كشف الغطاء عن وجوه مراسم الاهتداء

محمد حسن بن معصوم القزويني

كشف الغطاء عن وجوه مراسم الاهتداء

المؤلف:

محمد حسن بن معصوم القزويني


المحقق: الشيخ محسن الاحمدي
الموضوع : الأخلاق
الناشر: مؤتمر المولى مهدي النراقي
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٠٤

بذلك تغليظاً في جرمه وجنايته ، وإن أضاف إلى ذلك الحمل والترغيب وتهيئة الأسباب للغير كان مضيفاً لمعصية رابعة إلى معصيته.

قال الصادق عليه‌السلام : « من جاءنا يلتمس الفقه والقرآن فدعوه ، ومن جاءنا يبدي عورة سترها الله عليه فنحّوه ». (١)

وسادسها : أن يكون ممّن يقتدى به ، فيفعل المعصية بحيث يطّلع عليه الناس ويتبّعونه فيبقى شرّه مستطيراً في العالم بعد موته.

قال الله تعالى : ( ونكتب ما قدّموا وآثارهم ). (٢)

فكما أنّ العالم مأمور بترك الذنب فكذا بإخفائه مع فعله وكما يتضاعف ثوابه على الحسنات إذا اتّبع ، فكذا وزره في السيّئات ، ولذا إنّ البدعة من أشدّ المعاصي وأعظمها.

وفي الاسرئيليات : « أنّ عالماً كان يضلّ الناس بالبدعة ثم تاب فأصلح دهراً فأوحى الله إلى نبيه أن قل له : لو كان ذنبك فيما بيني وبينك لغفرت لك ، ولكن كيف بمن أضللت من عبادي فأدخلتهم النار » (٣) فطوبى لمن إذا مات ماتت معه ذنوبه ».

فصل

الكراهة لأفعال الله تعالى والسخط لما يخالف هواه من الواردات الربّانية والتقديرات الالهيّة ونحوها الانكار والاعتراض عليه تعالى ممّا ينافي الإيمان والتوحيد ، فما للعبد الذليل العاجز الفقير والجاهل بموارد الحكم والمصالح ومواقع التقدير والانكار والسخط لما يفعله الحكيم الخبير؟!

قال الله تعالى : « إنّي خلقت الخير والشرّ فطوبى لمن خلقته للخير وأجريته على يده ، وويل لمن خلقته للشرّ وأجريته على يديه ، وويل ثم ويل

__________________

١ ـ الكافي : ٢ / ٤٤٢ ، كتاب الإيمان والكفر ، باب اللّمم ، ح ٤.

٢ ـ يس : ١٢.

٣ ـ المحجة البيضاء : ٧ / ٦٢.

٤٠١

لمن قال : لم وكيف؟ ». (١)

وقال أيضاً : « إنّي أنا الله لا إله الا أنا ، لم يصبر على بلائي ولم يرض بقضائي ولم يشكر على نعمائي فليتّخذ ربّاً سواي ». (٢)

وقال أيضاً : « قدّرت المقادير ودبّرت التدبير وأحكمت الصنع ، فمن رضي فله الرضا عنّي حين يلقاني ، ومن سخط فله السخط منّي حين يلقاني ». (٣)

وأوحى الله إلى داود : « تريد واريد وإنّما يكون ما اريد ، فإن سلّمت لما اريد كفيتك ما تريد ، وإن لم تسلّم لما اريد أتعبتك فيما تريد ، ثم لايكون الا ما اريد ». (٤)

وقال الباقر عليه‌السلام : « من سخط القضاء مضى عليه القضاء وأحبط الله أجره ». (٥)

وبالجملة : من عرف أنّ العالم بجميع أجزائه صادرة على وفق الحكمة المحضة والنظام الأصلح وعرف الله بالربوبيّة ونفسه بالعبودية عرف أنّ السخط والانكار على الله في أمر من الأمور من غاية الجهل والغرور ، وسيجيء تمام الكلام في فصل الرضا.

فصل

ترك الاعتماد على الله أو ضعف الثقة بالله فيما قدّر له من مجاري الأمور ناش إمّا من ضعف اليقين به تعالى ، أو ضعف القلب الذي هو من رذائل الغضبية من جانب التفريط ، وهو من المهلكات العظيمة المنافية

__________________

١ ـ المحجة البيضاء : ٨ / ٨٩ ، الكافي : ١ / ١٥٤.

٢ ـ المحجة البيضاء : ٨ / ٨٩.

٣ ـ المحجة البيضاء : ٨ / ٨٩.

٤ ـ المحجة البيضاء : ٨ / ٩٠.

٥ ـ الكافي : ٢ / ٦٢ ، كتاب الإيمان والكفر ، باب الرضا بالقضاء ، ح ٩.

٤٠٢

للايمان ، بل من الشرك في الحقيقة.

قال الله تعالى : ( إنّ الذين تعبدون من دون الله لايملكون لكم رزقاً فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه ). (١)

وقال : ( ولله خزائن السماوات والأرض ولكنّ المنافقين لايفقهون ). (٢)

وفي أخبار داود : « ياداود ما اعتصم عبد من عبادي بأحد من خلقي عرفت ذلك من نيّته الا قطعت أسباب السماوات من بين يديه والأرض من تحته ولم أبال بأيّ واد هلك ». (٣)

وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من اغترّ بالعبيد أذلّه الله ». (٤)

وقيل : مكتوب في التوراة : « ملعون من كان ثقته بانسان مثله ». (٥)

فمن أيقن بأنّه لا فاعل الا الله ولا حول ولا قوّة الا بالله وأنّ له تمام العلم والقدرة والرحمة العناية وأنّ سواه عبيد مملو كون مضطرّون لايملكون خيراً ولا شرّاً ولا يستطيعون لأنفسهم نفعاً ولا ضرّاً لم يلتفت إلى أحد سواه ولم يثق الا بالله ولم يطمع الا في عطاياه ، فالواجب على كلّ أحد تحصيل مراتب اليقين بالله وتقوية النفس بما ذكر سابقاً ، وسيجيء تمام الكلام في فصل التوكّل ، إن شاء الله تعالى.

تتمّه

ومن جملتها : كفران نعمة المنعم ، ويتبيّن لك حقيقته وما يترتّب عليه من المفاسد بمعرفة ضدّه ، أعني الشكر ، وسنفصّل الكلام فيه إن شاء الله تعالى.

__________________

١ ـ العنكبوت : ١٧.

٢ ـ المنافقون : ٧.

٣ ـ الكافي : ٢ / ٦٣ ، كتاب الإيمان والكفر ، باب التفويض إلي الله ، ح ١ ، مع اختلاف.

٤ ـ المحجة البيضاء : ٧ / ٤٠٨ ، وفيه : « من استعزّ ».

٥ ـ المحجة البيضاء : ٧ / ٤٠٨.

٤٠٣

المقام الثاني

في ذكر أنواع العدالة بالمعنى الأعم

أي القيام بالحقوق اللازمة مراعاتها ، وفيه أيضاً مقصدان :

المقصد الأول

في الحقوق اللازمة مراعاتها فيما بينه وبين الخلق ، وقد بيّنا لك أنّ لها مراتب مختلفة بحسب اختلاف الروابط الباعثة للخلطة وأنّ أخصّها القرابة وأعمّها الاسلام.

وفيما بينهما درجات متفاوتة ونحن نشير إلى جوامع الحقوق في هذه المراتب إجمالاً إن شاء الله تعالى في عدّة فصول :

فصل

قد أشار مولانا الصادق عليه‌السلام إلى حقوق المسلم في الخبر المروي في الكافي عن معلّي بن خنيس قال : قلت له ما حقّ المسلم على المسلم؟ فقال عليه‌السلام : « سبع حقوق واجبات ما منهنّ حقّ الا وهو عليه واجب إن ضيع منها حقّاً خرج من ولاية الله وطاعته ، ولم يكن لله فيه من نصيب ، قلت : له جعلت فداك وما هي؟ قال : يامعلّى إنّي عليك شفيق أخاف أن تضيّع ولاتحفظ وتعلم ولا تعمل ، قال : قلت له : لاقوّة الا بالله ، قال : أيسر حقّ منها أن تحبّ له ما تحبّ لنفسك ، وتكره له ما تكره لنفسك.

والحقّ الثاني أن تجتنب سخطه وتتّبع مرضاته وتطيع أمره.

والحقّ الثالث أن تعينه بنفسك ومالك ولسانك ويدك ورجلك.

والحقّ الرابع أن تكون عينه ودليله ومرآته.

٤٠٤

والحقّ الخامس أن لاتشبع ويجوع ولاتروي ويظماً ولا تلبس ويعرى.

والحقّ السادس أن يكون لك خادم وليس لأخيك خادم ، فواجب أن تبعث خادمك فيغسل ثيابه ويصنع طعامه ويتعهّد فراشه.

والحقّ السابع أن تبرّ قسمه وتجيب دعوته وتعود مريضه وتشهد جنازته وإذا علمت أنّ له حاجة تبادر إلى قضائها ، ولا تلجئه إلى أن يسألكها ، ولكن تبادر مبادرة فإذا فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايته [ وولايته بولايتك ] ». (١)

فأعظم حقوق المسلم على أخيه أن يحبّ له مايحبّ لنفسه ، ويكره له ما يكره لنفسه.

قال الصادق عليه‌السلام : « المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد إن اشتكى شيئاً منه وجد ألم ذلك في سائر جسده ، وأرواحهما من روح واحدة ، وإنّ روح المؤمن لأشدّ اتّصالاً بروح الله من اتّصال شعاع الشمس بها ». (٢)

وقال عليه‌السلام : « يحقّ على المسلمين الاجتهاد في التواصل والتعاون عل التعاطف والمواساة لأهل الحاجة وتعاطف بعضهم على بعض حتّى يكونوا كما أمركم الله عزّوجلّ رحماء بينهم متراحمين مغتمّين لما غاب عنكم من أمرهم على ما مضى عليه معشر الأنصار على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ». (٣)

وعن الصادق عليه‌السلام : « أوحى الله إلى آدم : سأجمع لك الكلام في أربع كلمات ، قال : ياربّ وماهنّ؟ قال : واحدة لي وواحدة لك وواحدة فيما بيني وبينك وواحدة فيما بينك وبين الناس ، قال : ياربّ بيّنهنّ لي حتّى أعلمهنّ ، قال : أمّا التي لي فتعبدني لاتشرك بي شيئاً ، وأمّا التي لك فأجزيك بعملك أحوج ما تكون إليه ، وأمّا التي بيني وبينك فعليك الدعاء

__________________

١ ـ الكافي : / ١٩٦ ، كتاب الإيمان والكفر ، باب حقّ المؤمن على أخيه ، ح ٢ ، وما بين المعقوفتين في المصدر.

٢ ـ الكافي : ٢ / ١٦٦ ، كتاب الإيمان والكفر ، باب أخوة المؤمنين بعضهم لبعض ، ح ٤.

٣ ـ الكافي : ٢ / ١٧٥ ، كتاب الإيمان والكفر ، باب التراحم والتعاطف ، ح ٤.

٤٠٥

وعليّ الإجابة ، وأمّا التي بينك وبين الناس فترضى للناس ما ترضى لنفسك ، وتكره لهم ما تكره لنفسك ». (١)

ثم أن لا يوذي أحداً من المسلمين بقول ولا فعل.

قال الباقر عليه‌السلام : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الا أنبّئكم بالمؤمن؟ من ائتمنه المؤمنون على أموالهم وأنفسهم ، الا انبّئكم بالمسلم؟ من سلم المسلمون من يده ولسانه ، والمهاجر من هجر السيّئات وترك ما حرّم الله ، والمؤمن حرام على المؤمن أن يظلمه أو يخذله أو يغتابه أو يدفعه دفعة ». (٢)

« ثم التواضع وترك التكبّر ، فإنّ الله لايحبّ كلّ مختال فخور ».

فعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أوحى الله إليّ أن تواضعوا حتّى لايفخر أحد على أحد ». (٣)

وقد مضى مايكفيك في ذلك.

وترك النميمة بينهم كما أشير إليه فيما مضى ، وأن لايهجر من يعرفه فوق ثلاث كما أشير إليه. قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا هجرة فوق ثلاث ». (٤)

وأن يحسن إلى كلّ من قدر منهم إن استطاع.

قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « اصنع المعروف إلى أهله ، فإن لم تصب أهله فأنت أهله ». (٥)

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « رأس العقل بعد الدين التودّد إلى الناس ، واصطناع المعروف إلى كلّ برّ وفاجر ». (٦)

__________________

١ ـ الكافي : ٢ / ١٤٦ ، كتاب الإيمان والكفر ، باب الإنصاف والعدل ، ح ١٣.

٢ ـ الكافي : ٢ / ٢٣٥ ، كتاب الإيمان والكفر ، باب المؤمن وعلاماته ، ح ١٩ ، وفيه : « من لسانه ويده ».

٣ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٦٠.

٤ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٦٢ نقلاً عن الكافي : ٢ / ٣٤٤.

٥ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٦٣ ـ ٣٤٦.

٦ ـ المحجة البيضاء : ٣٣ / ٣٦٤.

٤٠٦

وأن لايدخل على أحد الا بإذنه بل يستأذن ثلاثاً ، فإن لم يؤذن له انصرف.

فعن علي عليه‌السلام : « كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يستأذن ثلاثاً فإن أذن له والا انصرف ». (١)

وأن يخالق كلّ أحد على طريقته.

قال الصادق عليه‌السلام : « خالقوا الناس بأخلاقهم » (٢) فلقاء الجاهل بالعلم واللاهي بالفقه أو المعرفة تأذّ ».

وأن يوقّر المشايخ ويرحم الصبيان.

قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من تمام إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم ». (٣)

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من عرف فضل كبير لسنّه فوقّره آمنه الله من فزع يوم القيامة ». (٤)

ومن جملة إتمامه أن لايتكلّم بين يديه الا بإذن.

قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما وقّر شاب شيخاً الا قيّض الله له في سنّة من يوقّره ». (٥) وهو بشارة بدوام الحياة ، وكان من عادته صلى‌الله‌عليه‌وآله التلطّف بالصبيان.

وأن يكون مع الكافّة مستبشراً طلق الوجه.

فقد قيل للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : دلّنا على عمل يدخلنا الجنّة ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أنّ من موجبات المغفرة بذل السلام وطيب الكلام ». (٦)

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من أكرم أخاه المؤمن بكلمة يلفظه بها وفرّج عنه كربته لم يزل في ظلّ الله الممدود عليه الرحمة ما كان في ذلك ». (٧)

__________________

١ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٦٥ ، نقلاً عن الفقيه : / ٨٠.

٢ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٦٥.

٣ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٦٦.

٤ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٦٦ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ٦٥٨.

٥ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٦٦.

٦ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٦٧.

٧ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٦٨ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ٢٠٦ وفيها : « يلطفه » بدل « يلفظه ».

٤٠٧

وأن يفي بما يعده.

فعن الصادق عليه‌السلام : « من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليف إذا وعد ». (١)

وأن ينصف الناس من نفسه.

فعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لايستكمل العبد الايمان حتّى يكون فيه ثلاث خصال : النفاق من الإقتار ، والانصاف من نفسه ، وبذل السلام ». (٢)

وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « طوبى لمن طاب خلقه ـ إلى أن قال ـ : وأنصف الناس من نفسه ». (٣)

وقال أميرالمؤمنين عليه‌السلام : « [ ألا إنّه ] (٤) من ينصف الناس عن نفسه لم يزده الله الا عزّاً ». (٥)

وأن ينزل الناس منازلهم فيزيد في توقير من يدلّ هيئته وثيابه على علوّ رتبته.

« فقد روي أنّ جرير بن عبدالله البجلي أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومجلسه مملوء من أصحابه فقعد على الباب فلف صلى‌الله‌عليه‌وآله رداءه وألقاه إليه وأمره بالجلوس عليه فأخذه ووضعه على وجهه وقبّله وبكى ثم قال : ماكنت لأجلس على ثوبك أكرمك الله كما أكرمتني ، فنظر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يميناً وشمالاً وقال : إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه ». (٦)

وأن يصلح بين المسلمين مهما أمكنه.

وقد ورد فيه أخبار كثيرة كما ورد في ذمّ الإفساد.

__________________

١ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٦٩ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ٣٦٤.

٢ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٧٠.

٣ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٧٠ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ١٤٤.

٤ ـ كما في المصدر.

٥ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٧٠ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ١٤٤.

٦ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٧١ ـ ٣٧٢.

٤٠٨

وعن أنس قال : « بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جالس إذ ضحك حتى بدت ثناياه فقال عمر : ما الذي أضحكك يارسول الله؟ قال : رجلان ممن أمّتي جثيا بين يدي ربّ العزّة فقال أحدهما : ياربّ خذ مظلمتي من هذا ، فقال الله تعالى : رد على أخيك مظلمته ، فقال : ياربّ لم يببق من حسناتي شيء ، فقال الله للطالب : كيف تصنع ولم يبق من حسناته شيء؟ فقال : ياربّ فليحمل عنّي من أوزاري ، ثم فاضت عينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالبكاء ، فقال : إنّ ذلك اليوم عظيم ، يوم يحتاج الناس إلى أن يحمل من أوزارهم قال : فيقول الله تعالى للمظلوم : ارفع بصرك فانظر في الجنان ، فقال : ياربّ أرى مدائن من فضّة وقصوراً من ذهب مكللة باللؤلؤ ، لأيّ نبيّ هذا ولأيّ صدّيق أو لأيّ شهيد؟ قال الله تعالى : لمن أعطى الثمن ، قال : ياربّ ومن كان يملك ذلك؟ قال : أنت تملك ، قال : بماذا ياربّ؟ قال : بعفوك عن أخيك ، قال : ياربّ فقد عفوت منه ، قال الله تعالى : خذ بيد أخيك فادخل الجنّة ، ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاتّقوا الله وأصلحوا ذات بينكم ، فإنّ الله يصلح بين المؤمنين يوم القيامة ». (١)

وأن يستر عورات المسلمين ، فإن الله يحبّ المتستّرين فإذا كان ستر عورته مطلوباً منه فكذا ستر عوره غيره ، فإن حقّ إسلامه عليه كحقّ اسلام غيره. وقد طلب الشارع ستر الفواحش فنيط الزنا وهو أفحشها بأربعة شهود يشاهدون المرود في المكحلة وهو أمر لايتّفق فانظر إلى الحكمة في سدّ باب الفواحش بإيجاب أعظم العقوبات أعني الرجم ، ثم إلى ستر الله الذي أسبله على العصاة بتضييق الطرق في كشفه ، فالمرجوّ من كرمه سبحانه أن لا يخرم ذلك يوم تبلى السرائر.

ففي الخبر : « أنّ الله إذا ستر على عبد في الدنيا فهو أكرم من أن يكشفها في الآخرة ، وإذا كشفها في الدنيا فهو أكرم من أن يكشفها مرّة

__________________

١ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٧٣.

٤٠٩

أخرى ». (١)

هذا ، والأخبار في مدح الستر لاتحصى ، وكذا في ذمّ إذاعة الستر وتتبّع عورات المسلمين ، وقد أشير إلى بعضها.

قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من ستر على مسلم ستره الله في الدنيا والآخرة ». (٢)

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لايرى امرء من أخيه عورة فيسترها عليه الا دخل الجنة ». (٣)

وأن يتّقي مواضع التهم صيانة لقلوب الناس من سوء الظن ، ولألسنتهم عن الغيبة لأنّهم إذا عصوا الله بسببه كان شريكاً معهم فيه.

وقد قال الله تعالى : ( ولا تسبّوا الّذين يدعون من دون الله فيسبّوا الله عدواً بغير علم ). (٤)

وفي الأخبار ما يشهد عليه.

وأن يهتمّ في قضاء حوائجهم بما يمكن له.

فعن الصادق عليه‌السلام : « قضاء حاجة المؤمن خير من عتق ألف رقبة وخير من حملان ألف فرس في سبيل الله ». (٥)

وعنه عليه‌السلام : « لقضاء حاجة امرىء مؤمن أحبّ إلى الله من عشرين حجّة كلّ حجّة ينفق فيها صاحبها مائة ألف ». (٦)

وقال عليه‌السلام : « تنافسوا في المعروف لإخوانكم وكونوا من أهله ، فإنّ للجنّة باباً يقال لها المعروف ولايدخله الا من اصطنع المعروف في الحياة الدنيا ، فإنّ العبد ليمشي في حاجة أخيه المؤمن فيوكّل الله به ملكين واحداً

__________________

١ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٧٣.

٢ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٧٥.

٣ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٧٥.

٤ ـ الأنعام : ١٠٨.

٥ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٧٩ ، نقلاً عن الكافي : ١٩٣.

٦ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٧٩ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ١٩٣.

٤١٠

عن يمينه وأخرى عن شماله يستغفران له ربّه ويدعوان بقضاء حاجته ، ثم قال : والله لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أسرّ بقضاء حاجة المؤمن إذا وصلت إليه من صاحب الحاجة ». (١)

وقال الكاظم عليه‌السلام : « إنّ الله عباداً يسعون في حوائج الناس هم الآمنون يوم القيامة ، ومن أدخل على مؤمن سروراً فرّح الله قلبه يوم القيامة ». (٢)

وعن الصادق عليه‌السلام : « من سعى في حاجة أخيه المسلم طلب وجه الله كتب الله له ألف ألف حسنة يغفر فيها لأقاربه وجيرانه وإخوانه ومعارفه ... الحديث ». (٣)

والأخبار أكثر من أن تحصى.

وأن يبدأ بالسلام قبل الكلام ويصافحه عند السلام.

فعن الصادق عليه‌السلام : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه ». (٤)

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ابدؤوا بالسلام قبل الكلام ، فمن بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه ». (٥)

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ الله عزّوجلّ يحبّ إفشاء السلام ». (٦)

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إذا سلّم أحدكم فليجهر بسلامه ولايقول سلّمت فلم يردوا عليّ فلعلّه يكون قد سلّم ولم يسمعهم ، فإذا ردّ أحدكم فليجهر بردّه حتى لايقول المسلّم سلّمت فلم يردّوا عليّ ». (٧)

وقال عليه‌السلام : « ثلاثة لايسلّمون : الماشي مع الجنازة ، والماشي إلى

__________________

١ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٨٠ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ١٩٣.

٢ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٨٠ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ١٩٧.

٣ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٨١ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ١٩٧ ـ ١٩٨.

٤ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٨١ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ٦٤٤.

٥ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٨١ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ٦٤٤.

٦ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٨١ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ٦٤٥.

٧ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٨٤ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ٦٤٥ مع اختلاف.

٤١١

الجمعة ، والماشي في بيت حمّام ». (١)

وقال عليه‌السلام : « من التواضع أن تسلّم من لقيت ». (٢)

وقال عليه‌السلام : « يسلّم الصغير على الكبير ، والمارّ على القاعد ، والقليل على الكثير ». (٣)

وقال عليه‌السلام : « يسلّم الراكب على الماشي والماشي على القاعد ». (٤)

وقال الباقر عليه‌السلام : « إنّ المؤمنين إذا التقيا وتصافحا أدخل الله يده بين أيديهما فصافح أشدّهما [ حبّاً ] (٥) أو [ شوقاً ] لصاحبه ». (٦)

وقال عليه‌السلام : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا لقى أحدكم أخاه فليسلّم وليصافحه ، فإنّ الله أكرم بذلك الملائكة فاصنعوا صنع الملائكة ». (٧)

وقال الصادق عليه‌السلام : « إنّ المؤمنين إذا التقيا غمرتهما الرحمة ، فإذا التزما لايريدان بذالك الا وجه الله ولا يريدان غرضاً من أغراض الدنيا قيل لهما مغفوراً لكما ، فإذا أقبلا على المسائلة قالت الملائكة بعضها لبعض : تنحّوا عنهما ، فإنّ لهما سرّاً ، وقد ستر الله عليهما ، قال الراوي : فقلت : فلا يكتب عليهما لفظهما وقد قال الله تعالى : ( ما يلفظ من قول إلًا لديه رقيب عتيد )؟ (٨) قال : فتنفًس أبوعبدالله عليه‌السلام الصعداء ثم بكى حتًى اخضلًت دموعه لحيته وقال : يا إسحاق إنً الله أمر الملائكة أن تعتزل ع المؤمنين إذا

__________________

١ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٨٥ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ٦٤٦ ، وفيهما : « وفي بيت الحمام » بدل الأخيرة.

٢ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٨٥ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ٦٤٦.

٣ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٨٥ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ٦٤٦.

٤ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٨٥ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ٦٤٧.

٥ ـ كما في المصدر وليس في النسخ ، نعم في هامش « ج » استظهر الكاتب كون التميز « حباً » أو « شوقاً ».

٦ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٨٨ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ١٧٩.

٧ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٨٨ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ١٨١.

٨ ـ ق : ١٨.

٤١٢

التقيا إجلاً لهما ، وإنّه وإن كانت الملائكة لاتكتب لفظهما ولا تعرف كلامهما فإنّه يعرفه ويحفظه عليهما عالم السرّ وأخفى. (١)

واعلم أنّ أباحامد الغزالي منع عن الانحناء عند السلام ، وكذا القيام سيّما في المساجد لكونها موضع العبادة والقيام لله وحده فلا يشرك بعبادة ربّه أحداً. (٢)

وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إذا رأيتموني فلا تقوموا كما يصنع الأعاجم ». (٣)

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من سرّه أن يتمثّل له الرجال قياماً فليتبوّء مقعده من النار ». (٤)

وقال الشهيد (ره) في قواعده : « يجوز تعظيم المؤمن بما جرت به عادة الزمان وإن لم يكن منقولاً عن السلف لدلالة العموما عليه ، قال تعالى :

( ومن يعظّم شعائر الله فإنّها من تقوى القلوب ). (٥)

( ومن يعظّم حرمات الله فهو خير له عند ربّه ). (٦)

وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لاتباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخواناً ».

فعلى هذا يجوز القيام والتعظيم بانحناء وشبهه ، وربّذما وجب إذا أدّى تركه إلى التباغض والتقاطع أو إهانة المؤمن.

وقد صحّ أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قام إلى فاطمة عليه‌السلام وقام إلى جعفر لمّا قدم من الحبشة ، وقال للأنصار : قوموا إلى سيّدكم.

ونقل أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله قام إلى عكرمة بن أبي جهل لما قدم من اليمن فرحاً بقدومه.

__________________

١ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٨٩ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ١٨٤ مع اختلاف.

٢ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٩٠.

٣ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٩٠.

٤ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٩٠ ـ ٣٩١.

٥ ـ الحج : ٣٢.

٦ ـ الحج : ٣٠.

٤١٣

وأمّا قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من أحبّ أن يتمثل له الرجال ... إلى آخره » ، وما نقل من أنّه كان يكره أن يقام له فكان إذا قام لايقومون له لعلمهم بكراهته ذلك فإذا فارقهم قاموا حتّى يدخل منزله لما يلزمهم من تعظيمه ، فلعلّه إشارة إلى ما يصنعه الجبابرة من إلزام الناس بالقيام حال قعودهم إلى انقضاء مجلسهم دون القيام المخصوص القصير مدّته ، أو يحمل على من أراد ذلك تجبّراً وعلوّاً على الناس ، فيؤاخذ من لا يقوم له بالعقوبة ، أمّا من يريده لدفع إهانة عنه أو نقيصة به فلا حرج عليه ، لأن دفع الضرر عن النفس واجب.

وأمّا كراهته فتواضع لله وتخفيف على أصحابه ، وكذا نقول : ينبغي للمؤمن أن لا يحبّ ذلك ، وأن يؤاخذ نفسه بمحبة تركه إذا مالت إليه ، [ و ] لأنّ الصحابة كانوا يقومون كما في الحديث ، ويبعد عدم علمه به مع أنّ فعلهم يدلّ على تسويغ ذلك ، انتهى. (١)

وأن يصون عرض أخيه ونفسه وماله عن ظلم غيره مهما أمكن وينصره ، وقد أشرنا إلى بعض ما يدلّ عليه في الغيبة.

وفي النبوي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من حمى عرض أخيه المسلم في الدنيا بعث الله ملكاً يحميه يوم القيامة من النار ». (٢)

وعن جابر قال : « سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : ما من امرىء ينصر مسلماً في موضع ينهتك فيه عرضه ويستحلّ حرمته الا نصره الله في موطن يستحبّ نصره ، وما من امرىء خذل مسلماً في موطن ينتهك فيه حرمته الا خذله الله في موضع يستحبّ فيه نصره ». (٣)

وأن يسمّت العاطس ، فقد روي عن جماعة من أصحاب الصادق عليه‌السلام

__________________

١ ـ القواعد : ص ٢٦٢ مع اختلاف ، المحجة البيضاء : ٣ / ٣٩٢ ، نقلاً عن قواعد الشهيد رحمه‌الله.

٢ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٩٤.

٣ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٩٤.

٤١٤

أنّه قال : إنّ من حقّ المسلم على المسلم أن يعوده إذا اشتكى ، وأن يجيبه إذا دعاه ، وأن يشهده إذا مات ، وأن يسمّته إذا عطس. (١)

وأن يجامل الأشرار ويتّقيهم.

قال الصادق عليه‌السلام في قوله تعالى : ( أولئك يؤتون أجرهم مرّتين بما صبروا ) (٢) على التقيّة ، وفي قوله تعالى : ( ويدرؤن بالحسنة السيّئة ) (٣) : الحسنة التقيّة والسيئة الإذاعة ». (٤)

وقال عليه‌السلام : « لا دين لمن لا تقيّة له ». (٥)

وقال الباقر عليه‌السلام : « التقيّة في كلّ ضرورة وصاحبها أعلم بها حين تنزل به » (٦) « وأنّ التقيّة في كلّ شيء يضطر إليه ابن آدم ، فقد أحلّه الله » ، (٧)

وقال عليه‌السلام : « إنّما جعلت التقيّة ليحقن بها الدم ، فإذا بلغ الدم فليست تقيّة ». (٨)

« وفي التوراة مكتوب : ياموسى! اكتم مكتوم سرّي في سريرتك وأظهر في علانيتك المداراة عنّي لعدوك وعدوّي من خلقي ولا تستسبّ لي عندهم بإظهار مكتوم سرّي فتشرك عدوّك وعدوّي في سبّي ». (٩)

وأن يخالط المساكين ، ويحسن إلى الأيتام دون الأغنياء من أهل الدنيا.

فقد كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : « أحيني مسكيناً وأمتني مسكيناً واحشرني في زمرة المساكين ». (١٠)

__________________

١ ـ المحجة البيضاء : ٣٣ / ٣٩٦ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ٦٥٣.

٢ ـ القصص : ٥٤.

٣ ـ القصص : ٥٤.

٤ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٩٨ ـ ٣٩٩ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ٢١٧.

٥ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٩٩ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ٢١٧.

٦ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤٠٠ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ٢١٩.

٧ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤٠٠ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ٢٢٠.

٨ ـ المحجة البيضاء : ٣٣ / ٤٠٠ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ٢٢٠.

٩ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤٠٠ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ١١٧.

١٠ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤٠٢.

٤١٥

وكان سليمان في ملكه إذا رأى مسكيناً جلس إليه وقال : « مسكين جالس مسكيناً ». (١)

وقال موسى : « إلهي أين أبغيك؟ فقال : عند المنكسرة قلوبهم ». (٢)

وعن الصادق عليه‌السلام : « ما من عبد يمسح يده على رأس يتيم ترحّماً له الا أعطاه الله عزّوجلّ بكل شعرة نوراً يوم القيامة ». (٣)

وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من أنكر منكم قساوة قلبه فليدن يتيماً فيلاطفه ويمسح رأسه يلن قلبه بإذن الله ، فإنّ لليتيم حقّاً ». (٤)

وقال الصادق عليه‌السلام : « إذا بكى اليتيم اهتزّ له العرش فقول الله تعالى : من هذا الذي أبكى عبدي الذي سلبته أبويه في صغره ، فوعزّتي وجلالي وارتفاع مكاني مكاني لايسكته عبد مؤمن الا وأوجبت له الجنّة ». (٥)

وأن ينصح المسلمين ويجتهد في إدخال السرور على قلوبهم.

فعن الصادق عليه‌السلام : « يجب للمؤمن على المؤمن أن يناصحه ». (٦)

وقال الباقر عليه‌السلام في تفسير قوله تعالى : ( وقولوا للناس حسنا ) : « أي أحسن ما تحبّون أن يقال فيكم ». (٧)

وقال الصادق عليه‌السلام : « إنّ أعظم الناس منزلة عند الله تعالى يوم القيامة أمشاهم في أرضه بالنصيحة لخلقه ». (٨)

وقال : « من أصبح لايهتمّ بأمور المسلمين فليس بمسلم ». (٩)

__________________

١ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤٠٢.

٢ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤٠٢.

٣ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤٠٣ ، نقلاً عن الفقيه : / ٤٩.

٤ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤٠٤ ، نقلاً عن الفقيه : /

٥ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤٠٤ ، نقلاً عن الفقيه : /

٦ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤٠٥ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ٢٠٨.

٧ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤٠٦ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ١٦٥.

٨ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤٠٦ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ٢٠٨.

٩ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤٠٧ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ١٦٣.

٤١٦

وسئل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أحبّ الناس إلى الله تعالى؟ فقال : « أنفع الناس للناس ». (١)

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « الخلق عيال الله فأحبّ الخلق إلى الله من نفع عيال الله وأدخل على أهل بيت سروراً ». (٢)

وقال : « ما عبدالله بشيء أحبّ إلى الله من إدخال السرور على المؤمن ». (٣)

والأخبار في ذلك لاتحصى.

وأن يعود مرضاهم ويشهد جنائزهم.

فقد قال الصادق عليه‌السلام : « أيّما مؤمن عاد مؤمناً حين يصبح شيّعه سبعون ألف ملك ، فإذا قعد غمرته الرحمة واستغفروا له حتى يمسي ، وإن عاده مساءاً كان له مثل ذلك حتّذى يصبح ». (٤)

وقال عليه‌السلام : « إذا دخل أحدكم على أخيه عائداً له فليدع له فإنّ دعاءه مثل دعاء الملائكة » (٥) و « من عاد مريضاً في الله لم يسأل المريض للعائد شيئاً الا استجيب له ». (٦)

وقال عليه‌السلام : « من تمام العيادة للمريض أن تدع يدك على ذراعه وتعجل القيام من عنده ». (٧)

وقال علي عليه‌السلام : « إنّ من أعظم العوّاد أجراً عند الله تعالى من إذا عاد خفّف الجلوس عنده ، الا أن يكون المريض يحبّ ذلك ويريده ويسأله عن

__________________

١ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤٠٧ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ١٦٤.

٢ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤٠٧ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ١٦٤.

٣ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤٠٧ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ١٨٨ ، عن الباقر عليه‌السلام.

٤ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤١٠ ، نقلاً عن الكافي : ٣ / ١٢١.

٥ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤١١ ، نقلاً عن مكارم الأخلاق / ٣٦١ ، الباب ١١ ، وفيه : « فليدع له وليطلب منه الدعاء ، فإنّ دعاءه ... ».

٦ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤١١ ، نقلاً عن مكارم الأخلاق / ٣٦١ ، الباب ١١.

٧ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤١١ ، نقلاً عن الكافي : ٣ / ١١٨.

٤١٧

ذلك ». (١)

وقال عليه‌السلام : « لا عيادة في وجع العين ، ولايكون عيادة [ في ] أقلّ من ثلاثة أيّام ، فإذا وجبت فيوم ويوم لا ». (٢)

وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من شيّع جنازة فله قيراط من الأجر ، فإن وقف حتّى دفن فله قيراطان ». (٣)

وفي الخبر : « القيراط مثل جبل أحد ». (٤)

والقصد من التشييع قضاء حقّ المسلمين والعبرة ، فمن آدابه لزوم الخشوع وترك الحديث وملاحظة الميت والتفكّر في الموت والاستعداد له.

وعن الصادق عليه‌السلام : « من أخذ بقائمة السرير غفر الله له خمساً وعشرين كبيرة ، وإذا ربّع خرج من الذنوب » (٥) أي أخذ بجوانبه الأربعة.

والتعزية

فقد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من عزّى حزيناً كسي في الموقف حلّة يجرّبها ». (٦)

وعن الصادق عليه‌السلام : « أنّها بعد الدفن وأنّه يكفيك أن يراك صاحب المصيبة ». (٧)

« وكان الكاظم عليه‌السلام يعزّي قبل الدفن وبعده ». (٨)

وهي بالمأثور أحسن ، فيقول : « جبر الله وهنكم وأحسن عزاءكم ورحم متوفّيكم ». (٩)

__________________

١ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤١٢ ، نقلاً عن الكافي : ٣ / ١١٨ ـ ١١٩.

٢ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤١٢ ، نقلاً عن الكافي : ٣ / ١١٧.

٣ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤١٣.

٤ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤١٣.

٥ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤١٥ ، نقلاً عن الفقيه : ١ / ١٦٢ ، باب الصلاة على الميّت.

٦ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤١٥ ، نقلاً عن الفقيه : ١ / ١٧٣ ، باب التعزية ، وفيه : « يحبربها ».

٧ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤١٦ ، نقلاً عن الفقيه : ١ / ١٧٤.

٨ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤١٥ ، نقلاً عن الفقيه : ١ / ١٧٣ ـ ١٧٤.

٩ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤١٧ ، نقلاً عن الفقيه : ١ / ١٧٤.

٤١٨

وينبغي لأولياء الميّت أن يعلموا بموته حتى يشهدوا جنازته ويصلّوا عليه ويستغفروا له ، فيكتب لهم الأجر وللميّت الاستغفار. كما عن الصادق عليه‌السلام (١)

وأن يقول إذا رأى جنازة : الله أكبر هذا ما وعدنا الله ورسوله. (٢)

وأن يزور قبورهم ، وقد عرفت أنّه مقلّل لطول الأمل ، ومذكّر للموت ، ومرقّق للقلب.

قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « القبر أوّل منزل من منازل الآخرة. ، فإن نجا منه صاحبه فما بعده أيسر ، وإن لم ينج منه فما بعده أشدّ ». (٣)

وكان بعض الأكابر حفر في بيته قبراً فإذا وجد قساوة من قلبه دخل فيه واضطجع ومكث ساعة وقال : ربّ ارجعون لعلّي أعمل صالحاً فيما تركت ، ثم يقول : قد رجعت فاعمل الآن قبل أن لاترجع. (٤)

وكان علي عليه‌السلام إذا دخل المقابر يقول : « يا أهل التربة ويا أهل الغربة أمّا الدور فقد سكنت ، وأمّا الأزواج فقد نكحت ، وأمّا الأموال فقد قسمت ، هذا آخر ما عندنا فليت شعري ما عندكم ، ثم التفت إلى أصحابه فقال : لو أذن لهم في الجواب لقالوا : إنّ خير الزاد التقوى ». (٥)

وأن يصلّي صلاة الوحشة أو غيرها من الأدعية والاستغفار وسائر أعمال الخير.

فقد قال الصادق عليه‌السلام : « من عمل عن ميّت عملاً صالحاً أضعف له ونفع الله به الميّت ». (٦)

__________________

١ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤١٦ ، نقلاً عن الكافي : ٣٣ / ١٦٦.

٢ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤١٧ ، نقلاً عن الكافي : ٣ / ١٦٧ ، وفيه زيادة على ما ذكر.

٣ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤١٧ ـ ٤١٨.

٤ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤١٨.

٥ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤١٩ ، نقلاً عن الفقيه : ١ / ١٧٩ ـ ١٨٠.

٦ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤٢٠ ، نقلاً عن الفقيه : ١ / ١٨٥.

٤١٩

فهذه جملة آداب العشرة مع عامّة الخلق ، فصّلها أبوحامد الغزالي وغيره ، ثم قال : « والجملة الجامعة فيها أن لاتستحقر منهم أحداً حيّاً كان أم ميّتاً ، لأنّك لاتدري لعلّه خير منك ، فإنّه وإن كان فاسقاً فإنّه (١) يختم له بالصلاح ، ويختم لك بمثل حاله ، ولاتنظر إليهم بعين التعظيم لهم في دنياهم ، فإنّها صغيرة عند الله تعالى مع ما فيها ، ولاتبذل لهم دينك لتنال من دنياهم فتصغر في أعينهم وتحرم من دنياهم وتسقط من عين الله ، وإن لم تحرم مندنياهم فقد استبدلت الذي هو أدنى بالّذي هو خير ، ولا تعادهم فتظهر لهم العداوة فيطو لأمرك في المعاداة ويذهب بها دينك ودنياك ودينهم بك الا إذا رأيت منهم منكراً في الدين فتعاديهم في الله مع النظر إليهم بعين الرحمة لتعرّضهم لمقت الله وعقابه فحسبهم جهنّم يصلونها ، فما لك تحقد عليهم ولا تسكن إليهم في مودّتهم لك وثنائهم في وجهك ، فإنّك إن طلبت حقيقة ذلك لم تجد من المائة واحداً لا تشك إليهم أحوالك فيكلك الله إليهم ، ولا تطمع أن تكون حالهم فيك واحداً في السرّ والعلانية ، فإنّه طمع كاذب ولا تظفر به ، ولا تطمع في مافي أيديهم فتستعجل الذلّ ولا تنال الغرض ولاتتكّبر عليهم باستغنائك عنهم فيلجئك الله إليهم عقوبة على تكبّرك.

وإن سألت أخاك حاجة فقضاها فهو أخ مستفاد ، والا فلا تعاتبه فيعاديك.

ولا تعظ من لا ترى منه مخائل القبول ، فلا يسمع منك ويعاديك ، وإن وعظت فلا تنصّ على شخص خاص ، بل أرسل إرسالاً ، وإن أكرمك أحد فاشكر الله على تسخيره لك واستعذ به من شرور الناس ولا تكافئه فيزيد ضررك ويضيع عمرك ، ولاتقل : لم يعرفوا محلّي وما قدروني حقّ

__________________

١ ـ كذا ، والظاهر : فلعلّه.

٤٢٠