ارشاد الطالبين الى نهج المسترشدين

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي

ارشاد الطالبين الى نهج المسترشدين

المؤلف:

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٦

وذلك كالآلام الصادرة في الدنيا ، اما للمكلفين أو لغيرهم كالاطفال.

واختلف في جهة حسنها : فقال المصنف : لا بد في حسنها من أمرين :

أحدهما : العوض الزائد الذي يختار معه المكلف الالم لو عرض عليه.

وثانيهما : اشتماله على اللطف : اما للمتألم كما في حق المكلفين كما في حق المكلفين ، فان الواجد منا اذا تألم رجع الى الله تعالى ، وتلافى ذنوبه بالتوبة ، ويخرج الى الناس من حقوقهم ، وبالجملة يقرب الى الطاعة ويبعد عن المعصية. أو لغيره كما في حق الطفل ، فانا اذا شاهدنا الطفل يتألم كان ذلك لطفا لنا في اجتناب المعاصي. فبالاول أعني العوض يخرج عن كونه ظلما. وبالثاني أعني اللطف يخرج عن كونه عبثا ، فاذن يجب أن يكون في الالم عوض زائد وغرض ، والا لكان تعالى ظالما عابثا ـ تعالى الله عنه ـ وهما قبيحان وبه قال أبو هاشم.

وقال أبو علي أبوه : وجود العوض كاف في حسن الالم ، سواء كان لطفا أو لا.

وقال عباد بن سليمان الصيمري : كونه لطفا كاف في الحسن اذا كان للمتألم. ولهم في تقرير هذه الاقوال استدلالات لا نطول بذكرها ، لكن المحقق ما قاله المصنف.

[تعريف العوض وأقسامه]

قال : البحث الرابع ـ في الاعواض : وهو النفع المستحق الخالي من تعظيم واجلال. فالواجب علينا يجب مساواته للألم ، والواجب عليه تعالى يجب أن يزيد بحيث يختار المكلف معه العوض.

أقول : لما بحث عن الالم وأقسامه شرع في العوض ، وعرفه : أنه النفع

٢٨١

المستحق الخالي عن تعظيم واجلال. فالنفع جنس شامل له ولغيره ، وبقيد «المستحق» خرج التفضل ، وبقيد «الخالي من التعظيم» خرج الثواب.

وهو قسمان : أحدهما : مستحق علينا لا عليه تعالى ، وذلك يجب أن يكون مساويا للألم لا أزيد ولا أنقص ، والا لزم الظلم للمؤلم لو كان زائدا وللمتألم لو كان ناقصا.

وثانيهما : مستحق عليه تعالى بأحد الاسباب المتعلقة ، وذلك يجب تزايده على الالم الى حد الرضا عند كل شخص بحيث لو عرضنا عليه الالم والعوض الزائد ، لاختار الالم رغبة في ذلك العوض ، اذ لو لا الزيادة لقبح فعل الالم ، اذ لا فائدة فيه.

[حكم العوض عن الالم الصادر عن غير العاقل]

قال : واختلف العدلية في العوض عن الالم الصادر عن (١) غير العاقل كالسباع : فبعضهم أوجبه على الله تعالى ، لانه تعالى مكنه وجعل فيه ميلا الى الى الايلام ، ولم يجعل له عقلا زاجرا عنه ، فيجب العوض عليه تعالى.

وذهب آخرون الى أن العوض على المولم لقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : «ينتصف للجماء من القرناء» (٢) والانتصاف انما يكون بأخذ العوض من الجاني.

وذهب آخرون الى سقوط العوض ، لقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : «جرح العجماء جبار» (٣).

والجواب : هذان خبرا واحد مع قبولهما التأويل ، فان الانتصاف أعم

__________________

(١) فى «ن» : على.

(٢) بحار الانوار : ٧ / ٢٦٥.

(٣) وسائل الشيعة : ١٩ / ٢٠٢ ورواه الشيخ والصدوق في النهاية والاستبصار من طرق متعددة.

٢٨٢

من أن يكون بأخذ العروض من الجاني أو غيره. وقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : «جرح العجماء جبار» ، معناه : لا يستحق به قصاص. ونحن نقول بموجبه ، فان العوض غير القصاص.

أقول : الآلام الصادرة عن الحيوانات العجم كالسباع وغيرها لا بد فيها من العوض. فذهب المحققون الى أنه واجب على الله تعالى ، لانه خلقها ومكنها وجعل فيها ميلا الى الايلام ، مع امكان أن لا يخلقها أو يخلقها ولا يجعل لها ميلا الى الايلام.

ومع ذلك لم يجعل لها عقلا مميزا بين الحسن والقبيح ولا أمرا زاجرا ، مع امكان أن يجعل لها ذلك ، فكان على هذا كالمغرى لها ، فلو لم يكن لا يلامها عوض عليه لقبح منه ذلك.

وقال القاضي : ان كان الحيوان ملجأ الى الايلام ـ كما لو أجاعه أياما متعددة ـ فالعوض عليه تعالى ، وان لم يكن ملجأ فالعوض على الحيوان المباشر. واحتج بأن التمكين لا يقتضي انتقال العوض من المباشر الى الممكن والا لوجب عوض القتل على حداد السيف ، لانه ممكن للقاتل من القتل ، واللازم باطل فكذا الملزوم ، وبطلان اللازم وبيان الملازمة ظاهران.

أما في صفة الالجاء فانه يقتضي استناد الفعل في الحقيقة الى الملجئ ، ولهذا يحسن ذمه دون الملجأ ، وأيضا لو كان العوض عليه تعالى لما حسن منعها واللازم باطل فكذا الملزوم.

وبيان الملازمة : أن العوض عليه تعالى يجب تزايده ، بحيث يختار معه الالم ، فكان هناك كذلك ، واذا كان الالم مختارا لم يحسن المنع. وأما بطلان اللازم : فلانه يحسن منا قطعا الامتناع من ايلامها وزجرها عنا بأنواع الزواجر.

والجواب عن الاول : بأن الفرق حاصل بين القاتل وهذا الحيوان ، وذلك

٢٨٣

لان القاتل ممنوع من القتل بالزواجر الشرعية ، وعنده اعتقاد عقلي يمنعه عن الاقدام ، ولهذا لم يكن العوض على صانع السيف بل عليه ، بخلاف ما نحن فيه.

وعن الثاني : فانه قد يحسن المنع عن الحسن اذا كان لذلك وجه حسن كما يحسن منع المعاقب عن العقاب ، وأيضا لو صح دليلكم لزم أن لا يحسن من التداوي من الآلام المبتدأة ، واللازم باطل بالاجماع ، فما أجيب فهو جوابنا.

وقال أبو علي الجبائي : ان العوض على الحيوان المباشر ، لقوله عليه‌السلام «يوم ينتصف للجماء من القرناء» ، والانتصاف انما يكون بأخذ العوض من الجاني وايصاله الى المجني عليه. وقال قوم : انه لا عوض هنا لا على الله تعالى ولا على الحيوان ، لقوله عليه‌السلام «جرح العجماء جبار».

والجواب عن هذين الخبرين بأنهما من الآحاد ، فلا يكونان حجة في المسائل العملية ، وعلى تقدير [التسليم] لصحتها فهما قابلان للتأويل :

أما الاول فبوجهين : الاول : الانتصاف هو ايصال عوض الالم الى المجني عليه ، أعم من أن يكون من الجاني أو غيره ، فان الواحد منا لو قال لمن جنى عليه عبده : لانصفنك من عبدي ، ثم أنه عوضه عن ألمه الصادر من عبده يسمى منتصفا له ، فكذا هنا جاز أن يكون الانتصاف بإيصال العوض ، لكنه من الله تعالى.

الثاني : أنه يحتمل أن يريد بالجماء المظلوم ، وبالقرناء الظالم على وجه الاستعارة ، ووجه المشابهة مشاركة المظلوم للجماء في عدم القوة على دفع العدو ، ومشاركة الظالم للقرناء في القوة على الدفع.

وأما الثاني : فيحتمل أن يراد بالجبار أنه لا يستحق به قصاص في الدنيا ، وذلك لا ينافى استحقاق العوض على الله تعالى ، اذ نفي القصاص لا يستلزم نفي العوض.

٢٨٤

[كون العوض واجب على البارى تعالى]

قال : وهو واجب والا لزم الظلم.

أقول : العوض اما مستحق عليه تعالى ، فيجب عليه ايصاله الى مستحقه والا لكان ظالما ـ تعالى الله عنه ـ ، والظلم بذلك ضروري. واما مستحق على العبد ، فيجب عليه تعالى الانتصاف للمظلوم من الظالم ، لانه لما مكنه من الظلم باعطاء القدرة ولم يمنعه بالجبر ، وجب عليه الانتصاف ، وهو أن يأخذ من منافع الظالم التي استحقها على الله أو على غيره للمظلوم بقدر ما يوازي ظلمه ، والا لكان تعالى بالتمكين ظالما ، ولا يلزم من تمكينه الظالم كون العوض عليه تعالى لانه لم يأمره بالظلم ولم يجبره عليه ، بل انما أعطاه القدرة والتمكين ليستعمل ذلك في الطاعة. ومثاله أن من أعطى شخصا سيفا ليقتل به كافرا فقتل به مؤمنا فكما أن العوض هنا على القاتل فكذا هناك.

[مسائل في كيفية الانتصاف]

قال : وهل يجوز أن يمكن الله تعالى من الظلم من لا عوض له في الحال يوازي فعله؟ جوزه أبو هاشم والبلخي. واختلفا : فيجوز البلخي خروجه من الدنيا بغير عوض ، بل يتفضل الله تعالى على الظالم بالعوض ويدفعه الى المظلوم ومنعه أبو هاشم وأوجب التبقية ، لان الانتصاف واجب ، فلا تعلق بالتفضل الجائز.

قال السيد المرتضى : الانتصاف واجب ، والتفضل والتبقية جائزان فلا يعلق الواجب بهما.

أقول : قد ذكرنا أن الانتصاف الذي هو نقل المنافع الى المظلوم واجب

٢٨٥

عليه تعالى ، والآن نقول : هل يجوز في الحكمة أن يمكن الله تعالى من الظلم من لا عوض له يوازي ما صدر عنه أم لا؟ جوز ذلك أبو القاسم البلخي ومحمود الخوارزمي وأبو هاشم ، ومنعه السيد المرتضى (رضوان الله تعالى عليه).

حجة الاولين : أنه لو لم يكن جائزا لما وقع ، لكنه واقع ، فيكون جائزا وهو المطلوب. أما الملازمة فظاهرة ، وأما بيان الوقوع : فلانا نرى الملوك والظلمة يصدر عنهم آلام عظيمة ، ومن المستبعد أن يكون لذلك الظالم القاهر أعواض توازي ما صدر عنه بالنسبة الى كل واحد واحد من المظلومين.

والجواب : غير مستبعد أن يكون قد حصل لذلك الظالم الآلام التي يفعلها الله تعالى به أعواضا كثيرة بحيث ما يوازي ما عليه ، فان العوض عليه تعالى زائد الى حد الرضا وعلينا مساوي.

ثم اختلف هؤلاء المجوزون في أنه هل يجوز أن يخرج من الدنيا ولا عوض له أم لا؟ فقال أبو القاسم : يجوز ذلك ، لجواز أن يضمن الله تعالى عنه ، ويتفضل عليه بأعواض يوصلها الى المظلوم.

وقال أبو هاشم : لا يجوز لان التفضل جائز والانتصاف واجب ، ولا يعلق الواجب على الجائز. وقال : يجب على الله تعالى تبقيته كي يحصل له أعواض ينقلها عنه.

أورد السيد المرتضى بأن الانتصاف واجب والتفضل والتبقية جائزان ، فلا يعلق الانتصاف عليهما.

[بحث في الارزاق]

قال : البحث الخامس ـ في الارزاق والآجال والاسعار : الرزق عند العدلية : ما صلح الانتفاع به ، ولم يكن لاحد منع المنتفع منه ، لانه تعالى أمر بالانفاق

٢٨٦

من الرزق ، ولا يأمر بالحرام.

وعند الاشعرية : الرزق ما أكل فالحرام عندهم رزق ، ويجوز طلبه ، لان به يندفع الضرر ، ولقوله تعالى (فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ) (١) وغير ذلك من الآيات.

أقول : الرزق عند أهل العدل هو ما صح أن ينتفع به ولم يكن لاحد منع المنتفع به منه ، وهو أعم من أن يكون مالا أو ولدا أو جاها أو علما أو حياة أو زوجة أو صاحبا ، ولهذا أتى في تعريفه بلفظة «ما» والمراد بالصحة نقيض الحظر ، وهو ما جاز عقلا وشرعا.

ولا يشترط فيه أن يكون ملكا ، فان البهيمة مرزوقة وليست مالكة (٢) ، والولد والعلم رزق ولا يقال أنه ملك. وقولنا «ولم يكن لاحد منع المنتفع به منه» ليخرج الطعام الموضوع للضيافة قبل استهلاكه بالمضغ ، فان للمالك منعه من قبل استهلاكه ، فليس برزق.

وعند الاشاعرة : الرزق ما أكل حلا كان أو حراما ، ويتفرع على القولين الحرام هل هو رزق أم لا؟ وهل يجوز أن يأكل الانسان رزق غيره؟ فعند الاشاعرة : أن الحرام رزق (٣) فلا يأكل الانسان رزق غيره. وعند أهل العدل أن الحرام ليس برزق ، وقد يأكل الانسان رزق غيره.

واستدلوا على أن الحرام ليس برزق بقوله تعالى (وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ) (٤)

__________________

(١) سورة الجمعة : ١٠.

(٢) لان من شرط المالك أن يكون عاقلا أو في حكمه كالاطفال ، وفيه نظر «منه».

(٣) لو كان الحرام رزقا للزم أن يكون أموال الناس رزقا للعاصين ، ويلزم فيمن وطر زوجة غيره أن يكون ذلك رزقا له ، كما اذا وطى زوجة نفسه.

(٤) سورة المنافقين : ١٠.

٢٨٧

أمر بالانفاق من الرزق ، والله تعالى لا يأمر بالانفاق من الحرام ، اذ التصرف في الحرام منهي عنه فلا يقع مأمورا به (١).

وفي هذا الدليل نظر : أما أولا فالمنع من كون «ما» للعموم في الخبر.

وأما ثانيا فلانا نمنع كون «من» في الآية للتبيين ، لان شرطها أن تكون بعد اسم مبهم نحو قوله تعالى (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) (٢) وليس هنا كذلك ، بل هي للتبعيض ، فيكون قد أمر بانفاق بعض الرزق ، فلا يدل على المطلوب ، وعلى تقدير تسليم العموم وكون «من» للتبيين يجوز تخصيص العام بما ذكرتم.

واعلم أن الرزق يجوز طلبه ، بل قد يجب كما اذا لم يكن ثم وجه غيره ، وقد يستحب ، وقد يباح ، وقد يحرم كما اذا اشتمل على وجه نهي الشارع عنه ، وقد يكره كما اذا اشتمل على ما ينبغي التنزه عنه.

ثم ان الرزق قد يكون تفضلا منه تعالى ، بأن لا يكون للمكلف فيه لطف ، وقد يكون فيه لطف وذلك فيما يجتهد في تحصيله ، ووجه لطفيته أن يحصل للطالب عقيبه ، بأن المنافع الدنيوية انما يحصل بالتعب ، ففي الاخروية أولى.

وذهب الصوفية الى أنه لا يجوز السعي في طلبه.

والدليل على ما قلناه من وجوه :

الاول : أن طلب الرزق مما يدفع به الضرر عن النفس ، ودفع الضرر عن النفس واجب.

الثاني : قوله تعالى (فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ) (٣) وقوله

__________________

(١) ومدح تعالى بقوله (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) سورة البقرة : ٣.

(٢) سورة الحج : ٣٠.

(٣) سورة الجمعة : ١٠.

٢٨٨

تعالى (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) (١) قال المفسرون : ان الابتغاء التكسب ، والفضل الرزق ، وغير ذلك من الآيات.

الثالث : قوله عليه‌السلام «سافروا تغنموا» (٢) وقوله «الرزق عشرة أجزاء تسعة منها في التجارة» (٣) وغير ذلك من الاخبار.

احتج الصوفية بوجوه :

الاول : أن الحلال مختلط بالحرام ولا يتميز ، فلا يجوز طلبه.

الثاني : أن في الطلب مساعدة الظالم باعطاء الطمغاوات وغيرها ومساعدة الظالم حرام ، فكذا ما يؤدي إليها.

الثالث : قوله عليه‌السلام «لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير ، تغدوا خماصا وتروح بطانا» (٤) واذا كان التوكل مأمور به فالطلب منهي عنه.

والجواب عن الاول ان أردتم أن كل الحلال مختلط فهو ممنوع ، وان أردتم بعضه فمسلم ، لكن التكليف مشروط بالعلم ، فمع عدم العلم لا حرمة خصوصا ، واليد ظاهرة في الملك.

وأورد عليهم شيخنا سالم بن محفوظ : أنه يلزم من هذا أن لا يجوز أكله ، كما لا يجوز طلبه ، ولهم أن يقولوا انا نأكل قدر الضرورة ، لكن الواقع منهم بخلافه.

وعن الثاني : ان المساعدة ليست مقصورة ولا مرادة ، بل توجد قهرا.

__________________

(١) سورة البقرة : ١٩٨.

(٢) وسائل الشيعة : ١٢ / ٢٥١ ح ٨.

(٣) وسائل الشيعة : ١٢ / ٥ ح ١٢.

(٤) بحار الانوار : ٧١ / ١٥١ وفيه : لو أنكم تتوكلون الخ.

٢٨٩

وعن الثالث : أن التوكل لا ينافي الطلب ، والمكتسب في حال طلبه متوكل أيضا ، ولهذا أردفه بالغدو ، مع أنه ليس في الحديث نهي عن الطلب الذي هو مناط البحث ، بل بين فيه أنكم لو اشتغلتم بالطاعة عن الطلب نرزقكم ما يقيم أبدانكم ، كما يرزق الطير ما يقيم أبدانها بتهيئة الاسباب ، لكن أردفه بالغدو الذي هو الطلب.

[بحث في الآجال]

قال : والاجل هو : الوقت ، فأجل الدين هو الوقت الذي يحل فيه وأجل الموت هو الوقت الذي يحصل فيه.

أقول : انما بحث المتكلمون عن الاجل ، لانه من قسم الالطاف ، فان موت شخص في وقت قد يكون لطفا لغيره من المكلفين ، والاجل هو الوقت ، وأجل الدين هو وقت حلوله ، وأجل الحيوان هو الوقت الذي يحصل فيه موته.

وعرف المتكلمون الوقت بأنه الحادث ، أو ما يقدر تقدير الحادث بحيث يجعل علما لغيره ، كما يقال : جاء زيد عند طلوع الشمس ، فطلوع الشمس أمر معلوم حادث ، فجعل وقتا لغيره ، ولو فرض جهالة الطلوع وعلم مجيء زيد ، صح أن يقال : طلوع الشمس عند مجيء زيد.

وأما المقدر تقدير الحادث فكما في العدم المتجدد ، كما يقال ، جاء زيد عند انقطاع المطر ، فيجعل انقطاع المطر وقتا وان كان عدما لتجدده.

وفي هذا نظر : فان وقت كل شيء يجب وقوع ذلك الشيء فيه ، وليس قدوم زيد واقعا في طلوع الشمس ، بل واقع في زمان يدل عليه لفظة «عنده».

٢٩٠

والاجود أن يقال : وقت كل شيء هو المقدار من الزمان الذي يقع فيه ذلك الشيء ، والزمان مقدار حركة السماء.

[حكم أجل المقتول لو لم يقتل]

قال : واختلفوا في المقتول لو لم يقتل : فقيل انه كان يعيش قطعا ، لانه لو كان يموت قطعا لكان الذابح غنم غيره محسنا إليه. وقيل : انه كان يموت قطعا ، لانه لو كان يعيش قطعا لزم انقلاب علمه تعالى جهلا.

والوجهان ضعيفان : أما الاول فلان الاساءة حصلت باعتبار تفويت العوض على الله تعالى. وأمّا الثاني فلجواز كون علم الحياة مشروطا بعدم القتل.

اقول : لا خلاف في أن الحيوان الذي يموت حتف أنفه أنه يموت بأجله وانما الخلاف فيمن يموت بسبب كالمقتول :

فقال البغداديون من المعتزلة : انه لم يمت بأجله ، وأنه لو لم يقتل لعاش قطعا ، واحتجوا : بأنه لو لم يجب أن يعيش لكان من ذبح غنم غيره محسنا الى صاحبه ، واللازم باطل ، فانه يستحق الذمّ من العقلاء على ذلك ويغرم قيمتها.

وقال أبو الهذيل والاشاعرة : انه مات بأجله ، وأنه لو لم يقتل لوجب أن يموت واحتجوا : بأنه لو لم يجب أن يموت لزم انقلاب علمه تعالى جهلا ، واللازم باطل فكذا الملزوم ، بيان الملازمة : أنه لو علم أنه يعيش وبالقتل فاتت حياته ، فيلزم انقلاب علمه تعالى جهلا ، وأيضا يلزم أن يكون القاتل قد قطع أجله ، وهو باطل ، لان خلاف معلوم الله تعالى محال ، ولا قدرة على المحال.

٢٩١

وكلاهما ضعيف : أمّا الاول : فانه انّما يكون (١) محسنا باعتبار تفويته الاعواض الكثيرة ، فانه لو لا ذبحه لكان موتها من قبل الله تعالى ، فتتزايد أعواضه على أعواض الذبح.

وفيه نظر : فان العقلاء انما يذمونه على الذبح وتفويت الحياة ، ولهذا لو سئل الواحد منهم لقال ذلك. والاقرب في الجواب : أنا انما نحكم على ذابح الشاة بالظلم وندمه لتجويز حياتها ، وأيضا باعتبار اقدامه على مال الغير ، ولهذا يغرم القيمة.

واما الثاني : فلان المفهوم جاز أن يكون مشروطا ، وحينئذ لا يلزم انقلاب علمه تعالى جهلا.

وأما قوله «يلزم أن يكون قد قطع أجله» ان أراد بالاجل الوقت الذي علم الله تعالى أنه لو لم يقتل لعاش إليه ، فلا نسلم أنه يكون قاطعا لاجله ، وان أراد به الوقت الذي بطلت حياته فيه ، فالملازمة ممنوعة.

وقال البصريون من المعتزلة : أن أجل الحيوان مطلقا سواء كان بسبب أو بغير هو الوقت الذي يعلم الله أنه لو لم يقتل لبطلت حياته فيه ، وحينئذ يجوز أن يكون بطلان حياة المقتول أجلاه أن ذلك الوقت هو الوقت الذي علمه الله تعالى ، ويجوز أن لا يكون ان كان غيره ، وهو اختيار المحققين ، لعدم دليل قاطع بأحد الطرفين ، ولقوله تعالى (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ) (٢) أي يعيش من يريد القتل والمقتول لو لم يقتل ، والتنكير للحياة ينفى الوجوب لكل واحد.

__________________

(١) فى «ن» : انما لم يكن.

(٢) سورة البقرة : ١٧٩.

٢٩٢

[بحث في الاسعار]

قال : والسعر هو : تقدير البذل فيما يباع به الاشياء. وهو رخص وغلاء ، فالرخص هو السعر المنحط عما جرت به العادة مع اتحاد الوقت والمكان ، والغلاء هو ارتفاع السعر عما جرت به العادة في الوقت والمكان.

وكل واحد منهما : اما من قبل الله تعالى ، أو من قبل العبد. فان كان السبب من الله فهما من الله ، وان كان من العبد فهما منه.

اقول : السعر هو تقدير البذل فيما يباع به الاشياء ، وليس هو نفس البذل ، لان البذل هو الثمن والمثمن ، ولا شيء منهما بسعر. وهو قسمان : رخص وغلاء.

فالرخص : هو السعر المنحط عما جرت به العادة ، مع اتحاد الوقت والمكان.

والغلاء : هو السعر المرتفع عما جرت به العادة ، مع اتحاد الوقت والمكان.

وانما اعتبرنا اتحاد الوقت والمكان ، لانه لا يقال : ان الثلج قد رخص سعره في الشتاء عند نزول الثلج ، لانه ليس أوان بيعه ، ويجوز أن يقال : رخص في الصيف اذا نقص سعره عما جرت عادته به في ذلك الوقت ، ولا يقال : رخص سعره في الجبال التي يدوم نزوله عليها ، لانها ليس مكان بيعه ، ويجوز أن يقال : رخص سعره في البلاد التي اعتيد بيعه فيها.

واعلم أن كل واحد من الرخص والغلاء قد يكون من الله تعالى اذا كان السبب منه ، كما اذا قلل جنس المتاع المعين وكثر رغبات الناس إليه ، فيقع الغلاء لمصلحة المكلفين أجمع ، أو بأن يرسل الجراد ويحبس الغيث ابتلاء للخلق. واذا كثر المتاع المعين وقلل الرغبات ، فيقع الرخص تفضلا منه ،

٢٩٣

وقد يكون من قبلنا ، كما اذا حمل السلطان الناس على بيع المتاع [بسعر] غال ظلما منه ، أو الاحتكار ، أو منع الجلب خوف الظلم ، فيقع الغلاء. وقد يحمل السلطان الناس على البيع بسعر منحط ، فيحصل الرخص. وبالجملة متى علم فيه وجه قبح فهو منا خاصة.

٢٩٤

[مباحث النبوة]

[من هو النبي؟]

قال : الفصل العاشر ـ في النبوة : وفيه مباحث : الاول : النبي هو الانسان المخبر عن الله تعالى بغير واسطة أحد من البشر.

اقول : لما فرغ من [مباحث] التوحيد والعدل شرع في [بحث] النبوة وقدم البحث عن تعريف النبي ، وهو المسمى بمطلب «ما» أي ما النبي؟ اذا البحث عن الشيء مسبوق بتصوره أولا ، فنقول :

النبي لغة مأخوذ من الانباء وهو الاخبار ، أي مخبر عن الله تعالى. وقيل مأخوذ من النبوة وهي الارتفاع ، ومنه يقال : تنبأ فلان اذا ارتفع وعلا. وقيل النبي هو الطريق ، ويقال : للرسل أنبياء الله لكونهم طرق الهداية إليه.

واصطلاحا : هو الانسان المخبر عن الله تعالى بغير واسطة أحد من البشر. ف «الانسان المخبر» جنس شامل للنبي وغيره ، ويخرج به الملك لانه مخبر أيضا لكنه ليس بإنسان. وقولنا «المخبر عن الله تعالى» يخرج المخبر عن غيره وقولنا «بغير واسطة أحد من البشر» يخرج به الامام والعالم ، فانهما يخبران (١) عن الله تعالى بواسطة البشر ، أعني النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله).

__________________

(١) فى «ن» : مخبران.

٢٩٥

[بيان وجوب وجود النبي]

قال : والحكمة تدعو الى نصبه (١) ، بل هي واجبة ، خلافا للاشعرية. لان الاجتماع مظنة التنازع ، وانما يزول مفسدته بشريعة مستفادة من الله تعالى دون غيره ، لعدم الاولوية. وتلك الشريعة لا بدلها من رسول متميز عن بني نوعه بالمعجزة الظاهرة على يده.

ولان التكاليف السمعية واجبة ، لكونها ألطافا في العقليات. فانا نعلم أن المواظبة على فعل التكاليف السمعية تقرب الى فعل التكاليف العقلية ، واللطف واجب على ما تقدم. ولان العلم بالعقاب ودوامه ودوام الثواب من الامور السمعية ، فهي ألطاف في التكليف ، واللطف واجب.

أقول : لما فرغ من تعريف النبي شرع في بيان وجوب جود النبي ، المسمى بمطلب «هل» البسيطة ، أي هل النبي واجب في الحكمة؟ وغاية وجوده وهو المسمى بمطلب «لم» أي لم وجد النبي؟

أما المطلب الاول فنقول : ذهب أرباب الملل وأكثر الفلاسفة الى حسن بعثة الأنبياء ، خلافا للبراهمة من الهند ، فانهم منعوا من حسنها ، اذ ما يجيء به الرسول ان خالف العقل فهو مردود ، وان وافق العقل ففي العقل غنية عنه فلا وجه لحسنها ، وهو باطل. لجواز أن يقرر النبي ما اقتضاه العقل عاضدا له ويفصل ما اقتضاه اجمالا مبينا له ، فلا يحصل الغنية ، خصوصا مع اشتمالها على فوائد عظيمة يأتي.

وعلى تقدير حسنها هل هي واجبة في الحكمة؟ قالت المعتزلة والامامية نعم. ومنعت الاشاعرة من وجوبها بناء على أصلهم الفاسد.

__________________

(١) فى «ن» : بعثته.

٢٩٦

واستدل المصنف على وجوبها بطريقين :

الاول : طريقة الحكماء وتقريرها أن نقول : كلما كان صلاح النوع مطلوبا لله تعالى كانت الشريعة واجبة ، وكلما كانت الشريعة واجبة كانت البعثة واجبة فكلما كان صلاح النوع مطلوبا فالبعثة واجبة. أما بيان حقيقة المقدم من الشرطية الاولى فظاهرة.

وأما بيانها (١) : فلان الانسان مدني بالطبع ، بمعنى أنه لا يمكن أن يعيش وحده كغيره من الحيوانات ، وذلك لافتقاره في معاشه الى أمور كثيرة لا يتم نظام حاله الا بها ، كالمأكل والملبس والمسكن له ولمن يتعلق به ، وكان مما يتعذر عليه تحصيلها بجملتها ، والا لازدحم على الواحد كثيرا ، وكان مما يتعسران أمكن ، فاقتضى ذلك وجود جماعة يفزع كل واحد لصاحبه عن مهمه ، كالحداد يصنع للحطاب قدوما (٢) يقطع به الحطب والحطاب يأتيه بحطب يلين بسببه الحديد وتصنع منه الآلات ليستعملها الزراعون وغيرهم ، وكذا في باقي المنافع.

ثم ان الاجتماع مظنة النزاع ، لان التغلب موجود في الطباع ، لان كل أحد يرى العمل بمقتضى شهوته وارادته دون الاخر ، ويرى حفظ ماله واستيلاؤه عليه وبطلان حق غيره عليه ، ويغضب على من يزاحمه ، فتدعونه (٣) شهوته وغضبه الى المنازعة ، فيقع الهرج والمرج وهلاك النوع وفساده ، ومنشأ ذلك كله من خلوهم من معاملة وعدل ، وأمور يتفق (٤) عليها بينهم ، بحيث يرجعون إليها عند منازعتهم ومجاذبتهم ، فيجب وجود تلك المعاملة والعدل. ثم ان

__________________

(١) فى «ن» : وأما ثانيها.

(٢) القدوم جمع قدم وقدائم : آله للنحت والنجر.

(٣) فى «ن» : فتدعوه.

(٤) فى «ن» : متفق.

٢٩٧

المعاملة والعدل لا يتناولان الجزئيات الغير المحصورة ، الا اذا كان لها قوانين كلية وهي الشرع. فاذن لا بد من شريعة.

وأما بيان الشرطية الثانية ، وهي كبرى هذا الدليل فنقول : تلك الشريعة لا يجوز أن يكون تقريرها موكولا الى أفراد النوع ، والا لحصل النزاع أيضا في كيفية تقرير تلك القوانين وضبطها ، وأيضا ليس بعض الافراد بكونها موكولة إليه أولى من البعض ، فيجب (١) أن تكون متلقاة من القدير الخبير ، ولما كان مما يمتنع مشافهته ومخاطبته وجب وجود واسطة بينه وبين خلقه في تبليغ شرعه وهو النبي ، فتجب بعثة النبي ، ويجب أن يكون ممتازا باستحقاق الطاعة من باقي أفراد نوعه ، وليكون له طريق الى انقيادهم لامره ونهيه ، وذلك الامتياز يحصل باختصاصه بآيات تدل على أنها من عند ربه ، وهي المعجزات. وهي : اما قولية هي بالخواص أنسب [وهم لها أطوع] ، أو فعلية هي للعوام أنفع وهم لها بالانتفاع أبلغ ، وان كان كل من النوعين رحمة لكل فرد من أفراد القسمين بمضمون (ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) (٢).

الثاني : طريقة المتكلمين وهي من وجهين :

الاول : ان وجبت التكاليف السمعية وجبت البعثة ، لكن المقدم حق فالتالي مثله ، أما حقيقة المقدم : فلان التكاليف السمعية ألطاف في التكاليف العقلية ، أي مقربة إليها. فانا نعلم ضرورة أن الانسان اذا واظب على فعل الصلاة والصوم مثلا ، دعاه ذلك الى العلم بالله تعالى وصفاته ، ليعلم (٣) أن العبادة هل هي لائقة به أم لا. وكل لطف واجب كما تقدم.

__________________

(١) فى «ن» : فوجب.

(٢) سورة الأنبياء : ١٠٧.

(٣) فى «ن» : ويعلم.

٢٩٨

وأما الملازمة : أي اذا وجبت التكاليف السمعية وجبت البعثة ، فلانها انما تعلم من جهة الرسول ، فيكون العلم بها متوقفا على البعثة ، وكل ما يتوقف عليه الواجب فهو واجب ، فالبعثة واجبة.

ان قلت : معرفة الله تعالى متقدمة على ثبوت الرسالة المتقدمة على التكليف السمعي ، فلا يكون التكليف السمعي لطفا فيها ، والا لزم تقدم الشيء على نفسه بمراتب.

قلت : المتقدم فيما ذكرتم هو العلم بوجود الرسل والملطوف فيه هو العلم بصفاته الكمالية والجلالية ، وأحدها (١) غير الاخر فلا يلزم الدور ، سلمنا لكن المعرفة متقدمة طبعا ، ولا يلزم من وجوبها جواز (٢) أن يكون مقلدا في المعارف العقلية مواظبا على التكاليف السمعية ، فتؤديه تلك المواظبة الى العلم بالمعارف العقلية.

سلمنا لكن نقول : ان مرادنا بالتكليف السمعي هو ما أمر به النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، وبالتكليف العقلي هو ما أمر به العقل. فقولنا «التكليف السمعي لطف» معناه : أن أمر الرسول لطف في ايقاع ما أمر به العقل ، لان الرسول اذا أمر بما أمر به العقل كرد الوديعة وشكر المنعم ، يكون ذلك مكلفا به سمعا وعقلا ، وأمر الرسول يكون مقربا الى الطاعة فيكون لطفا.

سلمنا لكن العلم بالواجبات العقلية وان كان متقدما بالطبع على الواجبات السمعية ، لكن نمنع تقدمه عليها في الوجود الخارجي مطلقا ، وذلك لان العقل لانغماره في الملابس البدنية والامور الطبيعية قد لا يتنبه لتلك المعارف ولا يهتدي

__________________

(١) فى «ن» : وأحدهما.

(٢) فى «ن» : ولا يلزم منه وجوبها لجواز الخ.

٢٩٩

لوجهها (١) ، ومع أمر الرسول له بها وايجابه اياها عليه ينتبه بها ، ويقرب من تحصيل طرقها ، فتكون أمر النبي لطفا في تلك الواجبات ، فتكون بعثته واجبة.

الثاني : أن العلم بالثواب ودوامه ، والعلم بالعقاب ودوامه لطفان في ايقاع الطاعة وارتفاع المعصية ، وكل لطف واجب. أما الصغرى فلما يجيء ، وأما الكبرى فقد تقدمت ، فيكون العلم بالثواب والعقاب ودوامهما واجبان ، وانما يحصل ذلك من البعثة ، فتكون البعثة واجبة ، لان ما لا يتم الواجب الا به فهو واجب.

وفي هذا نظر : فان المصنف قد حكم في باب الوعيد بان العلم بدوام الثواب والعقاب عقلي ، وحينئذ لا يتم الاستدلال بهذا الوجه.

وأما المطلب الثاني فقد ظهر بيانه في ضمن هذه الادلة ، من كونه يتم به نظام النوع [المذكور] ، أو كونه لطفا في السمعيات.

[وجوب عصمة النبي]

قال : البحث الثاني ـ في وجوب العصمة : لو لم يكن معصوما لزم نقض الغرض ، والتالي باطل ، فالمقدم مثله.

بيان الشرطية : أنه اذا فعل المعصية فاما أن يتبع ، وهو قبيح لا يقع التكليف به ، واما أن لا يتبع (٢) فينتفي فائدة البعثة وهو وجوب اتباعه. ولانه مع وقوع المعصية منه يجب الانكار عليه ويسقط محله من القلوب ، فلا يصار الى ما يأمر به وينهى عنه. ولجاز أن لا يؤدي بعض ما أمر بأدائه ، فيرتفع الوثوق ببقاء الشرع لجواز نسخه.

أقول : لما فرغ من الاستدلال على وجوب البعثة ، شرع في بيان [اثبات]

__________________

(١) في «ن» : لوجوهها.

(٢) لم تثبت في المطبوع من المتن.

٣٠٠