ظاهرة الافتراء على الشيعة عبر التاريخ

الشيخ جعفر السبحاني

ظاهرة الافتراء على الشيعة عبر التاريخ

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٨٠

٢. وقال الإمام زين العابدين عليه‌السلام: اللهم وأصحاب محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاصة الذين أحسنوا الصحبة ، والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره ، وكانفوه وأسرعوا إلى وفادته ، وسابقوا إلى دعوته ، واستجابوا له حيث أسمعهم حجة رسالاته ، وفارقوا الأزواج والأولاد في إظهار كلمته ، وقاتلوا الآباء والأبناء في تثبيت نبوته ، وانتصروا به ، ومن كانوا منطوين على محبته ، يرجون تجارة لن تبور في مودته ، والذين هجرتهم العشائر إذ تعلّقوا بعروقه ، وانتفت منهم القربات إذ سكنوا في ظل قرابته ، فلا تنس اللهم ما تركوا لك وفيك ، وأرضهم من رضوانك وبما حاشوا الخلق عليك ، وكانوا مع رسولك ، دعاة لك إليك ، واشكرهم على هجرهم فيك ديار قومهم وخروجهم من سعة المعاش إلى ضيقه ، ومن كثّرتَ في إعزاز دينك من مظلومهم.

اللهمّ وأوصل إلى التابعين لهم بإحسان الذين يقولون ربّنا اغفر لنا ولإخواننا».(١)

__________________

(١). الصحيفة السجادية : الدعاء ٤.

٦١

هذا كلّه حول الفرية الأُولى ، وأمّا الفرية الثانية من أنّهم أُمروا بالاستغفار فسبّوهم فيا ليت انّه تكفّل عناء البحث وراء هذه المسألة في كتب الشيعة ، دون أن ينسبه إليهم دون دليل.

والحقّ انّ الشيعة لا يسبّون أحداً من الصحابة ، فإنّ سباب المؤمن فسوق ، ولكنّهم لا يعتقدون بعدالة الصحابة كلّهم ، ولا يغالون في حقّ من عُدّ من الصحابة بحجّة انّهم رأوا أو سمعوا حديث النبي أو عاشروه ، بل يعتقدون أنّ الصحابة كالتابعين ففيهم الصالح والطالح والعادل والفاسق ، ويشهد على ذلك القرآن الكريم حيث يصف بعضهم بالفسق ويقول: (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ).(١)

إنّ القول بعدالة جميع الصحابة لم يظهر في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا في عهد الخلفاء وإنّما ظهر في عهد الأمويّين

__________________

(١). الحجرات : ٦.

٦٢

للحيلولة دون التفاف الرأي العام حول أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام.

غير أنّ ابن الجوزي أعرف بصحاح أهل السنّة ومسانيدهم ، وقد تعرضت هذه الكتب للصحابة بالطعن والارتداد ، ولأجل إيقاف القارئ على شيء ممّا جاء في هذه الكتب من الطعن على الصحابة ، نذكر بعض ما روي في ذلك المجال ، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى كتاب «جامع الأُصول» لابن الأثير: ١١ / ١١٩.

١. روى عبد الله بن مسعود ، قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنا فرطكم على الحوض ، وليُرفعنّ إليّ رجال منكم ، حتّى إذا أهويت إليهم لأناولهم اختلجوا دوني ، فأقول: أي رب ، أصحابي ، فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك.(١)

٢. روى أنس بن مالك أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: ليردنّ عليّ الحوض رجال ممّن صاحبني حتّى إذا رأيتهم ورفعوا إليّ اختلجوا دوني ، فلأقولنّ: أي ربّ ، أصحابي ، أصحابي ،

__________________

(١). أخرجه البخاري ومسلم.

٦٣

فليقالن لي: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك.(١)

٣. روت عائشة ، قالت: سمعت رسول الله ، يقول ـ وهو بين ظهراني أصحابه ـ : إنّي على الحوض أنتظر من يرد عليّ منكم ، فو الله ليقطعنّ دوني رجال ، فلأقولنّ : أي ربّ ، مني ومن أُمّتي! فيقول: إنّك لا تدري ما عملوا بعدك ما زالوا يرجعون على أعقابهم.(٢)

٤. روت أسماء بنت أبي بكر ، قالت: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم: إنّي على الحوض ، أنظر من يرد عليّ وسيؤخذ ناس دوني ، فأقول: يا ربّ ، مني ومن أُمّتي ، وفي رواية ، فأقول : أصحابي ، فيقال: هل شعرت ما عملوا بعدك؟ والله ما برحوا يرجعون على أعقابكم.(٣)

٥. روى سعيد بن المسيب انّه كان يحدِّث عن أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: يرد عليّ الحوض رجال من أصحابي ،

__________________

(١). أخرجه البخاري ومسلم.

(٢). أخرجه مسلم.

(٣). أخرجه البخاري ومسلم.

٦٤

فيُحلئون عنه ، فأقول : يا ربّ ، أصحابي ، فيقول : إنّك لا علم لك بما أحدثوا بعدك. إنّهم ارتدّوا على أدبارهم القهقرى.(١)

٦. روى أبو هريرة ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والذي نفسي بيده ، لأذودن رجالاً عن حوضي ، كما تذاد الغريبة من الإبل عن الحوض.(٢)

بالله عليك يا ابن الجوزي من الذي يبخس حقوق الصحابة هل الشيعة أو الذين يروون عن النبي ارتدادهم بعد رحيله ، والمرتد خارج عن ربقة الإسلام ، كافر بالله ورسله وكتبه ، ضال مضلّ ملعون في الدنيا والآخرة؟!

نعم هناك فرق بين وصف ما ارتكبه بعض الصحابة من الأعمال المشينة وبين سبّهم ، فالسبّ يضاد روح الإسلام ، ولكن وصف الرجل بما له من الأعمال الحسنة والسيئة هو طريقة المحقّق المتحرّي للحقائق.

__________________

(١). أخرجه البخاري.

(٢). أخرجه البخاري ومسلم.

٦٥

عفا الله عنّا وعن ابن الجوزي حيث جرّنا إلى تحرير هذه الكلمات التي ربّما تعكر صفو المياه وترخي عرى الوحدة الإسلامية ، واستغفر الله لي وله.

٦٦

خاتمة المطاف

ما أشبه الليلة بالبارحة

وربما يتصوّر القارئ انّ ابن الجوزي رمى الشيعة بهذه التهم بعد ان لمسها بعينه وشاهدها. ولكن الغريب حقّاً انّه لم يعش مع الشيعة قط ليرى تلك الأُمور بأُمّ عينيه ، بل نقلها من كاتب متساهل هو ابن عبد ربّه الأندلسي في كتابه «العقد الفريد» دون أي تحقيق وتتبّع ، فإنّ الثاني سعى أن يشبّه الرافضة حسب تعبيره باليهود من جهات شتّى وكأنّهم هم اليهود ، وإليك نزراً ممّا اختلقه من التشبيه حيث قال:

١. الرافضة يهود هذه الأُمّة يبغضون الإسلام كما يبغض اليهود النصرانية ....(١)

__________________

(١). العقد الفريد : ٢ / ١٠٤.

٦٧

وكلامه هذا لا يوافق كلام صاحب الرسالة في حق شيعة علي حيث قال: أنت وشيعتك هم الفائزون ذكره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تفسير قوله: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) (١).(٢)

٢. محنة الرافضة محنة اليهود قالت اليهود لا يكون الملك إلّا في آل داود وقالت الرافضة لا يكون الملك إلّا في آل علي.(٣)

وهذا المورد بعينه كسائر الموارد اجترّه ابن الجوزي وأعاد ذكره في كتابه تقليداً لا تحقيقاً ، وغافلاً عن الحديث المتضافر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي رواه بضع وعشرون صحابياً حيث قال : «إنّي تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي: كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وانّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض». نقله ابن حجر في صواعقه عن بضع وعشرين

__________________

(١). البيّنة : ٧.

(٢). تفسير الدر المنثور في تفسير الآية.

(٣). العقد الفريد : ٢ / ١٠٤.

٦٨

صحابياً.(١)

٣. اليهود يؤخّرون صلاة المغرب حتّى تشتبك النجوم وكذلك الرافضة.

وقد سبق منّا الحديث عنه ، فلاحظ.

٤. اليهود لا ترى الطلاق الثلاث شيء وكذا الرافضة.

وقد سبق منّا الحديث عنه وانّ ما نسبه إلى الرافضة كان الأولى أن ينسبه إلى القرآن الكريم حيث إنّه سبحانه يقول: (الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) إلى أن يقول: (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ).(٢)

قال العلّامة الأميني: ومن جلية الحقائق انّ تحقّق المرتين أو الثلاث يستدعي تكرر وقوع الطلاق ، كما يستدعي تخلّل الرجعة بينهما أو النكاح ، فلا يقال للمطلّقة مرتين

__________________

(١). الصواعق المحرقة : ٢٢٨.

(٢). البقرة : ٢٢٩ ـ ٢٣٠.

٦٩

بكلمة واحدة أو في مجلس واحد إنّما طلقت مراراً ، كما إذا كان زيد أعطى درهمين لعمرو بعطاء واحد ، لا يقال إنّه أعطى درهمين مرّتين وهذا معنى يعرفه كلّ عربي صميم.(١)

٥. اليهود لا ترى على النساء عدّة وكذلك الرافضة.

٦. اليهود تستحل دم كلّ مسلم وكذا الرافضة.

٧. اليهود حرّفوا التوراة وكذلك الرافضة حرّفت القرآن.

٨. اليهود تبغض جبرئيل وتقول هو عدونا من الملائكة وكذلك الرافضة تقول : غلط جبرئيل في الوحي إلى محمد بترك علي بن أبي طالب.

٩. اليهود لا تأكل لحم الجزور وكذا الرافضة.

وجاء بعد ابن الجوزي شيخ البدع والضلالة ابن تيمية في «منهاج السنة» الذي هو أولى أن يسمّى منهاج البدعة ، فسار على منهاج سلفه فرأى أنّ ما افتعله أسلافه

__________________

(١). الغدير : ٣ / ١٢٣.

٧٠

شيئاً قليلاً فحاول أن يضيف عليها تهماً أُخرى ، فقال :

اليهود يستحلّون أموال الناس كلّهم وكذلك الرافضة.

اليهود تسجد على قرونها في الصلاة وكذلك الرافضة.

اليهود لا تسجد حتّى تخفق برءوسها مراراً تشبيهاً بالركوع وكذلك الرافضة.

اليهود يرون غش الناس وكذلك الرافضة.(١)

إلى غير ذلك من الخرافات والسفاسف ممّا لا يحتاج إلى النقد والرد لمن ألقى السمع وهو بصير.

ونمر على تلك السفاسف مرار الكرام ونقول :

(هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ*

تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ* يُلْقُونَ

السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ). (٢)

__________________

(١). منهاج السنة : ١ / ٧ ـ ٨.

(٢). الشعراء : ٢٢١ ـ ٢٢٣.

٧١

المباراة في نسج الكذب

قد زعم أبناء حزم والجوزي وتيمية ومن لفّ لفّهم في الافتراء على الشيعة ، أنّ لما نسجوه من الأكاذيب تأثيراً على العقول الحرّة. كلا إنّها كلمة هم قائلوها ومن ورائها من يناقشهم ويبدي عِوَارهم.

والسابر في كتب هؤلاء ومن سار في خطهم ، يقف على أنّ القوم يتبارون في نسج الأكاذيب على الشيعة ، وكأنّ أفضلَهم أكذبهم.

وإن كنت في شكّ من ذلك ، فاقرأ الفرية التي نقلها عبد الرحمن بن عبد السلام الصفوري الشافعي (المتوفّى ٨٩٤) في كتابه.(١)

__________________

(١). «نزهة المجالس» : ٢ / ١٩٥.

٧٢

قال: كنت مجاوراً بالمدينة المشرَّفة على مشرِّفها أفضل الصّلاة والسّلام فخرجت يوم عاشوراء الذي تجتمع فيه الإمامية في قبّة العباس وقد اجتمعوا في القبّة ، قال: فوقفت أنا على باب القبّة وقلت: أُريد في محبّة أبي بكر شيئاً فخرج إليّ شيخٌ منهم وقال: اجلس حتّى نفرغ ونعطيك ، فجلست حتّى فرغوا ثمّ خرج ذلك الرجل وأخذ بيدي ومضى بي إلى داره وأدخلني الدار وأغلق ورائي الباب وسلّط عليّ عبدين فكتّفاني وأوجعاني ضرباً ، ثمّ أمرهما بقطع لساني فقطعاه ، ثمّ أمرهما فحَلّا كتافي ، وقال: اخرج إلى الذي طلبتَ في محبّته ليردّ إليك لسانك.

قال: فخرجت من عنده إلى الحجرة الشريفة النبويّة وأنا أبكي من شدّة الوجع والألم فقلت في نفسي: يا رسول الله! قد تعلم ما أصابني في محبّة أبي بكر فإن كان صاحبك حقّاً؟

فأُحبّ أن يرجع إليّ لساني وبتُّ في الحجرة قلقاً من شدّة الألم فأخذتني سِنةٌ من النوم فنمت فرأيت في منامي انّ لساني قد عاد إلى حاله كما كان فاستيقظت فوجدته في فيَّ صحيحاً

٧٣

كما كان وأنا أتكلّم فقلت: الحمد لله الذي ردّ عليَّ لساني وازددتُ محبّةً في أبي بكر.

فلمّا كان العام الثاني في يوم عاشوراء اجتمعوا على عادتهم فخرجت إلى باب القبّة وقلت: أُريد في محبّة أبي بكر ديناراً ، فقام إليَّ شابٌّ عن الحاضرين وقال لي: اجلس حتّى نفرغ. فجلست فلمّا فرغوا خرج إليَّ ذلك الشابّ وأخذ بيدي ومضى بي إلى تلك الدار فأدخلني فيها ووضع بين يديَّ طعاماً.

ولمّا فرغنا قام الشابُّ وفتح عليَّ باباً على بيت في الدار وجعل يبكي فقمت لأنظر ما سبب بكائه فرأيت في البيت قرداً مربوطاً فسألته عن قضيَّته فزاد بكاءً فسكّنته حتّى سكن ، فقلت له: بالله أخبرني عن حالك فقال: إن حلفتَ لي أن لا تخبر أحداً من أهل المدينة أخبرتك ، فحلفت له.

فقال: اعلم أنّه أتانا في عام أوّل رجلٌ وطلب في محبّة أبي بكر شيئاً في قبّة العباس يوم عاشوراء فقام إليه أبي وكان من أكابر الإمامية والشيعة فقال له: اجلس حتّى نفرغ. فلمّا

٧٤

فرغوا أتى به إلى هذه الدار وسلّط عليه عبدين فضرباه ، وأمر بقطع لسانه فقطع ، وأخرجه فمضى لسبيله ولم نعرف له خبراً ، فلمّا كان الليل ونمنا صرخ أبي صرخة عظيمة فاستيقظنا من شدّة صرخته فوجدناه قد مسخه الله قرداً ففزعنا منه وأدخلناه هذا البيت وربطناه ، وأظهرنا للناس موته وهو ذا نبكي عليه بكرة وعشيّاً.

فقلت له: إذا رأيت الذي قطع أبوك لسانه تعرفه؟ قال: لا والله: فقلت: أنا هو والله ، أنا الذي قطع أبوك لساني ، وقصصت عليه القصّة فأكبّ عليَّ يقبِّل رأسي ويدي ثمّ أعطاني ثوباً وديناراً وسألني كيف ردّ الله عليَّ لساني؟ فأخبرته وانصرفت.

على هامش القصة

ربما يتصوّر ذوو التعصب والعقول الفارغة أنّ باستطاعتهم أن يُمرّروا أهدافهم الخبيثة من خلال نسج الأكاذيب وحوك الافتراءات ... وإلّا فأيّ إنسان يحترم عقله

٧٥

يصدّق مثل هذه الخرافة التي تفضح قبل كلّ شيء صانعها ، وتكشف عن خياله السقيم وذوقه الفاسد وعقله التافة.

وكان الأجدر بالصفوري (المؤلّف) أن يُفكِّر قليلاً قبل أن يسوّد صفحات كتابه ، بهذه القصة المختلقة ، ويكشف هو الآخر عن سذاجته وغفلته بتصديق مثل هذه الأكاذيب المفضوحة التي لم يقصد منها إلّا خداع البسطاء باستغلال عواطفهم ومشاعرهم الدينية من جهة ، وبإثارة النعرات الطائفية والإحن والأحقاد في نفوسهم من جهة أُخرى.

ولكن محاولات هذا الأفّاك البائس ، لم تنجح ، لأنّ القصة من التفاهة والسخف ، بحيث تبعث على الاشمئزاز والقَرف أكثر ممّا تثير العواطف ، وتستدرّ الشفقة على عقل صانعها وبائعها أكثر ممّا تدفع إلى الإعجاب والتقدير لهما ، ولا أعتقد أنّ لها سوقاً رائجة في دنيا العقول.

ونحن لم نسمع على طول الفترة التاريخية الممتدة من عصر موسى عليه‌السلام إلى يومنا هذا أنّ ثمة من مُسخ قرداً على الرغم من عِظَم الجرائم التي ارتكبت ، والفظائع التي اقتُرفت.

٧٦

وهذا الكوكب الذي نعيش عليه يضجّ بالقَتَلة والإرهابيين والجزّارين ، ولكننا لم نسمع أنّ أحداً منهم قد مُسخ قِرْداً أو خنزيراً ، فما بالُ هذا الإمامي الكبير (المجهول الاسم ، والذي لم يولد إلّا في خيال ذلك المعتوه) قد شذّ عن هؤلاء جميعاً؟!! وأي حظّ قاتم قد قدّر لهذا المسكين الذي لم يقطع إلّا لساناً واحداً؟!!

نعوذ بالله من سُبات العقل ، وقُبح الزّلل ، وبه نستعين.

فرية تلو فرية

نقل الشيخ إبراهيم العبيدي المالكي في «عمدة التحقيق» عن خاله الشيخ عليا المالكي: انّ الرافضي إذا أشرف على الموت يقلّب الله صورة وجهه وجه خنزير فلا يموت إلّا إذا مسخ وجهُه وجهَ خنزير ، ويكون ذلك للأُمّة على انّه مات على الرفض ، فيستبشرون بذلك الروافض ، وإن لم يقلب وجهه عند الموت يحزنون ويقولون انّه مات سنيّاً.(١)

__________________

(١). عمدة التحقيق : ٢٢٧.

٧٧

فرية تلو فرية تلو فرية

ذكر الجرداني في مصباح الظلام(١)شاهداً على هذه الفرية ، فقال: لما مات ابن منير(٢): خرج جماعة من شُبّان حلب يتفرجون ، فقال بعضهم لبعض: قد سمعنا انّه لا يموت أحد ممّن كان يسبُّ أبا بكر وعمر إلّا ويمسخه الله تعالى في قبره خنزيراً ، ولا شكّ انّ ابن منير كان يسبُّهما ، فأجمعوا رأيهم على المضي إلى قبره ، فمضوا ونبشوه فوجدوا صورته خنزيراً ووجهه منحرفاً عن جهة القبلة إلى جهة الشمال ، فأخرجوه من قبره ليشاهده الناس ، ثمّ بدا لهم أن يحرقوه فأحرقوه بالنار ، واعادوه في قبره ، وردوا عليه التراب وانصرفوا.

ولا نعلق على تلك الخرافة بل نحيل التعليق إلى وجدان القارئ الكريم.

__________________

(١) مصباح الظلام : ٢ / ٥٧ ، الحديث ٣٦٢.

(٢) ابن منير هو ابن الحسين مهذب الدين أحمد بن منير الطرابلسي (٤٧٣ ـ ٥٤٨) من أئمّة الأدب وفي الطبقة العليا من صاغة القريض ، له قصيدة في الغدير المعروفة بالتترية مطلعها :

عذبت طرفي السهر

واذبت قلبي بالفكر

٧٨

فهرس المحتويات

قراءة التاريخ من جديد............................................................ ٣

الافتراء علي الشيعة وأكابرهم...................................................... ٥

الافتراء علي هشام بن الحكم،بطل علم الكلام....................................... ٧

مختلقات ابن حزم والشهرستاني في حقّه.............................................. ٩

فرية الدكتور ناصر القفاري علي الإمام الخميني...................................... ١٣

الأكاذيب المفتعلة لابن تيمية..................................................... ١٤

كتاب الموضوعات لابن الجوزي................................................... ١٧

مضاعفات الافتراء علي الشيعة ونظرية الدكتور حسن بن فرحان المالكي ، فيه.......... ١٧

الكتب المؤلفة حول الأحاديث الموضوعة........................................... ٢٠

كتاب الموضوعات لابن الجوزي ، ووقفة قصيرة مع محققه............................. ٢٥

من أحاديث الغلو أو قصص الخرافة في حقّ الخليفة أبي بكر.......................... ٢٦

الأكاذيب العشرة التي افتعلها ابن الجوزي علي الشيعة ونقدها......................... ٣٠

١. قالت اليهود : لايصلح الملك إلّا في آل داود وقالت الرافضة لاتصلح الإمارة إلّا في آل علي ، ونقده   ٣١

٢. قالت اليهود : لاجهاد في سبيل الله ، قالت الرافضة :

٧٩

لا جهاد حتّى يخرج المهدي ، ونقده............................................. ٣٦

٣. اليهود تؤخرون صلاة المغرب حتّى تشبك النجوم وكذلك الرافضة ، ونقده........ ٣٩

٤. اليهود يولُّون عن القبلة شيئاً وكذلك الرافضة ، ونقده......................... ٤٠

٥. اليهود تسدل أبوابها وكذلك الرافضة ، ونقده................................. ٤٥

٦. اليهود حرّفوا التوراة وكذلك الرافضة حرّفوا القرآن ، ونقده...................... ٤٦

٧. اليهود تستحلون دم كلّ مسلم ، وكذلك الرافضة ، مع نقده................... ٥٠

٨. اليهود لا يرون طلاق الثلاث بشيء وكذلك الرافضة ، مع نقده................ ٥٢

٩. اليهود يبغضون جبرئيل وكذلك الرافضة ، مع نقده............................ ٥٨

١٠. التهمة العاشرة : صنف من اليهود والنصارى أفضل من الرافضة ، ونقده........ ٥٩

الصحاح والسنن تعجّ ،بقدح الصحابة وارتدادهم بعد رحيل الرسول................... ٦٣

اختلاس ابن الجوزي تكلم المفتعلات عن كتاب «العقد الفريد» لابن عبد ربه الأندلسي.. ٦٧

المباراة في نسج الكذب.......................................................... ٧٢

لايموت رافضيّ إلّا مُسخ خنزيراً................................................... ٧٧

٨٠