المعاد وعالم الآخرة

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

المعاد وعالم الآخرة

المؤلف:

آية الله ناصر مكارم الشيرازي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: أمير المؤمنين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-8139-28-8
الصفحات: ٢٦٤

بعبارة أخرى : لابدّ من إحاطة للعلم بالموجودات الخارجية والعينية ، وهذه الإحاطة ليست من وظيفة الخلايا الدماغية ، فخلايا الدماغ تتأثر فقط بالخارج ، هذا التأثير كتأثر سائر أجهزة البدن بالخارج ، أمّا الإحاطة والعلم بالوضع الخارجي فهي شيء آخر ، فإن كان التأثر بالخارج دليلاً على علمنا بالخارج ، للزم أن نفهم أيضاً بمعدتنا ولساننا. والحال ليس الأمر كذلك ، والخلاصة فإنّ الوضع الاستثنائي لإدراكاتنا دليل على أنّها تستبطن حقيقة أخرى (عليك بالدقّة).

* * *

٢ ـ وحدة الشخصية

الدليل الآخر الذي يمكن ذكره لإستقلال الروح هو مسألة وحدة الشخصية طيلة عمر الإنسان.

توضيح ذلك : إنّنا في الوقت الذي نشك في كل شيء لا نشك ونتردد في هذا الموضوع وهو «إنّ لنا وجود».

«أنا موجود» ولا أشك في وجودي ، وعلمي بوجودي هو علم حضوري لا حصولي ، يعني أنني حاضر عند نفسي ولست منفصلاً عنها ، وبناءاً على هذا فإن علمي بوجودي ليس من قبيل رسم صورة لوجودي في ذهني ، بل عن طريق عدم إنفصالي عن نفسي.

بعبارة أخرى : إنّ علمنا بالموجودات الخارجية ، مثلاً من قبيل هذا الكتاب الذي أمامي والذي يضم خطوطاً وصوراً من خلال رسم صورة عنه في أذهاننا ، ومن هذا الطريق نحيط بالوضع الخارجي ، ويطلق على هذا العلم في الفلسفة اسم «العلم الحصولي» أو الإرتسامي ، أمّا علمنا بوجودنا

١٦١

فليس كذلك ، لأنّه كما قلنا أنّ هذا العلم ليس من خلال رسم صورة ذهنية ، بل من حضورنا لدى أنفسنا ، ويصطلح على هذا النوع من العلم بالعلم الحضوري.

على كل حال إنّ علمنا بوجودنا من أوضح معلوماتنا وليست هناك أية حاجة أبداً إلى إستدلال ، وعليه فالإستدلال المعروف الذي أورده الفيلسوف الفرنسي المشهور «ديكارت» على وجوده فقال : «أنا أفكر إذن أنا موجود» هو إستدلال زائد ويبدو غير صحيح ، لأنّه إعترف بوجوده مرتين قبل أن يثبت ذلك (مرّة حين قال «أنا» وأخرى حين قال أفكر) ... هذا من جانب. ومن جانب آخر فإن «أنا» هي واحدة من بداية العمر حتى نهايته «أنا اليوم» هي «أنا بالأمس» وهي «أنا قبل عشرين سنة». إني شخص واحد منذ الطفولة ولحدّ الآن ، أنا ذلك الشخص الذي كنت وسأكون كذلك إلى آخر العمر ولن أصبح شخصاً آخر ، طبعاً درست وتعلمت وتكاملت وسوف أتكامل أكثر إلّا أنّي لم أصبح شخصاً آخر ، ومن هنا فإنّ جميع الناس يعرفونني كشخص واحد منذ الطفولة لحد الآن ، فلي إسم واحد وهوية واحدة و...

والآن أريد أن أري ما هذا الموجود الواحد الذي غطى جميع عمرنا؟ هل ذرات وخلايا بدننا أم مجموعة خلايا الدماغ وفعلها وإنفعالاتها؟

فهذه تستبدل مرات طيلة عمرنا وتقريباً تستبدل كافة الخلايا مرّة واحدة كل سبع سنوات ، لأنّنا نعلم أنّ ملايين الخلايا تموت يومياً وتحلّ محلّها خلايا أخرى ، كالبناية التي يخرجون بعض طابوقها تدريجياً ويضعون مكانه طابوقاً آخر ، فهذه البناية تتغير تماماً بعد مدّة وإن لم يلتفت عوام الناس إلى ذلك ، أو كالمسبح الكبير الذي يرده الماء ببطىء من جانب ويخرج من جانب آخر ، فمن البديهي أن يتغير كل ماء المسبح بعد مدّة ، و

١٦٢

إن لم يشعر أصحاب النظرة السطحية بذلك فيرونه على حالته السابقة الثابتة.

وبصورة عامة فإنّ حالة التبدل والتغير تسود كل كائن يتغذى ويستهلك هذا الغذاء ، وعليه يمكن أن يكون جميع أجزاء بدن رجل السبعين عاماً قد تغيرت لعشر مرات ، الذي نريد أن نخلص إليه إننا لو اعتبرنا الإنسان كما يراه الماديون هو ذلك الجسم والأجهزة العصبية والدماغية والخواص الفيزيائية والكيميائية لابدّ أن تكون هذه «الأنا» قد تغيرت عشرة مرات خلال السبعين سنة ولايبقى ذلك الشخص السابق ، والحال لا ضمير يقبل هذا الكلام.

ومن هنا يتضح أنّ هناك حقيقة واحدة ثابتة طيلة العمر غير الأجزاء المادية وهي لا تتغير كالأجزاء المادية وتشكل أساس وجودنا وهي عامل وحدة شخصيتنا.

* * *

تفادي خطأ فاحش

يتصور البعض أنّ الخلايا الدماغية لا تستبدل ويزعمون أنّهم قرأوا في كتب العلوم الفسلجية أنّ عدد خلايا الدماغ واحد منذ أول العمر حتى آخره ، وهي لا تقل ولا تزداد بل تكبر فقط أنّها لا تنتج مثلها ، ولذلك إن تعرضت لصدمة لما أمكن تعويضها ، وعليه فلدينا وحدة ثابتة في مجموع البدن هي الخلايا الدماغية.

إلّاإنّ هذا خطأ كبير ، وذلك لأنّ من يقول هذا الكلام قد خلط بين مسألتين ، فما برهنه العلم اليوم هو أنّ خلايا الدماغ من حيث العدد ثابتة طيلة العمر فهي لا تزداد ولا تنقص ، لا أنّ الذرات التي تشكل هذه الخلايا

١٦٣

لا تعوض ، وذلك لأننا كما قلنا سابقاً أنّ خلايا البدن تستقبل الطعام دائما وتستهلكه بالتدريج فتفقد الذرات القديمة ، بالضبط كالشخص الذي يستلم المال من جانب ويدفعه من جانب آخر ، فمن المسلم به أن رأسمال مثل هذا الفرد يتغير بالتدريج وإن لم يتغير مقداره ، على غرار ذلك المسبح الذي يسكب فيه الماء من جانب ويطرح ماءاً إلى الخارج من جانب آخر فلا تمضي مدة حتى يستبدل الماء بأجمعه وإن بقي مقداره ثابتاً.

ويبدو أنّ كتب الفسلجة قد أشارت إلى هذا الأمر ، ومن ذلك كتاب الهورمونات ص ١١ وكتاب الفسلجة الحيوانية ص ٣٢ لمؤلفة الدكتور محمود بهزاد وزملائه.

وبناءاً على ما تقدم فخلايا الدماغ ليست ثابتة وتتعوض كسائر الخلايا.

* * *

تبريرات وتفاسير

إنهمك بعض المادييون في حلّ المشكلة الكبرى المتمثلة بوحدة الشخصية ، فقالوا أحياناً : «أنا» مجموعة من التصورات المختلفة والمتتالية التي تطرأ على الذهن ، وبناءاً على هذا فإنّ الإتصال والإرتباط لهذه الإدراكات تشكل سلسلة واحدة تعرّف وحدة شخصيتنا طيلة العمر.

ويقول الدكتور آراني : «إنّ مفهوم الذات يوجد بصورة منظمة وبشكل متوالي في أزمان متوالية في الكائنات الحيّة السالمة ، ولا تنقطع إلّا بواسطة النوم ، ويمكن أن يظهر الإختلال في الذات بواسطة المواد المخدرة والمسكرات». (١)

__________________

(١) علم النفس ، ص ١٠٤.

١٦٤

ولكن يلزم من هذا الكلام إنقطاع الأنا وتبدل وعدم وحدة الشخصية ، لأنّ الأنا التي أتى بها الدكتور آراني بالضبط كأقمشة مصنع لحياكة الأقمشة التي تتبدل باستمرار إلّاأنّها متصلة مع بعضها.

ومن هنا فقد أضطر البعض للقول : للأنا حيثية نسبية ، فكل شخص من جهة هو نفسه ومن جهة غيره ، كما يقول في نفس الكتاب :

«في الوقت الذي أنا نفسي فأنا لست نفسي ، أنا ذلك الثابت ، ولكن المتغير أيضا ، أفضل مثال لفهم هذه القضية التشبيه بالنهر ، فالنهر جاري وكل لحظة تختلف عن اللحظة السابقة ومع ذلك فهو نفس النهر» (١)

ويبدو هذا الكلام عجيباً ، لأنّ معناه هكذا : أنا لست ذلك الشخص قبل عدّة سنوات وقد تغيّرت حقيقة إلّاأنّي أظن أنّي أنا! ... وهذا على خلاف ضمير أي شخص.

وناهيك عمّا سبق فان «أنا» لست مجموعة من التصورات ، والتصورات عملي (أنا) ، إذن فما هذه «الأنا» المبدأ للتصورات؟

ليس لهم جواب قانع على هذا السؤال ولايستطيعون أن يرونا موجوداً ثابتاً طيلة العمر كأساس لوحدة شخصيتنا.

* * *

٣ ـ عدم تطابق الكبير والصغير

كان البحث هل روح الإنسان حقيقة ثابتة وتفوق الطبيعة أم خاصية تتوقف على البدن ودائماً في حالة تغير.

فهل للدماغ نشاط فكري كما للفم نشاط إفراز البزاق والكبد الصفراء

__________________

(١) علم النفس ، ص ١٠٦.

١٦٥

بحيث تفنى الروح بفناء الدماغ؟ أم هي كالسفن الفضائية التي تنفصل صواريخها عنها الواحد بعد الآخر بعد أن تنطلق على شكل مراحل بحيث تستمر بسرعتها في مواصلة حركتها ، فروح الإنسان أيضا بعد أن تنفصل عن البدن تبقي في عالم الأرواح وتواصل مسيرتها؟ لقد ذكرنا لحدّ الآن بعض الأدلة على إثبات نظرية إستقلال الروح وإليك الآن الدليل الآخر :

* * *

نفرض إنّنا جلسنا على ساحل بحر تتحرك فيه عدّة زوارق صغيرة وسفينة عظيمة ، ونشاهد الشمس تغرب من جانب ، كما نشاهد القمر يطلع من جانب آخر ، وطيور الماء الجميلة تعوم دائماً على ماء البحر تحط وتنهض ، وكان بجانبنا جبل شامخ يرتفع إلى عنان السماء.

والآن لنغمض أعيننا لحظات ونتمثل كل ما رأيناه في أذهاننا : جبل بذلك الإرتفاع وبحر بتلك السعة وسفينة عظيمة بتلك الضخامة ، هذا ما يتجسد في أذهاننا وهي كاللوحة الكبيرة جداً التي توجد أمام أرواحنا أو باطن أرواحنا.

والآن يطرح هذا السؤال : أين موضع هذه اللوحة الكبيرة؟

هل يسع خلايا الدماغ الصغيرة إستيعاب مثل هذه اللوحة العظيمة؟

قطعا لا ، بناءاً على هذا لابدّ أن نمتلك قسما آخر من الوجود يفوق هذه المادة الجسمانية وهو على قدر من السعة بحيث يستوعب في نفسه جميع هذه اللوحات.

هل يمكن تطبيق خارطة عمارة ذات خمسمائة متر على أرض ذات مائة متر؟

هل يمكن بناء صالة رياضية بعشرة آلاف متر على أرض مساحتها متر واحد؟!

١٦٦

قطعاً إجابة هذه الأسئلة بالنفي ، لأنّ الوجود الكبير وبحفظه لكبره لا ينطبق قط على الوجود الصغير ، فليزم من الإنطباق التساوي أو أن يكون أصغر ممّا يراد له الإنطباق عليه.

وعلى هذا الأساس كيف نستطيع إستيعاب الألواح الذهنية الخارقة في الكبر في الخلايا الدماغية الصغيرة؟

إننا نستطيع أن نرسم في أذهاننا الكرة الأرضية بخرامها البالغ أربعين مليون متر وكذلك نستطيع أن نتمثل في فكرنا الشمس التي تكبر الأرض بمليون ومئتي مرّة وكذلك المجرّات التي تفوق حجم الشمس بملايين المرّات ، فلو أريد لهذه الصور أن تنطبق على الخلايا الدماغية الصغيرة لتعذرذلك طبق قانون عدم إنطباق الكبير على الصغير ، وعليه فلابدّ أن نعترف بوجود يفوق هذا الجسم هو مركز إستيعاب هذه الصور الكبيرة وليس له أي بعد مادي.

* * *

سؤال ضروري

قد يقال أنّ صورنا الذهنية مثل «المايكروفيلم» أو «الخرائط الجغرافية» التي يكتب عليها عدد كسري مثل  أو  الذي يبيّن مقياس صغرها ويفهمنا أننا لابدّ أو نكبرها بنفس هذه النسبة لنحصل على الخارطة الواقعية ، وكذلك رأينا كثيراً أنّهم إلتقطوا صورة لسفينة عظيمة لايمكنها بمفردها أن تشير إلى عظمة تلك السفينة ، ومن هنا جعلوا شخصاً في تلك السفينة وإلتقطوا صورة لها معاً لتتضح عظمته السفينة من خلال مقارنتها مع الشخص.

١٦٧

فصورنا الذهنية صغيرة جدّاً وقد صغرت بمقاييس معيّنة فإن كبّرناها بتلك النسبة حصلنا على الصورة الواقعية ، ومن المسلّم به أنّ لخلايا الدماغ القدرة على إستيعاب هذه الصور الصغيرة في خلايا (عليك بالدقّة).

* * *

جواب

القضية المهمّة هنا هي أنّ المايكروفيلم عادة مايكبّر بواسطة البروجكتر فينعكس على شاشة ، والعدد الذي يكتب تحت الخرائط الجغرافية فهو يساعدنا على ضرب الخارطة به لنتصور الخارطة الكبيرة الواقعية في أذهاننا ، والسؤال الذي يطرح نفسه أين تلك شاشة الكبيرة التي ينعكس عليها مايكروفيلم ذهننا؟ هل هذه الشاشة الكبيرة هي خلايا الدماغ؟ قطعاً لا ، وتلك الخارطة الجغرافية الصغيرة التي نضربها في عدد كبير ونبدلها إلى خارطة عظيمة لابدّ أن يكون لها موضع ، فهل يمكن أن يكون الخلايا الدماغية الصغيرة.

بعبارة أوضح : في مثال المايكروفيلم والخارطة الجغرافية فالموجود في الخارج هو تلك الأقلام والخرائط الصغيرة جدّاً ، إلّاأنّ صورنا الذهنية ليست كذلك ، فهذه الصور بالضبط بقدر الوجود الخارجي لها ، وقطعاً تحتاج إلى محل بقدرها ، ونعلم أنّ خلايا دماغنا أصغر من أن يمكنها عكسها وهي بتلك العظمة.

وخلاصة الكلام : إنّنا نتصور هذه الصور الذهنية بذلك الكبر التي هي عليه في الخارج ولايمكن لهذا التصوير والتصور العظيم أن ينعكس في خلية صغيرة ، وبناءاً على هذا فهي بحاجة إلى محل غير ذلك ، ومن هنا نقف

١٦٨

على وجود حقيقة تفوق هذه الخلايا وتفوق عالم المادة.

٤ ـ الظواهر الروحية ليست كالكيفيات المادية

الدليل الآخر الذي يمكنه أن يرشدنا إلى إستقلالية الروح وعدم كونهامادية هو : إنّنا نرى في الظواهر الروحية خواصاً وكيفيات ليس لها أي شبه بالخواص والكيفيات التي تتصف بها الموجودات المادية.

وذلك لأنّه : الموجودات المادية تتطلب «الزمان» ولها حيثية تدريجيةهذا أولاً وثانياً تتآكل بمرور الزمان

ثالثاً : أنّها قابلة للتحلل إلى عدّة أجزاء.

بينما ليس هناك مثل هذه الخواص والآثار للظواهر الذهنية ، فإنّنانستطيع أن نرسم في أذهاننا عالماً كالعالم الفعلي دون الحاجة إلى الزمان والتدريج. وبغض النظر عمّا سبق فإنّ الصور المطبوعة في أذهاننا منذ فترةالطفولة لا يبليها الزمان ولا يجعلها تتآكل وتبقى محافظة على شكلها.

يمكن أن يتآكل الدماغ ولكن لايتآكل بتآكله الحيز الذي إرتسم في أذهاننا قبل عشرين سنة وهو يتمتع بنوع من الثبات الذي يعدّ من خصائص عالم ما وراء المادة.

ولروحنا خلاقية عجيبة بالنسبة للصور والمشاهد فإنّنا نستطيع في آن واحد ودون أية مقدمة أن نرسم في أذهاننا ما نشاء من صور وكرات سماوية ومجرّات وكائنات أرضية وبحار وجبال وما إلى ذلك ، وهذا ليس من خصائص المادة ، بل هو علامة لوجود يفوق عالم المادة.

أضف إلى ذلك فمما لاشك فيه أن ٢ زائد ٢ يساوي ٤ حيث يمكن تحليل طرفي هذه المعادلة أي تحليل العد ٤ أو ٢ ، أمّا المساواة فلا يمكننا

١٦٩

تحليل أبداً كأن نقول للمساواة نصفان وكل نصف غير الآخر فهذا الموضوع ليس بممكن ، فالمساواة مفهوم يأبى التحليل ، أمّا موجود أو غير موجود ولايمكن تنصيفه ، وبناءاً على هذا فمثل هذه المفاهيم الذهنية ليست قابلةللتحليل ولذلك لا يمكن أن تكون مادية ، لأنّها لو كانت مادية لأمكن تحليلها ، وكذلك لا يمكن لروحنا بصفتها مركزاً لهذه المفاهيم غير المادية أن تكون مادية ، وعليه فهي تفوق المادة (عليك بالدقّة).

* * *

٥ ـ الأدلة التجريبية على إستقلال الروح

أثبتنا لحدّ الآن إستقلال الروح عن طريق أربع إستدلالات عقلية ومنطقية ، وبرهنا أو الروح لايمكنها على ضوء مذهب الماديين أن تكون خاصية فيزيائية وكيميائية لخلايا الدماغ ، ولابدّ أن تكون حتمياً موجوداً يفوق المادة الجسمانية.

ونتجه الآن صوب الأدلة التجربية لنثبت من خلالها إستقلالية الروح وعدم كونها مادية ، فقد أورد الفلاسفة وعلماء الإلهيات المعاصرون الروح في مصاف المسائل التجربية وقد منحوها صورة حسية وتجربية لُاولئك الذين يتعذر عليهم قبول الإستدلالات العقلية ، حتى سلّم جمع من علماء العلوم الطبيعية لتلك الأدلة التجربية فاعترفوا بالروح على أنّها وجود يفوق المادة.

ويمكن الإشارة باختصار إلى أقسام الأدلة التجربية وهي :

١ ـ الإرتباط بالأرواح

٢ ـ التنويم المغناطيسي

٣ ـ النوم الاعتيادي والرؤيا

١٧٠

٤ ـ الأعمال الخارقة للمرتاضين

٥ ـ إنتقال الفكر من بعيد

* * *

ونخوض الآن في تفاصيل كل واحد منها بصورة مختصرة.

١ ـ الإرتباط بالأرواح

لقد أصبح موضوع الإرتباط بالأرواح والتحدث معها اليوم بصورة علم ، وقد تشكلت جمعيات بهذا الاسم في مختلف نقاط العالم ، وقد قال العالم المصري المعروف فريد وجدي (في المجلد الرابع من موسوعته في مادة الروح) أنّ ثلاثمائة مجلة وصحيفة تنتشر في أنحاء العالم من قبل «جمعيات الروح» ويشترك في هذه الجلسات طائفة من كبار علماء العلوم المختلفة.

وقد عقدت عدّة جلسات في أمريكا وإنجلترا وفرنسا وألمانيا وأغلب البلدان بهدف التعامل مع هذا الموضوع وقد حضرها أفراد معروفون من مختلف الشخصيات وقد عقد الإتصال بالأرواح بحضورهم وحصلت عدّة أعمال خارقة للعادة ، ومن ذلك ما ورد في كتاب اصول علم النفس لفرويد ص ٣٢ : شكلت هيئة من ٣٣ شخص من أساتذة جامعات إنجلترا وعدد من القضاة لدراسة هذا الموضوع ، فاستغرقت دراستهم سنة ونصف ، هل الإرتباط بالأرواح حقيقة أم خرافة؟ فلما فرغوا من تحقيقهم ودراستهم قدموا آرائهم الإيجابية بشأن صحة هذه الموضوع إلى «جمعية لغويين إنجلترا» التي كلّفوا من قبلها ، وقد وردت مسائل مدهشة عمّا يشاهد في تلك الجلسات في كتب العالم بعد الموت لمؤلفه ليون ديني وعلم النفس لفرويد

١٧١

وكتاب على إبطال المذهب المادي ، ومنها :

١ ـ التحدث بلغة غير اللغة الأم (يعني الشخص الذي يتصل بالأرواح في التنويم المغناطيسي يمكنه أحياناً أن يتحدث معها بلغة لم يكن يجيدهاحتى ذلك اليوم!).

٢ ـ حل المسائل الرياضية المعقدة في التنويم المغناطيسي من قبل أفراد ليس لهم أي إستعداد لحل مثل هذه المسائل.

٣ ـ كتابة بعض المطالب على ألواح جعلت في صندوق وقد أحكم غلقه!

٤ ـ حمل أجسام من الأرض بواسطة الأرواح دون أن تمتد إليها أي يد! ٥ ـ ظهور الأرواح بشكل أشباح في هذه الجلسات.

وكما ذكرنا فإنّ هذه الأمور قد شوهدت من قبل كبار العلماء وقد إعترفوا بها وسجّلوها في مختلف الكتب والمجلات.

فهل يمكن القول وبالنظر لهذه المشاهدات الحسية أنّ الروح هي تلك الخواص الفيزيائية والكيميائية لخلايا الدماغ؟

ماذا يقول الماديون بشأن هذه المطالب المدهشة؟

ليس لهؤلاء سوى ثلاثة أجوبة :

١ ـ أحياناً يقولون : إنّ مثل هذه الأمور من قبيل الشعبذة وخفّة اليد والاستفادة من الوسائل الألكترونية أو الدسائس التي حيكت مسبقاً.

٢ ـ قد لايكون هناك وجود واقعي لمثل هذه الظواهر ولعلها تستند إلى تلقينات متتالية ومتكررة بواسطة أفراد مهرة.

٣ ـ يمكن أن يكون بعض هذه الظواهر من حالة اللاشعور ، أي أنّ هناك سلسلة من الأمور في اللاشعور للشخص وهو غافل عنها وعند التنويم

١٧٢

المغناطيسي يرفع الستار عنها ، والأفراد الذين لايعلمون بوجود هذا اللاشعور يتصورون أنّهم يرون مسألة خارقة.

إلّاأنّ علماء الروح قد أغلقوا جميع هذه المنافذ وقد مارسوا بعض الأفعال التي لا تبقي من مجال لاحتمال الدسائس والشعبذة والاستفادةمن مختلف الوسائل الألكترونية بحيث يزول أي إبهام وغموض ومنها :

أولاً : يختارون الواسطة (١) ممن لايزيد عمره على عامين ويسمعون كلام الأرواح عن طريقه ، وإن كان كبيراً جعلوه في قفص خاص وقيدوا يديه ورجليه وعصبوا عينيه حتى لايتسنى لهم الاستفادة من أية وسائل خاصة.

ثانيا : كما أوردنا سابقاً فإن حضّار الجلسة ينتخبون أحياناً من بين كبارالعلماء ، ومن البديهي أن يستحيل عادة احتمال تلقين مثل هؤلاء الأفراد.

من جانب آخر أحياناً تحشر بعض الحيوانات في تلك الجلسات ليدرسواردود فعل المشاهد المرعبة عليها ويبدو أنّها نتيجة إيجابية ، يعني أنّهاتتأهب للفرار من جراء رؤية تلك المشاهد أو أنّها تهرب فعلاً ، ولا شك أوالتلقين بهذا الشأن لا يمكن الأذعان له.

ثالثا : أحياناً يصرّح الواسطة حين التنويم المغناطيسي بأمور لم تطرق سمعه سابقاً قط كما لا يحتمل أن تكون كامنة في اللاشعور (راجع الكتب التي ذكرت سابقاً بهذا الخصوص).

ملاحظات مهمّة

لابدّ من ذكر بعض المواضيع لكي تتضح جوانب البحث :

١ ـ إنّ قضية الإرتباط بالأرواح وإن كانت قطعية كما ذكرنا من وجهة نظر

__________________

(١) الواسطة تطلق على الشخص الذي ينوم مغناطيسياً ويرتبطون من خلاله بالأرواح.

١٧٣

الحاذقين في هذا الفن وجمع من العلماء ، وقد أوردنا اسم جماعة كثيرة من العلماء والمحققين ممن إعترفوا صراحة بهذا الموضوع في كتاب «عودة الأرواح» إلّاأنّ هذا لايعني إننا نقرّ بالزعم الأجوف لبعض السذّج والبّله ممن يدعي الإرتباط بالأرواح.

فمما يؤسف له أنّ مسألة الإرتباط بالأرواح قد استغلت إستغلالاً بشعاً ، فقد يدعى ذلك عدد كبير من المنتهزين المحترفين أو السذّج البلهاء ويرون أنّهم يرتبطون بجميع الأرواح فيحصلون من خلال ذلك على بعض الأرباح ، ولسوء الحظ فإنّ مثل هؤلاء الأفراد يضفون صبغة خرافية على هذه المسألة العلمية والتجربية فيشوهونها لدى الآخرين ، وقد دفعت بعض الأوهام والتخيلات البعض إلى إنكار أصل الموضوع والحال هناك فارق كبير بين هؤلاء الأفراد والعلماء والمفكرين بالنسبة لهذا البحث ، وقد لايصدق واحد من عشرات الذين يزعمون إرتباطهم بالأرواح ، وعليه لابدّ أن نتحلى بالوعي واليقظة وننأى بهذا البحث بعيداً عن الإستغلال الذي يمارسه المهووسون والجهّال فلا نخدع بالمزاعم التي يطلقها الدجّالون ولا ننسب أعمالهم الطائشة إلى هذا البحث العلمي.

ولاسيما اللعبة الخاصة التي راجت في الأوساط باسم الإرتباط بالأرواح بواسطة الطاولة المستديرة ، فادعى البعض ممن ليس له أي إستعداد علمي أو عملي سوى إعداد طاولة مستديرة مع مخطط أنّه حصّل على مفتاح الأرواح وله أن يتصل بصغيرها وكبيرها ، وهذا من أوضح النماذج المزيفة لمثل هذا الإرتباط الذي ينبغي الحذر منه بشدّة (ذكرنا هذا الموضوع بالتفصيل في كتاب عودة الأرواح).

* * *

١٧٤

٢ ـ هل يوجد دليل على إمكان الإرتباط بالأرواح في المصادر الإسلامية؟

الجواب على هذا السؤال بالإيجاب ، حيث ورد في التواريخ الإسلامية أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر بعد معركة بدر بالقاء قتلى الكفّار في القليب ثم وقف على القليب فناداهم : (هَلْ وَجَدْتُمْ مَاوَعَدَكُمْ رَبُّكُمْ حَقّاً فَانّي قَدْ وَجَدْتُ مَاوَعَدَني رَبّي حَقّاً)

فقال له البعض أتحدثهم يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم تبق إلّاجيفتهم. فردّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّكم لستم بأسمع لكلامي منهم. (١)

وورد في نهج البلاغة أنّ علياً عليه‌السلام لما رجع من صفين وأشرف على القبور بظاهر الكوفة قال :

«يا أهل ديار الموحشة ، والمحال المقفرة ، والقبور المظلمة ، يا أهل التربة ، يا أهل الغربة ، يا أهل الوحدة ، يا أهل الوحشة ، أنتم لنا فرط سابق ، ونحن لكم تبع لاحق ، أمّا الدور فقد سكنت ، وأمّا الأزواج فقد نكحت ، وأمّا الأموال فقد قسمت. هذا خبر ماعندنا فما خبر ما عندكم»

ثم إلتفت إلى أصحابه وقال : «أما لو أذن لهم في الكلام لأخبروكم أنّ «خير الزاد التقوى». (٢)

وبالنظر إلى هذه الأخبار وماشابهها يتضح ومن خلال المصادر الإسلامية أنّ الإرتباط بالأرواح ليس بالأمر المتعذر.

* * *

٣ ـ هل تعلم الأرواح بكل شيء؟ وهل تستطيع الإخبار عن كل ما تعلمه؟

__________________

(١) سيرة ابن هشام ، ج ١ ص ٦٣٩.

(٢) نهج البلاغة ، قصار الحكم ١٣٠.

١٧٥

قطعاً الجواب بالسلب ، لأنّ الروح بعد إنفصالها عن هذا العالم وإن كانت لها فعالية أوسع ، مع ذلك فمعلوماتها محدودة ، وهي ليست عالمة بكل شيء ، وعلى فرض المحال أنّها كذلك ، فلا يعلم أنّها تستطيع الإخبار عن كل ذلك ، والعبارة «لو أذن لهم في الكلام» التي وردت في نهج البلاغة تدل على أنّهم ليسوا مأذونين بذكر جميع الأشياء.

* * *

٤ ـ الموضوع المهم الآخر الذي قد يلتبس أحياناً هو خلط قضية «الإرتباط بالأرواح» مع «عودة الأرواح» حيث يرى البعض ضرورة إلتزام من يؤمن بالإرتباط بالأرواح بموضوع عودة الأرواح ، يعني يعتقد بأنّ الروح بعدإنفصالها عن البدن تقر في جنين أم أخرى فتولد من جديد ، ويمكن أن يتكرر هذا العمل عدّة مرات ، فتقدم روح واحدة إلى هذا العالم عدّة مرّات.

إلّاأنّ هذه العقيدة والتي تعرف بتناسخ الأرواح خطأ محض ، فالحياة التكرارية ليست ممكنة ، والروح بعد مفارقتها البدن لا تستقر في بدن آخر.

هذا وقد أوردنا عدّة أدلة تبطل هذه العقيدة في كتاب «عودة الأرواح» ومن أراد المزيد فليراجعه.

* * *

٢ ـ التنويم المغناطيسي

توصل العلماء منذ القديم إلى وجود قوّة خفية في بدن الإنسان يمكنها التأثير على الأجسام الأخرى دون اللجوء إلى الوسائل العادية والتي اصطلح عليها فيما بعد باسم «القوة المغناطيسية».

ولعل هذه القوّة الخفية موجودة لدى كافة الأفراد ، غاية ما في الأمر أنّها

١٧٦

تكون ضعيفة جدّاً لدى البعض ، بينما تكون خارقة للغاية لدى البعض الآخر ، كما يمكن تقويتها وتنميتها بواسطة التدريب والتمرين ، حتى ورد أنّ بعض الحيوانات ـ ومنها الأفعى ـ تستطيع بواسطتها شل حركة أعدائها أو فريستها ، وإن شككنا في وجودها لدى الحيوانات فلسنا نشك في وجودها عند الإنسان.

لقد كشفت هذه القوّة في البداية في مشرق الأرض حيث أدركها الكلدانيون والمصريون والهنود ، لكنّها لم تكن مسألة عامة حتى طرحت كاكتشاف علمي أواخر القرن الثامن عشر (عام ١٧٧٥ م) من قبل الطبيب النمساوي «مسمر» فقال : هناك قوّة خاصة لدى الإنسان يمكن بواسطة معالجة بعض المرضى.

طبعاً حسب العادة فإنّه كل إكتشاف غالباً ما يواجه بالحملات اللاذعة من قبل الأفراد غير المطّلعين وحسد الحاسدين ، ومن هنا فقد واجه «مسمر» عاصفة من الإعتراضات آنذاك حتى رآه البعض مجنوناً ، وبالطبع فإنّ طموحات «مسمر» الخيالية قد زادت من حدة تلك الحملات وأصبحت ذريعة بيد مخالفيه ، فقد إضطر إلى مغادرة النمسا والتوجه إلى فرنسا لمواصلة عمله ، إلّاأنّ أبحاثه إقتصرت على السيّالة المغناطيسية دون الحديث عن التنويم المغناطيسي ، حتى تعرف «بويسغور» على طريقة أستاذه مسمر ، فكان يستفيد من هذه القوّة الخفية في البدن لمعالجة المرضى حيث كان يدخل هذه الأمواج المغناطيسية الخاصة إلى بدن المرضى.

ذات يوم وبينما كان يعالج قروياً فوجىء بأنّه نام ، فأصيب بالذهول والدهشة فأراد أن يوقظه فصرخ به إنهض! إنهض!

١٧٧

وهنا إزدادت دهشته حين نهض ذلك الرجل وما زال في حالة النوم وقد أخذ يمشي!

فقال له مذهولاً! قف. فوقف

ففهم بعد ذلك أنّ المريض يغط في حالة تشبه النوم وهي تفرق كثيراً عن النوم الإعتيادي وكان يمتثل كل ما يقال له.

أخيراً أيقظه وأعاده إلى حالته الطبيعية ، وهكذا كشف موضوع التنويم المغناطيسي في ذلك الوسط وتبيّن أنّه يمكن الحصول على «التنويم المغناطيسي» عن طريق «السيّالة المغناطيسية».

وباستمرار التحقيقات في هذا المجال إتضح أنّه يكفي لتنويم الأفراد مغناطيسياً النظر الطويل إلى نقطة شبه مضيئة إلى جانب التلقينات المتتالية مع الاستفادة من السيّالة المذكورة ، وهكذا يمكن تنويم الأفراد مغناطيسياً بواسطة العناصر الثلاثة السابقة.

ثم استمرت الأبحاث والإختبارات لتتوالى كل يوم كشف غرائب وعجائب هذا النوم الذي يشير إلى فرقه الشاسع مع النوم الطبيعي ، والقضية المهمّة هنا هي أنّ العامل «المنوِّم» يستطيع أن يحلّ محلّ إرادة وعزم المعمول «المنوَّم» ، بحيث يستسلم المعمول تماماً لإراداة العامل فيمتثل كل ما يؤمر به دون نقاش سوى في بعض الحالات الاستثنائية.

ومن ذلك :

١ ـ يستطيع العامل من خلال التلقينات المتابعة تخدير بدنه بحيث لايشعر بأدنى ألم.

وقد استفيد اليوم في الطلب من هذا العمل بدلاً من الدواء المخدر ، وهنالك اليوم الأبحاث المسهبة في الصحف والمجلات حول الاستفادة من

١٧٨

التنويم المغناطيسي بدلاً من الأدوية المخدرة وقد إتخذت هذه القضية طابعاً عملياً في بعض البلدان حيث يرى البعض أنّ آثاره أفضل من الأدوية المخدرة وعوارضه أقل.

٢ ـ يمكن للعامل أن يلقّنه مثلاً أنّك آمر لجيش أو سجين مقيد ، فيتخذلنفسه مباشرة هيئة قائد عسكري فيتحدث بصوت وحركات خاصة بالنسبةلذلك الآمر ، وفي الحالة الثانية يبدي ردود فعله وكأنّه سجيناً مقيداً؟

وقد رأيت في منطقة خرم آباد في أحد أسفاري مشهداً من مشاهدالتنويم المغناطيسي في منازل أحد الأصدقاء وباقتراح البعض الآخر من الأصدقاء ، فالمنوِّم كان رجلاً محترماً ، كما كان الفرد المراد تنويمه شاباًمؤدباً ، فأمره بالإستلقاء على الأرض وأخذ يدخل السيّالة المغناطيسية في بدنه وهو دائم النظر إلى عينيه ويلقّنه باستمرار «الآن ستنام» و«ستنام سريعاً» وما إلى ذلك من العبارات وقد كانت الغرفة شبه مظلمة وكان مايقرب خمسة عشر من الفضلاء قد حضروا هناك ، وأخيراً جعله ينام ، ثم قطع بواسطة التلقين إرتباطه عن جميع الأفراد سوى نفسه ، بعد ذلك لقّنه أنّ بدنه سيكون كالخشب الجاف.

ولم تمض مدّة حتى أصبح كذلك بحيث أخذ فرد برجله وآخر برأسه ورفعوه من الأرض فجعلوا رجله على الحافة العليا لكرسي ورقبته على الحافة الأخرى لكرسي آخر ثم وضعوا قطعاً من القماش تحته كي لايتأذى من الكرسي وحافاته والطريف في الأمر أنّه إستقر على الكرسيين كأنّه قطعةخشبية جافة ، حتى حين كانوا يضغطون على بطنه فإن ظهره كان يتحرك بمرونة دون أن يعوّج أو يسقط على الأرض ، ثم طرحوه على الأرض وأخذ العامل يلقّنه حتى أعاده إلى حالته العادية دون أن يوقظه من نومه.

١٧٩

ثم لقّنه ثانية وبصورة مكررة فخدر بدنه بحيث لم يشعر بألم ، وهناأشعل سيجارته ووضعها على يده ، إلّاأنّه لم يبد أي رد فعل ، لكنه لما أوقظمن نومه قال أشعر بقليل من الحرقة في يدي.

٣ ـ أحياناً يأمر العامل المعمول بالتحدث بلغات مختلفة حتى تلك التي لم يكن يعرفها.

٤ ـ أحياناً يذكره العامل بالذكرات التي نساها بالمرة ويبعث به إلى حياته الماضية ، والغريب في الأمر أنّ جميع ردود فعله في كل هذه الحالات كتلك التي أبداها في السنين الماضية!

٥ ـ أحياناً يأمره العامل بالسفر إلى المناطق النائية ويتحدث عن مشاهداته. (١)

وكل هذه الأمور تدل على وجود قوّة أخرى في وجودنا غير خلاياناالدماغية وأفعالها وإنفعالاتها ، وهي تفرق كثيراً عن القوى المادية التي نعرفها ، كما تفوق القوى المادية قدرة ونشاطاً حيث أمكن التعرف عليهااليوم بواسطة العلم ، كما تبدي بعض الظواهر والآثار التي تختلف وما نراه ونعرفه في عالم المادة.

* * *

نقلت عدّة مشاهدات عن أفراد موثوقين بشأن «تجرّد الروح» يعني الإنفصال المؤقت عن البدن والذهاب إلى نقاط مختلفة بحيث يستطيع الإنسان الاطمئنان من مجموعها إلى وجود الروح بصفتها حقيقة مستقلة وتفوق المادة ، نورد نموذجا منها :

__________________

(١) مصادر الموضوعات السابقة : موسوعة فريد وجدي ـ العالم بعد الموت ـ أسرار الموت والتنويم المغناطيسي.

١٨٠