شرح العقيدة الطّحاويّة

ابن أبي العزّ الحنفي

شرح العقيدة الطّحاويّة

المؤلف:

ابن أبي العزّ الحنفي


المحقق: الشيخ محمّد ناصر الدين الألباني
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتاب العربي ـ بغداد
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٧٤

لئن أمّرتك لتعدلن؟ ولئن أمرت عثمان لتسمعنّ ولتطيعنّ؟ ثم خلا بالآخر ، فقال له مثل ذلك ، فلما أخذ الميثاق ، قال : ارفع يدك يا عثمان ، فبايعه ، فبايع له عليّ ، وولج أهل الدار فبايعوه» (٧٠١).

وعن حميد بن عبد الرحمن : أن المسور بن محرمة أخبره :

أن [الرهط] الذين ولا هم عمر اجتمعوا فتشاوروا ، قال لهم عبد الرحمن. لست بالذي أنافسكم عن هذا الأمر ، ولكنكم إن شئتم اخترت لكم منكم؟ فجعلوا ذلك الى عبد الرحمن ، فلما ولّوا عبد الرحمن أمرهم ، فمال الناس على عبد الرحمن ، حتى ما أرى أحدا من الناس يتبع أولئك الرهط ولا يطأ عقبه ، ومال الناس على عبد الرحمن يشاورونه تلك الليالي ، حتى اذا كانت تلك الليلة [التي] أصبحنا فيها فبايعنا عثمان ، ـ قال المسور بن مخرمة ـ : طرقني عبد الرحمن بعد هجع من الليل ، فضرب الباب حتى استيقظت ، فقال : أراك نائما؟! فو الله ما اكتحلت هذه الثلاث بكبير (٧٠٢) نوم ، انطلق فادع لي الزبير وسعدا ، فدعوتهما [له] ، فشاورهما ثم دعائي ، فقال : ادع لي عليّا ، فدعوته ، فناجاه حتى ابهارّ (٧٠٣) الليل ، ثم قام عليّ من عنده وهو على طمع ، (٧٠٤) وقد كان عبد الرحمن يخشى من عليّ شيئا (٧٠٥) ، ثم قال : ادع لي عثمان ، [فدعوته] ، فناجاه حتى فرق بينهما المؤذن بالصبح ، فلما صلى للناس الصبح ، واجتمع أولئك الرهط عند المنبر ، فأرسل الى من كان حاضرا من المهاجرين والأنصار ، و [أرسل] الى أمراء الأجناد ، وكانوا وافوا تلك الحجة مع عمر ، فلما اجتمعوا تشهد عبد الرحمن ، ثم قال : أما بعد ، يا عليّ ، إني قد نظرت في أمر الناس ، فلم أرهم يعدلون بعثمان فلا تجعلنّ على نفسك سبيلا ، فقال لعثمان : أبايعك على سنة [الله و] رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والخليفتين من بعده ، فبايعه عبد الرحمن ،

__________________

(٧٠١) صحيح البخاري (٣٧٠٠ ـ فتح ـ السلفية).

(٧٠٢) في البخاري «بكثير».

(٧٠٣) أي انتصف.

(٧٠٤) أي؟؟؟.

(٧٠٥) أي خاف عبد الرحمن «إن بايع لغير علي أن لا يطاوعه». كذا استظهره الحافظ

٤٨١

وبايعه الناس والمهاجرون والأنصار وأمراء الأجناد والمسلمون» (٧٠٦).

ومن فضائل عثمان رضي الله عنه الخاصة : كونه ختن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ابنتيه. وفي «صحيح مسلم» ، عن عائشة ، قالت : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مضطجعا [في بيته] ، كاشفا عن فخذيه أو ساقيه ، فاستأذن أبو بكر ، فأذن له وهو على تلك الحال ، فتحدث ، ثم استأذن عمر ، فأذن له وهو كذلك ، فتحدّث ، ثم استأذن عثمان ، فجلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وسوّى ثيابه ، فدخل فتحدّث ، فلما خرج قالت عائشة : دخل أبو بكر فلم تهتشّ له ولم تباله ، [ثم دخل عمر فلم تهتش ولم تباله] ، ثم دخل عثمان فجلست وسوّيت ثيابك؟ فقال : «ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة» (٧٠٧). وفي «الصحيح» : لما كان يوم بيعة الرضوان ، وأن عثمان رضي الله عنه كان قد بعثه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الى مكة ، وكانت بيعة الرضوان بعد ما ذهب عثمان الى مكة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم [بيده] اليمنى : «هذه يد عثمان ، فضرب بها على يده ، فقال : هذه لعثمان» (٧٠٨).

قوله : ثم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه.

ش : أي : ونثبت الخلافة بعد عثمان لعلي رضي الله عنهما. لما قتل عثمان وبايع الناس عليّا صار إماما حقّا واجب الطاعة ، وهو الخليفة في زمانه خلافة نبوة ، كما دل عليه حديث سفينة المقدّم ذكره ، أنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «خلافة النبوة ثلاثون سنة ، ثم يؤتي الله ملكه من يشاء» (٧٠٩).

وكانت خلافة أبي بكر الصديق سنتين وثلاثة أشهر ، وخلافة عمر عشر سنين ونصفا ، وخلافة عثمان اثنتي عشرة سنة ، وخلافة علي أربع سنين وتسعة أشهر ،

__________________

(٧٠٦) صحيح البخاري (٧٢٠٧).

(٧٠٧) صحيح ، وهو مخرج في «الارواء» تحت الحديث (٢٦٩) من طرق عن عائشة رضي الله عنها ، وفي بعضها «كاشفا عن فخذيه» بدون شك. وله شاهدان خرجتهما هناك. أحدهما عن حفصة ، وقد أخرجه ابن أبي عاصم في «السنة» (١٢٨٤ و ١٢٨٥) من طريقين عنها.

(٧٠٨) صحيح ، رواه البخاري من حديث ابن عمر.

(٧٠٩) حسن ، وقد تقدم الحديث (برقم ٦٨٣).

٤٨٢

وخلافة الحسن ستة أشهر. وأول ملوك المسلمين معاوية رضي الله عنه ، وهو خير ملوك المسلمين ، لكنه إنما صار إماما حقا لما فوّض إليه الحسن بن علي رضي الله عنهم الخلافة ، فإن الحسن رضي الله عنه بايعه أهل العراق بعد موت أبيه ، ثم بعد ستة أشهر فوّض الأمر الى معاوية ، فظهر صدق قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن ابني هذا سيد ، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين» (٧١٠). والقصة معروفة في موضعها.

فالخلافة ثبتت لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد عثمان رضي الله عنه ، بمبايعة الصحابة ، سوى معاوية مع أهل الشام. والحقّ مع علي رضي الله عنه ، فإن عثمان رضي الله عنه لما قتل كثر الكذب والافتراء على عثمان وعلى من كان بالمدينة من أكابر الصحابة كعلي وطلحة والزبير ، وعظمت الشبهة عند من لم يعرف الحال ، وقويت الشهوة في نفوس ذوي الأهواء والأغراض ، ممن بعدت داره من أهل الشام ، ويحمي الله عثمان ، أن يظنّ بالأكابر ظنون سوء ، ويبلغه عنهم أخبار (٧١١) ، منها ما هو كذب ، ومنها ما هو محرّف ، ومنها ما لم يعرف وجهه ، وانضم الى ذلك أهواء أقوام يحبون العلوّ في الأرض. وكان في عسكر علي رضي الله عنه ـ من أولئك الطغاة الخوارج ، الذين قتلوا عثمان ـ من لم يعرف بعينه ، ومن تنتصر له قبيلته ، ومن لم تقم عليه حجة بما فعله ، ومن في قلبه نفاق لم يتمكن من إظهاره كله ، ورأى طلحة والزبير أنه إن لم ينتصر للشهيد المظلوم ، ويقمع أهل الفساد والعدوان ، وإلا استوجبوا غضب الله وعقابه. فجرت فتنة الجمل على غير اختيار من علي ، ولا من طلحة والزبير ، وإنما أثارها المفسدون بغير اختيار السابقين ، ثم جرت فتنة صفّين لرأي ، وهو أن أهل الشام لم يعدل عليهم ، أو لا يتمكن من العدل عليهم ـ وهم كافّون ، حتى يجتمع أمر الأمة ، وأنهم يخافون طغيان من في العسكر ، كما طغوا على الشهيد المظلوم ، وعلي رضي الله عنه هو الخليفة الراشد المهديّ الذي تجب طاعته ، ويجب أن يكون الناس مجتمعين عليه ، فاعتقد أن الطاعة والجماعة الواجبتين عليهم تحصل بقتالهم ، بطلب الواجب عليهم ، بما اعتقد

__________________

(٧١٠) متفق عليه من حديث أبي بكرة.

(٧١١) في الاصل : وبلغ عنهم أخبارا.

٤٨٣

أنه يحصل به أداء الواجب ، ولم يعتقد أن التأليف لهم كتأليف المؤلّفة قلوبهم على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والخليفتين من بعده مما يسوغ ، فحمله ما رآه ـ من أن الدين إقامة الحد عليهم ومنعهم من الإثارة ، دون تأليفهم ـ : على القتال ، وقعد عن القتال أكثر الأكابر ، لما سمعوه من النصوص في الأمر بالقعود [في الفتنة] ، ولما رأوه من الفتنة التي تربو مفسدتها على مصلحتها. ونقول في الجميع بالحسنى : (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ ، وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا ، رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) الحشر : ١٠. والفتن التي كانت في أيامه قد صان الله عنها أيدينا ، فنسأل الله أن يصون عنها ألسنتنا ، بمنّه وكرمه.

ومن فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه : ما في «الصحيحين» ، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعلي : «أنت مني بمنزلة هارون [من موسى] ، إلا أنه لا نبي بعدي» (٧١٢). وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم خيبر : «لأعطينّ الراية غدا رجلا يحبّ الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله» ، قال : فتطاولنا لها ، فقال : «ادعوا لي عليّا ، فأتي به أرمد ، فبصق في عينيه ، ودفع الراية إليه ، ففتح الله عليه» (٧١٣). ولما نزلت هذه الآية : (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ ، وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ ، وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ) آل عمران : ٦١ ـ دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا ، فقال : «اللهم هؤلاء أهلي» (٧١٤).

قوله : (وهم الخلفاء الراشدون ، والأئمة المهديون).

ش : تقدم الحديث الثابت في «السنن» ، وصححه الترمذي ، عن العرباض

__________________

(٧١٢) صحيح ، وهو مخرج في «الارواء» (١١٨٨) ، ورواه ابن أبي عاصم في «السنة» من طرق (١٣٣١ ـ ١٣٤٥) عن سعد ، وعن غيره (١٣٤٦ ـ ١٣٥١).

(٧١٣) متفق عليه من حديث سهل بن سعد ، ورواه ابن ابي عاصم في «السنة» عن جمع آخر من الصحابة (١٣٥١ و ١٣٧٧ ـ ١٣٨٠ و ١٣٨٦ و ١٣٨٧).

(٧١٤) مسلم في «صحيحه» (٧ / ١٢٠ ـ ١٢١) من حديث سعد ابن أبي وقاص ، والترمذي ، وصححه. وله شاهد عند ابن أبي عاصم (١٣٥١).

٤٨٤

بن سارية ، قال : وعظنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم موعظة بليغة ، ذرفت منها العيون ، ووجلت منها القلوب ، فقال قائل : يا رسول الله ، كأن هذه موعظة مودّع ، فما ذا تعهد إلينا؟ فقال : «أوصيكم بالسمع والطاعة ، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، تمسكوا بها ، وعضّوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل بدعة ضلالة» (٧١٥). وترتيب الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أجمعين في الفضل ، كترتيبهم في الخلافة. ولأبي بكر وعمر رضي الله عنهما من المزية : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمرنا باتباع سنة الخلفاء الراشدين ، ولم يأمرنا في الاقتداء في الافعال إلا بأبي بكر وعمر ، فقال : «اقتدوا باللذين من بعدي : أبي بكر وعمر» (٧١٦) ، وفرق بين اتباع سنتهم والاقتداء بهم ، فحال أبي بكر وعمر فوق حال عثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين. وقد روي عن أبي حنيفة تقديم علي على عثمان ، ولكن ظاهر مذهبه تقديم عثمان [على علي]. وعلى هذا عامة أهل السنة. [وقد] تقدم (٧١٧) قول عبد الرحمن بن عوف لعلي رضي الله عنهما : إني قد نظرت في أمر الناس فلم أرهم يعدلون بعثمان. وقال أيوب السختياني من لم يقدّم عثمان على علي فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار. وفي «الصحيحين» عن ابن عمر ، قال : كنا نقول ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حيّ : أفضل أمة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعده ـ أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان (٧١٨).

قوله : (وأن العشرة الذين سماهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبشرهم بالجنة ، نشهد لهم بالجنة ، على ما شهد لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقوله الحق ، وهم : أبو بكر ، وعمر ،

__________________

(٧١٥) صحيح ، وتقدم.

(٧١٦) صحيح ، وتقدم الحديث (برقم ٦٧٥).

(٧١٧) ص ٤٨١ في قصة البيعة لعثمان.

(٧١٨) صحيح ، أخرجه أبو داود بسند صحيح عنه ، وهو عند البخاري بنحوه ، ولم يخرجه مسلم. وأخرجه ابن أبي عاصم من طرقه (١١٩٠ ـ ١١٩٩) من طرق عن ابن عمر وأحدها عن أبي هريرة ، وهي مخرجة في «ظلال الجنة» (٢ / ٥٦٦ ـ ٥٦٩).

٤٨٥

وعثمان ، وعلي ، وطلحة ، والزبير ، وسعد ، وسعيد ، وعبد الرحمن بن عوف ، وأبو عبيدة ابن الجراح وهو أمين هذه الأمة ، رضي الله عنهم أجمعين).

ش : تقدم ذكر بعض فضائل الخلفاء الأربعة. ومن فضائل الستة الباقين من العشرة رضي الله عنهم أجمعين : ما رواه مسلم : عن عائشة رضي الله عنها : أرق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذات ليلة ، فقال : ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة ، قالت : وسمعنا صوت السلاح ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من هذا»؟ فقال سعد ابن أبي وقاص : يا رسول الله ، جئت أحرسك ـ وفي لفظ آخر : وقع في نفسي خوف على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فجئت أحرسه ، فدعا له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم نام (٧١٩). وفي «الصحيحين» : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جمع لسعد بن أبي وقاص أبويه يوم أحد ، فقال : ارم ، فداك أبي وأمي (٧٢٠). وفي «صحيح مسلم» ، عن قيس بن أبي حازم ، قال : رأيت يد طلحة التي وقى بها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم أحد قد شلّت (٧٢١). وفيه أيضا عن أبي عثمان النهدي ، قال : لم يبق مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في بعض تلك الأيام التي قاتل فيها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم غير طلحة وسعد (٧٢٢). وفي «الصحيحين» ، واللفظ لمسلم ، عن جابر بن عبد الله قال : ندب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الناس يوم الخندق فانتدب الزبير ، ثم ندبهم ، فانتدب الزبير ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لكل نبيّ حواريّ ، وحواريي الزبير» (٧٢٣) وفيهما أيضا عن الزبير رضي الله عنه ، أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من يأتي بني قريظة فيأتيني بخبرهم»؟ فانطلقت ، فلما رجعت جمع لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبويه ، فقال : «فداك أبي وأمي» (٧٢٤). وفي

__________________

(٧١٩) أخرجه مسلم عنه ، وكذا ابن أبي عاصم (١٤١١).

(٧٢٠) صحيح ، ورواه ابن أبي عاصم (١٤٠٥ ـ ١٤٠٧).

(٧٢١) صحيح ، وانما أخرجه البخاري دون مسلم.

(٧٢٢) صحيح واخرجه البخاري أيضا.

(٧٢٣) صحيح ، متفق عليه ، وأخرجه ابن أبي عاصم في «السنة» (١٣٨٨ ـ ١٣٩٣) عن جمع آخر من الصحابة.

(٧٢٤) صحيح ، متفق عليه ، ورواه ابن أبي عاصم (١٣٩٠).

٤٨٦

«صحيح مسلم» ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن لكل أمة أمينا ، وإن أميننا أيتها الأمة : أبو عبيدة بن الجراح» (٧٢٥). وفي «الصحيحين» عن حذيفة بن اليمان ، قال : جاء أهل نجران الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالوا : يا رسول الله ، ابعث إلينا [رجلا] أمينا ، فقال : لأبعثنّ إليكم رجلا أمينا حقّ [أمين] ،» قال : فاستشرف لها الناس ، قال : فبعث أبا عبيدة بن الجراح» (٧٢٦). وعن سعيد بن زيد رضي الله عنه ، قال : أشهد على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أني سمعته يقول : «عشرة في الجنة : النبي في الجنة ، وأبو بكر في الجنة ، وطلحة في الجنة ، وعمر في الجنة ، وعثمان في الجنة ، وسعد بن مالك في الجنة ، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة» ، ولو شئت لسمّيت العاشر ، قال : فقالوا : من هو؟ قال : سعيد بن زيد ، وقال : لمشهد رجل منهم مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يغبر منه وجهه ، خير من عمل أحدكم ، ولو عمّر عمر نوح (٧٢٧). رواه أبو داود ، وابن ماجه ، والترمذي وصححه. ورواه الترمذي عن عبد الرحمن بن عوف. وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ، أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أبو بكر في الجنة ، وعمر في الجنة ، وعلي في الجنة ، وعثمان في الجنة ، وطلحة في الجنة ، والزبير بن العوام في الجنة ، وعبد الرحمن ابن عوف في الجنة ، وسعيد بن زيد بن عمرو ابن نفيل في الجنة ، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة» (٧٢٨). رواه الإمام أحمد في «مسنده». ورواه أبو بكر بن أبي حيثمة ، وقدم فيه عثمان على علي ، رضي الله عنهما. وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على حراء ، [هو] وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير ، فتحركت الصخرة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اهدأ ، فما عليك إلا نبي أو صدّيق أو شهيد» (٧٢٩). رواه مسلم والترمذي وغيرهما. وروي من طرق.

__________________

(٧٢٥) صحيح وأخرجه البخاري أيضا.

(٧٢٦) صحيح ، متفق عليه.

(٧٢٧) صحيح ، وهو مخرج في «الروض النضير» (٤٢٥) ، ورواه ابن أبي عاصم (١٤٣٥).

(٧٢٨) صحيح.

(٧٢٩) صحيح ، وأخرجه أحمد أيضا (٢ / ٤١٩) ، وابن أبي عاصم (١٤٢٥ ـ ١٤٢٧ و ١٤٣٩ ـ ١٤٤٣ و ١٤٤٥ ـ ١٤٤٧).

٤٨٧

وقد اتفق أهل السنة على تعظيم هؤلاء العشرة وتقديمهم ، لما اشتهر من فضائلهم ومناقبهم. ومن أجهل ممن يكره التكلم بلفظ العشرة ، أو فعل شيء يكون عشر!! لكونهم يبغضون خيار الصحابة ، وهم العشرة المشهود لهم بالجنة ، وهم يستثنون منهم عليّا رضي الله عنه! فمن العجب : أنهم يوالون لفظ التسعة! وهم يبغضون التسعة من العشرة! ويبغضون سائر المهاجرين والأنصار ، من السابقين الأولين ، الذين بايعوا رسول الله تحت الشجرة ، وكانوا ألفا وأربعمائة ، وقد رضي الله عنهم. كما قال تعالى : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) الفتح : ١٨. وثبت في «صحيح مسلم» ، عن جابر رضي الله عنه ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه قال : «لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة» (٧٣٠). وفي «صحيح مسلم» أيضا ، عن جابر : أن غلام حاطب بن أبي بلتعة قال يا رسول الله : ليدخلنّ حاطب النار ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كذبت ، [لا يدخلها] ، فإنه شهد بدرا والحديبية» (٧٣١). والرافضة يتبرءون من جمهور هؤلاء ، بل يتبرءون من سائر أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إلا من نفر قليل ، نحو بضعة عشر نفرا!! ومعلوم أنه لو فرض في العالم عشرة من أكفر الناس ، لم يهجر هذا الاسم لذلك ، كما أنه سبحانه لما قال : (وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ) النمل : ٤٨ ـ لم يجب هجر اسم التسعة مطلقا. بل اسم العشرة قد مدح الله مسماه في مواضع من القرآن : (تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ) البقرة : ١٩٦. (وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ) الاعراف : ١٤٢. (وَالْفَجْرِ. وَلَيالٍ عَشْرٍ) الفجر : ١ ـ ٢. وكان صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان (٧٣٢) ، وقال في ليلة القدر : «التمسوها في العشر الأواخر من رمضان» (٧٣٣). وقال : «ما من أيام العمل

__________________

(٧٣٠) صحيح ، ورواه ابن أبي عاصم (٨٦٠ و ٨٦١) أيضا ، وهو مخرج في «الصحيحة» (٢١٦٠).

(٧٣١) صحيح.

(٧٣٢) متفق عليه من حديث ابن عمر.

(٧٣٣) البخاري من حديث ابن عباس ، وصححه الترمذي

.

٤٨٨

الصالح فيهن أحب الى الله من أيام العشر» (٧٣٤). يعني عشر ذي الحجة.

والرافضة توالي بدل العشرة المبشرين بالجنة ، اثني عشر إماما ، أولهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ويدّعون أنه وصي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، دعوى مجردة عن الدليل ، ثم الحسن رضي الله عنه ، ثم الحسين رضي الله عنه ، ثم علي بن الحسين زين العابدين ، ثم محمد بن علي الباقر ، ثم جعفر بن محمد الصادق ، ثم موسى بن جعفر الكاظم ، ثم علي بن موسى الرضى ، ثم محمد بن علي الجواد ، ثم علي بن محمد الهادي ، ثم الحسن بن علي العسكري ، ثم محمد بن الحسن ، ويغالون في محبتهم ، ويتجاوزون الحد!! ولم يأت ذكر الأئمة الاثني عشر ، إلا على صفة ترد قولهم وتبطله ، وهو ما خرجاه في «الصحيحين» ، عن جابر بن سمرة ، قال : دخلت مع أبي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فسمعته يقول : «لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا» ، ثم تكلم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بكلمة خفيت علي ، فسألت أبي : ما ذا قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قال : «كلهم من قريش» (٧٣٥). وفي لفظ : «لا يزال الإسلام عزيزا الى اثني عشر خليفة» (٧٣٦) وفي لفظ : «لا يزال هذا الأمر عزيزا الى اثني عشر خليفة». وكان الامر كما قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. والاثنا عشر : الخلفاء الراشدون الأربعة ، ومعاوية ، وابنه يزيد ، وعبد الملك بن مروان ، وأولاده الاربعة ، وبينهم عمر بن عبد العزيز ، ثم أخذ الامر في الانحلال. وعند الرافضة أن أمر الأمة لم يزل في أيام هؤلاء فاسدا منغّصا ، يتولى عليهم الظالمون المعتدون ، بل المنافقون الكافرون ، وأهل الحق أذل من اليهود (٧٣٧)!! وقولهم ظاهر البطلان ، بل لم يزل الاسلام عزيزا في ازدياد في أيام هؤلاء الاثني عشر.

__________________

(٧٣٤) متفق عليه من حديث ابن عمر ونحوه ، والبخاري وغيره من حديث ابن عباس بلفظه المذكور أعلاه ، ومسلّم وغيره من حديث أبي سعيد ، وهي مخرجة في «الصحيحة» (١٤٧١) و «صحيح أبي داود» (١٢٥٠ و ١٢٥٢).

(٧٣٥) صحيح ، وهو مخرج في «الصحيحة» (٣٧٦ و ٩٦٤) ، ورواه ابن أبي عاصم أيضا (١١٢٢ و ١١٢٣).

(٧٣٦) صحيح أخرجه مسلّم أيضا.

(٧٣٧) قال عفيفي : انظر خطبة «منهاج السنة» ج ١ ص ٢٤ جديد وص ٩ ـ ١٠ ط بولاق.

٤٨٩

قوله : (ومن أحسن القول في أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأزواجه الطاهرات من كل دنس ، وذرّياته المقدسين من كل رجس ، فقد برئ من النفاق).

ش : تقدم بعض ما ورد في الكتاب والسنة من فضائل الصحابة رضي الله عنهم. وفي «صحيح مسلّم» ، عن زيد بن أرقم ، قال : قام فينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خطيبا ، بماء يدعى : خمّا ، بين مكة والمدينة ، فقال : «أما بعد ، ألا أيها الناس ، فإنما أنا بشر ، يوشك أن يأتي رسول ربي ، فأجيب ، وأنا تارك فيكم ثقلين : أولهما كتاب الله ، فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ، فحث على كتاب الله ورغّب فيه ، ثم قال : وأهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، ثلاثا» (٧٣٨). وخرج البخاري عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، قال : ارقبوا محمدا في أهل بينه (٧٣٩).

وإنما قال الشيخ رحمه‌الله : فقد برئ من النفاق ـ لأن أصل الرفض إنما أحدثه منافق زنديق ، قصده إبطال دين الإسلام ، والقدح في الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كما ذكر ذلك العلماء. فإن عبد الله بن سبأ لما أظهر الاسلام ، أراد أن يفسد دين الاسلام بمكره وخبثه ، كما فعل بولس بدين النصرانية ، فأظهر التنسك ، ثم أظهر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، حتى سعى في فتنة عثمان وقتله ، ثم لما قدم علي الكوفة أظهر الغلوّ في عليّ والنصر له ، ليتمكن بذلك من أغراضه ، وبلغ ذلك عليّا ، فطلب قتله ، فهرب منه الى قرقيس. وخبره معروف في التاريخ. وتقدم أن من فضّله على أبي بكر وعمر جلده جلد المفتري. وبقيت في نفوس المبطلين خمائر بدعة الخوارج ، من الحرورية والشيعة ، ولهذا كان الرفض باب الزندقة ، كما حكاه القاضي أبو بكر ابن الطيب (٧٤٠) عن الباطنية وكيفية إفسادهم لدين الاسلام ، قال : فقالوا للداعي : يجب عليك إذا وجدت من تدعوه مسلما أن تجعل التشيع عنده دينك وشعارك ، واجعل المدخل من جهة ظلم السلف لعليّ وقتلهم الحسين ، والتبرّي من

__________________

(٧٣٨) صحيح ، ورواه ابن أبي عاصم أيضا في «السنة» (١٥٥٠ و ١٥٥١ و ١٥٥٥).

(٧٣٩) صحيح البخاري (٣٧١٣ و ٣٧٥١).

(٧٤٠) هو أبو بكر الباقلاني ، محمد بن الطيب.

٤٩٠

تيم وعدي ، وبني أمية وبني العباس ، (وقل بالرجعة) وأن عليّا يعلم الغيب! يفوّض إليه خلق العالم!! وما أشبه ذلك من أعاجيب الشيعة وجهلهم ، فاذا أنست (٧٤١) من بعض الشيعة عند الدعوة إجابة ورشدا ، أوقفته على مثالب عليّ وولده ، (رضي الله عنهم). انتهى. ولا شك أنه يتطرق من سب الصحابة الى سب أهل البيت ، ثم الى سب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إذ أهل بيته وأصحابه مثل هؤلاء [عند] (٧٤٢) الفاعلين الضالين.

قوله : (وعلماء السلف من السابقين ، ومن بعدهم من التابعين ـ أهل الخير والأثر ، وأهل الفقه والنظر ـ لا يذكرون إلا بالجميل ، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل).

ش : قال تعالى : (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً) النساء : ١١٥. فيجب على [كل] مسلّم بعد موالاة الله ورسوله موالاة المؤمنين ، كما نطق به القرآن ، خصوصا الذين هم ورثة الأنبياء ، الذين جعلهم الله بمنزلة النجوم ، يهتدى (٧٤٣) بهم في ظلمات البر والبحر. وقد أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم ، إذ كل أمة قبل (٧٤٤) مبعث محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم علماؤها شرارها ، إلا المسلمين ، فإن علماءهم خيارهم ، فإنهم خلفاء الرسول من أمته ، والمحيون لما مات من سنته ، فبهم قام الكتاب وبه قاموا ، وبهم نطق الكتاب وبه نطقوا ، وكلهم متفقون اتفاقا يقينا على وجوب اتباع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ولكن إذا وجد لواحد منهم قول قد جاء حديث صحيح بخلافه ـ. فلا بدّ له في تركه من عذر. وجماع الأعذار ثلاثة أصناف :

أحدها : عدم اعتقاده أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قاله.

والثاني : عدم اعتقاده أنه أراد تلك المسألة بذلك القول.

والثالث : اعتقاده أن ذلك الحكم منسوخ. فلهم الفضل علينا والمنة بالسبق ،

__________________

(٧٤١) في الاصل : ايست.

(٧٤٢) لم تكن الأصول واضحة في هذا النص ولعل العبارة استقامت بهذه الإضافة «وما نقله عن الباقلاني فهو عند غيره» انظر «القرامطة» ص ٥٢ تحقيق محمد الصباغ.

(٧٤٣) في الاصل : يهدى.

(٧٤٤) في الاصل : بعد.

٤٩١

وتبليغ ما أرسل به الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلينا ، وإيضاح ما كان منه يخفى علينا ، فرضي الله عنهم وأرضاهم. (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ ، وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا ، رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) الحشر : ١٠.

قوله : (ولا نفضل أحدا من الأولياء على أحد من الأنبياء عليهم‌السلام ، ونقول : نبي واحد أفضل من جميع الأولياء).

ش : يشير الشيخ رحمه‌الله الى الرد على الاتحادية وجهلة المتصوفة ، وإلا فأهل الاستقامة يوصون بمتابعة العلم ومتابعة الشرع. فقد أوجب الله على الخلق كلهم متابعة الرسل ، قال تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ ، وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ) النساء : ٦٤ ، الى أن قال : (وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) النساء : ٦٥. وقال تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) آل عمران : ٣١. قال أبو عثمان النيسابوري : من أمر السنة على نفسه قولا وفعلا ، نطق بالحكمة ، ومن أمر الهوى على نفسه ، نطق بالبدعة. وقال بعضهم : ما ترك بعضهم شيئا من السنة إلا لكبر في نفسه. والأمر كما قال ، فإنه إذا لم يكن متبعا للأمر الذي جاء به الرسول ، كان يعمل بإرادة نفسه ، فيكون متبعا لهواه ، بغير هدى من الله ، وهذا غش النفس ، وهو من الكبر ، فإنه شبيه بقول الذين قالوا : (لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ ، اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) الانعام : ١٢٤. وكثير من هؤلاء يظن أنه يصل برياسته واجتهاده في العبادة ، وتصفية نفسه ، الى ما وصلت إليه الأنبياء من غير اتباع لطريقتهم! ومنهم من يظن أنه قد صار أفضل من الأنبياء!! ومنهم من يقول إن الأنبياء والرسل إنما يأخذون العلم بالله من مشكاة خاتم الأولياء!! ويدّعي لنفسه أنه خاتم الأولياء!! ويكون ذلك [العلم هو] حقيقة قول فرعون ، وهو أن هذا الوجود المشهود واجب بنفسه ، ليس له صانع مباين له ، لكن هذا يقول : هو الله! وفرعون أظهر الإنكار بالكلية ، لكن كان فرعون في الباطن أعرف بالله منهم ، فإنه كان مثبتا للصانع ، وهؤلاء ظنوا أن الوجود المخلوق هو الوجود الخالق ، كابن عربي وأمثاله!! وهو لما رأى أن الشرع الظاهر لا سبيل الى تغييره ـ قال : النبوة ختمت ،

٤٩٢

لكن الولاية لم تختم! وادعى من الولاية ما هو أعظم من النبوة وما يكون للأنبياء والمرسلين ، وأن الأنبياء مستفيدون منها! كما قال :

مقام النبوة في برزخ

فويق الرسول ودون الولي!

وهذا قلب للشريعة ، فإن الولاية ثابتة للمؤمنين المتقين ، كما قال تعالى : (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ. الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ) يونس : ٦٢ ـ ٦٣. والنبوة أخص من الولاية ، والرسالة أخصّ من النبوة ، كما تقدم التنبيه على ذلك (٧٤٥). وقال ابن عربي أيضا في «فصوصه» :

«ولما مثّل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم النبوة بالحائط من اللبن فرآها قد كملت إلا موضع لبنة ، فكان هو صلى‌الله‌عليه‌وسلم موضع اللبنة ، [غير أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يراها ، كما قال : لبنة واحدة] ، وأما خاتم الأولياء فلا بد له من هذه الرؤية ، فيرى ما مثّله النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويرى نفسه في الحائط في موضع لبنتين!! ويرى نفسه تنطبع في موضع اللبنتين ، فتكمل الحائط!! والسبب الموجب لكونه يراها لبنتين : أن الحائط لبنة من فضة ولبنة من ذهب ، واللبنة الفضة هي ظاهره وما يتبعه فيه من الأحكام ، كما هو أخذ عن الله في الشرع (٧٤٦) ما هو في الصورة الظاهرة متبع فيه ، لانه يرى الامر على ما هو عليه ، فلا بد أن يراه هكذا ، وهو موضع اللبنة الذهبية في الباطن! فإنه يأخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحى إليه الى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : فإن فهمت ما أشرنا إليه فقد حصل لك العلم النافع!» (٧٤٧) فمن أكفر ممن ضرب لنفسه المثل بلبنة ذهب ، وللرسل المثل بلبنة فضة ، فيجعل نفسه أعلى وأفضل من الرسل؟! تلك أمانيهم : (إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ) غافر : ٥٦. وكيف يخفى كفر من هذا كلامه؟ وله من الكلام أمثال هذا ، وفيه ما يخفى منه الكفر ، ومنه ما يظهر ، فلهذا يحتاج الى نقد جيد ، ليظهر زيفه ، فإن من الزغل ما يظهر لكل ناقد ،

__________________

(٧٤٥) ص ١٥٨.

قال عفيفي : انظر ص ٢٣١ ـ ٢٣٢ أول رفع الملام من «مجموع الفتاوى» ج ٢٠.

(٧٤٦) في الاصل : السر.

(٧٤٧) «فصوص الحكم» (١ / ٦٣) تعليق أبو العلاء عفيفي ، والزيادة منه.

٤٩٣

ومنه ما لا يظهر إلا للناقد الحاذق البصير (٧٤٨). وكفر ابن عربي وأمثاله فوق كفر القائلين : (لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ) الانعام : ١٢٤. ولكن ابن عربي وأمثاله منافقون زنادقة ، اتحادية في الدرك الأسفل من النار ، والمنافقون يعاملون معاملة المسلمين ، لإظهارهم الإسلام ، كما كان يظهره المنافقون في حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويبطنون الكفر ، وهو يعاملهم معاملة المسلمين لما يظهر منهم. فلو أنه ظهر من أحد منهم ما يبطنه من الكفر ، لأجرى عليه حكم المرتد. ولكن في قبول توبته خلاف ، والصحيح عدم قبولها ، وهي رواية معلى عن أبي حنيفة رضي الله عنه. والله المستعان.

قوله ؛ (ونؤمن بما جاء من كراماتهم ، وصح عن الثقات من رواياتهم).

ش : فالمعجزة في اللغة تعم كل خارق للعادة ، و [كذلك الكرامة] في عرف أئمة أهل العلم المتقدمين. ولكن كثير من المتأخرين يفرقون في اللفظ بينهما ، فيجعلون المعجزة للنبي ، والكرامة للولي. وجماعها : الأمر الخارق للعادة. فصفات الكمال ترجع الى ثلاثة : العلم ، والقدرة ، والغنى. وهذه الثلاثة لا تصلح على الكمال إلا لله وحده ، فإنه الذي أحاط بكل شيء علما ، وهو على كل شيء قدير ، وهو غني عن العالمين. ولهذا أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يتبرأ من دعوى هذه الثلاثة بقوله : (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ ، وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ ، وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ ، إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) الانعام : ٥٠. وكذلك قال نوح عليه‌السلام ، فهذا أول أولي العزم ، وأول رسول بعثه الله الى أهل الارض ، وهذا خاتم الرسل ، وخاتم أولي العزم ، وكلاهما تبرأ من ذلك ، وهذا لأنهم يطالبونهم تارة بعلم الغيب ، كقوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها) النازعات : ٤٢ ، وتارة بالتأثير ، كقوله تعالى : (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) الاسراء : ٩٠. الآيات ، وتارة يعيبون عليهم الحاجة البشرية ، كقوله تعالى : (وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ) الفرقان : ٧ ، الآية. فأمر الرسول أن

__________________

(٧٤٨) قال عفيفي : انظر الرد على ابن عربي فيما نقل هنا عنه في ص ٢٠٤ وما بعدها ج ٢ من مجموع الفتاوى» لابن تيمية.

٤٩٤

يخبرهم بأنه لا يملك ذلك ، وإنما ينال من تلك الثلاثة بقدر ما يعطيه الله ، فيعلم ما علّمه الله [إياه] ، ويستغني عما أغناه عنه ، ويقدر على ما أقدر عليه من الأمور المخالفة للعادة المطردة ، أو لعادة أغلب الناس. فجميع المعجزات والكرامات ما تخرج عن هذه الانواع.

ثم الخارق : إن حصل به فائدة مطلوبة في الدين ، كان من الأعمال الصالحة المأمور بها دينا وشرعا ، إما واجب أو مستحب ، وإن حصل به أمر مباح ، كان من نعم الله الدنيوية التي تقتضي شكرا ، وإن كان على وجه يتضمن ما هو منهي عنه نهي تحريم أو نهي تنزيه ، كان سببا للعذاب أو البغض ، كالذي أوتي الآيات فانسلخ منها : بلعام بن باعورا ، لاجتهاد أو تقليد ، أو نقص عقل أو علم ، أو غلبة حال ، أو عجز أو ضرورة.

فالخارق ثلاثة أنواع : محمود في الدين ، ومذموم ، ومباح. فإن كان المباح فيه منفعة كان نعمة ، وإلا فهو كسائر المباحات التي لا منفعة فيها. قال أبو علي الجوزجاني : كن طالبا للاستقامة ، لا طالبا للكرامة ، فإن نفسك متحركة في طلب الكرامة ، وربك يطلب منك الاستقامة.

قال الشيخ السهروردي في «عوارفه» : وهذا أصل كبير في الباب ، فإن كثيرا من المجتهدين المتعبدين سمعوا بالسلف (٧٤٩) الصالحين المتقدمين ، وما منحوا به من الكرامات وخوارق العادات ، فنفوسهم لا تزال تتطلع الى شيء من ذلك ، ويحبون أن يرزقوا شيئا منه ، ولعل أحدهم يبقى منكسر القلب ، متهما لنفسه في صحة عمله ، حيث لم يحصل له خارق ، ولو علموا بسر ذلك لهان عليهم الأمر ، فيعلم أن الله يفتح على بعض المجاهدين الصادقين من ذلك بابا ، والحكمة فيه أن يزداد بما يرى من خوارق العادات وآثار القدرة ـ يقينا ، فيقوى عزمه على الزهد في الدنيا ، والخروج عن دواعي الهوى. فسبيل الصادق مطالبة النفس بالاستقامة ، فهي كل الكرامة.

ولا ريب أن للقلوب من التأثير أعظم مما للأبدان ، لكن إن كانت صالحة كان

__________________

(٧٤٩) في الأصل : سلف

.

٤٩٥

تاثيرها صالحا ، وإن كانت فاسدة كان تأثيرها فاسدا. فالأحوال يكون تأثيرها محبوبا لله تعالى تارة ، ومكروها لله أخرى.

وقد تكلم الفقهاء في وجوب القود على من يقتل غيره في الباطن. وهؤلاء يشهدون بواطنهم وقلوبهم الأمر الكوني ، ويعدّون مجرد خرق العادة لأحدهم أنه كرامة من الله له ، ولا يعلمون أنه في الحقيقة انما الكرامة لزوم الاستقامة ، وأن الله تعالى لم يكرم عبدا بكرامة أعظم من موافقته فيما يحبه ويرضاه ، وهو طاعته وطاعة رسوله ، وموالاة أوليائه ، ومعاداة أعدائه. وهؤلاء هم أولياء الله الذين قال الله فيهم : (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) يونس : ٦٢.

وأما ما يبتلي الله به عبده ، من السر بخرق العادة أو بغيرها أو بالضرّاء ـ فليس ذلك لأجل كرامة العبد على ربه ولا هو انه عليه ، بل قد سعد بها قوم إذا أطاعوه ، وشقي بها قوم إذا عصوه ، كما قال تعالى : (فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ ، فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ. وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ ، فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ ، كَلَّا) الفجر : ١٥ ـ ١٧. ولهذا كان الناس في هذه الأمور ثلاثة أقسام :

قسم ترتفع درجتهم بخرق العادة.

قسم يتعرضون بها لعذاب الله.

وقسم يكون في حقهم بمنزلة المباحات ، كما تقدم.

وتنوع الكشف والتأثير باعتبار تنوع كلمات الله. وكلمات الله نوعان : كونية ، ودينية :

فكلماته الكونية هي التي استعاذ بها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في قوله : «أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر» (٧٥٠). قال تعالى : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) يس : ٨٢. وقال تعالى : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً ، لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ) الانعام : ١١٥. والكون كله داخل تحت هذه الكلمات ، وسائر الخوارق.

والنوع الثاني : الكلمات الدينية ، وهي القرآن وشرع الله الذي بعث به

__________________

(٧٥٠) صحيح ، وتقدم غير مرة.

٤٩٦

رسوله ، وهي أمره ونهيه وخبره ، وحظ العبد منها العلم بها ، والعمل (٧٥١) ، والأمر بما أمر الله به ، كما أن حظ العباد عموما وخصوصا العلم بالكونيات والتأثير فيها ، أي بموجبها. فالأولى تدبيرية كونية ، والثانية شرعية دينية. فكشف الأولى العلم بالحوادث الكونية ، وكشف الثانية العلم بالمأمورات الشرعية. وقدرة الاولى التأثير في الكونيات ، إما في نفسه كمشيه على الماء ، وطيرانه في الهواء ، وجلوسه في النار ، وإما في غيره ، بإصحاح وإهلاك ، وإغناء وإفقار. وقدرة الثانية التأثير في الشرعيات ، إما في نفسه بطاعة الله ورسوله والتمسك بكتاب الله وسنة رسوله باطنا وظاهرا ، وإما في غيره بأن يأمر بطاعة الله ورسوله فيطاع في ذلك طاعة شرعية. فإذا تقرر ذلك ، فاعلم أن عدم الخوارق علما وقدرة لا تضرّ المسلم في دينه ، فمن لم ينكشف له شيء من المغيّبات ، ولم يسخر له شيئا من الكونيات ـ : لا ينقص ذلك في مرتبته عند الله ، بل قد يكون عدم ذلك أنفع له ، فإنه إن اقترن به الدين وإلا هلك صاحبه في الدنيا والآخرة ، فإن الخارق قد يكون مع الدين ، وقد يكون مع عدمه ، أو فساده ، أو نقصه. فالخوارق النافعة تابعة للدين ، خادمة له ، كما أن الرئاسة النافعة هي التابعة للدين ، وكذلك المال النافع ، كما كان السلطان والمال [النافع] بيد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبي بكر وعمر. فمن جعلها هي المقصودة ، وجعل الدين تابعا لها ، ووسيلة إليها ، لا لأجل الدين في الأصل ـ : فهو شبيه بمن يأكل الدنيا بالدين ، وليست حاله كحال من تديّن خوف العذاب ، أو رجاء الجنة ، فإن ذلك ما هو مأمور به ، وهو على سبيل نجاة ، وشريعة صحيحة. والعجب أن كثيرا ممن يزعم أن همه قد ارتفع عن أن يكون خوفا من النار أو طلبا للجنة ـ يجعل همه بدينه أدنى خارق من خوارق الدنيا!!

ثم إن الدين إذا صح علما وعملا فلا بد أن يوجب خرق العادة ، إذا احتاج الى ذلك صاحبه. قال تعالى : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) الطلاق : ٢ ـ ٣. وقال تعالى : (إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً) الانفال : ٢٩. وقال تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ

__________________

(٧٥١) قال عفيفي : انظر ص ٣١٩ ج ١١ من «مجموع الفتاوى» لابن تيمية.

٤٩٧

تَثْبِيتاً. وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً. وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً) النساء : ٦٦ ـ ٦٨. وقال تعالى : (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ. الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ. لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) يونس : ٦٢ ـ ٦٤. وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اتقوا فراسة المؤمن ، فإنه ينظر بنور الله» ثم قرأ قوله : «(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) الحجر : ٧٥» (٧٥٢). رواه الترمذي من رواية أبي سعيد الخدري. وقال تعالى ، فيما يرويه عنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من عادى لي وليّا فقد بارزني بالمحاربة ، وما تقرّب إليّ عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ، ولا يزال عبد يتقرب إليّ بالنوافل ، حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، ولئن سألني لأعطينّه ، ولئن استعاذني لأعيذنّه ، وما تردّدت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن ، يكره الموت ، وأكره مساءته ، ولا بد له منه» (٧٥٣).

فظهر أن الاستقامة حظّ الرب ، وطلب الكرامة حظ النفس. وبالله التوفيق.

وقول المعتزلة في إنكار الكرامة : ظاهر البطلان ، فإنه بمنزلة إنكار المحسوسات. وقولهم : لو صحت لأشبهت المعجزة ، فيؤدي الى التباس النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالولي ، وذلك لا يجوز! وهذه الدعوى إنما تصح إذا كان الولي يأتي بالخارق ويدعي النبوة ، وهذا لا يقع ، ولو ادعى النبوة لم يكن وليّا ، بل كان متنبئا كذّابا ، وقد تقدم الكلام في الفرق بين النبي والمتنبّئ ، عند قول الشيخ : وأن محمدا عبده المجتبى ونبيه المصطفى (٧٥٤).

ومما ينبغي التنبيه عليه هاهنا : أن الفراسة ثلاثة أنواع :

إيمانية ، وسببها نور يقذفه الله في قلب عبده ، وحقيقتها أنها خاطر بهجم (٧٥٥) ،

__________________

(٧٥٢) ضعيف فيه عند الترمذي ، وغيره عطية العوفي وهو ضعيف مدلس ، وهو مخرج في «الاحاديث الضعيفة» (١٨٢١).

(٧٥٣) صحيح ، أخرجه البخاري ، وقد مضى بيان ما فيه (الحديث رقم ٤٥٨).

(٧٥٤) ص ١٤٩ ـ ١٥٧.

(٧٥٥) في الاصل : يهجر ، ويبدو أن الصحيح : يهجم.

٤٩٨

على القلب ، يثب عليه كوثوب الأسد على الفريسة ، ومنها اشتقاقها (٧٥٦) ، وهذه الفراسة على حسب قوة الإيمان ، فمن كان أقوى إيمانا فهو أحدّ فراسة. قال أبو سليمان الداراني رحمه‌الله : الفراسة مكاشفة النفس ومعاينة الغيب ، وهي من مقامات الإيمان. انتهى.

وفراسة رياضية ، وهي التي تحصل بالجوع والسهر والتخلي ، فإن النفس إذا تجردت عن العوائق صار لها من الفراسة والكشف بحسب تجردها ، وهذه فراسة مشتركة بين المؤمن والكافر ، ولا تدل على إيمان ، ولا على ولاية ، ولا تكشف عن حقّ نافع ، ولا عن طريق مستقيم ، بل كشفها من جنس فراسة الولاة وأصحاب عبادة الرؤساء والأظناء (٧٥٧) ونحوهم.

وفراسة خلقية ، وهي التي صنف فيها الأطباء وغيرهم ، واستدلوا بالخلق على الخلق ، لما بينهما من الارتباط ، الذي اقتضته حكمة الله ، كالاستدلال بصغر الرأس الخارج عن العادة على صغر العقل ، وبكبره على كبره ، وسعة الصدر على سعة الخلق ، وبضيقه على ضيقه ، وبجمود العينين وكلال نظرهما على بلادة صاحبهما وضعف حرارة قلبه ، ونحو ذلك.

قوله : (ونؤمن بأشراط الساعة : من خروج الدجال ، ونزول عيسى ابن مريم عليه‌السلام من السماء ، ونؤمن بطلوع الشمس من مغربها ، وخروج دابة الأرض من موضعها).

ش : عن عوف بن مالك الأشجعي ، قال : أتيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في غزوة [تبوك] ، وهو في قبة [من] أدم ، فقال : «اعدد ستّا بين يدي الساعة : موتي ، ثم فتح بيت المقدس ، ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم ، ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطا ، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته ، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر ، فيغدرون ، فيأتونكم تحت ثمانين غاية ، تحت

__________________

(٧٥٦) في الاصل : اشتغالها! ولا معنى لها ، ولعل ما أثبتنا هو الصواب.

(٧٥٧) في الاصل : والاطباء.

٤٩٩

كل غاية اثنا عشر ألفا» (٧٥٨). وروي «راية» ، بالراء والغين ، وهما بمعنى. رواه البخاري وأبو داود وابن ماجه والطبراني. وعن حذيفة بن أسيد ، قال : اطلع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم علينا ونحن نتذاكر الساعة ، فقال : «ما تذاكرون»؟ قالوا : نذكر الساعة ، فقال : «إنها لن تقوم حتى ترون [قبلها] عشر آيات» ، [فذكر] : «الدخان ، والدجال ، والدابة ، وطلوع الشمس من مغربها ، ونزول عيسى بن مريم ، ويأجوج ومأجوج ، وثلاثة خسوف : خسف بالمشرق ، وخسف بالمغرب ، وخسف بجزيرة العرب ، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس الى محشرهم» (٧٥٩). رواه مسلّم ، وفي «الصحيحين» ، واللفظ للبخاري ، عن ابن عمر رضي الله عنهما ، قال : ذكر الدجال عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : «إن الله لا يخفى عليكم ، إن الله ليس بأعور ، وأشار بيده الى عينه ، وإن المسيح الدجال أعور عين اليمنى (٧٦٠) ، كأن عينه عنبة طافية» (٧٦١). وعن أنس بن مالك رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما من نبي إلا وأنذر قومه الأعور الدجال ، ألا إنه أعور ، وإن ربكم ليس بأعور ، ومكتوب بين عينيه ك ف ر» (٧٦٢) ، فسره في رواية : «أي كافر». وروى البخاري وغيره ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «والذي نفسي بيده ليوشكنّ أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا ، فيكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية (٧٦٣) ، ويفيض المال

__________________

(٧٥٨) صحيح ، وهو مخرج في «فضائل الشام» (ص ٢٣) و (ص ٦٢ ـ الطبعة الرابعة) طبع المكتب الاسلامي.

(٧٥٩) صحيح مسلّم (٨ / ١٧٩) وأحمد أيضا (٤ / ٦ ـ ٧).

(٧٦٠) قلت : في بعض الأحاديث : أنه أعور العين اليسرى. لكن حديث ابن عمر هذا أرجح لاتفاق الشيخين عليه كما قال الحافظ ابن حجر ، وأشار إليه ابن عبد البر ، على أن بعضهم حاول الجمع بما تراه مبسوطا في «الفتح» (١٣ / ٩٧) ، فليراجعه من شاء.

(٧٦١) صحيح. و (طافية) أي بارزة.

(٧٦٢) صحيح ، رواه الترمذي (٢ / ٣٩) وقال : «حديث حسن صحيح». قلت : وهو على شرط الشيخين. ثم رأيته في «البخاري» (٧١٣١) و «مسلّم» (٨ / ١٩٥).

(٧٦٣) قال عفيفي : أنظر أنواع الفراسة في ص ٤٨٢ ـ ٤٩٥ ج ٢ من «مدارج السالكين».

٥٠٠