المعجزة القرآنيّة

الدكتور محمد حسن هيتو

المعجزة القرآنيّة

المؤلف:

الدكتور محمد حسن هيتو


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٤٢

الآية التاسعة

(وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ)

ونظرية توسع الكون

إنه رغم تقدم العلوم وتضافرها لم يستطع أحد حتى الآن أن يدرك سعة الكون ، وأنا أعتقد أنه لا سبيل إلى مثل هذا الإدراك ، بهذه الطاقات التي يتمتع بها الإنسان ، بل ولا بغيرها من الطاقات.

فما هي سعته؟

وما هي حدوده؟

وما ذا يوجد وراء هذه الحدود؟

وهل لهذا الكون جدار ، بغض النظر عن مواصفات هذا الجدار؟

فإذا كان ، ما هو سمكه؟

وما ذا يوجد وراءه ..؟

إذا كان يوجد وراءه فضاء ، فما هي سعة هذا الفضاء الثاني؟

وهكذا يتسلسل الأمر إلى اللانهاية ..

وإذا لم يكن للكون جدار ، فإلى أي مدى يمتد؟.

إنها أسئلة حيرت ، وما زالت تحير كل باحث في هذا الكون .. لكي يرجع الإنسان إلى رشده ، ويعلم أن ما أوتيه من الطاقات والمعارف لا يكفيه لمعرفة كل الأسرار عن الكون والحياة.

ولكن هذه التساؤلات .. بل هذه اليقينيات ، لم تمنع الإنسان من البحث والمحاولة ، فإن التطلعات الإنسانية في كثير من الحالات تكون أكبر من الطاقات والإمكانيات.

٢٠١

ولذلك حاول العلماء أن يضعوا تصورا لهذا الكون يتناسب على الأقل مع طاقاتهم ومشاهداتهم ، مع اعترافهم بأن هذا التصور ليس حلا للغز الكون في سعته وعظمته ، وليس كشفا للحقيقة اليقينية.

فقالوا : إن هذا الكون ليس واسعا فقط ، وإنما هو يتوسع دائما وبانتظام.

ولكي نفهم سعته وتوسعه قالوا : يجب أن نتصور طائرة خيالية تسير بسرعة ٠٠٠ ، ٣٠٠ كم في الثانية ، أي بسرعة الضوء ، وأن هذه الطائرة الخيالية تطوف بنا حول الكون الموجود الآن ، فإن هذه الرحلة الخيالية سوف تستغرق ٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ١ ألف مليون سنة.

يضاف إلى هذا أن هذا الكون ليس بمتجمد ، وإنما هو يتوسع كل لحظة ، حتى أنه بعد ٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٣٠٠ ، ١ مليار وثلاثمائة مليون سنة تصير هذه المسافة الكونية ضعف المسافة الحالية.

وهكذا لن تستطيع هذه الطائرة الخارقة في سرعتها الخيالية أن تكمل دورانها حول هذا الكون أبدا ، وإنما سوف تظل تواصل رحلتها في نطاق هذا التوسع الدائم في الكون.

وهذه هي نظرية أينشتين عن الكون (١).

والذي دفعهم للقول بتوسع الكون هو مشاهداتهم التي رأوا فيها أن السدم الخارجية أو «الجزر الكونية» تبدو أنها تتباعد عن مجموعتنا الشمسية ، كما أنها تتباعد بعضها عن بعض بانتظام.

فقد لاحظ الدكتور «هايل» رائد الباحثين في السدم ، لاحظ أن هناك نزعة واحدة تسود هذه المجموعات النجمية الشاسعة البعد ، وهي أنها أميل إلى الإدبار عنا منها إلى الإقبال ، كما لاحظ أن سرعة الإدبار تزيد بازدياد أبعاد هذه الجزر الكونية (٢).

__________________

(١) الإسلام يتحدى : ص ٧٦.

(٢) انظر : كتاب الشمس للدكتور جامو.

٢٠٢

وقد مثل هذا التوسع الدائم المستمر ، مثله البروفسور «أيدنجتون» بقوله : «إن مثال النجوم والمجرات كنقوش مطبوعة على سطح بالون من المطاط ، وهو ينتفخ باستمرار ، وهكذا تتباعد جميع الكرات الفضائية عن أخواتها كحركاتها الذاتية ، في عملية التوسع الكوني».

ويقول : إن دائرة المادة كانت ١٠٠ مليون سنة ضوئية في أول الأمر ، وقد أصبحت هذه الدائرة الآن عشرة أمثالها.

وخلاصة القول : أن العلم الحديث اليوم يؤمن بأن هذا الكون واسع جدا ، وأنه كل يوم يزداد اتساعه وبانتظام.

لقد توصل العلماء إلى هذه النظرية التي تكاد تكون عندهم مسلمة ، وعلى الأقل طبقا لمشاهداتهم الحالية ، لقد توصلوا إليها بعد طول بحث ونظر ، وبعد أن تمكنوا من القوانين العلمية ، والضوابط الفلكية ، والوسائل البصرية ، ولو لا هذا لكان من المستحيل عليهم أن يتوصلوا إلى مثل هذا ، وهذا أمر يقيني مسلم في قوانين العقل وضوابطه.

ترى .. ما ذا يقول العلماء المعاصرون ، لو أن إنسانا لا يعرف شيئا عن العلوم الفلكية ، والقوانين العلمية ، ولا يملك شيئا من الوسائل البصرية ، ونشأ في بادية أو شاهق جبل ، ثم بعد هذا أخذ ينطق بنفس القوانين العلمية ، والنظريات الكونية ، في شتى مجالات العلم ، وبنفس النتائج التي توصلوا إليها بعد جهد جهيد ، ودأب طويل ...؟.

لا شك أن مثل هذا الإنسان سوف يكون محل دهشة واستغراب ، ولا بد أن يعزى تصرفه هذا إلى قوى وطاقات وراء طاقات الإنسان وقواه.

بل ما ذا يقولون لو زدنا في هذا الموضوع شيئا أشدّ غرابة ، فقلنا : إنه قال هذا الكلام ، ونطق بنفس النظريات الحديثة قبل أربعة عشر قرنا ، وفي الزمن الذي كان يجهل الإنسان فيه تماما كل شيء عن أصل الكون ، وهو مع هذا أمي لا يقرأ ، ولا يكتب ، ولم يعرف شيئا عن فلسفة اليونان ، وقوانين الرومان ، كما لم يدرس شيئا عن الكون والحياة ..؟!.

٢٠٣

لا شك أن كل من يسمعه ينطق بنفس النظريات العلمية التي ينطق بها العلم الحديث ، سوف يقول وبكل ثبات : إن هذا الذي نطق به يستحيل أن يكون من قول البشر ، لأنه لا يدخل تحت طاقاتهم وإمكانياتهم في ذلك الوقت ، لا بدّ أن طاقة وراءه هي التي لقنته هذا ، ولا بدّ لهم أن يعترفوا بأنه الوحي من الله.

فلنستمع إذا إلى القرآن الكريم وهو يذكر لنا نفس هذا الكلام ، وبنفس الأسلوب ، قبل أربعة عشر قرنا من الزمان.

قال تعالى : (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ ، وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) (سورة الذاريات : آية ٤٨).

وليقر كل ذي عقل وإنصاف أن هذا القرآن كلام الله ووحيه ، (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (سورة فصلت : آية ٤٢).

٢٠٤

الآية العاشرة

(اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ)

والاعجاز العلمي فيها

إن أقرب كواكب المجموعة الشمسية إلى الأرض هو القمر ، فهو لا يبعد عن أرضنا سوى ٠٠٠ ، ٢٤٠ ميلا في الفضاء ، وبسبب هذا القرب نجد أن القمر يؤثر بجاذبيته على البحار مرتين يوميا ، وذلك في حركتي المد والجزر.

وفي بعض حالات المد ، نجد أن الأمواج ترتفع عاليا حتى تصل إلى الستين مترا ، وهذا بالنسبة للبحار.

وأما بالنسبة للأرض ، فإن لجاذبية القمر تأثيرا قويا عليها ، لدرجة أنه يحني القشرة الأرضية مرتين نحو الخارج ، في اليوم الواحد ، ولمسافة عدة بوصات.

إن هذه المسافة الفاصلة بين الأرض والقمر مناسبة تماما لصالح الأرض وأهلها.

فلو نقص هذا الفاصل إلى خمسين ألفا من الأميال ـ على سبيل المثال ـ فسوف يحدث طوفان شديد في البحار ، وسوف تغطي أمواجها أكثر مناطق الأرض المأهولة ، وسوف يفرق كل شيء ، حتى إن الجبال ستتحطم من شدة أمواج البحار ، وسوف تحدث شقوق مروعة على سطح الأرض من وطأة جاذبية القمر.

ويرى علماء الفلك أيضا أن الأرض قد مرت بكل هذه الأدوار أثناء عمليات التكوين ، حتى وصلت إلى بعدها الحالي من القمر ، بناء على قانون الفلك.

٢٠٥

وهذا القانون هو نفسه سوف يأتي بالقمر قريبا من الأرض مرة أخرى ، ويرون أنه من المتوقع حدوث هذا قبل بليون سنة ، وعندئذ سوف ينشق القمر ، وسوف يتناثر حول فضاء الأرض ، في صورة حلقة.

هكذا قال علماء الفلك ، بناء على القوانين الفلكية الثابتة التي توصلوا إليها وأدركوها.

وهذه النظرية الفلكية تنطق بنفس المعنى الذي وردت به الآية التي تخبر عن انشقاق القمر قبل أو حين يقترب قيام الساعة.

قال تعالى : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ، وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) (سورة القمر : آية ١ ـ ٢).

فهل هناك بعد هذا التطابق بين النظرية العلمية والآية القرآنية من تطابق ... أظن أنه لا مجال لأي نوع من أنواع الشك في أن هذا أبدع أنواع الإعجاز العلمي في القرآن.

بقيت عندنا مشكلة مهمة جدا ، ألا وهي مشكلة المعنى الذي ذكرناه للآية ، وهو انشقاق القمر حين تقترب الساعة ، مع ان لفظة الانشقاق جاءت بصيغة الماضي «انشق».

والأحاديث الصحيحة مصرحة بوقوع حادثة الانشقاق في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

فقد روي من طرق صريحة صحيحة ، ونسبه بعضهم إلى التواتر.

فقد رواه البخاري ، ومسلم ، وأحمد ، والترمذي ، وابن حبان ، والطبراني ، وابن مردويه ، وغيرهم من المحدثين ، عن عدد من الصحابة.

والصحيح الذي عليه أكثر العلماء أنه ليس بمتواتر.

قال الإمام الخطابي : «إن معجزاته صلى‌الله‌عليه‌وسلم سوى القرآن لم تتواتر» ثم ذكر الحكمة في عدم تواترها (١).

__________________

(١) محاسن التأويل ١٥ / ٥٥٩٣ والقرطبي.

٢٠٦

إذن فهو من أخبار الآحاد ، الموافقة لظاهر التنزيل ، إلا أنها كما قال القرطبي لا يلزم أن يستوي الناس فيها ، لأنها كانت آية ليل.

قال الإمام الغزالي : «ولذلك أنكره الإمام الحليمي» (١).

وما قاله الإمام الحليمي من إنكار انشقاق القمر ، لم يكن متفردا به ، وإنما سبقه إليه من التابعين الحسن البصري ، وعطاء ، ونقله الإمام القرطبي عن قوم لم يذكر أعيانهم ، وممن اختاره من المتأخرين الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير.

وحجة الحسن ـ كما قال الإمام الماوردي (٢) ـ : أنه لو انشق ما بقي أحد إلا رآه ، لأنها آية ، والناس في الآيات سواء.

وهذه حجة من قال بقوله ممن ذكرنا.

وحملوا قوله تعالى : (وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) على معنى أنه سينشق.

قال الحسن : «اقتربت الساعة ، فإذا جاءت انشق القمر» (٣).

وهذا جار على أساليب العرب والقرآن ، كما في قوله تعالى : (أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ).

فقد اتفق المفسرون على أنه بمعنى سيأتي ، ففي هذه الآية استعمل الماضي بمعنى المضارع ، ايغالا في التأكيد.

وعلى هذا حملوا قوله تعالى : (وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) أي أنه سينشق ، وهذا الانشقاق متأكد ، كأنه قد وقع وحدث ، ولذلك عبّر عنه بصيغة الماضي.

وهؤلاء وإن كانوا متأولين للآية تأويلا صحيحا من حيث اللغة ، إلا أنهم متعارضون مع ما صح بالاتفاق من الحديث ، ولا حجة لهم في رده من حيث

__________________

(١) المنخول : ص ٢٤٨.

(٢) تفسير الماوردي : ٤ / ١٣٥.

(٣) القرطبي ١٧ / ١٢٦.

٢٠٧

السند ، إلا إذا أرادوا أن يخضعوا متنه لقاعدة التعارض مع المعقول فيما استقر في أذهانهم منه ، كما قاله الحسن البصري رحمه‌الله.

إلا أن وجهة نظرهم من حيث اللغة قوية ، وحجتهم من حيث الواقع وعدم شيوع الظاهرة بين الناس واضحة.

ولذلك ذهب جمهور المفسرين إلى التوسط بين المذهبين فقالوا : إن حادثة الانشقاق قد وقعت فعلا في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ورآها بعض أصحابه وبعض المشركين الذين كانوا يطالبون بالمعجزات المادية ، كما تصرح بذلك الأحاديث الصحيحة المشهورة.

وستقع هذه الحادثة مرة ثانية عند اقتراب الساعة.

وهذا مذهب جيد ، يجمع بين القول بصحة الحديث ، وفي نفس الوقت يؤكد ـ وبالأساليب العربية المتفق عليها ـ يؤكد البحوث العلمية الفلكية القاضية بأن القمر سينشق يوما ما ، ولا مانع يمنع من هذا ، لا من الشرع ، ولا من القواعد العلمية ، والله أعلم.

٢٠٨

الآية الحادية عشرة

(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ)

وتلقيح السحاب

قال الله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحاباً ، ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ، ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً ، فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ ، وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ ، فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ ، وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ) (سورة النور : آية ٤٢).

وهذه الآية بالمعنى العام المفهوم لكل أحد ، واضحة الدلالة على المراد ، من أن الله يسوق السحاب ، ثم يجمعه ، ثم ينزل منه الماء ، منة على عباده ، ورحمة بهم.

وفيها إظهار القدرة بما يتناسب مع معارفهم ، إذ يستحيل على أحد أيا كان أن يفعل هذا.

فقالوا في تفسير الآية : «يزجي» أي يسوق ، فالريح تزجي السحاب ، والبقرة تزجي ولدها.

(ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ) أي يجمعه عند انتشائه ، ليقوى ويتصل ويتكثف (ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً) أي مجتمعا ، يركب بعضه بعضا.

وأما (الْوَدْقَ) فقالوا : هو البرق ، وقالوا : هو المطر.

ثم قالوا : إن في هذه الآية دليل على القدرة ، وعبرة لأهل البصائر.

وهذا الذي قالوه صواب ، لا مرية فيه ، وهو الذي نقوله اليوم ، ويقال في كل زمان ومكان حسب مقتضيات اللغة ومدلولاتها.

٢٠٩

إلا أن هناك شيئا نقوله اليوم بما يتراءى لنا من خلال كلمات الآية ، وضميمة آيات أخرى إليها ، وبواسطة معارفنا الحديثة التي لم يكن الإنسان القديم على أية معرفة بها ، ولذلك لم يكن في مقدوره أبدا أن يفكر بها ، أو أن يتخيلها.

وليس معنى هذا أن تفسيره كان ناقصا ، لا ، لقد كان تفسيره كاملا ، متناسبا مع معارف العصر ، ومؤديا للغرض الذي سيقت له الآية ، إلا أننا في هذا العصر اكتشفنا شيئا جديدا ، يمكن أن يفيدنا شيئا جديدا في الآية ، ألا وهو أنه يستحيل أن تكون كلماتها قد صيغت من قبل البشر ، لأن معارفهم لم تكن أبدا بقادرة على الإتيان بمثلها ، لما فيها من المعارف التي لم تكن معروفة لهم أبدا ، ولم تطلع عليها الإنسانية إلا في العصر الحديث ، بتقدم العلوم ، واكتشاف قوانين الكون ، ووضع اليد على بعض أسرار الوجود.

وذلك أن السحاب مكهرب ، أي أن كل سحابة تحمل شحنة كهربية ، كما أثبت ذلك فرنكلين لأول مرة عام ١٧٥٢.

ومن المعروف الثابت علميا أنه إذا وجد سحابتان سالبتان فإنهما تتنافران ، كما هي طبيعة المتماثلين من الشحنة السالبة والموجبة ، فالسالبان يتنافران ، والموجبان يتنافران ، وإنما يكون التآلف بين السالب والموجب.

وبناء على هذا القانون ، كان من المفترض أن لا تتحد سحابتان في الجو ، إذا كانتا مشحونتين بشحنة واحدة ، ويترتب على هذا أن لا يتراكب السحاب ، مما يؤدي إلى قلة الأمطار ، ولكن الله بقدرته يسوق السحاب ، بواسطة الرياح ، ويؤلف بينه ، ولو كان ذا شحنة واحدة متشابهة ، وعندئذ تكبر السحابة ، وتتراكم بعضها فوق بعض حتى تصير كالجبال الشامخة.

فهذا سر جديد قد كشفه العلم الحديث في قوله تعالى : (ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ) أي رغم اتحاد الشحنة ، لم يكن أبدا لأي إنسان أن يعرفه في العصر القديم ، لجهله بهذه المعاني ، وإن لم يؤثر على الغرض الذي سيقت له الآية في ذلك العصر

٢١٠

كما ذكرنا ، وهذا يدلنا دلالة قاطعة على أنه يستحيل أن يكون هذا القرآن من عند البشر.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد ، وذلك لأن السحاب في هذه الحالة لا يمكن أن ينزل المطر ، إذ لا بد له حتى يمطر من شيء يتفاعل معه ليتكثف ويتقاطر على الأرض ، ويكون هذا بواسطة الرياح الصاعدة من الأرض ، والمحملة بشحنة كهربائية موجبة.

فإذا ما اتحدت هذه الشحنة الكهربية الموجبة التي حملتها الرياح ، مع الشحنة الكهربية الموجودة في الفضاء يتكون مجال كهربائي يكون السبب في تحويل البخار إلى قطرات دقيقة من الماء ، ومن ثم تتجمع وتكبر شيئا فشيئا إلى أن تثقل وتنزل مطرا على الأرض.

إذن فالسحاب وحده لا ينزل المطر ، ولا بد له من تلقيح ، وهذا التلقيح إنما يكون بواسطة الكهرباء الجوية التي تسببها الرياح.

أليس في هذا الكلام العلمي الحديث معنى جديد لقوله تعالى : (وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ ، فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ).

بلى ... إنه المعنى العلمي الجديد الذي يفهمه العقل العلمي المعاصر ، والذي كان من المستحيل على الإنسان القديم أن يقوله ، إن لم يكن مؤيدا بالوحي الإلهي ، وإنه من أكبر الأدلة القاطعة على أن هذا القرآن كلام الله ووحيه.

على أن هذه المعرفة الجديدة لم تنقض المعرفة السابقة ، ولم تبطلها ، فقد عرف كل من قرأ هذه الآية قديما أن الهواء هو السر في جمع السحاب ، وإنزال المطر ، وأنه هو الذي يلقح السحاب ، ولكنه أبدا لم يكن على معرفة بحقيقة هذا السر وكيفية حدوثه ، إلى أن جاء العلم الحديث فأماط اللثام عنه ، وكشف حقيقته ، ليكشف للإنسان في العصر الحاضر أنه لا يمكن أن يكون هذا القول إلا من قبل خالق الكون ، والسحاب ، والرياح ، إنه قول الله.

وما أكثر ما كشفه لنا العلم ، وما سيكشفه لنا في المستقبل القريب.

٢١١

الآية الثانية عشرة

(أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً ، أَحْياءً وَأَمْواتاً)

وجاذبية الأرض

عند ما اكتشف نيوتن قانون الجاذبية ، وأثبت من خلاله أن الأشياء إنما تسقط على الأرض أو تثبت عليها بفعل هذا القانون ، كما أثبت أن النظام الفلكي في ثبات النجوم وتباعدها إنما يخضع لهذا القانون ، قام فلاسفة الإلحاد يهللون ويبشرون بأنه قد انتهت أسطورة القول بأن الله هو الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض ، وأن تعلق الكواكب في الفضاء لم يعد بحاجة إلى مثل هذه الأسطورة القديمة ، إذ كشفنا عن سر تعلقها باكتشافنا قانون الجاذبية.

ولكن سرعان ما خبا بريق هذا الانتصار الموهوم الذي زعموه ـ وذلك عند ما أعلن نيوتن نفسه أن قانونه هذا لا يفسر له سر دوران الكواكب حول نفسها ، أو حول مركزها ، وأنه لا بد من يد قدرة حكيمة كانت هي السبب في هذا الدوران ، كما انقلبت أوهامهم إلى شكوك حينما وجه إليهم السؤال الآخر وهو : من الذي سن قانون الجاذبية ، ومن أين أتى؟.

والعلم سلاح ذو حدين ، قد يستعمله الإنسان ليقتل نفسه ، كما أنه قد يستعمله ليقتل غيره ...

وكما أن فلاسفة الإلحاد حاولوا أن يستنبطوا من اكتشاف قانون الجاذبية ما يدعم إلحادهم ـ على أن محاولتهم كانت فاشلة بلهاء ـ أخذ المؤمنون هذا القانون ووجدوا فيه ما يدعم إيمانهم ويثبته في قلوبهم.

وذلك أنهم وجدوه مطابقا لما أخبر الله عنه منذ قرون طويلة ، في الوقت

٢١٢

الذي كان الإنسان يجهل فيه تماما كل معنى من معاني الجاذبية ، مما جعلهم يوقنون بأن هذا الكلام من أكبر الأدلة القاطعة على أنه ليس من كلام البشر ، وإنما هو من كلام الله خالق الكون ، والعالم بأسراره.

قال تعالى : (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً ، أَحْياءً وَأَمْواتاً).

وإذا رجعنا إلى معنى الكفت في العربية وجدناه منصبا على الضم والجمع ، يقال : كفت الشيء إليه ، يكفته ، كفتا ، إذا ضمه وقبضه.

ويقال : كفته الله : أي قبضه.

وفي حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اكفتوا صبيانكم فإن للشيطان خطفة».

قال أبو عبيد : يعني ضموهم إليكم ، واحبسوهم في البيت عند انتشار الظلام.

وفي الحديث أيضا : «نهينا أن نكفت الثياب في الصلاة» أي نضمها ونجمعها من الانتشار ، يريد جمع الثوب باليدين عند الركوع والسجود.

ويقال : كفت الدرع بالسيف يكفتها : إذا علقها به فضمها إليه قال زهير بن أبي سلمى :

حدباء يكفتها نجاد مهنّد

وكل شيء ضممته إليك فقد كفتّه.

قال زهير أيضا :

ومفاضة كالنّهي تنسجه الصّبا

بيضاء كفّت فضلها بمهنّد

يصف درعا علق لابسها بالسيف فضول أسافلها ، فضمها إليه ، وشدد الكلمة للمبالغة.

وأما الكفات : فهو الموضع الذي يكفت فيه الشيء ، أي يضع ويقبض ويجمع.

والأرض كفات لنا ، للأحياء والأموات.

٢١٣

قال ابن سيده في قوله تعالى : (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً ، أَحْياءً وَأَمْواتاً) أي ذات كفات للأحياء والأموات ، ظهرها للأحياء ، وبطنها للأموات ، اه على معنى أنها تجمعهم وتضمهم.

ويقال : اكتفت المال : إذا ضمه إليه أجمع (١).

ومن هذا قول الشاعر :

كرام حين تنكفت الأفاعي

إلى أجحارهن الصقيع

أي حين تنجذب الأفاعي إلى داخل جحورهن من شدة البرد.

ولو أننا تتبعنا هذه المادة في جميع مشتقاتها لوجدناها بمعنى الضم والجمع ، والقبض والجذب.

إذا فهذه الآية تدلنا بصراحة على هذا المعنى العلمي الدقيق الذي اكتشفه الإنسان المعاصر بعد جهد جهيد من البحث والتدبر والملاحظة ، ألا وهو معنى الجاذبية التي توجد في الأرض ، والتي بواسطتها يستقر الإنسان عليها ، وينجذب إليها.

«ولكي لا يتصور متصور أن هذا الجذب أو الضم إنما يكون إذا دفن الإنسان بعد موته في باطن الأرض جاء القيد المعمم يقول : (أَحْياءً وَأَمْواتاً) أي إنا جعلناها بحيث تجذبكم إليها إذ تكونون أحياء تتحركون على ظهرها ، وإذ تعودون أمواتا مدفونين في باطنها» (٢).

إننا حينما نقرأ هذه الآية ، وندرك المعنى اللغوي المتفق عليه لمادة كفت ، نوقن وبلا تردد في أنها ناصة على معنى الجاذبية.

فإذا علمنا يقينا بأن هذا المعنى ، بمعناه العلمي المعاصر ، لم يكن معروفا أبدا في زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لا من قبل العرب ، ولا من قبل غيرهم من الأمم

__________________

(١) وانظر تاج العروس : كفت.

(٢) عن مقال للدكتور البوطي في مجلة العربي رقم ٢٤٦ سنة ١٣٩٩ ـ ١٩٧٩.

٢١٤

السالفة ، وأن معنى الجاذبية العلمي المعاصر لم يكتشف إلا منذ أمد قريب ، على يد العالم الإنجليزي الشهير نيوتن في القرن الثامن عشر الميلادي ، إذا علمنا هذين الأمرين ، وتجردنا من العصبية والهوى ، وأخضعنا البحث للمنطق المجرد ، أدركنا يقينا بأن هذه الآية لم يكن أبدا من الممكن أن تكون من قبل البشر ، لأنها قيلت في الزمن الذي لم يكن الإنسان يعرف فيه شيئا عن معناها.

إذن فهي من قول المطلع على الأسرار ، العالم بالخفايا ، والراسم للقوانين ، إنها من قول الله ، معجزة قرآنية باقية على الزمان لتدل الإنسان في كل مكان وزمان على أن هذا القرآن من عند الله.

٢١٥

الآية الثالث عشرة

(وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ)

واحتراق الماء

لقد كان الإنسان القديم يصنع سفنه من الخشب ، وكان يعتقد أن الماء لا يحمل إلا ما يكون أخف منه وزنا ، وحينما تطور الفكر الإنساني بالترقي في العلوم والمكتشفات ، توصل بعضهم إلى أن السفن الحديدية سوف تطفو يوما ما على سطح الماء ، كما تطفو السفن المصنوعة من الخشب.

ولكنه ما إن ألقى كلامه هذا حتى ثار الناس عليه ، وأنكروا مقالته ، ونسبوه إلى الهذيان.

وذلك لأن عقولهم لم تستوعب أبدا إمكانية أن يطفو الحديد على سطح الماء.

ولكي يثبتوا هذه الحقيقة الموهومة جاء أحد الحدادين بنعل من حديد وألقاه في دلو مملوء بالماء أمام الناس ، ليشهدوا على أن هذه القطعة الحديدية بدلا من أن تطفو على سطح الماء ـ كما يزعم ذاك المفكر المعاصر لهم ـ قد غرقت واستقرت في قاعه.

ومن ثم استدل ذاك الحداد ـ فيما توصل إليه عقله ، وقاده إليه منطقه ، استدل على بطلان كلام ذلك المفكر المعاصر له.

وهكذا فإن الإنسان الذي يجهل الحقيقة يعاديها ، ومن ثم يقيم البراهين الموهومة على كذبها وبطلانها ، ليسلم له علمه الباطل.

٢١٦

ولذلك قالوا : الإنسان عدو ما يجهل.

بنفس هذا المنطق جابه المشركون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في كثير من الحقائق التي أتى بها ، والتي لم تدركها عقولهم ، ولم تتسع لها معارفهم.

فحينما أخبرهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالبعث بعد الموت ، أخذ أبي بن خلف عظما باليا ، وفته ثم ذراه في الرياح ، ثم قال لرسول الله : أتزعم أن ربك يبعث هذا ..؟!.

وهذا هو شأن الإنسان مع ما يجهل أو ينكر.

ومما كان الإنسان يجهله جهلا كاملا ، ولا يمكن له أن يتصور خلافه ، هو احتراق الماء ، وذلك لما كان يعرفه من أن الماء يطفئ النار ويذهب بلهيبها ، لا أنه يحترق ويشتعل كما تشتعل الأخشاب.

ولو أن أي إنسان طرح فكرة احتراق الماء واشتعاله أمام الإنسان القديم ، لأنكرها أشد الإنكار ، ولاستدل على بطلانها كما استدل الحداد على بطلان إمكانية طفو الحديد على سطح الماء.

ولكنه رغم هذا ، وفي الوقت الذي كان الإنسان ينكر فيه احتراق الماء ، نزل القرآن بما يدل صراحة على احتراقه ، فقال تعالى : (وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ) أي : اشتعلت.

لقد سمع المؤمنون هذه الآية ، وآمنوا بها إيمانا غيبيا ، آمنوا بأن الماء يحترق ويشتعل ، ولكن لما ذا؟ وكيف ..؟ لم يكن عندهم جواب عن هذا.

لأنهم لم يكونوا يعرفون شيئا عن سر تكوين الماء وتركيبه.

وجاءت العلوم والمعارف الحديثة ، واكتشفت أن الماء يتكون من عنصرين هما : الهيدروجين والأوكسجين ، وأن الجزيء المائي الواحد يشتمل على ذرتين من عنصر الهيدروجين ، وذرة واحدة من الأوكسجين ، وأن الهيدروجين غاز قابل للاحتراق ويشتعل ، وأن الأوكسجين غير قابل للاحتراق ولا يشتعل ، ولكنه يساعد على الاشتعال.

٢١٧

ومعنى هذا أن جزأي الماء الواحد لو تحلل ، لأمكن أن يشتعل ، ولأعطانا أشد أنواع الاشتعال والاحتراق ، بسبب تكونه من هذين الغازين ، المشتعل والمساعد على الاشتعال ، كما هو معروف ومسلم في العلوم.

إننا حينما نرجع إلى قول الله تعالى : (وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ) ونستحضر هذه الحقيقة العلمية اليقينية عن الماء ، نجد أنفسنا أمام معجزة علميد ناطقة بأن هذا القرآن يستحيل أن يكون من عند البشر ، وذلك أنه لم يكن هناك أي سبيل للإنسان يستطيع بواسطته أن يضع يده على هذه الحقيقة ، بل كانت معارفه ومعلوماته تضادها وتعاكسها.

ولو أن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم أراد أن يتحدث عن الماء لتحدث عنه بلغة عصره ومعارفه ، ولأخبر عنه بأنه مبطل للاحتراق ، لا أنه يحترق.

إذن فمن المحال أن يكون هذا القرآن من كلام محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإنما هو من كلام الله (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى ، وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى) إنه كلام العليم الخبير.

ازدياد حجم الارض بالماء :

ومن هذا القبيل ، مما له علاقة بالماء ، ما أخبر الله به عن الأرض ، من أنها تهتز ويزداد حجمها حين ينزل عليها المطر : قال تعالى : (وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً ، فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ).

فالقرآن يصرح في هذه الآية بأن الأرض إذا نزل عليها الماء اهتزت ، وازداد حجمها.

لقد نزلت هذه الآية في الوقت الذي لم يكن الإنسان يعرف فيه شيئا عن هذه الحقيقة العلمية الثابتة.

إلى أن جاء العلم الحديث ، وأثبتت بحوث العلماء أن الأرض لها مسام يتخللها الهواء ، وأن نزول الماء عليها يطرد الهواء من هذه المسام ، ويحل محلها ، وعند ما تمتلئ مسام الأرض بالماء بدلا عن الهواء ، تتحرك جزئيات الطين بقوة دفع الماء في المسام ، ومن ثم يزداد حجم الأرض ، بتمدد الطين بالماء.

٢١٨

وقد تمكن العلماء من قياس حركة الأرض إذا ما أصابها الماء ، كما تمكنوا من معرفة الزيادة في حجمها.

أو ليس في هذه الآية كسابقتها ما يدل دلالة صريحة على مطابقة القرآن للحقيقة العلمية الثابتة التي اكتشفها الإنسان الحديث؟.

بلى ... إنها المطابقة اليقينية بين العلم والقرآن ، مما يدل دلالة قاطعة على أن هذا القرآن من كلام الله ، وأنه المعجزة الناطقة بذلك.

٢١٩

الآية الرابع عشرة

(مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً

كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ)

وتغير ضغط الهواء في المرتفعات

لم يكن الناس في الماضي يعرفون شيئا عن الضغط الجوي ، بل لم يكونوا يتصورونه ، فلم يكونوا يعرفون ازدياد الضغط في المنخفضات ، وقلته في المرتفعات.

ولذلك لما نسجوا أساطيرهم الوهمية عن الطيران في الفضاء والتحليق في أعماقه ، لم يتعرضوا لهذه المسألة ، لأنها لم تخطر لهم على بال ، لما كانوا عليه من الجهل المطبق بها.

لقد تصور الناس في الماضي التحليق في أعماق الفضاء بخيالهم الواسع ، فزعموا أن النمرود قد حلق في أجواز الفضاء ، وذلك عند ما أتى بنسرين وغذاهما باللحم والخمر حتى كبرا جدا ، ثم ربط بأرجلهما قفصا حديديا كبيرا ، وجعل فوق القفص وعلى بعد من النسرين جيفة ، ثم ركب القفص ، وحال بين النسرين والجيفة ، فطار النسران لالتقاطها ، إلا أنهما كلما طارا للحاق بها ارتفعت عنهما ، لاتصالها بالقفص الحديدي المعلق بأرجلهما ، والذي كان يجلس النمرود في وسطه.

وما زالا يرتفعان إلى أن أبصر الأرض كرغيف الخبز ، ثم ارتفعا إلى أن أبصر الأرض كالكف ، ثم ارتفعا إلى أن أبصر الأرض كعين الديك.

ولا أريد أن استطرد في سرد هذه القصة التي حاكها خيال بني إسرائيل ، والتي تناقلتها الكتب التي عنيت بالإسرائيليات.

٢٢٠