ارشاد الطالبين الى نهج المسترشدين

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي

ارشاد الطالبين الى نهج المسترشدين

المؤلف:

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٦

على سبيل الحمل (١) تنبيها عليهما : بأن اللذة ادراك الملائم من حيث هو ملائم ، والالم هو ادراك المنافي من حيث هو منافي.

وشرطنا الحيثية في القسمين ، وذلك لان ادراك الصوت الطيب والصورة الحسنة من حيث أنهما موجودان أو محدثان ، أو من حيث العرضية أو الجسمية لا يوجب لذة. وادراك الضرب مثلا من حيث أنه موجود أو عرض حادث لا يوجب ألما ، بل الموجب للذة والالم هو ادراك متعلقهما من حيث هو ملائم أو منافي.

ثم ان هذه المنافاة والملائمة تختلف بالقياس الى الاشخاص ، بحيث يكون الشيء الواحد ملائما لشخص ومنافيا لآخر. ولذلك عرفهما الشيخ في الاشارات : بأنّ اللذة ادراك ونيل لما هو خير وكمال من حيث هو خير وكمال بالنسبة الى المدرك والنائل ، والالم ادراك ونيل لما هو شر وآفة في القابل (٢).

ثم ان ذلك الادراك قد يكون حسيا ، فيكون الالم واللذة حسيين ، كالادراك بالحواس الظاهرة ، وقد يكون عقليا ، فيكونان عقليين بالنسبة الى المدرك ، فان ادراك الكمال يوجب اللذة ، وادراك النقصان يوجب الالم وهو وجداني ، والكمال والنقصان يتفاوتان بحسب تفاوت مراتب الادراك.

ولمّا كان كمال القوة العقليّة ادراك المعقولات ، وهو أقوى من ادراك المحسوسات ، فان غاية الحس ادراك ظواهر الاجسام والسطوح ، وهو قابل للتغير والتبدل ، بخلاف العقل فانّه يدرك الشيء باطنا وظاهرا ، ويفصله الى أجزائه وذاتياته وعوارضه والى جنسه وفصله ، فيكون ادراكه أتم و [فيكون] أقوى فكانت اللذة العقلية أقوى من الحسية ، والمنكر لذلك من المتكلمين مكابر.

__________________

(١) فى «ن» : الجملة.

(٢) فى «ن» : وآفة بالنسبة الى المدرك والنائل.

١٢١

قوله «وسبب الالم» الخ ، [أقول :] للألم الحسي سببان بالاستقراء : أحدهما : تفرق الاتصال ، فان مقطوع اليد يحس بالالم بسبب تفرق اتصالها. وفيه نظر : فان التفرق أمر عدمي والالم وجودي ، فلا يكون معللا به. أجيب عنه بوجهين : الاول أنه ليس عدما محضا ، وحينئذ جاز التعليل به. الثاني أنه علة معدة لحصول الالم الوجودي ، فيكون التفرق علة بالعرض ، والعلة بالذات هو [سوء] المزاج.

وثانيهما : سوء المزاج المختلف ، والمزاج هو الكيفية المتوسطة الحاصلة من تفاعل العناصر الاربعة بعضها مع بعض ، وسوء المزاج مزاج غير أصلي ، وهو قسمان : مختلف وهو ما يحصل لشخص دفعة واحدة ، كالحمى اليومية. ومتفق وهو ما يحصل بالتدريج ، كالحمى الدقية ، فالاول موجب للألم ، والثاني لا يوجبه بالوجدان.

[تعريف الادراك وأنواعه]

قال : التاسع عشر ـ الادراك : وهو زائد على العلم ، فانا نجد تفرقة ضرورية بين علمنا بحرارة النار وبين اللمس.

وهل الزيادة راجعة الى تأثير (١) الحاسة وعدمها أو الى أمر مغاير؟ خلاف (٢).

وأنواعه خمسة :

«الابصار» ـ قيل : انه يحصل بخروج شعاع من العين نحو المرئي ويتصل به فتحصل الرؤية. وقيل : بل تنطبع في العين صورة المرئي.

وكلاهما باطل : أما الاول فلان الشعاع ان كان عرضا استحال عليه الحركة

__________________

(١) فى المطبوع من المتن : تأثر.

(٢) فى المطبوع من المتن : فيه خلاف.

١٢٢

والانتقال ، وان كان جسما استحال أن يخرج من العين جسم يتصل بنصف كرة العالم مع صغر العين. أما الثاني فلانه يستحيل انطباع العظيم في الصغير.

والحق ما اخترناه نحن في كتاب «نهاية المرام» وهو أن الله تعالى جعل للنفس قوة ادراك المرئي (١) عند مقابلة الحدقة السليمة له مع حصول الشرائط العشرة ، وهي : سلامة الحاسة ، وكثافة المبصر ، وعدم البعد والقرب المفرطين ، والمقابلة أو حكمها ، ووقوع الضوء على المرئي ، وكونه غير مفرط ، وعدم الحجاب ، وتعمد الابصار (٢) ، وتوسط الشفاف. وعند اجتماع هذه الشرائط تجب الرؤية.

«والسماع» ـ وهو يحصل بتموج الهواء الصادر عن قلع أو قرع الى أن يصل ذلك التموج الى سطح الصماخ.

«والشم» ـ وهو يحصل بتكيف الهواء برائحة ذي الرائحة ووصوله الى الخيشوم.

«واللمس» ـ وهو أنفع الادراكات ، اذ باعتباره يحتفظ الحيوان مزاجه عن المنافي الخارج ، فانه لما كان مركبا من العناصر الاربعة كان حفظه ببقائها على الاعتدال وفساده بخروجها عنه ، فوهبه الله تعالى قوة سارية فيه أجمع هي اللمس ، يدرك بها ما ينافيه فيبعد عنه.

أما باقي القوى فانها جالبة للنفع ، ودفع الضرر أقدم من جلب النفع ، ولهذا كان اللمس أنفع الادراكات.

«والذوق» ـ وهو يحصل بانفعال الرطوبة اللعابية المتصلة باللسان بطعم ذي الطعم.

أقول : الادراك هو اطلاع الحيوان على الامور الخارجية بواسطة الحواس

__________________

(١) فى المطبوع من المتن : بالمرئى.

(٢) فى المطبوع من المتن : والتعمد للابصار.

١٢٣

[الخمس] وهل هو زائد على العلم؟ الحق أنه كذلك في حقنا لوجهين :

الاول : انا نجد تفرقة ضرورية بين علمنا بحرارة النار وبين لمسنا لها ، فان لمسنا مؤلم والعلم بها من غير اللمس غير مؤلم.

الثاني : لو لم يكن زائدا على العلم مغايرا له لكان كل موصوف به موصوفا بالعلم ، واللازم باطل ، فان الحيوانات العجم موصوفة بالادراك وغير موصوفة بالعلم ، والملازمة ظاهرة.

ثم تلك الزيادة هل هي راجعة الى تأثير الحاسة أو الى أمر آخر؟ ذهب الحكماء والمعتزلة الى الاول ، لان في الادراك تأثر الحاسة وتصور ذلك الشيء ، فالتصور هو العلم ويبقى التأثر.

وقالت الاشاعرة : راجعة الى المعنى الذي يخلقه الله تعالى ، وباعتباره يحصل الادراك ، وهو باطل كما يجيء. وقيل : غير ذلك وهو ان الادراك مغاير للعلم ، لان العلم حصول صورة الشيء في العقل ، فهو لا يكون علما الا اذا كان أمرا كليا ، بخلاف الادراك فانه يكون للجزئيات ، فيكون مغايرا له حاصلا في آلة النفس.

والتحقيق هنا أن الجزئيات الشخصية لا تدرك بالحدود والبراهين ، لتألف (١) الحدود والبراهين عن التصورات الكلية ، ولا يمكن اقتناص الشخصيات من الكليات ، لعروض التغير والفساد لها ، والكليات بعيدة عن ذلك والحد والمحدود والبرهان ، وما عليه البرهان يجب تطابقهما وتناسبهما ، فمتعلقهما ليس هو الشخصيات ، بل مدرك الشخصيات الحواس ، ومدرك الكليات العقل. وقد وقع الاصطلاح على [وضع] اسم العلم على الصنف الثاني والادراك على

__________________

(١) فى «ن» : لتأليف.

١٢٤

الاول ، فهما حينئذ نوعان تحت جنس وهو مطلق الادراك.

قوله «وأنواعه خمسة» لان الحواس خمسة ، لكل حاسة [من الحواس] قوة ادراك ما يناسبها. وأسقط أبو هاشم اللمس من البين فلم يعده حاسة من الحواس ، وبعضهم جعل أنواع الادراك ثمانية ، بأن قسم اللمس الى أربعة أقسام كما يجيء.

اذا عرفت هذا فنقول :

الاول الابصار : واختلف في كيفيته ، فذهب ابن سينا وجماعة ممن تقدمه من الحكماء الى أنه يحصل بانطباع صورة المرئي في العين. وذهب بعض الاوائل وجماعة من المعتزلة والمحقق [الطوسي] الى أنه يحصل بخروج الشعاع من العين على شكل مخروط رأسه عند مركز الباصرة وقاعدته على سطح المرئي.

قال المصنف : وكل القولين باطل : أما الشاع فلوجوه :

الاول : ان الشعاع اما أن يكون جسما أو عرضا ، فان كان عرضا استحال عليه الحركة والانتقال ، لما سيأتي من أن الانتقال على الاعراض محال ، وان كان جسما استحال أن يخرج من العين جسم بقدر جرم العين يتصل بهذه الاجسام العظيمة.

قال شيخنا : فيه نظر لجواز أن يكون صغيرا ثم يكبر.

الثاني : لو كانت الرؤية بالشعاع لوجب أن يتشوش بالرياح العاصفة للطافته فكان يقع على غير المقابل ، فيرى الانسان ما لا يقابله دون الذي يقابله.

الثالث : انا ننظر الى الارض من تحت الماء الصافي ، فيجب أن يكون ثمة خلاء يدخل فيه الشعاع ، والحس يكذبه.

قال المحقق الطوسي : ما ذكرتموه جميعه ينتقض بأشعة الكواكب النيرة

١٢٥

كالشمس والقمر.

أجاب المصنف في الاسرار : بأنا لا نقول أن الشعاع يتحدر من الكواكب حتى يلاقي الاجسام السفلية ، بل محاذاة الجسم النير لجسم كثيف سبب معد لحصول الشعاع في ذلك الجسم الكثيف ، لا بانتقال من النير إليه.

وأما الانطباع : فلانه يلزم منه انطباع [الجسم] العظيم في الصغير ، وهو محال.

أجابوا عنه : بأنه قد ينطبع العظيم في الصغير ، كما في المرآة.

قال المصنف في الاسرار : هذا ليس بصحيح ، لان العظيم لا ينطبع مع عظمه في الصغير ، بل ينطبع صورة مساوية له في الشكل دون المقدار ، ولا يمكنهم القول هنا بمثل ذلك ، لان البصر يدرك العظيم على عظمه والصغير على صغره.

ولما أبطل القولين ذكر ما هو الحق عنده ، وهو أن الله تعالى جعل للعين قوة تدرك المرئي عند المقابلة والشرائط ، فالمقابلة سبب معد لإفاضة الله تعالى تلك القوة ، ويقرب من هذا مذهب الشهيد السهروردي.

وتلك الشرائط عشرة :

الاول : سلامة الحاسة ، فانها لو لم تكن سليمة لم يحصل الادراك.

الثاني : كثافة المبصر ، فانه لو كان لطيفا كالهواء لم يدرك.

الثالث : عدم البعد المفرط.

الرابع : عدم القرب المفرط ، كالشيء في الحدقة.

الخامس : المقابلة أو في حكما [كما] في المرآة.

السادس : وقوع الضوء على المبصر ، اما من ذاته أو من غيره.

السابع : كونه غير مفرط ، كضوء الشمس.

الثامن : عدم الحجاب.

١٢٦

التاسع : تعمد الابصار ، أي توجهه (١) نحو المرئى.

العاشر : توسط الشفاف ، على عدم تقدير الخلاء ، وأما على تقدير وجوده فلا يتوسط شيء ، والمصنف قال بوجود الخلاء ، فلا وجه لهذا الشرط عنده.

وعند حصول هذه الشرائط بأجمعها تجب الرؤية ، عند الحكماء والمعتزلة والمحققين ، والتجئوا في ذلك الى الضرورة ، ولانه يلزم من عدم ذلك القدح في سائر القضايا العقلية.

وخالفت الاشاعرة في ذلك ، اذ جوزوا عدم الرؤية عند حصول هذه الشرائط ، محتجين بأنا نرى الكبير صغيرا ، وليس السبب فيه الا رؤية بعض أجزائه دون بعض ، مع تساوي الجميع في الشرائط ، فلو كانت الرؤية واجبة عند حصول الشرائط لرأينا جميع أجزائه ، وكنا نراه على ما هو عليه ، فلا نراه صغيرا بل كبيرا ، والواجدان بخلافه.

والجواب : ان هذا خطأ ، فانا لو جوزنا ذلك للزم أن يكون بين أيدينا جبال شاهقة وأنهار سارية ونحن لا نراها ، وهو سفسطة. وأما ما ذكروه فليس بدال على مطلوبهم ، لوقوع التفاوت في القرب والبعد بالنسبة الى الاجزاء فلهذا أدركنا بعض الاجزاء ، وهي القريبة دون الباقي وهي البعيدة. ويتحقق التفاوت بخروج خطوط ثلاثة من الحدقة الى المرئي : أحدها عمود ، والباقيان ضلعا مثلث قاعدته المرئي ، فالعمود أقصر ، لانه يؤثر زاوية حادة ، والضلعان أطول ، لانهما يؤثران قائمة.

النوع الثاني من أنواع الادراك السماع : وهو يحصل بتموج الهواء الصادر عن قلع أو قرع عنيف ، بحيث ينقلب (٢) الهواء ، فيدفع بعضه بعضا الى أن

__________________

(١) فى «ن» : توجه النفس.

(٢) فى «ن» : ينفلت.

١٢٧

يصل الى القوة السامعة التي في الصماخ ، وهو عصب مفروش داخل الاذن ، جعل الله فيه قوة يسمع بها ما يلاقيه من الاصوات. وقد عرفت من قبل كيفية حصول الصوت وقيامه بالهواء.

وقال بعضهم بنفيه ، وأنه لا يفتقر الى الهواء ، والا لما أدركنا الصوت من وراء الجدار على هيئته ، فان من المحال أن يبقى التموج على شكل الصوت مع صدمه الجدار ونفوذه في مسامعه. وهذا مجرد استبعاد من غير دليل.

الثالث ـ الشم : وهو قوة موجودة (١) في حلمتين كحلمتي الثديين ناشئتان من الدماغ في مقدمه ، قد فارقتا لين الدماغ قليلا ، ولم تلحقهما صلابة العصب ، خلق الله فيها تلك القوة الشامة ، وخلق في آخر الانف عظما مثل المصفاة فيه ثقوب ينفذ (٢) الهواء المتكيف من رائحة ذي الرائحة في تلك الثقوب فيصل الى تلك الزائدتين فيحصل الشم.

الرابع ـ اللمس : وهو أنفع الادراكات ، اذ باعتباره يحفظ الحيوان مزاجه عن المنافي الخارجي ، فانه لما كان مركبا من العناصر [الاربعة] ولكل واحد منها مقدار معين لا يزيد عليه ، فاعتدال مزاجه هو بقاء تلك المقادير على ما هي عليه من غير زيادة ولا نقصان.

فوهبه الله تعالى قوة سارية في جميع سطوح بدنه وهي اللمس يدرك بها ما ينافيه فيبعد عنه وما يلائمه فيقرب منه ، بحيث تبقى تلك المقادير المعينة على ما هي عليه ، فلهذا كان أنفع الادراكات ، لكونه دافعا للضرر.

بخلاف باقي القوى من الشم والذوق وغيرهما فانها جالبة للنفع ، ودفع الضرر أقدم من جلب النفع ، لان النفع لا يصل الى البدن الا بعد أن يكون على

__________________

(١) فى «ن» : مودعة.

(٢) فى «ن» : ينتقل.

١٢٨

الاعتدال ، وبقاؤه على الاعتدال انما هو بدفع الضرر ، فيكون أقدم.

وهل هو قوة واحدة أو أكثر؟ ذهب الجمهور من الحكماء الى الثاني ، وقسموه الى قوا أربع : الاول : الحاكمة بين الحار والبارد الثاني : الحاكمة بين الرطب واليابس الثالث : الحاكمة بين الصلب واللين.

الرابع : الحاكمة بين الخشن والاملس ، بناء منهم على أن القوة الواحدة لا يصدر عنها أكثر من واحد.

وذهب آخرون الى أنه قوة واحدة تدرك جميع الكيفيات ، قال في المناهج : وهو أولى.

الخامس ـ الذوق : وهو قوة خلقها الله تعالى في سطح اللسان تحت الجلدة ، ولا يكفي فيها الملامسة ، بل لا بد من توسط الرطوبة اللعابية المنفعلة عن طعم ذي الطعم ، وتلك الرطوبة منبعثة عن الخرقين (١) اللذين تحت اللسان المولدين للعاب ، ويجب خلو تلك الرطوبة من الطعم ، لانها لو كانت ذات طعم فان كان مماثلا للمدرك لم يتحقق الادراك ، لان الادراك انما يكون بالانفعال والشيء لا ينفعل عن مثله ، وان كان مخالفا لم يحصل التأدية ، للكيفية على صرافتها ، كما في حق المرضى ، فوجب حينئذ كونها عذبة خالية من الطعوم.

ثم انها هل ادراكها للطعم بانفعالها بكيفية الجسم ثم تنفذ الى سطح اللسان ، فتدرك تلك القوة ، أو بانفصال أجزاء من الجسم ثم تغوص (٢) في اللسان وتخالطه؟ المشهور الاول ، والثاني محتمل.

__________________

(١) فى «ن» : العرقين.

(٢) فى «ن» : تعرض.

١٢٩

[تحقيق حول مباحث الاعراض]

قال : البحث الرابع ـ في أحكام عامة للاعراض :

الاعراض يستحيل عليها الانتقال ، لانه عبارة عن الحصول فى حيز بعد الحصول في حيز آخر ، وهو لا يعقل الا (١) فى الاعراض.

ولا يجوز انتقالها من محل الى محل ، لان العرض مفتقر فى تشخصه الى محل شخصي يقوم به (٢) ، والا لما حل فيه ، لاستغنائه فى وجوده بفاعله وفي تشخصه بغير المحل ، واذا افتقر فى تشخصه الى محل استحال انتقاله عنه.

ولا يستحيل قيام عرض بعرض ، كالسرعة القائمة بالحركة ، ولا بد من الانتهاء الى محل جوهري.

ولا يستحيل عليها البقاء ، فان الحس كما يحكم ببقاء الاجسام كذلك يحكم ببقاء الاعراض القارة. وخلاف الاشاعرة ضعيف.

ولا يمكن حلول عرض واحد فى محلين ، كما لا يعقل حلول جسم فى مكانين. وقول أبي هاشم ب «أن التأليف عرض يقوم بجزءين لا أزيد» وقول بعض الاوائل «ان الاضافات المتفقة تقوم بالمضافين» ضعيفان.

والاعراض كلها حادثة ، لان محلها ـ وهو الجسم ـ حادث ، وقد سبق.

أقول : لما فرغ من أحكام الخاصة لعرض عرض (٣) ، شرع في أحكام عامة (٤) لكل واحد واحد من الاعراض وهي أقسام :

__________________

(١) كلمة الاستثناء غير موجودة فى المطبوع من المتن.

(٢) فى المطبوع من المتن : فيه.

(٣) فى «ن» : للاعراض.

(٤) فى هامش نسخة الاصل : كليات.

١٣٠

الاول : أنه لا يجوز عليها الانتقال ، لانه عبارة عن الحصول فى حيز بعد الحصول فى حيز آخر ، فلذلك لا يعقل الا فيما كان حاصلا فى الحيز ، وهو الجسم. وأما العرض فلا يعقل منه ذلك ، لانه ليس حاصلا فى الحيز.

الثاني : أنه لا يجوز عليها الانتقال من محل الى آخر ، وهو حكم متفق عليه بين العقلاء. فقالت الاشاعرة وبعض المعتزلة : لان الانتقال عرض ، فلو جاز عليها الانتقال لزم قيام العرض بالعرض ، وهو محال ، وسيأتيك [بيان] ضعفه ، لتحقق قيام العرض بالعرض.

والاولى فى استدلال بما قاله المصنف وأشار إليه المحقق الطوسي ، وتقريره : ان العرض مفتقر فى تشخصه الى محل شخصي يقوم به ، والا لما حل فيه ، وذلك لانه مستغني عنه فى وجوده بفاعله ، فلو لم يكن مفتقر الى المحل لوجد بدونه ، ولكنه لا يوجد الا في المحل ، فيكون مفتقر إليه ، فالمحل حينئذ علة فى تشخصه ، فاذا فارقه زالت عنه علته المشخصة فيعدم ، لانه اذا زالت العلة زال المعلول ، فاذا حل فى محل آخر حل عرض آخر ، وليس النزاع في استحالة انعدام عرض عن محل ووجود عرض آخر فى محل آخر ، بل فى استحالة أن ينتقل إليه عرض عن محل ويحل هو بعينه فى محل آخر.

ان قلت : لم لا يكفي في تشخصه افتقاره الى محل مبهم ، وحينئذ لا يلزم انعدامه بزواله عن محله الاول.

قلت : المبهم من حيث انه مبهم غير موجود في الخارج ، والعرض الشخصي من حيث هو عرض شخصي يفتقر فى تشخصه الى محل موجود فى الخارج ، فلا يكون المبهم مفتقرا إليه ، وهو المطلوب.

الثالث : أنه يجوز قيام عرض بعرض ، وهو مذهب الحكماء وجمهور من المعتزلة ، وهو الحق. خلافا للاشاعرة فانهم منعوا من ذلك ، وقالوا : كل عرض

١٣١

فهو قائم بنفسه بمحل جوهري.

لنا : أن السرعة والبطوء عرضان ، وهما قائمان بالحركة ، وانما قلنا ذلك ، لان مرادنا بالقيام هنا هو اختصاص أحد الامرين بالآخر ، بحيث يكون القائم ناعتا والمقوم به منعوتا ، وهو هنا كذلك ، فان الحركة تنعت بكونها سريعة وبطيئة دون الجوهر ، فانه لا ينعت بهما ، لكن لا بدّ من الانتهاء الى محل جوهري ، والا لزم التسلسل ، لان العرض هو الذي لا يقوم الا بالغير ، فذلك الغير لا يخلو اما أن يكون جوهرا أو عرضا ، فان كان جوهرا ثبت المطلوب ، وان كان عرضا افتقر الى شيء آخر مقوم به ، وننقل الكلام إليه ونقول فيه كما قلنا فى الاول ، وحينئذ يلزم اما التسلسل أو الانتهاء الى محل جوهري ، لكن التسلسل محال ، فتعين انتهاؤه الى محل جوهري يقوم به ، وهو المطلوب.

الرابع : انه يجوز عليها البقاء ، خلافا للاشاعرة ، وتحرير البحث هنا أن نقول : العرض على قسمين : قار وغير قار. فالقار هو الذي تجتمع أجزاؤه فى الوجود ، كالسواد والبياض. وغير القادر ما لا تجتمع أجزاؤه فى الوجود ، بل يوجد منه شيء وينعدم منه شيء ، كالحركة فانها لا تجتمع أجزاؤها فى الوجود بل تتعاقب ساعة فساعة بحيث ينعدم المتقدم ويوجد المتأخر.

اذا عرفت هذا فنقول : لا شك فى عدم بقاء الاعراض الغير القارة ، أما القارة فهل هي باقية أم لا؟ فقالت المعتزلة والمحققون : نعم هي باقية ، وادعى أبو الحسين هنا الضرورة ، وذلك لان الحس كما يحكم ببقاء الاجسام الذي شاهدناها فى الزمن الاول ، كذلك يحكم ببقاء العرض الحال فيه من غير فرق بينهما.

وخالفت الاشاعرة فى ذلك وقالوا : الاعراض مطلقا غير باقية ، بل توجد آنا فآنا ، وهذا يتوجه فى غير القارة ، أما القارة فلا كما قلناه. احتجوا : بأن البقاء عرض ، فلو بقيت الاعراض لقام العرض بالعرض. أجيب : بأنا نمنع كونه عرضا

١٣٢

بل هو أمر عقلي ، وهو عبارة عن استمرار الوجود من الزمن الاول الى الثاني ، سلمنا لكن يجوز قيام العرض بمثله ، وقد تقدم [بيانه].

الخامس : أنه لا يمكن حلول عرض واحد فى محلين. والحلول عبارة عن اختصاص أحد الشيئين بالآخر ، بحيث تكون الاشارة الى أحدهما عين الاشارة الى الاخر ، كالسواد الذي في المحل.

اذا عرفت هذا فنقول : لا يجوز أن يكون عرضا واحدا حالا بمحلين لوجهين :

الاول : أنه كما لا يعقل حصول جسم واحد في مكانين (١) ، كذا لا يعقل حلول عرض واحد فى محلين. وفيه نظر : فانه قياس للعرض على الجسم ، ولو صح ذلك لامتنع أن يحصل عرضان فى محل واحد ، كما امتنع الجسمان لكن الاعراض المتعددة تجتمع فى محل واحد كالسواد والحركة والعلم وغيرها.

الثاني : أنه قد تقدم أن المحل علة في تشخص العرض ، فلو حل العرض الواحد فى محلين لزم توارد علتين تامتين على معلول واحد شخصي ، وهو محال كما يجيء. وخالف أبو هاشم في هذا الحكم حيث جوز قيام عرض بمحلين لا أزيد كالتأليف ، وقد تقدم [البحث فيه] ، وكذا جماعة من الاوائل ذهبوا الى أن العرض الواحد يقوم بمحلين ، لا بمعنى أن العرض الحال في أحد المحلين حال في الاخر ، بل أن العرض الواحد حال في مجموع شيئين صارا باجتماعهما محلا واحدا ، كالحياة والقدرة والعلم.

قوله «وقول بعض الاوائل» الخ : اعلم أن الاضافة على قسمين : متفقة وهي التي يتحد طرفاها ، كالاخوة والجوار. ومختلفة وهي ما يختلف طرفاها ،

__________________

(١) فى «ن» محلين.

١٣٣

كالابوة والبنوة. فقال بعض الاوائل : ان الاضافة المتفقة عرض واحد قائم بمحلين ، وهما المضافان ، فان الاخوة التي هي قائمة بهذا الاخ ، كذلك هي قائمة بذلك الاخ ، وكذا الجوار. وهو باطل ، فان اخوة هذا لذاك قائمة به واخوة ذلك لهذا قائمة به ، فليس هناك عرض واحد قائم بمحلين ، بل عرضان قائمان بمحلين. غاية ما في الباب أن الطرفين متحدان.

السادس : أن الاعراض حادثة ، وقد تقدم بيانه.

[كون المتغايران اما متماثلان أو متخالفان]

قال : البحث الخامس ـ فى بقايا أحكام مشتركة بين الجواهر والاعراض : وهي خمسة:

الاول ـ كل معقولين ان تساويا فى تمام الماهية فهما المثلان ، والا فالمختلفان. والمختلفان : اما متقابلان ان لم يمكن اجتماعهما ، واما متلاقيان. والتقابل على أربعة أصناف :

أقول : هذا البحث في الامور العامة لكل واحد من الجواهر والاعراض وينقسم الى أقسام :

الاول : فى تقسيم المتغايرين ، أعني الذين يمكن أن يفارق أحدهما الاخر الى التماثل والاختلاف والتقابل ، وتقريره أن نقول : المعقول هو الصورة الحاصلة في الذهن ، فكل معقولين حصلا في الذهن : اما أن يكون المفهوم من أحدهما بتمامه هو المفهوم من الاخر بتمامه ، بحيث يكون كل منهما سادا مسد الاخر في المعقولية أولا.

فان كان الاول فهما المتماثلان كزيد وعمرو ، فان الذي يفهم من زيد هو بعينه المفهوم من عمرو ، وهو الحيوان الناطق ، وانما يتخالفان بعوارض

١٣٤

مشخصة ، كالاين والوضع والكيف وغير ذلك. والمراد بتمام الماهية فى قول المصنف «ان تساويا فى تمام الماهية» هو النوع ، أي يكون نوعهما واحد.

وان كان الثاني وهو أن لا يكون المفهوم من أحدهما هو المفهوم من الاخر فهما المختلفان كالسواد والبياض ، فان المفهوم من البياض [لون] مفرق للبصر ومن السواد [لون] قابض للبصر.

والمختلفان اما أن يمكن اجتماعهما في محل واحد باعتبار واحد أولا ، فان كان الاول فهما المتلاقيان ، لتلاقيهما فى المحل كالسواد والحركة. وان كان الثاني فهما المتقابلان كالحركة والسكون.

فالمتقابلان : وهما اللذان لا يجتمعان فى ذات واحدة من جهة واحدة في وقت واحد. ف «اللذان» يشمل الايجاب والسلب.

وقولنا «لا يجتمعان فى ذات واحدة» احتراز من الشيئين اللذين يجتمعان فى الذات الواحدة ، كالمتلاقيين المجتمعين فى المحل الواحد كالسواد والسكون.

وقولنا «من جهة واحدة» ليدخل فيها المتضايفان كالابوة والبنوّة ، فانهما يجتمعان فى ذات واحدة من جهتين مختلفتين ، كزيد مثلا فانه قد يكون أبا لعمرو وابنا لخالد.

وقولنا «فى زمان واحد» تنبيها على أن المتقابلين قد يتعاقبان على الذات فى زمانين ، فان الجسم قد يكون أسود فى زمان ثم يصير أبيض فى زمان آخر.

اذا تقرر هذا : فالتقابل جنس تحته أربعة أنواع وهما : الضدان والمتضايفان والعدم والملكة والنقيضان. ودليل الحصر مبني على تقرير مقدمة وهي : أنه

١٣٥

لا تقابل بين العدمين ، وذلك لان العدمين اما مطلقين أو مضافين أو مطلق ومضاف.

فالاول ظاهر لما تقدّم من أن العدم المطلق واحد لا تعدد فيه ، والتقابل تستدعي التعدد.

والثاني أيضا كذلك ، لان المتقابلين لا يجتمعان ولا يصدقان على كل شيء والمضافان يصدقان على كل محل مغاير لملكيتهما ، لعدم البصر وعدم القدرة الصادقين على الجدار.

والثالث أيضا كذلك ، اذ المطلق جزء من المضاف ، وتمتنع التقابل بين الشيء وجزئه.

اذا عرفت هذا فنقول حينئذ : المتقابلان : اما أن يكونا وجوديين أو أحدهما وجوديا والاخر عدميا ، لاستحالة كونهما عدميين كما ذكرنا ، فان كان الاول : فاما أن يمكن تعقل أحدهما بدون الاخر أولا. فان كان الاول فهما الضدان كالسواد والبياض.

وان كان الثاني فهما المتضايفان كالابوة والبنوة.

وان كان الثاني من القسمة الاولى : فاما أن يكون لها موضوع متحقق فى الخارج من شأنه الاتصاف بالوجودي أو لا ، فان كان الاول فهما العدم والملكة كالعمى والبصر. وان كان الثاني فهما النقيضان كالانسان والا انسان.

[تعريف الضدان وأحكامهما]

قال : الضدان : وهما الذاتان الوجوديتان اللتان لا تجتمعان ، وبينهما غاية التباعد ، كالسواد والبياض.

ولا يعرض التضاد للاجناس مطلقا ، ولا للانواع الا اذا دخلت تحت جنس أخير.

١٣٦

والضدان قد يخلو المحل عنهما ، اما مع الاتصاف بالوسط كالفاتر ، أو بدونه كالهواء ، وقد لا يصح كالاكوان.

اقول : لما ذكر أن أقسام التقابل أربعة شرع فى تعريف كل واحد منها وذكر أحكامه ، وابتدأ بالضدين ، لان التقابل مقول بالتشكيك على أنواعه الاربعة وأشدها فيه هو الضدان ، كذا ذكره المصنف في شرح التجريد. وذلك لان تقابل الضدين أشد من تقابل السلب والايجاب ، لان ثبوت الضد يستلزم سلب الاخر ، وهو أخص منه دون العكس الاخر ، فهو أشد فى العناد للآخر من سلبه فلذلك ابتدأ بالضدين.

وهما يقالان على معنيين : حقيقي ومشهوري. أما المشهوري : فهما العرضان اللذان من جنس واحد ، فلا يجتمعان في محل واحد في وقت واحد ويمكن حصولهما فيه على التعاقب ، وقد يخلو المحل منهما.

فقولنا «العرضان» تنبيه على أنه لا تضاد بين الجواهر ، لان الضدين لا بد لهما من موضوع يتعاقبان عليه ، والجوهر لا يحل في الموضوع ، هذا على قول من يشترط في التضاد الموضوع ، أما اذا لم يشترط فيجوز أن يكون لبعض الجواهر ضد.

وقولنا «من جنس واحد» لانهما لو كانا من أجناس مختلفة لم تكن متضادة كالكم والكيف والاين وغيرها المجتمعة في الجوهر.

وقولنا «لا يجتمعان في محل واحد» لانهما لو كانا من أجناس مختلفة لم تكن متضادة كالكم والكيف والاين وغيرها المجتمعة في الجواهر.

وقولنا «لا يجتمعان في محل واحد» احترازا من عرضين من جنس [واحد] ويجتمعان كالخط والسطح (١) والجسم التعلمي (٢) المجتمعة في الجسم الطبيعي.

__________________

(١) فى «ن» : فى.

(٢) الجسم اما القابل للابعاد أو المشتمل عليها ، والاول طبيعى والثانى تعليمى «منه».

١٣٧

وقولنا «في وقت واحد» ليدخل فيه الاشياء المتضادة ، لجواز أن تتعاقب في آنات مختلفة.

وقولنا «ويمكن حلولهما فيه على التعاقب» تأكيدا لذلك.

وقولنا «وقد يخلو المحل عنهما» أما لعدم المحل أو لوجوده وعرائه عنهما ، كالهواء الخالي عن جميع الالوان.

وأما الحقيقي : فهو ما ذكرنا مع قيد آخر ، وهو وبينهما غاية التباعد ، كما قال المصنف : هما الذاتان الوجوديتان اللذان لا يجتمعان في محل واحد ، وبينهما غاية الخلاف كالسواد والبياض.

فان هاهنا أنواع كثيرة واقعة في امتداد واحد كالسواد والحمرة والخضرة والصفرة والبياض مثلا.

ولهذا الامتداد طرفان هما السواد والبياض بينهما غاية التباعد ، فيكونان ضدين والبواقي ليست كذلك ، بل بعضها أقرب من بعض ، فلا تدخل تحت التضاد بهذا الاعتبار ، بل بالاعتبار الاول ، فيكون أعم من الثاني.

فعلى التعريف الاول يجوز أن يكون للواحد أضداد كثيرة ، كما عرفت من السواد ، فان جميع الالوان غير السواد ضدا له لا يجامعه في موضوعه بذلك الاعتبار.

وعلى التعريف الثاني لا يكون للواحد إلا ضد واحد ، لانا شرطنا فيه غاية التباعد ، وغاية التباعد بين العرضين لا يحصل الا اذا كانا طرفين.

قوله «ولا تعرض التضاد للاجناس» ذلك مما علم بالاستقراء ، سواء كانت تلك الاجناس عالية أو سافلة أو متوسطة.

ان قلت : الخير والشر جنسان مع أنهما ضدان.

قلت : نمنع كونهما جنسين ، سلمناه لكن نمنع كونهما ضدين من حيث

١٣٨

ذاتهما ، بل [من حيث] تقابلهما من حيث الكمالية والنقص ، وذلك لان الخير حصول كمال الشيء والشر عدم ذلك الكمال عن الشيء المقابل له ، فبينهما تقابل العدم والملكة.

قوله «ولا للانواع الا اذا دخلت تحت جنس أخير» ذلك أيضا مما علم بالاستقرار.

ان قلت : الشجاعة والتهور نوعان متضادان داخلان تحت جنسين ، أما الشجاعة فداخل تحت الفضيلة ، وأما التهور فداخل تحت الرذيلة. والشجر والحجر نوعان ، وبينهما تضاد وليسا داخلين تحت جنس أخير.

قلت : أما الجواب عن الاول فهو أن تقابلهما لا من حيث ذاتهما ، بل من حيث كون الشجاعة فضيلة والتهور رذيلة ، وهما عارضان لهما. وعن الثاني بأنهما جوهران والبحث في أنواع الاعراض.

قوله «والضدان قد يخلو» الخ ، والضدان بالنسبة الى المحل على أقسام :

الاول : ان يخلو المحل عنهما ولا يتصف بالوسط ، كالهواء الخالي عن السواد والبياض وعن باقي الالوان.

الثاني : ان يخلو المحل عنهما ويتصف بالوسط ، كالفاتر الخالي عن الحرارة والبرودة.

الثالث : أن يخلو عن أحدهما ، بل اما هذا أو ذلك على سبيل الانفصال الحقيقي ، كالحركة والسكون ، فان الجسم لا بدّ وأن يكون كائنا بأحد الكونين ضرورة ، لانه اما أن ينتقل أولا ، فالاول متحرك والثاني ساكن.

[تعريف النقيضان]

قال : والنقيضان : وهما اللذان لا يجتمعان ولا يرتفعان : اما في المفردات

١٣٩

كالانسان ولا انسان ، أو في المركبات كالانسان كاتب وليس الانسان بكاتب ، وهو تقابل بحسب القول والعقل.

أقول : القسم الثاني من أقسام التقابل التناقض. والنقيضان : هما اللذان لا يجتمعان ولا يرتفعان أي لا يصدقان ولا يكذبان ، وذلك على قسمين : أحدهما في المفردات كقولنا الانسان ، لا انسان ، فانهما لا يصدقان معا على شيء من الاشياء ولا يكذبان عليه.

وثانيهما : في المركبات وهو عبارة عن اختلاف قضيتين بالايجاب والسلب ، بحيث يقضي لذاته صدق أحدهما وكذب الاخرى ، كقولنا الانسان كاتب الانسان ليس بكاتب.

فقيدنا الاختلاف بالقضيتين ليخرج اختلاف المفردات ، وبقيد الايجاب والسلب يخرج اختلافهما بالجملة والشرطية وغيرهما.

وبقيد لذاته يخرج ما يقتضي ذلك لا لذاته ، بل اما لخصوص المادة كقولنا كل انسان حيوان لا شيء من الانسان بحيوان فهذا خاص ، أو لايجاب قضية وسلب لازم محمولها المتساوي ، نحو زيد انسان زيد ليس بناطق ، فانه اقتضى الاختلاف بواسطة أن سلب الناطق مستلزم لسلب الانسان.

وهذا القسم له شرائط في جانب الموضوع وشرائط في جانب المحمول يرجع حاصلها الى وحدة النسبة الحملية (١) في القضيتين ، وتفاصيل ذلك كله وأحكامه مذكورة في المنطق.

ثم ان هذا القسم له خواص يمتاز بها عن باقي أقسام التقابل : احدها أن النقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان ، بخلاف البواقي ، فان الضدين قد يرتفعان كما عرفت ، وكذا المضافان يرتفعان لخلو المحل عنهما ، والعدم والملكة أيضا يرتفعان ،

__________________

(١) فى «ن» : الحكمية.

١٤٠