ظاهرة الافتراء على الشيعة عبر التاريخ

الشيخ جعفر السبحاني

ظاهرة الافتراء على الشيعة عبر التاريخ

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٨٠

قد وردت الروايات انّ من توجّه إلى القبلة من أهل العراق والمشرق قاطبة ، فعليه أن يتياسر قليلاً ليكون متوجّهاً إلى المسجد الحرام.(١)

وقال المحقّق في «الشرائع»: وأهل العراق ومن والاهم يجعلون الفجر على المنكب الأيسر ، والمغرب على الأيمن ، والجدي على محاذي خلف المنكب الأيمن ، وعين الشمس عند زوالها على الحاجب الأيمن ، ويستحب لهم التياسر إلى يسار المصلّي منهم قليلاً.(٢)

قال ابن فهد الحلي في شرحه على النافع المختصر : حضر المحقّق الطوسي(٣) ذات يوم حلقة درس المحقّق رحمه‌الله بالحلّة ، فقطع المحقّق الدرس تعظيماً له وإجلالاً لمنزلته ، فالتمس منه الخواجة إتمام الدرس ، فجرى البحث في مسألة استحباب التياسر للمصلّي بالعراق ، فأورد المحقّق الخواجة

__________________

(١). نهاية الشيخ : ٦٣ ، باب معرفة القبلة وأحكامها.

(٢). شرايع الإسلام : ١ / ٦٦.

(٣). يريد نصير الدين الطوسي.

٤١

بأنّه لا وجه لهذا الاستحباب ، لأنّ التياسر إن كان من القبلة إلى غير القبلة فهو حرام وإن كان من غيرها إليها فهو واجب.

فأجاب المحقّق بأنّه من القبلة إلى القبلة ، فسكت الخواجة ، ثمّ إنّ المحقّق ألّف رسالة لطيفة في المسألة وأرسلها إلى المحقّق الطوسي فاستحسنها.(١)

وحاصل الجواب: منع الحصر بل التياسر في نفس القبلة ، ولا مانع من أن يختصّ بعض جهات القبلة بمزيد الفضيلة على بعض ، أو يكون الانحراف لأجل الاستظهار ، بسبب الانحراف ، والثاني هو الأظهر كما يظهر من الرواية وانّه لأجل تحصيل اليقين باستقبالها.

توضيحه: انّ لفقهائنا قولين:

أحدهما : انّ الكعبة قبلة لمن كان في الحرم ومن خرج عنه ، والتوجّه إليها متعيّن على التقديرات ، فعلى هذا لا معنى للتياسر أصلاً.

__________________

(١). روضات الجنان : ٢ / ١٨٨.

٤٢

ثانيهما : انّها قبلة لمن كان في المسجد ، والمسجد قبلة لمن كان في الحرم ، والحرم قبلة لمن خرج عنه ، وعلى هذا ، فالآفاقي لا يتوجّه إلى الكعبة بل إلى الحرم ، حتّى أنّ استقبال الكعبة في الصف المتطاول متعذّر لأنّ عنده جهة كل واحد من المصلّين ، غير جهة الآخر ، إذ لو خرج من وجه كل واحد منهم خط مواز ، للخط الخارج من وجه الآخر ، لخرج بعض تلك الخطوط عن ملاقاة الكعبة ، فحينئذٍ يسقط اعتبار الكعبة بانفرادها في الاستقبال ، ويعود الاستقبال مختصّاً باستقبال ما اتّفق من الحرم.(١)

ثمّ إنّ القول باستحباب التياسر شيئاً طفيفاً مبني على هذا القول. ووجهه ما روي عن الإمام الصادق عليه‌السلام وقد سُئل عن سبب التحريف عن القبلة ذات اليسار؟ فقال: «إنّ الحرم عن يسار الكعبة ثمانية أميال وعن يمينها أربعة أميال ، فإذا انحرف ذات اليمين خرج عن حدّ القبلة وإن انحرف

__________________

(١). المهذب البارع : ١ / ٣١٣ ـ ٣١٤.

٤٣

ذات اليسار لم يكن خارجاً عن القبلة».(١)

وهذا الحديث يؤذن بأنّ المقابلة قد يحصل معها احتمال الانحراف.

وقد عرفت أنّ المسألة اختلافية وأنّ التياسر مبنيّ على كون الحرم هو القبلة للآفاقي ، وهذا أمر مختلف فيه ، ولأجل ذلك استشكل فيه غير واحد من الفقهاء ، منهم المحقّق الأردبيلي ، فمن أراد التفصيل فلينظر «مجمع الفائدة والبرهان».(٢)

وعلى كلّ تقدير فهل يصحّ لمؤرّخ موضوعي أن يتّهم الشيعة بهذه التهمة ويلحقهم باليهودية مع أنّك عرفت أنّ المسألة لها جذور في الحديث والفقه ، وأنّها اختلافية حسب اختلاف الرؤى في القبلة وانّ لها وجهاً علمياً قابلاً للتدبّر.

__________________

(١). من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٧٨ ، الحديث ٢ ، الباب ٤٢ من أبواب القبلة.

(٢). مجمع الفائدة والبرهان : ٢ / ٧١ ـ ٧٤.

٤٤

التهمة الخامسة :

اليهود تسدل أبوابها وكذلك الرافضة.

هكذا في النسخة المطبوعة في دار الفكر ، ويحتمل أن يكون مصحّف : تسد ، والظاهر انّ مراد ابن الجوزي اتّهام الشيعة بالبخل حيث يسدّون أبوابهم ، أو يسدلون الستار لئلّا يدخل عليهم أحد فيأكل على مائدتهم.

وهل ابن الجوزي جرّب ذلك في عامّة ربوع الأرض التي تقطن فيها الشيعة أو جرّبها في مورد دون مورد؟!

وهل تكون هذه التجربة الناقصة حجّة على الكلّ؟! ولعمر الحقّ انّ كلامه هذا أشبه بالمهزلة ، فإنّ طائفة الشيعة من أسخى الطوائف حيث يوقفون الأموال الطائلة ويبذلونها بين الفقراء ، ويساهمون في المشاريع الخيرية أكثر من سائر الطوائف ، والشاهد عليه انّهم يعطون كلّ سنة خمس أرباحهم إلى إمامهم لصرفه في الأُمور الخيرية وترويج الشريعة إلى غير ذلك.

٤٥

ولو حاول ابن الجوزي أن يعرف البخلاء والسفهاء ، فعليه أن يرجع إلى كتاب «البخلاء» للجاحظ وهو وابن الجوزي كلاهما صنوان من أصل واحد ، فعند ذلك يعرف من البخيل هل هم الشيعة أو غيرهم؟!

التهمة السادسة :

اليهود حرّفوا التوراة وكذلك الرافضة حرّفوا القرآن.

اتّفق المسلمون على أنّ القرآن الموجود بين أيدينا هو القرآن المنزل على قلب سيّد المرسلين دون أن يكون فيه نقص أو زيادة ، ولم يخالف في ذلك إلّا شُذّاذ من الفريقين حيث تمسّكوا بروايات ضعيفة تنتهي إلى الضعاف.

وقد ذهب مشايخ الشيعة تبعاً لأئمتهم إلى عدم طروء النقص والتحريف على القرآن الكريم وذلك بالبيان التالي:

إنّ القرآن الكريم كان موضع عناية للمسلمين من أوّل يوم أُتُوا به ، فقد كان المرجع الأوّل لهم فيهتمون به قراءة

٤٦

وحفظاً ، كتابة وضبطاً ، فتطرق التحريف إلى مثل هذا الكتاب لا يمكن إلّا بقدرة قاهرة حتّى تتلاعب بالقرآن بالنقص ، ولم يكن للأمويّين ولا للعباسيّين تلك القدرة القاهرة ، لأنّ انتشار القرآن بين القرّاء والحفّاظ ، وانتشار نُسَخِه على صعيد هائل قد جعل هذه الأمنية الخبيثة في عداد المحالات.

إنّ للسيد الشريف المرتضى بياناً في المقام نأتي بنصه ، يقول : إنّ العلم بصحّة نقل القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار ، والوقائع العظام ، والكتب المشهورة وأشعار العرب المسطورة ، فإنّ العناية اشتدت والدواعي توفّرت على نقله وحراسته ، وبلغت إلى حد لم يبلغه غيره ، لأنّ القرآن معجزة النبوة ، ومأخذ العلوم الشرعية والأحكام الدينية ، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية ، حتّى عرفوا كلّ شيء اختلف فيه من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته ، فكيف يجوز أن يكون مغيّراً ومنقوصاً مع العناية الصادقة والضبط الشديد؟!

٤٧

قال: والعلم بتفسير القرآن وأبعاضه في صحّة نقله كالعلم بجملته ، وجرى ذلك مجرى ما علم ضرورة من الكتب المصنّفة ككتاب سيبويه والمُزني ، فإنّ أهل العناية بهذا الشأن يعلمون من تفصيلهما ما يعلمونه من جملتهما ، ومعلوم أنّ العناية بنقل القرآن وضبطه أصدق من العناية بضبط كتاب سيبويه ودواوين الشعراء.(١)

هذا وانّ علماء الشيعة الذين هم المراجع في العقائد والأحكام صرحوا ببطلان التحريف من لدن عصر الفضل بن شاذان (المتوفّى ٢٦٠ ه‍) إلى يومنا هذا ، وقد ذكرنا نصوصهم في كتاب مصادر الفقه الإسلامي ومنابعه.(٢)

كما أجبنا في ذلك الكتاب عن الشبهات التي صارت سبباً لاحتمال طروء التحريف إلى القرآن الكريم.

نعم ، توجد في كتب الفريقين روايات يستشم منها طروء التحريف ، وهي لا تختصّ بفرقة دون أُخرى ، هذا هو

__________________

(١). مجمع البيان : ١ / ١٥ نقلاً عن السيّد المرتضى.

(٢). مصادر الفقه الإسلامي ومنابعه : ٤٩ ـ ٥٢.

٤٨

الإمام البخاري ينقل في صحيحه:

خطب عمر عند منصرفه من الحجّ وقال: إيّاكم أن تهلكوا عن آية الرجم ، يقول قائل لا نجد حدّين في كتاب الله ، فقد رجم رسول الله ورجمنا ، والذي نفسي بيده لو لا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله تعالى لكتبتها : «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة» فأنا قد قرأناها.(١)

وبما انّا قد استوفينا الكلام في هذا الموضوع نقتصر على ذلك المقدار ، فمن أراد التفصيل فعليه الرجوع إلى المصادر التالية.(٢) هذا وقد ألّف غير واحد من أصحابنا رسائل خاصة في هذا الموضوع ، نخصّ بالذكر:

١. «آلاء الرحمن» للشيخ الحجة البلاغي.

٢. «البيان في تفسير القرآن» للعلّامة الحجّة السيد أبو القاسم الخوئي.

__________________

(١). صحيح الباخري : ٨ / ٢٠٨ ـ ٢١١.

(٢). مصادر الفقه الإسلامي ومنابعه : ٣٢ ـ ٧٨ ؛ ارشاد العقول : ١ / ١٣٧ ـ ١٥٢.

٤٩

٣. «الميزان في تفسير القرآن» (سورة الحجر) للعلّامة الطباطبائي.

٤. صيانة القرآن عن التحريف ، تأليف المحقّق المعاصر محمد هادي معرفة.

التهمة السابعة :

اليهود يستحلّون دم كلّ مسلم وكذلك الرافضة.

اللهم ما أجرأه على الفرية والافتعال! ما أجرأه على الكذب وإلصاق التهم بشيعة آل البيت الذين يقتدون بالنبي وأهل بيته في كلّ جليل ودقيق!

وهذا هو إمام الشيعة بل إمام المسلمين جعفر الصادق عليه‌السلام يقول: «الإسلام شهادة أن لا إله إلّا الله ، والتصديق برسول الله ، به حقنت الدماء ، وعليه جرت المناكح والمواريث».(١)

__________________

(١). بحار الأنوار : ٦٨ / ٢٤٨ ، الحديث ٣.

٥٠

وروى التميمي عن الإمام الرضا عليه‌السلام ، عن آبائه ، عن علي عليه‌السلام قال: قال النبي: «أُمرت أن أُقاتل الناس حتّى يقولوا لا إله إلّا الله ، فإذا قالوها فقد حرم عليّ دماؤهم وأموالهم».(١)

وروى البرقي مسنداً عن الإمام الصادق عليه‌السلام أنّه قال: «الإسلام يحقن به الدم ، وتؤدّى به الأمانة ، ويستحلّ به الفرج ، والثواب على الإيمان».(٢)

وهذه كتب الشيعة في العقائد والفقه مشحونة بذكر أركان الإيمان وهي التوحيد والرسالة والمعاد ، فمن آمن بها فهو مسلم محقون الدم وله من الأحكام ما لسائر المسلمين ، وبما انّ المسألة من البداهة بوضوح نطوي الكلام عنها ، ومن أراد التفصيل فعليه أن يرجع إلى كتاب «الإيمان والكفر على ضوء الكتاب والسنّة» بقلم المؤلّف.

__________________

(١). البحار : ٦٨ / ٢٤٢.

(٢). البحار : ٦٨ / ٢٤٣.

٥١

التهمة الثامنة :

اليهود لا يرون طلاق الثلاث بشيء وكذلك الرافضة.

نحن لا نتكلم فيما نسبه إلى اليهود ، لأنّ القضاء فيه رهن الوقوف على أحكامهم ، غير أنّ ما نسبه إلى الشيعة صحيح ، ولكنّهم لا يقيمون وزناً للطلاق الثلاث تبعاً للكتاب والسنّة ويرون من يقول بها ، منحرفاً عن المصدرين.

إنّ الكتاب والسنّة يدلّان على بطلان الطلاق ثلاثاً وانّه إمّا باطل أو لا يحسب إلّا طلاقاً واحداً ، إذ يجب أن تكون الطلقة واحدة بعد الأُخرى يتخلّل بينها رجوع أو نكاح ، فلو طلق ثلاثاً مرّة واحدة أو كرر الصيغة في مجلس واحد فلا يقع الثلاث وعند بعضهم يقع طلاقاً واحداً.

ثمّ إنّ الاستدلال على المسألة عن طريق الكتاب والسنّة خارج عن وضع الرسالة ، وقد أشبعنا البحث فيها في كتاب «الاعتصام بالكتاب والسنّة» ، غير انّنا نذكر طائفة من الروايات النبوية ليتّضح من خلالها انّ الشيعة لا تميل عن

٥٢

السنّة قيد شعرة.

١. أخرج النسائي عن محمود بن لبيد ، قال : أخبر رسول الله عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعاً ، فقام غضبان ثمّ قال : «أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم؟!» حتّى قام رجل وقال: يا رسول الله ألا أقتله؟(١)

إنّ محمود بن لبيد صحابي صغير وله سماع ، روى أحمد باسناد صحيح عنه ، قال: أتانا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصلّى بنا المغرب في مسجدنا فلما سلم منها قال: اركعوا هاتين الركعتين في بيوتكم للسبحة بعد المغرب.(٢)

٢. روى ابن إسحاق ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال: طلّق «ركانة» زوجته ثلاثاً في مجلس واحد ، فحزن عليها حزناً شديداً ، فسأله رسول الله : «كيف طلّقتها؟» قال: طلّقتها ثلاثاً في مجلس واحد. قال: «إنّما تلك طلقة واحدة

__________________

(١). سنن النسائي : / ١٤٢ ؛ الدّر المنثور للسيوطي : ١ / ٢٨٣

(٢). مسند أحمد بن حنبل : ٥ / ٤٢٨.

٥٣

فارتجعها».(١)

٣. أخرج الإمام أحمد باسناد صحيح عن ابن عباس ، قال: طلّق «ركانة» بن عبد يزيد أخو بني مطلب امرأته ثلاثاً في مجلس واحد ، فحزن عليها حزناً شديداً ، قال : فسأله رسول الله : «كيف طلّقتَها؟» قال: طلّقتها ثلاثاً ، قال ، فقال: «في مجلس واحد؟» قال: نعم ، قال: «فإنّما تلك واحدة فأرجعها إن شئت» ، قال: فارجعها ، فكان ابن عباس يرى انّما الطلاق عند كلّ طهر.(٢)

الاجتهاد مقابل النصّ :

التحق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالرفيق الأعلى وقد حدث بين المسلمين اتّجاهان مختلفان ، وصراعان فكريّان ، فعلي عليه‌السلام ومن تبعه من أئمّة أهل البيت كانوا يحاولون التعرّف على الحكم الشرعي من خلال النصّ الشرعي آية ورواية ولا يعملون

__________________

(١). بداية المجتهد : ٢ / ٦١.

(٢). مسند أحمد بن حنبل : ١ / ٢٦٥.

٥٤

برأيهم أصلاً ، وفي مقابلهم لفيف من الصحابة يستخدمون رأيهم للتعرّف على الحكم الشرعي من خلال التعرّف على المصلحة ووضع الحكم وفق متطلباتها.

وعلى ضوء ذلك فالتاريخ يشهد بأنّ أوّل من ترك النص وأخذ بالاجتهاد في هذه المسألة هو عمر بن الخطاب ، وقد صارت البدعة بمرور الزمان سنّة والسنّة بدعة ، وإن كنت في شك من ذلك فاقرأ هذه النصوص:

١. أخرج مسلم عن ابن عباس ، قال : كان الطلاق على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر : طلاق الثلاث واحدة ، فقال عمر بن الخطاب: إنّ الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة ، فلو أمضيناه عليهم ، فأمضاه عليهم.(١)

٢. أخرج مسلم عن ابن طاوس عن أبيه: انّ أبا الصهباء قال لابن عباس: أتعلم أنّما كانت الثلاث تجعل

__________________

(١). صحيح مسلم : ٤ ، باب الطلاق ثلاث ، الحديث ١ ـ ٣.

٥٥

واحدة على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر وثلاثاً من خلافة عمر؟ فقال: نعم.(١)

٣. وأخرج مسلم أيضاً : انّ أبا الصهباء قال لابن عباس: هات من هناتك ، ألم يكن الطلاق الثلاث على عهد رسول الله وأبي بكر واحدة؟ قال: قد كان ذلك ، فلمّا كان في عهد عمر تتابع الناس في الطلاق فأجازه عليهم.(٢)

٤. أخرج البيهقي ، قال: كان أبو الصهباء كثير السؤال لابن عباس ، قال: أما علمت أنّ الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثاً قبل أن يدخل بها ، جعلوها واحدة على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر وصدراً من إمارة عمر فلمّا رأى الناس قد تتابعوا فيها ، قال: أجيزوهن عليهم.(٣)

فأيّ الفريقين ـ يا ابن الجوزي ـ أحقّ بالأمن ، أمّن يتّبع السنّة اللّاحبة والطريق المهيع أو مَن يجتهد أمام النص؟! والله

__________________

(١) و (٢). المصدر السابق.

(٣). سنن البيهقي : ٧ / ٣٣٩ ؛ الدر المنثور للسيوطي : ١ / ٢٧٩.

٥٦

سبحانه يقول: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).(١)

وقد حاول غير واحد من المتفقّهة أن يبرّروا فتوى الخليفة أمام الكتاب والسنّة ولكن خابت محاولاتهم ، فهذا هو ابن قيم الجوزية أحد المتحمّسين في الدفاع عن الخليفة في هذه الفتيا يقول : لم نجد بداً من القول بأنّ المصلحة في زماننا هذا على عكس ما كان عليه زمن الخليفة ، وانّ تصحيح التطليق ثلاثاً ، جرّ الويلات على المسلمين في أجوائنا وبيئاتنا وصار سبباً لاستهزاء الأعداء بالدين وأهله ، وانّه يجب في زماننا هذا الأخذ بنصّ الكتاب والسنّة ، وهو انّه لا يقع منه إلّا واحد.(٢)

__________________

(١). الحجرات : ١.

(٢). اعلام الموقعين عن ربّ العالمين : ٣ / ٣٦.

٥٧

التهمة التاسعة :

اليهود يبغضون جبرئيل ويقولون هو عدونا من الملائكة ، وكذلك الرافضة يقولون غلط بالوحي.

لا شكّ انّ اليهود يبغضون جبرئيل وغيره بنصّ القرآن الكريم ، قال سبحانه: (قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ).(١)

وأمّا سبب عدائهم لجبرئيل فقد فصّل الكلام فيه فخر الدين الرازي في تفسيره ، ومن أسباب عدائهم زعمهم انّ أمين الوحي جبرئيل خان حيث أُمر أن يجعل النبوة فينا [اليهود] فجعلها في غيرنا.(٢)

وهذا يعرب عن أنّ مسألة «خان الأمين» فكرة يهودية قد أخذها عدو آل البيت من اليهود ونسبها إلى الشيعة أو إلى الرافضة على حدّ تعبير ابن الجوزي ، والشيعة براء من هذه

__________________

(١). البقرة : ٩٧.

(٢). تفسير فخر الرازي : ٢ / ١٩٥.

٥٨

التهمة ، فلا تجد أي أثر لهذه الفرية في كتبهم.

ومن هوان الدنيا على الكاتب الإسلامي ـ كابن الجوزي ـ أن يعتمد على أُسطورة تاريخية لاكتها اليهود فيأخذها من يد اليهود وينسبها إلى شيعة آل البيت الذين ليس لهم ذنب سوى حبهم لأهل البيت عليهم‌السلام الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.

التهمة العاشرة :

فضلت صنف من اليهود أو النصارى على الرافضة بخصلتين سُئلت اليهود مَنْ خيرُ أهل ملّتكم ، قالوا : أصحاب موسى. وسئلت النصارى ، فقالوا : أصحاب عيسى ، وسئلت الرافضة من شرّ أهل ملّتكم ، فقالوا حواريّ محمد ، وأُمروا بالاستغفار لهم فسبّوهم.

إنّ هذا الكلام يشتمل على فريتين:

الأُولى: سألت الرافضة من شرّ أهل ملّتكم ، فقالوا : حواري محمد.

٥٩

الثانية: أمروا بالاستغفار لهم فسبّوهم.

أمّا الأُولى فهي فرية شائنة لا تجد أيَّ سند لها في كتب الشيعة ، فإنّ لصحابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند الشيعة منزلة خاصة لأنّهم رأوا نور الوحي واستضاءوا به وآمنوا بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونصروه.

وهذا هو إمام الشيعة علي أمير المؤمنين عليه‌السلام يصف الصحابة بقوله:

١. لقد رأيت أصحاب محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فما أرى أحداً يُشبههم منكم ، لقد كانوا يُصبحون شُعثاً غبراً ، وقد باتوا سُجّداً وقياماً ، يراوحون بين جباههم ، وخدودهم ، ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم! كأنّ بين أعينهم رُكب المِعْزى من طول سجودهم! إذا ذكر الله هملت أعينهم حتّى تبلّ جيوبهم ، ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف خوفاً من العقاب ورجاءً للثواب.(١)

__________________

(١). نهج البلاغة : الخطبة ٩٧.

٦٠