ارشاد الطالبين الى نهج المسترشدين

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي

ارشاد الطالبين الى نهج المسترشدين

المؤلف:

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٦

يكون خارجيا.

أقول : لما فرغ من قسمة المعلوم شرع في قسمة أخرى أخص من الاولى بحسب المفهوم ، وان كانت متساوية لها في العموم ، وذلك لان قوله «والموجود» الى آخره : أما أن يعني به الخارجي ، فلا يصح انقسامه الى الذهني والخارجي والا لزم انقسام الشيء الى نفسه والى غيره ، أو يعني به المطلق ، فيكون مساويا للمعلوم في الصدق ، وهو المطلوب.

لكن يرد على المصنف أنه جعله قسما للمعدوم ، مع أن المعدوم قسما منه ، فيلزم أن يكون قسيم الشيء قسما له ، وهو باطل وانما قلنا انه جعله قسما للمعدوم لانه قسم المعدوم بعد ذلك ، كما يجيء.

اذا عرفت هذا فاعلم أن الموجود بالنسبة الى الذهن والخارج على ثلاثة أقسام :

الاول : أن يكون موجودا فيهما ، كالامور الخارجية اذا تصورناها في الذهن كما اذا تصورنا صورة السماء وأفلاكها.

الثاني : أن يكون موجودا في الخارج لا غير ، كالاشياء الخارجية اذا لم نتصورها.

الثالث : أن يكون ذهنيا لا غير ، كالاشياء المتصورة في الذهن المنفية في الخارج ، كما اذا تصورنا جبلا من ياقوت أو بحرا من زيبق ، فان ذلك موجود في الذهن ، وأما في الخارج فليس له تحقق.

وكذا نقول في المعدوم ، اما معدوم فيهما كشريك الباري اذا لم نتصوره ، أو معدوم في الذهن خاصة ، كالاشياء الخارجية اذا لم نتصورها ، أو معدوم في الخارج ، كالصور الذهنية غير الموجودة في الخارج.

٢١

(فائدة)

أنكر قوم الوجود الذهني. وهو خطأ ، فانا نحكم على موضوعات معدومة في الخارج بأحكام ايجابية ، وثبوت الصفة يستدعي ثبوت الموصوف ، فاذن ليس (١) موجودا في الخارج ، فيكون موجودا في الذهن وهو المطلوب.

احتج المنكرون : بأنا نتصور الحرارة والبرودة ، فلو كانتا موجودتين في الذهن ، لزم كونه حارا باردا ، وهو باطل ، لكونه مجردا غير قابل لشيء منهما ، وللزم اجتماع الضدين ، اذ الفرض حصولهما معا في الذهن ، وهو باطل وبيان الملازمة ظاهر على ذلك التقدير.

أجاب المحققون : بأن الحاصل في الذهن ليس هو ماهية الحرارة والبرودة بل صورتهما ومثالهما ، وهما مغايران للماهية ، والمقتضي للسخونة هي (٢) الحرارة الخارجية لا صورتها ومثالها ، والتضاد انما هو بين الماهيات الخارجية لا بين صورها ، فلا يلزم حينئذ اجتماع الضدين.

[تقسيم الموجود والمعدوم الخارج الى الواجب والممكن]

قال : فاما أن يكون واجب الوجود لذاته ، وهو الذي يستحيل عليه العدم لذاته ، وهو الله تعالى لا غير ، واما أن يكون ممكن الوجود لذاته وهو الذي يجوز عليه العدم ، وهو ما سوى الله تعالى. والمعدوم اما أن يكون ممتنع الوجود لذاته كشريك الباري تعالى ، وهو الذي لا يصح وجوده البتة ، واما أن يكون ممكن الوجود ، كالمتجددات من المعدومات.

__________________

(١) فى «ن» : واذ ليس بموجود.

(٢) فى «ن» : هو.

٢٢

أقول : هذا تقسيم للموجود الخارجي الى الواجب والممكن ، وتقريره أن [نقول :] الموجود الخارجي اما أن يكون وجوده من ذاته أولا ، فالاول هو الواجب الوجود لذاته ، والثاني هو الممكن. وفائدة قيد «لذاته» في الواجب ، ليخرج الواجب بغيره ، فانه ممكن لذاته ، كوجوب وجود المعلول عند وجود علته التامة.

والمعدوم أي الخارجي اما أن يكون عدمه لذاته أولا ، فان كان الاول فهو الممتنع الوجود لذاته ، كشريك الباري تعالى ، والثاني هو المعدوم الممكن الوجود ، كالمتجددات من الحوادث اليومية شيئا فشيئا. وفائدة «لذاته» في الاول ، ليخرج الممتنع لغيره ، كعدم المعلول عند عدم علته التامة ، فانه ممكن لذاته ممتنع لغيره.

[انحصار ثبوت المعدوم الممكن فى الذهن]

قال : ولا ثبوت له إلا في الذهن ، اذ لا فرق بين الثبوت والوجود عند العقل ومن جعلهما أمرين متغايرين فقد كابر مقتضى عقله.

أقول : يشير بذلك الى القسم الثاني من أقسام المعدوم ، أعني الممكن ، فانه لا ثبوت له الا في الذهن لا غير ، لما عرفت من الحصر الضروري ، فان الحاصل عن ذلك ، أنه لا فرق بين الثبوت والوجود عند العقل ، فلو كان المعدوم ثابتا في الخارج لكان موجودا فيه ، هذا خلف.

قوله «ومن جعلهما» اشارة الى مذهب المشايخ المعتزلة المتقدمين كأبي علي وابنه واتباعهما ، فانهم جعلوا الثبوت أعم من الوجود والعدم ، وهما أخصان تحته. فعندهم أن المعدوم ثابت حالة العدم خارج الذهن.

واتفقوا على أن الذوات المعدومة متباينة بأشخاصها ، وأن الثابت من كل

٢٣

نوع عدد غير متناه ، وأن الفاعل ليس له تأثير في جعلها ذواتا (١) ولا في وجوداتها ، بل في جعلها موجودة ، وان تلك الذوات في العدم متساوية في الذاتية ، لشمول اسم الذات لها ، وانما يتميز بعضها عن بعض بصفات الاجناس ، كالجوهرية للجوهر والسوادية للسواد.

الا أن ابن عياش (٢) منهم فانه قال : بأنها عرية عن الصفات ، ولهم تفريعات (٣) في هذا المقام لا يليق ذكرها ، لطولها وعدم فائدتها. خصوصا مع وهنها (٤).

وهؤلاء انما ارتكبوا هذه الجهالة (٥) لجهلهم بالوجود الذهني ، ونحن لما حققناه واعترفنا بصحته ، سقطت عنا هذه الجهالات.

وابطال مذهبهم وان كان ظاهرا من الحصر السابق الضروري ، لكن نشير الى بعض حججهم ونجيب عنها زيادة في البيان ، فنقول :

احتجوا بأن المعدوم متميز ، وكل متميز ثابت ، ينتج أن المعدوم ثابت ، أما الصغرى فلوجوه :

الاول : انا نعلم طلوع الشمس غدا من مشرقها ، وهو معدوم الآن ، وما هو معلوم متميز عما ليس بمعلوم.

الثاني : انا نميز بين الحركة يمنة ويسرة ، وبين الحركة الى السماء ، ونحكم بقدرتنا على أحدى الحركتين ، وهي الاولى دون الثانية ، أعني الحركة الى

__________________

(١) فى «ن» : ذوات عدد.

(٢) فى «ن» : ابن عباس.

(٣) فى «ن» تعريفات.

(٤) فى «ن» وهمها.

(٥) فى «ن» الجهالات.

٢٤

السماء ، والحكم على إحداهما بأنها (١) مقدورة دون الاخرى من دون تميزهما محال ، فالمعدوم متميز.

الثالث : انا نريد اللذات المعدومة ، ونكره الآلام المعدومة ، وما هو مراد متميز عما ليس بمراد.

وأما الكبرى : فلان تمييز الشيء عن غيره صفة له ، وثبوت الصفة فرع على ثبوت الموصوف.

والجواب : انا ننقض دليلكم اجمالا بالممتنعات ، كشريك الباري ، فانه معلوم وكل معلوم متميز ، فيكون ثابتا ، وأنتم لا تقولون به وكذا المركبات الممكنة المعدومة خارجا ، كالبحر من الزيبق والجبل من الياقوت ، فان دليلكم منطبق عليها ، مع أنكم توافقون على انتقائها خارجا.

وتفصيلا بأنا نقول : أي شيء تعنون بالتمييز الذهني أو الخارجي ، فان عنيتم الاول فمسلّم ، وان عنيتم الثاني فدليلكم لا يدل على ذلك ، فان العلم والقدرة والإرادة انما يستلزم التمييز في الذهن فقط ، والتمييز الذهني يستلزم الثبوت الذهني لا الخارجي.

[تقسيم الممكن الى الجوهر والعرض]

قال : الفصل الثاني في أقسام الممكنات الموجود الممكن : أما أن يكون متحيزا ، وهو الحاصل في مكان يشار إليه اشارة حسية بأنه هنا أو هناك لذاته ، وهو الجوهر وما يتركب منه أو حالا فيه وهو العرض.

أقول : هذه قسمة أخرى أخص مما تقدم ، لان موضوعها وهو الممكن أخص من المعلوم والموجود فلهذا أخرها. فقوله «الموجود» يحترز به عن المعدوم ،

__________________

(١) فى «ن» بكونهما.

٢٥

وقوله «الممكن» يحتز به عن الواجب ، فانه لا يصدق عليه الجوهر ولا العرض ، والتقسيم هاهنا على رأي المتكلمين.

اذا تقرر هذا فنقول : القسمة العقلية [هنا] تقتضي أقساما ثلاثة : لان الممكن اما أن يكون متحيزا أو حالا في المتحيز أو لا متحيزا ولا حالا في المتحيز ، لكن القسم الثالث نفاه أكثر المتكلمين ، وسيأتي حجتهم في نفيه وجوابها ، فانحصرت القسمة في اثنين ، وهما المتحيز والحال في المتحيز.

أما المتحيز فهو الجوهر وما يتركب منه ، أعني الخطوط والسطوح والاجسام والمراد بالمتحيز هو الحاصل في مكان يشار إليه اشارة حسية ، بأنه هنا أو هناك لذاته وانما قيدنا بقولنا «لذاته» احترازا عن العرض ، فانه أيضا يقبل الاشارة الحسية لكن لا لذاته بل بواسطة محله.

وأما الحال في المتحيز فهو العرض وهو الحاصل في محل [بحيث] يشار إليه اشارة حسية لا لذاته.

اذا عرفت هذا فها هنا فوائد :

الاول : الاشارة الحسية هي امتداد موهوم أخذ من المشير منتهى بالمشار إليه ، وانما كانت حسية لقيامها بالوهم الذي هو أحد الحواس الباطنة.

الثاني : انما قيدنا الاشارة (١) بكونها حسية في قوله «يشار إليه اشارة حسية» لان الاشارة العقلية تكون أيضا الى العرض لذاته ، بل لا تختص بالجوهر والعرض فانها صادقة على المجرد أيضا ، فان كل معقول يشار إليه في التعقل (٢) اشارة عقلية.

الثالث : اعلم أن الحكماء يسلمون انحصار الممكنات في الجوهر والعرض

__________________

(١) فى «ن» قيد الاشارة.

(٢) فى «ن» : التعقيل.

٢٦

لكنهم يقولون : [ان] الجوهر أعم من المتحيز وغير المتحيز ، وتقرير القسمة على رأيهم أن الممكن اما أن يكون موجودا في موضوع ، وهو العرض ، والمراد بالموضوع هو المحل المقوم لما يحل فيه ، أو يكون موجودا لا فى موضوع ، وهو الجوهر.

ثم الجوهر اما أن يكون حالا في محل ، أو مركبا من (١) الحال والمحل أولا حالا ولا محلا ولا مركب منهما.

اما الحال فهو الصورة وهو الجوهر المقوم لما يحل فيه. وأما المحل فهو المادة ، وهو الجوهر المتقوم بما يحل فيه.

وأما المركب من الحال والمحل فهو الجسم والمركب من المادة والصورة وأما الذي ليس بحال ولا محل ولا مركب منهما فهو الجوهر المجرد ، وهذا ينقسم قسمين : لانه اما أن يكون له تعلق بالاجسام ، [أي تعلق تدبير] وهو النفس أولا وهو العقل.

فقد ظهر من هذه القسمة كون الجوهر أعم من المتحيز ، والمتكلمون حيث نفوا الجواهر المجردة ، لزم الانحصار فيما ذكروه.

واستدلوا على نفي المجردات : بأنها لو كانت ثابتة موجودة ، لكانت مشاركة لله تعالى في التجرد الذي هو أخص صفاته ، فيحتاج حينئذ الى مميز يميزه عنها وما به المشاركة غير ما به الممايزة ، فيلزم التركيب وهو محال.

أجيب : بأن الاشتراك في الامور العارضة لا يوجب التركيب ، خصوصا اذا كانت أمورا سلبية ، والمشترك هنا سلبي ، وهو أنه ليس بمتحيز ولا حالا في المتحيز [و] قال بعض الفضلاء : الاولى الاعتماد في نفي الجواهر المجردة على النقل ، اذ العقل لا يجزم بثبوتها ولا انتفاؤها ، وصدق الرسول لا يتوقف على انتفائها فجاز نفيها بقوله :

__________________

(١) فى «ن» منهما.

٢٧

[تعريف الجوهر]

قال : أما الجوهر فهو المتحيز الذي لا يقبل القسمة في جهة من الجهات.

أقول : الجوهر في اصطلاح المتكلمين يطلق على معنيين : أحدهما : كل متحيز سواء كان منقسما أو غير منقسم والمراد بالحيز هو الفراغ الذي يشار إليه اشارة حسية. وثانيهما. المتحيز الذي لا يقبل القسمة بوجه من الوجوه ، وهو المراد هنا.

فقوله «المتحيز» شامل للجوهر والخط والسطح والجسم. وقولنا «لا يقبل القسمة في جهة من الجهات» يخرج به الثلاثة الباقية :

أما الخط فلقبوله القسمة طولا وأما السطح فلقبوله القسمة طولا وعرضا ، وأما الجسم فلقبوله القسمة طولا وعرضا وعمقا.

[تتمة]

الطول يطلق على معان ثلاثة :

الاول : البعد المفروض أو لا.

الثاني : أعظم الابعاد.

الثالث : البعد الاخذ من الفوق الى الاسفل.

والعرض يطلق على ثلاثة معان :

الاول : البعد المفروض ثانيا ، ويكون قاطعا للاول.

الثاني : أوسط الابعاد قدرا.

الثالث : البعد الاخذ من اليمين الى الشمال.

٢٨

والعمق على ثلاثة أيضا (١) :

الاول : البعد المفروض ثالثا ، ويكون قاطعا للاولين.

الثاني : أقل الابعاد.

الثالث : البعد الاخذ من الخلف الى القدام ، ويسمى سمكا اذا أخذ صاعدا.

والمراد بالطول في البحث السابق هو البعد المفروض أولا ، والعرض هو البعد المفروض ثانيا ، والعمق هو البعد المفروض ثالثا ، ويكون قاطعا للاولين دون معانيها الباقية.

[كيفية تركب الاجسام من الجوهر]

قال : واذا تألف جوهران فما زاد في جهة واحدة فهو الخط ، وهو ينقسم في الطول خاصة ، وان تألف خطان فما زاد في جهتين فهو السطح ، وهو ينقسم (٢) فى الطول والعرض ، وان تألف سطحان فما زاد في جهتين ، فهو الجسم ، وينقسم في ثلاث جهات.

وأقل ما يحصل الخط من جوهرين ، والسطح من أربعة أو ثلاثة على خلاف ، والجسم من ثمانية أو ستة أو أربعة على خلاف.

واما العرض : فاما أن يكون مشروطا بالحياة أولا ، والاول عشرة : القدرة ، والاعتقاد ، والظن والنظر والإرادة ، والكراهة ، (٣) والشهوة والنفرة والالم ،

__________________

(١) فى «ن» : معان.

(٢) فى المطبوع من المتن : منقسم.

(٣) فى المطبوع من المتن : والكراهية.

٢٩

والادراك. والثاني : الحياة ، والاكوان ، والالوان ، والطعوم ، والروائح ، والحرارة ، والبرودة ، والرطوبة ، واليبوسة ، والصوت ، والاعتماد ، والتأليف.

واثبت قوم الفناء عرضا قائما لا في محل.

أقول : لما عرف الجوهر شرع يبين كيفية تركب (١) الاجسام منه ، كما هو رأي المتكلمين وسيجيء تقريره.

واعلم أنه اذا تألف جوهران فما زاد في جهة واحدة ـ أي في جهة الطول مثلا ـ فذلك خط ، ويكون منقسما في الطول خاصة ، اذ ليس له عرض ينقسم فيه. واذا تألف خطاب فما زاد في جهتين ـ بمعنى أن يكون أحدهما في جهة تألف الخط وهي الطول ، والثاني يكون في جهة مخالفة لها ، بأن يكون ملاصقا له ولا يكون في جهة تأليفه ، وهي جهة العرض ـ فذلك سطح ، وهو ينقسم في الطول والعرض ، لحصول جهتين له.

واذا تألف سطحان على هذا الوجه يحصل الجسم ، بأن يجعل سطح مع سطح آخر في جهتين ، أحدهما يكون في جهة العرض ، والاخر في جهة مخالفة لها ، بأن يكون منطبقا عليه ، وهي جهة (٢) العمق ، وينقسم في ثلاث (٣) جهات : جهة الطول والعرض والعمق.

هذا رأي أكثر المحققين من المتكلمين [لا الاشاعرة] ، فيكون أقل ما يحصل منه الجسم ثمانية جواهر ، اذ من الجوهرين يحصل الخط ، ومن خطين يحصل السطح ، ومن سطحين يحصل الجسم.

وقال بعضهم : أقل ما يحصل الجسم من ستة ، لانه يحصل من ثلاثة جواهر

__________________

(١) فى «ن» : تركيب.

(٢) فى «ن» : بجهة.

(٣) فى «ن» : ثلاثة.

٣٠

على هيئة شكل مثلث سطح ، وثلاثة أخرى كذلك سطح آخر ، ومن السطحين يحصل انطباق أحدهما على الاخر ، فيحصل الجسم.

قوله «على الخلاف» اللام فيه للعهد ، أي على الخلاف في السطح ، فان القائل بان السطح من أربعة قائل بأن الجسم من ثمانية ، والقائل بأنه من ثلاثة قائل بأنه من ستة.

وقال الكعبي : ان الجسم يحصل من أربعة جواهر ، ثلاثة كشكل مثلث فيحصل له طول وعرض ، ثم يوضع رابع فوقها على هيئة شكل صنوبري مخروط فيحصل له العمق.

وقال أبو الحسن (١) الاشعري : ان كل منقسم جسم ، ولو كان من جوهرين لانه فسر الجسم بالمؤلف ، وأقل ما يحصل التأليف من جوهرين. والخلاف في هذا المقام لفظي لا يجدي نفعا في المباحث العقلية.

وأما العرض : فاما أن يكون مشروطا بالحياة ، أي يشترط في محله أن يكون حيا ، وهو عشرة : القدرة ، والاعتقاد ، والظن ، والنظر ، والإرادة ، والكراهة والشهوة ، والنفرة ، والالم ، والادراك.

واما أن لا يكون مشروطا بالحياة ، بل يكون عارضا للحي ، فقد ذكر منه هاهنا اثنتي عشرة غير الفناء ، فمنها الحياة ، فانها لو كانت مشروطة بالحياة ، فاما أن تكون مشروطة بحياة أخرى ، فيلزم التسلسل ، أو بهذه الحياة ، فيلزم اشتراط الشيء بنفسه.

والباقي من هذا القسم : اما أن يكون مدركا بالبصر وهو الاكوان والالوان والاعتماد ، أو بالسمع وهو الصوت ، أو بالذوق وهو الطعوم ، أو بالشم وهو الروائح ، أو باللمس وهو الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة.

__________________

(١) فى «ن» : الحسين.

٣١

وأثبت أبو علي الجبائي للجواهر ضدا هو الفناء ، وهو عرض لا في محل وأثبت أيضا الموت عرضا وجوديا هو ضد للحياة.

وأثبت بعض الاشاعرة البقاء عرضا وجوديا أيضا. فتكون الاعراض على الرأي الاول أحد وعشرين ، وعلى رأي أبي هاشم اثنين وعشرين ، وعلى رأي أبي على ثلاثة وعشرين ، وعلى رأي الاخير أربعة وعشرين. وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى.

[تعريف الوجود وأنه صفة زائدة على الماهية]

قال : الفصل الثالث في أحكام المعلومات ، وفيه مباحث : الاول : اختلف الناس في الوجود ، فذهب الاكثر (١) الى أنه صفة زائدة على الماهية ، وذهب آخرون الى أنه نفس الماهية.

والحق الاول ، لأنّا نحكم على الماهية ، بأنها موجودة أو معدومة ، ونستفيد من الاول زيادة على مفهوم الماهية ، ولو قلنا الماهية ماهية لم نستفد شيئا ، ومن الثاني فائدة غير المناقضة [بخلاف ما (٢)] لو قلنا الماهية ليست ماهية [كانت مناقضة (٣)].

احتجوا : بأن الوجود لو كان زائدا على الماهية حالا فيها ، فاما أن يحل والماهية موجودة أو معدومة ، والاول يستلزم التسلسل ، والثاني يلزم قيام الموجود بالمعدوم.

والجواب : أنه قائم بالماهية من حيث هي هي ، لا باعتبار الوجود ولا باعتبار العدم.

__________________

(١) فى المطبوع من النهج : الاكثرون.

(٢) هذه الزيادة موجودة فى المطبوع من المتن فقط.

(٣) كذا فى «ن» وغير موجودة فى نسخة الاصل وفى المطبوع : لكانت عين المناقضة.

٣٢

أقول : اعلم أن كل كلي اذا نسب الى حقائق الافراد التي تحته : اما أن يكون نفسها ، كالانسان بالنسبة الى زيد وعمرو وبكر ، فانه نفس ماهية كل واحد منهما ، وانما تزيد عليه بعوارض مشخصة من الاين والوضع وغيرهما. أو يكون جزءها ، كالحيوان بالنسبة الى الانسان والفرس وغير هما ، فانه جزء من كل واحد منها (١) مشترك بينها. أو يكون خارجا عنها ، كالماشي والضاحك بالنسبة الى الافراد التي تحتهما ، فانهما خارجان عن حقائقها.

اذا تقرر هذا فنقول : الوجود معنى مشترك بين الماهيات الموجودة ، صادق على كلها ، فهل هو نفس تلك الماهيات؟ أو جزؤها؟ أو خارجا عنها زائدا عليها؟

فذهب أبو الحسن الاشعري وأبو الحسين البصري وابن نوبخت من أصحابنا الى الاول ، واجبة كانت أو ممكنة. وذهب المثبتون من المعتزلة (٢) والاشاعرة (٣) الى الثالث ، فقالوا : انه زائد على [جميع] الماهيات ، واجبة كانت أو ممكنة.

وأما الحكماء فقالوا : انه زائد في حق الممكنات ونفس ماهية الواجب. وأما القسم الثاني فلم يعلم به قائل ، ويدل على بطلانه وجهان :

الاول : أنه لو كان الوجود جزءا للماهيات لزم أن يكون الواجب مركبا واللازم باطل كما سيأتي ، فالملزوم مثله. والملازمة ظاهرة ، اذ الوجود صادق على ماهية الواجب قطعا.

__________________

(١) فى «ن» منهما وبينهما.

(٢) كأبي على وأبى هاشم والعاصى عبد الجبار بن أحمد.

(٣) كالقاضى أبى بكر وامام الحرمين.

٣٣

الثاني : أنه لو كان جزءا للماهيات ، لكان سابقا عليها ، اذ الجزء سابق على الكل في الوجودين واللازم كالملزوم في البطلان ، وهو بين. اذا عرفت هذا فاعلم :

أن المصنف اختار الزيادة ، كما هو مذهب المعتزلة والاشاعرة ، لكن في حق الممكنات ، لانه سيصرح فيما بعد بأن وجود الواجب عينه ، كما هو رأي الحكماء.

واستدل على ذلك بأنه لو لم يكن الوجود زائدا على الماهية ، للزم انتفاء فائدة الحمل ، أو خلاف فائدته ، واللازم بقسميه باطل ، فالملزوم ـ وهو كونه ليس زائدا ـ مثله في البطلان.

أما بيان الملازمة : فلانا نحكم على الماهية بأنها موجودة تارة ، وبأنها معدومة أخرى ، ونستفيد من الحكم الاول اثبات الوجود للماهية ، وذلك انما يتم على تقدير الزيادة ، فانه لو كان نفسها لكان قولنا «الماهية موجودة» بمنزلة قولنا «الماهية ماهية» ، اذ الفرض أنه نفسها ، فلا فرق في ايراد أيهما كان في العبارة. لكن قولنا «الماهية ماهية غير مفيد» لانه حمل الشيء على نفسه.

كما تقول «الانسان بشر» ، فلو لم يكن زائدا لما حصلت الفائدة ، لكنها تحصل ، فيكون زائدا. أو نستفيد من الحكم الثاني ـ وهو (١) قلنا «الماهية معدومة» ـ الحكم على الماهية بالعدم ، ولو كان الوجود نفس الماهية استفدنا التناقض.

وبيان ذلك : أنه اذا كان الوجود نفسها يكون قولنا «الماهية معدومة» بمنزلة قولنا الماهية ليست ماهية ، لان اثبات العدم للشيء سلب الوجود عنه.

__________________

(١) في «ن» : فى.

٣٤

فيكون قولنا «الماهية معدومة» بمنزلة قولنا الماهية ليست موجودة ، والوجود هو الماهية ، فيكون قولنا الماهية ليست موجودة بمنزلة قولنا [الماهية] ليست ماهية ، اذ التقدير أنهما متحدان ، فسلب أحدهما هو سلب الاخر.

فيكون قولنا «الماهية معدومة» حينئذ بمنزلة قولنا الماهية ليست ماهية ، وهو تناقض ، فيكون ذلك ـ أعني التناقض ـ هو المستفاد من هذا التركيب ، وهو باطل.

وأما بيان بطلان اللازم فقد ظهر من بطلان (١) الملازمة.

وفي هذا الدليل نظر ، اذ لا يلزم من انتفاء كونه نفسها ثبوت كونه زائدا ، لجواز أن يكون جزءا ، فلا بد من بطلانه ليتم.

احتج القائلون بأنه نفس الماهية : بأنه لو لم يكن نفسها للزم اما التسلسل أو اجتماع الوجود والعدم.

بيان الملازمة : أنه لو كان زائدا على الماهية ، لكان صفة لها ، والصفة قائمة بالموصوف ، فالوجود حينئذ قائما بالماهية ، فاما أن يقوم بها وهي موجودة أو وهي معدومة.

فان كان الاول لزم التسلسل ، لانه اذا حل فيها وهي موجودة لا جائز أن تكون موجودة بهذا الوجود ، والا لزم لاشتراط الشيء بنفسه ، فيتقدم الشيء على نفسه ، وهو محال ، فبقي أن تكون موجودة بوجود آخر ، وننقل الكلام الى الوجود الثاني ، ونقول فيه كما قلنا في الاول وهلم جرا ، ويلزم التسلسل.

وان كان الثاني يلزم قيام الموجود بالمعدوم (٢) ، فيلزم اجتماع الوجود والعدم ، واللازم بقسميه باطل ، وهما لازمان على تقدير كونه زائدا ، فلا يكون

__________________

(١) فى «ن» : بيان.

(٢) فى «ن» : فى المعدوم.

٣٥

زائدا ، فيكون نفسها (١) ، وهو المطلوب.

ويرد هنا ما قلناه أولا ، اذ لا يلزم من نفي كونه زائدا أن يكون نفسا ، لجواز أن يكون جزءا ، فلا بد من ابطاله.

والجواب : قولكم «أما أن يقوم بها وهي موجودة أو وهي معدومة» قلنا : نمنع الحصر ، فان هنا قسما ثالثا ، وهو أن يقوم بها من حيث هي هي ، لا باعتبار أنها موجودة ، ولا باعتبار أنها معدومة.

وبيان ذلك : انا اذا قلنا الشيء من حيث هو هو كذا ، أردنا [به] أن الشيء مأخوذ لا باعتبار شيء آخر معه من سائر أوصافه ، واذا قلنا الشيء من حيث أنه كذا يكون كذا ، أردنا به أن ذلك الشيء مع وصف من الاوصاف (٢) يثبت له كذا.

فالماهية فى قولنا «اما أن يقوم بها وهي موجودة أو وهي معدومة» مأخوذ (٣) مع وصف من أوصافها ، وهو الوجود أو العدم ، فيكون لها حالة أخرى ، وهي أن تؤخذ من حيث هي هي ، وبهذا الاعتبار يقوم بها الوجود.

اذا عرفت هذا فاعلم : أن الوجود الذي احتج به المصنف يدل على الزيادة في الذهن ، أما في الخارج فلا. وقد صرح المحقق العلامة خواجة نصير الدين الطوسي ـ قدس الله سره ـ بذلك في التجريد ، فقال : وزيادته في التعقل.

وبيان ذلك : أنه يستحيل تحقق ماهية ما من الماهيات في الخارج منفردة عن الوجود ، فكيف تتحقق الزيادة في الخارج.

__________________

(١) فى «ن» : نفسا.

(٢) فى «ن» : أوصافه.

(٣) فى «ن» : مأخوذة.

٣٦

[اشتراك الوجود وأقسامه]

قال : البحث الثاني في أنه مشترك : الحق أنه كذلك ، لأنّا نقسم الوجود الى الواجب والممكن ، ومورد التقسيم مشترك بين الاقسام ، ولان النفي أمر واحد ، وهو نقيض الوجود ، فيكون الوجود واحدا ، لانه لو تعدد لم تنحصر القسمة في قولنا «الشيء اما موجود أو معدوم».

أقول : لو قدم هذا البحث على الذي سبقه كما فعله المحقق في التجريد ، لكان أنسب ، اذ يلزم من الاشتراك الزيادة بأدنى سهولة ، وإلا لزم اتحاد الماهيات بخصوصياتها ، [وهو باطل].

اذا عرفت هذا فلنذكر (١) هنا مقدمتين ، ثم نشرع في تقرير البحث :

(المقدمة الاولى) اعلم أن الاشتراك على قسمين : لفظي ومعنوي. أما اللفظي : فهو أن يكون لفظ واحد موضوع لمعان مختلفة ، كلفظة «العين» فانها موضوعة لعين الباصرة ، وعين الشمس ، وعين الذهب ، وعين الماء ، والركبة وعين الشيء أي نفسه ، الى غير ذلك من معانيها ، وهي معان مختلفة.

وأما المعنوي : فهو أن يكون معنا واحدا مشترك بين أمور كثيرة متخالفة كمعنى الحيوان فانه معنى واحد ، وهو الجسم الحساس المتحرك بالارادة ، موجود في الانسان والفرس والبقر والحمار وغيرها ، وهي أمور مختلفة ، فان المعنى المذكور للحيوان موجود في كل واحد منها ، فانه يصدق على كل فرد منها أنه جسم حساس متحرك بالارادة ، ومع مخصص الى ذلك المعنى المشترك يصير ذلك المجموع قسما من الاقسام المذكورة.

(المقدمة الثانية) اعلم ان المشترك باشتراك المعنوى قسمين :

أحدهما : يكون صدقه على أفراده بالسوية ، كالحيوان في المثال المذكور

__________________

(١) فى «ن» فلنقرر.

٣٧

فان صدقه على أنواعه على سبيل السوية ، من غير أن يكون في بعضها أشد وفي بعضها أضعف ، أو في بعضها أقدم وفي بعضها أحدث ، الى غير ذلك. فهذا يسمى «متواطئا» أخذا من التواطؤ وهو التوافق ، لتوافق أفراده في كيفية صدقه عليها.

وثانيهما : أن يكون في بعضها أشد من بعض ، أو أقدم من بعض أو أولى من بعض ، كالبياض بالنسبة الى الثلج ، فانه أقوى وأشد منه في العاج ، وان اشتركا في معنى البياض ، وكالتحيز بالنسبة الى الجوهر ، فانه أقدم منه بالنسبة الى العرض. ويسمى هذا القسم «مشككا» لان الناظر فيه ان نظر الى جهة الاختلاف أو همه الاشتراك اللفظي.

وان نظر الى جهة الصدق أو همه التواطؤ فيشكك ، فسمي مشككا. ومن لوازم هذا القسم أن لا يكون ذاتيا لما تحته ، كما هو مقرر في مظانه.

واذا تقررت هذه المقدمات (١) فاعلم : أنه قد اختلف في الوجود هل هو مقول بالاشتراك اللفظي أو المعنوي؟ فذهب أبو الحسين البصري وأبو الحسن الاشعري الى الاول ، لان وجود كل ماهية هو نفسها ، فليس هناك زائد حتى يكون مشتركا ، فان كان يقع شيء من المشاركة فذلك في اللفظ (٢) لا غير ، وقد عرفت ضعف حجتهم في ذلك.

وذهب الحكماء وأبو هاشم وأصحابه من المعتزلة وجمهور الاشاعرة الى الثاني. ثم هؤلاء اختلفوا : فقال (٣) الحكماء هو مقول بالتشكيك على ما تحته من الموجودات ، وقال أبو هاشم وأتباعه وأثير الدين الابهري هو مقول بالتواطؤ

__________________

(١) فى «ن» : المقدمتان.

(٢) فى «ن» : اللفظى.

(٣) فى «ن» : وقالت.

٣٨

واختار المصنف والمحق الطوسي ـ رحمه‌الله ـ مذهب الحكماء ، والدليل عليه وجهان :

الاول : ان الوجود قابل للقسمة المعنوية ، وكلما كان كذلك كان مشتركا فالوجود مشترك أما الصغرى : فلانا نقسمه الى الواجب والممكن فنقول : وجود واجبي ووجود امكاني ، والى الذهني والخارجي ، والى الجوهر والى العرض وهذه القسمة مقبولة عند العقل ، كما يقسم الحيوان الى الانسان والفرس وغيرهما.

وأما الكبرى : فلان القسمة عبارة عن ذكر جزئيات الكلى الصادق عليها بفصول أو ما يشابهها ، وتحرير ذلك انا نأخذ المقسم ونضم إليه مخصصا ما من المخصصات فيصير قسما ، ثم نأخذ ذلك المقسم بعينه ونضم إليه مخصصا آخر ، فيصير قسما آخر وهكذا حتى تنتهى الاقسام ، فمورد القسمة حينئذ مشترك ، كما قلناه في الحيوان بالنسبة الى الانسان وغيره من أنواعه ، ولهذا لا ينقسم الى الانسان والحجر ، لعدم كونه مشتركا بينهما ، ولا شك أن مورد القسمة في هذه (١) المقالة الاولى هو الوجود فيكون مشتركا.

ان قلت : لم لا يجوز أن يكون المقسم هو لفظ «الوجود» فيكون الاشتراك حينئذ لفظيا ، فلا يتم مطلوبكم.

قلنا : ان ما ذكرناه ضروري ، فانا نورد القسمة ، مع قطع النظر عن الوضع اللفظي.

الثاني : ان النفي أمر واحد ، وكلما كان كذلك كان الوجود مشتركا.

أما المقدمة الاولى : فلان العدم لا تعدد فيه ، والا لتمايزت أفراده ، مع

__________________

(١) فى «ن» : المقدمة الاولى.

٣٩

أنه لا تمايز بين العدمات (١) ، لان التميز عبارة عن ثبوت صفة لشيء ليست ثابتة لشيء آخر ، وثبوت الصفة يستدعي ثبوت الموصوف ، ولا شيء من العدم بثابت كما تقدم ، فلا يكون متميزا ، فلا يكون متعددا ، فيكون واحدا ، وهو المطلوب.

وأما المقدمة الثانية : فلانه اذا كان العدم واحد ، مع أنه نقيض الوجود فيلزم (٢) أن يكون الوجود واحدا أيضا ، لانه لو لم يكن واحدا لكان متعددا.

وحينئذ لا تنحصر القسمة في قولنا «الشيء أما موجود أو معدوم» لطلب العقل قسما آخر ، وهو كونه موجودا بوجود آخر غير ذلك الوجود ، لكنا نعلم بالضرورة أن العقل يجزم بانحصاره في أحدهما ولا يطلب قسما آخر ، فعدم طلبه قسما آخر يدل على عدمه ، فيكون الوجود معنى واحدا وهو صادق على كثيرين ، فيكون مشتركا [في ذلك] وهو المطلوب.

ان قلت : لا نسلم أن النفي أمر واحد ، بل لكل أمر نفي يخصه ، كما أن لكل أمر وجود يخصه ، والترديد يقع بينهما هكذا : هذا الشيء اما أن يكون موجودا بوجوده الخاص به ، أو يكون ذلك الوجود منتفيا عنه. وذلك هو سلبه الخاص به ، ولا يبطل الحصر حينئذ.

قلنا : سلمنا أن عدم كل ماهية مقابل لوجودها الخاص بها ، لكن العدم المطلق مقول على ذلك الخاص وعلى غيره ، فيكون مشتركا ، فلا بد من وجود مشترك يقابله ، ويصح أن يحكم به على كل وجود خاص ، وهو المراد بقولنا «الوجود عام مشترك» ويكون الترديد المذكور حينئذ هكذا : الشيء اما أن يكون موجودا بالوجود المطلق ، أو بالعدم. الى آخر البحث.

__________________

(١) فى «ن» : المعدمات.

(٢) فى «ن» : فيجب.

٤٠