المعجزة القرآنيّة

الدكتور محمد حسن هيتو

المعجزة القرآنيّة

المؤلف:

الدكتور محمد حسن هيتو


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٤٢

إن كلمة محمد حيثما وردت دلت على أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي رضي الله عنهم.

وذلك أنها مكونة من أربعة أحرف ، وهم أربعة خلفاء ، فالميم إشارة إلى أبي بكر ، والحاء إشارة إلى عمر ، والميم الثانية إشارة إلى عثمان ، والدال إشارة لعلي.

وقالوا في قوله تعالى : (حم عسق) قالوا : الحاء : حرب علي ومعاوية.

والميم : ولاية بني مروان.

والعين : ولاية العباسيين.

والسين : ولاية السفيانيين.

والقاف : القدوة بالمهدي.

وقالوا في قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً) قالوا : المراد بالبقرة عائشة ، والمراد بقوله : (اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها) طلحة والزبير.

وقالوا في قوله تعالى : (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ) المراد بهما : أبو بكر وعمر.

إلى آخر ما هنالك من الأباطيل الناجمة عن الزندقة ، والكفر والإلحاد ، والاستهزاء بالقرآن.

وأنا لا أسوق هذا لأبين نماذج من التفسير الباطني الملحد ـ كما ذكرت ـ وإنما لأربط بين هذا الانحراف وبين الانحراف الجديد الناتج عن التفسير بالأرقام الذي وصل إلى نفس هذه المعاني التي ذكرناها عن الباطنية والملاحدة ، والذي وصل لدرجة العلم بموعد قيام الساعة.

الفرق الباطنية ما زالت قائمة :

وقبل أن ندخل فيما رمينا إليه من هذه المقدمة ، من الكلام على ما يسمى بالمعجزة العددية ، يجب علينا أن نعلم أن الفرق الباطنية الهدامة ما زالت قائمة في أمتنا ، وربما كان بعضها أقدر على العمل اليوم منه في الماضي ، مما لا يخفى على أحد.

٣٠١

اتخاذ البهائية الرقم (١٩) رمزا لها :

كما أنه يجب علينا أن نعرف أن البهائية ، وهي الفرقة الكافرة ، التي لا يخفى كفرها على مسلم ، والتي اتخذت لنفسها كتابا ، ونبيا ، وتشريعا ، وقانونا ، سوى كتاب الله ، ونبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وسوى التشريع الإسلامي ، ودعت إلى الشيوعية الجنسية ، وغير ذلك ، مما لا داعي للإطالة به ، بعد أن عرفنا كفرها ، بإعراضها عن كتاب الله ونبيه.

يجب علينا أن نعرف أن هذه الطائفة الكافرة ، قد اتخذت لنفسها من الرقم (١٩) تسعة عشر سرا ورمزا.

وذلك أن ميرزا علي محمد ، مؤسس البهائية أو البابية ، الملقب «بالباب» استطاع أن يجمع حوله ثمانية عشر شخصا ، وسماهم بكلمة «حي».

وهي في حساب الجمّل ـ أي بتحويل الحروف إلى أرقام ـ تساوي ثمانية عشر.

وذلك أن الحاء تساوي رقم ثمانية (٨) والياء تساوي رقم عشرة (١٠) فالمجموع ثمانية عشر.

ولما كان الملا حسين البشروي أول من آمن بالباب ، التفت إليه الباب وقال له : يا من هو أول من آمن بي حقا ، إنني أنا باب الله ، وأنت باب الباب ، ولا بد أن يؤمن بي ثمانية عشر نفسا ، بكامل رغبتهم ، دون ضغط أو إكراه ، ويعترفوا برسالتي.

ويجب انتخاب أحدهم لمرافقتي في الحج ، وهناك أبلغ الرسالة الإلهية إلى شريف مكة ، ثم ارجع إلى الكوفة ، وفي مسجدها أظهر الأمراء.

وفي وقت توديع الباب لحروف حي ـ وهم مريدوه ـ أمرهم أن يدونوا في قائمة اسم كل مؤمن اعتنق الدعوة ، وقال لهم :

سوف أبواب هذه الأسماء ثمانية عشر بابا ، وأجعل كل باب يحتوي على أسماء تسعة

عشر شخصا ، فيكون كل باب في مجموعة واحدة.

٣٠٢

فإذا أضيفت هذه الأسماء في أبوابها الثمانية عشر إلى الواحد الأول الذي تكون من اسمي وأسماء الحروف الثمانية عشر ، التي هي حروف «حي» فإنها تكون عدد كل شيء.

وانتبه أخي القارئ إلى كلمة «فإنها تكون عدد كل شيء ، لما لها من الأهمية في موضوعنا».

كما ألف الباب كتابه المسمى «بالبيان» ورتبه على تسعة عشر واحدا.

وقسم كل واحد إلى تسعة عشر بابا.

فتكون أبواب الكتاب واحدا وستين وثلاثمائة ، وهذا العدد من مضاعفات الرقم تسعة عشر (١٩).

والسنة عند البهائيين مكوّنة من تسعة عشر شهرا ، مع أن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض ، وما ذاك إلا زيادة في كفرهم وتقديسهم للرقم (١٩) الذي هو رمزهم وسرهم.

وكل شهر من شهورهم مكوّن من تسعة عشر يوما ، فالسنة عندهم واحد وستون يوما وثلاثمائة يوم وهو من مضاعفات الرقم تسعة عشر.

والصوم عندهم في الشهر التاسع عشر ، المسمى بشهر «العلاء» فيصومون تسعة عشر يوما.

وعدد ركعات الصلاة اليومية عندهم «تسعة» فعدد ركعاتهم في السنة (٣٢٤٩) ركعة ، وهو حاصل ضرب (٣٦١) وهو عدد أيام السنة في (٩) وهو عدد الركعات ، وهذا العدد من مضاعفات التسعة عشر ٣٦١* ٩ ٣٢٤٩.

ومهر الزوجة عندهم لا يقل عن تسعة عشر مثقالا من الذهب الإبريز ، ولا يزيد عن (٩٥) مثقالا ، وهو من مضاعفات الرقم (١٩).

كما ورد في قانون الأحوال الشخصية على مقتضى الشريعة البهائية ، وهو مستمد من كتاب «الأقدس» الذي وضعه الباب ميرزا حسين.

٣٠٣

وقال الباب في كتابه «البيان» في الباب الثامن ، من الواحد الثامن ما نصه : «يجب على كل نفس أن يورث لوارثه تسعة عشر أوراقا من القرطاس اللطيفة ، وتسعة عشر خاتما ينقش عليها اسما من أسماء الله».

وقال في الباب الثالث من الواحد السابع : «فيما فرض الله على كل عبد أن يكون عندهم تسعة عشر آية ، ممن يظهره الله في أيام ظهوره بخطه».

وقال في الباب السادس عشر من الواحد السادس : «ومن يجير أحدا على أحد في سفر ، أو يدخله بيته بغير إذنه ، أو يريد أن يخرجه من بيته بغير إذنه ، حرم عليه زوجته تسعة عشر شهرا».

وقال في الباب الثامن عشر من الواحد السابع : «إن من يحزن نفسا عاقلا ، فله أن يؤتي تسعة عشر مثقالا من الذهب» (١).

وبهذه المقتطفات السريعة من أقوال الباب وبأمثالها مما ورد ذكره كثيرا في كتابه ـ نفهم معنى قوله السابق في العدد تسعة عشر ، المكوّن منه ومن مريديه المرموز لهم برمز حي ، إذ قال في هذا العدد : إنه عدد كل شيء ، كما ذكرناه قبل قليل.

وأنا إذ أسوق هذا الكلام ، لا أسوقه لذاته ، وإنما أسوقه لأربط بينه وبين التفسير بالأرقام ، الذي بدأه اليهود على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولأربط بينه وبين ما يدعى في هذه الأيام من أن الرقم تسعة عشر سر القرآن ، لتحرف به معاني كلماته ، ولننتقل الآن إلى صلب الموضوع.

محاضرة رشاد خليفة ودعواه :

لقد ألقى الدكتور رشاد خليفة محاضرة في الكويت عام ١٩٧٦ في موضوع الإعجاز العددي في القرآن ، وخرج فيها على الملأ بفكرة الإعجاز الذي يدور حول الرقم تسعة عشر ، وقال :

__________________

(١) البهائية في الميزان ، لأمير القزويني ، وانظر : التسعة عشر ملكا ص ٢٩ ـ ٣٦ للمستشار ناجي حسين.

٣٠٤

إن الإعجاز العددي الذي وقف عليه من خلال هذا الرقم لم يكن معروفا لأحد قبل شهر يونيو ١٩٧٥ الموافق لجمادى الثانية من عام ١٣٩٥ ه‍ وأنا سأوجز هذه المحاضرة الآن ، كما قالها ، وبعد ذلك سأتكلم على ما فيها من إيهام وكذب ، وتحريف وتضليل ، ثم ما يترتب على القول بها من تفسير باطني للقرآن الكريم ، على غرار تفسيرات الباطنية ، والبهائية ، ومن نحى نحوهم ، على أن محاضرته مطبوعة ومعروفة.

قال :

«إن عدد حروف البسملة يتكون من تسعة عشر حرفا».

وإن كل كلمة من كلمات البسملة يتكرر في القرآن أيضا عددا من المرات ، هي دائما من مضاعفات الرقم تسعة عشر.

فكلمة «اسم» تتكرر في القرآن تسع عشرة مرة.

وكلمة «الله» تتكرر ٢٦٩٨ مرة ، وهي من مضاعفات (١٩) ، إذ هي حاصل ضرب ١٩* ١٤٢ ٢٦٩٨.

وكلمة «الرحمن» تتكرر ٥٧ مرة ، ثلاثة أضعاف الرقم (١٩).

وكلمة «الرحيم» تتكرر في القرآن ١١٤ مرة ، ستة أضعاف الرقم (١٩).

ثم تكلم على خاصية الرقم (١٩) ، وأنه يحتوي على بداية النظام الحسابي وهو رقم (١) ، ونهايته ، وهو الرقم (٩) ، وإن هذا الرقم (، ١٩) لا يقبل القسمة.

ثم قال : إن هذا التكرار لكلمات البسملة على هذا النحو ـ أي أنه جاء على أضعاف الرقم (١٩) قال : إن هذا يستحيل أن يكون من قول البشر.

إذ لو زادت كلمة الرحمن مثلا مرة واحدة ، فكانت (٥٨) ، بدلا من (٥٧) ، لما قبلت القسمة على الرقم (١٩).

وهكذا بقية كلمات البسملة.

٣٠٥

وبعد ذلك انتقل نقلة واسعة فقال : إننا نجد الرقم (١٩) نفسه في سورة المدثر ، في الآية رقم (٣٠) في قوله تعالى : (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ).

أي أن الإنسان الذي يقول : إن القرآن من قول البشر ، سيعاقب ، ويكون عقابه تحت إشراف تسعة عشر.

ثم قال : إن التفسير القديم لهذا الرقم ، هو أنهم حفظة جهنم ، إلا أننا بمعلوماتنا الجديدة نجد أن التسعة عشر هي حروف البسملة ، وهذا هو التفسير الجديد لهذه الآية.

قال : والآية التالية لآية : (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) تعلمنا أسباب اختيار الرقم (١٩) بكل وضوح ، إذ تقول الآية : (ما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً).

قال : تعني : أن الأسباب التي من أجلها اخترنا الرقم (١٩) هي خمسة أسباب :

أولا : فتنة للذين كفروا .. أي إزعاج لهم ، ولا شك أن هذه الحقائق الإعجازية الكامنة في التسعة عشر حرفا ، وهي بسم الله الرحمن الرحيم ، سوف تزعج الكفار.

ثانيا : (لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) فهناك المسيحيون الطيبون ، واليهود الطيبون ، وأهل الكتاب هؤلاء يرون أن القرآن كتاب عظيم ، لا غبار عليه ، لكنهم ليسوا متأكدين أنه من عند الله.

قال : فهذه الحقائق الكامنة في التسعة عشر سوف تساعدهم (لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ).

ثالثا : توضح الآية ٣١ من سورة المدثر ، وهي : (وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً) ما قلنا ، وذلك أننا مؤمنون ، فإذا رأينا إعجاز الرقم (١٩) ازداد إيماننا.

رابعا : (وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ) أي يمحو أي آثار للشك أو الريبة فيما يتعلق بكون القرآن من الرحمن الرحيم.

خامسا : لكشف المنافقين والكافرين ، وإظهار حقيقتهم المتعصبة العمياء.

٣٠٦

وأخيرا .. فإن الآية (٣١) تقول لنا في نهايتها («وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) إذن فالرقم (١٩) ليس عدد حراس جهنم.

وأضاف أن في القرآن خاصية هامة متعلقة بالحروف النورانية ، المعروفة بفواتح السور.

وذلك أن نصف الحروف الأبجدية ، وهي أربعة عشر حرفا ، تشترك في تركيب أربع عشرة فاتحة من فواتح السور ، وهي : (ق ، ن ، ص ، طه ، طس ، يس ، حم ، الم ، الر ، طسم ، عسق ، المر ، المص ، كهيعص).

قال : وهذه الفواتح نجدها في تسع وعشرين سورة ، فإذا جمعنا أربعة عشر حرفا ، مع أربع عشرة فاتحة ، مع تسعة وعشرين سورة بدئت بهذه الفواتح ، كان المجموع سبعا وخمسين ، وهو من مضاعفات الرقم تسعة عشر.

ثم قال : وسوف نجد أن الرقم تسعة عشر قاسم مشترك أعظم بين جميع فواتح السور ، بدون استثناء.

فلننظر الآن إلى أحد هذه الفواتح ، ولنبدأ بالحرف (ق) إننا نجد أن هذا الحرف كفاتحة في سورة (ق ، والشورى).

وإذا عددت مكررات الحرف (ق) في سورة قاف ، لوجدتها سبعة وخمسين حرفا ، وهي من مضاعفات الرقم تسعة عشر.

وكذلك الحال في سورة الشورى.

وإذا جمعنا عدد مكررات الحرف في السورتين لبلغ (١١٤) حرفا ، وهو عدد سور القرآن ، وهو من مضاعفات الرقم (١٩) إذا ضربناه بستة.

ثم أخذ يتكلم على دقة التوزيع الحسابي للحرف (ق) ، بأننا إذا تتبعنا القرآن ، لوجدناه في جميع السور التي ذكر فيها لوط عليه‌السلام وقومه ، لوجدناه يقول : قوم لوط ، إلا في سورة (ق) فإنه قال : (وَإِخْوانُ لُوطٍ) وذلك من أجل رعاية الرقم حتى يبقى من مضاعفات التسعة عشر ، لأنه لو قال : (وَقَوْمُ لُوطٍ) كما هو الحال في بقية السور ، لزاد عدد حروف القاف ، وصار ثمانية وخمسين

٣٠٧

حرفا ، وهذا ليس من مضاعفات التسعة عشر ، ولذلك عدل عنه إلى (وَإِخْوانُ لُوطٍ) ليبقى الرقم سبعة وخمسين ، وهو من مضاعفات التسعة عشر.

ثم قال : إن هذا مطرد في كل حروف فواتح السور ، وضرب على ذلك مثالا بسورة (ن) وقال :

إن هذا الحرف تكرر فيها (١٣٣) مرة ، وهو سبعة أضعاف التسعة عشر.

وكذلك الحرف ص ، فإن مجموع مكرراته في ثلاث سور ، وهي : الأعراف (المص) ، ومريم (كهيعص) وسورة (ص) إن مجموع مكرراته في السور الثلاث (١٥٢) وهو حاصل ضرب التسعة عشر ب ثمانية ١٩* ٨ ١٥٢.

وذكر نظير هذا عن فاتحة (طه) وأن عدد مكررات الطاء والهاء يساوي (٣٤٢) وهو حاصل ضرب ١٩* ١٨.

وكذلك في سورة (يس) إذ بلغ عدد مكررات الياء والسين (٢٨٥) وهو حاصل ضرب ١٩* ١٥.

وهكذا أثبت زعمه أن الرقم (١٩) هو سر القرآن ، وبنى عليه ما بنى من التفسيرات الغريبة على ما رأيناه.

وهنا يجدر بنا أن نذكر القارئ بما قاله ميرزا علي مؤسس البهائية من أن هذا الرقم عدد كل شيء ، ولذلك اتخذه سرا لدعوته ورمزا لها.

وإن هذا الذي ذكرناه الآن هو ما قاله هذا الرجل ، نقلته بحروفه على ما فيه ، قاله ليثبت إعجاز القرآن العلمي من جهة العدد ، وليشرح به ـ فيما زعم ـ آيات القرآن شرحا جديدا.

ولكن التساؤل الآن .. هل كان ما أورده صحيحا؟.

والجواب : لا .. لقد كان كذبا.

وعلى افتراض صحته .. هل هو معجز ..

والجواب أيضا : لا .. على ما سنبيّنه ونثبّته.

إن الكلام الذي ذكره هذا الرجل في محاضرته ودعواه ، وما أورده فيها من

٣٠٨

أرقام لكلام يلفت النظر ، ويثير الدهشة والانتباه ، وذلك عند ما يسمعه الإنسان لأول وهلة ، ويتوهم أنه كلام صحيح ومطرد في كل حرف من حروف القرآن ، وكل كلمة من كلماته.

ولكن سرعان ما ينتبه الإنسان من دهشته عند ما يرى أن هذا الكلام ليس بصحيح أصلا ، لما احتواه من الأكاذيب والتمويهات التي تشبه أعمال السحرة.

على أنه لو صح فلا إعجاز فيه.

وعلى افتراض صحته وإعجازه ، فلا يجوز تحريف آيات القرآن وإخراجها عن ظاهرها به.

فلا يجوز تغيير معناها المفهوم من الألفاظ العربية التي تعبدنا الشارع بفهم القرآن حسب مدلولاتها وقواعدها ، مما يفضي بنا إلى الباطنية والإلحاد ، وإنما يكفينا على افتراض صحته وإعجازه أن نفهم منه أنه معجز.

وسنبدأ بهذه الأمور على هذا الترتيب الذي ذكرناه.

ا ـ بيان اكاذيبه في الارقام التي أوردها :

لقد زعم في بداية كلامه أن عدد حروف البسملة تسعة عشر حرفا ، وأن كل كلمة من كلمات البسملة تتكرر في القرآن الكريم كله عددا من المرات هو دائما من أضعاف الرقم تسعة عشر.

قال : فنحن نجد أن كلمة «اسم» تتكرر في المصحف الشريف بالضبط تسع عشرة مرة.

وكلمة «الله» تتكرر (٢٦٩٨) مرة ، وهي من مضاعفات التسعة عشر (١٤٢) مرة.

وكلمة «الرحمن» تتكرر (٥٧) مرة ، ثلاثة أضعاف الرقم تسعة عشر.

وكلمة «الرحيم» تتكرر (١١٤) مرة ، ستة أضعاف الرقم تسعة عشر.

ولنأخذ كلامه فقرة فقرة لنضع أيدي القارئ على ما فيه من الأباطيل.

٣٠٩

ا ـ أ ـ كذبه في عدد حروف البسملة :

فهو يزعم أن عدد حروف البسملة تسعة عشر حرفا ، معتمدا بذلك على حروفها المكتوبة ، دون المنطوقة ، إذ أن حروفها المنطوقة عشرون حرفا ، وليست تسعة عشر.

لأن كلمة «الرحمن» تتكون من سبعة حروف منطوقة ، الرحمن ، بزيادة الألف وراء الميم.

وهي وإن كانت محذوفة في الرسم القرآني ، إلا أنه مشار إليها بألف قصيرة فوق الميم ، إشارة إلى الرسم المحذوف في الرسم ، مما يجب النطق به ، ولا تصح القراءة بدونه.

ونحن لو كتبنا «الرحمن» في غير القرآن لكتبناها بالألف ، كما أننا لو طالبنا أي إنسان ممن لا يعرف القراءة والكتابة ، إلا أنه يحفظ الفاتحة أو غيرها من السور ، ويعرف البسملة ، لو طالبناه أن يعد حروف البسملة ، لعد الحروف المنطوقة حسبما ينطق بها ، ولبلغت عشرين حرفا ، وليست تسعة عشر.

ونظائر هذه الكلمة كثيرة في القرآن ، فكلمة العالمين بدون ألف في الرسم ، ولكننا ننطق بها ، وإلا فلا تصح قراءتنا.

وكلمة «النفاثات» في سورة الفلق ، حذف منها ألفان ، بعد الفاء ، وبعد الثاء «النفث» إلا أننا ننطق بهما ، فإذا أردنا أن نعد حروف النفاثات ، فإننا لا نعد حروفها المكتوبة ، وإنما نعد حروفها المنطوقة ، ولو لم ننطق بها لا تصح قراءتنا اتفاقا.

ولا داعي للاستطراد في هذه الكلمات ، لأنها كثيرة ، وقد نبه القراء وكتب القراءات عليها ، كلمة كلمة في كل القرآن. وحينما نعدها إنما نعد ما ننطق به ، لا ما نرسمه.

وذلك لأن رسم القرآن أمر خاص بالقرآن ، والعبرة بالنطق الذي يكون موافقا للرسم تارة ، ومخالفا له أخرى ، كما هو معروف في علم القراءات.

٣١٠

فهذا أول كذب له في دعواه العريضة الساذجة ، وإذا بطل هذا بطل كل ما بناه عليها ، لأنها الأساس في هذه المسألة.

على أننا إذا تجاوزنا هذا ، وسلمنا أن عدد حروف البسملة تسعة عشر ، حسبما هو مرسوم في القرآن ومكتوب ، وغضضنا الطرف عن النطق ، فما هو وجه الإعجاز فيه؟.

ب ـ كذبه في مفردات البسملة :

يزعم صاحب الدعوى أن كل كلمة من كلمات البسملة تكرر في القرآن كله عددا من المرات هو دائما من مضاعفات التسعة عشر ، وهذا لا يمكن أن يكون من صنع البشر.

فقال أولا : إن كلمة «اسم» تكررت في القرآن بالضبط تسع عشرة مرة.

ولكننا حينما رجعنا إلى «المعجم المفهرس» لألفاظ القرآن الكريم ، للمرحوم محمد فؤاد عبد الباقي ، والذي اعتمده صاحب الفكرة ، وأشار بالرجوع إليه ، وجدنا أن كلمة «اسم» تكررت في المصحف اثنتين وعشرين مرة (٢٢) مرة ، لا تسعة عشر كما زعم.

وهي بالتفصيل قد وردت مرفوعة ست مرات ، ومنصوبة تسع مرات ، ومجرورة سبع مرات.

والمعجم موجود في بيت كل إنسان ، ويمكن الرجوع إليه.

فأين ما زعمه من تكررها تسع عشرة مرة ...؟ إنه الكذب الصريح ...؟.

على أنه كان يجب عليه أن يأخذ في التعداد كلمة «باسم» كما وردت في البسملة ، لا كلمة «اسم».

وهو لو أخذ كلمة «باسم» لما وجدها في القرآن مكررة إلا سبع مرات فقط.

وعلى كلا الحالين فإن ما زعمه من تكررها تسع عشرة مرة ليس بصحيح ، وإنما هو كذب صريح ...

٣١١

ثانيا : زعم أن لفظ الجلالة «الله» وهو الكلمة الثانية من البسملة قد تكرر في القرآن (٢٦٩٨) مرة ، وهو حاصل ضرب ١٩* ١٤٢ ، أي فهو من مضاعفات التسعة عشر.

ولكننا حينما رجعنا إلى المعجم الذي أرشدنا إليه ، وجدناه أيضا ينص على خلاف هذا ، وأن مجموع الكلمة في القرآن (٢٦٩٧) مرة وليس كما زعم ، وهذا الرقم الحقيقي ليس من مضاعفات التسعة عشر.

وبالتفصيل وردت ٩٨٠ مرة مرفوعة ، و ٥٩٢ مرة منصوبة ، و (١١٢٥) مرة مجرورة ، والمجموع (٢٦٩٧) مرة ، وهو ليس من مضاعفات التسعة عشر.

وبهذا يتبين لنا أيضا كذبه الصريح في الكلمة الثانية من البسملة.

ثالثا : قال إن كلمة الرحمن وردت سبعا وخمسين مرة ، مرفوعة ومنصوبة ومجرورة ، وهو من مضاعفات التسعة عشر ، بالحركات الثلاث.

وفعلا كان الأمر على ما قال ...

ولكن وللأسف كان هذا قاصمة ظهر له في كلمة «الرحيم».

لأنه زعم أنها تكررت في القرآن خمسا وتسعين مرة ، وهي خمسة أضعاف التسعة عشر.

ولكنه ومع الأسف لم يأخذها هذه المرة مرفوعة ومنصوبة ومجرورة ، كما فعل في كلمة «الرحمن» لأن المجموع لا يساعده على فريته ، إذ يبلغ المجموع حينئذ (١١٥) مرة وهذا ليس من مضاعفات التسعة عشر ، ولذلك عمد إلى أخذها مرفوعة ومجرورة فقط ، فكان العدد خمسا وتسعين مرة ، وأسقط ورودها منصوبة عشرين مرة؟ ليستقيم له زعمه أنها من مضاعفات التسعة عشر ، فهو يسقط ما يشاء ويثبت ما يشاء ليصل إلى غرضه ، ولو كان عن طريق التمويه والتدليس ...

ولكن المفاجأة ليست هنا أخي القارئ ... إن المفاجأة غريبة وعجيبة ...

٣١٢

وذلك أن كلمة «الرحيم» لم ترد أيضا مرفوعة ومجرورة خمسا وتسعين مرة ، وإنما وردت أربعا وتسعين مرة ، وهذا ليس من مضاعفات التسعة عشر.

ويبدو أن عبقرية صاحب النظرية قد اعتمدت على الرقم الموجود تحت كلمة الرحيم في المعجم المفهرس ، وهو خطأ مطبعي ، وهي لم ترد إلا أربعا وتسعين مرة ، كما هو واضح في المعجم.

فأين مضاعفات التسعة عشر في كلمات البسملة؟.

وأين الإعجاز فيها ..؟.

إلا أنها الأوهام الباطلة المزعومة لتحريف معاني القرآن الكريم ، والأكاذيب المخترعة المكشوفة.

وأية فكرة عبقرية هذه التي تعتمد على الأباطيل والأكاذيب من أول كلمة من كلماتها إلى آخر كلمة؟.

ج ـ كذبه في فواتح السور :

لم يقف أمر رشاد خليفة عند المغالطات والأكاذيب في عدد حروف البسملة ، وعدد المرات التي وردت فيها كل كلمة من كلماتها ، على ما عرفناه بالأرقام.

لقد استطرد رشاد في مغالطاته ، فانتقل إلى فواتح السور فقال :

«إنا نجد أن نصف الحروف الأبجدية ـ وهي أربعة عشر حرفا ـ تشترك في تركيب أربع عشرة فاتحة ، وهي (ق ، ن ، ص ، طه ، طس ، يس ، حم ، الم ، الر ، طسم ، عسق ، المر ، المص ، كهيعص).

وهذه الفواتح نجدها في تسع وعشرين سورة.

فإذا جمعنا عدد الحروف أربعة عشر ، مع عدد الفواتح أربعة عشر ، مع عدد السور المفتتحة بهذه الفواتح ، وهي تسع وعشرون سورة ، وجدنا أن الحاصل يبلغ سبعا وخمسين ، وهو ثلاثة أضعاف التسعة عشر.

٣١٣

قال : وهكذا نجد الربط الكامل التام بين بسم الله الرحمن الرحيم وفواتح السور».

وأنا لا أريد أن أناقشه الآن في عدد حروف الفواتح التي زعم أنها أربعة عشر حرفا ، بإسقاط الحروف المكررة ، وأخذ رسم الحرف دون نطقه ، فأنا لا أريد أن أناقشه في هذا ، لأن التدليس فيه واضح ، بإثباته ما يشاء وأخذه ما يشاء ، كما فعل في كلمة «الرحيم» على ما رأيناه ، ودون ضابط ، ليصل إلى غرضه ، لأن ما قلناه في البسملة نقوله هنا بحروفه.

فعلى تسليم ما قاله جدلا ، لا يتحقق له المراد ، وذلك لأنه زعم أن عدد الفواتح أربع عشرة فاتحة.

وهذا ليس بصحيح.

لأن عدد الفواتح المفتتح بها تسع وعشرون أو ثلاثون فاتحة ، وهي على التفصيل :

(الم) وردت ست مرات في البقرة ، وآل عمران ، والعنكبوت ، والروم ، ولقمان ، والسجدة.

(الر) وردت خمس مرات في يونس ، وهود ، ويوسف ، وإبراهيم ، والحجر.

(المر) وردت مرة واحدة في سورة الرعد.

(المص) وردت مرة واحدة في سورة الأعراف.

(حم) وردت سبع مرات في سورة غافر ، وفصلت ، والشورى ، والزخرف ، والدخان ، والجاثية ، والأحقاف.

(عسق) وردت مرة واحدة في الشورى.

(ص) وردت مرة واحدة في صاد.

(طس) وردت مرة واحدة في سورة النمل.

(طسم) وردت مرتين في سورة الشعراء ، والقصص.

(طه) وردت مرة واحدة في سورة طه.

٣١٤

(ق) وردت مرة واحدة في سورة ق.

(كهيعص) وردت مرة واحدة في سورة مريم.

(ن) وردت مرة واحدة في سورة القلم.

(يس) وردت مرة واحدة في سورة يس.

فنحن إذ عددنا هذه الفواتح وجدناها ثلاثين فاتحة إذا جعلنا (عسق) فاتحة مستقلة ، كما هو ثابت في القرآن ، إذ جاءت في سورة الشورى آية مستقلة عن (حم) وأخذت رقما مستقلا.

وكما عدّها هو حينما عدّ الفواتح ، إذ عدّها فاتحة مستقلة.

وأما إذا جعلناها مع «حم» فاتحة واحدة ، فإن عدد الفواتح يبلغ تسعا وعشرين فاتحة ، وعلى كل الأحوال فإنها لا تشكّل شيئا من مضاعفات التسعة عشر.

وذلك لأن عدد حروف الفواتح لو أخذ حسب الرسم لبلغ ثمانين حرفا ، ولو أخذ حسب النطق لبلغ (٢٢١) حرفا.

وعدد الفواتح حسب الواقع إما أنه ثلاثون ، أو تسع وعشرون.

وعدد السور المفتتحة بهذه الفواتح تسع وعشرون سورة.

وعلى أي حال ، وبأي كيفية أجرينا الجمع ، فإننا لن نصل أبدا إلى رقم يكون من مضاعفات التسعة عشر.

إلا أن صاحب الفكرة ، وبطريقة بهلوانية ، أسقط المكرر من الحروف ، كما أسقط المكرر من الفواتح ، ليكون المجموع عنده سبعا وخمسين وهو من مضاعفات التسعة عشر.

وذلك كما أسقط كلمة الرحيم منصوبة ، ليسلم له عددها مجرورا ومرفوعا من مضاعفات التسعة عشر ، ومع ذلك لم يسلم له ، لأنه أخطأ في عدها ، كما بيّناه.

وبهذه الطرق الملتوية من النفي والإثبات ، والإسقاط والاعتبار ، بدون ضابط أو قانون ، وإنما يثبت ويسقط حتى يستقيم له العدد كما يشاء ـ بهذه الطرق أثبت صاحب الفكرة الباطلة فكرته.

٣١٥

د ـ كذبه في تكرر حروف الفواتح في السور التي افتتحت بها :

لم يكتف الرجل بما بيّناه من أباطيله ، بل ذهب إلى أبعد من ذلك ، فزعم أن حروف هذه الفواتح تتكرر في السور التي افتتحت بها عددا من المرات يساوي أضعاف التسعة عشر.

كما زعم أن هذا يكون في كل حرف من حروف الفواتح المركبة من أكثر من حرف ، فقال :

«وعند ما ننتقل إلى فواتح السور المركبة من أكثر من حرف ، نلاحظ حقيقة قرآنية غاية في الإعجاز ، إذ أن هذه الحروف توجد في هذه السور من مكررات الرقم تسعة عشر».

فنحن الآن أمام ادعاءين :

الأول : أن الفواتح المفردة ك (ص ، ون ، وق) تتكرر في السورة التي افتتحت بها عددا يكون دائما من مضاعفات التسعة عشر.

والثاني : أن فواتح السور التي تتكون من حروف مركبة ، كل حرف من حروف الفاتحة يتكرر في السورة التي افتتحت به عددا من المرات يكون من مضاعفات التسعة عشر.

قاعدة هامة في المنطق :

إنا قبل أن نبدأ بنقد كلامه هذا ، وبيان زيفه وكذبه ، نريد أن نبين حقيقة علمية منطقية ، تكون ميزانا للبحث والنقد.

وذلك لأننا سوف لا نستطيع أن نتتبع كل كلمة من الكلمات التي قالها ، لأنها طويلة ، وتفضي إلى الملل ، دون فائدة أو جدوى ، ولكننا إذا لجأنا إلى هذه القاعدة استطعنا أن نصل إلى النتيجة بسرعة وسهولة ويسر ، دون ملل أو كراهية.

٣١٦

يقول علماء المنطق : إن القضية الموجبة الكلية نقيضها قضية سالبة جزئية ، كما أن السالبة الكلية نقيضها موجبة جزئية.

فلو أن إنسانا قال : كل حيوان يحرك فكه الأسفل ، فإنه يكفينا لأن نبطل كلامه وننقضه أن نذكر صورة واحدة لحيوان واحد يخرج عن هذا التعميم وينقضه فنقول : إن التمساح لا يحرك فكه الأسفل ، بل يحرك فكه الأعلى ، وبهذا نبطل كلامه ودعواه المعممة.

ولو أن إنسانا قال : لم يثبت عن واحد من الصحابة والتابعين أنه قال : إن لمس الرجل للمرأة ناقض للوضوء ، فإنه يكفيني لأنقض كلامه أن أثبت صورة واحدة قد قال فيها واحد من الصحابة أو التابعين بهذا القول ، فأقول : روى مالك ، عن ابن شهاب الزهري ، عن سالم بن عبد الله ، عن عبد الله بن عمر ، عن أبيه عمر بن الخطاب أنه قال : «قبلة الرجل امرأته وجسها بيده من الملامسة ، فمن قبل امرأته أو جسها بيده فليتوضأ».

وبهذا أبطل تعميمه أن هذا لم يقل به أحد من الصحابة وأنقضه ، ولا يهم بعد ذلك ما يقال في المسألة إذ المهم الآن إبطال الدعوى على طريقة الجدال والنظر عند الجدليين.

فهو يزعم أن كل سورة افتتحت بحرف يتكرر هذا الحرف فيها عددا من المرات يكون من مضاعفات التسعة عشر ، وضرب على ذلك مثالا بسورة (ق) و (القلم).

فقال : «إذا عددت مكررات الحرف (ق) في سورة (ق) لوجدتها سبعا وخمسين مرة ، وهي ثلاثة أضعاف التسعة عشر».

ولقد صدق في هذه فالرقم كما قال ، ولذلك جعلها مقدمة لكلامه للإيهام بها في غيرها ثم قال : «هذه العلاقة الوثيقة المباشرة التي وجدتموها بين الحرف (ق) والرقم تسعة عشر ، عدد حروف بسم الله الرحمن الرحيم ، ستجدونها شاملة

٣١٧

لجميع الحروف النورانية ، فواتح السور ، بدون استثناء ، فنحن إذا انتقلنا الآن إلى الحرف (ن) نجد أن هذا الحرف تفتتح به سورة واحدة في القرآن الكريم هي سورة القلم (ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ) وإذا عددت مكررات الحرف في هذه السورة ، لوجدت العدد (١٣٣) وهو يساوي ١٩* ٧.

كذلك الحرف (ص)».

إلا أنه لم يذكر لنا عدده ، ووضعت النشرة وراء حرف الصاد نقطا ، وهذا كلامه بحروفه.

أ ـ كذبه في (ن):

ولكنني عند ما رجعت إلى سورة القلم ، وعددت النون فيها ، وجدتها تبلغ (١٣١) حرفا ، وهو ليس من مضاعفات التسعة عشر ، إذن فقد كذب حينما زعم أنها (١٣٣) ليصل إلى دعواه ، ويمكن لأي واحد منا أن يعد هذا بوضع خط أحمر تحت كل حرف (ن) في السورة ، أو بغير ذلك من الوسائل.

ه ـ كذبه في (ص):

ثم عددت بعد ذلك حرف (ص) في سورة صاد ، فبلغ (٢٨) ثمانية وعشرين حرفا ، وهذا ليس من مضاعفات التسعة عشر ، وليس قريبا منها ، علما بأن السورة قد افتتحت به ، إذن فقد كذب به أيضا.

وبهذا يظهر لنا الكذب الرخيص الساذج الذي سلكه صاحب هذه النظرية ظنا منه أن أحدا لن يعد الحروف لصعوبة عدها.

وقد أراد أن يروج لهذه الدعوى الكاذبة بصورة صحيحة يموه بها على الناس ، فبدأ بالحرف (ق) لأنه فعلا تكرر سبعا وخمسين مرة ، ثم أتبعه ببقية الدعوى الكاذبة ، على طريقة السحرة والممثلين ، كمن يرى التمساح يحرك فكه الأعلى ، فيقول لطفل صغير معه : انظر إلى التمساح ، إنه يحرك فكه الأعلى عند الطعام ، وهكذا يفعل كل حيوان ، إن الطفل حينما يسمع هذا الكلام يصدقه

٣١٨

لبعض الوقت ، حتى يرى أي حيوان آخر ، فيجده يحرك فكه الأسفل ، وعند ذلك تنكشف أمامه الدعوى الكاذبة.

و ـ كذبه في الفواتح المركبة :

ثم قال صاحب الفكرة : «وعند ما ننتقل في فواتح السور المركبة من أكثر من حرف نلاحظ حقيقة قرآنية غاية في الإعجاز .. إذ أن هذه الحروف تتواجد في هذه السور من مكررات الرقم (١٩) ، بل أيضا إذا عددت الحروف المتشابهة في السور ذات الفواتح المتشابهة ، فإنك تجد أن هذا العدد أيضا من مضاعفات الرقم (١٩).

أي سواء كان الجمع أفقيا ، داخل السورة الواحدة ، أو رأسيا شاملا لجميع السور التي تفتتح بنفس الحروف ، فإن المجموع في الحالتين من مكررات الرقم (١٩)».

هذا كلامه بحروفه.

وقد ضرب على ذلك مثالا بالحرف (ق) من سورة الشورى المفتتحة ب (حم ، عسق) وقال إنه تكرر في السورة سبعا وخمسين مرة ، وهو من مضاعفات التسعة عشرة.

ولقد صدق في هذا.

إلا أنه كذب في كل ما سواه من الحروف في الفواتح المركبة على طريقته في الحروف المفردة ، إذ قدم لها بصورة صادقة.

وذلك لأنني عددت بقية حروف فاتحة السورة فوجدت أن الحاء تكررت واحدا وخمسين مرة ، وهذا ليس من مضاعفات التسعة عشر.

والميم تكررت (٢٦٩) مرة ، وهذا ليس من مضاعفات التسعة عشر.

والسين تكررت (٢٥٢) مرة ، وهذا ليس من مضاعفات التسعة عشر.

كما أنني عددت حرف الطاء من سورة (طه) فبلغ (٢٥) خمسا وعشرين مرة وليس من مضاعفات التسعة عشر.

٣١٩

وعددت حرف الكاف من سورة مريم ، المفتتحة ب (كهيعص) فبلغ عدد لحرف (ك) (١٣٤).

وبلغ عدد الحرف (ه) (١٤٢).

وبلغ عدد الحرف (ص) (٢٥).

وكل هذا كما تراه أخي القارئ ليس من مضاعفات التسعة عشر ، وإنما هي دعاوى وأكاذيب.

ويكفينا هذا الذي ذكرناه ، عما لم نذكره ، مما هو على هذه الطريقة الكاذبة ، والقرآن بين أيدينا جميعا ، يمكن لأي واحد منا أن يرجع إليه ويعد ما يشاء من الحروف ليجد كذبه في كل ما ادعاه.

فهو لو كذب في صورة واحدة لانتقضت دعواه ، فكيف يكون الحال لو كذب في كل ما ادعاه إلا في صورة واحدة ...؟.

أظن أن الأمر لا يحتاج إلى تعليق ... فالأمر أوضح من أن يعلق عليه وأكبر وأخطر ...

وحسب بعض المسلمين من الغفلة ، والانفعال العاطفي ، أن تلقى على مسامعهم مثل هذه الأكاذيب في محاضرة عامة ، ومن ثم يروج لها في الصحف والمجلات ، بل وكتب بعض المفكرين المسلمين ، وهي من الأكاذيب الساذجة.

ولكن على افتراض الصدق في كل ما ادّعى من الأرقام ، هل يكون في الأمر معجزة ..؟

إننا سنترقى مع صاحب دعوى التسعة عشر درجة أخرى في مجال الجدل ونقول :

إننا على افتراض وجود ما ادعاه من مضاعفات التسعة عشر في كل فقرة أوردها ، مما سمعناه وقرأناه في الفقرات الماضية ، فإن هذا لا يرقى لدرجة الإعجاز.

٣٢٠