كنز العمال : ٦ / ٢٠ وكذا السيوطى في الدر المنثور ذيل آية الكلالة رواهما في عمر.

٣٦٠