ظاهرة الافتراء على الشيعة عبر التاريخ

الشيخ جعفر السبحاني

ظاهرة الافتراء على الشيعة عبر التاريخ

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٨٠

ويحتوي صحيح البخاري في الخالص بلا تكرار على ألفي حديث وسبعمائة وواحد وستين حديثاً اختاره من زهاء ستمائة ألف حديث.(١)

وفي صحيح مسلم أربعة آلاف حديث أُصول دون المكررات صنّفه من ثلاثمائة ألف.(٢)

وذكر أحمد بن حنبل في مسنده زهاء ثلاثين ألف حديث وقد انتخبه من أكثر من سبعمائة وخمسين ألف حديث ، وكان يحفظ ألف ألف حديث.(٣)

وكتب أحمد بن الفرات (المتوفّى ٢٥٨ ه‍) ألف ألف وخمسمائة ألف حديث ، فأخذ من ذلك ثلاثمائة ألف في التفسير والأحكام والفوائد وغيرها.(٤)

__________________

(١). إرشاد الساري : ١ / ٢٨ ؛ صفة الصفوة : ٤ / ١٤٣.

(٢). المنتظم لابن الجوزي : ٥ / ٣٢ ؛ طبقات الحفاظ : ٢ / ١٥١ ، ١٥٧ ؛ شرح صحيح مسلم للنووي : ١ / ٣٢.

(٣). طبقات ذهبى : ٢ / ١٧.

(٤). الغدير : ٥ / ٢٩٢ ـ ٢٩٣.

٢١

ثمّ إنّ أسباب الوضع مختلفة ، نذكر منها ما يلي :

١. فسح المجال للأحبار والرهبان لنقل ما في الكتب المحرّفة إلى الساحة الإسلامية ، فقد نشروا بدعاً يهودية وسخافات مسيحية وأساطير مجوسية بين المسلمين ، وتلقّاها المحدّثون حقائق راهنة ، ونقلوها في كتب الحديث جيلاً بعد جيل.

٢. التجارة بالحديث ، فقد وضعوا أحاديث للتزلّف إلى أهل الدنيا والطمع بها ، ترى ذلك في الفضائل الموضوعة في حقّ الخلفاء ، ولا سيّما معاوية ومن بعده.

٣. وضع الحديث لنصرة المذهب ، فقد افتعلوا أكاذيب على لسان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مناقب أئمتهم ، فهناك مناقب حكيت في أبي حنيفة(١) ، وأُخرى في حقّ الإمام مالك(٢) ، وثالثة حول الإمام أحمد (٣) ، كما حكيت في حقّ الإمام

__________________

(١) تاريخ بغداد : ٢ / ٢٨٩.

(٢) ابن الحوت : أسنى المطالب : ١٤.

(٣) مناقب أحمد : ٤٥٥.

٢٢

الشافعي(١) ، وكأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تنبّأ بأنّ الأُمّة الإسلامية ستفترق إلى مذاهب أربعة فقهية لا غير ، فأخذ بتعريفهم قبل قرنين أو أكثر.

وهناك دواع أُخرى للوضع تركنا التعرض لها.

ولأجل ذلك قام غير واحد من المحدّثين بجمع الأخبار الضعاف والموضوعات ، وقد جمعوا اليسير منها نشير إلى بعضها :

أ. «الموضوعات» : لمؤلّفه أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (٥١٠ ـ ٥٩٧ ه‍) ، طبع مرّتين في ثلاثة أجزاء.

ب. «المقاصد الحسنة في كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة» : للشيخ أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن السخاوي (المتوفّى ٩٠٢ ه‍) ، رتّبه على حروف أوائل الحديث.

ج. «اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة» : للإمام جلال الدين عبد الرحمن السيوطي (٨٤٨ ـ ٩١١ ه‍).

__________________

(١). أسنى المطالب:١٤

٢٣

د. «تمييز الطيب من الخبيث مما يدور على ألسنة الناس من الحديث» : لعبد الرحمن بن علي الشيباني الشافعي (٨٦٦ ـ ٩٤٤ ه‍).

ه. «سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة» تأليف محمد ناصر الدين الألباني المعاصر في ٥ أجزاء ، كلّ جزء يشتمل على ٥٠٠ حديث ، تحدّث عن أسانيدها وحكم عليها بالضعف أو النكارة أو الوضع أو البطلان ، ولكنّه ليس منصفاً في قضائه حيث يميل إلى التجسيم والنصب.

ولعلّ هناك كتباً أُخرى أُلّفت في هذا المضمار لم نطّلع عليها.

والذي دعانا إلى تحرير هذه الرسالة الموجزة هو ما وقفنا عليه في كتاب «الموضوعات» لابن الجوزي من التحامل على الشيعة ، وهو بصدد تمحيص الصادق عن الكاذب ، فنسب إلى الشيعة أُموراً هم بُرآء منها مع أنّه كان يعيش في بغداد وكانت العاصمة (بغداد) يومذاك معقل الشيعة وفيها فطاحل الأُمّة.

٢٤

والحقّ انّ سيرة المؤلّف في كتبه وآثاره لم تكن على وتيرة واحدة ، فكتابه «المنتظم» في عشرين جزءاً ، من أفضل الآثار في تنظيم حياة العلماء والفقهاء وغيرهم من الأعاظم ، ولكنّه في كتابه «مناقب أحمد بن حنبل» ـ لأجل نصرة مذهبه وإعلاء شأن إمامه ـ تشبّث بأضغاث الأحلام واستدلّ بها ، وعلى ضوء ذلك فلا عجب في أن ينسب في كتاب «الموضوعات» أُموراً تافهة إلى الشيعة ، ليست لها مسحة من الحقّ ولا لمسة من الصدق.

وقفة قصيرة مع محقّق الكتاب

وقبل أن نناقش التُّهَم التي رمى بها الشيعة ، نشير إلى ما ذكره محقّق كتاب «الموضوعات» في مقدّمته حيث قال:

من أمثال ما وضعوه في مناقب علي (رض) من الأحاديث المكذوبة التي هي في مرتبة دون مراتب الغلو والإطراء الشركي ، التي غلوا بها فيه ، ثمّ ذكر أحاديث عشرة من الموضوعات في حقّ الإمام على حسب زعمه.

٢٥

نحن لا نناقش موقف الرجل حول حال هذه الروايات وهل هي موضوعات أو لا؟ إنّما نركّز على أمر واحد ، هل الموضوعات في مجال المناقب مختصة بحقّ الإمام علي عليه‌السلام ، أو أنّها تعمّ الخلفاء الأربعة والعشرة المبشّرة وغيرهم من الأُمويّين والعباسيّين؟ فإذا كان الحال كذلك فلما ذا اقتصر على الأوّل ولم يشر حتّى إلى شيء طفيف من الموضوعات في حقّ غيره؟! وما هذا إلّا أنّ الرجل في منأى عن حب أهل البيت لو لم نقل انّ فيه روح النصب.

وهانحن نذكر نموذجاً واحداً من الموضوعات ، وإن شئت قلت : من أحاديث الغلو أو قصص الخرافة في حقّ الخليفة أبي بكر ذكره الشيخ إبراهيم العبيدي المالكي في كتابه «عمدة التحقيق في بشائر آل الصديق»(١) كما نقله غيره.(٢)

__________________

(١). ص ١٨٤ هامش روض الرياحين لليافعي المطبوع بمصر ، سنة ١٣١٥ ه‍.

(٢). لاحظ نزهة المجالس : ١٨٤ ؛ الغدير : ٧ / ٢٣٧.

٢٦

روي انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال يوماً لعائشة: إنّ الله تعالى لمّا خلق الشمس خلقها من لؤلؤة بيضاء بقدر الدنيا مائة وأربعين مرة وجعلها على عجلة ، وخلق للعجلة ثمانمائة وستّين عروة ، وجعل في كلّ عروة سلسلة من الياقوت الأحمر ، وأمر ستّين ألفاً من الملائكة المقرَّبين أن يجرّوها بتلك السلاسل مع قوّتهم التي اختصّهم الله بها ، والشمس مثل الفلك على تلك العجلة وهي تدور في القبّة الخضراء ، وتجلو جمالها على أهل الغبراء ، وفي كلّ يوم تقف على خطّ الاستواء فوق الكعبة ، لأنّها مركز الأرض وتقول: يا ملائكة ربّي إنّي لأستحي من الله عزوجل إذا وصلت إلى محاذاة الكعبة التي هي قبلة المؤمنين أن أجوز عليها ، والملائكة تجرّ الشمس لتعبر على الكعبة بكلّ قوّتها فلا تقبل منهم وتعجز الملائكة عنها ، فالله تعالى يوحي إلى الملائكة وحي إلهام فينادون: أيّها الشمس بحرمة الرّجل الذي اسمه منقوش على وجهك المنير إلّا رجعت إلى ما كنت فيه من السير. فإذا سمعت ذلك تحرّكت بقدرة المالك.

٢٧

فقالت عائشة رضي الله عنها : يا رسول الله! من هو الرَّجل الذي اسمه منقوش عليها؟ قال: هو أبو بكر الصدِّيق يا عائشة! قبل أن يخلق الله العالم ، علم بعلمه القديم أنّه يخلق الهواء ، ويخلق على الهواء هذه السماء ، ويخلق بحراً من الماء ، ويخلق عليه عجلة مركباً للشمس المشرقة على الدنيا ؛ وإنّ الشمس تتمرّد على الملائكة إذا وصلت إلى الاستواء ، وإنّ الله تعالى قدّر أن يخلق في آخر الزمان نبيّاً مفضَّلاً على الأنبياء وهو بعلك يا عائشة! على رغم الأعداء ، ونقش على وجه الشمس اسم وزيره ، أعني: أبا بكر صدّيق المصطفى ، فإذا أقسمت الملائكة عليها به زالت الشمس ، وعادت إلى سيرها ، بقدرة المولى ، وكذلك إذا مرّ العاصي من أُمّتي على نار جهنّم وأرادت النار على المؤمن أن تهجم ، فلحرمة محبة الله في قلبه ونقش اسمه على لسانه ترجع النار إلى ورائها هاربة ، ولغيره طالبة.

قال العلّامة الأميني: هناك مسألة لا أدري من المجيب عنها ، وهي انّ إرادة الله الفائقة على كلّ قوّة جامحة ، وهي تمسك السماء بغير عمد ترونها وتسير الجبال تحسبها جامدة

٢٨

وهي تمر مرّ السحاب صنع الله الذي أتقن كلّ شيء ، لِمَ لم تقم مقام أولئك المسخِّرين لجرِّ الشمس حتى لا يوقفها تمرد ، ولا تحتاج إلى عُرى وسلاسل أو الإقسام بمن كتب اسمه عليها؟! وما الذي أحوج المولى سبحانه في تسيير الشمس إلى هذه الأدوات من العجلة والعرى والسلاسل وخلق أُولئك الجم الغفير من الملائكة واستخدامهم بالجر الثقيل ، وهو الذي إذا أراد شيئاً أن يكون يقول له: كن فيكون؟!

ثمّ إنّ الشمس هلّا كانت تعلم أنّ إرادة الله سبحانه ماضية عليها يجريها إلى الغاية المقصودة ، فما هذا التوقّف والتمرّد والله تعالى أعلم بعظمة الكعبة وشرفها منها وقد جعلها في خطة سيرها ، أنّى للشمس أن تجهل بها؟! وهي الشاعرة بخط الاستواء ومحاذاة الكعبة ووصولها إلى تلك النقطة المقدّسة وهي العارفة لمقامات الصديق وان اسمه منقوش عليها ، وانّ من واجبها أن تنقاد ولا تجمح على من أقسم به عليها.(١)

__________________

(١). الغدير : ٧ / ٢٣٩.

٢٩

أقول: أو ما كان في وسع المحقّق أن يشير إلى شيء قليل من هذه الموضوعات أو قصص الخرافة في حقّ أبي بكر أو في غيره من الخلفاء الثلاث في جانب ما ذكره من الأحاديث الموضوعة في حقّ عليّ عليه‌السلام حتى يكون في قضائه موضوعياً؟!

فلنرجع إلى ما هو المقصود من وضع هذه الرسالة؟

* * *

عقد ابن الجوزي فصلاً في فضائل أبي بكر الموضوعة ، كما عقد مثل هذا الفصل في حقّ عمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، وأخيراً عقد فصلاً في باب فضائل علي. وذكر في هذا الفصل ما لا يصحّ عنده من الفضائل في حقّ علي ، ونحن نمرّ على هذه الأحاديث وما علّق عليها من دون نقد أو استيضاح ، إنّما نتكلّم حول التّهم التي رَمى بها الشيعة وألصقها بهم ، فها نحن نذكر تلك التهم مع إيضاح حالها.

٣٠

التهمة الأُولى :

قال: محنة الرافضة محنة اليهود ، قالت اليهود: لا يصلح الملك إلّا في آل داود ، وقالت الرافضة: لا تصلح الإمارة إلّا في آل علي.

إنّ المؤلف سوّى بين شيعة علي ومحبّيه الذين يجسّدون بحبّهم قول الله تبارك وتعالى فيهم : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى)(١) ، سوّى بينهم وبين اليهود حيث إنّ الشيعة تقول: لا يصلح الملك إلّا في آل علي نظير قول اليهود بأنّه لا يصلح إلّا في آل داود.

أقول: لا شكّ انّ الشرائع السماوية تشترك في كثير من الأُمور وإن كانت تختلف في بعض آخر.

وهذا هو الذكر الحكيم يصوّر الشرائع السماوية بأنّها تتّحد جوهراً وتختلف في الشريعة والمشرب ، يقول سبحانه: (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ

__________________

(١). الشورى : ٢٣.

٣١

الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ).(١)

فلا غرو في أن يشارك المسلمون أهل الكتاب في كثير من الفروع ، فالجميع أُمروا بالصلاة والصوم وحرمة الربا وتحريم المحارم ، أفيصح أن يقال : انّ محنة أهل السنّة محنة اليهود قالت اليهود بالصلاة والصوم وقالت السنّة بهما أيضاً؟!

فاشتراك الشيعة مع اليهود في اختصاص القيادة الإلهية ببيت رفيع كبيت داود وبيت علي عليه‌السلام يُشبه باشتراك المسلمين مع اليهود في الصلاة والصوم.

أو ما كان في وسع الرجل أن يُشبِّه قول الشيعة بقول

__________________

(١). المائدة : ٤٨.

٣٢

إبراهيم حيث طلب أن تكون الإمامة في ذريته فاستجيبت دعوته إلّا في حقّ الظالمين ، قال سبحانه: (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ).(١)

إنّه سبحانه جعل النبوة والكتاب في ذرّية إبراهيم وقال: (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ).(٢)

فإذا جعل سبحانه السفارة الإلهية في آل إبراهيم ، فأي وازع من أن يجعل الخلافة الإسلامية والإمامة في أشرف وأرفع بيت وأفضل منبت وهو بيت علي؟! أفيصح في منطق العقل تشبيه شيعة علي ومحبّي أئمة أهل البيت باليهود لأجل اشتراكهم في هذا النوع من القول؟!

كيف يسوّي الشيعة باليهود في قولهم بأنّ الأمارة لا

__________________

(١). البقرة : ١٢٤.

(٢). العنكبوت : ٢٧.

٣٣

تصلح إلّا في آل علي ، وقد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ما أخرجه مسلم في صحيحه : لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان.(١)

أخرج مسلم في صحيحه عن سماك بن حرب ، قال: سمعت جابر بن سمرة قال : سمعت رسول الله ، يقول : لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة ، ثمّ قال كلمة لم أفهمها.

قال : قلت لأبي : ما قال؟

فقال : كلّهم من قريش.(٢)

وأيّ فرق بين حصر الملك في آل علي الذين هم أحد بطون قريش وحصره في قريش؟!

هذا ومن سبر في كتب العقائد يرى أنّ المتكلّمين ذكروا : أنّ من شرائط الخليفة أن يكون من قريش ، ولم يذهب

__________________

(١). صحيح مسلم : ٦ / ٣ ، باب الناس تبع لقريش.

(٢). المصدر نفسه ، باب الناس تبع لقريش.

٣٤

إلى خلافه إلّا الخوارج.

قال الباقلاني (المتوفّى ٤٠٣ ه‍): يشترط أن يكون قرشياً من صميم.(١)

وقال عبد القاهر البغدادي (المتوفّى ٤٢٩ ه‍) قال أصحابنا : إنّ الذي يصلح للإمامة ينبغي أن يكون فيه أربعة أوصاف ـ إلى أن قال : ـ الرابع: النسب من قريش.(٢)

وقال أبو الحسن البغدادي الماوردي (المتوفّى ٤٥٠ ه‍): والشروط المعتبرة في الإمامة سبعة ـ إلى أن قال : ـ السابع: النسب ، وهو أن يكون من قريش. (٣)

وقال ابن حزم (المتوفّى ٤٥٦ ه‍): يشترط فيه أُمور: ١. أن يكون صلبه من قريش. (٤)

وقال القاضي سراج الدين الأرموي (المتوفّى ٦٨٩ ه‍):

__________________

(١). التمهيد : ١٨١.

(٢). أُصول الدين : ٢٧٧.

(٣). الأحكام السلطانية : ٦.

(٤). الفصل : ٤ / ١٨٦.

٣٥

صفات الأئمة تسع ـ إلى أن قال: ـ التاسع: أن يكون قرشياً.(١)

أو يظن ابن الجوزي في حقّ هؤلاء مثل ما ظنّه في حقّ الشيعة حيث إنّهم أيضاً قالوا مثل قول اليهود لا يصلح الملك إلّا في قريش؟

التهمة الثانية :

قالت اليهود : لا جهاد في سبيل الله حتّى يخرج المسيح الدجال ، وقالت الرافضة : لا جهاد حتّى يخرج المهدي.(٢)

يلاحظ عليه : أنّه لو صحّ ما نسبه إلى اليهود فقياس الرافضة ـ حسب تعبيره ـ باليهود قياس مع الفارق ، فانّ اليهود يقولون : لا جهاد في سبيل الله حتّى يخرج المسيح الدجال ، فعندئذٍ يجاهدون لقتله وإعدامه ثمّ يتخلّون عن

__________________

(١). مطالع الأنوار : ٤٧٠.

(٢). الموضوعات : ١ / ٣٣٨ ـ ٣٣٩.

٣٦

الجهاد ؛ وأمّا الشيعة فهم يقولون ـ على فرض صحة النسبة: لا جهاد في سبيل الله حتّى يخرج المهدي فيجاهدوا في ركابه إلى استقرار حكومته في الأرض وتجسم ما وعد به سبحانه على الأُمم وقال: (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ)(١)

فشتّان بين قوم لا يجاهدون إلّا في وقت خاص لقتل عدوهم المزعوم ، وبين قوم ينتظرون ظهور إمامهم المهدي الذي وعد الله به الأُمم حتّى يجاهدوا في كلّ وعر وحزن في أقاصي العالم وأقطاره لاستقرار حكومته الإلهية حتّى ترفرف راية الإسلام خفّاقة على ربوع الأرض.

وهناك نكتة أُخرى غفل عنها ابن الجوزي ، وهي انّ الشيعة تقول بالجهاد الابتدائي ويطلق عليه بالجهاد التحريري وهو مشروع عندهم للغايات التالية:

١. تحرير البشرية من الشرك.

__________________

(١). الأنبياء : ١٠٥.

٣٧

٢. إزالة الرقابة المفروضة على الشعوب في استماع قول الحقّ.

٣. انقاذ المستضعفين من براثن الظالمين.

إلى غير ذلك من مبرّرات الجهاد الابتدائي قبالة الجهاد الدفاعي.

غير أنّ مشاهير فقهاء الإمامية ذهبوا إلى أنّه لا جهاد إلّا بإذن إمام معصوم. وعلى ضوء ذلك فالشرط الرئيسي هو إذن الإمام ، سواء أكان حاضراً أم غائباً ، غير أنّ تحصيل الإذن في زمان الغيبة أمر مشكل ، فكم فرق بين أن يقال لا جهاد إلّا مع إمام حاضر أو نقول: لا جهاد إلّا بإذن الإمام المعصوم؟! وإن كان تحصيل إذنه حضوراً أسهل من تحصيله في زمان الغيبة.

هذا وانّ لفيفاً من فقهاء الشيعة ذهبوا إلى كفاية إذن الإمام العادل وإن لم يكن معصوماً ، والمسألة محررة في محلّها.

٣٨

التهمة الثالثة :

اليهود يؤخّرون صلاة المغرب حتّى تشتبك النجوم وكذلك الرافضة.

يلاحظ عليه: ما نسبه إلى اليهود ممّا لا نحوم حوله ، وأمّا ما نسبه إلى الرافضة فهي فرية واضحة ، وقد جاءت الروايات على خلافه ، فهذا هو الإمام الصادق عليه‌السلام قال: «ملعون ملعون من أخّر المغرب طلباً لفضلها».

وقيل له : إنّ أهل العراق يؤخّرون المغرب حتّى تشتبك النجوم ، فقال: «هذا من عمل عدو الله أبي الخطاب».

وفي رواية أُخرى قال: «من أخّر المغرب حتّى تشتبك النجوم من غير علّة فأنا إلى الله منه بريء».

وفي رواية رابعة عن ذريح ، قال: قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام: إنّ أُناساً من أصحاب أبي الخطّاب يُمْسون بالمغرب حتّى تشتبك النجوم ، قال: «أبرأ إلى الله ممّن فعل ذلك متعمّداً».

٣٩

إلى غير ذلك من الروايات التي نقلها الشيخ الحرّ العاملي في «وسائل الشيعة» في كتاب الصلاة ، أبواب المواقيت.(١)

إنّ ابن الجوزي نسب رأي طائفة بائدة هالكة من الشيعة إلى عامّتهم مع أنّ أئمّتهم قد تبرّءوا من الخطابية مرة بعد أُخرى.

التهمة الرابعة :

اليهود يُولُّون عن القبلة شيئاً وكذا الرافضة.

يلاحظ عليه: أنّنا نترك الحديث حول ما نسبه إلى اليهود كسابقتها ، لكن ما نسبه إلى الشيعة نسبة خاطئة بعيدة عن الصواب ، فهم لا يولّون بوجههم عن صوب القبلة ، بل يولّون من القبلة إلى القبلة ، هذه هي مجمل القضية ، وإليك التفصيل.

__________________

(١). الوسائل : ٦ ، الباب ١٨ من أبواب المواقيت ، الحديث ١٢ ولاحظ الأحاديث ٦ ، ٧ ، ٨.

٤٠