عدّة الأكياس في شرح معاني الأساس - ج ٢

أحمد بن محمّد بن صلاح الشرفي القاسمي

عدّة الأكياس في شرح معاني الأساس - ج ٢

المؤلف:

أحمد بن محمّد بن صلاح الشرفي القاسمي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الحكمة اليمانية للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٧
الجزء ١ الجزء ٢

مخالفة لكتاب الله ومضادّة له فلم نلتفت إليها ولم نحتج إلى ما كان كذلك منها ، وكل ما وافق الكتاب وشهد له بالصواب صحّ عندنا وأخذنا به وما كان أيضا من الحديث ممّا رواه أسلافنا أبا عن أب عن علي عليه‌السلام.

عن النبيء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنحن نحتجّ به وما كان ممّا رواه الثقات من أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبلناه وأخذنا به وأنفذناه ، وما كان خلاف ذلك لم نره صوابا ولم نقل به. انتهى.

وعن الحارث الأعور : أنه دخل على علي رضي الله عنه فقال إن الأحاديث قد كثرت.

فقال : (قد فعلوها سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «تكون فتنة تكثر فيها الأحاديث. فقلت : يا نبيء الله فما المخرج؟

فقال : كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم ... الخبر» ذكره في السفينة وغيرها.

وإنّما كان هذا القول أصحّها «لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» «ألا وإنّه سيكذب عليّ كما كذب على الأنبياء من قبلي».

«فما روي عنّي فاعرضوه على كتاب الله تعالى ... الخبر (١).

«فما وافقه فهو منّي وأنا قلته ، وما خالفه فليس منّي ولم أقله».

«وهذا الخبر تلقاه الأصوليون بالقبول واحتجوا به» فجرى مجرى المحكم من الكتاب فيرد ما وقع فيه الاشتباه من الأخبار إليه.

«وللوصيّ كرّم الله وجهه في الجنة في أحوال الرّواة تفصيل يجب معرفته» ولفظه في النهج :

(إن في أيد الناس حقّا وباطلا وصدقا وكذبا وناسخا ومنسوخا وعامّا وخاصّا ومحكما ومتشابها وحفظا ووهما ، وقد كذب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عهده حتى قام خطيبا فقال «من كذّب عليّ متعمدا فليتبوّأ مقعده من النار».

__________________

(١) قول (الخبر) تمامه فما وافقه فهو مني وأنا قلته إلخ.

٨١

وإنّما أتاك بالحديث أربعة رجال ليس لهم خامس :

رجل : منافق مظهر للإيمان متصنّع بالإسلام لا يتأثّم ولا يتحرّج يكذب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متعمّدا ، فلو علم الناس أنه منافق كاذب لم يقبلوا منه ولم يصدقوا قوله ، ولكنهم قالوا صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رآه وسمع منه ولقف عنه فيأخذون عنه.

وقد أخبرك الله عن المنافقين بما أخبرك ، ووصفهم بما وصفهم به لك ثم بقوا بعده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتقربوا إلى أئمة الضلال والدّعاة إلى النار بالزور والبهتان فولّوهم الأعمال وجعلوهم على رقاب الناس وأكلوا بهم الدنيا ، وإنّما الناس مع الملوك والدنيا إلّا من عصمه الله ، فهذا أحد الأربعة.

ورجل : سمع من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيئا لم يحفظه على وجهه فوهم فيه ولم يتعمد كذبا ، فهو في يديه يرويه ويعمل به ويقول : أنا سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلو علم الناس أنه وهم فيه لم يقبلوا منه ، ولو علم هو أنه كذلك لرفضه.

ورجل ثالث : سمع من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيئا يأمر به ثم نهى عنه وهو لا يعلم ، أو سمعه نهى عن شيء ثم أمر به وهو لا يعلم فحفظ المنسوخ ولم يحفظ الناسخ ، فلو علم أنه منسوخ لرفضه ، ولو علم المسلمون أو سمعوا منه أنه منسوخ لرفضوه.

وآخر رابع : لم يكذب على الله عزوجل ولا على رسوله مبعض للكذب خوفا لله وتعظيما لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يهم به بل حفظ ما سمع على وجهه فجاء به على ما سمعه ولم يزد فيه ولم ينقض منه ، وحفظ الناسخ فعمل به ، وحفظ المنسوخ فجنب عنه ، وعرف الخاص والعام فوضع كل شيء موضعه ، وعرف المتشابه ومحكمه.

وقد كان يكون الكلام من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له وجهان : فكلام خاص وكلام عام. فيسمعه من لا يعرف ما عنى به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيحمله السامع ويوجهه على غير معرفة بمعناه

٨٢

ولا ما قصد به ولا ما خرج من أجله.

وليس كل أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يسأله ويستفهمه حتى إن كانوا ليحبون أن يجيء الأعرابي أو الطارئ فيسأله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى يسمعوا كلامه.

وكان لا يمرّ بي شيء من ذلك إلّا سألت عنه وحفظته.

فهذه وجوه ما عليه الناس في اختلافهم وعللهم في رواياتهم).

انتهى كلامه كرّم الله وجهه في الجنة.

(فرع)

«ولا يجوز على الأنبياء صلوات الله عليهم السّهو فيما أمروا بتبليغه» من الشرائع «لعصمة لهم» ثابتة «من الله تعالى ، لأنّ من شأن الحكيم حراسة خطابه من الغلط» أي من صفته الثابتة له أن يحرس خطابه عن أن يغلط فيه الأنبياء لأنهم مبلّغون عن الله تعالى «مع العلم» أي مع علمه تعالى بأن الأنبياء من جملة البشر الذين يجوز عليهم السّهو والغلط ، «و» مع «القدرة» منه تعالى «على ذلك» أي على حراسة خطابه من الغلط لعصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عن ذلك.

(فصل)

في ذكر القياس وهو الثالث من أدلّة الأحكام.

قال عليه‌السلام : «والقياس لغة : التقدير» يقال : قست الشيء بغيره وعلى غيره إذا قدرته على مثاله.

«و» حقيقته «اصطلاحا» أي في اصطلاح أهل علم الأصول «تحصيل مثل حكم الأصل» وهو المقيس عليه وذلك في قياس الطرد «أو» تحصيل «ضدّه» أي ضد حكم الأصل وذلك قياس العكس «في الفرع» وهو المقيس «لاشتراكهما» أي الأصل والفرع «في علة باعثة» أي حاملة «على حكم الأصل» تحليلا أو تحريما أو نحوهما فيستوي الحكمان للاشتراك في العلة ،

٨٣

«أو» لم يحصل مثل حكم الأصل بل حصل ضده «لافتراقهما» أي الأصل والفرع «فيها» أي في العلة الباعثة.

أما قياس الطرد فهو مثل : قياس النبيذ على الخمر في التحريم بجامع الإسكار إن قلنا إن اسم الخمر لم يعم النبيذ.

وأما قياس العكس : فكما قالوه في قياس الصوم على الصلاة فإنه لمّا وجب الصوم في الاعتكاف بالنّذر وجب بغير نذر قياسا على الصلاة فإنّه لمّا لم تجب فيه بالنذر لم تجب فيه بغير نذر.

وهو عند الجمهور مقبول ، وردّه بعض الأصوليين كابن زيد وغيره.

«وله أقسام تفصيلها في كتب الأصول».

قال في الفصول : ينقسم القياس باعتبار موقعه إلى :

عقلي : ومورده المسائل العقلية.

وإلى شرعي : ومورده الأحكام الشرعية.

وباعتبار فائدته إلى :

قطعي : وهو ما علم أصله وعلّته ووجودها في الفرع سواء كان الفرع أولى بالحكم من الأصل أو مساويا له.

وإلى ظنّي : وهو بخلافه.

وباعتبار جامعه إلى :

قياس علّة : وهو ما تذكر فيه العلة الجامعة بين الأصل والفرع كقياس النبيذ على الخمر بجامع الإسكار.

وقياس دلالة : وهو ما لا تذكر فيه وإنما يجمع بينهما بما يلازمها من خاصيّة كقياس النبيذ على الخمر بجامع الرائحة.

أو حكم : كقياس قطع الجماعة بواحد على قتلها به بجامع الاشتراك في أحد موجبيها في الأصل وهو وجوب الدية عليهم.

وإلى قياس معنى : وهو ما كان جامعه مخيلا وهو الجمع بنفي

٨٤

الفارق ، وقياس شبه : وهو بخلافه.

وباعتبار ظهوره وخفائه إلى :

جلي : وهو ما كان الحكم فيه أولى أو مساويا مع القطع بنفي تأثير الفارق كالضرب والتأفيف والعبد والأمة في تنصيف الحد.

وقيل : لا يسمّى المساوي قياسا.

وخفي (١) : وهو بخلافه.

«وأركانه» أي القياس أربعة وهي :

«الأصل المقيس عليه وحكمه» من وجوب وتحريم ونحوهما.

«والفرع» وهو المقيس ، فأما حكم الفرع فهو ثمرة القياس فلو جعل ركنا لتوقف على نفسه.

«والعلة» وهي الجامع بين الأصل والفرع.

«ولها» أي لهذه الأركان الأربعة «حقائق وشروط وترجيحات» تخصّ كل واحد منها :

فمن شروط الأصل : كونه غير منسوخ وأن يكون غير معدول به عن سنن القياس كالقسامة والشفعة ، وأن لا يكون مصادما لنص أو إجماع وغير ذلك.

ومن شروط الفرع : أن تعمّه علة أصله ويفيد مثل حكم الأصل وأن لا يخالف الأصل تخفيفا وتغليظا ، وقيل : لا يشترط ذلك ونحو ذلك.

ومن شروط الحكم كونه شرعيّا لا لغويا وأن يكون باقيا فلا يقاس على أصل منسوخ وأن يكون ثابتا بغير القياس وغير ذلك.

ومن شروط العلة : أن لا تصادم النص أو الإجماع ، وأن لا تخالفه تغليظا أو تخفيفا ، وأن تطّرد على خلاف في ذلك.

«وللعلة طرق» يتوصل بها إليها كالنّص على العلية أو تنبيه النص والإجماع وحجة الإجماع «وخواص» ككونها عقلية أو حكما شرعيّا وغير

__________________

(١) (ض) وإلى خفي.

٨٥

ذلك ، «وأقسام» ككونها مؤثّرة ومناسبة وشبهيّة و «تفصيلها في كتب الأصول ، وثمرته إثبات مثل حكم الأصل في الفرع» فيشتركان في الحكم «أو ضده» كما في قياس العكس كما سبق ذكره.

(فصل)

«وأصول الشرائع هي أدلّة الأحكام» وهي الثلاثة المتقدمة والإجماع والاجتهاد.

«و» كذلك «ما علم من الدين ضرورة من تلك الأحكام» التي عرفت من الأدلة «نحو الصّلاة» والصّيام والزكاة والحج والجهاد وغير ذلك.

«وسمّيت» هذه المذكورة «أصولا لا ينهدم إسلام من أنكرها» إذ هي أركان الإسلام ، فمتى اختل أحدها انهدم الإسلام.

«و» كذلك ينهدم «ما يترتب على إسلامه من الشرائع» وهو كل طاعة شرعية لتوقفها عليها توقف الفرع على الأصل فلا يتم لمن أنكرها أو بعضها شيء من الشرائع.

«وذلك» أي هذا التعليل بما ذكر «عام» للأدلة المذكورة ولما علم من الدين ضرورة «إلّا القياس» فإنه خارج عن التعليل المذكور مع كونه من أصول الشرائع ولا ينهدم إسلام من أنكره «لأنّه لم يعلم من الدين ضرورة» ولهذا وقع فيه الخلاف ، وكذلك الإجماع والاجتهاد.

«أو» نقول سمّيت أصولا «لأجل حصول الشرائع بها ، وذلك خاص بالأدلة» لأنها هي التي حصلت الشرائع بها دون ما علم من الدين ضرورة فلم تحصل الشرائع به بل هو من نفس الشريعة.

فعلى هذا أصول الشرائع التي هي الأدلة وما علم من الدين ضرورة معلّلة تسميتها بعلّتين إحداهما عامة لها إلّا القياس والإجماع والاجتهاد.

والثانية : خاصة بالأدلّة منها.

٨٦

(فصل)

«والحقّ في» مسائل «أصول الدين» كمسائل التوحيد والعدل والوعد والوعيد والنبوءة والإمامة ونحو ذلك.

«وأصول الشرائع» التي مرّ ذكرها آنفا ، «و» مسائل «أصول الفقه» المعروفة الموضوعة في كتبه المخصوصة «والقطعي من الفروع» وهو ما كان دليله معلوما من الكتاب أو السّنّة أو القياس القطعي فإن الحق في هذه المتقدم ذكرها جميعا : «واحد اتفاقا» بين العلماء أهل العدل وغيرهم «إلّا عن» عبيد الله بن الحسن «العنبري وداود» الأصفهاني فإنهما قالا : كل مجتهد مصيب فيها ، وهكذا رواية الفصول عنهما.

فالملحد والجبري والعدلي والموحد عندهما سواء.

ولعل في الرواية عنهما وهما ، ولعلهما إنما أرادا أن الظن يكفي فيها ، وقد ذكر ذلك الإمام يحيى عليه‌السلام وغيره.

فيكون قولهما كقول الجاحظ والله أعلم.

«لنا : الإجماع» من المسلمين» على تخطئة الملاحدة وكفرهم» وهم المنكرون للصانع وإن اجتهدوا في كفرهم فإنّهم من أهل النار وقد كرّر الله ذلك في القرآن.

«و» لنا «ما يأتي إن شاء الله تعالى ، ثم اختلف الناس» بعد اتفاقهم أنّ الحق فيما ذكر واحد «في حكم المخطئ» للحق «بعد قبول الإسلام» أي بعد كونه قابلا للإسلام غير منكر له :

«فذهب كثير من الناس إلى أنه آثم مطلقا» أي وأطلقوا ولم يخصّوا معاندا من غيره ، ولعله بناء منهم على أن المخالف في ذلك كالمعاند لظهور دليله.

قالوا : وهو أيضا «كافر إن خالف ما علم من الدين ضرورة» كالمجبر والمشبه ومنكر وجوب الصلاة أو الزكاة ونحوهما ممّا هو معلوم من ضرورة الدين «مطلقا» أي أطلقوا ذلك.

٨٧

«وذهب الجاحظ» وهو عمرو بن بحر «وأبو مضر» وهو شريح بن المؤيد «والرازي» وهو صاحب مفاتح الغيب : «إلى أنه معفو عن المخالف» للحق «الغير المعاند مطلقا» أي أطلقوا ولم يفصلوا بين المخالف لما علم من ضرورة الدين وبين المخالف في غيره.

قال عليه‌السلام : «والحق أن المخطئ إن عاند» أي خالف الحق تعمّدا بعد وضوح الدليل على الحق «فهو آثم» مطلقا «كافر إن خالف ما علم من الدين ضرورة» كمنكر أصول الشرائع أو بعضها ، ومنكر معجزة الأنبياء ونحو ذلك «لأنه تكذيب لله ولرسوله» صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ومن كذب الله ورسوله كفر إجماعا.

ولأن المعاند قد أوضح الله له الدلالة فلم يقبلها.

وإن لم يخالف ما علم من ضرورة الدين فهو فاسق لعناده ، بتعمّد مخالفة الحق كمخالف أحد الإجماعين عمدا أو نحو ذلك.

«وإن لم يعاند» ولكن أخطأ بعد النظر والاجتهاد «وكان خطاؤه مؤدّيا إلى الجهل بالله تعالى أو إنكار رسله في جميع ما بلّغوه عن الله سبحانه أو بعضه أو إنكار ما علم من ضرورة الدين فهو آثم كافر أيضا» لأنه في الحقيقة كالمعاند لأنّ الله سبحانه عدل حكيم وقد كلفه معرفته جلّ وعلا ومعرفة رسله ، فلا بدّ أن يجعل له إليها طريقا لا تخفى ، وإلّا كان تكليفا لما لا يطاق فدعواه الاجتهاد والجهل لا تسمع و «لأن المجسم يعبد غير الله ويعتقد أن التأثير» في خلق السموات والأرض وغيرهما (١) «لذلك الغير» الذي هو جسم «كالوثنية» وهم عباد الأوثان «والمنجمة» وهم الذين يجعلون التأثير للنجوم «والطبائعيّة» الذين يجعلون التأثير للطبع «ولا خلاف في كفرهم» أي هذه الفرق المذكورة «مع نظرهم» واجتهادهم الرّدي فهم مع ذلك معاندون.

«والمتأوّل للشرائع بالسقوط نحو الباطنية (٢) لاعتقادهم أن للقرآن

__________________

(١) (ش) وما بينهما وفي نسخة ونحوهما.

(٢) (ض) كالباطنية.

٨٨

والسّنّة باطنا خلاف ظاهرهما معاندون فهم كمن هو «مكذب لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما جاء به» من القرآن وغيره بادّعائه لعلم الباطن الذي لم يجعل الله سبحانه إليه سبيلا «فهو كمن كذبه» ظاهرا وأنكر كونه نبيئا «ولا خلاف في كفره» أي المكذب لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ظاهرا ، فكذلك حكم من تأوّل شرائعه بالسقوط ، وهذا مع الفرض بصحة إقراره بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإلّا فهم في الحقيقة غير مقرين به «ومن أخطأ في غير ذلك» الذي ذكرناه «بعد التحري» في طلب الحق والاجتهاد في التوقّف على أوامر الشرع ونواهيه «فمعفو عنه» لقوله تعالى (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ) (١).

«ولم يفصل ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «رفع عن أمّتي الخطأ والنسيان» «وما استكرهوا عليه».

«ولم يفصل ، وللإجماع على أن من نكح امرأة في العدة جهلا غير آثم مع أنه قد خالف ما علم» تحريمه «من الدين ضرورة» وهو نكاح المعتدة ، فصار جهله رافعا للإثم عنه لأنه هنا غير معاند لأنه قد يجوز أن يخفى دليل ما شأنه كذلك ولا يكلّف الله نفسا إلّا وسعها ولهذا ارتفع الحرج في كل فعل لم يتعمد كلو أراد أن يرمي صيدا فقتل نبيئا ، ويمكن تنزيل كلام الجمهور على مثل كلامه عليه‌السلام حسبما أشرنا إليه ، وقد بسطته في الشرح.

وأما قول الجاحظ ومن وافقه : إنه لا إثم على المخالف المجتهد بخلاف المعاند : فيلزمه رفع الإثم عن الملاحدة ونحوهم.

وله أن يجيب بما حققناه أوّلا وهو أنهم في الحقيقة معاندون.

وكذلك المجبرة والمشبهة وإن ادّعوا أنهم لم يعاندوا وأن الحق بأيديهم وأما قولهم : بعد قبول الإسلام : فالتّسمّي بالإسلام لا يصلح أن يكون وجها فارقا لأنّ العلة في رفع الإثم إن كان هو الاجتهاد فكلهم

__________________

(١) الأحزاب (٥).

٨٩

مجتهدون وإن كان هو التّسمّي بالإسلام فالتّسمّي بالإسلام من غير حصول الإسلام وثبوته لا معنى له وأيضا : يلزم من ذلك أن يرتفع الإثم عن ذلك المخالف المتسمّي بالإسلام ولو عاند لأنّ العلة في رفع الإثم حينئذ هي التّسمّي بالإسلام.

(فصل)

قال «جمهور أئمتنا عليهم» «السلام وجمهور غيرهم وذلك الحق في الظني من الفروع واحد أيضا» بمعنى : أن لله سبحانه فيها حكما معيّنا ، فمن أصابه فهو المصيب ، ومن أخطأه فهو المخطي.

قال في الفصول : وهو قول الناصر في رواية ، وأبي العباس وقديم قولي المؤيّد بالله ثم اختلفوا :

فعند الأصم والمريسي وابن علّيّة ونفاة القياس : إنّ عليه دليلا قاطعا ، واختلفوا في مخالفه.

فقيل : معذور ، وقيل مأزور.

قال الأصم : وينقض حكمه بمخالفته.

وقال بعض الفقهاء والأصوليين : بل ظني ومخالفه معذور مأجور مخطئ بالإضافة إلى ما طلب لا بالإضافة إلى ما وجب.

وقال بعض المتكلمين : لا دليل عليه قطعيّا ولا ظنيّا وإنما هو كدفين يصاب فلمصيبه أجران ولمخطئه أجر.

وقال الإمام المهدي «أبو عبد الله الداعي» محمد بن الإمام الداعي إلى الله الحسن بن القاسم بن الحسن بن علي بن عبد الرحمن بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام «والمؤيّد بالله» أخيرا «وأبو طالب والمنصور بالله» عبد الله بن حمزة «و» الإمام المهدي «أحمد بن الحسين» والإمام يحيى بن حمزة «و» الإمام «المهدي» أحمد بن يحيى المرتضى عليهم‌السلام وغيرهم.

٩٠

«و» من المعتزلة «أبو علي وأبو هاشم وأبو عبد الله البصري وأبو الهذيل وقاضي القضاة وغيرهم» فكلهم قالوا : «بل كل مجتهد فيه» أي في الظني «مصيب» للحق.

ومعنى ذلك : أنه ليس لله تعالى فيه حكم معيّن قبل الاجتهاد بل كلها حق.

قال في الفصول : ثم اختلفوا :

فعند متأخري أئمتنا عليهم‌السلام والجمهور : أنه لا أشبه فيها عند الله وإنما مراده تابع نظر كل مجتهد.

وقال بعض الحنفية والشافعية : بل الأشبه منها عند الله وهو مراده منها ولقّبوه بالأصوب ، والصواب والأشبه عند الله تعالى.

وقد يصيبه المجتهد وقد يخطئه ولذلك قالوا : أصاب اجتهادا لا حكما واختلفوا في تفسيره :

فقيل : ما قويت أمارته. وقيل : الحكم الذي لو نصّ الشارع لم ينص (١) إلّا عليه. وقيل : الأكثر ثوابا. وقيل : لا يفسّر إلّا بأنه أشبه فقط.

قال : ونقل عن الفقهاء الأربعة التصويب والتخطئة.

لنا قوله تعالى : (فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ ...) الآية (٢).

وقوله تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) (٣).

وقوله تعالى : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ)(٤).

وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) (٥).

__________________

(١) (ض) ما نصّ.

(٢) الأنبياء (٧٩).

(٣) آل عمران (١٠٣).

(٤) آل عمران (١٠٥).

(٥) الأنعام (١٥٩).

٩١

«ولم تفصّل هذه الآيات» بين ما كان من أصول الدين وغيره ولا بين القطعي والظني.

«و» لنا أيضا من السّنّة «قوله» صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «لا يختلف عالمان ولا يقتتل مسلمان» وهو نهي «ولم يفصل» أيضا «و» يؤكد قولنا : أنه «لم يثبت جوازه» أي جواز التفرق والاختلاف «في كل شرائع الأنبياء عليهم» الصلاة و «السلام» أي لم يثبت في شريعة من شرائعهم «بدليل قوله تعالى» «شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه» «ولم يفصل» تعالى في التّوصية بالدّين ألّا يتفرقوا فيه بين الأصول والفروع ولا بين المتقدمين والمتأخرين.

«و» لنا أيضا قوله تعالى : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) (١).

قال في البرهان : يعني عشرة قرون بعد آدم كانوا على الحق ثم اختلفوا.

وفي الكشاف عن ابن عباس أنه كان بين آدم وبين نوح عشرة قرون على شريعة من الحق.

وقال الإمام القاسم بن إبراهيم عليه‌السلام في جواب من سأله عن هذه الآية : لا يكون الناس أمّة واحدة إلّا وفيهم نبيء أو وصي.

وقال المرتضى في الإيضاح : ما كانوا إلّا على الإقرار بالله عزوجل والتّصديق له منذ خلق الله آدم مصدّقين لأمره عارفين به موحّدين له متّبعين لكل ما أنزل فكانوا على هذا الدين لا يشركون به ثم اختلفوا بعد ذلك وتفرقوا واتبعوا أهواءهم.

«فبعث الله النّبيين مبشرين ومنذرين. وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه» أي في الحق «إلّا الذين أوتوه» أي الكتاب «من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم» أي حسدا وظلما

__________________

(١) البقرة (٢١٣).

٩٢

لحرصهم على الدنيا «فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه ، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم».

«بيان الاستدلال بهذه الآية : أنّ لفظ النبيين فيها عام لكل نبيء» لأنّ اللّام فيه للجنس فلا اختصاص لبعضه دون بعض فهي بمنزلة الإشارة إلى متعيّن ، ولا بعض معهود متعيّن فوجب أن تكون اللّام بمعنى الإشارة إلى ذلك الجنس جملة وإلّا لم تفد التعريف.

«ونبيّنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سيّدهم» لما سبق تقريره «والكتاب» في قوله تعالى : (وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ) «عامّ» لكل كتاب أنزله الله تعالى ، وإن كان لفظه مفردا بدليل أن الكتب مع الأنبياء عليهم‌السلام كثيرة فلكل نبيء في الأغلب كتاب.

«ونظيره» أي نظير الكتاب في إفادته العموم وهو لفظ مفرد قوله تعالى : (وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) فالمراد به كل إنسان «بدليل صحة الاستثناء» وإذا كان الكتاب عامّا لكل كتاب «فالقرآن الكريم واسطة عقدها» أي المعظّم فيها الذي حاله فيها كحال واسطة العقد وهو القلادة من جواهر أو ذهب أو فضة أو غير ذلك لأنّ الواسطة تكون أعظم جوهرا وأكبر قدرا وخطرا من سائر خرز العقد.

وقوله عليه‌السلام «الثمين» أي كثير الثمن وهو صفة للعقد ويحتمل أن يكون صفة للواسطة.

وقوله تعالى : (لِيَحْكُمَ) الضمير فيه «عائد إلى الكتاب المفيد للعموم أي لتحكم تلك الكتب بين الناس فيما اختلفوا فيه من الأحكام التي عرفت بالكتب».

وإنّما قلنا إن الأحكام عرفت بالكتب بدليل قوله تعالى : (وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ) أي إلّا الذين أوتوا الكتاب الذي فيه (١) بيان الأحكام ، والمراد : اختلفوا في أحكامه.

__________________

(١) (ض) الذي جاء فيه.

٩٣

«أي» الأمر «المختلف فيه» هو «من بعد ما جاءتهم البيّنات من نصوص تلك الكتب وأماراتها الدّالة على أعيان الأحكام» (١).

والمعنى : أنّ الاختلاف وقع من بعد إنزال الكتب ، وهي إنّما أنزلت لإزاحة الاختلاف فعكسوا وجعلوا إنزال الكتب سببا للاختلاف.

فقال تعالى : (بَغْياً بَيْنَهُمْ) أي لأجل البغي من بعضهم «لمّا كان الحق مع بعضهم فبغي عليهم» بالبناء للمفعول أي بغي على ذلك البعض الذي الحقّ معهم «بالمخالفة والشّقاق لهم» حسدا «بعد ما عرف» بالبناء للمفعول أيضا «أنّ الحق» الذي أمر الله به «بأيديهم» أي بأيدي ذلك البعض المبغي عليهم.

«إمّا» أن يكون عرف ذلك «بما ذكرنا من النصوص والأمارات التي في الكتب المنزلة أنّ الحق بأيدي ذلك البعض ، وإمّا بالنص على أنّ ذلك البعض» الذي بغي عليه بالمخالفة والشقاق «هو الموفّق لإصابة الحق» وذلك نحو ما ورد في عترة النبيء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذلك من نحو قوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ..) الآية (٢).

«وقوله» صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «إنّي تارك فيكم ... الخبر» تمامه «ما إنّ تمسّكتم به لن تضلوا من بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، إنّ اللطيف الخبير نبّأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض».

وإنما اختصّ ذلك البعض بتوفيق الله لهم «حيث نور قلوبهم لمّا أطاعوه» بامتثال أوامره والانتهاء عن مناهيه فزادهم الله هدى لقوله تعالى : (إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً) «كما مرّ» «وذلك» أي التوفيق لإصابة الحق هو «معنى قوله تعالى» : (فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِ) أي نوّر قلوبهم ففهموا الحق الذي وقع الاختلاف فيه «بإذنه» أي بإرادته وهدايته لهم ، ففي هذه الآية الكريمة دليل على أن الحق الذي أمر

__________________

(١) (ض) أعيان تلك الأحكام.

(٢) الأحزاب (٣٣).

٩٤

الله باتباعه واحد وأنّ بعض خلقه أصابه وبعضهم أخطأه وخالفه بغيا وعدوانا إن قيل إنّ قوله تعالى : (بَغْياً بَيْنَهُمْ) يشعر بأن الاختلاف وقع في المسائل القطعية لأنها هي التي يعلم البغي فيها من المخالف ولا نزاع أن الحق فيها واحد (*).

«قالوا» أي مخالفونا في هذه المسألة : قال تعالى : (ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللهِ) (١) فدلّت على أن اجتهاد من رأى قطع اللّينة أو تركها قائمة على أصولها حقّ.

قالوا : وهذا دليل على جواز الاجتهاد بحضرة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والوحي ينزل عليه فكيف به في غير حضرته.

«قلنا : معنى «بإذن الله» فبإباحته» أي أباح الله سبحانه وتعالى إحراق نخيلهم وقطعها وتركها.

روي أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا قطع نخيلهم جاءت إليه جماعة من اليهود فقالوا : يا محمد ألست تزعم أنك تريد الصلاح؟ أفمن الصلاح قطع النخيل وعقر الشجر؟

فأنزل الله هذه الآية.

«وذلك حكم واحد» سوّى الله فيه وخيّر بين القطع والترك كما خيّر في أسير الكفار بين القتل والفداء والمنّ فقال تعالى : (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) (٢).

«قالوا» : قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «إذا حكم الحاكم فاجتهد

____________________________________

* قال في الأصل بياض في الأم وغيرها من النسخ ويمكن الجواب بأن النفي هنا ليس إلّا المخالفة والشقاق والقطعيّة والظنيّة سواء في ذلك فالتخصيص خلاف الظاهر ، والله أعلم تمت من خط سيد الحسين بن القاسم عليهما‌السلام.

__________________

(١) الحشر (٥).

(٢) محمد (٤).

٩٥

وأصاب فله أجران ، وإن حكم فاجتهد وأخطأ فله أجر». قلنا ذلك حجّة لنا لأنه قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«فأخطأ» أي أخطأ الحقّ وذلك نص في المقصود.

«وقوله» صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «فله أجر» لا حجة لكم فيه لأن الأجر «جزاء على البحث» والتّعب والانقياد لأمر الله تعالى وذلك منتهى تكليفه ، «لأنه عبادة» لله تعالى «لا» أنّه ثبت له الأجر «على العمل بخلافه» أي على العمل بالخطإ الذي هو خلاف ذلك الحق الذي لم يعمل به.

«قالوا : اختلفت الصحابة» في الكلالة والعول ومسألة الجدّ وغير ذلك «من غير نكير» فلو كان الحق واحدا لأنكر بعضهم على بعض.

قلنا» اختلافهم لا يدل على جواز الاختلاف ولا على أن الحق مع كل واحد لأنهم قد اختلفوا فيما الحق فيه واحد اتفاقا كالإمامة.

ثم نقول : «إنكار الوصي» أمير المؤمنين «عليه‌السلام لكثير من القضايا» التي قضى بها الصحابة (١).

«لا خلاف فيه بين الناس» فإنه أنكر على عمر في نيف وعشرين مسألة حتى قال عمر : لو لا علي لهلك عمر.

من جملتها الامرأة المجهضة وذلك أن عمر أحضر امرأة اتّهمت بالزنى فأسقطت خوفا منه ، فاستشار عمر عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان فقالا : إنّما أنت مؤدب لا نرى عليك شيئا.

فقال علي عليه‌السلام : (إن كانا اجتهدا فقد أخطئا ، وإن لم يجتهدا فقد غشّاك).

وفي رواية : إن عمرا استشار عبد الرحمن بن عوف فقط.

وفي رواية : أنه استشار جميع الصحابة.

«ونقل إنكاره» أي إنكار عليّ عليه‌السلام للخلاف «جملة» وذلك أنه

__________________

(١) واجتهدوا فيها واختلفوا فيها تمّت.

٩٦

قال عليه‌السلام في نهج البلاغة :

(ترد على أحدهم القضية في حكم من الأحكام فيحكم فيها برأيه ثم ترد تلك القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخلاف قوله ، ثم يجتمع القضاة بذلك عند الإمام الذي استقضاهم فيصوّب آراءهم جميعا وإلههم واحد ونبيئهم واحد وكتابهم واحد.

أفأمرهم الله سبحانه بخلاف فأطاعوه أم نهاهم عنه فعصوه ، أم أنزل الله دينا ناقصا فاستعان بهم على إتمامه ، أم كانوا شركاء له؟

فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى ، أم أنزل الله تعالى دينا تامّا فقصر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن تبليغه وأدائه ، والله تعالى يقول : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) (١).

وقال : (تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) .. (٢).

إلى آخر كلامه كرّم الله وجهه في الجنة).

«وكذلك» نقل إنكار الخلاف «عن كثير من الصحابة».

روي عن علي عليه‌السلام وزيد بن ثابت وغيرهما تخطئة ابن عباس في عدم القول بالعول.

وروي عن ابن عباس : أنه خطّأ من قال بالعول ، وغير ذلك كثير.

«قالوا : لا مانع من أن الله يخاطب بمجمل ويريد من كلّ ما فهمه» فيكون مفهوم كل مجتهد مرادا لله وصوابا.

«قلنا : قام الدليل على منعه كما مرّ» ذكره من الأدلة على تحريم الاختلاف.

ثم إن التجويز المذكور لا تقوم به حجة.

__________________

(١) الأنعام (٣٨).

(٢) النحل (٨٩).

٩٧

(فرع)

«واختلف المخطّية» أي الفريق الذين ذهبوا إلى أن الحق في المسائل الظنيّة واحد :

فقال بشر «المريسي وابن عليّة والأصم : والمخالف» (١) للحق «مخطئ آثم مطلقا» أي لم يشرطوا شرطا بل أطلقوا.

قالوا : لأنّ عليه دليلا قاطعا.

وقال بعض أصحاب الشافعي : بل هو مخطئ معذور فلا إثم عليه مطلقا أي أطلقوا كذلك.

وقال «بعض أصحاب الشافعي : بل» هو «مصيب» ولكنه «مخالف للأشبه مطلقا» أي أطلقوا.

واعلم : أن كلامهم في الأشبه مضطرب متناقض.

وذكره في الفصول قولا لبعض أهل التصويب لا للمخطّئة كما سبق ذكره.

والحق ما ذهب إليه «جمهور أئمتنا عليهم» «السلام» من أنه لا إثم على المخطئ الجاهل بعد التحري.

«بل من خالف مجتهدي العترة عمدا» أي وهو عالم بمخالفته لهم «أو أخذ» علمه «من غيرهم» من سائر المخالفين لهم عمدا «أو سلك في الأصول» أي أصول الدين أو أصول الفقه «غير طريقهم (٢) عمدا أيضا لتفرع كثير من الخلافات عليه» أي على ذلك الأصل الذي قد خالف فيه مجتهدي العترة.

فإذا كان المخالف على ما ذكرنا «فهو آثم واجتهاده حظر» أي محرم عليه لأنه يؤدّي إلى مخالفة أهل البيت ، عليهم‌السلام.

وقد علم بالأدلة المتواترة في المعنى أن الحق لا يخرج عن جماعة

__________________

(١) (ش) المخالف ، (أ) فالمخالف.

(٢) (ش) غير طريقتهم.

٩٨

أهل البيت كما مرّ.

قال زيد بن علي عليهما‌السلام في جوابه لمن سأله ما لفظه :

وكتبت تسألني عن أهل بيتي وعن اختلافهم :

فاعلم رحمك الله أن أهل بيتي فيهم المصيب وفيهم المخطئ غير أنه لا يكون هداة الأمّة إلّا منهم فلا يصرفك عنهم الجاهلون ، ولا يزهّدك فيهم الذين لا يعلمون ، وإذا رأيت الرجل منصرفا عن هدينا زاهدا في علمنا راغبا عن مودّتنا فقد ضلّ لا شك عن الحق وهو من المبطلين الضالين ، وإذا ضلّ الناس عن الحق لم تكن الهداة إلّا منّا. انتهى.

وقال الناصر للحق الحسن بن علي عليهما‌السلام فيما حكاه عنه صاحب المسفر : ولله أدلّة على الحوادث على المكلف إصابتها التي الأمّة فيها على سواء ، فأما ما سوى هذه الأصول من الأحكام في الحوادث النادرة التي يسوغ فيها الاجتهاد إذ لا نص عليها من كتاب ولا سنّة ولا إجماع من الأمّة والأئمة فالاجتهاد فيها إلى علماء آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دون غيرهم لقوله تعالى : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) (١).

وقال تعالى : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) (٢).

وقال محمد بن القاسم في شرح دعائم الإيمان : فأولئك هم الذين أمر الله بطاعتهم وهم العترة الطاهرون من آل نبيئه عليهم‌السلام وأقامهم أئمة يهدون بأمره وأمر الخلق كلهم أن يسألوهم إذا جهلوا وأن يردّوا إليهم علم ما اختلفوا فيه لأنّهم أهل الاستنباط والبحث والنظر الذين أمر الله بالردّ إليهم ، وإنما ضلّ مخالف العترة عليهم‌السلام «لآية التطهير» التي مرّ ذكرها «وخبري السفينة» وقد تكرر ذكرهما «و» قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «إنّي تارك فيكم ... الخبر» وقد مرّ ذكره.

__________________

(١) النساء (٥٩).

(٢) النساء (٨٣).

٩٩

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «قدّموهم ولا تقدموهم» «ولا تخالفوهم فتضلوا» «ولا تشتموهم فتكفروا».

«ونحو ذلك» ممّا يكثر تعداده ولا يتّسع له هذا الموضع.

«ومن أخطأ أو سها بعد البحث والتحري» في الاجتهاد ولم يتعمد مخالفة العترةعليهم‌السلام «فمعذور لا إثم عليه» لقوله تعالى : (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ) (١).

«وقوله» صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان» «وما استكرهوا عليه».

ولأنّ الله سبحانه لا يكلّف نفسا إلّا وسعها.

(بحث)

أي هذا بحث يتعلق بما ذكر من أنّ الحق لا يخرج عن أئمة العترة عليهم‌السلام.

«يقال : لو أن مجتهدين من العترة عليهم» «السلام اختلفا في شيء فرأى أحدهما تحريمه ورأى الآخر وجوبه» كالعمل بالطلاق البدعي.

«إن قلت : إنّه يلزم كل واحد منهما القيام بما رآه واجبا عليه من الفعل أو الترك صوّبتهما» أي جعلت كل واحد منهما مصيبا وقد منعت ذلك.

«وإن قلت بخلاف ذلك فما» هو أي ما «يلزم كل واحد منهما؟».

قال عليه‌السلام : «والجواب والله الموفق : أنهما إن علما جميعا» اختلافهما «أو» علم «أحدهما» ذلك «وجب عليهما أو على العالم منهما إعادة النظر في دليليهما» أي في دليله ودليل مخالفه لعله يظهر له رجحان أحدهما «إذ لا بدّ من راجح» في الأغلب «يرجعان إليه» وحينئذ يزول الاختلاف.

«أو» يرجعان «إلى غيره» أي غير ذلك الدليل الذي بأيديهما «إن عدم

__________________

(١) الأحزاب (٥).

١٠٠