كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام

محمّد بن يوسف الگنجي الشافعي

كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام

المؤلف:

محمّد بن يوسف الگنجي الشافعي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار إحياء تراث أهل البيت (ع)
المطبعة: فارابي
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٨١

١
٢

٣

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

اللهم ... أوزعنى ان اشكرك ، وأشكر نعمتك التي أنعمت علىّ ، وعلى والدى وان أعمل صالحا ترضاه ، واصلح لى فى ذريتى ، إنى تبت إليك وانى من المسلمين.

اللهم ... أجز والدى خير ما جزيت والدا عن ولده ، واغفر لهما وارحمهما ، وارضهما عنى ، واجعل ثوابهما عنى جنات النعيم.

اللهم ... اجعلنى ممن دعاك فأجبته ... وسألك فأعطيته ... وآمن بك فهديته ... وتوكل عليك فكفيته ... وتقرّب إليك فأدنيته ... وافتقر إليك فأغنيته ... واستغفرك فغفرت له ... ورضيت عنه ... وأرضيته ... وهديته الى مرضاتك ...

٤

المقدمة

اظنك قارىء الكريم ... تصدّ قني القول والرأي في ان كلمة اعداء الاسلام وجموع عبيد الأهواء والمرّ نزقة على اختلاف نحلهم ومللهم ولغتهم عبر القرون والاجيال لم تتفق ولم تأخذ لها طابع الاتحاد مثلها اتحدت وتوحدت في مقاومة أبرز شخصية عرفها التاريخ بعد النبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والجدير ان يلحق بذيله أو يكون رديفه ومشيله كئابي سلالته الطيبة الخيرة الامام امير المؤمنين علي بن ابى طالب عليه‌السلام فقد تكاليت قواهم وتوحدت جموعهم ووجعت نبالهم وسهامهم نحو الامام العظيم بصورة عامة منذ ان آمن بالله وبرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل الناس بسبع سنين حتى ما بعد استشهاده ... وكأنهم كانوا على اتفاق كامل من قبل في ان يجندوا قواهم لمحاربته ، واختلاق الاساطير والأوهام الخرافات المضللة عنه ، وتشويه مناقبه ومزاياه الكريمة بسلسلة من الاراجيف ، أو خدشها بفرية ، أو أكذوبة ظالما أو جاهلا.

ان الباحث في فضائل ومناقب وخصائص سيد العرب (١) امير المؤمنين «ع» الصادرة عن النبي الأقدس صلى‌الله‌عليه‌وآله يجد الكثير منها لا انها لم تسلم من تحريف وتصحيف وقدح ، وإنما يرى الاحاديث قد انتزعت من صاحبها ونسبت الى رجال آخرين من دون ذمة ولا شرف ولا حياء أو وضعت قبالها احاديث تماثلها من قبل شرذمة من الوضاعين والمختلقين ليدفعوا بها الامة نحو الجحود والإنكار

__________________

(١) مستدرك الصحيحين ٣ ، ١٢٤ روى بسنده عن سعيد بن جبير ، عن عائشة ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال ـ الحديث ـ.

٥

والافتراء ، ويبعدونها عن الواقعية المجردة وإفهام الحقيقة المنزهة ، ويحتلوا الأذهان احتلال الصراصير ، ويفسدوا عقولهم إفساد الارضة .. مع اعتقادهم ويقيسهم أن لم يكن بين الصحابة من يسبق امير المؤمنين عليه‌السلام في منقبة وفضيلة واحدة ، وان ليس في تاريخ الخليقة منذ قدم التاريخ من يمكن وضعه في كفة علي بن ابى طالب ويقرن به في جميع النواحي الخاصة والعامة والاجتماعية والفردية ، وانه «ع» كما اخبر به المشرع الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، سيد المسلمين وأمير المؤمنين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين وفاروق الامة ويعسوب الدين (٢) وكقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي أنت سيد في الدنيا وسيد في الآخرة ، حبيبك حبيبي وحبيبي حبيب الله ، وعدوّك عدوي ، وعدوّي عدو الله ، والويل لمن ابغضك بعدي (٣).

والواقع ان الامام امير المؤمنين «ع» ابتلى في حياته وبعد استشهاده بشر ذمة تنكرت له وجندت جحافل من الجنود وقوى البغي والمارقين لمحاربته ونزعوا الايمان من قلوبهم وطرحوا العقيدة جانبا وأقبلوا عليه وحربه مستبسلين لا يخافون سوء المصير وإضاعة المعهود والمواثيق النبوية ... وقد استطاعت الشرذمة الخداعة ان تستميل قلوب نفر من اهل المطامع ورجال السوء من المرتزقين والمتاجرين بالحديث والسنة لوضع احاديث وروايات هي أوهن من بيت العنكبوت ... حول قضايا تخص الامام امير المؤمنين «ع» ولعبوا دورا خطيرا في التاريخ الاسلامي الروحي والسياسي لمتابعة الخطة الجهنمية وقتل المؤمنين

__________________

(٢) كنز العمال ٦ ، ١٧٥ ، اسد الغابة ١ ، ٦٩ و ٣ ، ١١٦ الرياض النضرة ٢ ، ١٧٧.

(٣) تاريخ الخطيب البغدادي ٤ ، ٤٠ ، الرياض النضرة ٢ ، ١٦٦ ، حلية الاولياء ١ ، ٦٦.

٦

والمتقين من الصحابة المهاجرين والانصار وذهب عليهم ان مساعيهم وجهودهم لن تفلح ، وان نور الحقيقة لا تطمسها الأكاذيب الملفقة ولا يطفئ رونقها طول الانكار والتصنع والمقاومة والتدسس والخداعة والموائد الدسمة ويأبى الله إلا ان يتم نوره ولو كره الكافرون (٤).

ان التاريخ يحدثنا بصراحة عن المآسي والتنكر والظروف القاسية العارمة التي اجتازت حياة الامام امير المؤمنين «ع» والظلم والقسوة والشدة الحاكمة عليه ، والسير الخبيث اللاصحيح الذي سيقت الامة وجعل دستورا لها فأهلك الحرث والنسل ، وأصبح نقمة على اهله وشرا وبلاء ، وأصابهم من البلبلة على مر الأيام القليلة ، ووجد الكفر فيهم منفذا يتدسس منه الى صفوفهم وجمعهم لإحداث الفرقة والتنابذ ، وبدا الشيء الكثير من آثارهما ، ولو ان اهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ، ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون ، والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين (٥).

غير ان الامام عليه‌السلام في جميع هذه المواقف الحاسمة والساعات الحرجة كان على جانب عظيم من الصبر والتجلد ورحابة الصدر ورجاحة العقل والعمل والتسديد والحزامة والتصميم مقبلا بكله على الله سبحانه ومتوجها إليه ومشغول بواجبه ورسالته دون ان تظهر منه «ع» أية معارضة وخلاف تعشعش في ظلاله الاحقاد والعداوات فيصيب زحف الاسلام الحثيث وركبه المقدس نكولا وضعفا وآثر تقدم الاسلام وتطوره ودوام الشريعة السمحة والدين الذي اعزه الله .. على سحق حقه العادل المشروع واغتصابه بعد ان فرضه الله وأوجبه وصدّقه

__________________

(٤) سورة التوبة ٣٢.

(٥) سورة الاعراف ٩٦.

٧

النبي الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله ودافع عنه وأثبته ، وإلى هذا يشير الامام امير المؤمنين عليه‌السلام في خطبة له بقوله :

وطفقت ارتئي بين ان اصول بيد جذاء ، أو اصير على طخية عمياء ، يهرم فيها الكبير ، ويشيب فيها الصغير ، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه ، فرأيت ان الصبر على هاتا احجى ، فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجا ، أرى تراثي نهبا (٦).

ان كل هذا التنكيل والافتراء والظلم والتنابذ والتدابر والتقاطع كلن من اجل تحقيق هدف واحد مزعوم هزيل وهو وجود الامام امير المؤمنين عليه‌السلام لأنه كان يؤلف خطرا عميقا محدقا بمآربهم الدنيئة وأحلامهم الطائشة ، ويريدونه مجتمعا علمانيا لا قانون فيه يكف الجوارح ، ولا دين يزع النفس ولا شهامة تلجم الشهوات.

ولعمر الحق ان وجود الامام امير المؤمنين «ع» وسلالته الطيبة ليس من الخطر الذي يجب القضاء عليه كما يزعمون ولكنه رحمة وخير وبركة تملأ المكان والزمان وتكسبهما صفة إنسانية عامة ، وتخلص الناس من شقاء العيش وعوامله وكوارث الحياة ومشاكلها ، وتدفعه الى اختيار حياة اخرى اسمى من هذه الحياة ... ولهم الخلافة والامامة ، وقد تقلدوها بالنص الشرعي لأنها تولية وتفويض لها أهلها ، ولها اصحابها الشرعيين الذين لا يجوز ان تتعداهم الى آخرين.

والحقيقة باعتقادي يجب ان تقال دائما مهما كانت الظروف والأسباب والعوامل ان الامام امير المؤمنين «ع» ظلم في حياته ونهب ترائه وغصب حقه وجعلوه في ايامه سلعة محتكرة ، ورغبوا فى التخلص منه ومن سياسته المتركزة

__________________

(٦) نهج البلاغة ١ ، ٤١ ط بيروت ١٣٧٤.

٨

على الواقع والحقيقة ، والتي كانت تهدف الى خلق مجتمع مثالي وفق مبادئ إنسانية ، وعلى اسس من الفضيلة والعدالة والخير المنبثقة من تعاليم القرآن وتوجيهات النبي العظيم ... فأردوه شهيدا في بيت من بيوت الله ، وراح شاعرهم يتشدق بالجريمة فيقول :

يا ضربة من تقي ما أراد بها

إلا ليبلغ من ذى العرش رضوانا

إني لأذكره حينا فأحسبه

أوفى البرية عند الله ميزانا (٧)

ومن خلال هذه الاحداث المؤلمة التي اجتازت حياة امير المؤمنين «ع» يتبين لنا ان الامام «ع» كان صابرا ومحتسبا ومظلوما مضطهدا لم يحرك ساكنا أمام الاحداث التي كانت كل يوم تعصف عليه من هنا وهناك نتيجة الاحقاد الكامنة في الاعماق ، وحاول الذين اسلموا بالقوة العودة الى الوثنية وعبادة الاصنام ، كما وان انصار المدينة أرادوا التحرر من سلطان الاغلبية المتمثلة في المهاجرين وهناك الموجة العارمة التي عصفت بالقبائل وغايتها الارتداد عن الدين الجديد والعودة الى دين الآباء ولا أجداد ، ولم تلبث هذه الموجة ان طغت على الحياة في بلاد العرب وبين القبائل التي حاولت التخلص من السلطة العليا في المدينة التي كانت تفرض عليهم ضرائب شتى لا طاقة لا فرادها باحتمالها ، وهم الذين تعودوا ان يعيشوا احرارا قبل اعتناقهم الاسلام لا يتقيدون بنظام أو قانون.

هذا من ناحية ومن ناحية ثانية ان هؤلاء كانوا يعتبرون الامام علي بن ابى طالب «ع» المساهم الأول في هدم دعائم الوثنية وزعزعة اركان العشائرية والقبلية ، والقضاء على العائلات الكبيرة والثروات الضخمة والزعامات الواسعة لذلك وجدوا الفرصة سانحة بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فبذلوا جميع امكانياتهم لابعاده عن سدة الخلافة ، فكانت السقيفة ، وكانت فدك ، وكان حرق دار فاطمة

__________________

(٧) الغدير ١ ، ٣٢٤.

٩

الزهراء عليها‌السلام ، وكان إسقاط جنينها ـ محسن ـ ، وكان اقتحام دارها بالقوة والنار ، وكان وضع السيف في عنق علي «ع» وإكراهه الى البيعة ... فأعطى هؤلاء الدليل الصريح على انهم لم ينسوا الماضي وإن في اعماقهم حنينا الى دين الآباء والاجداد ، وإلى الاخذ بالثار والانتقام واعتبروا كل نص أو وصية أو عهد أو ميثاق لعلي بالخلافة لا قيمة ولا شأن لديهم.

لذلك اعلنوا عن حقدهم ونواياهم بصراحة وأبعدوا الامام علي بن ابى طالب عليه‌السلام عن سدة الامامة والخلافة وشقوا لأنفسهم سياسة خاصة وارتدوا عن الصراط المستقيم وعادوا الى الوراء القهقرى حتى انتهى الامر الى قيام ثورات جارفة كانت في الواقع من صنع العقيدة والايمان وبدافع الضمير الديني ... لتعيد الحق الى نصابه ، وتقف بوجه الأمويين ، وتمنعهم من تحقيق حلمهم الهادف الى تولي زعامة المسلمين ... وان ذرية علي والزهراء عليهم‌السلام أولى منهم بها وانهم اصحابها الشرعيين.

* * *

لقد قيظ الله لنصرة علي «ع» وحفظ مناقبه وفضائله جمع من الحفاظ وأئمة الحديث من القدماء والمتأخرين وأصبح من صميم الموضوعات الجديرة بالعناية والاهتمام عندهم واندفع جمع من اكابر رجال الحديث والسنة الى جمع ما تشتت من خصائصه «ع» وما تبعثر من مآثره وتصحيح اسانيد الأحاديث الخاصة بشخصيته الانسانية وتطهيرها من ادران وسموم الوضاعين المارقين وتصنعهم ودسهم الرخيص ، بعد ان ادركوا وفهموا ان الانتصار لعلي «ع» أو الدفاع عن سياسته ونظرياته ومناهجه فى الميادين المختلفة من الحياة ... ما هو في الواقع غير انتصار للحق ، والدفاع عنه والجهر والاعلان به ، وان من يدرس الاحاديث النبوية والاحداث التاريخية يعلم ان صلة علي عليه‌السلام بالحق وارتباط الحق بعلي عليه‌السلام صلة اساسية وارتباط جوهري لا يمكن

١٠

الانفكاك بينهما بحال من الاحوال.

وبعبارة اوضح وتوجيه آخر ان الحق يوجد أينما وجد علي عليه‌السلام وأينما وجدت علياعليه‌السلام فلا شك انك ستجد الحق من دون غموض وإيهام ، وإلى هذا المعنى يشير النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله : علي مع الحق والحق مع علي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض يوم القيامة(٨).

ان انتصار هؤلاء الحفاظ في كل القرون الخالية لعلي «ع» كان انتصارا للحق المعذب الذي هو للبشر حلاوة الايمان وذخره الذي لا يغنى ومفزعه كلما دهمته خطوب هذه الحياة المادية التي تختنق فيها الروح ومعين اليقين له في بوادي الشكوك وما دام في الامة علي عليه‌السلام وتعاليمه وسننه وسياسته فان الخير والحق لا ينقطع عنها الى يوم القيامة وكأنها في جنة الروح ونعيم القلب ومجتمع تسوده التقى والاخلاق والعلم والدين.

ومهما يكن من أمر فان نفرا من كبار أئمة الحديث اندفعوا الى وضع مؤلفات ومجلدات تضم مناقب الامام امير المؤمنين عليه‌السلام بعد ان وقفوا على جرائم وخيانات تجار الاحاديث والمرتزقين بها من كثب فراحوا يعلنون على العالم مناقب علي عليه‌السلام بالحق ويذكرونها بالصدق يميزون الرشد من الغي بعزة العلم وجلال الحق ، ولطف المؤمن ، وتواضع المسلم المؤدب بآداب الله ورسوله ... ومنهم على سبيل المثال الامام الحافظ ابي عبد الرحمن احمد ابن شعيب بن علي بن سنان بن بحر النسائي الشافعي المتوفى ٣٠٣ فانه بعد ان ترك مصر في اواخر عمره قصد دمشق ونزلها فوجد الكثير من اهلها منحرفين عن الامام علي بن ابى طالب عليه‌السلام فأخذ على نفسه وضع كتاب يضم مناقبه

__________________

(٨) تاريخ بغداد ١٤ ، ٣٢١ مجمع الزوائد ٧ ، ٢٣٥ ، كنز العمال ٦ ، ١٥٧ بأسانيد مختلفة.

١١

وفضائله (ع) رجاء ان يهتدي به من بطالعه أو يلقى إليه سمعه فأتى به وألقاه على مسامعهم بصورة محاضرات متواصلة.

وبعد ان فرغ منه سئل عن معاوية وما روي من فضائله ، فقال : أما يرضى معاوية ان يخرج رأسا برأس حتى يفضل ... وفي رواية اخرى : ما اعرف له فضيلة إلا لا اشبع الله بطنك ... فهجموا عليه وما زالوا يدفعون في خصييه وداسوه حتى اخرجوه من المسجد ، فقال : احملوني الى مكة ، فحمل إليها ، وتوفى بها ، وقد نص التاريخ على هذه الواقعة ، وانه مات بسبب ذلك الدوس (٩).

الحافظ الگنجى فى التاريخ :

ومنهم الحافظ فخر الدين ابى عبد الله محمد بن يوسف بن محمد الكنجي الشافعي المقتول سنة ٦٥٨ فقد قال في مقدمة كتابه ما نصه :

فاني لما جلست يوم الخميس لست ليال بقين من جمادى الآخرة سنة ٦٤٧ بالمشهد الشريف بالحصباء من مدينة الموصل ودار الحديث المهاجرية حضر المجلس صدور البلد من النقباء والمدرسين والفقهاء وأرباب الحديث ، فذكرت بعد الدرس احاديث وختمت المجلس بفضل في مناقب اهل البيت عليهم‌السلام فطعن بعض الحاضرين لعدم معرفته بعلم النقل في حديث زيد بن ارقم في غدير خم ، وفي حديث عمار في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : طوبى لمن احبك وصدق فيك ، فدعتني الحمية لمحبتهم على إملاء كتاب يشتمل على بعض ما رويناه عن مشايخنا في البلدان من احاديث صحيحة من كتب الائمة والحفاظ في مناقب امير المؤمنين علي كرم الله وجهه الذي لم ينل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فضيلة في آبائه وطهارة

__________________

(٩) خصائص النسائي ٢٤ ـ ٢٥.

١٢

في مولده إلا وهو قسيمة فيها.

وابتدأنا بما وقع النزاع فيه ، فلما تم الاملاء بعون الله وتوفيقه ، بيضناه برسم خزانة اشرف بنية فى عصرنا الذي علا الناس بصرامته وبهرهم برجاحته وساسهم بشهامته (١٠).

ثم ذكر الاحاديث الواردة بخصوص الامام امير المؤمنين عليه‌السلام حسب الابواب والفصول ، ولكن المؤسف كله ان نصيب الحافظ الكنجي لم يكن اقل من نصيب زميله الحافظ النسائي ولم يرق كتابه ـ كفاية الطالب ـ ذوى النفوس المريضة ، فراح شرذمة منهم يندد به ويوقع فيه ويذكره بالقدح والشتم والجهل ، وهو العيلم الفذ الذي عرف قواعد هذا العلم ومسائله معرفة وافيه بل هو في الرعيل الأول من الحفاظ الذين وضعوا هذه القواعد التي فهموها واستنبطوها من الكتاب والسنة وقواعد الدين.

وهذا إن دل على شيء فانما يدل على تضلع الحافظ الكنجي في علم الحديث وملازمته التقوى والصدق والامانة والتقوى والمروءة فيما يكتبه ويؤلفه وتنقيبه الاحاديث الصحيحة ، وتمييز صحيحها من زائفها بصورة عامة واجتنابه الروايات الضعيفة والشاذة وكل ما من شأنه الاخلال بالصدق ، وهكذا نجد الحافظ الكنجي محتاطا غاية الاحتياط في الرواية فلم يأخذ ولم يذكر ولم ينقل إلا عن عدل صادق فطن يقط كما يحدثنا به في المقدمة ، ونبذ احاديث المغفلين والغالطين وأصحاب الاوهام ... ولكنه مع هذه الخصائص العلمية ضيق عليه الخناق ، وحورب فخرج من الموصل متوجها الى دمشق لطلب الحديث ، لأن فيها اشهر المحدثين واعلامهم ويحفظ التاريخ في دمشق ... لهؤلاء من المؤلفات الكثيرة في الحديث وبعد وصوله لها وإقامته فيها قتل بجامع دمشق (١١).

__________________

(١٠) كفاية الطالب ـ مقدمة المؤلف ـ.

(١١) تذكرة الحفاظ ٤ ، ١٤٤١.

١٣

لقد كان الحافظ الكنجي الشافعي من حجج الله البالغة في الحفظ والرواية وصدق الحديث والتثبت والادب ، وقد جمع الى جانب هذه الخصائص الفهم والفقه والحديث شهد له بذلك الائمة المبرزون الجامعون بين الرواية والفقه وبحسبنا دلالة على اختصاصه في الحديث هذه الثروة الطائلة من الاحاديث التي جمعها في كتابيه ، ويعتبران من اوثق المصادر وأصدق المعاجم المؤلفة في المناقب والفضائل.

ويذكر لنا هنا الحافظ شمس الدين الذهبي العوامل والاسباب المؤدية لقتله فيقول : لدبره وفضوله ـ فكأن ذكر مناقب الامام امير المؤمنين ـ ع ـ وجمع فضائله وأحاديثه خطيئة تبرر وتسوغ قتل صاحبها مهما بلغ من السمو والرفعة والمجد والعلم والدين والادب.

وقال ابو شامة المقدسي : وفي ٢٩ من رمضان قتل بالجامع الفخر محمد بن يوسف بن محمد الكنجي ، وكان من اهل العلم بالفقه والحديث لكنه كان فيه كثرة كلام وميل الى مذهب الرافضة ، جمع لهم كتبا توافق اغراضهم وتقرب بها الى الرؤساء منهم في الدولتين الاسلامية والتاتارية ، ثم وافق الشمس القمي فيما فوّض إليه من تخليص اموال الغائبين وغيرهم ، فانتدب له من تأذى منه وألب عليه بعد صلاة الصبح فقتل وبقر بطنه ، كما قتل اشباهه من اعوان الظلمة مثل الشمس بن الماسكيني وابن البغيل الذي كان يسخر الدواب(١٢).

ثم ذكر محنته اليونيني وهو من معاصريه ، فقال : وورد كتاب المظفر الى دمشق في ٢٧ شهر رمضان يخبر بالفتح وكسرة العدو ، ويعدهم بوصوله إليهم ، ونشر المعدلة فيهم ، فثاروا العوام بدمشق وقتلوا الفخر محمد بن يوسف ابن محمد الكنجي في جامع دمشق ، وكان المذكور من اهل العلم لكنه كان فيه

__________________

(١٢) الذيل علي الروضتين : ٢٠٨.

١٤

شر وميل الى مذهب الشيعة ، وخالطه الشمس القمي الذي كان حضر الى دمشق من جهة هولاكو ودخل معه في اخذ اموال الغياب عن دمشق فقتل (١٣).

ولم يكتف بهذا وإنما عاد فذكره في موضع آخر من كتابه ، فقال : الفخر محمد بن يوسف الكنجي كان رجلا فاضلا اديبا ، وله نظم حسن ، قتل في جامع دمشق بسبب دخوله مع واب؟؟؟ التتر (١٤).

وذكره ابن كثير في تاريخه بقوله : وقتلت العامة وسط الجامع شيخا رافضيا ... كان مصانعا للتتار على اموال الناس يقال له الفخر محمد بن يوسف ابن محمد الكنجي ، كان خبيث الطوية مشرقيا ممالئا لهم على اموال الناس قبحه الله وقتلوا جماعة مثله من المنافقين(١٥).

وتبجح ابن تغرى بردى بالفعلة الدنيئة فقال : فسر عوام دمشق وأهلها بذلك سرورا زائدا ، وقتلوا فخر الدين محمد بن يوسف بن محمد الكنجي في جامع دمشق ، وكان المذكور من اهل العلم لكنه كان فيه شر ، وكان رافضيا خبيثا وانضم على التتار (١٦).

ان أبا عبد الله الكنجي ... بانتصاره وجمعه الاحاديث الخاصة بالامام امير المؤمنينعليه‌السلام اصبح في مفهوم القوم دبرا وفضولا وخروجا عليهم ، وهو عمل لا يستطاب منه ولا يستحسن ، وفي التاريخ الكثير من امثال المترجم له وقد عانوا المحنة والشدة من هذه الناحية ، ولقوا شتائم واطية ، وتعرضوا لنقد هزيل وتمريغ في الوحل وعملهم هذا كان برهانا على براءتهم من كل صلة

__________________

(١٣) ذيل مرآة الزمان ١ ، ٣٦٠.

(١٤) المصدر السابق ١ ، ٣٩٢.

(١٥) البداية والنهاية ١٣ ، ٢٢١.

(١٦) النجوم الزاهرة ٦ ، ٨٠.

١٥

بالدين والحق بجميع معانيه ومبانيه.

وقد تطورت الحالة والمحنة الى حد التفسيق والتكفير فذهب القوم الى نجاسة من يروي منقبة أو فضيلة في فضل الامام امير المؤمنين عليه‌السلام ، ومقابلته بالجرح والقدح ، وهذه الطامة لا شك انها من صنع النواصب التي رسوها بين اهل الحديث ليتوصلوا بها الى إبطال كل ما ورد في فضل علي عليه‌السلام ، وذلك انهم جعلوا آية تشيع الراوي وعلامة بدعته هو روايته فضائل علي عليه‌السلام ثم قرروا ان كل ما يرويه المبتدع مما فيه تأييد لبدعته فهو مردود ولو كان من الثقات فينتج من هذا ان لا يصح في فضله عليه‌السلام حديث.

وقد راجت هذه الدسيسة على اكثر النقاد فجعلوا يثبتون التشيع برواية الفضائل ، ويجرحون راويها بفسق التشيع ، ثم يروون من حديثه ما كان في الفضائل ويقبلون منه ما سوى ذلك ، ولعمري انها لدسيسة إبليسية ومكيدة شيطانية كاد ينسد بها باب الصحيح من فضل العترة النبوية لو لا حكم الله النافذ والله غالب على أمره (١٧).

وقد اشار الامام احمد الى نحو هذا إذ سأله ابنه عبد الله عن علي ومعاوية فقال : اعلم ان عليا كان كثير الاعداء ففتش له اعداؤه شيئا فلم يجدوه فجاءوا الى رجل قد حاربه وقاتله فأطروه كيدا منهم له (١٨).

ثم ان القوم اتهموه بالتشيع شأنه سائر الحفاظ وأئمة الحديث وأهملوه الى النهاية ولم يترجموا له في كتب السير ومعاجم التراجم لدبره وفضوله ، لذلك لم نكن لنعرف عن حياته بعض الشيء ومراحلها الثقافية والفكرية التي اجتازها وآثاره ومؤلفاته الجديرة بالتقدير والاعجاب.

__________________

(١٧) فتح الملك العلي : ١٠٩.

(١٨) المصدر السابق : ١٥٥.

١٦

والحافظ الكنجي الشافعي بعد هذه المرحلة وقد شملته المحنة وقاومته العناصر غير النظيفة ، يعتبر من المحدثين المغمورين المظلومين الذين لم ينصفهم التاريخ ولم يحفظ تراثه من الدمار والفناء وهو في الرعيل الأول ومقدمة الحفاظ والمشايخ الذين كانوا ينابيع العلم والادب ومنارات الهدى وأئمة الفكر والفضيلة يقصدون العلم والدين ، وأصبحوا اهل علم ودين ، وكانت حياتهم علما وعملا ومنطقا وخلقا ، وكانوا كلهم يطلبون الحديث ، ويسعون إليه ، ويحجون نحوه ، ويطلبونه أينما كان ، ووجدوهم في كل ذلك اصفى الناس ذهنا ، وأطيبهم نفسا وأشدّهم نشاطا.

مشايخه فى الرواية :

رحل الحافظ ابو عبد الله الكنجي ، كما يظهر من خلال كتابه الى العواصم الاسلامية لطلب الحديث ، ومعرفة الكتاب ، والسنة الثابتة والاجماع الصحيح وموارده ، والقياس الجلي وأنواعه وطرقه ، وأصوله المعروفة ، والاتصال بأئمة الحديث ، والأخذ عنهم ، والاختلاط بهم ، والتأدب بآدابهم في القول والعمل وهم يعلمون ويعملون ويتبعون ، ولا يبتدعون ، ويتقون الله سرا وعلنا ... ويحكمون الشرع في خاصة نفوسهم ، وعامة امورهم ، لا تذلهم الدنيا ، ولا يفسدهم الفقر ، ولا يطغيهم الغنى ... ليس لهم إلا الانقطاع الى الحديث والعلم.

لقد ذكر المترجم له مشايخه في البلدان بصورة موجزة ، واكتفى بالاشارة الى اسمائهم ، وبيان من نقل عنه ، وتتميما للفائدة استخرجتهم من الكتاب ورتبتهم حسب الطريقة الهجائية ، لتكون طريقا الى مكانة الحافظ الكنجي ... العلمية والتاريخية ، وفيهم الكثير ممن جهلهم أو تجاهلهم التاريخ فلم يفرد له ترجمة

١٧

وافية أو ذكرا خاصا.

والواقع ان المترجم له رحل الى البلاد في طلب العلم وسماع الحديث فتارة بدمشق ونواحيها ، وأخرى بمكة وحلب وتوابعها ، وفترة بالموصل واربل وتكريت وبغداد وضواحيها ، والجانب الحيوي من حياته انه يحدد فى كتابيه ـ كفاية الطالب والبيان ـ سنة سماعه الحديث من شيخه ومكانه ، وربما لم يذكر تاريخ السماع ، ولكنه ذكر مكان السماع ، وهذه الناحية تجدها واضحة في كتابه ، ومنها نتعرف جيدا على مبلغ ثقافته وعلو كعبه ، وانه كان علامة بحق صدوقا في الحديث بصيرا به.

أبو طالب بن محمد بن علي القبيطي الجوهري ، المتوفى ٦٤١ ، قصده ببغداد لسماع الحديث عام ٦٤١ ، ولما توفى تقدم بالصلاة عليه في المدرسة النظامية ودفن بمقبرة احمد.

ابراهيم ـ ابو اسحاق ـ حاجب الحجاب عثمان بن يوسف بن ايوب الكاشغري المعروف والده بازارتق ، سمع المترجم له منه سنة ٦٤٢ فى دمشق بالمدرسة الشريفية لما ولي دار الحديث بها.

ابراهيم بن محمود المقري بباب الازج ، سمع منه سنة ٦٤١

ابراهيم ـ ابو اسحاق ـ بن يوسف بن بركة الكتبي ، سمع منه في ٦٤٧ في مسجده بمدينة الموصل.

احمد ـ ابو منصور ـ بن شعيب بن صالح البخاري سنة ٦٤١ ببغداد في جامع المنصور في ملأ من اهل الحديث.

احمد ـ زين الدين ابو العباس ـ بن عبد الدائم بن نعمة بن محمد ابراهيم ابن احمد المقدسي المغربي النابلسي المتوفى ٦٦٨ (١٩) سمع منه بكفر بطنا قرية

__________________

(١٩) محدث مؤرخ اديب شاعر ، له تصانيف ، البداية والنهاية ١٣ : ٢٥٧ كشف الظنون ٢ : ١٢١٦.

١٨

من غوطة دمشق سنة ٦٤٨.

احمد ـ ابو العباس ـ بن عبد الله الزاهد الشيخ الصالح بقية السلف سمع منه سنة ٦٤٨ في المسجد الأقصى ببيت المقدس.

بشير ـ نجم الدين ابو النعمان ـ بن حامد بن سليمان بن يوسف بن سليمان بن عبد الله التبريزي الجعفري الزينبي الشافعي المتوفى ٦٤٦ (٢٠) سمع منه في ٦٣٧ بمكة في درس التفسير.

جعفر ـ أبو الفضل ـ بن علي بن ابى البركات الهمداني الاسكندري المالكي المتوفى ٦٣٦ ، سمع منه ٦٣٥ بدمشق ، وكان راوية لزين الحفاظ ، وشيخ اهل الصنعة على التحقيق ابى طاهر احمد بن محمد بن ابراهيم السلفي الاصبهاني (٢١).

الحسن بن سالم بن علي بن سلام الوزير ، نجم الدنيا والدين ، سنة ٦٤٨ في بستانه بالمزة من غوطة دمشق ، وقرأ عليه ثانيا تجاه الكعبة المعظمة وذكر في مكان آخر سماعه منه بمدينة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وبمدينة خيبر

الحسن ـ رضي الدين ابو الفضائل ـ بن محمد بن الحسن بن حيدر بن علي بن اسماعيل القرشي العدوي العمري الحنفي المتوفى ٦٥٠ (٢٢) روى عنه وسمع منه بدمشق ثم اجتمع به فى بغداد ٦٤٨.

__________________

(٢٠) مفسر محدث صوفي فقيه ، توفى بمكة ، له تصانيف ، طبقات المفسرين ٨ ، طبقات الشافعية ٥ : ٢٥٢ ، إيضاح المكنون ١ : ٣٠.

(٢١) مقرئ محدث ، له مؤلفات ، طبقات القراء ٢ : ١٩٣.

(٢٢) النجوم الزاهرة ٧ : ٢٦ ، بغية الوعاة : ٢٢٧ ، معجم الادباء ٩ : ١٨٩ ، البدر الطالع ١ ، ٢١٠ ، شذرات الذهب ٥ : ٢٥٠ ، تاج التراجم ١٧ ، مرآة الجنان ٤ : ١٢١.

١٩

صالح ـ ابو جعفر ـ بن ابي المظفر السيبي الشيخ الصالح بقية السلف سنة ٦٤١ قراءة عليه ، وذلك في باب المراتب ببغداد.

صدقة بن الحسين بن محمد بن علي بن الوزير سنة ٦٤١ ببغداد.

صقر بن يحيى بن صقر الشافعي المفتي بحلب سنة ٦٤٠.

صلف ـ تاج النساء ـ بنت قاضي القضاة ابى البركات جعفر بن قاضي القضاة عبد الواحد الثقفي الشافعي سنة ٦٤١ قراءة عليها ببغداد.

عبد الحق بن خلف بن عبد الحق المقرى في ٦٤٨ بجبل قاسيون ، وكان مولده في سنة ٥٤٥.

عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن ابى السعيد الصوفي شيخ الشيوخ وبقية السلف ، سمع منه ببغداد ٦٤١.

عبد العزيز ـ عز الدين ابو محمد ـ بن عبد السلام بن ابى القاسم بن الحسن بن محمد بن المهذب السلمي الدمشقي الشافعي المتوفى ٦٦٠ (٢٣) ـ سمع منه بدمشق في ٦٤٨.

عبد الغني بن احمد بن فهد ببغداد سنة ٦٤١.

عبد الكريم بن محمد بالموصل ٦٤٨.

عبد الله بن عمر الليثي سنة ٦٣٣ بدمشق.

عبد الملك بن قيبا بحريم الطاهر.

عثمان ـ ابو عمرو ـ بن عبد الرحمن بن عثمان بن موسى الكردي الموصلي

__________________

(٢٣) فقيه مشارك في الاصول العربية والتفسير ، هدية العارفين ١ : ٥٨٠ فوات الوفيات ١ : ٢٨٧ ، شذرات الذهب ٥ : ٣٠١ ، مرآة الجنان ٤ : ١٥٣ ، البداية ١٣ : ٢٣٥.

٢٠