المعجزة القرآنيّة

الدكتور محمد حسن هيتو

المعجزة القرآنيّة

المؤلف:

الدكتور محمد حسن هيتو


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٤٢

في الطبيعة والرياضيات ، والذي كان يتمتع بشهرة عظيمة في الغرب ، لاكتشافاته العديدة ، وأفكاره الجديدة ، وهو أول من عرض فكرة القنبلة الذرية ، وعرضت عليه جائزة نوبل فرفضها.

يقول العلامة الدكتور المشرقي :

«كان ذلك يوم الأحد ، من أيام سنة ١٩٠٩ ، وكانت السماء تمطر بغزارة ، وخرجت من بيتي لقضاء حاجة ما ، فإذا بي أرى الفلكي المشهور السير جيمس جنز ـ الأستاذ بجامعة كامبردج ـ ذاهبا إلى الكنيسة ، والإنجيل والشمسية تحت إبطه ، فدنوت منه ، وسلمت عليه ، فلم يرد علي ، فسلمت عليه مرة أخرى ، فسألني : ما ذا تريد مني؟

فقلت له : أمرين يا سيدي.

الأول : هو أن شمسيتك تحت إبطك رغم شدة المطر ، فابتسم السير جيمس ، وفتح شمسيته على الفور.

فقلت له : وأما الآخر ، فهو : ما الذي يدفع رجلا شائع الصيت في العالم ـ مثلك ـ أن يتوجه إلى الكنيسة؟؟.

وأمام هذا السؤال توقف السير جيمس لحظة ، ثم قال : عليك اليوم أن تأخذ شاي المساء عندي.

وعند ما وصلت إلى داره في المساء خرجت «ليدي جيمس» في تمام الساعة الرابعة بالضبط ، وأخبرتني أن السير جيمس ينتظرني.

وعند ما دخلت عليه في غرفته ، وجدت أمامه منضدة صغيرة موضوعة عليها أوراق الشاي ، وكان البروفسور منهمكا في أفكاره.

وعند ما شعر بوجودي سألني : ما ذا كان سؤالك ..؟.

ودون أن ينتظر ردي بدأ يلقي محاضرة عن تكوين الأجرام السماوية ، ونظامها المدهش. وأبعادها وفواصلها اللامتناهية ، وطرقها ، ومداراتها ،

١٦١

وجاذبيتها ، وطوفان أنوارها المذهلة ، حتى أنني شعرت بقلبي يهتز بهيبة الله وجلاله.

وأما السير جيمس ، فوجدت شعر رأسه قائما ، والدموع تنهمر من عينيه ، ويداه ترتعدان من خشية الله ، وتوقف فجأة ثم بدأ يقول :

يا عناية الله! عند ما ألقي نظرة على روائع خلق الله ، يبدأ وجودي يرتعش من الجلال الإلهي ، وعند ما أركع أمام الله وأقول له : إنك عظيم ، أجد أن كل جزء من كياني يؤيدني في هذا الدعاء ، وأشعر بسكون وسعادة عظيمين ، وأحس بسعادة تفوق سعادة الآخرين ألف مرة.

أفهمت يا عناية الله خان لما ذا أذهب إلى الكنيسة ..؟

ويضيف العلامة عناية الله قائلا : لقد أحدثت هذه المحاضرة طوفانا في عقلي ، وقلت له : يا سيدي .. لقد تأثرت جدا بالتفاصيل العلمية التي رويتموها لي ، وتذكرت بهذه المناسبة آية من كتابي المقدس ، فلو سمحتم لي لقرأتها عليكم ..؟.

فهز رأسه قائلا : بكل سرور.

فقرأت عليه الآية التالية :

(وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها ، وَغَرابِيبُ سُودٌ ، وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ ، إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) (سورة فاطر : آية ٢٧).

فصرخ السير جيمس قائلا : ما ذا قلت ..؟ (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) ... مدهش ، وغريب ، وعجيب جدا ..!!!.

إنه الأمر الذي كشفت عنه دراسة ومشاهدة استمرت خمسين سنة ، من أنبأ محمدا به ..؟.

هل هذه الآية موجودة في القرآن حقيقة؟.

لو كان الأمر كذلك ، فاكتب شهادة مني أن القرآن موحى به من عند الله.

١٦٢

ويستطرد السير جيمس قائلا :

لقد كان محمد أميّا ، ولا يمكنه أن يكشف عن هذا السر بنفسه ، ولكن الله هو الذي أخبره بهذا السر ، مدهش ، وغريب ، وعجيب جدا (١) ...

نعم .. إنه لأمر مدهش ، وعجيب وغريب جدا ، أن نجد أميّا ، لا يعرف قراءة ولا كتابة ، ولم يدرس فلكا ، ولا طبّا ، ولا هندسة ، وفي عصر انتشرت فيه الخرافة ، وشاعت الكهانة ، وهو مع هذا ينطق بكلام يتعلق بكل شأن من شئون الكون ، والحياة ، والنفس الإنسانية ، وبأوضح العبارات وأفصحها ، وبأسلوب يفهمه الإنسان المعاصر له ، وإن كان في بعض الحالات لا يستطيع إدراك حقيقته وسره.

يتكلم على نشأة الكون والأرض والسماء ، وسير الكواكب والأفلاك ، وتكوين الجبال والبحار ، وأساس الحياة وسرها ، وتطور الجنين ونموه ، وتكاثف السحاب ، وسقوط الأمطار ، وتمدد الكون ، ويخبر عن الغيب ، غيب الماضي والمستقبل ، ويضع أعظم الأسس في الحياة الاجتماعية ، والسياسية ، والاقتصادية ، والفكرية ، ثم مع كل هذا لا يتمكن واحد من أهل الأرض جميعا أن يوجد أمرا واحدا يتناقض مع العلم وهو في ذروة سلطانه ومجده ، بل يجد كل ما قاله في ذلك العصر قد جاء العلم الحديث ليقره ، ويعترف بأحقيته وسبقه.

ألا يدل كل هذا على أن هذا الكلام يستحيل أن يكون من كلام البشر ..؟!.

لقد كان فلاسفة الإلحاد في العصر الحديث يتوقعون أن تتفجر كل المعتقدات القديمة بتفجير الذرة ، ولنستمع إلى جوليان هكسلي وهو يتكلم عن هذا الموضوع فيقول :

«تعتبر التطورات العلمية التي حدثت في القرن الماضي انفجارا معرفيا في وجه الأساطير الإنسانية عن الآلهة والدين ، كما تفجرت الأفكار القديمة ونسفت بمجرد تفجير الذرة».

__________________

(١) الإسلام يتحدى : ص ٢١٠.

١٦٣

نعم هكذا كان يتوقع فلاسفة الإلحاد ، ولا سيما أنهم يعرفون أن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان أميّا ، وهم في ذروة غرورهم العلمي ، ولكن جاء العلم لا ليثبت توقعهم ، بل ليذهلهم ، إذ كشف لهم عن أخطر سر كانوا لا يتوقعونه ، ألا وهو أن كل ما جرى على لسان ذلك الأمي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان نهاية الطريق الطويل الذي تعثرت به البشرية آلاف السنين ، حتى وصلت إليه في هذا القرن ، في عصر العلم والمعرفة.

نعم ... لقد كشف لهم عما لم يتوقعوه ألا وهو أنهم رغم الأحقاد الدفينة في صدورهم ، لم يتمكنوا أن يجدوا تناقضا واحدا ، أو خطأ واحدا مما قاله ذلك الأميّ منذ أربعة عشر قرنا ، وفي أخص خصائص العلم ، وأدق مباحثه ، مما جعل كثيرا منهم يذعن رغم أنفه للحقيقة ، ويعلن أن هذا الكلام إنما هو كلام الله المحيط بكل شيء علما ، ومن المحال أن يكون من كلام البشر.

وصدق الله إذ يقول : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً).

الاعجاز العلمي في القرآن يلفت نظر الباحثين من غير المسلمين :

لم تقتصر دراسات الإعجاز العلمي للقرآن على المسلمين فحسب ، بل تجاوزتها إلى غيرهم من الباحثين ، من مستشرقين وغيرهم ، ولا سيما أولئك الذين لهم صلة بالكتب المقدسة ، إذ أصبحوا على يقين بأن بعض ما ورد في الكتب السماوية المقدسة عندهم ، قد أيده العلم ، وجاء على وفقه ، رغم ما في تلك الكتب من التغيير والتحريف ، والتبديل والتزييف ، مما يدل على أن أصل تلك الكتب من قول الله ، وليس من قول البشر.

لقد وقع هذا رغم ما في كتبهم من التحريف .. فكيف يكون الحال لو لم تحرف ..؟ لا بد أنهم كانوا سيجدون فيها كثيرا من الحقائق التي تعبوا في سبيل الوصول إليها.

ولذلك التفت نظرهم إلى القرآن ، لما يعلمونه عنه من الصحة في نقله

١٦٤

متواترا ، كما أنزله الله على نبيه عليه الصلاة والسلام ، فلم تمسه يد تحريف ولا تزييف ، ودون أن يكون في هذه الحقيقة نزاع أو اختلاف.

ولنضرب على ذلك مثالا لما وجدوه في الإنجيل ، ثم نرجع للكلام عما قالوه في القرآن وعلموه منه ، وأترك الكلام للأستاذ وحيد الدين خان في كتابه «الإسلام يتحدى» إذ يقول :

كانت بعثة لطلبة الصين تدرس في كاليفورنيا منذ بضع سنين (١) وقد ذهب اثنا عشر من هؤلاء الطلبة إلى كاهن كنيسة «بركلي» طالبين منه أن ينظم لهم دراسة حول الدين المسيحي في أيام الأحد.

وقالوا له بكل صراحة : إننا غير راغبين في اعتناق المسيحية ، ولكننا نريد أن نعرف مدى تأثير هذا الدين على الحضارة الأمريكية.

واختار القسيس عالما في الرياضيات والفلك هو البروفسور «بيترد. ستونر» للتدريس لأولئك الشبان.

وبعد أربعة أشهر من هذا الواقع اعتنقوا الدين المسيحي!!.

أما الدوافع وراء هذا العمل المدهش فلنسمعها من الأستاذ نفسه إذ يقول : «لقد كان السؤال الأول أمامي ، ما ذا أقول لهم عن الدين؟ إنهم لا يؤمنون بالإنجيل إطلاقا ، وتدريس الإنجيل على الطريقة التقليدية لن يأتي بفائدة ما ، وفي ذلك الوقت تذكرت أني أثناء دراستي كنت ألاحظ علاقة كبيرة بين العلوم الحديثة وسفر التكوين في الإنجيل ولذلك رأيت أن أعرض هذا الكلام أمام هذه الجماعة من الشباب.

وكنا أنا والطلبة نعرف بطبيعة الحال أن ما جاء في هذا الكتاب عن بدء الكون قد كتب قبل آلاف السنين من كشوف العلوم الحديثة عن الأرض والسماء ، وكنا نشعر كذلك أن أفكار الناس في زمن موسى ستبدو لغوا باطلا لو درسناها في ضوء معلومات العصر الحاضر.

__________________

(١) في الستينيات.

١٦٥

وقد أمضينا فترة الشتاء كلها ندرس في سفر التكوين ، وكان الطلبة يكتبون الأسئلة حول ما جاء في السفر ، ثم يبحثون عن أجوبتها بكل جهد في مكتبة الجامعة.

وعند انتهاء الشتاء أخبرني القسيس أن الطلبة حضروا إليه ليخبروه أنهم يريدون اعتناق المسيحية ، وقد أقروا أنه ثبت لهم أن الإنجيل كتاب موحى من عند الله».

يقول الأستاذ خان : وعلى سبيل المثال يقول سفر التكوين عن حالة الأرض في بداية الأمر : «لقد غشي على الأغوار ظلام».

وهذا أحسن تصوير للحالة التي وجدت في الأرض في ذلك الوقت ، كما عرفناها من العلوم الحديثة ، فكان سطح الأرض حارا جدا ، وتبخرت المياه بسبب هذه الحرارة ، ولم يصل النور إلى سطح الأرض ، لأن مياه بحارنا كانت معلقة في صورة سحب كثيفة في الفضاء ، وكان ظلام حالك يسود الأرض.

ثم يستطرد الأستاذ خان ويقول : إننا نؤمن بأن الإنجيل والتوراة من الكتب الإلهية ، كالقرآن الكريم ، ولذلك توجد فيها قبسات من العلم الإلهي ، ولكن النصوص الأصلية قد ضاعت ، وطرأ فارق كبير بين الإنجيل الحقيقي وإنجيل هذا العصر ، بعد مضي ألف عام حافلة بعمليات الترجمة من لغة إلى أخرى ، ثم بأعمال التحريف البشري الذي أصاب النسخة الإلهية أكثر ما أصاب على حد تعبير العالم الأمريكي «كريستي موريسون».

ولما كانت هذه الصحائف قد فقدت قيمتها نتيجة لما حدث ، فقد أرسل الله تعالى «طبعة جديدة» من كتابه إلى البشر ـ على حد تعبير الأستاذ خان ـ وهذا الكتاب هو القرآن الكريم ، وهو يحمل من أجل صحته وكماله ، كل المميزات والخصائص التي لا توجد منها إلا لمحات في الكتب القديمة» (١) ا ه.

__________________

(١) الإسلام يتحدى : ص ١٩٢.

١٦٦

فهذه إشارات بسيطة إلى بعض الحقائق العلمية الحديثة ، عثر عليها أولئك الطلبة أثناء دراستهم لسفر التكوين ، جعلتهم يعترفون بأن هذا الكلام ليس من كلام البشر ، وأنه من كلام الله ، رغم إيمانهم العميق بما في تلك الكتب من التغيير والتحريف والتبديل.

فكيف بهم إذا وبأمثالهم لو وقفوا أمام آيات القرآن الكريم التي لم تمسها يد تحريف أو تغيير ، بل نقلت إلينا متواترة قطعية ، غضة طريّة ، وكأننا نتلقاها عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم مباشرة ..؟!.

لا بدّ أنهم سيجدون فيه ما تطمئن له قلوبهم ، وتستريح به نفوسهم ، من الأدلة القاطعة ، والبراهين الساطعة ، على أنه من كلام الله.

ولذلك التفت نظر كثير من الباحثين والعلماء إلى كتاب الله يدرسونه ويتعمقون في فهم ما فيه من الآيات التي لها علاقة بالكون والحياة ، لعلهم يختصرون الطريق من خلالها إلى نهاية آمالهم في الوقوف على حقائق العلوم.

موريس بوكاي ونظراته في الاعجاز العلمي في القرآن :

إن من أهم ما صدر من الدراسات القرآنيّة ، ولا سيّما فيما يتعلق بالآيات التي لها مساس بالعلوم مما يستدل به على إعجاز القرآن ، وأنه من كلام الله ، هو ما كتبه المستشرق «موريس بوكاي» في كتابه «دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة».

ونحن سوف لا نستطيع في مثل هذه العجالة أن نذكر كل ما في الكتاب ، ولكننا سنشير إن شاء الله إلى أهم الفقرات فيه ، مما له علاقة بموضوعنا.

يقول موريس بوكاي : لقد تناولت القرآن منتبها بشكل خاص إلى الوصف الذي يعطيه عن حشد كبير من الظاهرات الطبيعية ، ولقد أذهلتني دقة بعض التفاصيل الخاصة بهذه الظاهرات.

لقد أذهلتني مطابقتها للمفاهيم التي نملكها اليوم عن هذه الظاهرات

١٦٧

نفسها ، والتي لم يكن ممكنا لأي إنسان في عصر محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يكوّن عنها أدنى فكرة.

إن أول ما يثير الدهشة في روح من يواجه مثل هذا النص أول مرة ، هو ثراء الموضوعات المعالجة.

فهناك الخلق.

وعلم الفلك.

وعرض لبعض الموضوعات الخاصة بالأرض.

وعالم الحيوان.

وعالم النبات.

والتناسل الإنساني.

وعلى حين نجد في التوراة أخطاء علمية ضخمة ، لا نكتشف في القرآن أي خطأ.

وقد دفعني ذلك لأن أتساءل : لو كان كاتب القرآن إنسانا ، فكيف استطاع في القرن السابع من العصر المسيحي أن يكتب ما اتضح أنه يتفق مع المعارف العلمية الحديثة؟.

ليس هناك أي مجال للشك ، فنص القرآن الذي نملك اليوم ، هو فعلا النص الأول نفسه.

فما التعليل الذي يمكن أن نعطيه لتلك الملاحظة؟.

ثم يقول : في رأيي ليس هناك أي تعليل ، إذ ليس هناك سبب خاص يدعو للاعتقاد بأن أحد سكان جزيرة العرب ، في العصر الذي كانت تخضع فيه فرنسا للملك داجوبرت Dagopert استطاع أن يحظى بثقافة علمية تسبق بحوالي عشرة قرون ثقافتنا العلمية ، فيما يخص بعض الموضوعات. ص / ١٤٥.

ومعظم المقولات العلمية الموصى بها ، أو المصاغة بشكل بيّن تماما في القرآن ، لم تتلق التأييد إلا في العصر الحديث.

١٦٨

وإن الثقافة اللغوية لا تكفي لتفسير بعض آيات القرآن ، ولا بد من ثقافة انسكلوبيدية تقع على عاتق عدة تخصصات ، ولذلك أخطأ القدماء في فهم هذه الآيات. ص / ١٤٦.

ثم قال : إنه احتفظ بعدد من الآيات أقل من الذي اختاره العلماء المسلمون لدراسة جوانبها العلمية ، وأنه في مقابل ذلك ، أبرز بعض آيات لم تعط لها من قبل الانتباهة التي تستحق من وجهة النظر العلمية.

ثم بحث ما إذا كان في القرآن إشارات إلى ظاهرات يسهل على الإدراك البشري فهمها ، وإن لم تكن قد تلقت بعد توكيدا من العلم الحديث ، فوجد أن القرآن يحتوي على إشارات بوجود كواكب في الكون تشبه الأرض ، وقال : إن كثيرا من العلماء يرون ذلك معقولا تماما ، دون معطيات حديثة لتوكيد ذلك.

وقال : إنه لو قام بدراسة كهذه منذ ثلاثين عاما ، لوجد أن القرآن قد صرح بغزو الفضاء ، ففي ذلك الوقت كان معروفا أن هنالك آية قرآنية تتنبأ بأن الإنسان سيحقق هذا النصر ذات يوم ، وقد تم الآن التأكد من هذا. ص / ١٤٧.

ثم تكلم عن مسألة تغير النظرية العلمية ، وما يكون لذلك من الأثر على تفسير النص القرآني فقال :

إن ما تحدث به بعضهم من أن العلم متغير مع الزمن ، وأن ما يمكن قبوله اليوم قد يرفض غدا. يتطلب التعديل .. ، فيجب التفريق بين النظرية العلمية ، وبين الفعل موضوع الملاحظة ، فالنظرية العلمية يمكن أن يستغنى عنها بما هو أكمل منها وأصح ، لتفسير الظاهرة ، ولكن الفعل موضوع الملاحظة يبقى قائما ، وقد يمكن تعريف سماته بشكل أحسن ، ولكنه يظل على ما كان عليه قبل.

فدوران الأرض حول الشمس ، والقمر حول الأرض ، يبقى فعلا واقعا قائما ، ولن نرجع عنه أبدا ، ولكن قد يمكن في المستقبل تحديد المدارات بشكل أحسن. ص / ١٤٨.

١٦٩

ثم قال : إن تبصري بالطابع المتغير للنظريات ، جعلني استبعد آية قرآنية ، ظن عالم فيزيائي مسلم أنها تعلن عن مفهوم ضد المادة ، وتلك نظرية مثار جدل حاليا ، على حين يمكن منح كل الانتباه لآية قرآنية تذكر الأصل المائي للحياة ، وتلك ظاهرة ، وإن كنا لم نقدر على التحقق منها ، فهناك برغم ذلك عدة حجج تشهد في صالحها ، وتطور الجنين البشري ، وهو خاضع للملاحظة ، يمكن فيه مقابلة المراحل الموصوفة في القرآن مع معطيات علم الأجنة الحديث ، لنكشف اتفاق الآيات القرآنية التام مع العلم. ص / ١٤٨.

ثم قام بمقابلة مسألتي الخلق والطوفان بين القرآن والعلم ، والتوراة والعلم ، فوجد أن العلم لم يتفق مع التوراة ، بينما وجد العلم قد اتفق مع القرآن اتفاقا كاملا ، ولذلك قبل نص القرآن علميا ، ورفض نص التوراة.

ورفض نتيجة لذلك تهمة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم استكتب القرآن محاكيا التوراة .. ص / ١٤٩.

كما رفض الفرية القائلة بأن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم هو الذي ألف القرآن ، وتساءل : كيف يكون النبي أميّا ويأتي بحقائق ذات طابع علمي لا ينتمي إلى عصره؟.

ومن ثم أبدى رأيه الصريح وهو أنه ليس من تفسير وصفي للقرآن ، فهو من عند الله ، وأنه صحيح صحة لا تقبل الجدل ، وله ـ لذلك ـ مكانة خاصة بين الكتب المنزلة ، لأنه لا يشاركه في صحته التوراة ولا الإنجيل أبدا .. ص / ١٥١.

ثم انتقل موريس بوكاي في كتابه إلى عرض بعض الآيات القرآنية ، وما يستفاد منها ، مما يدل على ما ذكرناه.

وإني موجز بعض ما قاله فيما يلي ، على أن أعود إلى تفاصيله عند الكلام على تلك الآيات بالتفصيل.

فتكلم أولا على خلق السموات والأرض ، فبين نقاط الخلاف والتجانس ، بين روايات التوراة وآيات القرآن.

١٧٠

فاستنتج أن القرآن أطلق الدخان على الكتلة السديمية ، وهي الكتلة الغازية ذات الجزئيات في قوله تعالى : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ).

وأشار إلى عملية الفتق بعد الرتق للكتلة الفريدة الأولى في قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما).

وذكر أن القرآن فرق بين وصف الشمس والقمر ، فوصف الشمس بالسراج الوهاج ، والقمر بالنور ، وأوضح أن وصف الشمس يراد منه أنها مصدر إشعاع ، وأن وصف القمر بالنور يراد منه أنه مظلم في نفسه يتلقى الضوء ويعكسه نورا.

وقال : إن مما يثير دهشة القارئ هو الآيات التي تشير إلى ثلاث مجموعات من المخلوقات :

١ ـ تلك التي توجد في السماء.

٢ ـ تلك التي توجد على الأرض.

٣ ـ تلك التي توجد بين السماء والأرض ، وذلك في قوله تعالى : (لَهُ ما فِي السَّماواتِ ، وَما فِي الْأَرْضِ ، وَما بَيْنَهُما ، وَما تَحْتَ الثَّرى).

وقال : إن شيئا آخر يثير دهشة القارئ ، وهو أن القرآن يشير إلى وجود كواكب كالأرض : إذ قال : (اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ ، وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ ، يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ ، لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً).

ثم ذكر قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ).

وقال : إن في هذه الآية رد على التوراة التي تزعم أن الله تعب بعد عملية الخلق فاستراح في اليوم السابع.

وينتهي بعد عرض آيات الخلق إلى خمس نقاط يستنتجها ، وهي :

١ ـ وجود ست مراحل للخلق عموما.

١٧١

٢ ـ تداخل مراحل خلق السموات مع مراحل خلق الأرض.

٣ ـ خلق الكون من كومة أولية فريدة كانت مجتمعة فتفصلت.

٤ ـ تعدد السموات وتعدد الكواكب التي تشبه الأرض.

٥ ـ وجود خلق وسيط بين السموات والأرض.

وتكلم على كل نقطة من هذه النقاط بما يلائمها من العلوم الحديثة.

ثم قال : إذا كانت المسائل التي تطرحها آيات القرآن لم تتلق تماما حتى يومنا هذا توكيدا من المعطيات العلمية ، فإنه لا يوجد على أي حال أقل تعارض بين المعطيات القرآنية الخاصة بالخلق ، وبين المعارف الحديثة عن تكوين الكون ، وذلك أمر يستحق الالتفات إليه فيما يخص القرآن.

على حين أنه قد ظهر بجلاء أن نص العهد القديم الذي نملكه اليوم ، قد أعطى عن هذه الأحداث معلومات غير مقبولة من وجهة النظر العلمية.

ونحن لا ندهش لذلك ، إذا علمنا أن النص الأكثر تفصيلية عن رواية الخلق في التوراة قد كتب بأقلام كهنة عصر النفي إلى بابل ، وقد كان لهم الأهداف التشريعية ، فاصطفوا لتلك الأهداف رواية تتفق ونظراتهم اللاهوتية.

وأن نص الكهنة هذا يحجب السطور القليلة من الرواية الأخرى المسماة باليهودية ، فهي من الإيجاز والغموض بما لا يسمح لعقل علمي أن يأخذها في اعتباره.

إن وجود هذا الاختلاف بين رواية التوراة والمعطيات القرآنية عن الخلق ، جدير بالتنويه ، أمام الاتهامات التي لم توفر على محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم منذ بدايات الإسلام. والتي تقول : إن محمدا قد نقل روايات التوراة فيما يتعلق بموضوع الخلق.

فإن الاتهامات لا تتمتع بأي أساس ، فكيف كان يمكن لإنسان منذ أربعة عشر قرنا أن يصحح إلى هذا الحد الرواية الشائعة في ذلك العصر ، وذلك باستبعاد أخطاء علمية ، وبالتصريح بمبادرته وحده بمعطيات أثبت العلم أخيرا صحتها في عصرنا.

١٧٢

هذا فرض لا يمكن الدفاع عنه ، إن القرآن يعطي عن الخلق رواية تختلف تماما عن رواية التوراة.

ثم يرد على بعض الاعتراضات التي اتهم بها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كأخذه عن الربانية ، أو عن راهب مسيحي علمه ، وكذلك يدحض ما قيل من أن أمما أخرى جاء في أساطيرها روايات مشابهة عن الخلق. ص / ١٦٧ ـ ١٧٥.

ثم انتقل إلى الكلام على علم الفلك في القرآن فقال : إن القرآن يأتي بالإضافة إلى آيات الخلق بآيات هي تأملات في عظمة الخالق ، وأن التوراة والإنجيل لم يعالجا ترتيب الكون ، وإن القرآن انفرد بذلك.

ولم يأخذ القرآن بالنظريات السائدة في عصره ، وكانت مخطئة ، ويعطي لهذا الجانب السلبي أهمية وشأنا ـ فهو يدل على عدم تأثر القرآن بخطإ ذلك العصر العلمي ـ ويدحض بذلك قول من ينسب إلى النبي أنه أخذ معلوماته عن العرب الذين كانوا متقدمين في هذا الفن.

ويضيف إلى حجته أن العرب إنما تقدموا في علم الفلك بعد عهد النبي لا قبله.

وعلى هذا النحو يستطرد المؤلف في تتبع آيات القرآن آية آية إلى أن يأتي على الآيات التي لها مساس بالعلم من قريب أو بعيد ، ويؤكد من خلالها أن هذا القرآن وحي من الله ، وليس من صنع البشر.

ونحن نكتفي بهذا القدر الذي أوردناه لمكان الشاهد فيه ، وهو التفات نظر المفكرين والباحثين إلى القرآن لما فيه من إشارات علمية باهرة ، قد توفر على العالم البحث لمئات السنين ... وذلك بسبب مشاهداتهم للمطابقة بين آيات القرآن والواقع العلمي المعاصر ، الذي لم يجد في نهاية مطافه إلا أن يعترف بأنه جاء مؤكدا لمضمون تلك الآيات ، ليدل على أنها من قول الله.

١٧٣
١٧٤

الآيات القرآنيّة والاعجاز العلمي فيها

إننا بعد تلك المقدمة الوجيزة التي ذكرناها حول فكرة الإعجاز العلمي لآيات القرآن ، وما كان لها من أثر في لفت أنظار الباحثين والمفكرين ، من المسلمين وغيرهم ، يجدر بنا أن ننتقل إلى صلب الموضوع فنقول :

إننا نستطيع أن نقسم الآيات التي لها علاقة بالعلوم ، وتظهر فيها سمات الإعجاز ـ إلى قسمين :

القسم الأول : كان الإنسان يعرف عنه بعض الشيء حينما نزل القرآن ، ولكن معرفته عنه كانت سطحية ، وساذجة بدائية ، لا تعدو المشاهدة والاستغراب ، وربما صاحبتها بعض التعليلات الخاطئة ، التي كانت تستوحى من معارف العصر وثقافته.

والقسم الثاني : كان الإنسان في عماية كاملة عنه ، وجهالة تامة به ، ما كان يعرفه ، ولا يتصوره ، ومع ذلك أخبر القرآن عنه قبل كشفه بقرون طويلة على ما يوافق المعارف الحديثة اليوم تماما.

والأعجب من ذلك أنه أخبر عنه بأبلغ أسلوب وأبدعه ، وبما يتناسب مع أذواق ذلك العصر ومعارفه ، فلم ينب عنه سمع العربي في ذلك الوقت ، ولم يستنكره المفكرون والمتأملون ، وربما لفت نظر الإنسان إلى وجود أسرار في هذا الكون وراء قدرته ومعارفه ، إلى أن جاء العلم الحديث فكشف عما يوافق تلك الأخبار في نفس عباراتها وصيغها القديمة ، ليستدل بذلك على أن هذا القرآن موحى به من عند الله.

١٧٥

ومن خلال عرضنا للآيات القرآنية سنرى إن شاء الله الفرق بين القسمين ، دون أن نفرد لكل منهما فصلا مستقلا ، إذ لا حاجة لذلك ، ولا سيما أن القسمين قد يتداخلان في بعض الآيات إذ كان العرب يعرفون عن معناها شيئا كشفت لنا الأيام والعلوم الحديثة أن المراد منها شيء آخر غير ما كان معروفا.

١٧٦

الآية الاولى

قانون المط السطحي

وقوله تعالى

(وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً)

لقد ذكر القرآن قانونا خاصا بالماء في سورتين ، هما : الفرقان والرحمن ، فقال تعالى في (سورة الفرقان : آية ٥٣) :

(وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ ، هذا عَذْبٌ فُراتٌ ، وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ ، وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً).

وقال في (سورة الرحمن : آية ٢٠ ـ ٢١) :

(مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ ، بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ).

إن هذه الظاهرة التي يتكلم عنها القرآن ، وهي عدم اختلاط الماء العذب بالماء المالح ، ليست وليدة المعارف الحديثة ، وإنما هي أمور معروفة للإنسان منذ القدم ، بناها على مشاهداته الحسية ، التي لا سبيل إلى إنكارها.

وعلى سبيل المثال يوجد نهران يسيران في «تشانغام» بباكستان الشرقية إلى مدينة «أركان» في بورما ، أحدهما عذب ، والآخر مالح ، ويمكن مشاهدة النهرين ، مستقلا أحدهما عن الآخر ، وكأن حدا فاصلا يفصل بينهما ، الماء العذب في جهة ، والآخر المالح في جهة أخرى ، وهذه الظاهرة معروفة متكررة غير خافية على أحد.

ولكن .. لما ذا لم يختلطا ..؟.

١٧٧

لقد تساءل المفسرون القدماء عن هذا ، وأجابوا بقول الله تعالى : (وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً).

ولئن سألناهم ، أين هذا البرزخ .. ، وما هو هذا الحجر ..؟ قالوا كما قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : «حجر أحدهما عن الآخر بأمر الله وقضائه» (١).

ولكنهم لم يستطيعوا أبدا أن يضعوا أيديهم على السر العلمي لهذا البرزخ إلى أن جاء العلم الحديث واكتشف «قانون المط السطحي» الذي يفسر هذه الظاهرة.

قانون المط السطحي :

وهو القانون الذي يضبط الأشياء السائلة ، وهو يفصل بين السائلين ، وذلك لأن تجاذب الجزئيات يختلف من سائل لآخر ، ولذا يحتفظ كل سائل باستقلاله في مجاله.

وقد استفاد العلم الحديث كثيرا من هذا القانون الذي عبر عنه القرآن الكريم بقوله سبحانه : (بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ).

وملاحظة هذا البرزخ لم تخف عن أعين القدماء ، وإن لم يستطيعوا معرفة السر العلمي له ، كما لم يتعارض مع المشاهدة الحديثة ، ولا مانع عندنا أن نقول إن البرزخ الفاصل بين الماءين هو هذا القانون.

ويمكننا فهم هذا القانون بمثال بسيط ، وهو أننا لو ملأنا كوبا من الماء ، فإنه لن يفيض إلا إذا ارتفع عن سطح الكوب قدرا معينا ، والسبب في ذلك أن جزئيات السوائل عند ما لا تجد شيئا تتصل به فوق سطح الكوب تتحول إلى ما تحتها ، وعندئذ توجد غشاوة مرنة على سطح الماء ، وهذه الغشاوة هي التي تمنع الماء من الخروج عن الكوب لمسافة معينة.

__________________

(١) الدر المنثور : ٥ / ٧٤.

١٧٨

وهي غشاوة قوية جدا لدرجة أننا لو وضعنا عليها إبرة من حديد فإنها لن تغوص داخل الماء ، بسبب هذه الغشاوة.

وهذه الظاهرة هي التي تسمى بقانون المط السطحي ، الذي يحول دون اختلاط الماء بالزيت ، وهو الذي يفصل بين الماء العذب والماء المالح ، وهو الذي يشير إليه القرآن في قوله تعالى : (وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً) (١).

فإشارة القرآن إلى وجود هذا الحاجز الذي لا يشاهد بالعين ، لا يدرك بالحس ، في زمن لم يكن الإنسان فيه على أي معرفة بهذا القانون الضابط المكتشف حديثا ، ليدلنا دلالة قاطعة على أن هذا الكلام إنما هو من كلام عالم الغيب ، والمطلع على أسرار الكون ، وعارف الحقائق ، ألا وهو الله الذي أحاط بكل شيء علما.

على أنه يجدر بنا أن نشير هنا إلى نقطة مهمة ، ربما التبست على بعض الناس إلا وهي : أننا عند ما قلنا : إن البرزخ هو قانون المط السطحي ، لم نرد بهذا أن نفسر كلمة البرزخ تفسيرا لغويا ، وإلا لخرجنا عن الضوابط التي رسمناها في أول البحث ، وجعلناها منهجا لنا فيه ، فالبرزخ في اللغة : هو الحاجز بين الشيئين ، ولكننا أردنا أن نبين حقيقة هذا البرزخ الذي أخبر عنه القرآن ، بدليل يقيني لا يمترى فيه ، فكان هذا القانون شارحا لحقيقته العلمية ، وهذا لا يتنافى مع المعنى اللغوي ، بل يبين لنا حقيقته وكيفية تكونه.

__________________

(١) الإسلام يتحدى : ص ١٩٨ ، وموريس بوكاي ، دراسة الكتب المقدسة ص ٢٠٤ ـ ٢٠٦.

١٧٩

الآية الثانية

(اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها)

وقانون الجاذبية

لقد كان الإنسان القديم يرى الكواكب في السماء تبرق وتلمع ، وتظهر وتختفي ، ويرى الشمس والقمر والنجوم ، ولكنه ما كان يعرف شيئا عن سر تعلقها في السماء هكذا ، دون عمد تستند إليها أو تعتمد عليها.

وربما شاعت بين الناس كثير من الشائعات الباطلة ، وانتشرت فيهم العقائد الزائفة ، فزعم بعضهم أنها ثقوب في السماء ، ترى منها أنوارها ، وزعم بعضهم أنها قناديل معلقة فيها ، أو مسامير لامعة مثبتة عليها ، إلى آخر ما هنالك من المعتقدات الساذجة المبنية على الأوهام ، الناتجة عن الرؤية العادية لهذا الكون الفسيح المجهول.

وكان الإنسان القديم يرى في الليلة الظلماء كثرة الكواكب التي تطبق السماء ، ولكنه لم ير أبدا أن كوكبين قد اصطدما ، ولكنه لم يكن يعرف شيئا عن هذا السر العظيم.

وربما كان بعض الناس على معرفة بسيطة ببعض الكواكب من حيث ظهورها وخفاؤها ، وأماكن وجودها ، وزمنه ، ولكنه لم تكن هناك أبدا أية معرفة بأسرار تعلقها في السماء ، أو طبيعة حركتها ودقة سيرها.

وكما يقول موريس بوكاي : لقد كانت فترة الرسالة وما بعد الهجرة حتى وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في مرحلة ركود من ناحية المعارف العلمية منذ عدة قرون ، وكان

١٨٠