المعاد وعالم الآخرة

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

المعاد وعالم الآخرة

المؤلف:

آية الله ناصر مكارم الشيرازي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: أمير المؤمنين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-8139-28-8
الصفحات: ٢٦٤

كان المرحوم الشيخ هاشم القزويني من كبار علماء وأساتذة الحوزة العلمية في مدينة مشهد ، والحادثة التي ننقلها قد سمعها منه الكثير من أصحابه وتلامذته ، ومن ذلك روى أحد تلامذة ذلك المرحوم ـ وهو من فضلاء الحوزة العلمية في قم ـ قائلاً : ذهبت يوماً إلى المرحوم الشيخ هاشم القزويني وطلبت منه أن يقص علي تلك الحادثة بشأن تجريد الروح وإنفصالها المؤقت عن البدن الذي حدث له ، فردّ عليَّ قائلاً :

«كان هناك رجل ضالعاً بهذا العلم فقصدته وسألته أن يجرّد روحي من بدني. فوافقني ، وحين تأهبت لذلك ، رأيت فجأة بدني في زاوية وقد إنفصلت عنه!

فقلت : لابأس أن أستغل الأمر وأتوجه إلى قريتنا الواقعة أطراف منطقة قزوين ، فرأيت نفسي قرب القرية ، فرأيت خارج القرية رجلاً قام بسرقة ماء من النهر حين السحر وحمله إلى ملكه ، ولم تمض مدّة حتى رأيت صاحب الماء ، فلما علم بالأمر غضب وإنهال بالضرب على السارق بالمسحاة حتى قتله.

كنت أشاهد تلك الحادثة إلّاأنّه لم يراني ، أخيراً هرب القاتل وبقى جسد المقتول على الأرض ، فلما جاءت نسوة القرية لأخذ الماء علمن بحادثة القتل ، فنقلن الخبر مبهوتات إلى أهالي القرية ، فجاء أهل القرية جماعات جماعات لرؤية الحادثة ، ولكن ليس هناك من خبر عن القاتل ، ومن هنا شعروا بالقلق والاضطراب ولم يعرفوا ماذا يفعلون ، أخيراً إستعدوا لدفن بدن المقتول.

فلما أفقت إلى نفسي كان ذلك قريباً من طلوع الفجر ولم أكن صليت الصبح حينها ، فرأيت نفسي فجأة في بدني ، وقال لي الشخص الذي جرّد

١٨١

روحي : كيف حالك؟ فأخبرته بكل ما رأيت وأطلعته على تاريخ الحادثة بالضبط ، وبعد شهرين قدم عدد من أهالي تلك القرية فلما إلتقوني ، سألت عن المقتول دون أن أذكر الحادثة فقلت كيف حاله؟

قالوا : للأسف لقد قتل قبل شهرين وعثرنا على جثته قرب النهر إلّاإنّنا لم نعرف قاتله ، وبعد سبع سنوات ذهبت إلى القرية لرؤية أقاربي وأصدقائي ، فجاءني عدد كثير من الناس حتى كان القاتل أحدهم ، ولما خلى المجلس دعوته إلى قربي وقلت له : قل الصدق من قتل فلاناً؟ فاعرب عن عدم علمه وقال : لا أدري.

قلت : فمن رفع تلك المسحاة وقتل بها فلاناً؟ فشحب وجهه وفهم أنّي أعلم بالموضوع ، فاضطر إلى سرد الحادثة.

قلت : كنت أعلم ، لكنّي أردت أن أقول لك إذهب وإدفع الدية لورثة المقتول أو أطلب منهم أن يعفو عنك».

* * *

ما ردّ الماديين على هذا الموضوع؟

طالما لايمكن التنكر لموضوع التنويم المغناطيسي ، فقد صرّح القائلون بمادية الروح قائلين : إنّنا نقرّ هذه الظاهرة ، إلّاأنّها قضية بسيطة ، ولا تدل على أنّ الروح هي أكثر من الخواص الفيزيائية والكيميائية لمادة الدماغ ، لأنّ هذا النوم جاء إثر التلقين إلى جانب التعب بسبب تكرار عمل واحد جعله ينام (فالصوت الرتيب للمقص أو محرك السيارة يجعل الإنسان ينام أحياناً) ولكن يفقد الإنسان في هذا النوم إرادته فتستبدل بما يلقن ، ثم تظهر آثاره الناتجة عن ذلك التلقين.

* * *

١٨٢

والذي ينبغي الإلتفات إليه أنّ التنويم المغناطيسي مقبول إذا إنحصر بهذا الأمر في أنّ الإنسان ينام ويظهر بعض الحركات إثر التلقين ، إلّاأنّ سفر الروح إلى الأماكن الأخرى والتحدث باللغات التي لم تكن معروفة والعلم بالمسائل الخارجة عن حدود معلومات الشخص فهذه من الأمور التي لا يمكن حلّها على ضوء التفسير الذي أقررناه ، ولابدّ أن نعترف أنّ في وجود الإنسان حقيقة كامنة أخرى غير ما تفيده العلوم الطبيعية والمادية والتي تبدى الآثار العجيبة التي لا تنسجم والاصول والقوانين المادية.

* * *

٣ ـ النوم والرؤيا

لقد شغلت قضية النوم أفكار العلماء من ناحيتين.

١ ـ ما النوم؟ لماذا ينام الإنسان؟ ما هي التغييرات الفسلجية التي تطرأ على الإنسان حين النوم؟

٢ ـ ما المشاهد التي يراها الإنسان في المنام والتي يطلق عليها اسم الرؤيا وكيف يحصل ذلك؟

لقد وردت لحدّ ، الآن حسب تصريح بعض العلماء مئات النظريات بشأن النوم وحقيقة الرؤيا التي تشير إلى أنّ هذه المسألة قد خضعت للدرس والبحث منذ قديم الزمان ، وما سنورده هنا مختصراً من أهم النظريات التي عالجت هذا الموضوع.

وسنخوض في البداية في أصل حقيقة النوم لنرى ما الذي يحصل لينام الإنسان؟ ثم نتابع البحث بتسليط الضوء على حقيقة الرؤيا التي تشكل المحور الأصلي للبحث.

١٨٣

النوم يعني تعطيل قسم من الأنشطة الدماغية للإنسان (الأنشطة الشعورية). من البديهي أنّ جميع أنشطة هذا المركز القيادي لا تعطل حيث إنّ التعطيل العام للدماغ يعني الموت!

يعتقد فريق من العلماء أنّ النوم يشمل كافة الكائنات الحيّة ، فجميع الحيوانات وحتى النباتات تخلد إلى النوم ، يعني هناك سكون لبعض أنشطتها الحيوية بصورة متناوبة خلال الليل والنهار. (١)

أمّا ما الذي يحدث لتتوقف مجموعة من دماغ الإنسان عن النشاط ويغط في النوم وتتباطىء فعاليات الجسم ، وبعبارة أسهل ما الذي يحصل لينام الإنسان؟ لقد وردت عدّة أجوبة على هذا السؤال ، وأهمّها النظريات الثلاث الآتية :

١ ـ نظرية العامل الفيزيائي

٢ ـ نظرية العامل الكيميائي

٣ ـ نظرية العامل العصبي

للنوم عامل فيزيائي وسببه الرئيسي إنتقال الدم من الدماغ إلى الاطراف السفلى للبدن والأرجل ، وحين يتجه الدم إلى الأطراف السفلى ويقل عن الدماغ ، فإنّ الدماغ يوقف جانباً من أنشطته فنقول في هذه الحالة نام.

وقد إستفاد أنصار هذه النظرية من أسرّة خاصة ـ تسمى الأسرّة الميزانية ـ لإثبات صحة آرائهم ، فالشخص الذي يريد أن ينام يستلقي عليها

__________________

(١) نعم الذات الإلهية المقدسة هي الذات الوحيدة التي ليس للنوم من سبيل إليها ، وهذا ما صرّح به القرآن «لاتأخذه سنة ولانوم» سورة البقرة ، الاية ٢٥٥.

وروي عن الإمام الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «كل حي ينام ما خلا الله».

١٨٤

وقد أثبتت التجربة أنّ رأسه يصبح أكثر ثقلاً قبل أن ينام ، لأنّه سحب مقداراً كبيراً من الدم ، أمّا إن نام أصبحت أطراف رجليه أكثر ثقلاً ليدل ذلك على أنّ الدم قد سار نحو هذه الأطراف.

وهذه النظرية وإن كانت مقبولة ذاتاً ـ لأنّها تستند إلى التجربة ـ لكن لا يمكنها أن تكون العامل الرئيسي للنوم ، لأنّ هناك سؤال يطرح نفسه وهو : ما الذي جعل الدم يترك الدماغ ويتجه نحو الأقدام ، وبعبارة أخرى فالنظرية تبيّن نتيجة النوم لا العامل الأصلي الذي يقف وراءه.

* * *

يقول أنصار النظرية الثانية (العامل الكيميائي) : تتجمع بعض السموم في بدن الإنسان حين الجهد والسعي والتي تشل جانباً من الدماغ عن العمل فإن جذبت هذه السموم من قبل البدن صحا من نومه. إلّاأنّ أصحاب هذه النظرية لم يستطيعوا بيان هذا الأمر ، وهو لماذا ينام الإنسان وينهض فجأة من نومه ، والحال نعلم أنّ التسمم موضوع تدريجي وزواله تدريجي أيضاً؟ وعليه فلابدّ أن يتجه الإنسان بالتدريج من حالة اليقظة إلى حالة شبه المنام ومن ثم حالة النوم الكامل ، ونهوضه يجب أن يكون كذلك ، والحال ليس الأمر كذلك ، وغالباً ما تحصل الظاهرتان في آن واحد ، طبعاً ممكن أن يستلقي الإنسان ساعة على الفراش محاولاً النوم ، إلّاأنّ فترة الإنتقال إلى النوم لحظة ليس أكثر ، وكذلك اليقظة من النوم تحصل في لحظة واحدة ، ولا تنسجم هذه القضية والتدريج.

وأمّا النظرية الثالثة فتقول : هناك جهاز فعال في دماغ الإنسان يضطره للعمل ، فإن توقف هذا الجهاز عن العمل ، نام الإنسان ، هذا الجهاز العصبي له حكم معجل السيارة حيث يتوقف عند التعب. لكن ما هذا التعب؟ ولم

١٨٥

يتوقف هذا الجهاز العصبي الفعال عن العمل؟

هذه أسئلة لم تجد جواباً شافياً لحد الآن.

والنتيجة التي نخلص إليها ممّا سبق أنّ العامل الأصلي للنوم ما زال مبهماً غير معروف رغم جميع الدراسات والتحقيقات التي أجريت بهذاالشأن ، ولعل المستقبل كفيل بالتوصل إلى كنه حقيقة هذا الموضوع.

* * *

الرؤيا والأحلام

الأهم من النوم الرؤيا ، وهي المشاهد القبيحة والجميلة والمحببة والموحشة التي يراها الإنسان في المنام ، وما زال الإنسان لحدّ الآن يتساءل ما هذه المشاهد والمناظر التي يراها في المنام وما مصدر الرؤيا؟ ما العامل الخفي الذي يجسد هذه المشاهد للإنسان في ساعات النوم؟ هناك عدّة تفاسير بشأن حقيقة الرؤيا ويمكن تقسيمها إلى قسمين :

١ ـ التفسير المادي

٢ ـ التفسير الروحي

يزعم الماديون أنّ للرؤيا عدّة أسباب هي :

الف : يمكن أن تكون الرؤيا نتيجة لأعمال الإنسان اليومية ؛ يعني ما فعله الإنسان في الأيام الماضية يمثل لدى فكره عند النوم.

ب : يمكن أن تستند الرؤيا إلى بعض الأمنيات التي لم تتحقق ، كأن يرى العطشان ماءاً ، وذلك الذي ينتظر السفر أنّه قدم من السفر (ومن هنا قيل قديماً أنّه يحلم ...).

ج : يمكن للخوف من الشيء أن يدعو الإنسان لرؤيته ، فقد تكرر بالتجربة

١٨٦

أن من يبقى وحيداً في البيت ويخشى اللص يراه في المنام.

ولفرويد وأنصاره وأتباع مدرسته تفسير وتعبير مادي آخر للرؤيا ؛ فبعد مقدمات طويلة عريضة يصرحون بأنّ الرؤيا هي عبارة عن إشباع الرغبات المكبوتة. (١)

وتوضيح ذلك : أنّ للنفس بعدان : «الشعور» وما هو يرتبط بالفكر اليومي والمعلومات الإرادية والإختيارية للإنسان و«اللاشعور» وما يختفى في الضمير الباطني للإنسان بصورة رغبة لم تشبع ، فهم يقولون عادة ما تكون لنا رغبات لم نستطع إشباعها فبقيت هذه الرغبات مكبوتة فإن؟ نمنا برزت إلى السطح وقد لا تحتاج أحياناً إلى تعبير (كالعاشق الذي يرى حبيبته المفقودة في المنام) وأحياناً تتغير إلى أخرى وبهذه الحالة تحتاج إلى تعبير ، وبناءاً على هذا فالرؤيا إنّما ترتبط دائماً بالماضي وليس لها من صلة بالمستقبل لتخبر عنه ، وهي وسيلة ممتازة للإطلاع على اللاشعور ، ومن هنا يعتمد عليها في عالج الأمراض الروحية التي تستند إلى كشف اللاشعور عن طريق تنويم المريض ، ويعتقد بعض علماء الأغذية أنّ هناك علاقة بين الرؤيا والحاجة البدنية للغذاء ، فيرون مثلاً أنّ الإنسان إذا رأى في المنام أنّ الدم يخرج من أسنانه فمعنى ذلك قلّة فيتامين (*) في بدنه وإن رأى مشيب شعر رأسه فهو يعاني من نقص فيتامين (*).

* * *

وأمّا فلاسفة الروح فلهم تفسير آخر للرؤيا والنوم حيث يرون النوم والرؤيا على أقسام :

١ ـ النوم الرؤيا المتعلقة بماضي الإنسان ورغباته وآماله والتي تشكل

__________________

(١) أصول علم النفس لفرويد ، ص ١٣٦.

١٨٧

القسم المهم من رؤى الإنسان.

٢ ـ النوم المضطرب والمبهم المعلول لفعالية الوهم والخيال (وإن أمكن أن يكون له دوافع روحية).

٣ ـ النوم والرؤيا ذات الصلة بالمستقبل والمدّلة عليه.

لاشك أنّ الرؤيا والأحلام المرتبطة بالماضي وتجسم المشاهد التي رآها الإنسان طيلة حياته ممّا لا تحتاج إلى تعبير خاص ، وكذلك الرؤيا المضطربة والتي يصطلح عليها بأضغاث الأحلام التي تفرزها الأفكار القلقة وعلى غرار الأفكار التي تسيطر على الإنسان حين إرتفاع الحمى والهذيان هي الأخرى ليس لها من تعبير خاص بالنسبة لمسائل الحياة المستقبلة ، وإن إعتبرها علماء النفس نافذة للتعرف على اللاشعور والاستفادة منها كعلاج لبعض الأمراض النفسية ، وعليه فتعبير الرؤيا يهدف إلى كشف أسرار النفس والتعرف على علل الأمراض ، لامن أجل الحوادث المستقبلة.

وأمّا الأحلام المتعلقة بالمستقبل فهي على قسمين ؛ قسم صريح وواضح لايحتاج إلى تعبير بأي حال من الأحوال وقد يتحقق أحياناً وياللعجب في المستقبل القريب أو البعيد دون أدنى إختلاف ، وقسم آخر يتحدث عن حوادث المستقبل لكنّه يحتاج إلى تعبير حيث يطرأ عليه التغيير بسبب بعض العوامل الذهنية والروحية الخاصة.

ولكل قسم نماذج كثيرة لايمكن إنكارها جميعاً ، وبالطبع لم يقتصر ذكر هذه النماذج على المصادر الدينية والكتب التأريخية ، بل حدثت كراراً في حياتنا الخاصة أو حياة الأفراد من معارفنا بحيث لا يمكن نسبتها جميعاً إلى الصدفة.

ونورد هنا بعض النماذج التي تزيح الستار بصورة عجيبة عن المستقبل

١٨٨

وقد سمعناها من أفراد لا نشك أبداً في وثوقهم :

١ ـ نقل أحد العلماء والثقاة المعروفين في همدان المرحوم الميرزا عبد النبي والذي كان من كبار أعلام طهران قائلاً :

حين كنت في سامراء كان يبعث إليَّ كل سنة بمبلغ مئة تومان من «المازندران» ، فكنت أستدين بعض المبالغ لقضاء الحاجة على أساس المبلغ المذكور ، فاذا وصل ذلك المبلغ سارعت إلى تسديد الديون ، ذات سنة أخبرت بأنّ وضع المحاصيل هذه السنة سيىء للغاية وعليه فسوف لن يبعث لي بذلك المبلغ ، فشعرت بالإنزعاج والإمتعاظ حتى نمت كذلك ، فرأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في المنام فناداني قائلاً : فلان قم وافتح باب تلك الخزانة (وأشار إلى خزانة كانت في البيت) فإنّ فيها مئة تومان.

نهضت من النوم ، ولم تمض مدّة حتى دق الباب ، كان الرجل مبعوث المرحوم الميرزا الشيرازي المرجع الشيعي الكبير فقال : الميرزا يريدك ، فتعجبت ما الذي جعل ذلك الرجل العظيم يطلبني الآن ، فذهبت إليه وكان جالساً في غرفته ، وكنت قد نسيت الرؤيا ، فقال لي المرحوم الشيرازي : الميرزا عبد النبي إفتح تلك الخزانة فإنّ فيها مئة توماً فخذها!

فتذكرت فوراً الرؤيا وأنا مذهول ممّا أشاهد ، أردت أن أقول شيئاً ، شعرت بعدم رغبته في سماع شيء بهذا الشأن ، فتناولت المبلغ وخرجت.

٢ ـ نقل صديق ثقة أنّه كان لكاتب «ريحانة الأدب» المرحوم التبريزي ولد ويبدو أن يده اليمنى كانت مصابة بالروماتيز (التهاب المفاصل) بحيث كان يشق عليه الإمساك بالقلم فتقرر أن يذهب إلى ألمانيا ليتلقى العلاج.

قال : كنت في السفينة ، ولما نمت رأيت في المنام أنّ أمي قد توفت ، ففتحت دفتر المذكرات وكتبت فيه اليوم والساعة لتلك الحادثة ، وبعد

١٨٩

مدّتي عدت إلى إيران لأرى طائفة من أقربائي الذي أتوا لإستقبالي وقد إرتدوا الملابس السوداء ، فتعجبت وكنت قد نسيت تلك الرؤيا تماماً ، أخبروني بالتالي أنّ أمي قد فارقت الحياة ، وهنا تذكرت الرؤيا ، ولما فتحت الدفتر وسألت عن يوم الوفاة كان كما دونت في الدفتر.

٣ ـ نقل أحد الثقاة أنّه إشترى قرب قزوين أرضاً بائرة واسعة بثمن غال جدّاً بحيث لامه جميع الأصدقاء على أنّه إرتكب خطأ فاحشاً ، فليس هنالك من أمل في تهيئة الماء لتلك الأرض ، وقد بذل مساعيه واستشار هذا وذاك من المهندسين من أجل حفر بئر والحصول على الماء ، إلّاأنّه لم يحصل على نتيجة. فأثّر عليه ذلك تأثيراً كبيراً ، لكنه كان نشطاً مكافحاً ولا يكف عن السعي ، إلّاأنّه يأس بعد كل ذلك حتى نام ليلة فرأى في المنام أنّه يتجول في تلك الأرض من أجل العثور على الماء ، وفجأة بلغ نقطة كان ينبع منها الماء ، فلما نهض من نومه وأصبح الصباح إنطلق إلى تلك النقطة التي رآها في المنام ، فأمر بحفرها ، ولم تمر مدّة على الحفر حتى نبع منها الماء الوفير.

٤ ـ كتب الكاتب الإسلامي المعروف سيد قطب صاحب تفسير في ظلال القرآن في تفسيره للآيات المرتبطة بسورة يوسف أنّه لو إستطاع إنكار كل ما قيل في الأحلام لما وسعه أن ينكر ماحدث له حين كان في أمريكا ، فقد رأى في المنام أنّ نزيفاً دموياً قد أصاب عيني بنت أخته (وقد كانت حينها في مصر) بحيث لم تعد ترى الأشياء ، فاستيقظ من النوم مذعوراً وكتب رسالة إلى أهله في مصر وقد سأل بالذات عن وضع عيني بنت أخته ، فلم تمض مدّة حتى أتاه الجواب أنّها أصيبت بنزف داخلي ولا تقدر على الرؤية وهي الآن تتلقى العلاج.

١٩٠

ثم يستطرد قائلاً : جدير بالذكر أنّ النزف الداخلي كان لا يمكن مشاهدته بالعين المجرّدة ، ولايتسنى ذلك إلّامن خلال الوسائل الطبية.

على كل حال فقد حرمت من البصر ، وقد شاهدت حتى هذا النزف الداخلي في المنام بشكل واضح.

* * *

والحق أنّ الأحلام التي أشارت إلى الحقائق المرتبطة بالمستقبل والحقائق الخفية المتعلقة بالحاضر والتي أزالت الستار عن بعض الحوادث لأعظم وأكبر من أن يفكر البعض بإنكارها ، أو حتى حملها على الصدفة ولكل أن يقف على ذلك من خلال التعرف على بعض النماذج التي تعرض لها ممن حوله من الأصدقاء.

إنّ مثل هذه الأحلام لا يمكن تفسيرها على أساس النظرية المادية ، ولايمكن تفسيرها إلّاعلى ضوء ما أورده فلاسفة الروح ومن يعتقد بإستقلالها ، وبناءاً على ذلك يمكن الاستفادة من مجموع هذه الأمور بصفتها شاهداً على إستقلال الروح.

٤ و ٥ ـ الأعمال المذهلة للمرتاضين

الطريق الرابع والخامس من الطرق التجربية لإثبات إستقلال الروح قضية إنتقال الأفكار ولاسيّما من الطرق البعيدة ، وهذا هو الشيء الذي يصطلح عليه اليوم باسم «الحاسة السادسة».

حيث يقوم شخصان ممن لهم إستعداد روحي كافي وبعد عدة تمارين بالتحدث إلى بعضهما البعض من بعيد دون الاستفادة من أية وسائل ، كما يقرأ كل منهما أفكار الآخر ، وقد يحصل هذا الأمر في جلسة أو منطقة أو منطقتان نائيتان.

١٩١

كثيراً مايشعر الآباء والأمهات والأقرباء والأصدقاء المقربين بحالة من القلق والاضطراب دون أن يعرفوا السبب الذي يقف وراء ذلك ، فلا تمضي مدّة حتى يتبيّن أن حادثة مأساوية وقعت لفرد يحبّونه وكأنّهم تحسسوا ذلك من بعيد وقد إتصلت القلوب مع بعضها لتخبر بتلك الحادثة.

وقد نقل «فلا ماريون» العالم الفلكي المعروف في كتاب «أسرار الموت» نماذج كثيرة بهذا الخصوص عن عدّة أفراد وفي مختلف نقاط العالم ، ولو فرضنا أنّ بعضها كان مصادفة أو خيال أو سذاجة ، لكن هل يمكننا إنكارها جميعاً.

فهل يمكن تبرير قضية إنتقال الفكر عن طريق التفاسير المادية للروح؟ وإذا إعتبرنا الفكر ظاهرة مادية صرفة ، فكيف يمكن أن ينتقل بهذه الصورة دون الاستفادة من الوسائل المادية حتى أنّ مسألة الزمان والمكان ليست مطروحة بهذا الشأن.

* * *

يقوم المرتاضون واستناداً إلى قوّة الإرادة ودون اللجوء إلى الوسائل بتحريك بعض الأجسام في الهواء أو إيقافها عن الحركة ، كما يكتفون بنظرة واحدة لإعوجاج فلز أو كسره (حيث ذكرت الصحف أخيراً نماذج من ذلك ، حيث قام شاب مرتاض في إنجلترا وبحضور عدد من الصحفيين والمراسلين وأمام العديد من الأفراد بثني الأشياء الفلزية ، بل كان يقوم بذلك العمل في العديد من البلدان وكان المراسلون يتناقلون ذلك).

أو يضعون مرتاضاً لمدّة أسبوع في تابوت ثم يدفنونه تحت التراب وبعد المدّة المذكورة يخرجونه ويعملون له تنفساً إصطناعيا فيعود تدريجياً إلى حالته الطبيعية ، وقد ذكروا أحد نماذج ذلك في الصحافة حيث قام بذلك

١٩٢

المرتاض «هاريك لوس» في إحدى المدن الهندية أمام الحاكم الإنجليزي «كلوديوس فايدو». فقد جعلوه في تابوت وأقفلوه ثم دفنوه تحت التراب وأوكلوا من يحرسه ليل نهار وقد حضر عند قبره الآلاف من صحبه وأتباعه وهم يشاهدون ذلك المنظر العجيب ، وبعد مدّة أخرجوه وقد بدا بدنه ذابلاً وجلده ميتاً بحيث لا تشاهد فيه آثار الحياة ، ثم أخذوا يرشّون عليه الماء الحار شيئاً فشيئاً وعملوا له تنفساً إصطناعياً حتى عاد إلى وضعه ، فكيف نفس هذه القضية وسابقاتها إن إعتبرنا الروح من الخواص الفيزيائية والكيميائية الصرفة لخلايا الدماغ ، وهل للخواص الفيزيائية والكيميائية لخلايا الدماغ القدرة على حركة جسم أو ثني فلز وما شابه ذلك من الأفعال العجيبة؟

* * *

النتيجة

النتيجة التي يمكن أنّ نخلص إليها من مجموع الأبحات ذات الصلة باستقلال الروح بما فيها الأدلة العلمية والتجربية هي أنّ الروح حقيقة فوق المادة ، وعليه فليس لخواص المادة من قبيل الفناء والعدم والتآكل من سبيل إليها ، وهكذا فهي تستطيع البقاء بعد فناء البدن.

وإثبات بقاء الروح بعد الفناء وإن تفاوت مع مسألة المعاد والقيامة ، ولكن مع ذلك فهو خطوة باتجاه القيامة والعالم الأبدي الذي يعقب الموت ، وسيكون ردّاً على اولئك الذين يرون الموت آخر مراحل الوجود الإنساني ونقطة زواله وفنائه ، ويعتقدون أنّ الإنسان حين يموت يعود إلى عالم ميت فتضيع ذرات وجوده في طيات التراب والماء والهواء وينتهي كل شيء!

* * *

١٩٣

ملاحظة مهمّة

هل من تلازم بين إثبات القيامة وعالم ما بعد الموت وإستقلال الروح؟ وإن أنكرنا إستقلال الروح واعتبرناها من الخواص الصرفة للمادة ، فهل تبقى مسألة المعاد ثابتة؟

لابدّ من القول صراحة الإجابة على هذا السؤال : إنّ إثبات إستقلال الروح وكونها ليست مادية وإنّه كانت خطوة عريضة باتجاه إثبات المعاد والحياة بعد الموت ، لكن مع ذلك لا مانع أن يقول بالقيامة والحياة بعد الموت الأفراد الذين ينظرون إلى الروح على أساس النزعة المادية ويرون الروح مادية ، بحيث يقولون : إذا مات الإنسان تلاشى بدنه والروح أيضاً التي من خواص المادة تزول أيضا ، إلّاأنّ الذرات تبقى في الهواء ، وحين القيامة تتجمع هذه الذرات بالضبط كما كانت متفرقة في بداية حياة هذه الدنيا ثم إتصلت مع بعضها بفعل بعض العوامل ، فسوف تتجمع تلك الذرات في ذلك اليوم وتعيد وجودناً من جديد وستلتحق بنا أعمالنا التي بقيت في هذه الدنيا على هيئة طاقة.

وإذا تذكرون فقد قلنا سابقاً : أنّ أغلب الفاكهة والثمار والنباتات والبذور والحبوب يمكن أن تكون أصبحت تراباً عدّة مرّات ثم عادت إلى وضعها الأصلي ، مثلاً فاكهة شجرة تنفصل عن الغصن بعد نضجها وتقع على الأرض ، ثم تتعفن وتتحلل وتتحول بعد ذلك إلى مواد غذائية مؤثرة تمتصها الأشجار عن طريق الجذور فتطوي المسار السابق وتظهر بشكل فاكهة ، وهذا في الحقيقة نوع من الحياة بعد الموت ونموذج مصغّر للمعاد ، والحال نعلم أن ليس للفاكهة والحبوب من روح ، وبناءاً على هذا فإثبات المعاد لايعتمد إلزاماً على مسألة إثبات الروح ، وإن كان إستقلال الروح قطعياً على

١٩٤

ضوء الأدلة المذكورة.

والجدير بالذكر أنّ الآيات القرآنية المتعلقة بأبحاث المعاد قلّما ركزت على مسألة الروح وبقائها ، ويبدو أن علة ذلك هو أننا نستطيع إثبات المعاد دون إثبات بقاء الروح.

* * *

بقاء الروح في القرآن

لا ينبغي الإلتباس إنّنا نريد القول بأنّ القرآن لم يتطرق إلى مسألة الروح وبقائها ، بل نريد أن نقول أنّه لم يوقف إثبات المعاد عليها ، فهناك عدّة آيات في القرآن أشارت صراحة أو تلميحاً إلى بقاء الروح وإستقلالها وعدم فنائها بفناء البدن ، ومن ذلك ما ورد في الآية ١٧٠ من سورة آل عمران بشأن الشهداء في سبيل الله :

(وَلَاتَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا في سَبْيلِ اللهِ امْوَاتاً بَلْ احْياءٌ عِنْدَ رَبِّهْمِ يُرزَقُونَ* فَرِحِينَ بِمَا آتيهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالّذينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ الّا خَوْفٌ عَلَيِهُمِ وَلَاهُمْ يَحْزَنُونَ).

فالآية صريحة في بقاء أرواح الشهداء ، ونعلم أنّ هذا الحكم لايختص بالشهداء في سبيل الله ، وذلك لعدم وجود الفارق بين روح هؤلاء والآخرين من حيث المادية وعدمها ، وإن إقتصر الذكر عليهم فذلك لأنّ الكلام كان بشأن وضع الشهداء من قبل الناس (كما يستفاد ذلك من سبب نزول الآية).

كما ورد في الآية ٤٦ من سورة المؤمن :

(النَّارُ يُعْرَضونَ عَلَيْهَا غُدُواً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ ادْخِلُوا آلَ فِرْعَونَ اشَدَّ الْعَذابِ).

١٩٥

هذه الآية أيضا وإن كانت في آل فرعون ، إلّاأنّ المسلّم به أنّها لا تختص بهذه الحفنة من الظلمة والآثمة ، وعليه فالآيتان تفيدان أنّ لأرواح المحسنين والمسيئين بعد الموت الحياة برزخية ، ولذلك فهي من الأدلة على إستقلال الروح.

ويستفاد من الآية القرآنية : (قُلْ يَتَوَفَّيكُمْ مَلَكُ الْمُوتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) (١) وسائر الآيات المشابهة كالآية ٥٠ من سورة الانفال والآية ٤٢ من سورة ٧ الزمر والآية ٣٦ من سورة يونس وغيرها أنّ في الوجود الإنساني شيء يؤخذ منه عند موت الجسم حيث عبرت عن الموت بالأخذ ، وهذا يدل على عدم فناء الإنسان كلياً بموت الجسم حيث يبقى منه شيء ، فالتعبيرات إشارة لطيفة إلى بقاء الروح.

* * *

__________________

(١) سورة السجدة ، الآية ٧.

١٩٦

المعاد الجسمي والروحي

هل الحياة بعد الموت تقتصر على الجانب الروحي؟ يعني الجسم ينفصل عنّا دائماً حين الموت والحياة الخالدة تتعلق بالروح فقط؟ أم يحصل المعادبالنسبة إلى الجانبين فيعود الجسم والروح معاً؟ أم للمعاد بعد روحي وشبه جسمي ، أي تعود الروح ويعود الجسم ، لكن لا هذا الجسم المادي الاعتيادي ، بل يعود جسم لطيف يفوق هذا الجسم وهو عصارته.

أم أنّ المعاد جسماني فقط ، وهذه عقيدة الأفراد الذين لايقولون باستقلال الروح ويرونها من آثار وخواص هذا الجسم.

لكل من هذه النظريات الأربع أتباعها.

النظرية الأولى : المعاد الروحي

أغلب فلاسفة القدماء هم من أنصار هذه العقيدة ويزعمون أنّ الروح تنفصل للأبد عن البدن حين الموت وتبقى في عالم الأرواح ، وبناءاً على ذلك فإنّ مسألة المعاد لا تنطوي على مفهوم فليس هناك من عودة ، بل تواصل الروح بقائها ، إنّهم يعتقدون كما أنّ الفرخ يحتاج إلى مدّة يقضيها

١٩٧

داخل البيضة وكذلك الجنين في بطن أمّه ، فإن طوى مسيرته التكاملية وإنفصل عنه ،

فإنّه لن يعود إليه أبداً ، لا الفرخ إلى داخل البيضة ولا الجنين بعدالولادة إلى رحم الأم ، والإنسان كذلك وبناءاً على هذا فإنّ لجميع الثواب والعقاب واللذة والألم بُعد روحي في العالم الآخر بعد الموت.

النظرية الثانية : المعاد الجسماني والروحاني

وهو الرأي الذي إختاره طائفة من العلماء والفلاسفة القدماء والمعاصرين وكما سنرى لاحقاً ـ قد أيدت الآيات القرآنية هذا الرأي في أنّ الأجزاء المتناثرة من البدن ستجمع يوم القيامة وتجدد وتكتسب الحياة ، طبعاً على مستوى أرفع وفي عالم وحياة أسمى.

النظرية الثالثة : المعاد الروحي وشبه الجسمي

يرى بعض الفلاسفة القدماء والروحانيين أن لا عودة لهذا الجسم المادي والعنصري ، فإن إنفصلت الروح عن البدن قرّت في جسم لطيف فعّال للغاية من حيث الزمان والمكان وحتى قادر على إجتياز الموانع وليس للفناء والفساد من سبيل إليه ، وبه تواصل حياتها الخالدة.

وفي الحقيقة إنّ هذا الجسم ليس كالمادة ، بل يشبه الأمواج ، ولكن حيث يشبه هذا الجسم من بعض الجوانب ويعتبر شبحاً منه فقد إصطلحوا عليه باسم «الجسم المثالي».

النظرية الرابعة : المعاد جسماني فقط

وهو رأي بعض قدماء العلماء والمعاصرين ، الذين يعتقدون بانّنا إن متنا

١٩٨

إنتهى كل شيء ، بالضبط كالمولد الكهربائي الذي ينتهي فتنفد طاقته وتزول مادته ، وحين القيامة تجمع الأجزاء المتلاشية لهذا المولد الكهربائي أي بدن الإنسان وتلحق مع بعضها وتكتسب صبغة الحياة وبالطبع فإنّ الروح بفضلها من آثارها وخواصها كالطاقة بالنسبة لذلك المولد الكهربائي تعودإليها.

الإسلام والمعاد

سنتناول في البداية رأي الإسلام بهذه المسألة ثم نورد الأدلة العقلية بهذا الخصوص.

طبعاً يعتبر القرآن من أهم المصادر بالنسبة للمسائل الإسلامية ، فهذاالكتاب السماوي تحدث في أكثر من موقع عن المعاد الجسماني (طبعاًالمقرون بالمعاد الروحاني) وأدنى معرفة بالآيات القرآنية تكفي لنفي إقتصارالمعاد على المعاد الروحاني ، لأنّ ـ كما بيّنا ذلك بالتفصيل في صدر هذاالكتاب ـ القرآن بهدف تقريب المعاد إلى أذهان المنكرين قد ضرب أمثالاًرائعة للردّ على إيرادتهم وهي ممزوجة بنوع من الإستدلال الحي ، حيث أراد تجسيد قضية المعاد والقيامة إلى حدّ المشاهدة والإحساس لدى الناس ، ولذلك فإنّ جميع هذه الأمثلة والتشبيهات القرآنية بشأن المعادإنّما تؤيد المعاد الجسماني.

فأحياناً يدعو الناس إلى مشاهدة تكرار عملية الموت والحياة في عالم النباتات وكيف تكرر قضية المعاد كل سنة أمام الأعين.

فالأرض تتجه في فصل الخريف تدريجياً نحو الموت ، تكتسب الزهوروالأغصان والنباتات صبغة الموت ، وتموت في الشتاء ، إلّاأنّها تستعيد

١٩٩

الحياة من جديد حين يداعبها نسيم الربيع وتتساقط عليها قطرات المطر (وقد أوردنا الآيات المتعلقة بذلك في بداية الكتاب) ، فهل يفيد هذا سوى المعاد الجسماني؟ أحياناً يشير القرآن إلى بداية الخلق فيصرّح بأنّ الذي خلقكم أول مرة سيعيدكم بعد الموت تارة أخرى.

فمن البديهي أنّ هذا التشبيه لأجل إثبات المعاد الجسماني وإلّافإنّ بقاء الروح بعد فناء الجسم ليس له أي إرتباط بهذا التشبيه.

أضف إلى ذلك فإنّ أبحاث القرآن بشأن معاد الطاقة الذي مرّ عليناتفصيله في أول الكتاب وقصة أصحاب الكهف أو سائر القصص كقصةإبراهيم مع الطيور ومجيئ ذلك الإعرابي إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يمسك بعظم ويسأل عن كيفية إفاضة الحياة عليه والإجابة التي أوردها القرآن في سورة يس والتي مرّت علينا في بداية الكتاب ، إنّما ترتبط جميعاً بالمعادالجسماني ، وإلّاليست هناك من مناسبة للمعاد الروحاني دون الجسماني بهذه الأبحاث (عليك بالدقّة).

والجدير بالذكر إنّ عرب الجاهلية كانت تعتقد ببقاء الروح ، والذي أثار دهشة الإعرابي ودفعه للإنكار مسألة المعاد الجسماني وعودة هذا الجسد إلى الحياة بعد الموت ، ولذلك قال القرآن على لسانهم : (ايَعِدُكُمْ انَّكُمْ اذَا مِتُّم وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً انَّكُمْ مُخْرَجُونَ) (١)

وقال في موضع آخر : (وَقَالُواءَاذَا ضَلَلْنَا في الأَرْضِ أَءِنَّا لَفي خَلْقٍ جَدِيدٍ) (٢)

وقال : (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ اذَا مُزِّقْتُمْ كُلَ

__________________

(١) سورة المؤمنون ، الآية ٣٥.

(٢) سورة السجدة ، الآية ١٠.

٢٠٠