ارشاد الطالبين الى نهج المسترشدين

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي

ارشاد الطالبين الى نهج المسترشدين

المؤلف:

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٦

بها مستغنيا عن الاخرى ، فلو فرض للاخرى فيه تأثير كان أيضا واجبا بها مستغنيا عن الاولى ، فيلزم استغناؤه عنهما حال الحاجة إليهما ، فيكون مستغنيا مفتقرا ، هذا خلف.

[جواز توارد العلتين على المعلول النوعى]

قال : ويمكن أن يكون لمعلول نوعي علتان مستقلتان كالحرارة الصادرة عن علل مختلفة.

أقول : المعلول النوعي يجوز أن يجتمع له علل كثيرة ، بمعنى أن بعض أفراده يكون واقعا بعلة أخرى والبعض بعلة أخرى وهكذا ، كالحرارة النوعية فان بعض أفرادها كحرارة النار واقعة بالنار والبعض الاخر كحرارة الادوية والعدو وأمثال ذلك ، كل واحد واقع بعلة غير علة الاخر.

أما اذا نظر الى كل فرد من أفراده على حدته فانه يمتنع أن يجتمع [له] مع علته علة أخرى ، لما قلناه من لزوم الاستغناء حالة الاحتياج.

[استحالة تأثير العلة المركبة في المعلول البسيط]

قال : ولا يمكن وحدة المعلول من كل وجه مع تركيب علته ، لان كل واحد من أجزاء العلة ان كان له تأثير فاما في ذلك الواحد فيجتمع على المعلول الشخصي علل كثيرة ، وقد بينا استحالته ، أو في أبعاضه فيلزم تركب المعلول مع فرض وحدته ، هذا خلف.

وان لم يكن لشيء من الاجزاء تأثير في المعلول : فاما أن يحصل عند الاجتماع أمر يقتضي ذلك المعلول أولا.

فان كان الثاني لم يكن المعلول معلولا لتلك الماهية المركبة ، وان حصل

١٦١

كان هو العلة بالحقيقة ، اذ بوجوده يوجد المعلول وبعدمه ينتفي. فاما أن يكون بسيطا أو مركبا.

فان كان الاول نقلنا الكلام إليه في كيفية صدوره عن الاجزاء ، وان كان مستغنيا عنها لم يكن لتلك الاجزاء تأثير في المعلول ولا في علته البسيطة ، فلا يكون لها مدخل في التأثير البتة ، وان كان مركبا نقلنا الكلام في كيفية حصوله.

أقول : يريد أن يبين أن المعلول الواحد من جميع الجهات لا يجوز أن يكون له علة مركبة.

وتقريره : أنه لو جاز ذلك لكان لا يخلو اما أن يكون كل واحد واحد من أجزاء تلك العلة على حدته له تأثير في ذلك المعلول أو في شيء من أبعاضه أولا في ذلك المعلول ولا في شيء من أبعاضه.

والاول باطل والا لزم أن يجتمع على معلول واحد شخصي علل كثيرة وقد تقدم بطلانه.

وكذا الثاني لانه مستلزم لوجود الابعاض لذلك المعلول ، فيكون مركبا وقد فرض واحدا من جميع الجهات ، هذا خلف.

وأما الثالث وهو أن لا يكون لشيء من تلك الاجزاء تأثير في المعلول ولا في أبعاضه : فاما أن يحصل عند اجتماع تلك الاجزاء أمر باعتباره يحصل ذلك المعلول أولا.

فان كان الثاني لم يكن ذلك المعلول معلولا لتلك العلة المركبة ، لان كل واحد من أجزائها ليس له تأثير في ذلك المعلول ولا في شيء من أبعاضه ، والفرض أنه لم يحصل عند الاجتماع أمر يقتضي ذلك المعلول ، فلا جرم لم يكن ذلك المعلول معلولا لتلك الماهية المركبة وقد فرض معلوله ، هذا خلف.

وان كان الاول لا يكون ذلك الحاصل بالحقيقة هو العلة في ذلك المعلول

١٦٢

لانه بوجوده وجد وبعدمه انتفى ، وليس مرادنا بالعلة الا ذلك ..

وحينئذ ننقل الكلام ونقول : اما أن يكون بسيطا أو مركبا ، فان كان بسيطا : فاما أن يكون مستغنيا عن تلك الاجزاء أولا ، فان كان الثاني لم يكن التركيب المفروض أولا حاصلا في العلة ، بل اما في قابل العلة ان كان ذلك البسيط ليس حاصلا من الاجزاء ، أو في فاعل العلة ان كان حاصلا من الاجزاء ، والفرض أن التركيب مفروض في العلة ، هذا خلف.

ثم انا ننقل الكلام الى كيفية وجود ذلك البسيط من ذلك الاجزاء ونقول : اما أن يكون لكل واحد من تلك الاجزاء تأثير في ذلك البسيط أو في شيء من أبعاضه ، أولا في شيء من أبعاضه الى آخر الكلام حتى يلزم التسلسل.

وان كان الاول أي يكون مستغنيا عن تلك الاجزاء ، لم يكن لتلك الاجزاء تأثير في ذلك المعلول ولا في علته البسيطة ، فلا يكون لها مدخل في التأثير.

وان كان مركبا نقلنا الكلام في كيفية تأثيره في ذلك المعلول البسيط ونقول فيه كما قلنا في الاول الى آخره الكلام.

فالحاصل أنه لو أمكن أن يكون لمعلول بسيط (١) من كل وجه علة مركبة ، للزم اما اجتماع علل كثيرة على معلول شخصي ، أو تركيب ما فرض بساطته ، أو فرض ما ليس بمؤثر مؤثرا ، أو خلاف الفرض ، أو التسلسل ، والاقسام كلّها باطلة ، فتأثير العلة المركبة في المعلول البسيط باطل وهو المطلوب.

[عدم جواز تأخر المعلول عن العلة]

قال : ولا يمكن تأخر المعلول عن علته التامة ، والّا لكان وجوده وقت وجوده دون ما قبله وما بعده ، ان لم يكن لمرجع آخر مع تساوي الاوقات لزم

__________________

(١) أى لا جزء له ، والبسيط أيضا الّذي ساوى جزؤه كله «منه».

١٦٣

الترجيح من غير مرجح ، وان لم يكن لمرجح غير العلة لم يكن ما فرضناه علة تامة علة تامة(١). هذا خلف.

أقول : قد عرفت أن العلة التامة ما هي ، وحينئذ نقول : يمتنع تخلف معلولها عنها ، والا لزم اما الترجيح بلا مرجح ، أو فرض ما ليس بعلة تامة علة تامة ، وكلا الامرين محال.

بيان الملازمة أن نقول : لو لم يوجد المعلول عند وجود العلة التامة لكان وجوده حين يوجد ، دون ما قبله من الاوقات ، وما بعده مع تساوي الاوقات بالنسبة إليه ، اما أن يكون متوقفا على مرجح أولا ، فمن الثاني يلزم الترجيح بلا مرجح وهو محال ، ومن الاول يلزم أن يكون ما فرض علة تامة غير علة تامة. هذا خلف.

[تبيين علة العدم]

قال : وعلة العدم عدم العلة.

أقول : لما كان الممكن لا يقتضي لذاته شيئا من الوجود أو العدم ، لتساويهما بالنسبة إليه ، أفتقر في اتصافه بأحدهما الى مرجح خارجي وذلك ضروري ، ولما بين علل الوجود شرع في تبيين علة العدم.

فقال : علة العدم عدم العلة أي في العقل ، مثلا اذا قيل لم كان المعلول الفلاني معدوما؟ أجيب بقولنا العدم علته ، ولا شك أن ارتفاع المعلول عند ارتفاع العلة الضروري ، واما أن ذلك الارتفاع هو معلل بارتفاع العلة بالذات أو بأمر آخر ملازم له.

فنقول : استدل المصنف على كون عدم العلة علة لعدم المعلول في بعض تصانيفه : بأن عدم المعلول حينئذ لا يجوز أن يستند الى ذاته ، والا لكان ممتنعا ، ولا

__________________

(١) هذا التكرار صحيح وغير موجود في المطبوع من المتن.

١٦٤

الى وجود شيء غير عدم علته ، لان عند وجود علته يجب وجوده ، فتأثير ذلك في الشيء في العدم ان كان عند وجود علة الوجود ، لزم أن يكون موجودا بالنظر الى علة وجوده ، ومعدوما بالنظر الى علة عدمه. هذا خلف.

ولا ترجيح لاحداهما ، لانا فرضناهما تامتين ، وان كان عند اختلال بعض شرائط العلة أو عدم جزء منها أو عدمها ، كان المقتضي للعدم هو عدم ذلك الشرط أو الجزء لا غير ، ولا الى عدم شيء غير العلة وأجزائها وشرائطها ، لان ما عدا العلة وأجزائها وشرائطها لا يحتاج إليه الممكن ، وما لا يحتاج إليه الشيء لا يلزم من عدمه عدم ذلك الشيء بالضرورة ، فالممكن محتاج الى العلة ، فان حضرت أثرت الوجود بوجودها ، وان عدمت أثرت العدم بعدمها.

والمحقق الطوسي قال في قواعده : عدم العلة كالعلة لعدمه ، لانها بعدمها ليست حقيقة ، لانها عدم العلة ، فكيف يكون علة حقيقية.

واعلم أن العلية والمعلولية من الصفات الاعتبارية ، لاستحالة وجودها في الخارج ، والا لزم التسلسل ، وحينئذ أمكن إلحاقها بالوجود وبالعدم المشابهة للوجود ، كاعدام الملكات ، لان لها حظا من الوجود ، ولهذا افتقرت الى المحال كافتقار الوجود الى المحل.

وحيث كانت تلك الاعدام متمايزة بحسب تمايز ملكاتها ، جاز أن يكون بعضها علة وبعضها معلولا ، كما قلناه في كون عدم العلة علة لعدم المعلول ، وكذا عدم الشرط علة لعدم المشروط وأمثال ذلك.

 [بطلان الدور]

قال : ولا يمكن استناد كل واحد من الشيئين الى صاحبه وهو الدور ، لان العلة متقدمة على المعلول ، فلو كان كل واحد من الشيئين علة لصاحبه أو

١٦٥

لعلة صاحبه ، لزم تقدم الشيء على نفسه بمرتبة واحدة أو بمراتب.

أقول : لما توقف دليل اثبات الصانع تعالى على ابطال الدور والتسلسل قدم البحث في ابطالهما. والدور (١) هو توقف كل واحد من الشيئين على صاحبه فيما هو متوقف عليه فيه.

اما بمرتبة واحدة كما يتوقف «أ» على «ب» و «ب» على «أ» ، أو بمراتب كما يتوقف «أ» على «ب» و «ب» على «ج» و «ج» على «د» و «د» على «أ» وسمي الاول دورا مصرحا والثاني دورا مضمرا ، وهو محال بقسميه ، والا لزم كون الشيء الواحد موجودا معدوما معا وهو محال.

وذلك لانه اذا توقف «أ» على «ب» مثلا كان «أ» متوقفا على «ب» وعلى جميع ما يتوقف عليه «ب» اما بواسطة أو لا بواسطة ، ومن جملة ما يتوقف عليه «ب» الألف نفسه ، فيكون الألف متوقفا على نفسه ، والموقوف عليه من حيث أنه موقوف عليه متقدم ، فيكون الألف متقدما ، والموقوف من حيث أنه موقوف يكون متأخرا ، فيكون الألف متأخرا ، فيلزم أن يكون متقدما متأخرا معا ، والمتقدم من حيث أنه متقدم يكون موجودا قبل المتأخر ، فيكون المتأخر حينئذ معدوما ، فيكون موجودا معدوما معا وهو محال ، وهو لازم من الدور ، فيكون محالا وهو المطلوب.

[بطلان التسلسل]

قال : ولا يمكن تسلسل العلل والمعلولات ، لان تلك الجملة ممكنة قطعا ،

__________________

(١) الدور قسمان : ظاهر والمصرح ومضمر وهو الثاني «منه».

١٦٦

فالمؤثر فيها ان كان خارجا عنها كان واجبا وهو المطلوب ، وان كان جزئها لزم تقدم الشيء على نفسه بمراتب لا يتناهى ، لان المؤثر في الجملة مؤثر في آحادها التي من جملتها المؤثر نفسه ، وعلله التي لا تتناهى.

اقول : التسلسل هو عبارة عن وجود ما لا يتناهى من الاعداد. واتفق الحكماء والمتكلمون على أنه باطل في الجملة ، الا أن المتكلمين عندهم أن كل عدد فرض غير متناه فانه باطل ، لانه قابل للزيادة والنقصان ، وكلما كان قابل للزيادة والنقصان فهو متناه.

وأما الحكماء فشرطوا لبطلانه حصول أمرين :

الاول : أن يكون آحاده موجودة معا.

الثاني : الترتيب بين الآحاد : اما الترتيب الوضعي كما في الاجسام والمقادير ، أو الترتيب الطبيعى كما في العلل والمعلولات. وكلما لا يجتمع فيه هذان الامران لم يحكموا ببطلانه ، وجوّزوا عدم تناهيه وان حصل فيه أحدهما دون الاخر.

وكذلك جوزوا في الحركات الفلكية عدم التناهي ، وان كانت ذات أجزاء مترتبة ، لعدم اجتماع أجزائها في الوجود. وكذا النفس (١) جوزوا عدم تناهيها لعدم الترتيب لكلا معنييه فيها ، لعدم كون بعضها علة لبعض ، وعدم تحيزها ، فليس لها ترتيب طبيعى ولا وضعي وان كانت اجزاؤها مجتمعة في الوجود.

اذا تقرر هذا فاعلم أن المصنف استدل على بطلان التسلسل الذي اجتمع هذان الشرطان فيه ولهذا قال : ولا يمكن تسلسل العلل والمعلولات. ولم يتعرض لغيره ، لان مقصوده ابطال التسلسل الذي يتوقف عليه اثبات واجب الوجود.

وتقريره ما ذكره : أنه لا يمكن تسلسل العلل والمعلولات ، لانه لو أمكن ذلك

__________________

(١) فى «ن» : النفوس.

١٦٧

لكان ذلك المجموع الحاصل من تلك العلل والمعلولات ممكنا ، لافتقاره الى كل واحد منها وهي ممكنة ، والمفتقر الى الممكن ممكن. فالمجموع ممكن ، وكل ممكن لا بد له من مؤثر ، فالمجموع لا بد له من مؤثر ، فالمؤثر فيه : اما نفسه أو جزؤه أو الخارج عنه.

لا جائز أن يكون المؤثر فيه نفسه ، لان المؤثر متقدم والشيء لا يتقدم على نفسه والا لكان موجودا قبل نفسه وهو محال. ولا جائز أن يكون المؤثر فيه جزؤه ، لان المؤثر في المجموع مؤثر في كل واحد واحد من أجزائه ، ومن جملة تلك الاجزاء ذلك الجزء ، فيكون مؤثرا في نفسه ، وهو محال لما قلناه ، بل يكون مؤثرا في علله المتقدمة عليه بمراتب [فيلزم الدور بمراتب] وقد تقدم بطلانه.

واذا لم يكن المؤثر نفسه ولا جزؤه تعين أن يكون المؤثر فيه هو الخارج ، والخارج عن جميع العلل والمعلولات يكون واجبا ، فيكون الواجب موجودا ، فتنقطع السلسلة وهو المطلوب.

وهنا نظر : لانا اذا فرضنا المؤثر خارجا لا يلزم أن يكون واجبا ، لجواز أن يكون خارجا عن مجموع السلسلة لا عن جميع الممكنات ، فمن الجائز أن يكون هناك [ممكن] خارج عن السلسلة المذكورة ، ويكون هو العلة لجملتها ويكون علته الواجب ، أو ممكن آخر غير الواجب ويلزم سلاسل غير متناهية ، وعلى كلا التقديرين لا يلزم انقطاع السلسلة فالاولى أن يقال : لا جائز أن يكون المؤثر في مجموع السلسلة خارجا ، لانه اذا كان علة للسلسلة وجب أن يكون علة لكل واحد واحد منها ، لانه لو وقع كل واحد من السلسلة بغيرها لوقعت السلسلة من غير حاجة إليه هذا خلف.

واذا كان علة لكل واحد منها لزم توارد علتين على ذلك الواحد ،

١٦٨

احداهما ذلك الخارج ، والاخرى علته التي تؤخذ في السلسلة ، وذلك محال لما تقدم ، فلا يكون المؤثر في السلسلة خارجا.

وحينئذ نقول : لو أمكن تسلسل علل ومعلولات لزم : أما تأثير الشيء في نفسه أو في علله ، أو اجتماع علتين على معلول [واحد] والكل محال لازم من التسلسل ، فيكون محالا وهو المطلوب.

[تحقيق حول مسألة الواحد لا يصدر منه أكثر من واحد]

قال : ويمكن استناد معلولين الى علة بسيطة. واحتجاج الفلاسفة بأن الصدورين ان دخلا لزم التركيب والا لزم التسلسل ، ضعيف. لان الصدور أمر اعتباري لا تحقق له في الخارج والا لزم التسلسل.

أقول : ذهب الحكماء الى أن الفاعل الواحد من جميع الجهات من غير تعدد الآلات والقوابل لا يصدر عنه أكثر من واحد. وخالف في ذلك أكثر المتكلمين واختاره المصنف.

احتج الحكماء : بأن الواحد حقا من جميع الوجوه لو صدر عنه أكثر من واحد لزم : اما التركيب في ذلك الواحد أو التسلسل ، واللازم بقسميه باطل فكذا الملزوم ، بيان الملازمة: أنه اذا صدر عنه اثنان مثلا كألف و «ب» ، كان مفهوم صدور «أ» غير مفهوم صدور «ب» ، بدليل أنا نعقل أحدهما ونذهل عن الاخر ، وكل أمرين هذا شأنهما فهما متغايران.

وحينئذ نقول : اذا تغاير الصدوران فاما أن يكونا داخلين في ماهيته ، أو خارجين عن ماهيته ، أو يكون أحدهما داخلا والاخر خارجا. فان كان الاول لزم التركيب في ذلك الواحد البسيط ، وكذا ان كان أحدهما خارجا والاخر داخلا.

١٦٩

وان كانا خارجين نقلنا الكلام إليهما وقلنا : ان صدور أحد هذين الصدورين مغايرا لصدور الاخر ، فاما أن يكونا داخلين ، أو أحدهما داخلا والاخر خارجا وهكذا ويلزم التسلسل ، فقد بانت الملازمة.

وأما بطلان اللازم فظاهر ، لان اجتماع البساطة والتركيب في الماهية الواحدة مستلزم لاجتماع النقيضين ، فيكون محالا ، والتسلسل محال أيضا كما تقدم ، وهما لازمان من جواز صدور أكثر من واحد عن العلة البسيطة ، فيكون محالا وهو المطلوب.

والجواب من وجهين : الاول : من حيث النقض وهو أنا نمنع القسمة وحصرها ، فان ذلك انما يتم على تقدير كون الصدورين موجودين في الخارج ، فيقال فيهما : اما أن يكونا داخلين أو خارجين الى آخر الكلام ، أما اذا كانا مفهومين ذهنيين لا تحقق لهما في الخارج ، فانا نختار حينئذ أنهما خارجان ، ولا يلزم التسلسل لعدم احتياجهما الى العلة.

ثم ان المصنف استدل على كون الصدور أمرا اعتباريا لا وجود له في الخارج بأنه لو كان موجودا في الخارج لزم التسلسل ، واللازم باطل فكذا الملزوم. بيان الملازمة : أنه لا جائز أن يكون واجبا ، لاستحالة تعدد الواجب واستحالة كونه عرضا ، فيكون ممكنا ، فيكون له صدور ، وننقل الكلام الى صدوره ونقول فيه كما قلنا في الاول ويلزم التسلسل.

الثاني : من حيث المعارضة وهي هنا نقض اجمالي وذلك من وجهين : الاول : أنه يلزم أن لا يصدر عن ذلك البسيط شيء أصلا ، وذلك لانكم تسلمون صدور أمر واحد عن تلك العلة البسيطة ، وحينئذ نقول : ذلك الواحد له صدور. فيكون مغايرا للعلة ولذلك الواحد ، لكونه نسبة بينهما ، فاما أن يكون داخلا في العلة أو خارجا ، فمن الاول يلزم التركيب ، ومن الثاني يلزم التسلسل.

١٧٠

الثاني : أنه لو صح ما ذكرتم لزم أن لا يسلب عن الواحد أكثر من واحد ، وأن لا يتصف الا بشيء واحد.

أما الاول فلان سلب «أ» عن «ج» مغاير لسلب «ب» عنه ، لانا نعقل أحد السلبين ونغفل عن الاخر ، فاما أن يكونا داخلين أو خارجين الخ.

وأما الثاني فلان اتصاف «أ» ب «ب» غير اتصافه ب «ج» ، وهما أيضا متغايران لما قلنا ، فاما أن يكونا داخلين أو خارجين الى آخر الكلام ويلزم ما قلتم.

[البسيط يمكن أن يكون قابلا وفاعلا]

قال : وكذا يمكن (١) أن يكون البسيط قابلا وفاعلا. وقولهم «نسبة القبول نسبة الامكان ونسبة العلية نسبة الوجوب» خطأ ، لامكان اختلاف النسب عند اختلاف الحيثيات. ولا شك في المغايرة بين حيثية القبول وحيثية التأثير.

اقول : اختلفوا في البسيط من كل وجه هل يمكن أن يكون قابلا وفاعلا بمعنى أنه يفعل في نفسه شيئا أم لا؟ فمنع منه الحكماء ، وجوّزه المصنف وجماعة.

حجة الحكماء : أن ذلك البسيط الفاعل من حيث أن الفعل صادرا عنه يكون واجبا عنه ، لوجوب وقوع المعلول عن علته التامة ، ومن حيث أن الفعل مقبول له يكون ممكنا ، والشيء الواحد من جميع الوجوه لا تكون نسبته الى الشيء الواحد نسبتي امكان ووجوب ، لاستحالة اجتماع الامكان والوجوب في الشيء الواحد ، فبقي أن يكون النسبتان لامرين مختلفين ، فيكون ذلك الواحد مركبا ، والفرض أنه بسيط. هذا خلف.

__________________

(١) فى المطبوع من المتن : يجوز.

١٧١

أجاب المصنف : بأن هذا خطأ ، فانه يمكن اختلاف النسب عند اختلاف الحيثيات ، فان الامكان انما هو للفاعل من حيث أنه قابل ، والوجوب له من حيث هو فاعل ، وهو من حيث هو هو واحد ، فالحاصل أن تكثر الحيثيات لا يقتضي تكثر الاجزاء.

[تقسيم الموجود الى الجزئى والكلى]

قال : الخامس ـ الموجود ان منع نفس تصوره من الشركة فيه فهو الجزئي كزيد ، وان لم يمنع فهو الكلي كالانسان.

أقول : تقسيم الموجود الى الجزئي والكلي أيضا من الامور العامة ، وتقرير تقسيمه أن نقول : كل موجود فاما أن يكون نفس تصوره ، أي من حيث أنه متصور مانعا من وقوع الشركة ، أي من اشتراكه بين كثيرين وحمله عليها أو لا يكون مانعا بل يقع فيه الشركة ويحمل على كثيرين.

فان كان الاول : فهو الجزئي كزيد المشار إليه ، فانه من حيث تعلق الاشارة به في قولنا «هذا زيد» يمنع حمله على غيره من الاشخاص.

وان كان الثاني : فهو الكلي والكثيرون المشتركون فيه أفراده كالانسان ، فانه صادق على زيد وعمرو وبكر وغيرهم من أفراده التي يمكن حمله عليها.

[تقسيم الكلى الى الذهنى والخارجى]

قال : ثم أفراده قد تكون ذهنية لا غير كجبل من ياقوت ، وقد تكون خارجية.

أقول : هذا تقسيم الكلي بالنظر الى وجود أفراده في الخارج وعدم وجودها فيه.

وتقريره أن نقول : أفراد الكلي اما أن لا يكون لها وجود في الخارج بل

١٧٢

في الذهن [لا غير] ، فاما أن لا يصح وجودها في الخارج البتة فذلك كشريك الباري ، أو يصح وجودها فذلك كجبل من ياقوت وبحر من زيبق ، فانه ليس في الخارج شيء من أفراد هذا الكلي ، أو يكون لها وجود في الخارج ، فاما أن يكون ذلك الموجود في الخارج واحدا أو كثيرا ، فان كان واحدا ، فامّا مع امتناع عدمه فكالجواب تعالى ، أو مع امكانه فكالشمس.

وان كان كثيرا فاما أن يكون متناهيا في العدد فكالكواكب [السيارة ، فانه منحصر في الكواكب] السبعة المشهورة وهي عدد متناه ، أو يكون غير متناه فذلك كالنفس الناطقة عند من يقول بحدوث النفس وأبدية العالم.

[تقسيم الكلى الى الذاتى والعرضى والانواع الخمسة]

قال : والكلي اما نوع ان كان نفس الحقيقة كالانسان ، أو جنس ان كان جزؤها المشترك كالحيوان ، أو فصل ان كان جزؤها المميز كالناطق ، أو خاصة ان كان خارجا عنها مختصا بها كالضاحك ، أو عرض عام ان كان خارجا عنها مشتركا بينها وبين غيرها كالماشي. ويقال للثلاثة الاول الذاتي ، وللاخيرين العرضي.

أقول : هذا تقسيم آخر للكلي بالنظر الى نسبته الى حقيقة أفراده ، وتقريره أن نقول: الكلي لا بد له من أفراد والافراد لا بد لها من حقيقة ، فاما أن يكون ذلك الكلي نفس حقيقة أفراده أو جزئها أو خارجا عنها.

فان كان الاول أي يكون نفسها فهو النوع كالانسان ، فان نفس ماهية زيد وعمرو وبكر وغيرها (١) ، وهي انما تزيد عليه بالعوارض الشخصية من الاين والوضع والكيف وأمثالها ، ويرسم بأنه الكلي المقول على كثيرين متّفقين بالحقيقة في جواب ما هو.

__________________

(١) وأمثالها خ ل.

١٧٣

وان كان الثاني فاما أن يكون تمام الجزء المشترك بين تلك الحقيقة وغيرها أولا ، فان كان الاول فهو الجنس كالحيوان ، فانه جزء من الانسان والفرس وغيرهما ، وهو كمال الجزء المشترك بينهما وغيرهما ، اذ لا مشترك بينهما الّا وهو نفس الحيوان أو داخل فيه ، ويرسم بأنه الكلي المقول على كثيرين مختلفين بالحقيقة في جواب ما هو.

وان كان الثاني أي لا يكون تمام المشترك بل بعضه المميز لتلك الحقيقة في الجملة ، فهو الفصل كالناطق بالنسبة الى الانسان والصاهل بالنسبة الى الفرس ، فان كل واحد من الناطق والصاهل مميز لما هو فيه (١) عن غيره ، ويرسم بأنه الكلي المقول على الشيء في جواب أي شيء هو في جوهره.

وان كان خارجا فاما أن يكون مختصا بتلك الحقيقة ، بحيث لا يوجد في غيرها ، وذلك هو الخاص كالضاحك ، فانه خارج عن حقيقة الانسان ، وهو مختص بها ، ويرسم بأنه الكلي المقول على حقيقة واحدة قولا عرضيا. وان لم يكن مختصا بها بل يوجد فيها وفي غيرها ، وذلك هو العرض العام كالماشي ، فانه مشترك بين الانسان وغيره من الحيوانات وخارج عن حقيقتها وليس مختصا بواحدة من الحيوانات ، ويرسم بأنه الكلي المقول على كثيرين مختلفين بالحقائق قولا عرضيا.

فالكلي اذن خمسة : نوع وجنس وفصل وخاصة وعرض عام.

وفي قول المصنف «أو جنس ان كان جزؤها المشترك» نظر ، لانتقاضه بالفصل البعيد كالحساس ، فانه جزء الماهية ، وهو مشترك بينها وبين غيرها ، وليس جنسا بل فصلا.

أما اذا قيدناه ب «التمام» كما ذكرناه اندفع الايراد.

__________________

(١) فى «ن» : منه.

١٧٤

قوله «ويقال للثلاثة الاول الذاتي» أي الثلاثة الاول أعني النوع والجنس والفصل يقال لها الذاتي ، أما النوع فلانه نفس الذات ، وأما الآخران فلانهما منسوبان الى الذات بكونهما جزءين لها. والمنسوب الى الذاتي ذاتي.

والاخيران أعني الخاصة والعرض العام يقال لهما العرضي ، لخروجهما عن الذات وعروضهما لها. هذا على مصطلح الشيخ في الشفاء ، وأما على ما نقل عنه في الاشارات فالذاتي هو الجنس والفصل ، وأما النوع فهو نفس الذات ، والشيء لا ينسب الى نفسه ، فعلى الاول القسمة الى الذات وغيره ثنائية ، فان الكلي اما ذاتي أو عرضي ، وعلى الثاني القسمة ثلاثية ، فان الكلي اما ذاتي أو عرضي أو ما ليس أحدهما.

١٧٥

[مباحث التوحيد]

[اثبات واجب الوجود]

قال : الفصل الخامس في اثبات واجب الوجود تعالى وصفاته ـ وفيه مباحث : الاول ـ في اثباته تعالى :

هاهنا موجود بالضرورة ، فان كان واجبا لذاته ثبت المطلوب ، وان كان ممكنا لذاته أفتقر الى مؤثر ، فان كان مؤثره واجبا فالمطلوب ، وان كان ممكنا أفتقر الى مؤثر ، فان كان هو الاول لزم الدور ، وان كان غيره. فان كان واجبا ثبت المطلوب ، والا لزم التسلسل ، وقد تقدم بطلانهما.

أقول : لما فرغ من تقديم المباحث التي هي كالمقدمات الثبات الواجب تعالى ، شرع في بيان اثباته الذي هو المقصود بالذات والعمدة في هذا الفن.

واستدل المصنف على اثباته بطريقة الحكماء في هذا الباب ، وهو أن ننظر في الوجود نفسه حتى نشهد بوجود واجب الوجود ، وهي طريقة شريفة أشير إليها في الكتاب العزيز في قوله (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (١).

__________________

(١) سورة فصلت : ٥٣.

١٧٦

وأما المتكلمون فيستدلون : بأن العالم محدث ، وكل محدث مفتقر الى المؤثر ، فالعالم مفتقر الى المؤثر ، وهي طريقة الخليل عليه‌السلام وإليها أشير في الكتاب العزيز بقوله (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ) (١) فالاول برهان لمي والثاني اني (٢).

وتقرير الاول أن نقول : هاهنا موجود بالضرورة ، فان كان واجبا ثبت المطلوب ، وان كان ممكنا أفتقر الى مؤثر ، لما تقدم من احتياج الممكن الى المؤثر ضرورة فان كان واجبا ثبت المطلوب ، وان كان ممكنا أفتقر الى مؤثر ، فان كان [هو] الاول لزم الدور ، وان كان غيره:

فان كان واجبا أو منتهيا إليه ثبت المطلوب ، وان (٣) كان ممكن آخر ننقل الكلام إليه وهكذا ، حتى يلزم اما الانتهاء الى الواجب أو التسلسل ، لكن الدور والتسلسل محالان ، فيلزم الانتهاء الى الواجب.

وفي قول المصنف «فان كان واجبا ثبت المطلوب والا لزم التسلسل» نظر ، لجواز أن يكون المؤثر ممكنا والمؤثر في ذلك الممكن واجبا ، وحينئذ لا يلزم التسلسل فالاولى أن يقال : فان كان واجبا أو منتهيا إليه ثبت المطلوب والا لزم التسلسل.

وهاهنا برهان بديع غير متوقف على اثبات الدور والتسلسل ، سمعناه من شيخنا دام شرفه ، وهو من مخترعات العلامة سلطان المحققين وارث الأنبياء والمرسلين نصير الملة والحق والدين علي بن محمد (٤) القاشي قدس الله سره

__________________

(١) سورة فصلت : ٥٣.

(٢) الإني استدلال بالمعلول على العلة ، واللم عكسه «منه».

(٣) فى «ن» والا.

(٤) وهو من أجلة متأخرى متكلمى أصحابنا وكبار فقهائهم ، وكان معروفا بدقة الطبع

١٧٧

وبحظيرة القدس‌سره.

وبيانه يتوقف على تقرير مقدمتين : احداهما تصورية ، والاخرى تصديقية.

أما التصورية فهي أن مرادنا بالموجب التام ما يكون كافيا في وجود أثره.

وأما التصديقية فهي أنها لا شيء من الممكن بموجب تام لشيء من الاشياء ، وبيانه أن ايجاد الممكن لغيره متوقف على وجوده ووجوده من غيره فإيجاده لغيره من غيره.

اذ تقرر هذا فنقول : هنا موجود بالضرورة ، فيفتقر الى موجب تام يوجده ، وليس ذلك ممكنا لما قلنا في المقدمة التصورية (١) ، فيكون واجبا ، فيكون الواجب موجودا وهو المطلوب.

وعلى هذا البرهان نقضان اجماليان : أما الاول : فهو أن يقال : لو كان هذا البرهان حقا لزم قدم الحادث اليومي ، واللازم باطل فالملزوم مثله.

بيان الملازمة : أن الحادث اليومي ممكن مفتقر الى موجب تام يؤثر فيه ويوجده ، وليس ذلك ممكنا كما قلتموه ، فيكون واجبا وهو المدعى ، وقدم العلة تستلزم قدم المعلول ، فتكون الحادث اليومي قديما ، وهو باطل.

والجواب : انا لا نسلم أنه يلزم من قدم الواجب قدم الحادث اليومي ، وانما يلزم أن لو كان موجبا ، أما اذا كان مختارا فلا ، والمؤثر هنا مختار ، كما سيجيء في موضعه ، فلا يلزم قدم الحادث اليومي.

وأما الثاني فتقريره أن نقول : لو صح دليلكم لزم أن لا يكون في الوجود مؤثر غير الله سبحانه ، بيان ذلك : أن الاثر الممكن مفتقر الى مؤثر ، وذلك

__________________

وحدة الفهم ، وفاق على حكماء عصره وفقهاء دهره وله كتب ورسائل راجع الرياض : ٤ / ١٨١.

(١) كذا في نسخة الاصل والصحيح كما في «ن» : التصديقية.

١٧٨

المؤثر ليس بممكن كما قلتموه ، فيكون واجبا ، فيلزم أن يكون الواجب تعالى فاعلا للكل ، وهو يناقض مذهبكم في أن العبد فاعل.

والجواب بالتزامه ، فان المراد بالمؤثر في قولنا «لا شيء من الممكن بموجب لغيره» هو التام كما أشرنا إليه ، لا أنه ليس بمؤثر مطلقا ، وحينئذ جاز أن يكون مؤثرا ناقصا ، ولا يلزم أن لا يكون العبد فاعلا لفعله ولا مباشرا قريبا بالنسبة إليه ، اذ هو مؤثر ناقص لا مؤثر تام لتوقف فعله على وجوده وعلى الآلات والقدرة وغير ذلك ، والقائل بكون العبد موجودا لم يرد كونه تاما ، أي كافيا باستقلاله لوجوده أثره ، بل ارادته مباشر قريب وان لم يكن تاما.

[كون وجوده تعالى نفس حقيقته]

قال : ووجوده نفس حقيقته ، لانه لو كان زائدا عليها كان صفة لها ، والصفة مفتقرة الى الموصوف ، والمفتقر ممكن ، فيكون الوجود ممكنا وقد فرض واجبا ، هذا خلف. ولانه لو كان ممكنا لافتقر الى مؤثر.

فمؤثره ان كان حقيقة واجب الوجود : فاما أن تؤثر فيه وهي موجودة فيلزم الدور أو التسلسل ، واما أن تؤثر فيه وهي معدومة فيتطرق العدم الى واجب الوجود ، وهو محال ، لاستحالة تأثير المعدوم في الموجود.

أقول : اختلف الناس في وجود واجب الوجود تعالى هل هو نفس حقيقته في الخارج أو زائد عليها؟ فذهبت الاشاعرة الى الزيادة ، والحكماء والمحققون من المتكلمين الى أنه نفسها ، واختاره المصنف واستدل عليه بوجهين :

الاول : أنه لو لم يكن وجوده نفس ماهيته لزم امكانه ، واللازم باطل فالملزوم مثله ، بيان الملازمة : أنه لو لم يكن نفسها لكان زائدا عليها صفة لها لانه يقال ماهية موجودة ، والصفة مفتقرة الى موصوفها خارجا وذهنا ، أما خارجا

١٧٩

فظاهر ، وأما ذهنا فلانه لا يمكن تعقلها الا معه ، فتكون مفتقرة إليه في التعقل ، وكل مفتقر الى غيره ممكن ، فالصفة ممكنة ، فيكون وجود الواجب تعالى ممكنا ، فيلزم امكان الواجب ، هذا خلف ، وأما بطلان اللازم فظاهر.

الثاني : لو لم يكن وجوده نفس ماهيته للزم : اما افتقاره الى غيره ، أو تطرق العدم إليه ، أو تأثير المعدوم في الموجود ، أو وجود الماهية مرات متعددة ، أو الدور ، أو التسلسل ، واللوازم بأسرها باطلة ، وهي لازمة من كون وجوده زائدا على حقيقته ، فيكون باطلا ، فيكون نفسها ، وهو المطلوب.

بيان الملازمة : أنه لو كان وجوده زائدا على ماهيته لكان صفة لها ، والصفة مفتقرة الى الموصوف والموصوف غيرها ، والمفتقر الى غيره ممكن ، فيكون الصفة ممكنة ، وكل ممكن مفتقر الى المؤثر ، فالصفة التي هي الوجود هنا مفتقرة الى المؤثر.

فالمؤثر فيها : اما ماهية الواجب أو غيره.

فان كان الثاني لزم افتقار الواجب الى غيره وهو محال ، وهو اللازم الاول.

وان كان الاول فاما أن يؤثر الماهية فيه وهي موجودة أو وهي معدومة ، فان كان الثاني لزم تطرق العدم الى ماهية الواجب ، وهو محال ، وهو اللازم الثاني ولزم أيضا تأثير المعدوم في الموجود ، وهو غير معقول ، وهو اللازم الثالث. وان كان الاول أي يؤثر [فيه] وهي موجودة ، فاما أن يكون موجودة بهذا الوجود أو بغيره ، فان كان الاول لزم وجود الماهية مرتين ، وهو تحصيل الحاصل وهو اللازم الرابع ، ولزم أيضا توقف الشيء على نفسه وتقدمه على نفسه ، وهو دور محال ، وذلك هو اللازم الخامس.

وان كان الثاني أي تكون موجودة بغير هذا الوجود ، فننقل الكلام إليه

١٨٠