المعاد وعالم الآخرة

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

المعاد وعالم الآخرة

المؤلف:

آية الله ناصر مكارم الشيرازي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: أمير المؤمنين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-8139-28-8
الصفحات: ٢٦٤

٧ ـ محيط يفيض أمن وأمان ، فلا وجود فيها للحرب وسفك الدماء ، بل ولا النزاع والجدال وكلها صلح وسلام : (لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنُدَ رَبِّهِمْ) (١)

٨ ـ ليست هناك من لذة تفوق لذة مناجاة الله والاستغراق في جمال الحق وجلاله سبحانه والشعور بالسرور لرضى الله : (دَعْوِيهِمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرٌ دَعْويهُمْ انِ الْحَمْدُ لِلّهِ رِبِّ الْعَالَمِينَ) (٢)

٩ ـ تنبعث نار جهنم من نفس الناس وهم وقودها وحطبها : (وَامَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً) (٣) ، (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ) (٤)

١٠ ـ تختلف هذه النار وسائر النيران فهي تحرق من الداخل وتسري إلى الخارج وأول إقتداحها في قلب الإنسان : (نَّارُ اللهِ الْمُوقَدَة* الَّتي تَطَّلِعَ عَلَى الْأفْئِدَةِ) (٥)

* * *

ونخلص إلى نتيجة ممّا سبق في أنّ العالم الذي يعقب الموت هو عالم أوسع بمراتب من هذا العالم وبمفاهيم جديدة تماماً وحيّة ونعم جمة إلى جانب العذاب الأشد الذي لا نتصور سوى شبحه.

الخلود والعذاب الأبدي

كما لا تتساوى خدمات ومخالفات كل الناس ـ من حيث الكمية والكيفية ـ كذلك ثوابهم وعقابهم لايمكن أن يكون واحداً ، وهذا ما عليه الحال بالنسبة لقوانين العقوبات العادية لأفراد البشر فعقوبة من يسرق

__________________

(١) سورة الأنعام ، الآية ١٢٧.

(٢) سورة يونس ، الآية ١٠.

(٣) سورة الجن ، الاية ١٥.

(٤) سورة البقرة ، الآية ٢٤.

(٥) سورة الهمزة ، الآية ٦ ـ ٧.

٢٤١

خاتماً زهيد الثمن ليست كعقوبة من يهجم على دار الآخرين فيسرق ويسلب ما يشاء ثم يعمد لقتل النساء والأطفال في الدار.

ومن هنا فإنّ هنالك تناسباً دقيقاً بين الثواب والعقاب الإلهي ـ والذي يجري وفق خطة محسوبة وبعيداً عن كافة أشكال الخطأ التي لا تخلو منها القوانين البشرية عادة ـ وطبيعة الأعمال ، ولاسيّما أننا أشرنا سابقاً إلى أنّ هناك رابطة تكوينية وطبيعية قائمة بين العمل والثواب والعقاب ، وعليه فاختلاف ثواب وعقاب الأفراد أمر واضح لا نقاش فيه.

إلّا أنّ المستفاد من المصادر الإسلامية ـ بما فيها القرآن وكتب الحديث ـ هو أنّ جميع المؤمنين سيخلدون في الجنّة ، أمّا الأفراد العصاة الذين مردوا على الكفر والإلحاد والذنب والمعصية فانّهم سيخلدون في العذاب ، وقد عبّر القرآن عن ذلك بالخلود التي تعني في اللغة بقاء الشيء على حاله ، ومن هنا يطلق الخالد على الشيء الذي يأبى الفساد.

وردت كلمة «الخالدون» ٢٥ مرّة في القرآن الكريم وأنّ ١٤ مرّة منها في عذاب جهنم والخلود فيه ، ووردت مفردة «الخالدين» ٤٤ مرّة في القرآن وأنّ ١٣ مرّة منها متعلقة بما سبق أيضاً ، كما وردت بعض العبارت الأخرى إلى مفردة الخلود ، مثلاً جاء في سورة هود بشأن المحسنين : (وَامَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَادَامَتِ السَّموَاتُ وَالأَرْضُ إِلّا مَاشَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) (١).

وقال بشأن الأشقياء : (خَالِدِينَ فِيهَا مَادَامَتِ السَّموَاتُ وَالأَرْضُ الّا مَاشَاءَ رَبُّكَ) (٢)

واضح أنّ الاستثناء الذي ورد آخر الآية (الّا ما شاء ربّك) لا يعني قطع

__________________

(١) سورة هود ، الآية ١٠٨.

(٢) سورة هود ، الآية ١٠٨.

٢٤٢

الثواب والعقاب ، بل بيان قدرة الله سبحانه ، يعني لايتصور بأنّ المسألة قد خرجت من يد الله بمثل ذلك الثواب والعقاب ، كلا فكل شيء مازال في قبضته سبحانه وتعالى ، وشاهد ذلك العبارة : «عطاء غير مجذوذ» بعد الاستثناء المذكور.

أضف إلى ذلك فإن كان هناك من يتردد في دوام عقاب المذنبين فإنّه ليس هناك من ترديد في خلود ثواب المحسنين ، وهذه قرينة أخرى على ما ذكرنا (عليك بالدقّة).

سؤال مهم

هنا ينقدح سؤال مهم في جميع الأذهان ومفاده : كيف نفسر هذه الحالة من عدم المساواة بالنسبة لله تعالى؟

كيف يمكن قبول هذا الأمر في أن يقضي الإنسان جميع عمره الذي لايتجاوز الثمانين أو المأة سنة في عمل الخير أو الشر بينما يكون ثوابه أو عقابه ملايين الملايين من السنوات بل أكثر؟ مع ذلك هذا المطلب ليس مهماً بالنسبة للثواب ، لأنّ الثواب مهما كان كثيراً فذلك دليل على فضل وكرم المثيب ، وعليه فلا إشكال في هذا الخصوص ، إلّاأنّ الإشكال في كيفية العذاب الخالد إزاء الذنب والظلم والكفر والإنكار المحدود ، فهل ينسجم هذا الأمر وأصل العدالة؟

فمن لم يتجاوز ظلمه وطغيانه أكثر من مئة سنة لم يخلد في النار وعذابها؟ أفلا تقتضي العدالة نوعاً من الموازنة بحيث يعاقب لمئة سنة أو أكثر على قدر ما صدر منه معصية؟!

٢٤٣

إجابات غير مقنعة

إنّ صعوبة الردّ على هذا الإشكال دفعت البعض لتوجيه آيات الخلود ، ففسروها بعدم إعتماد الخلود في العقاب على أنّه يخالف العدل برأيهم.

١ ـ قال البعض : المراد بالخلود معناه الكنائي أو المجازي ، يعني مدّة طويلة نسبياً وهذا من قبيل مايطلق على من يحكم في السجن إلى آخر عمره فيقال حكم عليه بالسجن المؤبد ، والحال ليس هناك من أبدية في أي سجن حيث تنتهي هذه المدّة بانتهاء العمر ، ومنه ما تعارف لدى العرب من قولهم «يخلد في السجن».

٢ ـ وقال البعض الآخر : إنّ مثل هؤلاء الأفراد الذين أفنوا أعمارهم في الذنب والخطيئة حتى أحاطت بهم وأصبح وجودهم معصية فإنّهم وإن خلدوا في النار ، إلّاإنّ هذه النار لا تبقي على حالها وبالتالى سيأتي اليوم الذي تخمد فيه هذه النار ـ كسائر النيران الأخرى ـ فيشعر أهلها بنوع من الهدوء الخاص.

٣ ـ وأخيراً احتمل البعض حصول حالة من الإنسجام مع النار بعد مرور مدّة من الزمان وتحمل شدّة العذاب حيث يكتسبون خصائص الوسط فيتكيفوا معه بالتدريج ويعتادوه ، وعلى ذلك فلا يعودون يشعرون بأي عذاب وألم!

* * *

طبعاً كما ذكرنا فإنّ كل هذه التوجيهات بسبب العجز عن حلّ مشكلة العذاب الأبدي ، وإلّافإنّ ظهور الآيات في خلود عذاب طائفة معيّنة ممّا لايمكن إنكاره.

٢٤٤

حلّ الإشكال

لحلّ هذه المشكلة لابدّ من العودة إلى الأبحاث السابقة وإصلاح الخطأ الناشىء من مقارنة عذاب يوم القيامة وعقوبته بسائر العقوبات ، ليتضح من خلال ذلك عدم وجود أي منافاة لمسألة الخلود مع عدالة الحق سبحانه ، ولإتضاح الأمر لابدّ من تسليط الضوء على ثلاث مقدمات :

١ ـ كما ذكرنا آنفا فإنّ العقاب الأبدي والخالد يختص بالأفراد الذين أغلقوا على أنفسهم كافة سبل النجاة وقد مارسوا الكفر والنفاق عمداً وقد طبع الذنب على قلوبهم حتى عادوا أنفسهم معصية وخطيئة كما وصفهم القرآن الكريم : (بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةِ وَاحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَاولئِكَ اصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (١)

٢ ـ يخطىء من يظن أنّ مدة العذاب لابدّ أن تتناسب ومدّة الذنب ، لأنّ الرابطة بين «الذنب» و«العقاب» ليست زمانية بل رابطة كيفية ، أي أنّ زمان العقاب يتناسب وكيفية الذنب لا مقدار زمانه ، مثلاً يمكن أنّ يرتكب فرد قتل نفس في لحظة فيحكمه القانون بالسجن المؤبد ، فنرى هنا أنّ زمان الذنب لحظة بينما قد تكون عقوبتها ثمانين سنة في السجن.

وعليه فالقضية تتوقف على «الكيفية» لا «كمية الزمان».

٣ ـ قلنا سابقاً أنّ لعقاب الآخرة حيثية الأثر الطبيعي للعمل وخاصية الذنب ، وبعبارة أوضح : الألم والمعاناة التي يعانيها المذنبون في العالم الآخر هو أثر ونتيجة أعماله ، فقد جاء في القرآن الكريم :

(فَالْيَومَ لَاتُظْلَمُ نَفْس شَيْئاً وَلَاتُجْزَونَ الّا مَاكُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ، (وَبَدا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَاعَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَاكَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) ، (فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ٨١.

٢٤٥

عَمِلُوا السَّيِّئاتِ الَّا مَاكَانُوا يَعْمَلُونَ)

وقد أوردنا عدّة توضيحات بهذا الخصوص في بحث تجسم الأعمال.

* * *

وبعد أن إتضحت هذه المقدمات الثلاث لا تبدو الإجابة على الإشكال صعبة ، ويكفي في الوصول إليها الإجابة على هذه الأسئلة : لنفرض شخصاً أصيب بقرحة في المعدة إثر تناوله المشروبات الكحولية لاسبوع متتالي بحيث لابدّ له من تحمل هذا الألم إلى آخر عمره ، فهل هذا التناسب بين العمل السيىء ونتيجته على خلاف العدل؟

وإذا فرضنا أنّ عمر هذا الفرد بدلاً من ثمانين سنة كان ألف أو مليون سنة ولابدّ أن يتحمل الألم لمليون سنة بسبب تهوره لاسبوع ، فهل هذا يناقض العدالة؟ والحال قد أنذر سابقاً من العاقبة الخطيرة لهذا العمل.

ولنفرض أنّ فرداً ضرب عرض الحائط قوانين المرور التي تعود رعايتها بالنفع العام والحد من الحوادث ، ولم يصغ لأقوال الأصدقاء وتحذيراتهم فارتكب حادثة في لحظة ففقد عينيه أو يديه ورجليه ، وعليه أن يتحمل لسنين طوال هذا العمى أو قطع اليد والرجل ، فهل هناك من تناقض والعدالة؟

وقد ضربناً سابقاً مثالاً بهدف تقريب المطالب العقلية للذهن ، فقلنا نفرض شخصاً زرع شوكاً ثم رأى نفسه بعد بضعة أشهر وسط مساحة شاسعة من الشوك فهي تؤذيه دائماً ... أو نثر بذور الزهور ـ عن علم ـ ليرى بعد مدّة أنّه وسط حديقة غنّاء مليئة بالأوراد والزهور بروائحها العطرة ، فهل مثل هذه الأمور التي تمثل نتائج عمله تتنافى والعدل ، والحال ليست هناك من مساواة بين كمية العمل ونتيجته ، ونستنتج ممّا سبق :

٢٤٦

حين يكون الثواب والعقاب نتيجة وأثر لنفس عمل الإنسان لا يعد هنالك من مجال لطرح مسألة المساواة من حيث الكمية والكيفية ، فربّما كان العمل بظاهره صغيراً وأثره عمراً من الحرمان والعذاب والألم ، ولعله يكون صغيراً ويكون مصدراً للخير والبركة طيلة العمر.

(طبعاً مرادنا من العمل الصغير من حيث المدّة الزمانية وإلّافالأعمال والذنوب التي تؤدّي إلى العذاب الأبدي سوف لن تكون قطعاً صغيرة من حيث الكيفية والأهميّة).

وعليه فإن أحاط الذنب والكفر بجميع كيان الإنسان وتمام وجوده حتى يؤدّي به في نار كفره ونفاقه فلم التعجب من حرمانه من النعم الواسعة في ذلك العالم وخلوده في العذاب والألم؟!

ألم يأته النذير ويحذر من هذا الخطر العظيم؟

بلى ... فقد أنذره الأنبياء من جانب وحذره العقل من جانب آخر.

هل وقع في ذلك دون إرادة وإختيار فابتلى بذلك المصير؟ كلا ، لقد بلغه عن علم وإختيار.

فهل صنع هذا المصير سواه وعمله؟ فكل ما هنالك من آثار عمله ونتائجه ، وعليه فليس هنالك من مجال للشكوى ولا إشكال على أحد ولا من منافاة مع عدل الحق سبحانه.

بقيت قضية واحدة نختتم بها البحث ، فقد قال الصادق عليه‌السلام :

(انَّما خُلِّدَ اهْلُ النَّارِ في النَّارِ لأَنَّ نِيّاتِهِمْ كَانَتْ في الدُّنيَا انْ لَوْ خُلِّدُوا فِيهَا انْ يَعْصُوا اللهَ ابَداً وَانَّما خُلِّدَ اهْلُ الْجَنَّةِ فِى الْجَنَّةِ لأَنَّ نِيّاتِهِمْ كَانَتْ في الدُّنْيا انْ لَوْ بَقُوا فِيهَا انْ يُطيعُوا اللهَ ابداً ، فَبِالنِّيّاتِ خُلِّدَ هؤُلاءِ وَهؤُلاءِ) (١)

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١ ، ص ٣٦ ، الحديث ٤.

٢٤٧

فلو نظرنا لهذا الحديث لبدت لنا في البداية بعض الأسئلة التي لا يسهل الردّ عليها ، لأنّ عقد العزم على الذنب لايكفي لكل ذلك العقاب بالاضافة إلى ما ورد في الروايات بشأن نيّة الذنب لوحدها ليست ذنباً فضلاً عن عقوبته الخالدة ، إلّاأنّه يمكن القول بعد التمعن أنّ هذا الحديث إشارة لطيفة إلى الأبحاث السابقة ، لأنّ نيّة الذنب الأبدي فقط لُاولئك الذين طبع وجودهم بالذنب وقد أغلقوا على أنفسهم كافة سبل النجاة وإحترقوا بمعاصيهم.

وبعبارة أوضح : إنّ هذه النيّة لا تؤثر بمفردها ، بل «الخلود» خاصية تلك الروح الملوثة والطائشة المصممة على الذنب الدائم ، ومن يبتلي بمثل هذه الحالة إثر الذنب فإنّه يبتعد عن الله بحيث لا يبقي له من سبيل إلى العودة وهذا من آثار أعماله.

* * *

أين النار والجنّة؟

هل النار والجنّة موجودتان الآن؟ ... أم في طريقهما إلى الإيجاد؟ ...

وإن كانتا موجودتين فأين؟

وعلى فرض عدم وجودهما الآن وسيوجدان فأين سيكون موضعهما؟ من جانب آخر فإننا نقرأ في بعض الآيات القرآنية أنّ الجنّة عرضها السموات والأرض ، فاذا كان كذلك فهل سيبقى من مكان لجهنم؟!

هذه هي الأسئلة التي تعترض هذا البحث ، لكن قبل الإجابة عليها لابدّ من الإلتفات إلى نقطة وهي أنّ للنار والجنّة ثلاثة معاني مختلفة وردت في الآيات القرآنية والروايات الإسلامية :

١ ـ جنّة الدنيا.

٢٤٨

٢ ـ جنّة البرزخ.

٣ ـ جنّة المأوى في العالم الآخر.

جنّة الدنيا ظاهراً هي هذه البساتين النضرة لهذا العالم ، فمثلاً ورد في القرآن الكريم بشأن قوم سبأ ـ اولئك القوم المتحضرون الذي عاشوا في أرض اليمن ومازال علماء الاثار يهتمون بآثار مدنيتهم ـ قوله :

(لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ في مَسْكَنِهِمْ آيَة جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشَمِالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقٍ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَة طَيِّبَة وَرَبّ غَفُور) (١)

ولا تقتصر مفردة «الجنّة» على حدائق الدنيا المخضرة بهذا المورد ، فقد ورد هذا التعبير في مواضع أخرى من القرآن ، والاحتمال القوي أنّ جنّة آدم كانت إحدى حدائق الأرض الخضراء ، وهبوط آدم عليه‌السلام من الجنّة إلى الأرض هو نوع من الهبوط المقامي (٢) ، لأنّ آدم عليه‌السلام انتخب منذ البداية خليفة لله في الأرض ، هذا من الناحية المادية ؛ ومن الناحية المعنوية فقد سميت مجالس العلم بستان من بساتين الجنّة.

* * *

الجنّة والنار البرزخية ، مركز للنعمة والعذاب للمحسنين والمسيئين في «عالم البرزخ» يعني العالم الكائن بين الدنيا والآخرة ، كما ورد بشأن الشهداء في سبيل الله : (... بَلْ هُمْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رِبِّهِمْ يُرزَقُونَ) (٣).

أو أنّ الشهيد حين يقع على الأرض يسقط في أحضان أهل الجنّة (٤).

أو سائر العبارات من هذا القبيل التي تفيد دخول بعض الأفراد الجنّة

__________________

(١) سورة سبأ ، الآية ١٥.

(٢) راجع التفسير الأمثل ، ج ١.

(٣) سورة آل عمران ، الآية ١٦٩.

(٤) تفسير مجمع البيان ، ج ٢ ، ص ٥٣٨ ضمن حديث مفصل.

٢٤٩

حين موتهم (١) ، كل هذا يتعلق بالجنّة البرزخية.

كذلك العقاب الذي ورد في الآيات القرآنية والروايات الإسلامية بشأن الظلمة والطغاة إنّما يرتبط بالنار البرزخية.

والجنّة والنار البرزخية التي يعبر عنها أحياناً بجنّة المأوى أو جنّات عدن وأحياناً أخرى ناراً خالداً فيها هي مركز للرحمة أو العذاب الأليم في عالم القيامة الذي يفوق هذا العالم سعة ، لكن أحياناً يحصل خلط في هذه المعاني الثلاث للجنة والنار والذي أدى إلى نتائج خاطئة بهذا الشأن.

* * *

ونعود الآن إلى أصل البحث :

كان السؤال الأول هل للجنّة والنار الآن من وجود خارجي؟

والحال أنّ عدداً من علماء الإسلام المعروفين ـ من الفريقين ـ مثل علم الهدى السيد المرتضى والسيد الرضي وكذلك عبد الجبار وأبو هاشم وهما من علماء العقائد يرون عدم وجود الجنّة والنار الآن وستجدان فيما بعد ، بينما يؤمن أغلب العلماء بوجودهما الآن ، وهنالك العديد من القرائن والشواهد على هذا الموضوع ومنها :

١ ـ (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً اخرى* عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنتَهى* عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى) (٢)

فالآيات تتحدث عن معراج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وتفيد وجود الجنّة.

٢ ـ (وَانَّ جَهَنَّمَ لُمحيطَة بِالْكَافِرينَ) (٣)

فالتعبير في الآيتين يفيد الإحاطة الفعلية للنار بالكافرين حيث تطلق

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) سورة النجم ، الآية ١٣ ـ ١٥.

(٣) سورة التوبة ، الآية ٤٩ وسورة العنكبوت ، الآية ٥٤.

٢٥٠

جهنم عادة على النار.

٣ ـ (اعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) و (اعِدَّتْ لِلْكَافِرينَ) التي وردت في مختلف الآيات القرآنية هي شاهد آخر على الموضوع (١). هذا من جانب.

ولكن من جانب آخر يستفاد من بعض آيات القرآن أنّ عرض الجنّة السماوات والأرض : (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمواتُ وَالأَرْضُ اعِدَّتْ لِلْمُتَقِينَ) (٢) فقد عبرت الآية عن عرض الجنّة بعرض السموات والأرض ، بينما عبرت آية أخرى بعرض السماء والأرض ، والفارق بين التعبيرين واضح.

فقد ورد في آية : (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرضِ السَّماءِ وَالأَرْض) (٣)

(من الواضح أنّ العرض في الآية لايراد به العرض الهندسي الذي يقابل الطول بل المراد به العرض اللغوي بمعنى السعة).

وهنا يطرح هذا السؤال : فمن جانب يَقول ظاهر الآيات القرآنية أنّ الجنّة والنار موجودان الآن ، ومن جانب آخر فإنّ سعة الجنّة بقدر سعة السماء والأرض ، فأين سيكون هذا المكان؟

أضف إلى ذلك ففي هذه الحالة سوف لن يكون هناك من موضع لجهنم؟ وهنا يساورنا هذا الفكر أنّ كلاهما في باطن هذا العالم ، ولا نرى اليوم هذا البطن ، إلّاأنّها يظهران ذلك اليوم بمقتضى : (فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطائَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَديدٍ) (٤) وكل إنسان يحصل على نصيبه بقدر إستعداده!

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية ١٣١ و ١٣٣ وسورة البقرة ، الآية ٢٤.

(٢) سورة آل عمران ، الآية ١٣٣.

(٣) سورة الحديد ، الآية ٢١.

(٤) سورة ق ، الآية ٢٢.

٢٥١

يمكن أن يخطر هذا الكلام العجيب إلى أذهاننا ، إلّاأنّنا نستطيع تقريب ذلك إلى الذهن بمثال : نعلم إنّنا لا نسمع الأمواج الصوتية لهذا العالم وليس لنا سوى سماع بعض الأصوات التي لها ذبدبات معينة ولا نسمع غيرها بأي شكل من الأشكال.

من جانب آخر نعلم أيضاً أنّ محطات إرسال الدنيا تبث أمواج خاصة مستمرة ليل نهار لا نتمكن من سماعها دون أجهزة لاقطة.

ولنفرض أنّ مرسلتين قويتين تقوّي أمواجها فضائيات كبيرة وتغطى جميع أنحاء الكرة الأرضية واحدة في الشرق والأخرى في الغرب ، تبث أحدهما آيات قرآنية بصوت مليح يداعب روح الإنسان ويجعله يعيش الجذبات الإلهية.

بينما يبث من المرسلة الثانية صوت مزعج ومؤذي يسبب تعب الروح وإرهاقها إلى جانب الأذن وبالتالي تستبطن العذاب الأليم!

وهاتين المجموعتين من الأمواج تسير مع سائر الأمواج الصوتية في الفضاء وقد ملأت كل مكان ، ولكنها ليست قابلة للإحساس في الحالة العادية ، فإن كانت لنا مستقبلة ذات موجة واحدة تلتقط مركزاً واحداً وذلك مركز إرسال الصوت اللطيف والمليح ، فمن الطبيعي إنّنا نفتحه كل لحظة لنغرق في هالة من السرور واللذة والمعنوية ، والويل لنا لو إقتصرت مستقبلتنا على سحب أمواج المرسلة الثانية ونجبر أيضاً على رؤيتها ، ولَكَم أن تتصوروا مدى الألم والإنزعاج الذي نعاني منه ليل نهار.

طبعاً لم نرد سوى بيان مثال من أجل تقريب المطلب إلى الذهن ، والآن عليك بالتمعن والتأمل : ألا يمكن أن تكون الجنّة والنار موجودة في أبعاد أخرى من هذا العالم لا نشعر بها ، أي في عمق وجوف هذا العالم ،

٢٥٢

بحيث يسعنا إدراكه لو كان لنا إدراك ورؤية أخرى؟!

ألا تنسجم الآية المذكورة بشأن النار والتي قالت وإنّ جهنم لمحيطة بالكافرين وهذا التفسير؟ ألا تتضح أكثر على هذا الأساس الآيات التي صرحت بأنّ سعة الجنّة كسعة السماء والأرض (بالنظر إلى عدم وجود شيء خارج السماء والأرض).

ألا تعني الآية : (يَوْمَ تُبَدَّلٌ الارْضُ غَيْرَ الأَرْضَ والسَّموَاتُ وَبَرَزُوا لِلّهِ الْوَاحِدِ الْقَهّارِ) أنّ هذه الأرض والمساء يوم القيامة تحطم أبعادها الفعلية وتظهر أبعاد القيامة الكامنة اليوم في العالم.

فتصور هذه المسألة ـ كسائر المسائل المتعلقة بالحياة بعد الموت والمعاد ـ لا تخلو من تعقيد ، لكن بالإلتفات إلى المقدمات المذكورة ، فلعل ذلك احتمال قوي بخصوص التفسير الفعلي لوجود الجنّة والنار ، جدير بالذكر أنّ ماذكرناه آنفا واحد من الاحتمالات بشأن مكان الجنّة والنار وهنالك احتمالات أخرى نعرض عن الخوض فيها إبتعاداً عن الإطالة.

* * *

٢٥٣
٢٥٤

علامات القيامة

نزلت أغلب السور القرآنية في مكّة والتي صرّحت بالتذكير بالمعاد والحياة بعد الموت إلى جانب ذكرها للعلامات التي تسبق القيامة.

وكان لابدّ لذلك الإنسان الوادع والبعيد عن المسؤولية والمجانب لمسيرة الهدف النهائي للخلقة والتائه في صحراء الحياة ، أن يتحرك ولاسيما في ذلك الوسط الجاهلي الملوث ، وعليه ينبغي أن تكون هناك صرخة عالية توقظه من سباته ، وليس هنالك أفضل من إلفات الإنتباه إلى الحوادث المرعبة في الحياة الآخرة يمكنه أن يقوم بهذا الدور.

والآيات المتعددة التي نزلت بشأن علامات القيامة تدل بأجمعها على انّ القيامة لا تقم بهذه البساطة والهدوء ، بل يتزامن معاد الإنسان وقيامته مع قيامة عالم الخلق والتي تقترن بتغييرات عظيمة تجتاح كافة أنحاء نظام الكائنات.

طبعاً يقول العقل والمنطق أنّ النظام الجديد للحياة لابدّ أن يقم على عالم جديد ، لاعلى أنقاض العالم السابق ، ويحصل هذا التقدم والتجدد كسائر التطورات والتجددات المهمّة التي تكتنف العالم على أساس قفزات عظيمة تشمل أنحاء عالم الوجود.

٢٥٥

والآن نسلّط الضوء على الآيات الواردة بهذا الشأن.

١ ـ الزلزلة العظيمة

(يَا ايُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ انَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىءٌ عَظيمٍ* يَوْمَ تَرَوُنَهَا تَذْهَلُ كُلّ مُرضِعَةٍ عَمَّا ارضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلُهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلكِنْ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ) (١)

قطعاً تقع هذه الزلزلة قبل القيامة وعلى أعتابها ، لا في يوم القيامة ، وذلك لأنّه لايوجدها في ذلك اليوم ولامرضع ، على كل حال فإنّ تلك الزلزلة العظيمة بداية تغيير واسع وشامل في عالم الوجود ، أي هو بداية الأمر ومن ثم ـ كما سنرى ـ يستمر حتى نهاية الكرات السماوية ، وأخيراً إنبثاق عالم الآخرة.

٢ ـ إنطفاء جذوة الشمس والقمر

(إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ* وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ* وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ* وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِلَتْ* وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِّرَتْ* وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ* وَإِذَا الْنُفُوسُ زُوِّجَتْ* وَإِذَا الْمُوءُدَةُ سُئِلَتْ* بِأَىِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ* وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِّرتْ* وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ* وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ* وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ* عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ) (٢)

فالواقع هو أن هذه التغييرات العامة تشمل الناس والحيوانات والجبال والبحار والأرض والسماء وكلها تحضر القيامة.

لابدّ من الإلتفات إلى أنّ هذه الآيات تعرضت إلى علامت القيامة وكذلك

__________________

(١) سورة الحج ، الآية ١ ـ ٢.

(٢) سورة التكوير ، الآية ١ ـ ١٤.

٢٥٦

جانب من حوادث يوم القيامة بحيث مزجهما معاً باسلوب رائع.

* * *

٣ ـ اليوم الذي يحطم فيه كل شيىء!

(الْقارِعَةُ* مَاالْقَارِعَة* وَمَا ادريكَ مَاالْقَارِعَة* يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالفَراشِ الْمَبثُوث* وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالِعِهْنِ الْمَنفُوش) (١)

فالحقيقة هي أنّ الزلزلة آنذاك شديدة إلى درجة بحيث تدك كل شيء وتقام القيامة!

وقد أشير هنا إلى أوضاع الناس الحيارى الذين يخبطون خبط عشواء حين تلوح بوادر القيامة ، يعتقد البعض وخلافاً للتصور المشهور والشاعري السائد في الأذهان بشأن الفراشة والشمع ، حيث أنشدوا الأشعار وسردوا القصص التي تتحدث عن عشقها وتضحيتها من أجل معشوقها القاسي ، ويبدو أنّ الفراشة لا تضحي أبداً من أجل عشق الشمع ، وهي ضحية نسيانها فقط ، لأنّ حافظتها ضعيفة وعاجزة بحيث تنسحب فور إقترابها من شعلة الشمع وشعورها بالحرارة ، إلّاأنّها تنسى بعد برهة فتعود ثانية إلى الشعلة وتكرر هذا العمل مراراً حتى تخاطر بحياتها إثر هذا النسيان.

ولعل تشبيه الناس في الآيات المذكورة بالفراش المبثوث حين بروز أولى العلامات المخيفة للقيامة من أجل بيان عظيمة الحادثة التي تخطف العقول وتزيل الحافظة بالمرة.

* * *

كان ذلك جانب من علامات القيامة والتي تفيد بأجمعها مدى التفاوت

__________________

(١) سورة القارعة ، الآية ١ ـ ٥.

٢٥٧

الهائل بين ذلك العالم وهذا العالم الذي نعيش فيه ، والذي سيقام على أنقاض هذا العالم.

وبهذا نختتم بحثنا بشأن المعاد والعالم الذي يعقب الموت ، وإن كانت هنا وهناك بعض المسائل التي تتخلل هذا البحث وتحتاج إلى الدرس والبحث ، إلّاإنّنا إبتعدنا عن ذلك خشية الإطالة.

أضف إلى ذلك فإن عالم البرزخ وهو العالم الفاصل بين عالم الدنيا والآخرة هو الآخر من المواضيع التي كثرت فيها الأبحاث والذي يتطلب دراسة مستقلة.

* * *

اللهم وفقنا لأن نهذب أنفسنا إستعداداً لتلك الحياة.

اللهم وفقنا لحياة أبدية إلى جوار رحمتك.

اللهم خذ بأيدينا لخدمه دينك وعبادك بما توفقنا به لرضاك وترزقنا الشهادة في سبيلك والإستقرار في مسكن رحمتك.

* * *

٢٥٨

الفهرس

المقدمة.......................................................................... ٥

الأيمان بالمبدأ والمعاد.............................................................. ٥

ماذا نعلم عن عالم ما بعد الموت؟................................................... ٩

١ ـ آفاق من أبحاث الكتاب....................................................... ٩

٢ ـ كبيرة الكاتب............................................................... ١١

٣ ـ شهادة التأريخ.............................................................. ١٣

هل الموت هو نهاية الحياة أم بداية حياة جديدة؟.................................. ١٧

الموت ليس بهذا الرعب.......................................................... ١٨

الشعور الإنساني حين الموت...................................................... ١٩

عبثية الهرب من الواقع........................................................... ٢٠

رؤيتان لمصير الإنسان........................................................... ٢١

لماذا نخاف من الموت؟........................................................... ٢٢

ما مصدر هذا الخوف والقلق من الموت؟........................................... ٢٤

العنصر الآخر لخشية الموت...................................................... ٢٦

جذور المعاد في أعماق الفطرة.................................................... ٢٧

المشي في المتاهات.............................................................. ٣٢

٢٥٩

الانحراف عن الفطرة والتخبط في المتاهات.......................................... ٣٣

خرافات مضحكة ومؤسفة!...................................................... ٣٦

نوافذ على العالم الآخر.......................................................... ٣٩

القيامة تهب الحياة نكهتها........................................................ ٤٥

عامل تربوي مؤثر............................................................... ٥١

عامل مؤثر واقي وعامل محرك قوي................................................ ٥١

القيامة في باطنكم.............................................................. ٥٧

القيامة ردود على الألغاز........................................................ ٦٣

العالم في عين فرخ!.............................................................. ٦٣

القيامة في الكتب السماوية...................................................... ٦٩

الكتب التاريخية بدل الكتب السماوية............................................. ٧٠

القيامة في الأناجيل............................................................. ٧٣

القرآن والآخرة.................................................................. ٧٥

أول إرشاد..................................................................... ٧٥

الطريق الأول : التذكير بالخلق الأول............................................... ٧٦

الطريق الثاني : تكرر رؤيتنا للقيامة................................................ ٨١

الردّ على إشكال مهم........................................................... ٨٤

الطريق الثالث : معاد الطاقة وقيامتها.............................................. ٨٧

حرارة النار من الشمس!......................................................... ٨٩

قيامة الطاقة بعد موتها........................................................... ٩٣

نقطتان مهمتان................................................................. ٩٦

الطريق الرابع : لم القيامة ليست ممكنة؟............................................ ٩٧

٢٦٠