ينابيع النصيحة في العقائد الصحيحة

السيد الأمير الحسين بن بدر الدين

ينابيع النصيحة في العقائد الصحيحة

المؤلف:

السيد الأمير الحسين بن بدر الدين


المحقق: د. المرتضى بن زيد المحطوري الحسني
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مكتبة بدر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٩٩

ولا يبغضك إلا منافق» (١) إلى غير ذلك من الآيات فإنها أكثر من أن نحصيه هاهنا. ولم نذكر ما ذكرناه من الآيات النازلة في أمير المؤمنين عليه‌السلام إلا لكونها أقوى في الحجة ، وأبلغ في إيضاح المحجة ، إذ ما يتعلق بالقرآن هو شفاء كلّ سقيم ، وهو الدواء من الداء العقيم. وإذ قد ذكرنا طرفا مما يتعلق بالقرآن فلنذكر طرفا مما يتعلق بالسنة. فمن ذلك قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في فهمه ، وإلى إبراهيم في حلمه ، وإلى يحيى بن زكريا في زهده ، وإلى موسى بن عمران في بطشه ، فلينظر إلى علي بن أبي طالب» (٢).

ومنها كسره للأصنام : كما فعل إبراهيم الخليل عليه‌السلام ، قال الله تعالى في إبراهيم : (فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً) [الأنبياء : ٥٨] ، وعن علي عليه‌السلام أنه قال : انطلق بي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى أتى الكعبة ، فقال لي : اجلس فجلست إلى جنب الكعبة ، فصعد رسول الله صلي الله عليه وآله على منكبي ، ثم قال لي : انهض فنهضت ؛ فلما رأى ضعفي تحته قال لي : اجلس فجلست ، فنزل وقال : يا عليّ اصعد على منكبي فصعدت على منكبه ، ثم نهض بي ، فلمّا نهض خيّل إليّ أني لو شئت نلت أفق السّماء ، فصعدت فوق الكعبة ، وتنحّى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : ائت صنمهم الأكبر صنم قريش ، وكان من نحاس موتدا بأوتاد حديد إلى

__________________

(١) هو حديث متواتر رواه الأئمة ، رواه المرشد بالله ١ / ١٣٥. وابن المغازلي الشافعي ص ١٣٧ رقم ٢٢٥ ص ١٣٨ رقم ٢٢٩ ـ ٢٣١. والترمذي ٥ / ٦٠١ رقم ٣٧٣٦. أحمد بن حنبل في مسنده ١٠ / ١٧٦ رقم ٢٦٥٦٩. والنسائي في السنن ٨ / ١١٦ رقم ٥٠١٨ في الخصائص بثلاث طرق ص ١٠٢ رقم ٩٩ ، ومسلم بلفظ : «لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق ..» ، ١ / ٨٦ رقم ٧٨ ، وغيرهم كثير.

(٢) المرشد بالله في أماليه ١ / ١٣٣ بلفظ : من أراد أن ينظر إلى موسى في بطشه ، ومن أراد أن ينظر إلى نوح في حلمه فلينظر إلى علي بن أبي طالب. وذخائر العقبى ص ٩٣ ، ولوامع الأنوار ٢ / ٦٣٨.

٤٤١

الأرض فقال لي : عالجه وكان يقول : إيه إيه جاء الحق وزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقا ، فلم أزل أعالجه حتى استمكنت منه ، فقال لي : اقذفه فقذفته وتكسر ، ونزلت من فوق الكعبة فانطلقت أنا والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نسعى ، وخشينا أن يرانا أحد من قريش ، أو غيرهم (١).

ومنها : مبيته على فراش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تسليما لنفسه. كما فعله إسماعيل عليه‌السلام في تسليمه لنفسه إلى أبيه إبراهيم الخليل عليه‌السلام ليذبحه ، وروينا عن عبد الله بن العباس وغيره قالوا : شرى على نفسه فلبس ثوب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم نام على مكانه قال ابن عباس : وكان المشركون يرمون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجاء أبو بكر ـ وعليّ نائم ـ وأبو بكر يحسب أنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا رسول الله ، فقال له علي : إنّ نبيّ الله قد انطلق نحو بئر ميمون فأدركه ، قال فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار ، وجعل عليّ يرمى بالحجارة كما يرمى رسول الله وهو يتضوّر (٢) ، وقد لفّ رأسه في الثوب لا يخرجه ، فلما أصبحوا قام علي عن فراشه فعرف المشركون أنه ليس بالنبي فنزل قول الله تعالى : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ) الآية [الأنفال : ٣٠].

وفي تلك الليلة قال أمير المؤمنين علي عليه‌السلام :

وقيت بنفسي خير من وطئ الحصى

ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر

__________________

(١) المستدرك ٢ / ٣٦٦. ومسند أحمد ١ / ١٨٣ رقم ٦٤٤. والخطيب في تاريخه ١٣ / ٣٠٢. والكشاف ٢ / ٦٨٨ في تفسير : (جاءَ الْحَقُّ ..). والمحب الطبري في الذخائر ص ٨٥. وابن أبي شيبة ج ٧ ص ٤٠٣. والمواهب اللدنية ١ / ٣٢١ في فتح مكة. وقال الأمير الصنعاني في الروضة الندية ص ٢٤ : فعلى هذا يكون صعد مرتين قبل الهجرة وبعدها. والمناقب للكوفي ٢ / ٦٠٦. ومجمع الزوائد ٦ / ٢٣ ورجاله ثقات ، وقال في الرواية الأخرى : ورجاله رجال الصحيح.

(٢) التلوّي من الضّرب. القاموس ص ٥٥١.

٤٤٢

رسول إله خاف أن يمكروا به

فنجّاه ذو الطّول الإله من المكر

وبات رسول الله في الغار آمنا

موقّى وفي حفظ الإله وفي ستر

وبتّ أراعيهم وما يثبتونني

وقد وطّنت نفسي على القتل والأسر (١)

ومنها : فتحه للقلاع : كما فعل يوشع عليه‌السلام (٢). ومنها : ردّ الشمس عليه كما فعل ليوشع عليه‌السلام (٣). ومنها : أنه قتل بسبب امرأة : وهي قطام ، كما فعل بيحيى بن زكريا عليه‌السلام فإنه ذبح في طست بسبب امرأة ، وهي من بني إسرائيل (٤). وقصة الجميع معروفة ، والغرض الاختصار. ومنها : أنه قتل في الليلة التي رفع فيها عيسى صلوات الله عليه. كما روينا بالإسناد الصحيح أن

__________________

(١) أخرج الحادثة الحاكم في المستدرك ٣ / ٤ ، وقال : صحيح ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. والمناقب للكوفي ١ / ١٢٤. وشواهد التنزيل ١ / ٩٨ رقم ١٣٤ ـ ١٤١.

(٢) يوشع بن نون فتح مدينة الجبارين كما ذكر ذلك ابن الأثير في تاريخه ١ / ١١٣ ـ ١١٤. والطبري في تاريخه ١ / ٤٤٥. وابن كثير في قصص الأنبياء ، وذكر الخلاف هل كان بعد وفاة موسى أم لا.

(٣) ذكر ابن الأثير في تاريخه ١ / ١١٤ أن موسى قدم يوشع إلى أريحاء في بني إسرائيل ، فدخلها وقتل الجبارين ، وبقيت منهم بقية ، وقد قاربت الشمس الغروب ـ فخشى أن يدركهم الليل فيعجزوه فدعا الله تعالى أن يحبس عليهم الشمس ففعل وحبسها حتى استأصلهم ودخلها موسى. وقال الطبري في تاريخه ١ / ٤٤٠ لما غربت الشمس دعا الله فقال للشمس : إنك في طاعة الله وأنا في طاعة الله اللهم اردد عليّ الشمس ، فردت عليه الشمس. أقول : وهذا يقارب ما دعى به نبينا عليه وآله الصلاة والسّلام في حادثة رد الشمس على علي عليه‌السلام وقد تقدم ذكر الحادثة.

(٤) ذكر في قصص الأنبياء ص ٣٦٩ أن أحد حكام فلسطين يقال له : (هيرودس) ، وكانت له بنت أخ يقال لها : (هيروديا) بارعة الجمال ، أراد عمها أن يتزوج منها ، وكانت البنت وأمها تريدان ذلك ، غير أن يحيى عليه‌السلام حرّم هذا الزواج ؛ فحقدت الأم وزينت بيتها فراودها عمها فامتنعت إلا إذا قدم لها رأس يحيى على طيف ففعل. تاريخ ابن الأثير ١ / ١٧٣. وقد ذكر قصة ابن ملجم لعنه الله مع قطام عند ما طلبت رأس علي مهرا لها. الطبري ٥ / ١٤٤ فليراجع.

٤٤٣

عليا عليه‌السلام لما مات صعد الحسن بن علي (ع) المنبر فخطب خطبة بليغة ، وكان (١) مما قال : أيها الناس لقد فاتكم رجل ما سبقه الأولون ، ولا يدركه الآخرون ، إلى أن قال : ولقد قبض في الليلة التي قبض فيها يوشع بن نون ، والليلة التي رفع فيها عيسى ، والليلة التي أنزل فيها القرآن (٢). ومنها خبر المنزلة : وقد تقدم ذكره.

ومنها : إخراجه العين حين خرج إلى صفين ، كما فعل عيسى عليه‌السلام ، وذلك أن عليا عليه‌السلام لمّا خرج إلى الأنبار سار إلى برّيّة فأخرج بها عينا بقرب دير ، فسئل الراهب ، فقال : إنما بني هذا الدّير لهذا العين ، وإنها عين راحوماء ، ما استخرجها إلا نبي أو وصيّ نبيّ ، ولقد شرب بها (٣) سبعون نبيا ، وسبعون وصيا فأخبروا بذلك عليا عليه‌السلام (٤).

ومنها : حديث السفرجلة. وهو ما رواه ابن عباس قال : نزل جبريل في بعض الحروب ، وناول عليا سفرجلة ففتقها فإذا في وسطها حريرة خضراء مكتوب عليها تحية الطالب الغالب على علي بن أبي طالب ، فهذا كقصة الرمانة.

__________________

(١) في (ب) : فكان.

(٢) مجمع الزوائد ٩ / ١٤٦. ومقاتل الطالبيين ٥٢. والمغازلي ص ٢٥ رقم ١٥. والطبري في تاريخه ٥ / ١٥٧. والذهبي في تاريخ الإسلام عهد الخلفاء ص ٦٥٢ وأبو نعيم في الحلية ١ / ١٠٥. والمناقب للكوفي ٢ / ٥٧٤. وابن أبي شيبة في المصنف ٦ / ٣٧٠.

(٣) في (ب) : منها.

(٤) المناقب للكوفي ٢ / ٣٦. ونصر بن مزاحم في وقعة صفين ص ١٤٥. والخطيب في تاريخه ١٢ / ٣٠٥.

٤٤٤

ومنها : حديث الرمانة. عن ابن عباس قال : بينما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يطوف بالكعبة إذ بدت رمانة من الكعبة فاخضرّ المسجد لحسن خضرتها فمدّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يده فتناولها ، ومضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في طوافه ، فلما انقضى طوافه صلّى في المقام ركعتين ، ثم فلق الرمانة قسمين ، فكأنها قدّت فأكل النصف ، وأعطى عليّا عليه‌السلام النّصف ، فرنّحت (١) أشداقهما لعذوبتها ، ثم التفت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أصحابه ، فقال : «إنّ هذا قطف من قطوف الجنة لا يأكله إلا نبيّ أو وصيّ نبيّ لو لا ذلك لأطعمناكم» (٢) (٣).

ومنها : مشابهته لعيسى عليه‌السلام ، كما رويناه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «أنت يا عليّ في أمتي كعيسى بن مريم ، أحبّه قوم فدخلوا النار ، وأبغضه قوم فدخلوا النار. [حاشية] (٤) : الذين أحبوا عيسى هم النصارى فأفرطوا في المحبة ، فقالوا : هو ابن الله ، كما قال تعالى : (وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ) [التوبة : ٣٠] ، فدخلوا النار بذلك ، والذين أبغضوه هم اليهود فأفرطوا في البغض فقالوا : هو ولد زنا ، وقالوا لمريم (ع) : (يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا) [مريم : ٢٨] أي زانية فدخلوا النار لذلك (٥). كذلك علي عليه‌السلام أحبه قوم فجعلوه إلها ، وأبغضه قوم فجعلوه كافرا. قال علي عليه‌السلام : يهلك فيّ اثنان : محبّ مفرط يقرّظني [يمدحني] بما ليس فيّ ، ومبغض مفرط يحمله شنآنه على أن يبهتني. ألا وإني لست بنبيّ ، ولا يوحى إليّ ، ولكنني

__________________

(١) رنّح : تمايل من السكر وغيره. مختار الصحاح ٢٥٨.

(٢) في النسخ : أطعمناكم ، ولا بد من اللام ؛ لجواب لو لا ، ولذلك أثبتناه.

(٣) المناقب للكوفي ١ / ٥٤٨ عن ابن عباس.

(٤) هكذا في النسخ.

(٥) لذلك ساقطة في (ب).

٤٤٥

أعمل بكتاب الله وسنة نبيه ما استطعت ، فما أمرتكم به من طاعة الله فحقّ عليكم من (١) طاعتي فيما أحببتم وكرهتم ، وما أمرتكم به من معصية الله أنا أو غيري فلا طاعة لأحد في معصية الله ، إنما الطاعة في المعروف (٢).

وروينا أن جماعة جاءوا إلى علي عليه‌السلام وقالوا : هو ربّهم فقال : لا. فاستتابهم فأبوا ؛ فضرب أعناقهم وحرّقهم ، ولمّا همّ بإحراقهم وتوعّدهم بالحريق بالنار ، قالوا : عرفنا أنك ربّنا ؛ لأنه لا يعاقب بالنار إلا الله ، فضرب أعناقهم وحرّقهم (٣). وأنشأ يقول :

إني إذا رأيت أمرا منكرا

أوقدت ناري ودعوت قنبرا (٤)

فأما الذين كفّروه فهم علماء الخوارج.

ومنها : ما رواه أبو ذر ، وجابر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «خلقت أنا وعلي بن أبي طالب من نور واحد ، قد سبّح الله يمنة العرش قبل أن خلق الله آدم بألفي عام ، فلما أن خلق الله آدم جعل ذلك النور في صلبه. ولقد (٥) سكن آدم الجنة ونحن في صلبه ، ولقد همّ بالخطيئة ونحن في صلبه. ولقد ركب نوح في السفينة ونحن في صلبه ، ولقد قذف إبراهيم في النار ونحن في صلبه ، فلم يزل

__________________

(١) في (ب) : من ، مشطوبة بعد ثبوتها.

(٢) ابن المغازلي ١ / ٦٤ ، رقم ١٠٤. والحاكم في المستدرك ٣ / ١٢٣. والمحب الطبري في ذخائره ص ٩٢. وأحمد بن حنبل ١ / ٣٣٦ رقم ١٧٧٦ ، ورقم ١٣٧٧. وابن كثير في البداية والنهاية ٧ / ٣٩٢. قال محمد بن إسماعيل الأمير :

وبعيسى صح فيه مثل

فسعيدا عدّ منهم وشقيّا

(٣) ذخائر العقبى ص ٩٣. والاعتصام ٥ / ١٣٨. أنه أحرق زنادقه. وكذلك قضاء الإمام علي ص ٢٣٧.

(٤) بعضهم يروي البيت : لمّا رأيت الأمر أمرا منكرا .. إلخ. وقنبر : عبد الإمام علي.

(٥) في (ب) : وقد.

٤٤٦

ينقله الله تعالى من أصلاب طاهرة ، إلى أرحام طاهرة حتى انتهى بنا (١) إلى عبد المطلب فقسمنا بنصفين : وجعلني في صلب عبد الله ، وجعل عليا في صلب أبي طالب ، وجعل فيّ النبوة والبركة ، وجعل في عليّ الفصاحة والفروسية ، وشقّ لنا اسمين من أسمائه ، فذو العرش محمود وأنا محمد ، والله الأعلى وهذا عليّ» (٢). ولنقتصر على هذا القدر من فضائله فإنها أكثر من أن نحصيها في كتابنا هذا.

فاطمة الزهراء (ع)

قال الله سبحانه في آية المباهلة : (وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ) [آل عمران : ٦١] ، ولا خلاف بين أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أنه لم يدع من النساء غير فاطمة ، فكانت هذه الفضيلة لها خاصة دون نساء العالمين ؛ ولأنها خامسة الخمسة المعصومين بإجماع المسلمين ، وبالأدلة المؤدية إلى العلم اليقين كآية التطهير وغيرها (٣) ، وعن ابن عباس قال : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جالسا مع عائشة فدخلت فاطمة فعانقها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقبّلها ، وشم شفتيها فقالت عائشة ما أكثر ما تقبّل فاطمة؟ قال : يا حميراء أتدرين لما ذا أقبّلها؟ قالت : لا. قال : «إنه لمّا أسرى بي جبريل إلى السماء وأدخلني الجنة فرأيت على بابها شجرة يقال لها : طوبى ، حملها أصغر من الرمان ، وأكبر من التفاح ، وأحلى من العسل ، وأبيض من اللبن ، وألين من الزّبد ، وأعذب من الشهد ، ليس له عجم ، فناولني جبريل واحدة منها

__________________

(١) في (ب) : انتهينا.

(٢) تنبيه الغافلين للحاكم الجشمي ٣٦ ، وأخرج ما يوافق ذلك ابن عساكر في ترجمته ١ / ص ١٥٢. وابن المغازلي الشافعي ص ٧٤ رقم ١٣٠ ـ ١٣٢. ونهاية هذا يوافق حديث الأشباح الذي ذكره حميد المحلي في الحدائق ١ / ١٤. والله أعلم.

(٣) قال تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً).

٤٤٧

وأكلتها (١) فإذا عند أصل الشجرة عين يقال لها : سلسبيل. أبيض من اللبن ، وأضوأ من الشمس ، فسقاني جبريل من ذلك الماء ، فشربت فلما نزلت إلى (٢) الارض اشتهيت خديجة فواقعتها فحملت بفاطمة فهي حوراء إنسية ليس يخرج منها ما يخرج من النساء عند الحيض ، وإذا اشتهيت رائحة الجنة قبّلتها ، وشممت منها رائحة الجنّة» (٣).

وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «فاطمة بضعة مني ، من آذاها فقد آذاني» (٤).

__________________

(١) في (ب) : فأكلتها. وفي المراجع وفي الأصل : وأكلتها.

(٢) في (ب) بحذف إلى.

(٣) الطبراني ٢٢ / ٤٠٠ رقم ١٠٠٠. والمحب في الذخائر ص ٣٦. والمناقب ٢ / ٢٠٦. وهذا الحديث وغيره الذي جاء فيه أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يمص لسانها يحمل على حال صغرها. أما في حال الكبر فلا يصح ، والحديث برمته مشكل ؛ لأن الإسراء والمعراج كان قبل الهجرة بسنة واحدة ، وفاطمة عليها‌السلام ولدت قبل النبوة بخمس سنوات أي إن عمرها الشريف عند الإسراء حول الخمس عشرة سنة. وخديجة الكبرى رضي الله عنها لم تدرك حادثة الإسراء والمعراج ؛ لأنها توفيت قبل الهجرة بثلاث سنوات. والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذهب إلى الطائف بعد موتها وموت أبي طالب ، وأسري به بعد رجوعه من الطائف بفترة. كما أن الإسراء ليس إلى الجنة ، وإنما إلى بيت المقدس. ثم المعراج إلى السموات العلى. كما أن الحديث وارد على غير موضوع فالجنة لم تخلق على مذهب الإمام الهادي عليه‌السلام. ينظر حول حادث الإسراء : تاريخ الإسلام سيرة الرسول للذهبي ص ٢٤١. وتاريخ ابن الأثير ٢ / ٣٣. وابن كثير ٢ / ٦٩٣. وحول مولد فاطمة : طبقات ابن سعد ٨ / ١٩. والاستيعاب ٤ / ٤٤٨ ذكر أن مولدها بعد مولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإحدى وأربعين سنة. وحول وفاة خديجة : أسد الغابة ٧ / ٨٦. وتاريخ الطبري ٢ / ٣٤٣. وابن الأثير ٢ / ٦٣. وتاريخ الإسلام للذهبي ص ٢٣٦. وطبقات ابن سعد ٨ / ١٨. وسيرة ابن هشام ٢ / ٢٩. وابن كثير ٢ / ١٣٢. وسيرة المصطفى للحسني ص ١٩٩.

(٤) أخرجه البخاري ٥ / ٢٠٠٤ برقم ٤٩٣٢ ، بلفظ : يؤذيني ما أذاها. والترمذي ٥ / ٦٥٦ برقم ٣٨٦٩. وقال : حديث حسن صحيح. والطبراني في الكبير ٢٢ / ٤٠٤ رقم ١٠١٠ ، ١٠١١.

٤٤٨

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «فاطمة بضعة مني ، يريبني ما أرابها» (١). دل ذلك على فضلها ، وعلو شرفها ونبلها. ومن قال : بأن أبا بكر أفضل منها فقد جهل ؛ لأنها إذا كانت من لحم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نصا جليا بقوله : «فاطمة بضعة منّي» ، فلا أحد أفضل من رسول الله ولا جسد أكرم من جسده.

وهذا الخبر مما رواه المخالف والمؤالف ، ولم ينكره لبيب عارف. وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «فاطمة حصّنت فرجها من النار (٢) ، فحرّم الله ذرّيّتها من النار» (٣) ، يعني من ولدته بنفسها. وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على المنبر : «إنّ بني هشام بن المغيرة استأذنوا أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب فلا آذن لهم ، ثمّ لا آذن لهم ، ثم لا آذن لهم ، إلّا أن يحب علي بن أبي طالب أن يطلّق ابنتي وينكح ابنتهم ، فإنما ابنتي بضعة مني يريبني ما أرابها ، ويؤذيني ما آذاها» (٤). وقال لها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

__________________

(١) أخرجه البخاري ٤ / ٢٠٠٤ رقم ٤٩٣٢ ،. والترمذي ٥ / ٦٥٥ رقم ٣٨٦٧. وفي أسد الغابة ج ٢ ص ٢١٩ ، عن علي عليه‌السلام أن النبي قال لفاطمة : «إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك».

(٢) لا معنى لذكر النار هنا ، فزيادة «من النار» مخلة ؛ فإنها حصنت جميع جسدها من النار ، ولعله غلط من الكاتب.

(٣) الخطيب في تاريخه ٣ / ٥٤ عن علي بن موسى الرضا بلفظ : «إن فاطمة أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار» وقال خاص للحسن والحسين. والحاكم ٣ / ١٥٢. وقال صحيح ، ولم يخرجاه. والمحب الطبري في ذخائره ص ٢٦. وقال : أخرجه الحافظ الدمشقي. وأبو نعيم في الحلية ٤ / ٢٠٩. وكفاية الطالب ٣٦٧.

(٤) البخاري ٥ / ٢٠٠٤. ومسلم ٤ / ١٩٠٢ رقم ٢٤٤٩. أقول : إن عليّا من الطراز النادر في الوفاء ، وإن فاطمة من عيون نساء الدنيا جمالا وكمالا ، ولا يتمنى عليّ زوجا أكرم منها ، ولذلك فأنا أستبعد هذا منه كما أستبعد لو افترضنا رغبة علي في الزواج بامرأة أخرى ـ أن ير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمثل هذه القسوة ؛ لأن دينه يبيح لعلي أن ينكح أربعا ؛ لقوله سبحانه : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) ، ومثل علي فعلى

٤٤٩

«إنّ الله تعالى يغضب لغضبك ويرضى لرضاك» (١). وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام : «أوتيت ثلاثا لم يؤتهنّ أحد ، ولا أنا : أوتيت صهرا مثلي ، ولم أوت أنا مثلي ، وأوتيت صدّيقة مثل ابنتي ، ولم أوت مثلها زوجة ، وأوتيت الحسن والحسين من صلبك ، ولم أوت مثلهما من صلبي ، ولكنّكم منّي وأنا منكم» (٢).

وعن ابن عباس أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «كأني أنظر إلى ابنتي فاطمة قد أقبلت يوم القيامة على نجيب من نور ، عن يمينها سبعة آلاف ملك ، وعن يسارها سبعة آلاف ملك ، وبين يديها كذلك ، وخلفها كذلك ، تقود مؤمنات أمتي إلى الجنة». وروينا أنه : إذا كان يوم القيمة ينادى يا أهل الموقف غضّوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة (ع) (٣).

وروينا أيضا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «إذا كان يوم القيامة نادى مناد من تحت الحجب : يا أهل الجمع ، غضّوا أبصاركم ، ونكّسوا رءوسكم ، هذه فاطمة ابنة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تريد أن تمرّ على الصّراط» (٤).

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «إنما سمّيت ابنتي فاطمة ؛ لأن الله فطمها وفطم منّ

__________________

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع خديجة ؛ فإنه لم يتزوج عليها طيلة حياتها وفاء لها ، ولأنها امرأة كاملة. مع أن تعدد الزوجات قد يكون لأغراض تخدم الإسلام ، والمعان النبيلة فلا علاقة له بالوفاء أو انتقاص الزوجة الأولى ، ولما ذا عارض صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذه المسألة العائلية من فوق المنبر؟ فالعلم لله وحده.

(١) أسد الغابة ٧ / ٢١٩ عن علي. والإصابة ٤ / ٣٦٦. الحاكم في المستدرك ٣ / ١٥٤ ، وقال : صحيح الإسناد ، والإمام علي بن موسى في صحيفته ص ٤٥٩ ، وكفاية الطالب ص ٣٦٤.

(٢) صحيفة على بن موسى الرضى ص ٤٥٨.

(٣) صحيفة علي بن موسى ٤٦٠ ، وكفاية الطالب ٣٦٤.

(٤) الحاكم ٣ / ١٥٣ ، والمناقب لابن المغازلي ٢٢١ رقم ٤٠٤.

٤٥٠

أحبّها من النّار» (١). وعن جعفر الصادق عليه‌السلام أنه قال : لفاطمة ثمانية أسماء : الصديقة ، والزهراء ، والطاهرة ، والزكية ، والرضية ، والمرضية ، والبتول ، وفاطمة.

[زواج علي عليه‌السلام من فاطمة (ع)]

وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أمرت أن أنكح إليكم ، وأنكحكم إلا فاطمة» وذلك أن الاخبار المتطابقة على ما معناه أنّ الصحابة اجتمعوا وقالوا : إنّ قلب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مشغول بفاطمة فلا أمّ لها ، ولا مشفق ، فلو أزلنا عن قلبه هذا الشغل ، فقالوا لأبي بكر : اخطبها فجاء إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقصّ عليه وخطبها. فقال : إن أمرها إلى الله ، فقيل لعمر فكان هذا جواب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقيل لعثمان فقال : قد تزوجت باثنتين ومضتا وكلتاهما تحتي وأنا استحيي أن أخطبها ، فجاءوا إلى أمير المؤمنين وهو في بستان يسقي ليهودي الماء ، كلّ دلو بتمرة ، وفي البلد قحط فنزع خمسة وعشرين دلوا ، فخاطبوه بذلك وسألوه أن يخطبها. فقال لهم : حبّا وكرامة ومشى معهم إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودخل ووضع التمرات بين يديه ووقف كالمريب مطرق مستحي لا ينظر إلى الرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له : ما وراءك يا أبا الحسن؟ فأطرق رأسه ، وقال : غلبني الحياء جئت أخطب فاطمة ، فأطرق الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يكلمه ، فإذا بجبريل عليه‌السلام قد نزل وقال للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن العليّ الأعلى يقرؤك السّلام ، ويعرّفك أنه أمر راحيل أن يخطب وهو أفصح ملك في السماء ، وجعلني قابلا للنكاح عن علي ، وكان الله تعالى وليّها ، وأحضر حملة العرش للشهادة ، وأمر رضوان أن ينثر من شجرة طوبى زمرّدا ولؤلؤا وزبرجدا ، وينثر الحور العين ، وأمرك أن تزوّجها منه ، فرفع النبي رأسه إلى علي وقال : ما الذي معك؟ قال : درعي ، قال : كم يساوي؟ قال : طلب

__________________

(١) صحيفة علي بن موسى ٤٥٩ ، وكنز العمال ٣٤٢٢٧.

٤٥١

مني بأربع مائة درهم. فدعا بالناس وزوجها منه على ذلك ، وأمر بإحضار طبق من بسر [تمر] ، وقال : انتهبوا النّثار ، ثم أمر عليّا ببيع الدرع ، ويشتري لها قميصا وسراويلا (١) ومقنعة ووقاية وعبا وفروة ومخدّتين ، ويصرف الباقي إلى عطر. فمرّ (٢) عليّ في ذلك. وأمر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغسل رأسها ، وألبسها ما حمل عليّ ، وأطعم الهاشميات والأقارب ، ثم قال لهم : انصرفوا ، فانصرفوا إلّا أسماء بنت عميس امرأة جعفر الطيار ، وكانت هي التي ربّت فاطمة ، فوقفت فقال لها الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لم لم تلحقي بأهلك؟ قالت يا رسول الله : إن النساء لا بدّ لهن من امرأة في مثل هذه الليلة يكشفن إليها أسرارهنّ ، وأنا ربيتها ، فلا يطيب لي تركها وحدها ، فدعا لها ، ثم خلط الطيب ودعى بفاطمة وطيّب فرقها وعنقها وبين ثدييها ، وقال لها : على بركة الله ، فلما دخل البيت ، دعا بعليّ واستعمل باقي الطيب فيه ، ووضع يده على ظهره ، وقال : على بركة الله ، فدخل عليّ عليها ، ولم ينظر إلى جانبها حتى صلّى ركعتين وسجد لله شكرا على رزقه إياه مثلها.

وروينا عن ابن المغازلي الشافعي ما رفعه بإسناده في كتابه إلى أنس : أنّ أبا بكر خطب فاطمة إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم يرد إليه جوابا ، ثم خطبها عمر فلم يرد جوابا ، ثم جمعهم فزوجها علي بن أبي طالب. وقيل : أقبل على أبي بكر وعمر فقال : إن الله عزوجل أمرني أن أزوجها من علي ، ولم يأذن لي في إفشائه إلى هذا الوقت ، ولم أكن لأفشي ما أمرني الله عزوجل به (٣).

__________________

(١) في (ب) : مصلحة سراويل ، وهو الأظهر ؛ لأنه اسم لا ينصرف.

(٢) في (ب) : فمضى.

(٣) المناقب ٢١٧ رقم ٣٩٧ ، وذخائر العقبى ص ٣٠ باختلاف يسير.

٤٥٢

وفي حديث آخر أنه لما زوّج الله تبارك وتعالى فاطمة (ع) من علي أمر الملائكة المقربين أن يحدقوا بالعرش وفيهم جبريل وميكائيل وإسرافيل فأحدقوا بالعرش ، وأمر الحور العين أن يتزيّن ، وأمر الجنان أن تزخرف ، فكان الخاطب الله تبارك وتعالى والشهود الملائكة ، ثم أمر الله شجرة طوبى ان تنثر (١) عليهم ، فنثرت اللؤلؤ الرّطب مع الدر الأخضر ، مع الياقوت الأحمر ، مع الدّرّ الأبيض ، فتبادرن الحور (٢) العين يلتقطن من الحلي والحلل ، ويقلن : هذا من نثار فاطمة بنت محمد (ع) (٣).

وفي آخر حديث طويل حذفناه لطوله ، وناوله جبريل قدحا فيه خلوق من الجنة وقال : حبيبي مر فاطمة تلطخ رأسها ويديها (٤) وثديها من هذا الخلوق ، فكانت فاطمة (ع) إذا حكّت رأسها شمّ أهل المدينة رائحة الخلوق (٥).

وفي حديث آخر أنه قال للملائكة : ما الذي أحدركم؟ قالوا : جئنا لنزف فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى زوجها علي بن أبي طالب ، فكبّر جبريل ، وكبّر ميكائيل ، وكبّرت الملائكة وكبّر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوقع التكبير على العرائس من تلك الليلة.

وفي حديث آخر فلما كانت ليلة الزفاف أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ببغلته الشهباء وثنى عليها قطيفة ، وقال لفاطمة اركبي ، وأمر سلمان أن يقودها ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) في (ب) : تنتثر.

(٢) فيه جمع بين فاعلين ، وهلي لغة رديئة ، وتسمّى لغة أكلوني البراغيث.

(٣) المناقب ص ٢١٥ رقم ٣٩٥ ، والحدائق الوردية (خ) ١ / ٢٢.

(٤) في بعض النسخ : بدنها.

(٥) الحدائق الوردية ١ / ٢٢.

٤٥٣

يسوقها فبينما هو في بعض الطريق إذ سمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجبة فإذا هو بجبريل صلّى الله عليه في سبعين ألفا ، وميكائيل صلّى الله عليه في سبعين ألفا. فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أهبطكما إلى الأرض؟ قالوا : جئنا نزفّ فاطمة (ع) إلى زوجها علي بن أبي طالب فكبر جبريل ، وكبر ميكائيل ، وكبرت الملائكة ، وكبّر محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوقع التكبير على العرائس من تلك الليلة.

وأخبار النكاح كثيرة اقتصرنا على هذا القدر منها ، وفيه كفاية ؛ فإنه ما كان في نكاح أحد من الأولين ولا يكون في الآخرين كنكاحها من علي عليه‌السلام ؛ لأن العاقد هو الله تعالى ، والقابل جبريل ، والخاطب راحيل ، والشهود حملة العرش ، ورضوان خازن الجنة صاحب النثار ، وطبق النثار شجرة طوبى ، والنثار الدر والؤلؤ والزمرد والزبرجد ، والذي التقطه حور العين. والعاقد في الأرض رسول الله سيد النبيين وخاتمهم سلام الله عليهم أجمعين ، وهو الذي مشطها بيده الطاهرة ؛ إذ هو الذي طيّبها بخلوق الجنة ، وبخلوق الدنيا ، والملائكة (ع) هم الزّافّون والمكبّرون ، والزوج أمير المؤمنين وسيد الوصيين ويعسوب المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام. وأولادهما هم أئمة الخلق ، والهداة إلى الحق إلى يوم القيامة بحكم الله سبحانه.

فهل يعتري الشكّ مرتاد الرشاد في شرفها؟ أو هل يوازي فضل من ارتكب الكبائر التي منها : الشرك وعبادة الأصنام ، ثم تاب ورجع إلى الإسلام ـ فضلها؟ أو هل يقول قائل فيصدق بأنها ارتكبت كبيرة منذ كانت إلى أن ماتت في رحمة الله تعالى؟ لو لا العناد ، وموافقة أهل الفساد وعمي البصيرة في الإصدار والإيراد. وقد علمنا أنّ بعض من في تلك الجهات يفضّل أبا بكر عليها ، وأين الثريا من يد المتناول؟

٤٥٤

أليس ممن (١) عبد الاصنام وعكف على الآثام ، ثم أسلم بلا إشكال ، ثم فرّ عن زحف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا إنكار ، وتقدّم على (٢) أمير المؤمنين عليه‌السلام مع قوله على المنبر بإجماع الرواة في بعض كلامه : ولّيتكم ولست بخيركم. فإن كان صادقا فهو كما قال ، وإن كان كاذبا نقّصه ذلك عن درجة الجلال ، وحطّه عما مدّ إليه عنقه من الكمال. يا من طلب الماء في الآل [السّراب] ، أين الهدى من الضلال ، وأين الأجاج من الماء العذب السلسال؟.

تأمل ما ذكرناه في كتابنا هذا بعين البصيرة إن كنت ممن يخشى العالم بالسريرة. وابحث أهل المعرفة بالسيرة ، ألم يقتل خالد بن الوليد ذا التاج؟ وبنى خالد بزوجته تلك الليلة من دون استبراء. وذو التاج هو مالك بن نويرة. ويقال : إنّ خالدا رأى زوجة مالك بن نويرة ففتن بها فقتله لأجلها. وقيل : إنه قتله بعد أن أسره ، وقتل غيره معه لئلا يقال : إنه إنما قتله لأجلها. وإيّاه عنى أبو فراس (٣) بقوله :

وجرّت منايا مالك بن نويرة

عقيلته الحسناء أيّام خالد (٤)

ولما بنى بها من ليلتها من دون استبراء أنكر ذلك العلماء والصلحاء. وروي

__________________

(١) في (ب) : أليس هو ممن.

(٢) في (ب) «على» محذوفة.

(٣) الحمداني ، ولد ٣٢٠ ه‍ ، أديب ، فاضل ، وفارس ، وشاعر ، كان الصاحب يقول : بدئ الشعر بملك وختم بملك ، يعني امرأ القيس ، وأبا فراس الحمداني ، قتل سنة ٣٥٧ ه‍. ينظر :

وفيات الأعيان ١ / ١٢٧.

(٤) ديوانه ١٠٣ ، من قصيدة يذكر أسره وبعض حساده ، ومطلعها :

لمن جاهد الحساد أجر المجاهد

وأعجز ما حاولت إرضاء حاسد

٤٥٥

أنّ ممن أنكر ذلك عمر على خالد ، وهو والي أبي بكر وتوعّده بأن يرمى بالحجارة ، فلما دخل إلى أبي بكر وأرضاه بحديثه ، وكان لا يقبل على ولاته فلم يظهر منه عليه إنكار (١). فتأملوا يا أولي الأبصار ، أين الجنة من النار؟ وأين القطرة من البحر التيار.

والمعلوم من السيرة المحمدية ، والأفعال الصحابية ، والسّير الإمامية أنه لا يجوز وطء الأمة المسبية إلا بعد استبرائها ، والحديث ظاهر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «لا توطأ حامل حتى تضع ، ولا حائل حتى تحيض» (٢). والأمر في ذلك ظاهر.

وهذا مما رواه الإمام الطاهر الحسن بن علي الملقب بالناصر [الأطروش] عليه‌السلام وأنكر ذلك أشد الإنكار من فعل أبي بكر. وذلك مذكور في موضوعاته ، وهو مذكور في كتب التواريخ والسير (٣). أين ذلك من فضل فاطمة الرضية الإنسيّة الحورية الطاهرة الزكية المعصومة من الكبائر المفضلة بلا تناكر. وقد قدمنا طرفا من فضلها. فإن الإتيان على جملته مما ينافي غرضنا في هذا الكتاب من الاختصار. وفيما ذكرنا (٤) كفاية لمن كان له قلب رشيد ، أو ألقى السمع وهو شهيد ممن لم يعم التعصب عين بصيرته ، ولم يذهب الرّان (٥) أنوار معرفته.

__________________

(١) الطبري ٣ / ٢٨٠ ، وخزانة الأدب ٢ / ٣٢. وذكر أن عمر لما أتى عليا ، فقال : إن في حق الله أن يقاد هذا بمالك قتل رجلا مسلما ثم نزا على امرأته كما ينزو الحمار.

(٢) أحمد في المسند ٤ / ١٢٥ رقم ١٥٩٦ ، والبيهقي في السنن ٩ / ٢٤ ، والمستدرك ٢ / ١٦٢ ، وقال : صحيح على شرط مسلم.

(٣) ينظر اليعقوبي ٢ / ١٨ ، وتأريخ دمشق ١٦ / ٢٧٤.

(٤) في بقية النسخ : ذكرناه.

(٥) في (ب) الحسد بدل الرّان.

٤٥٦

السبطان الحسنان (ع)

قال الله تعالى : (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ) [آل عمران : ٦١] أجمع (١) المخالف والمؤالف أنّ من دعا يوم المباهلة كان الحسن والحسين فكانت هذه الفضيلة لهما خاصة دون أبناء العالمين كافّة. وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ريحانتاي الحسن والحسين» (٢). وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الحسن والحسين ابناي ، من أحبّهما أحبّني ، ومن أحبّني أحبّه الله ، ومن أحبّه الله أدخله الجنة. ومن أبغضهما فقد أبغضني ، ومن أبغضني أبغضه الله ، ومن أبغضه الله أدخله النار على وجهه» (٣).

الحسن السبط عليه‌السلام

قال فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ ابني هذا سيد ، وليصلحنّ الله على يديه بين فئتين من المسلمين عظيمتين» (٤).

__________________

(١) في (ب) : وأجمع.

(٢) أخرجه البخاري ٣ / ١٣٧١ رقم ٣٥٤٣ و ٥ / ٢٢٣٤ ، رقم ٥٦٤٨ ، عن ابن عمر بلفظ : هما ريحانتاي من الدنيا» ، وأحمد بن حنبل ٢ / ٣٨٦ رقم ٥٧٧٢ ، عن عبد الله ابن عمر رقم ٥٩٤٧ ، ورقم ٦٤١٥. والترمذي ٥ / ٦١٥ رقم ٣٧٧ بلفظ : «إن الحسن والحسين هما ريحانتاي من الدنيا» ، وغيرهم.

(٣) أخرج الحاكم بلفظه ٣ / ١٦٦ ، وقال : صحيح على شرط الشيخين ، والترمذي ٥ / ٦١٤ رقم ٣٧٦٩ بلفظ : «هذان ابناي وابنا ابنتي ، اللهم إني أحبهما فأحبهما وأحب من يحبهما» والهيثمي ٩ / ١٨١ ، بلفظ : «الحسن والحسين من أحبهما أحببته ومن أحببته أحبه الله ومن أحبه الله أدخله جنات نعيم ومن أبغضهما أبغضته ، ومن أبغضته أبغضه الله ومن أبغضه الله أدخله جهنم وله عذاب مقيم» ، وقال : رواه الطبراني.

(٤) البخاري ٣ / ١٣٦٩ رقم ٣٥٣٦ ، ولم يذكر كلمة عظيمتين ، وأبو داود ٥ / ٤٨ رقم ٤٦٦٢ ، والنسائي ٣ / ١٠٧ رقم ١٤١٠ والترمذي ٥ / ٦١٦ رقم ٣٧٧٣.

٤٥٧

الحسين السبط عليه‌السلام

قال فيه رسول الله صلي الله عليه وآله : «حسين مني وأنا من حسين ، أحبّ الله من يحبّ حسينا ، حسين سبط من الأسباط» (١).

المعصومون الخمسة صلوات الله عليهم

روينا عن ابن عباس عن رسول الله صلي الله عليه وآله أنه قال : لما أمر الله آدم بالخروج من الجنة رفع طرفه نحو السماء فرأى خمسة أشباح على يمين العرش ، فقال : إلهي خلقت خلقا قبلي؟ فأوحى الله إليه : أما تنظر إلى هذه الأشباح؟ قال : بلى ، قال : هؤلاء الصّفوة من نوري اشتققت أسماءهم من اسمي ، فأنا المحمود وهذا محمد ، وأنا العالي وهذا علي ، وأنا الفاطر وهذه فاطمة ، وأنا المحسن وهذا الحسن ، ولي الأسماء الحسنى وهذا الحسين. قال آدم : فبحقهم اغفر لي. فأوحى الله إليه : قد غفرت لك. قال بعض علماء التفسير : وهي (٢) الكلمات التي قال الله تعالى (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ) [البقرة : ٣٧] (٣).

ولنقتصر على هذا القدر من فضائل الخمسة ، فإنّ فضائلهم أكثر من أن نأتي على عشر عشرها في كتابنا هذا.

__________________

(١) الترمذي ٥ / ٦١٧ رقم ٣٧٧٧.

(٢) في (ب) : وهذا.

(٣) تنبيه الغافلين ٣٦ ، وحميد في الحدائق الوردية ١ / ١٤ ، وعزاه إلى الحاكم في السفينة ، وممن ذكر أن الكلمات التي تلقاها آدم التوسل بحقهم. السيوطي في الدر المنثور ١ / ١١٤ ، والكوفي في المناقب ١ / ٥٤٧ ، وابن المغازلي ٥٩ رقم ٨٩.

٤٥٨

زين العابدين علي بن الحسين السبط (ع)

روينا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «يولد للحسين (١) ابن يقال له : عليّ ، إذا كان يوم القيامة ناد مناد ليقم سيد العابدين» (٢).

الباقر محمد بن علي زين العابدين (ع)

روينا أنّ جابر بن عبد الله الأنصاري رحمه‌الله عاش إلى أن أدرك باقر علم الأنبياء محمد بن علي ، فقال له جابر : يا محمد إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوصاني أن أبلّغك عنه السّلام. وجابر يومئذ شيخ كبير أعمى (٣).

أخوه زيد بن علي (ع) (٤)

روينا عن الباقر محمد أنه قال حدثني أبي عن أبيه عن جده أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) في (ب) : الحسين بن علي.

(٢) أخرجه الموفق بالله في الاعتبار وسلوة العارفين ٦٣٥ ، وشمس الأخبار ١ / ١١٨.

(٣) دلائل الإمامة ٢١٨ لمحمد بن جرير بن رستم الطبري ، ومدينة المعاجز ٣٢٢.

(٤) هو أبو الحسين إمام الأئمة ، حليف القرآن ، ولد بالمدينة سنة ٧٥ ه‍ على الأصح ، ونشأ بها. ورضع العلم من بيت النبوة على يد والده وأخيه الباقر ، كان من عظماء أهل البيت علما وزهدا ، وشجاعة ودينا وكرما ، وكان قد شاب عصره من الأفكار الدخيلة على الدين فقام بثورته الفكرية ضد القدرية والمجسمة والمشبهة وغيرهم ، فألف الرد على القدرية والجبرية ، والرد على المرجئة ، والصفوة ، وإثبات الوصية ، وإثبات الإمامة ، وغيرها. وبعد ذلك بدأ في ترسيخ أهم مباديه العظيمة «مبدأ الخروج على الظلمة» ودفع من أجله حياته ، وكان قد حاول الأمويون إلغاء هذا المبدأ وأسسوا مبدأ طاعة ملوك الجور حتى وإن جلد ظهرك ، وأخذ مالك ، وهتك عرضك ، وأجروا ذلك على لسان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. ففتح باب الجهاد ، وكان قد بايعه من الفقهاء الذين أخذوا عنه أبو حنيفة وأعانه بمال كثير ، وقد انطوى ديوانه على خمسة عشر ألف مقاتل من الكوفة ، وخرج معه من القراء والفقهاء الكثير ، واستشهد في ٢٥ محرم ١٢٢ ه‍.

٤٥٩

قال : «يخرج من ولده (١) رجل يقال له : زيد ، يقتل بالكوفة ، ويصلب بالكناسة ، يخرج من قبره نبشا ، تفتح لروحه أبواب السماء ، يبهج أهل السماوات ، يقولون : هؤلاء دعاة الحق» (٢).

وعن الصادق أبي عبد الله جعفر بن الباقر (ع) بإسناده إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال للحسين «يخرج من صلبك رجل يقال له : زيد ، يتخطى هو وأصحابه رقاب الناس يوم القيامة غرّا محجّلين ، يدخلون الجنة» (٣).

وعن حذيفة بن اليمان أنه قال : نظر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى زيد بن حارثة ، فقال : «المقتول في الله ، والمصلوب في أمتي ، والمظلوم من أهل بيتي سمي هذا» ، وأشار بيده إلى زيد بن حارثة. فقال : ادن مني يا زيد ، فقد زادك اسمك عندي حبّا فأنت سمي الحبيب من أهل بيتي» (٤).

وعن علي عليه‌السلام أنه قال : الشهيد من ذرّيتي ، والقائم بالحق من ولدي المصلوب بكنّاسة كوفان ، إمام المجاهدين (٥) ، وقائد الغرّ المحجّلين ، يأتى يوم القيامة هو وأصحابه تلقاهم الملائكة المقربون ، ينادونهم : ادخلوا الجنّة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون (٦). والأخبار فيه أكثر من أن نحصيها (٧).

__________________

(١) في (ب) : من ولدي.

(٢) شمس الأخبار ١ / ١٢١ بلفظ مقارب. ومقاتل الطالبيين باختلاف يسير ص ١٣١.

(٣) شمس الأخبار ١ / ١٢١ ، وفي تخريج الجلال قال : أخرجه الحاكم في جلاء الأبصار. وأبي الفرج في المقاتل ص ١٣٠ ، وسلوة العارفين ٥٤٥.

(٤) شمس الأخبار ١ / ١١٩ وعزاه إلى الموفق بالله. وابن عساكر في تاريخه ١٩ / ٤٥٨.

(٥) في الأصل فقط إمام المهاجرين.

(٦) أبو طالب في أماليه ص ١٠٥.

(٧) في (ج) : من أن تحصى.

٤٦٠