عدّة الأكياس في شرح معاني الأساس - ج ٢

أحمد بن محمّد بن صلاح الشرفي القاسمي

عدّة الأكياس في شرح معاني الأساس - ج ٢

المؤلف:

أحمد بن محمّد بن صلاح الشرفي القاسمي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الحكمة اليمانية للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٧
الجزء ١ الجزء ٢

ومثل هذا ذكره الإمام أحمد بن سليمان عليه‌السلام قال : لأنه لا يعدّ الشيء ويدّخره إلى وقت طويل إلّا من يعجز عن إبداعه وقت الحاجة إليه والله تعالى لا يعجزه شيء.

قال : وإذا كانت قد خلقت لم تكن إلّا في السماء أو في الأرض ، وإذا كانت قد خلقت في السماء فكيف تبدّل السماء وتبقى الجنة التي فيها وما فيها من الحور العين والولدان.

وقال القاسم بن إبراهيم عليه‌السلام : وقد سئل عن آدم حيث أسكنه الله الجنة ما كانت الجنة مخلوقة أو لا؟

فقال : الجنة مخلوقة في غير سماء ولا أرض وقد أسكن الله آدم وزوجته الجنة وأخرجهما منها بعصيانهما. انتهى.

قلت : وقوله تعالى : (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى) (١) يدل على أنها قد خلقت والله أعلم.

وقال «أبو علي وأبو الحسين» والإمام يحيى عليه‌السلام وغيرهم «بل» قد «خلقتا قطعا لقوله تعالى» : (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) «قلنا» معناه أعدّت «في علمه تعالى» فكأنها قد وجدت لما كان أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون.

«قالوا» : قال تعالى : (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى) فدلّت هذه الآية على أن الجنة قد خلقت وأن محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأى جبريل على صورته عندها ليلة المعراج.

«قلنا : تلك جنة تأوي إليها أرواح الأنبياء صلوات الله عليهم والشهداء» والمؤمنين «في بقية أيام الدنيا» قبل قيام القيامة «لا جنة الخلد التي وعد المتّقون جمعا بين الأدلة» المفهمة أنها قد خلقت والأدلة المنافية لذلك.

__________________

(١) النجم (١٣ ـ ١٥).

٣٦١

وقال «المرتضى» محمد بن يحيى «والمهدي» أحمد بن يحيى عليهما‌السلام وهو قول أبي القاسم البلخي وكثير من البغدادية :

«لا قطع بأيهما» أي لا قطع بأنها قد خلقت ولا بأنها لم تخلق.

قال الإمام عليه‌السلام : «قلت : وهو الحق لاحتمال أن يكون» معنى «أكلها دائم» أي «في القيامة» فلا ينافي عدم خلقها لأن المعنى لا ينقطع أكلها بعد وجودها «لا في أيام الدنيا» وممّا يلحق بذلك القول في أزواج أهل الجنة.

قال الإمام أحمد بن سليمان عليه‌السلام : اعلم : أن الله سبحانه يزوج عبيده من إمائه يوم القيامة بمن يشاء وكيف يشاء ، فأما من مات مؤمنا وله زوجة مؤمنة ولم تخلف بعده زوجا فأحسب والله أعلم أنها زوجته في الجنة ، وكذا لو ماتت ولم يتزوج أختها ولا من يحرم عليه الجمع بينهما ، فإن تزوج أختها بعدها أو عمّتها أو خالتها فإن زوجته في الجنة الأخرى دون الأولى.

وإن مات وتزوجت بعده فهي للزوج الآخر في الجنة.

[قلت : وروي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال «المرأة لآخر أزواجها» يعني في الجنة].

قال : والدليل على ذلك : ما رواه الهادي إلى الحق عليه‌السلام في جوابه للرازي يرفعه إلى النبيء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه سئل عن زوجة المؤمن هل تكون له زوجة في الجنة إذا كانت مؤمنة؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «نعم يجمع الله بين أهل البيت إذا كانوا مؤمنين في دار ثواب المتقين».

قال : ويدل على صحة ما قلناه : أن الميت إذا مات فقد خرج من أحكام الدنيا وصار من أهل الآخرة وقد جاء عن الصالحين من الصحابة وغيرهم من المؤمنين : أنّ الرجل يغسل زوجته إذا ماتت إذا أراد ذلك والمرأة تغسل زوجها.

٣٦٢

وروي عن النبيء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه دخل على عائشة وهي تقول : وا رأساه فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا عليك لو متّ لغسلتك ... الخبر».

وروي : أن أمير المؤمنين عليه‌السلام غسل فاطمة عليها‌السلام إلى أن قال عليه‌السلام : وعلى هذا لو عقد بامرأة عقدة النكاح ولم يدخل بها ثم ماتت وتزوج بابنتها قبل أن تدفن وتغسل لم يجز له أن ينظر إلى عورة الميتة.

قال : وهذا القول منّي اجتهاد وقياس على ما ذكرنا من الأخبار والله أعلم.

قال : ويمكن أن يكون حكم تزويج الآخرة غير حكم تزويج الدنيا لأنّ أحكام الآخرة غير أحكام الدنيا إلّا في العدل فإن أحكام الله تستوي في العدل في الدنيا والآخرة.

قال : واعلم : أن الله يزوج أولياءه في الجنة من حور العين.

وحور العين : نساء يخلقهن الله في الجنة كيف يشاء وكما يشاء أحسن خلق وأجمل صورة كما قال تعالى : (وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ) (١).

وقال تعالى : (وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ) (٢) انتهى كلامه عليه‌السلام.

وهو قويّ جدّا موافق لكثير ممّا روي عن النبيء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أن أزواج المؤمنين تردّ عليهم في الجنة إذا كنّ مؤمنات.

[وقال القاسم بن علي العياني عليه‌السلام في جواب من سأله فقال في الجواب :

اعلم : أن الله تبارك وتعالى لم يفصّل لنا ذلك وإنما وعد الله المتقين الجنة ووعده الحقّ إلّا أني أقول : إن الخيار في ذلك إلى الرجال والنّساء

__________________

(١) الواقعة (٢٢ ـ ٢٣).

(٢) الدخان (٥٤).

٣٦٣

بعد كونهم في دار الخلد فمن اختار منهم شيئا أوصله الله إليه وتفضّل به عليه كما وعده إذ يقول عزوجل : (وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ) (١) وهذا الدليل لا معدل عنه ولا مخلف انتهى]. وقد بسطت في هذا الموضع في الشرح.

وأما الكلام في جنة آدم : فقال «الهادي عليه‌السلام : وجنة آدم عليه‌السلام» التي أخرجه الله منها «كانت في الأرض لقوله تعالى : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) (٢) «ولا دليل على اطلاعه إلى السماء» ،

ومثله ذكر الحسين بن القاسم العياني عليهما‌السلام ، وحينئذ المراد بالجنة البستان الرائق الجامع للفواكه والملاذ؟

قال بعضهم : كانت جنة آدم بين مكة والطائف ومنهم من قال بل خلق آدم هناك ثم نقل إلى السماء ومن قال : في السماء جنة ونار ، اختلفوا هل هي دار الجزاء أو لا : فمنهم من قال : هي دار الجزاء ، ومنهم من قال : ليست دار الجزاء وهي محل الشهداء والأنبياء وكذلك النار مثل دار الجزاء فيها الأعداء إلى أن يفنى الخلق ثم يعاد وتخلق دار الجزاء ولا تفنى ذكر هذا في الباهر.

«وقال غيره» أي غير الهادي عليه‌السلام : «بل هي» أي جنة آدم «في السماء لقوله تعالى» : (قالَ اهْبِطا) خطابا لآدم وحوّى بعد أكلهما من الشجرة.

«قلنا» لا حجة في ذلك لأنه «كقوله تعالى» خطابا لبني إسرائيل (اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ) (٣).

والمراد : مصر المعروف وقيل : مصرا من الأمصار وبنو إسرائيل في الأرض قبل الهبوط وبعده.

ويقال : هبطنا اليمن ، وهبطنا الحجاز.

__________________

(١) الزخرف (٧١).

(٢) البقرة (٣٠).

(٣) البقرة (٦١).

٣٦٤

وقد تقدم ما ذكره القاسم بن إبراهيم عليه‌السلام في جنة آدم.

وإلى هنا انتهى بنا الكلام في القسم الرابع من أقسام هذا الكتاب المبارك ونذكر الآن الخاتمة بمشيئة الله وإعانته.

٣٦٥
٣٦٦

قال عليه‌السلام :

(خاتمة)

أي هذه خاتمة لهذا الكتاب ينبغي ذكرها لما قد عرف من اختلاف الناس في أصول الدين وغيره فلا بدّ من الاجتهاد في طلب الحق لمن أراد النجاة يوم القيامة ، فلهذا حسن ذكرها بعد تمام أقسام الكتاب.

قال عليه‌السلام :

«اعلم : أن الأمّة» أي أمّة النبيء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «قد تفرقت إلى مذاهب شتّى وليس كل بمصيب» للحق وإن اجتهد «لما مرّ» أنّ الحق واحد.

«ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» «أمّة أخي موسى افترقت إحدى وسبعين فرقة ، وافترقت أمّة أخي عيسى على اثنتين وسبعين فرقة».

«وستفترق أمّتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها هالكة إلّا فرقة واحدة».

«وهذا الخبر» مقطوع بصحته لأنه «متلقّى بالقبول» من جميع الأمّة لا يختلفون فيه. ذكره الإمام أحمد بن سليمان عليه‌السلام في حقائق المعرفة.

قال : فلما سمع ذلك منه ضاق به المسلمون ذرعا وضجّوا بالبكاء وأقبلوا عليه وقالوا : يا رسول الله : كيف لنا بعدك بطريق النجاة ومعرفة الفرقة الناجية حتى نعتمد عليها؟

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي كتاب الله وعترتي أهل بيتي إن اللطيف الخبير نبّأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض».

٣٦٧

قال عليه‌السلام : والأمّة مجمعة على صحة هذا الخبر ، وكل فرقة من فرق الإسلام تتلقاه بالقبول وتزعم أنها هي الناجية.

قال : والأمّة مجمعة أيضا على أن إجماع الأمّة حجة لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «لن تجتمع أمّتي على ضلالة» انتهى.

ذكر نحو هذا الخبر (١) ابن بهران في المعتمد من رواية معاوية قال أخرجه أبو داود.

قال : وأخرج هو والترمذي قريبا منه من رواية أبي هريرة والترمذي نحوه مع زيادة من رواية ابن عمر.

قال العنسي رحمة الله عليه في المحجة البيضاء : انتشر مذهب الخوارج في زمن عليعليه‌السلام ، وفي زمانه كان حدوث مذهب الغلاة والمفوضة وهم الذين مهدوا مذاهب الباطنية.

وفي ضمنه من (٢) زمن معاوية ظهر الجبر والتشبيه ، ثم تزايدت مذاهب الجبرية وصاروا فرقا كالأشعرية والكلابية والكرامية والضرارية وظهر في ضمن ذلك آخر زمن بني أميّة مذهب الإمامية وتزايد في زمن العباسية.

وظهر في التابعين مذهب المرجئة ولصق أكثره بمذهب الجبرية والإمامية ، وظهر مذهب المعتزلة زمن واصل بن عطا وتزايد وصار لهم رئاسة عظيمة لميلهم في العدل والتوحيد إلى مذهب العترة الزكية عليهم‌السلام.

واستقامت الزيدية على المذهب الذي كان عليه زيد بن علي عليهما‌السلام وسائر العترةعليهم‌السلام وهو الذي مات عليه النبيء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومات عليه عليّ عليه‌السلام وابناه الحسن والحسين عليهما‌السلام والجماعة الوافرة من الصحابة رضي الله عنهم ومن التابعين. انتهى.

«ولم يمت صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلّا وقد بلّغ عن الله تعالى بيان

__________________

(١) وهو قوله ستفترق تمت.

(٢) (ض) في زمن.

٣٦٨

الفرقة الناجية لقوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) (١) الآية وهي نص في إكمال الدين.

ومن أعظم الدين وأهمّه وأقدمه وأجسمه : بيان الفرقة الناجية ومن يقع الاعتصام به عند الاختلاف بعده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقوم مقامه ، إذ قد علم من دينه ضرورة أنه لا نبيء بعده وإلّا كان مهملا لأمّته وغير مكمل لشريعة ربه وحاشاه عن ذلك صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الطيبين الطاهرين.

«وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» : «ما تركت شيئا يقربكم إلى الجنة إلّا دللتكم عليه ... الخبر» عن ابن عمر من أحاديث السيلقية : «ليس شيء يباعدكم من النار إلّا وقد ذكرته لكم ، ولا شيء يقربكم من الجنة إلّا وقد دللتكم عليه ، إن روح القدس نفث في روعي أنه لن يموت امرؤ حتى يستكمل رزقه فأجملوا في الطلب» ومن غير السيلقية عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : خطبنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : «ما علمت شيئا يقربكم من الجنة ويباعدكم من النار إلّا وقد أمرتكم به ، ولا علمت شيئا يقربكم من النار ويباعدكم من الجنة إلّا وقد نهيتكم عنه ألا وأنه لن تموت نفس حتى تستكمل ما كتب الله لها من رزق ... إلى آخره».

وذلك «بآية المودة» وهي قوله تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (٢) وذوو القربى هم عترته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما تقدم من الأدلة على ذلك.

«وآية التطهير» وهي قوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٣) وقد مرّ ذكرها وكون المراد بها العترة عليهم‌السلام.

«وآية المباهلة» وهي قوله تعالى : (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ

__________________

(١) المائدة (٣).

(٢) الشورى (٢٣).

(٣) الأحزاب (٣٣).

٣٦٩

مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ) (١).

ووجه دلالتها : أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا لم يخرج لمباهلة نصارى نجران إلّا بعليّ وفاطمة والحسنينعليهم‌السلام : علمنا أنهم المرادون بالأبناء والنساء والأنفس.

وقد قرنهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنفسه فكان حكمهم في هذه الرتبة الجليلة الشريفة وهي الابتهال والدعاء إلى الله سبحانه بهلاك الكاذب ولعنته : حكمه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو رأس الناجين يوم القيامة.

«وغيرها» أي غير هذه الآيات.

قد تقدم ذكر طرف منها في فضل العترة عليهم‌السلام «من الآيات الدالة على أنها» أي الفرقة الناجية «هي العترة الطاهرة ومن تابعها» في دينها من سائر البرية.

«وما ورد في أبعاضهم» على التعيين ، من ذلك :

ما ورد في الأربعة «المعصومين خاصة» وهم عليّ وفاطمة والحسنان صلوات الله عليهم من ذلك ما تقدم ذكره.

ومنه : خبر الأشباح : روى الأمير الحسين عليه‌السلام في كتاب ينابيع النصيحة عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «لمّا أمر الله آدم بالخروج من الجنة رفع طرفه نحو السماء فرأى خمسة أشباح على يمين العرش فقال : إلهي : خلقت خلقا قبلي؟

فأوحى الله إليه : أما تنظر إلى هذه الأشباح؟ قال : بلى.

قال : هؤلاء الصفوة من نوري اشتققت أسماءهم من اسمي فأنا المحمود وهذا محمّد ، وأنا العالي وهذا عليّ ، وأنا الفاطر وهذه فاطمة ، وأنا المحسن وهذا الحسن ، ولي الأسماء الحسنى وهذا الحسين.

قال آدم : فبحقهم اغفر لي ، فأوحى الله إليه : قد غفرت لك».

__________________

(١) آل عمران (٦١).

٣٧٠

وغير ذلك «ممّا لا ينكره المؤالف والمخالف» ممّا تقدم ذكر بعضه (وبما ورد فيهم) أي الأربعة المعصومين «وفي سائر العترة عليهم» «السلام عامّة» : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبدا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، إن اللطيف الخبير نبّأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض».

«وهذا الخبر متواتر مجمع على صحته».

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» : «مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق وهوى ، ومن قاتلنا آخر الزمان فكأنما قاتل مع الدجال».

«وهذا الخبر مجمع على صحته أيضا عند علماء آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشيعتهم» وإجماعهم حجة قطعية يجب اتباعه.

«وعند أهل التحقيق من غيرهم».

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «نحن أهل البيت شجرة النبوءة ومعدن الرسالة ، ليس أحد من الخلائق يفضل أهل بيتي غيري» رواه الأمير الحسين عليه‌السلام في ينابيع النصيحة.

وروى فيه أيضا عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «ارفعوا أصواتكم بالصلاة عليّ وعلى أهل بيتي فإنها تذهب بالنفاق».

وروى فيه أيضا عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «لا تصلّوا عليّ الصلاة البتراء ، ولكن صلّوا عليّ وعلى آلي معي فإن الله لا يقبل الصلاة عليّ إلّا بالصلاة عليّ وعلى آلي».

وروى فيه أيضا عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «أنا وأهل بيتي شجرة في الجنة أغصانها في الدنيا فمن شاء اتخذ إلى ربّه سبيلا ، وأن الله تعالى جعل أجري عليكم المودة في أهل بيتي وإني سائلكم غدا فمحف لكم في المسألة».

[وفي السفينة للحاكم قال ؛ من كتاب الناصر للحق عليه‌السلام عن

٣٧١

أبي سعيد الخدري قال : لما مرض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرضه الذي توفّي فيه : أخرجه علي والفضل بن العباس فصلّى ثم وضعاه على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : «أيها الناس: إني تارك فيكم الثقلين لن تعمى قلوبكم ولن تزل أقدامكم ولن تقصر أيديكم أبدا ما أخذتم بهما :

كتاب الله سبب بينكم وبين الله فأحلّوا حلاله وحرّموا حرامه.

قال : فعظّم من كتاب الله ما شاء أن يعظم ثم سكت.

فقام عمر فقال : هذا أحدهما قد أعلمتنا به فأعلمنا بالآخر؟

فقال : إني لم أذكره لكم إلّا وأنا أريد أن أخبركم به غير أنه أخذني الريق فلم أستطع أن أتكلم :

ألا وعترتي ألا وعترتي ألا وعترتي (ثلاثا) فو الله لا يبعث رجل يحبهم إلّا أعطاه الله نورا يوم القيامة.

ولا يبعث الله رجلا يبغضهم إلّا احتجب الله عنه يوم القيامة.

ثم أنهما حملاه إلى فراشه» انتهى.

«وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» : «قدموهم ولا تقدموهم وتعلموا منهم ولا تعلموهم».

«ولا تخالفوهم فتضلّوا» «ولا تشتموهم فتكفروا».

«إلى غيرها» ممّا يطول ذكره «من زهاء» أي قدر «ألف حديث من رواية المؤالف والمخالف».

وكل واحد منها يقضي بفضلهم وتقدمهم في أمر الدين وذلك إنما يكون مع القطع بنجاتهم عليهم‌السلام من كل هول يوم القيامة وقد ذكرنا فيما سبق في فضل العترة عليهم‌السلام ما حكاه الديلمي والمنصور بالله عليهما‌السلام من الأخبار.

«وفي أعيان أئمتهم عليهم» «السلام بعد الأربعة» المعصومين عليهم‌السلام.

من ذلك : ما ورد «في زين العابدين» علي بن الحسين بن علي بن

٣٧٢

أبي طالب عليهم‌السلام «عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» أنه قال : «إذا كان يوم القيامة نادى مناد : ليقم سيد العابدين».

«ونحوه» عن أبي ذر الغفاري رحمه‌الله تعالى قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يبكي فبكيت لبكائه فقلت : فداك أبي وأمّي قد قطعت أنياط قلبي ببكائك.

قال : «لا قطع الله أنياط قلبك يا أبا ذر : إنّ ابني الحسين يولد له ابن يسمّى عليّا أخبرني حبيبي جبريل بأنه سيد العابدين ، وأنه يولد له ابن يقال له زيد ، وأنّ شيعة زيد هم فرسان الله في الأرض وأن فرسان الله في السماء الملائكة ، وأن الخلق يوم القيامة يحاسبون وأن شيعة زيد في أرض بيضاء كالفضة أو لون الفضة يأكلون ويشربون ويقول بعضهم لبعض : امضوا إلى مولاكم أمير المؤمنين حتى ننظر إليه كيف يسقي شيعته ، فيركبون على نجائب من الياقوت والزبرجد مكلّلة بالجواهر أزمّتها اللؤلؤ الرطب ، رحالها من السندس والإستبرق فبينما هم يركبون إذ يقول بعضهم لبعض : والله إنّا لنرى أقواما ما كانوا معنا في المعركة.

قال : فيسمع زيد عليه‌السلام فيقول : والله لقد شارككم هؤلاء فيما كنتم ، كما شارك أقوام أتوا من بعد وقعة صفين وأنهم لإخوانكم اليوم وشركاؤكم اليوم» رواه [محمد بن علي بن الحسين بن عبد الرحمن العلوي الحسني في فضل زيد بن علي].

[وقد رواه الهادي في المجموع].

وكانت وفاة زين العابدين عليه‌السلام سنة خمس وتسعين (٩٥ ه‍) وقيل غير ذلك ودفن في البقيع مع عمّه الحسن بن علي عليهم‌السلام وهو ابن سبع وخمسين سنة.

«وفي» سبطه «زيد بن علي عليهما‌السلام عن صنوه محمد الباقر عليه‌السلام عن النبيء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال للحسين» : «يا حسين : يخرج من صلبك رجل يقال له زيد يتخطّى هو وأصحابه رقاب الناس يوم القيامة غرّا محجلين وفي رواية أخرى : مثله وزاد : يدخلون الجنة

٣٧٣

بغير حساب».

رواه الناصر للحق عليه‌السلام وغيره.

«ونحوه» كما ذكرناه في فضل أبيه عليهم‌السلام.

وفي المحيط : قال الناصر للحق عليه‌السلام بإسناده إلى حبة بن جوير العرني قال : كنا مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه في الجنة أنا والأصبغ بن نباتة في الكناسة في موضع الجزّارين والمسجد والخياطين وهي يومئذ صحراء (يريد المسجد الأعظم).

فما زال يلتفت إلى ذلك الموضع ويبكي بكاء شديدا ويقول : (بأبي بأبي) فقال له الأصبغ بن نباتة : لقد بكيت والتفتّ حتى بكت قلوبنا وأعيننا فالتفتّ فلم أر أحدا؟

فقال : (حدثني خليلي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن جبريل عليه‌السلام عن الله عزوجل : أنه يولد لي مولود ما ولد أبواه بعد يلقى الله عزوجل غضبان لله عزوجل وراضيا عنه ، على الحق حقّا حقّا على دين جبريل وميكائيل ومحمد عليهم الصلاة والسلام.

وأنه يمثّل به في هذا الموضع مثلة ما مثّل بأحد قبله ولا يمثّل بأحد بعده مثلها) صلوات الله عليه وعلى روحه وعلى الأرواح التي تتوفى معه.

وكان استشهاده صلوات الله عليه : عشية الجمعة لخمس بقين من المحرم سنة اثنين وعشرين ومائة (١٢٢ ه‍).

ذكره في الحدائق ، والقاتل له : يوسف بن عمر.

من قواد هشام بن عبد الملك.

«وفي علي بن موسى الرضا عليه‌السلام» وهو : علي بن موسى بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين عليهم‌السلام : «عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «ستلقى بضعة مني بأرض خراسان لا يزورها مؤمن إلّا أوجب الله له الجنة وحرّم جسده على النار» رواه الحاكم.

ونحوه عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «ستلقى بضعة منّي

٣٧٤

بأرض خراسان ما زارها مكروب إلّا فرّج الله كربه ، ولا مذنب إلّا غفر الله ذنبه».

وكان وفاته عليه‌السلام بالسم في خلافة (المأمون) في شهر صفر سنة ثلاث ومائتين (٢٠٣ ه‍).

وكان مولده عليه‌السلام بالمدينة ، سمّه المأمون في عنب ، وقيل : في رمّان.

وكان قد أزعجه من المدينة في جماعة من أهل بيته صلوات الله عليهم بعث لهم رجاء بن أبي الضحاك وياسر الخادم فأشخصوهم إلى خراسان إلى مقام المأمون.

وكان المأمون أراد أن يوليه الأمر بعده ، ثم ندم على ذلك ولامه خواصّه فاحتال في سمّه.

«وفي محمد بن عبد الله النفس الزكية عليهما‌السلام».

هو : محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام.

«عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال» : «إن النفس الزكية يقتل فيسيل دمه إلى أحجار الزيت ، لقاتله ثلث عذاب أهل جهنم».

وأحجار الزيت : خارج المدينة.

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «يقتل من ولدي عند أحجار الزيت رجل اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي وإنّه النفس الزكية».

وكانت وفاته عليه‌السلام بالشهادة بعد العصر يوم الاثنين لأربع عشرة ليلة خلت من رمضان سنة خمس وأربعين ومائة (١٤٥ ه‍).

وقيل : سنة ست وهو ابن اثنين وخمسين سنة.

ومدة قيامه : شهران وذلك أنه وجه إليه أبو الدوانيق إلى المدينة عيسى ابن موسى العباسي في أربعة آلاف فارس وألفي راجل وأتبعه حميد بن قحطبة في جيش كثيف فقاتلوه في المدينة حتى قتلوه رضوان الله عليه.

٣٧٥

وقد قتل بيده من جنود أعدائه : اثني عشر رجلا وقيل سبعة عشر رجلا والذي تولّى الإجهاز عليه : حميد بن قحطبة ، وحمل رأسه إلى أبي الدوانيق ، ودفن جسده في موضعه المعروف بالمدينة ومشهده مشهور مزور.

«وفي الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن (المثلث) بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، وهو صاحب فخّ» عليه‌السلام.

وفخّ : واد بالقرب من مكة.

«عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه انتهى إلى فخّ فصلّى بأصحابه» في ذلك الموضع «صلاة الجنازة» ثم قال : «يقتل هاهنا رجل من أهل بيتي في عصابة تنزل عليهم الملائكة بأكفان وحنوط من الجنة تسبق أرواحهم أجسادهم ... الخبر».

ونحوه.

وفي رواية لأبي العباس : «في عصبة لم يسبقهم أهل بدر».

وفي كتاب ينابيع النصيحة : وذكر من فضائلهم أيضا أشياء لم يحفظها الراوي.

وعن الباقر عليه‌السلام أنه قال : مرّ النبيء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بفخّ فنزل به وصلّى ركعتين فبينما هو في الركعة الثانية إذ بكى وهو في صلاته ، فلمّا رآه الناس يبكي بكوا فلمّا انصرف قال : «ما يبكيكم؟ قالوا : لمّا رأيناك تبكي بكينا يا رسول الله ، قال : نزل عليّ جبريل لمّا صليت الركعة الأولى فقال لي : يا محمد : إنّ رجلا من ولدك يقتل في هذا المكان أجر الشهيد معه أجر شهيدين» إلى غير ذلك.

وكانت وقعة فخّ في يوم التروية.

وذلك أنه عليه‌السلام قام بالمدينة في أيام موسى الملقب (بالهادي) العباسي يوم السبت لإحدى عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة سنة تسع وستين ومائة (١٦٩) فخرج من المدينة وقد بايعه ثلاثون ألفا وكان موسى بن جعفر الصادق عليهما‌السلام ممّن بايعه قاصدا إلى مكة فيمن معه من أهله ومواليه وهم زهاء ثلاث مائة وبضع عشرة فتلقتهم جيوش بني العباس بفخّ

٣٧٦

فاقتتلوا قتالا شديدا وأحاط بهم العدو من كل جانب فقتلوهم عن آخرهم ، وما سلم منهم إلّا من خرج من بين القتلى لمّا جنّ عليهم اللّيل كيحيى ابن عبد الله وأخيه إدريس في جماعة يزيدون على العشرة.

ولما قتل عليه‌السلام حمل رأسه إلى موسى الهادي ودفنت جثته الكريمة بفخّ ومشهده هناك مزور.

«وفي القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم» بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام وهو الرّسي عليه‌السلام (عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال» : «يا فاطمة : إن منك هاديا ومهديا ومستلب الرباعيتين لو كان بعدي نبيء لكان إيّاه».

وفي رواية : «إن منك هاديّها ومهديّها ومستلب الرباعيتين».

والرباعية (بفتح الراء والتخفيف) : السن التي بين الثنية والناب ، ذكره في الصحاح.

وهو عليه‌السلام كان مستلب الرباعيتين (١).

ولما استشهد أخوه محمد بن إبراهيم عليه‌السلام في الكوفة وهو بمصر دعا إلى نفسه وبثّ الدّعاة وهو مستتر فأجابه عالم من الناس في بلدان مختلفة كمكة والمدينة والرّيّ وقزوين وطبرستان وتخوم الديلم ، وأقام بمصر عشر سنين فاشتدّ به الطلب هناك من عبد الله بن طاهر وهو عامل مصر للمأمون.

فعاد إلى الحجاز وتهامة وخرج جماعة من دعاته إلى بلخ والطالقان والجوزجان فبايعه خلق كثير وسألوه أن ينفذ إليهم بولده ليظهروا الدعوة هناك ، فانتشر أمره قبل التمكّن فوجهت الجيوش في طلبه فألجأه ذلك إلى الجولان في البلدان فدخل اليمن والتجأ إلى البدو ودخل عدن والتجأ إلى بلاد السودان ودخل إلى مصر ثم إلى الحجاز وانحاز إلى حيّ من البدو فاستخفى فيهم ، ثم أراد الخروج في وقت من الأوقات من المدينة فأشار

__________________

(١) أي العلياوين تمت.

٣٧٧

أصحابه أن لا يفعل وقالوا ـ : إن المدينة والحجاز تسرع إليهما الجيوش.

فلما مات المأمون وتولّى أخوه المعتصم شدّد في طلبه وأنفذ عساكر عظيمة في تتبع أثره لا شغل لهم إلّا طيافة الأقاليم لرصده عليه‌السلام فأحوج إلى الانفراد عن أصحابه وانتقص أمر ظهوره. ذكره السيد أبو طالب عليه‌السلام.

وانتقل آخر أيامه إلى الرس وهي أرض اشتراها وراء جبل أسود بالقرب من ذي الحليفة وبني هناك لنفسه ولولده وتوفي بها ، وقد حصل (١) له ثواب المجاهدين السابقين.

سنة : ست وأربعين ومائتين (٢٤٦ ه‍) في أيام المتوكل.

«وفي الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم الرسي عليهم‌السلام : عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنه أشار بيده إلى اليمن وقال : «سيخرج رجل من ولدي في هذه الجهة يحيى يحيي الله به الدين».

«ونحوه» عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال «يخرج في هذا الفجّ وأشار بيده إلى اليمن : رجل من ولدي اسمه يحيى الهادي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يحيي الله به الدين ويميت به الباطل».

وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام :

«تكون فتن بين المائتين فيخرج من عترتي رجل اسمه اسم نبيء يميز بين الحق والباطل ويؤلف الله قلوب المؤمنين على يديه».

وعن الصادق عليه‌السلام : «أول ما يأتيكم الفرج من اليمن».

ونحو ذلك.

وخرج الهادي عليه‌السلام إلى اليمن مرتين وكانت جهات اليمن قد انطمس الإسلام فيها فلم يزل عليه‌السلام مجتهدا في إحياء دين الله وطمس معالم الكفر والفسوق حتى انتشر الإسلام وظهر الحق وعلا نوره.

وكان بينه عليه‌السلام وبين سلاطين اليمن أوّلا وبينه وبين القرامطة

__________________

(١) (ض) كتب.

٣٧٨

ثانيا وقعات كثيرة لا تحصى إلى أن توفي عليه‌السلام بصعدة يوم الأحد لعشر بقيت من ذي الحجة سنة ثمان وتسعين ومائتين (٢٩٨ ه‍).

ودفن يوم ثاني قبل الزوال وله ثلاث وخمسون سنة.

ومشهده أشهر من أن يوصف بصعدة رحمة الله عليه ورضوانه

«وفي الناصر للحق الحسن بن علي بن الحسين بن علي» بن عمر الأشرف بن علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام وهو «الأطروش عليه‌السلام» لطرش وقع في أذنيه بسبب ضرب المأمون.

«عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» أنه قال : «يا علي : يكون من ولدك رجل يدعى بزيد المظلوم يأتي يوم القيامة مع أصحابه على نجب من نور يعبرون على رءوس الخلائق كالبرق اللّامع يقدمهم زيد ، وفي أعقابهم رجل يدعى بناصر الحق حتى يقفوا على باب الجنة فتستقبلهم الحور العين وتجذب بأعنة نجبهم إلى أبواب قصورهم».

«إلى غير ذلك» من الأخبار عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما سأله أنس عن علامات الساعة؟

قال : «من علاماتها : خروج الشيخ الأصم من ولد أخي مع قوم شعورهم كشعور النساء بأيديهم المزاريق».

وكانت هذه صفته عليه‌السلام وصفة أصحابه.

وعن أمير المؤمنين صلوات الله عليه أنه قال في بعض خطبه :

(يخرج من الديلم من جبال طبرستان فتى صبيح الوجه يسمّى باسم فرخ النبيء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأكبر «يعني الحسن عليه‌السلام»).

وعن الناصر عليه‌السلام أنه قال : حفظت من كتب الله بضعة عشر كتابا فما انتفعت منها كانتفاعي بكتابين : أحدهما الفرقان لما فيه من التسلية للأنبياء ، والثاني : كتاب دانيال لما فيه : أن الشيخ الأصم يخرج في بلد يقال لها ديلمان ويكابد من أصحابه وأعدائه ما لا يقدر قدره ولكن عاقبته محمودة.

٣٧٩

وغير ذلك :

وكانت وفاة الناصر عليه‌السلام (بآمل) ليلة الجمعة لخمس بقين من شعبان سنة أربع وثلاثمائة (٣٠٤ ه‍) ودفن بها ومشهده مشهور مزور.

وكان بينه وبين جنود بني العباس وقعات كثيرة وأفنى من جنودهم آلافا كثيرة.

وروي أنه فاضت نفسه وهو ساجد يصلي. رحمة الله عليه ورضوانه وله أربع وسبعون سنة (٧٤) سنة.

«ومن أراد استقصاء ذلك» أي ما ورد في العترة عليهم‌السلام «فعليه بالبسائط» أي الكتب البسيطة «نحو كتاب ينابيع النصيحة في العقائد الصحيحة للأمير» شرف الدين «الحسين» بن بدر الدين «عليه‌السلام».

من ذلك : ما روي فيه وفي غيره في المهدي عليه‌السلام القائم في آخر الزمان : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «يخرج المهدي في أمتي يبعثه الله غياثا للناس تنعم الأمّة وتعيش الماشية وتخرج الأرض نباتها ويعطي المال صحاحا.

فقال له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجل : ما صحاحا؟

قال : التسوية بين الناس».

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا تذهب الدنيا حتى يبعث الله من أهل بيتي رجلا يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي يملأها قسطا كما ملئت جورا وظلما».

وروى الحسين بن القاسم العياني عليه‌السلام عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال «ستأتي من بعدي فتن متشابهة كقطع الليل المظلم فيظن المؤمنون أنهم هالكون فيها ، ثم يكشفها الله عنهم بنا أهل البيت برجل من ولدي خامل الذكر ، لا أقول خاملا في حسبه ودينه وحلمه ، ولكن لصغر سنه وغيبته عن أهله واكتتامه في عصره على منهاجي ومنهاج المسيح في السياحة والدعوة والعبادة يؤيّم عرسه ويخلص نفسه ويكن بدء ناصريه من أهل اليمن».

٣٨٠