ارشاد الطالبين الى نهج المسترشدين

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي

ارشاد الطالبين الى نهج المسترشدين

المؤلف:

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٦

الذِّكْرَ) (١) الى غير ذلك ، والقرآن كلام الله تعالى بالاجماع ، فيكون حادثا.

[كون خبره تعالى كله صدق]

قال : البحث الخامس ـ في أن خبر الله تعالى صدق : لان الكذب قبيح والله تعالى لا يفعل القبيح.

والمقدمة الاولى ضرورية ، والثانية يأتي بيانها.

ولان تطرق الكذب في خبره تعالى يستلزم ارتفاع الامان (٢) بوعده ووعيده فتنتفي فائدة التكليف والبعثة.

أقول : الصدق هو الخبر المطابق للواقع ، والكذب بخلافه ، وخبر الله تعالى كله صدق لوجهين :

الاول : لو لم يكن صدقا لكان كذبا وهو ظاهر ، والكذب قبيح ولا شيء من القبيح يجوز عليه تعالى ، وسيأتي بيان المقدمتين معا في باب العدل.

الثاني : لو جاز عليه الكذب في الاخبار ، لزم ارتفاع الامان بوعده ووعيده فتنتفي فائدة التكليف والبعثة ، لان فايدتهما التعريض للمنافع العظيمة والاذعان بوقوعهما ، وهو لا يحصل مع هذا التجويز.

[كون صفاته تعالى أزلية]

قال : البحث السادس ـ فى أن هذه الصفات أزلية : لانها لو تجددت له لزم التسلسل ، اذ القدرة المتجددة تستلزم تقدم قدرة ، و [كذا] العلم المتجدد يستدعي مسبوقية العلم.

__________________

(١) سورة الحجر : ٩.

(٢) فى المطبوع من المتن : الايمان عن وعده ووعيده.

٢٢١

اقول : مع تحقق كون صفاته عين ذاته في الخارج لا يتخيل (١) كونها غير أزلية ، لما ثبت من أزلية ذاته ، لكن المصنف (رحمه‌الله) أكد ذلك بما تقريره : انها لو لم تكن أزلية لكانت متجددة حادثة ، وكل حادث لا بد له من محدث مختار فتستدعي ذلك تقدم قدرة وعلم ، وننقل الكلام ونقول كما قلنا في الاول ، ويلزم التسلسل ، وهو محال. وما لزم من فرضه المحال فهو محال ، فكونها غير أزلية محال ، فتكون أزلية ، وهو المطلوب.

[كون صفاته تعالى زائدة على ذاته في التعقل]

قال : وهي زائدة على ذاته في التعقل ، لا في الخارج :

أما الاول فبالضرورة ، فانا بعد العلم بذاته تعالى نفتقر الى أدلة على ثبوت الصفات له.

وأمّا الثاني فلانها لو كانت قديمة لزم تعدد القدماء ، وهو محال على ما مرّ.

وان كانت محدثة كان محلا للحوادث ، واستلزم التسلسل.

أقول : اعلم أن ذاته تعالى اذا قيست الى الامور الخارجية ، كالمقدور والمعلوم والمراد وأمثال ذلك ، فلا شك في حصول أمر زائد على الذات ، لكن في الذهن لا في الخارج.

أما الاول فلانه لو لا ذلك لكان كلما حصل العلم بالذات ـ ولو بوجه ما ـ يحصل العلم بالصفات ، واللازم باطل فالملزوم مثله. أما الملازمة فظاهرة ، وأما بطلان اللازم فلانّا نفتقر بعد حصول العلم بذاته تعالى الى أدلة متعددة بحسب صفاته المتعددة.

__________________

(١) فى «ن» : يستحيل.

٢٢٢

وأما الثاني فلانها لو كانت زائدة في الخارج لكانت اما قديمة أو حادثة ، وكلاهما محال ، أما الاول فلانه يلزم منه تعدد القدماء ، وهو باطل لما تقدم ، ولان القول بقدم غيره تعالى كفر بالاجماع ، ولهذا كفرت النصارى بقولهم بقدم الاقانيم ، والى هذا المعنى أشار ولي الله بقوله : فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه ، ومن قرنه فقد ثناه ومن ثناه فقد جزاه.

وأما الثاني فلانه يلزم منه فسادان : الاول : كونه محلا للحوادث ، وهو باطل كما يجيء. الثاني التسلسل كما قررناه.

[كونه تعالى لا مثل له]

قال : الفصل السابع ـ فيما يستحيل عليه تعالى : وفيه مباحث : الاول ـ في استحالة مماثلته تعالى لغيره : (١) ذهب أبو هاشم الى أنه تعالى يساوي غيره من الذوات ويخالفها بحالة توجب أحوالا أربعة : الحيية ، والعالمية ، والقادرية ، والموجودية.

والحق خلافه ، فان الذوات المتساوية تتساوي في اللوازم ، فيجب القدم على الحوادث والحدوث على الله تعالى ، وهما باطلان. ولان اختصاصه تعالى بما يوجب المخالفة دون غيره ترجيح من غيره مرجح.

أقول : لما فرغ من الصفات الثبوتية ، أعني صفات الكمال وأحكامها ، شرع في التنزيهات. فبدأ بكونه تعالى مخالفا لغيره من الذوات لنفس ماهيته ، وأنه لا مثل له ، وهو مذهب الفلاسفة والاشاعرة ، خلافا لاكثر المعتزلة فانهم ذهبوا الى أن ذاته تعالى مماثلة لغيرها من الذوات ، بناء منهم على أن جميع الذوات متساوية في الذاتية ، لان المفهوم من الذوات عندهم هو ما صحّ أن

__________________

(١) فى المطبوع من المتن : مماثلته لغيره تعالى.

٢٢٣

يعلم ويخبر عنه ، وجميع الذوات مشتركة في هذا المعنى ، فيكون متساوية.

ثم اختلفوا فيما به تتميز ذاته عن باقي الذوات : فعند بعضهم أنها تمتاز بنفس ماهيتها. وعند بعضهم أنها تمتاز بوجوب الوجود والقدرة والعلم التام الى غير ذلك.

وتفرد أبو هاشم ومن تبعه بأن جعل الله تعالى حالا تسمى «الالهية» بها تمتاز عن باقي الذوات ، وتلك الحالة توجب له أحوالا أربعة : هي الموجودية والقادرية والعالمية والحيية.

والحق خلافه ، واستدل المصنف عليه بوجهين : الاول : أن الذوات المتساوية تتساوي في اللوازم ، بمعنى أن كل ما كان لازما لهذه الذات يكون لازما لتلك الذات ، والا لما كانتا متساويتين في الماهية ، هذا خلف. وحينئذ نقول : لو كان الله تعالى مماثلا لغيره من الذوات لصحّ عليه الحدوث ، لانه من جملة لوازم تلك الذوات ، ويصح على تلك الذوات القدم ، لانه من لوازم ذاته ، فيلزم حدوث الله تعالى وقدم الحادث ، وهو محال لازم من مساواته لغيره ، فلا يكون مساويا ، وهو المطلوب.

الثاني : أن اختصاص ذاته تعالى بما يوجب المخالفة كما ذكروه ، اما أن يكون لامر أولا ، فمن الاول يلزم التسلسل ، لانا ننقل الكلام الى ذلك الامر ، ونقول : اختصاصه به اما أن يكون لامر الخ. ومن الثاني يلزم ترجيح أحد الطرفين الجائزين على الاخر لا لسبب ، وهو محال.

[استحالة التركب في ذاته تعالى]

قال : البحث الثاني ـ في أنه تعالى يستحيل أن يكون مركبا : لان كل مركب مفتقر الى جزئه ، والجزء مغاير للكل. فيكون ممكنا ، ويستحيل أن يتركب

٢٢٤

عنه غيره ، لاستحالة انفعاله عن الغير ، فلا جزء له ، فلا جنس له ولا فصل له ، فلا حدّ له.

ولا يكون واجبا لذاته ولغيره معا ، لان وجوبه بذاته يستدعي استغناؤه عن غيره ، ووجوبه لغيره يستدعي افتقاره إليه ، فيكون واجبا مفتقرا معا وهو محال.

أقول : هذا البحث فيه مسائل :

الاولى : أنه ليس بمركب بوجه ما من الوجوه ، سواء كان التركيب خارجيا كالاجسام المركبة من الجواهر الافراد ، أو ذهنيا كتركيب الماهية من الجنس والفصل ، فان الجنس انما يتميز عن الفصل في الذهن ، أما في الخارج فهما واحد ، اذ ليس في الخارج حيوان مطلق [و] ناطق مطلق ، وانضم منهما معنى ثالث هو الانسان ، بل وجود الانسان هو وجود الحيوان الذي ذلك الحيوان هو الناطق.

فكل مركب يلتم من عدة أمور ، ويكون وجوده انما يتم بوجود تلك الامور ، فوجود الجزء سابق على وجود الكل خارجا وذهنا ، لمطابقة الذهن الخارج.

اذا تقرر هذا فنقول : لو كان تعالى مركبا لكان مفتقرا الى جزئه وجزؤه غيره ، فيكون مفتقرا الى غيره ، فيكون ممكنا ، هذا خلف.

الثانية : أنه يستحيل أن يتركب عنه غيره ، بمعنى أن يكون هو جزء من غيره ، والدليل على ذلك أنه لو كان جزءا من غيره لكان منضما الى الغير ، قابلا معه للصورة الاجتماعية الحاصلة لهما ، فيكون منفعلا ، والانفعال عليه تعالى محال.

الثالثة : انه لا جنس له ولا فصل له ، لانه تقرر أنه غير مركب ، واذا لم يكن مركبا لم يكن له جزء ، واذا لم يكن له جزء لم يكن له جنس ولا فصل ، لانهما

٢٢٥

جزءان ، وانتفاء الاعم مستلزم لانتفاء الاخص ، واذا لم يكن جنس ولا فصل لم يكن له حدّ ، لان الحدّ مركب منهما.

الرابعة : أنه يستحيل أن يكون له تعالى وجوبان : أحدهما بالذات والاخر بالغير بمعنى أن يكون واجبا بذاته وبغيره ، لانه لو كان كذلك لكان مستغنيا مفتقرا معا وهو محال ، وذلك لان وجوب وجوده بذاته يقتضي استغناؤه عن الغير ، ووجوبه بغيره يقتضي افتقاره بغيره ، فيكون مستغنيا مفتقرا معا ، وهو محال.

[استحالة التحيز للبارى تعالى]

قال : البحث الثالث ـ في أنه تعالى يستحيل أن يكون متحيزا : لان كل متحيز لا يخلو عن الحركة والسكون ، وقد بيّنا حدوثهما ، فيكون حادثا ، وواجب الوجود لا يكون حادثا ، فلا يكون متحيزا. ولانه يستلزم قدم الحيز ، ولا قديم سواه تعالى.

وكما يستحيل أن يكون متحيزا فكذا يستحيل أن يكون قائما به ، لافتقار القائم بالمتحيز الى غيره ، وكل مفتقر ممكن ، وواجب الوجود ليس بممكن.

ويستحيل أن يكون حالا في غيره ، لان كل حال فهو مفتقر الى محله ولو في تعينه ، وواجب الوجود ليس بمفتقر.

أقول : في هذا البحث أيضا مسائل :

الاولى : أنه يستحيل أن يكون متحيزا ، خلافا للمشبهة. والمراد بالمتحيز الحاصل في الحيز وهو الجسم ، والجواهر الافراد عند المتكلمين ، والدليل على ذلك وجهان :

الاول : أن الواجب ليس بمحدث ، وكل متحيز محدث ينتج أن الواجب

٢٢٦

ليس بمتحيز ، وهو المطلوب. أما الصغرى فقد تقدمت ، وأما الكبرى فلان كل متحيز اما متحرك أو ساكن ، والحركة والسكون حادثان لما تقدم ، وما لا يخلو من الحادث (١) حادث ، وقد تقدم بيانه أيضا ، فكل متحيز محدث.

الثاني : أنه لو كان متحيزا لكان الحيز قديم ، وهو محال ، اذ لا قديم سواه. بيان الملازمة : أنه لو كان متحيزا لما انفك من الحيز ، لان صفاته ذاتية يستحيل انفكاكها عنه ، فيكون حيزه قديما كقدمه.

الثانية : أنه يستحيل أن يكون قائما بالمتحيز ، والقائم بالمتحيز عند المتكلمين هو العرض ، وعند الحكماء هو المادة والصورة والعرض. والدليل على ما قلناه هو أنه لو كان قائما بالمتحيز لكان مفتقرا إليه ، وكل مفتقر الى الغير ممكن ، فلو كان قائما بالمتحيز لكان ممكنا ، هذا خلف.

الثالثة : أنه تعالى يستحيل أن يكون حالا في غيره ، والمراد بالحلول هو قيام موجود بموجود آخر على سبيل التبعية ، بحيث يمتنع قيام الحال بدون المحل ، كالسواد القائم بالجسم ، فانه يمتنع قيامه بدون الجسم ، ولا شك في استحالة الحلول عليه تعالى بهذا المعنى ، والا لكان مفتقرا الى الغير ، وكل مفتقر ممكن ، فيكون ممكنا.

وخالف في ذلك جميع من النصارى حيث قالوا : أنه حل في المسيح عليه‌السلام ، وجمع من المتصوفة حيث قالوا : انه حل في قلوب العارفين ، فان أرادوا ما ذكرناه فهو باطل ، والا فهو غير معقول.

[كونه تعالى ليس في جهة من الجهات]

قال : البحث الرابع ـ في أنه تعالى ليس في جهة خلافا للكرامية : لانه ليس بمتحيز ولا حال في المتحيز ، وكل ما هو في جهة فهو أحدهما بالضرورة.

ولانه لو كان في جهة لم ينفك عن الحركة والسكون الحادثين ، وكل ما لا

__________________

(١) فى «ن» : الحوادث.

٢٢٧

ينفك عن (١) الحوادث فهو حادث.

أقول : من صفاته السلبية كونه تعالى ليس في جهة [من الجهات] ، خلافا للكرامية ، وهم أصحاب [أبي] عبد الله بن الكرام ، فانهم ذهبوا الى أن الله تعالى في جهة فوق ، فاختلفوا : فقال محمد بن الهيضم : أنه في جهة فوق العرش لا نهاية لها ، والبعد بينه وبين العرش أيضا غير متناه.

وقال بعض أصحابه : أن البعد بينهما متناه. وكلهم نفوا عنه باقي الجهات الخمس ، والباقون من أصحاب محمد قالوا انه على العرش ، كما قاله سائر المجسمة ، وبعضهم زعم أنه تعالى على صورة له مجيء وذهاب.

والدليل على بطلان مذهبهم وجهان :

الاول : أن الواجب تعالى ليس متحيزا ولا حالا في المتحيز ، وكل ما في الجهة متحيزا أو حال في المتحيز ، ينتج أن الواجب تعالى ليس في جهة. أما الصغرى فقد تقدم بيانها ، وأما الكبرى فمعلومة بالضرورة.

الثاني : ان الواجب تعالى ليس بحادث ، وكل ما في الجهة ، حادث ، ينتج أن الواجب ليس في جهة. أما الصغرى فظاهرة ، وأما الكبرى فلان كل ما في الجهة اما متحرك أو ساكن ، وهو ظاهر ، والحركة والسكون حادثان لما تقدم ، وكلما لا يخلو من الحوادث فهو حادث ، فكل ما في الجهة حادث.

[كونه تعالى ليس في مكان]

قال : وليس في مكان ، والا لكان مفتقرا إليه. ولان مكانه ان ساوى سائر الامكنة كان اختصاصه به تعالى مفتقرا الى مخصص ، وان خالفها كان موجودا (٢) لاستحالة الامتياز في العدمات ، فان كان حادثا لزم اما حدوثه تعالى أو حدوث

__________________

(١) فى المطبوع من المتن : الحادث.

(٢) فى المطبوع من المتن : والا لكان مخالفا لها ، فيكون موجودا.

٢٢٨

الحاجة الى المكان ، وهما باطلان.

أقول : من صفاته السلبية كونه ليس في مكان ، خلافا للمشبهة.

واعلم أن نفي الجسمية عنه مستلزم لنفي الجهة والمكان ، لانهما لا يعقلان الّا للاجسام ، فلا وجه لاعادة البحث فيهما ، لكن ذكر عن بعض المتكلمين تجويز كون المجرد في جهة ومكان ، فاستدعى ذلك ايرادهما.

اذا عرفت هذا فنقول : يدل على نفي المكان عنه تعالى وجهان :

الاول : لو كان تعالى في مكان لكان مفتقرا إليه ، واللازم باطل فالملزوم مثله ، بيان الملازمة : أن كل ما هو في المكان فانه لا ينفك عن حجم وشكل ومقدار ، وكلما كان كذلك استحال انفكاكه عن المكان ، فيكون مفتقرا الى المكان. وأما بطلان اللازم فلان المكان غيره ، وكل مفتقر الى الغير ممكن ، فلو كان في المكان لكان ممكنا ، هذا خلف (١).

الثاني : لو كان تعالى في مكان لكان مكانه : اما مساويا لسائر الامكنة أو مخالفا لها ، والقسمان باطلان :

أما الاول فلانه يستدعي مخصصا يخصصه بذلك المكان دون غيره ، فيلزم أن يكون محدثا ، لان كلما هو فعل المختار فهو محدث ، فيكون كونه في المكان محدثا ، هذا خلف.

وأما الثاني فلانه اذا كان مخالفا يجب أن يكون موجودا ، لاستحالة الامتياز في العدمات ، وحينئذ اما أن يكون قديما أو حادثا ، فان كان قديما لزم تعدّد القدماء ، وان كان حادثا فاما أن يمكن وجود الباري تعالى بدونه أولا ، فان أمكن كان احتياجه إليه تعالى حادثا ، لان الباري قديم والمكان ليس بقديم ، فليس في الازل مكان ، فكان مستغنيا ، فمع وجود المكان حدثت الحاجة ، والاحتياج صفة له ، فيكون محلا للحوادث ، وان لم يمكن يكون تعالى حادثا ، هذا خلف.

__________________

(١) الخلف لغة : القول الردى ، وعند المنطقيين هو اثبات الشيء بابطال نقيضه «منه».

٢٢٩

وفي هذا الدليل نظر : أما أولا فلانا نختار كونه مساويا ، قلتم : يفتقر الى مخصص ، قلنا : ممنوع ، لجواز أن يكون المقتضي لحصوله فيه ذاته تعالى بالاختيار ، وحينئذ لا يفتقر الى مخصص آخر يزيد على ذلك ، كما قالوا في اختيار أحد المتساويين على الاخر.

وأما ثانيا فلانا نمنع عدم الامتياز في العدمات ، فان عدم الشرط وعدم العلة يمتاز كل واحد منهما عن غيره من العدمات ، لاقتضائهما عدم المشروط وعدم المعلول دون غيرهما. والاقوى الاعتماد على الاول.

[رد أدلة الكرامية والمشبهة]

قال : والظواهر السمعية الدالة على خلاف ذلك متأولة ، لان النقل والعقل اذا تقابلا لم يمكن اهمالهما ولا العمل بهما ، ولا العمل بالنقل واهمال العقل ، لان ترك الاصل لاجل الفرع يقتضي بطلانهما معا ، والعقل أصل للنقل ، فلم يبق الا العمل بالعقل وتأويل النقل.

أقول : هذه اشارة الى ما يحتج به الكرامية والمشبهة على مدعاهما وتقريره : أن النقل القرآني دل على كونه في المكان والجهة ، فيكون كذلك. أما المقدمة الاولى فلقوله تعالى (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) (١) و (يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) (٢) (يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ) (٣) (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) (٤) (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ) (٥) الى غير ذلك

__________________

(١) سورة طه : ٥.

(٢) سورة الفتح : ١٠.

(٣) سورة النحل : ٥٠.

(٤) سورة فاطر : ١٠.

(٥) سورة المعارج : ٤.

٢٣٠

من الآيات. وأما المقدمة الثانية فالاجماع على صدقه ووجوب العمل بمقتضى دلالته.

والجواب : ان ما ذكرتموه مناف للدلائل العقلية ، وكلما كان كذلك يجب تأويله.

أما الاولى فظاهر لما بينا من البراهين الدالة على استحالة الجسمية ولواحقها عليه تعالى.

وأما الثانية فلان النقلي والعقلي اذا تعارضا اما أن يعمل بهما ، وهو جمع بين النقيضين. أولا يعمل بهما ، وهو رفع للنقيضين ، أو يعمل بأحدهما ويطرح الاخر ، فلا جائز أن يعمل بالنقلي ويطرح العقلي ، لاستلزامه اطراح النقلي ، لان النقلي فرع العقلي ، لانه ما لم يثبت صدق المنقول عنه عقلا لم يكن ثم طريق الى تصديقه ، وحيث قد اطرح أصله لزم اطراحه بطريق الاولى ، فبقي أن يعمل بالعقلي ويؤول النقلى كما هو رأي أكثر المتكلمين.

أو تفويض علمه الى الله ، كما هو رأي أكثر السلف ، وحينئذ يجب تأويل الآيات المذكورة على وجه لا ينافي الدلالة العقلية ، وبيان ذلك مذكور في المطولات.

[استحالة قيام الحوادث بذاته تعالى]

قال : البحث الخامس ـ في استحالة قيام الحوادث بذاته تعالى : لان الانفعال ممتنع عليه ، فيمتنع عليه التغير ، فلا يمكن اتصافه بالحوادث. ولان علة هذا الحادث ان كان هو الله تعالى على سبيل الايجاب لزم قدمه ، وان كان على سبيل الاختيار لزم وجوده قبل وجوده ، لانه لا بد وأن يكون من صفات الكمال وان كان غير الله تعالى كان واجب الوجود مفتقرا الى الغير هذا خلف.

٢٣١

أقول : اختلف الناس في هذا المقام ، أعني اتصافه تعالى بالحوادث ، فجوّزه الكرامية على الاطلاق ، ومنع منه الاشاعرة والفلاسفة والامامية على الاطلاق ، وأما المعتزلة فقد فصلوا فقالوا : يمتنع قيام الحوادث بذاته اذا كانت ذواتا ، ويجوز اذا كانت صفات متجددة ، ولا يطلقون عليها اسم الحادث كالمريدية والكارهية. وأبو الحسين البصري جوّز قيام الاحكام المتجددة بذاته تعالى كالامور النسبية.

واستدل المصنف على الامتناع مطلقا بوجهين :

الاول : أنه لو قام بذاته شيء من الحوادث للزم تغيره ، واللازم باطل فالملزوم مثله.

بيان الملازمة : أن التغير عبارة عن الانتقال من حالة الى أخرى ، فعلى تقدير حدوث ذلك الامر القائم بذاته يحصل في ذاته شيء لم يكن من قبل ، فيحصل الانتقال من حالة الى أخرى ، فقد بانت الملازمة.

وأما بطلان اللازم : فلان التغير مستلزم للانفعال أي التأثر ، وهو محال ، لان المنفعل عن الشيء مستعد لما يحصل له فيه من التأثير ، والا لما حصل له ، والاستعداد يقتضي أن يكون ذلك الشيء له بالقوة ، وذلك من صفات الماديات والله تعالى ليس ماديا ، فلا يكون منفعلا ، فلا يكون متغيرا ، فلا يكون محلا للحوادث.

الثاني : أن كل حادث لا بد له من علة ، فعلة ذلك الحادث القائم بذاته تعالى اما أن يكون هو الله أو غيره ، والقسمان محالان ، أما الاول فلان تأثيره فيه اما على سبيل الايجاب أو الاختيار ، فان كان الاول لزم قدمه ، لقدم موجبه وقد فرض حادثا ، هذا خلف. وان كان الثاني لزم وجوده قبل وجوده ، لان ذلك الحادث يجب أن يكون من صفات الكمال ، لاستحالة اتصافه تعالى بالنقائض وصفات

٢٣٢

الكمال ناشئة عن ذاته ، فتكون موجودة معها ، فيكون ذلك القائم موجودا أزلا لازلية الذات ، لكنه فرض حادثا ، فلا يكون موجودا أزلا ، فيكون موجودا قبل وجوده ، هذا خلف. وأما الثاني فلاستلزامه افتقاره تعالى الى الغير ، فلا يكون واجبا ، هذا خلف.

[استحالة قيام اللذة والالم بذاته تعالى]

قال : ويستحيل قيام اللذة والالم بذاته تعالى : أما الالم فلانه ادراك المنافي ولا منافي له تعالى. وأما اللذة فلانها لو كانت قديمة لزم وجود الملتذ به قبل وجوده ، لقدم القدرة والداعي. وان كانت حادثة كانت محلا للحوادث ، وهو محال ، وللاجماع.

أقول : نذكر في هذا الباب حاصل ما ذكره المتكلمون ، ثم ما ذكره الفلاسفة ثم تقرير كلام المصنف.

أمّا الاول فنقول : ذهب المتكلمون ـ الّا القليل منهم ـ الى استحالة اتصافه تعالى بهذين الوصفين ، أما أولا فلامتناع معناهما في حقه تعالى ، وذلك لانهم فسروا الالم بأنه حالة حاصلة عن تغير المزاج الى الفساد ، واللذة بأنها حالة حاصلة عن تغير المزاج الى الاعتدال ، وتلك الحالة منهم من حكم بأنها غنية عن التعريف لكونها وجدانية.

ومنهم من فسرها بانها ادراك متعلق الشهوة في اللذة ، وادراك متعلق النفرة في الالم ، وهو قول جمهور المعتزلة ، وانكروا كونهما غير مزاجيين ، وحيث أن الباري تعالى منزه عن المزاج ، فهو منزه عن توابعه. وأما ثانيا فلعدم الاذن الشرعي في ذلك.

وأما الثاني فنقول : البحث هنا يتوقف على مقدمات :

٢٣٣

الاولى : فسر الشيخ في الاشارات اللذة : بأنها ادراك ونيل لما هو خير وكمال من حيث هو خير وكمال بالنسبة الى المدرك والنائل. والالم : بأنه ادراك ونيل لما هو شر وآفة من حيث هو شر وآفة بالنسبة الى المدرك والنائل فشرط مع الادراك النيل ، لان الادراك من دون النيل لا يكون لذة أيضا ، كمن أدرك صورة شخصية (١) ولم ينلها. والنيل وحده لا يكون لذة أيضا ، كمن نال محبوبه ولم يشعر به ، وقيده بالحيثية لجواز أن يكون للمدرك جهتان : احداهما خير وكمال دون الاخرى ، فادراك غير جهة الخير ليس لذة وبالعكس.

الثانية : كل قوة من القوى الجسمانية الظاهرة والباطنة لها كمال يخصها ولذة هي ادراكها لذلك الكمال ، فان لذة الغضب الظفر ، ولذة الوهم الرجاء ولذة الحفظ التذكر للامور الموافقة الماضية ، ولذة الشهوة أن تتأدى إليها الكيفية المحسوسة الملائمة ، ولذة البصر ادراك الصورة المحبوبة المستحسنة ولذة السمع ادراكه للصوت الطيب ، ولذة الشم ادراك الرائحة الطيبة والذوق الطعم الملائم.

وحيث أن الحال كذلك ، فالقوة العاقلة لها كمال ولذة هي ادراكها للمعقولات الكلية ، وانكار ذلك مكابرة ، فان العلماء الراسخين في لجّة التحقيق لهم لذّات لا يختارون اللذات الحسية بأجمعها على أقل مسألة من مسائلها.

الثالثة : أن هذه القوى المذكورة مشتركة في [أن] ادراكها لملائمها لذّة ، الا أنها متباينة باعتبار آخر ، وهو أن كلما كان كماله أفضل وأتم وأكثر ، أو أدوم ، أو أوصل إليه وأحصل له ، أو أنه في نفسه أكمل فعلا وأفضل ، أو أشد

__________________

(١) فى «ن» : مستحسنة.

٢٣٤

ادراكا فان (١) لذته أبلغ وأوفر ، ولا ريب أن ادراك القوة العقلية للمعقولات أتم من ادراك الحس للمحسوسات ، لان القوة العقلية تصل الى كنه المعقول ، وتفضله الى أجزائه وذاتياته ، وتتحد به وتصير هي هو على وجه ، والحس انما يدرك ظاهر الاشياء من السطوح والاعراض ، فلا جرم تكون اللذة العقلية أعظم وأبلغ من الحسية.

الرابعة : أن كمال كل شيء وجماله هو أن يكون على ما يجب له بالنسبة الى ذاته ، وأن واجب الوجود لكونه مبدأ لكل كمال ، وسبب كل بهاء وجمال له الكمال الاكمل والبهاء الاجمل ، وأن كل بهاء وجمال وكمال وخير مدرك ، فهو محبوب ومعشوق.

واذا تقررت هذه المقدمات ظهر أن واجب الوجود الذي هو في غاية الكمال والجمال والبهاء ، الذي يعقل ذاته على تلك الغاية من الكمال بأتم تعقل تكون لذاته أعظم عاشق لمعشوق ، وأبلغ لاذ للملتذ ، لكونه أعظم مدرك لاجل مدرك بأتم ادراك.

وأما الثالث : فاعلم أن المصنف (رحمه‌الله تعالى) قال : انه يستحيل عليه الالم واللذة مطلقا ، واستدل على ذلك : أما الالم فلانه ادراك المنافي ولا منافي له تعالى ، لان جميع ما عداه لوازم ومعلولات له ، فتكون واجبة الاجتماع معه ، فلا تكون منافية.

قيل : فيه نظر من وجهين : الاول : ان من جملة ما عداه الممتنعات ، وليس معلولة ولا لازمة له. الثاني : انه مدرك للمعدوم ، أي عالم به ، والعدم مناف له ، فيكون مدركا للمنافي ، فيكون متألما.

أجيب عن الاول بأن مرادنا بما عداه الامور الحاصلة صورها عنده ،

__________________

(١) فى «ن» : كان.

٢٣٥

والممتنعات ليس لها صورة محققة في ذاتها ، بل هي معقولة بالقياس الى الغير وعن الثاني بالمنع من ذلك ، لانا شرطنا في الالم كما تقدم الادراك والنيل ، وهو تعالى وان كان مدركا للعدم لكنه ليس بنائل له ، فلا يكون متألما بادراكه.

وأما اللذة فقد استدل على نفيها بوجهين :

الاول : أنه لو كان ملتذا ، فلذّته اما أن تكون قديمة أو حادثة ، والقسمان باطلان ، فكونه ملتذّا باطلا. أما الاول فلانها لو كانت قديمة لزم وجود الملتذ به قبل وجوده ، وذلك لان اللذة داعية الى تحصيل الملتذ به ، فانا نعلم ضرورة أن كل ذي لذة فان لذته تدعوه الى ايجاد الملتذ به ليحصل استمرارها ، فلذته داعية حينئذ ، وهي قديمة لانه التقدير ، وقدرته قديمة. واذا كان الداعي والقدرة قد يمين كان الفعل قديما ، لان انضمام الداعي الى القدرة يوجب وجود الفعل فيكون الملتذ به موجودا أزلا ، لكنه فعل الله تعالى بالاختيار ، فيكون حادثا ، فلا يكون موجودا أزلا ، فيلزم وجوده قبل وجوده. وأما الثاني فلاستحالة كونه محلا للحوادث.

الثاني : اجماع المسلمين على ذلك ، وهو حجّة هنا لعدم توقّفه على نفيها.

وفي الوجه الاول نظر فان الخصم لم يقل أنه ملتذ بشيء مغاير لذاته حتى يلزم وجوده قبل وجوده ، بل يقول انه ملتذ بذاته لعلمه بذاته على الوجه الاكمل كما تقررناه ، وذلك لا ينفيه ما ذكرتم.

ثم قال المصنف في المناهج : يظهر عندي أنه لا فرق في المعنى بين قول الاوائل والمتكلمين ، وأن دعوى المتكلمين حقة ، ودعوى الاوائل حقة ، وما أجمع عليه المسلمون حق غير أن اسم اللذة لا يطلق عليه تعالى ، لان أسماؤه توقيفية ولم ترد هذه اللفظة في الشرع.

٢٣٦

[استحالة اتصافه تعالى بالآلات الجسمانية]

قال : ويستحيل اتصافه تعالى بالآلات (١) الجسمانية ، كالشم والذوق ، وكذا باقي(٢) الاعراض المفتقرة الى الاجسام ، كالالوان والاضواء وغيرهما.

أقول : يستحيل اتصافه تعالى بالآلات الجسمانية ، ظاهرة كانت كالبصر والسمع والشم والذوق واللمس ، أو باطنة كالحس المشترك والخيال والحافظة والوهم والمفكرة. وبالجملة يستحيل اتصافه بكل عرض يفتقر الى الجسم كاللون والضوء وغيرهما ، لما تقدم من استحالة كونه متحيزا أو قائما بالمتحيز.

[الدليل على نفى الاتحاد]

قال : ولا يمكن اتحاده بغيره ، لقضاء الضرورة ببطلان الاتحاد ، ولانهما بعد الاتحاد ان بقيا فلا اتحاد ، وان عدما أو عدم أحدهما فلا اتحاد ، لاستحالة اتحاد المعدوم [واستحالة اتحاد المعدوم] (٣) بالموجود.

أقول : الاتحاد يقال بحسب المجاز على صيرورة شيئين شيئا واحدا ، بأن يعدم عن الاول شيء ويحدث فيه آخر ، كما يقال صار الماء هواء ، فان الصورة المائية زالت واتصفت مادته بالصورة الهوائية ، أو بأن يمتزج شيئان ويحدث صورة ثالثة مغايرة للاولى ، كما يقال صار الخشب سريرا.

ويقال بحسب الحقيقة على صيرورة الشيئين الموجودين شيئا واحدا ، لا بأحد المعنيين المذكورين ، بل بأن تنتفي الذاتان وتتحد أحدهما بالاخرى.

والقسم الاول وان كان ممكنا في حق غيره تعالى ، الا أنه يستحيل عليه ،

__________________

(١) فى المطبوع من المتن : ويستحيل اتصافه بما يفتقر الى الآلات الجسمانية.

(٢) لم تثبت في المطبوع من المتن.

(٣) هذه الزيادة موجودة في المطبوع من المتن.

٢٣٧

لاستحالة انفعاله وصيرورته جزءا من غيره.

والقسم الثاني قال به في حقه تعالى طائفة من الحكماء بعد المعلم الاول منهم فرفريوس فانهم قالوا : ان الله تعالى اذا عقل شيئا اتحدت ذاته بذلك الشيء المعقول. ورد عليهم ابن سينا في أكثر كتبه.

قالت النصارى أيضا به في حقه تعالى ، حيث قالوا : اتحدت الاقانيم الثلاثة : اقنوم الأب والابن وروح القدس ، واتحد ناسوت المسيح باللاهوت.

وقال جمع من المتصوفة : اذا وصل العارف نهاية مراتبه انتفت (١) هويته وصار الموجود هو الله تعالى وحده ، وتسمى هذه المرتبة عندهم ب «الفناء في التوحيد».

وهؤلاء الطوائف ان أرادوا بالاتحاد المذكور في حقه تعالى غير المعنى الذي أشرنا إليه ، فلا بد من افادته لننظر فيه ، وان كان المراد ما ذكرناه فهو محال لوجهين :

الاول : أن الضرورة قاضية ببطلان الاتحاد بالمعنى المذكور.

الثاني : أن المتحدين بعد اتحادهما ان بقيا موجودين فهما اثنان لا واحد وان صارا معدومين ووجد ثالث فلا اتحاد ، بل اعدام لشيء وايجاد لآخر ، وان عدم أحدهما وبقي الاخر فلا اتحاد ، لان المعدوم لا يتحد بالموجود ، واذا بان أن الاتحاد محال في نفسه استحال اثباته له تعالى.

[كونه تعالى غنى]

قال : البحث السادس ـ في أنه تعالى غني : اذ لو احتاج ـ تعالى عن ذلك ـ لكانت الحاجة : أما في ذاته ، أو في صفاته. والقسمان باطلان ، لانا

__________________

(١) انتقلت خ ل.

٢٣٨

بينا وجوب وجوده تعالى ، فلا يفتقر الى غيره في ذاته ولا في صفاته ، لاستحالة انفعاله عن الغير.

أقول : من صفاته تعالى أنه غني ، ومعناه سلب الحاجة عنه ، ولهذا ذكرها في التنزيهات ، وتقرير دليله : أنه لو احتاج لكانت الحاجة : أما في ذاته ، أو في صفاته. وكلاهما باطل.

أما الاول : فلاستلزام كونه ممكنا ، وهو محال لما ثبت أنه واجب الوجود.

وأما الثاني : فلاستحالة انفعاله عن الغير كما تقدم.

[كون حقيقته تعالى غير معلومة للبشر]

قال : البحث السابع ـ في أن حقيقته تعالى غير معلومة للبشر : لان المعقول من واجب الوجود ليس الا الصفات الحقيقية ، مثل الوجود والوجوب وكونه قادرا وعالما وغير ذلك ، أو الاضافية مثل كونه تعالى خالقا وأولا وآخرا ، أو السلبية مثل أنه تعالى ليس في جهة وليس بجسم وغيرهما ، وأما غير ذلك فهو غير معقول.

ولا شك في أن هذه المتعقلات أمور عارضة لذاته تعالى ليست نفس حقيقته ، والمعروض غير معلوم لنا.

أقول : ذهبت الفلاسفة والجويني والغزالي من الاشاعرة وأبو الحسين البصري من المعتزلة والمحققون الى أن حقيقته تعالى غير معلومة لاحد من البشر لوجهين :

الاول : أنها لو كانت معلومة لكان العلم بها اما ضروري أو كسبي ، وكلاهما ممتنع(١). أما الاول فظاهر ، وأما الثاني فلان الكسبي لا بد له من كاسب والكاسب في باب التصورات أما حد أو رسم ، كما بيّن في المنطق ، والحد مركّب من

__________________

(١) فى «ن» : منفى.

٢٣٩

الجنس والفصل ، وقد تقدم انه لا جنس له ولا فصل له ولا حد له. والرسم تعريف بالخارج عن الشيء ، والتعريف بالخارج لا يفيد الاطلاع على الحقيقة ، فلا يكون معلوما بالحد ولا بالرسم ، فلا يكون معلوما بالكسب.

الثاني : قوله عليه‌السلام : يا من لا يعلم ما هو الا هو (١). ولهذا أن موسى عليه‌السلام لما سئل بما الدلالة على طلب الحقيقة؟ أجاب بذكر خواصه وصفاته فنسب الى الجنون ، فذكر صفات أبين ، وقال : ان كنتم تعقلون. تنبيها لهم على استحالة الاطلاع على حقيقته.

وذهب جمهور المتكلمين من الاشاعرة والمعتزلة الى أن حقيقته تعالى معلومة للبشر ، محتجبين : بأنا نحكم عليه بأحكام ايجابية وسلبية ، والحكم على الشيء يستدعي تصوره ، وبأن وجوده عين ماهيته ووجوده معلوم ، فماهيته معلومة.

وأجيب عن الاول : بأن التصديق لا يشترط فيه العلم بالمحكوم عليه بحسب حقيقته ، بل يكفي العلم به ولو بوجه ما ، وهو هنا موجود من حيث العلم بأنه مؤثرا وغيره.

وعن الثاني : ما تقدم من كون الواجب تعالى له وجودان ، والمعلوم منهما ليس ما هو نفس حقيقته ، بل الشامل له ولغيره.

وأما المصنف فقد استدل في هذا الباب : بأن المعقول لنا ليس الا الصفات. أما الحقيقية مثل الوجود والوجوب ، وكونه قادرا وعالما وحيا وغير ذلك. وأما الاضافية مثل كونه خالقا ورازقا وأولا وآخرا وغير ذلك. وأما السلبية مثل كونه ليس بجسم ولا عرض ولا في جهة الى غير ذلك وما سوى ذلك ليس معقولا لنا.

ولا شك في أن هذه الصفات أمور عارضة لذاته تعالى ، ونفس المعروض أعني

__________________

(١) شطر من دعاء الامام الحسين عليه‌السلام في يوم العرفة راجع مفاتيح الجنان ص ٢٦٥.

٢٤٠