عدّة الأكياس في شرح معاني الأساس - ج ٢

أحمد بن محمّد بن صلاح الشرفي القاسمي

عدّة الأكياس في شرح معاني الأساس - ج ٢

المؤلف:

أحمد بن محمّد بن صلاح الشرفي القاسمي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الحكمة اليمانية للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٧
الجزء ١ الجزء ٢

«يقال : الصوف نفشته» والبسر أكلته.

والوجه : أن هذا الجمع جار مجرى المفرد.

وقد جاء إفراد الضمير في الجمع أيضا كقوله تعالى : (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ) (١).

وفي آية أخرى (مِمَّا فِي بُطُونِها) (٢).

«و» أما «الناقور» الذي ذكره الله في القرآن فهو «مجاز» من قبيل الاستعارة «شبّه الله دعاءهم» أي الخلائق «إلى المحشر بالنقر في الناقور وهو» أي الناقور في اللغة «آلة نحو الطبل» المعروف «ينقر فيها (٣) لاجتماع القوم وعند نهوض الجيش» أي ليجتمعوا.

وقال الهادي عليه‌السلام : والناقور : علامة من الله يجعلها في يوم الدين تكون ظاهرة في موضع حشر العالمين يستدل الخلق أجمعون بها على الموضع الذي يقصدون من موضع الحشر الذي إليه يساقون.

قال : وقد يمكن أن تكون هذه العلامة نورا يسطع في ذلك الموضع وقد يمكن أن تكون تلك العلامة أصواتا من دعاة من الملائكة يدعون الناس إلى ذلك المكان فينتقر الناس موضع الحشر بذلك الدعاء ... إلى آخر كلامه عليه‌السلام.

«وقيل بل» الناقور «هو القرن» الذي سبق ذكره.

«لنا» عليهم «ما مرّ» من أنه لا دليل عليه.

__________________

(١) النحل (٦٦).

(٢) المؤمنون (٢١).

(٣) (ب) ينقر فيها نقرا.

٣٤١
٣٤٢

(باب والقيامة)

«والقيامة» التي ذكرها الله سبحانه في كتابه في غير موضع هي «اسم لوقت البعث والنشور» أي بعث الخلائق من قبورهم ونشرهم أي خروجهم منها.

«و» اسم لوقت «الحساب والجزاء» للخلق على أعمالهم فيوم القيامة اسم لهذه الأشياء ، والقيامة : قيامها وحصولها.

قال الهادي عليه‌السلام : القيامة يوم جعله الله سبحانه وقتا لحشره وحينا لبعثه ونشره أبان فيه وعيده ووعده وأبان فيه ما حتم من حكمه أنصف فيه المظلوم وأظهر فيه الحق ... إلى آخر كلامه عليه‌السلام «ووجه حسنه : حصول العلم البت» أي العلم القاطع الذي لا شكّ يعتريه «للمكلفين» من المقرين والجاحدين «بالله تعالى» وصدق وعده ووعيده يعلمون ذلك ضرورة كما سبق ذكره في أول الكتاب.

«و» يعلمون أيضا ضرورة «أنّ الصائر إليهم» من الثواب والعقاب «جزاء» على أعمالهم وذلك «لكشف الغطاء بالآيات» التي يشاهدونها «الموجبة للقطع بذلك منذ الممات إلى المحشر» أي يرون الآيات متتابعة من وقت موتهم إلى وقت حشرهم وحسابهم.

وقد قيل : إن الخلائق يحشرون عراة حفاة ، وليس بصحيح والحق أنهم يحشرون على أحوال شتّى ومراتب مختلفة على قدر أعمالهم قال الله تعالى : (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً) (١).

__________________

(١) مريم (٨٥ ـ ٨٦).

٣٤٣

وليس الوافد الريّان كالمسوق الظمآن.

وعن أبي ذر رحمه‌الله أنه قال : إن الصادق المصدوق حدثني : أن الناس يحشرون على ثلاثة أفواج :

فوجا : راكبين طاعمين كاسين.

وفوجا : تسحبهم الملائكة على وجوههم.

وفوجا : يمشون ويسعون ... الحديث.

هكذا ذكره المهدي عليه‌السلام في الغايات.

وقال المرتضى عليه‌السلام : إن الله يبعثهم في أكفانهم وفيما تستتر (١) به عوراتهم عن مواقف النبيين والملائكة المقربين.

فأما الذين آمنوا فيصيرون إلى دارهم ويستوجبون الثواب من ربهم فيكسون من حلل المؤمنين ويستترون بما وعد الله به عباده الصالحين من الثياب السندس والإستبرق ، وتطرح عنهم أكفان هذه الدنيا.

وأما الذين كفروا فيلبسون سرابيل قطران ... إلى آخر كلامه عليه‌السلام ومثل كلامه : ذكر القاسم بن علي العياني عليه‌السلام.

[وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «إن الميت ليبعث في ثيابه التي يموت فيها»].

وقد ذكر الإمام المهدي عليه‌السلام من أحوال القيامة عشرين حالة وبعضها فضلا عن كلها يوجب للخلائق العلم البت بالله سبحانه وبالمجازاة.

«قال الله تعالى» : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ) (٢) أي أن الله تعالى حقّ وما وعد وأوعد به صدق «فتتم حينئذ غبطة المطيعين» لله تعالى بما يرونه من الكرامة لهم «و» تتم وتعظم «حسرة المصرين» على المعاصي غير التائبين.

__________________

(١) (ب) وفيما يستر.

(٢) فصّلت (٥٣).

٣٤٤

«ولذلك» أي ولأجل تمام الغبطة والحسرة «لم يعجل الله كل الجزاء في الدنيا».

أما بعضه فيجوز إيصال شيء من الثواب في الدنيا لا يعتد بنقصانه في الآخرة ، وكذلك تعجيل بعض العقاب الذي لا يؤثّر في تخفيف العقاب عن المعاقب وقد تقدم ذكر ذلك.

وإنما لم يعجل الله سبحانه كل الجزاء لعدم تمامه بعدم القطع بكونه جزاء للمكلفين من الله تعالى على أعمالهم «ولتنغصه بانقطاعه في حق غيرهم» أي غير المكلفين «إذ لا بدّ من الفناء» للعالم «والإعادة» لجميع المخلوقين «لذلك» أي ليقع القطع بالجزاء «كما مرّ» في فصل فناء العالم.

«وقال «الزمخشري : يجوز» من الله سبحانه «تعجيل كل العقاب» في الدنيا لبعض المكلفين. ذكر ذلك في تفسير قوله تعالى : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) (١).

قال : ويدل على ذلك : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «ما أصاب الإنسان من نصب أو غمّ أو ألم حتى الشوكة يشتاكها فبذنبه وما يعفو الله عنه أكثر».

وعن بعضهم : من لم يعلم أن ما وصل إليه من الفتن والمصائب باكتسابه ، وأنّ ما عفى عنه مولاه أكثر كان قليل النظر في إحسان ربه إليه.

«قلنا» جوابا على الزمخشري «لم يعرف أنه» أي المعجّل «جزاء فلم يتم» كما ذكرنا.

«وأيضا : لا دليل» على ذلك.

قلت : وقد تقدم ذكر كلام الإمام عليه‌السلام في بعض معاصي المؤمنين المتعمدة أنه يجوز تعجيل عقابها في الدنيا ، وهو قريب من قول الزمخشري وهو متأخر عن وضع الأساس لأنه جواب لمن سأله عن بعض معاني الأساس ، وهو قول الناصر عليه‌السلام كما سبق ذكره.

__________________

(١) الشورى (٣٠).

٣٤٥

والدليل عليه : ما تقدم في الآلام من الأخبار الكثيرة أنها لحط الذنوب وغير ذلك ، والله أعلم.

(فصل)

«ويبعث الله تعالى كل من نفخ فيه الروح» من جميع الحيوانات «قطعا» أي علم ذلك علما مقطوعا به.

وقال «أبو هاشم : لا قطع» بذلك إذ يجوز أن يكون البعض لا يستحق البعث فلا يبعث وهو من لم يكن له ثواب لأنه يجوز عنده توفير العوض في الدنيا.

«لنا : قوله تعالى» : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) (١) فأخبر سبحانه وتعالى : أن كل دابّة وكل طائر في الأرض لا بدّ من بعثه وحشره وهذا نص في ذلك.

وأيضا : لو لم يعد بعض ما فيه روح لكان خلقه عبثا وظلما.

«وتعاد أجزاء الحي كاملا» من غير نقص شيء منه.

قال المرتضى عليه‌السلام : فأما أولياء الله ومن لم يعصه من خلقه مثل الأطفال وأهل الطاعة فإن الله يبعثهم على أكمل سنّ وأحسن مقدار في أبناء الأربعين سنة ، على تلك الصورة يحشر الشيخ والصبي وجميع المؤمنين.

حدثني أبي صلوات الله عليه عن أبيه صلوات الله عليه عن جدّه عن آبائه عن عليعليهم‌السلام أنه قال : (يحشر الله أولياءه يوم القيامة في أكمل ما كانوا عليه في دنياهم وفي (٢) سنّ أربعين سنة ثم يوصلهم الله سبحانه إلى ما أعدّ لهم من ثوابه وجزيل عطائه). انتهى.

وأخرج الترمذي من رواية أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله

__________________

(١) الأنعام (٣٨).

(٢) (ب) من سنّ أربعين.

٣٤٦

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من مات من أهل الجنة وهو صغير أو كبير يدخلون الجنة بني ثلاثين [سنة] لا يزيدون عليها أبدا وكذلك أهل النار».

وأخرج أيضا عن معاذ أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «يدخل أهل الجنة الجنّة جردا مردا مكحّلين أبناء ثلاثين أو ثلاث وثلاثين سنة».

وأخرج مسلم عن جابر قال سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «إن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون ولا يتفلون ولا يبولون ولا يتغوطون ولا يمتخطون.

قالوا : فما بال الطعام؟

قال ـ : جشأ ورشح كريح المسك يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النّفس» ذكر هذا ابن بهران في المعتمد.

[وفي البخاري من حديث طويل : «يسبحون الله بكرة وعشيّا لا يسقمون ولا يمتخطون ولا يبصقون آنيتهم الذهب والفضة وأمشاطهم الذهب ووقود مجامرهم الألوّة (١)».

قال أبو اليمان : يعني العود : ورشحهم المسك.

وأجاب الإمام القاسم بن علي العياني عليه‌السلام عمّن سأله عن مؤمني الجن هل يكونون في الآخرة يأكلون ويشربون ويتنعمون؟

فقال عليه‌السلام : اعلم : أن الله سبحانه وتعالى لم يجعل الأكل والشرب إلّا لبني آدم وما خلق الله تعالى معهم في الأرض من البهائم وأما الملائكة عليهم‌السلام والجن فلم يجعل الله لهم الأكل وجعل لهم من الملاذ ما يتنعمون به ويسرون (٢) [به] ، فإذا كان في دار الآخرة أعطى الله كل عبد من النعيم ما أعطاه في دار الدنيا وكل ما خلق في الآخرة من الفضل فإنه خلق للبقاء ، وكل ما خلق في الدنيا فإنه خلق للفناء (٣) والجن

__________________

(١) الألوّة عود يتبخّر به تمت قاموس.

(٢) ويسترون.

(٣) (ب) ولما في الآخرة من الفضل لأنه خلق للبقاء وكل ما خلق في دار الدنيا للفناء.

٣٤٧

يومئذ يوصل إليهم ما فيه لذّة ونعيم ، قد جعل الله فيه لهم مقنعا وسرورا فاعلم ذلك انتهى.

«وقيل :» بل يعاد من الحي «ما يصحّ أن يكون الحيّ حيّا معها» وهي جملة في بدن الإنسان لا يعلم كمّيتها ، هي الإنسان حقيقة المستحق للمدح والذمّ والثواب والعقاب ولا تعاد كل أجزائه التي كان عليها في الدنيا بدليل : أن أحدنا يسمّى إنسانا وهو مهزول ثم يسمن أو العكس.

«قلنا : يلزم من ذلك أن يكون» الحيّ المعاد «بلا يدين ولا رجلين لأنه يصحّ أن يكون الحيّ حيّا من دونها و» قد ثبت أن «الله تعالى يقول» : (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ ...) الآية (وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١).

وقال «أبو علي و» أبو القاسم «البلخي : بل» تعاد «جميع الأجزاء» التي كان الحي عليها وقت الطاعة أو المعصية لأنها بمجموعها هي المستحقة للثواب أو العقاب حتى قال أبو القاسم : لو قطعت يده وهو مؤمن ثم كفر فلا بدّ أن يخلق الله من يده حيوانا يدخله الجنة وكذلك العكس.

«قلنا : لا دليل على» إعادة «الفضلات» كاليد الزائدة وكذلك زيادة اللحم والسمن على قدر الحاجة ، وكذا ما قطع في حال الطاعة والعصيان مع أنه لا وجه لما ذكراه لأنّ الأعضاء لا تستبدّ بفعل الطاعة أو المعصية.

(فصل)

«والحساب يحصل به تعجيل مسرة للسعيد بنشر الحسنات ، وتعجيل عقوبة بالحسرة والندامة للشقي بكشف السيّئات مع إظهار عدل الله سبحانه» وحكمته وصدق وعده ووعيده «والتناصف» من الله سبحانه لعباده حيث أوقفهم تعالى على ما أسلفوه ولم يأخذهم تعالى بقدرته ، وإنصاف بعضهم من بعض.

وذلك أن الله سبحانه وكّل الملائكة عليهم‌السلام يكتبون ما يفعلون

__________________

(١) النور (٢٤).

٣٤٨

فإذا كان يوم القيامة أعطي المؤمن كتابه الذي كتب الملك فيه حسناته بيمينه فينظر ما عمله من الحسنات فيه فيحصل مع المؤمن من السرور والبشر ما لا يزول عن قلبه ويقول كما حكى الله سبحانه عنه لمن حوله من أهل المحشر : (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ) (١).

ويعطى العاصي كتابه بشماله من وراء ظهره فيقرأ جميع ما فيه من السيئات فتحصل معه من الحسرة والندامة ما لا يوصف ويقول ما حكى الله عنه (يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ).

ذكر هذا الإمام المهدي عليه‌السلام.

قال الهادي عليه‌السلام ما لفظه : (ومعنى بيمينه فهو اليمن والبركة وما يتلقى به الملائكة أهل الدين والتطهرة من البشارة من ربهم والتبشير والتطمين لهم عند توقيفهم ومحاسبتهم ، فهذا معنى قوله «بيمينه».

وكذلك قال ذو العزّة والجلال في أصحاب الميمنة حين يقول (فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) (٢) فأراد بقوله بالميمنة اليمن والبركة والفضل والمغفرة ، لا أنّ ثمّ ميمنة قصدها الله ولا ميسرة ومعنى «اقرءوا كتابيه» فهو فسّروا حسابيه واشرحوا عمليه وبيّنوا فعليه يقوله لمن يحاسبه من الملائكة عليهم‌السلام ... إلى قوله عليه‌السلام : «وأما من أوتي كتابه بشماله» قال : هو مثل من الله عزوجل مثّله الله لعباده وضربه لهم يريد بالشمال العسر والشدّة في كل حال يقول سبحانه : حوسب حسابا شديدا وأوقف توقيفا عنيفا».

ومثل قوله : ذكر عمّه الإمام الكبير محمد بن القاسم بن إبراهيم عليهم‌السلام.

قال «جمهور أئمتنا عليهم» «السلام : والميزان» الذي ذكره الله في القرآن «المراد به : الحق من إقامة العدل والإنصاف» من الله سبحانه وتعالى للمخلوقين.

__________________

(١) الحاقة (١٩ ـ ٢٠).

(٢) الواقعة (٨).

٣٤٩

قال الهادي عليه‌السلام : فأما الميزان وما ذكر الله من حكمه في القرآن فليس بحالة زائدة في يوم القيامة على إقامة الحساب والعدل بين العباد.

وقال الإمام «المهدي» أحمد بن يحيى «عليه‌السلام وغيره» من المتأخرين وهو قول جمهور المعتزلة : «بل» هو «على حقيقته» وله عمود ولسان وكفّتان.

«قلنا : وزن الأعمال مستحيل إذ هي أعراض» حركة أو سكون وهي لا تقوم بنفسها فوزنها على انفرادها يوجب قلب ذواتها «ووزن غيرها» أي غير الأعمال «إمّا جور ولا طائل تحته» حيث وزنت الصحائف المكتوب فيها الأعمال أو ابن آدم نفسه فلعل صحيفة العاصي تكون أثقل لكثرة المعاصي المكتوبة فيها أو مساوية إن كان ثمّ صحيفة وكذلك بعض أهل النار أثقل من بعض أهل الجنة وإن فرضنا أن الصحائف أو ابن آدم يثقل بكثرة الطاعات ويخف بكثرة المعاصي أو أنه يجعل فيها نور وظلمة كما زعموا فلا فائدة حينئذ في الوزن «وأيّا ما كان» من الجور أو عدم الطائل «فلا يجوز على الله تعالى» فعله لأنه قبيح والله لا يفعل القبيح.

«ولنا» حجة على قولنا «قوله تعالى» : (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُ) (١) فأخبر تعالى أن الوزن يوم القيامة هو الحق أي إقامة العدل والإنصاف لا غير «وهذا نص صريح أنه الحق».

«ولنا أيضا : قوله تعالى» : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ) (٢) «وهذا نصّ صريح أيضا أن الموازين هي القسط ، والقسط هو العدل وكالميزان الذي أنزله الله في الدنيا حيث قال (وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ) (٣) فإنه مجاز والمراد به الحق والعدل اتفاقا.

«قالوا : روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في صفة الميزان» : إنه موكل به ملك وأنه «دون العمود كما بين المشرق والمغرب»

__________________

(١) الأعراف (٨).

(٢) الأنبياء (٤٧).

(٣) الحديد (٢٥).

٣٥٠

والعمود وسط ساعد الميزان «وكفة الميزان كأطباق الدنيا».

والكفة (بالكسر) لكل ما استدار ، ويقال ؛ كفة (بالفتح) أيضا.

قالوا : وشطر الميزان نور وشطره ظلمة ، وهو معلق ببعض قوائم العرش.

وفي بعض الأخبار : فيؤتى بابن آدم فيوضع بين كفتي الميزان فإن ثقل ميزانه نادى مناد يسمعه جميع الخلائق : سعد فلان سعادة لا يشقى بعدها أبدا.

وإن خفّ ميزانه نادى مناد يسمعه جميع الخلائق : شقي فلان شقاوة لا يسعد بعدها أبدا.

«قلنا : لا وثوق برواية من روى» هذا الخبر «عنه» أي عن ابن عباس لأن العقل ينكره من وجوه كثيرة.

«وإن سلم» صحته على بعده «فذكر العمود والكفة ترشيح» للاستعارة.

وحقيقة الترشيح : هو ذكر ما يلائم المستعار منه ، وذلك أنه استعير لفظ الميزان للعدل والإنصاف ثم ذكر ما يلائم المستعار منه وهو الميزان الحقيقة فأثبت له الكفة والعمود ترشيحا «كقول الشاعر» وهو زهير بن أبي سلمى «يصف رجلا شجاعا».

لدى أسد شاك السّلاح مقذّف

«له لبد أظفاره لم تقلّم»

فقد استعار لفظ الأسد للرجل الشجاع وقرنه بما يلائم المستعار منه وهو السبع المعروف فأثبت له اللبد والأظفار وهي من صفات الأسد وقوله : شاك السلاح : أي حديد السلاح وهذا ممّا يلائم المستعار له وهو الرجل الشجاع.

ويسمّى ذلك أي ذكر ما يلائم المستعار له : تجريدا فقد اجتمع في هذا البيت التجريد والترشيح.

«فيوافق» أي ما رووه عن ابن عباس «حينئذ» أي حين إذ حمل على هذا المحمل «ما ذكرناه من الأدلة» الدالة على قولنا أنّه مجاز.

٣٥١

«والصراط في الدنيا» أي حيث كان المراد به معناه في الدنيا كقوله تعالى : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) «هو» بهذا المعنى مجاز عبّر به عن «دين الله الذي جاء به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إجماعا» بين الأمّة.

ومعناه لغة : الطريق قال الهذلي :

أكرّ على الحروريّين مهري

وأحملهم على وضح الصّراط

قال الإمام «المهدي» أحمد بن يحيى «عليه‌السلام وغيره» من الأئمة عليهم‌السلام وغيرهم: «وفي الآخرة جسر على جهنم» أي الصراط الذي جاء ذكره في الآخرة هو جسر على جهنم يمر عليه أهل الجنة وأهل النار فيسلم أهل الجنة ويتهافت في النّار أهل النّار.

قالوا : وهو أدق من الشعرة وأحدّ من السيف.

قالوا : وهو المراد بقوله تعالى : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها ... الآيتين) (١).

ورووا في ذلك عن أبي هريرة خبرا وفي آخره ولجهنم جسر وهو الصراط أدقّ من الشعرة وأحدّ من السيف عليه كلاليب وحسك والناس يمرّون عليه منهم كالبرق والريح.

ومنهم من أخذته الكلاليب والحسك ، والناس [يمرّون] بين ناج مسلّم ومخدوش مكبوب في النار على وجهه» وغير ذلك.

«لنا» حجة على مخالفينا : «قوله تعالى : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) (٢) ونزلت هذه الآية : خطابا لأهل الدنيا وهي نص في أن المراد بالصراط دين الله القويم وإن كان مجازا.

«وكما قال تعالى» : (قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً

__________________

(١) مريم (٧١).

(٢) الأنعام (١٥٣).

٣٥٢

قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) (١) وهذا ممّا لا خلاف فيه.

«و» لنا حجة على أنه لا جسر فوق جهنم يمرّون عليه : «قوله تعالى» في صفة دخول العصاة النار : (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا) (٢) والدّع الدفع العنيف فيدفعهم خزنة النار إلى النار دفعا عنيفا على وجوههم وزجا في أقفيتهم من غير جسر يتهافتون من فوقه.

«وقوله تعالى» : (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً) إلى قوله تعالى (قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها) (٣).

فهاتان الآيتان «نص» صريح «في أنهم لم يمشوا على جسر فوقها» أي فوق جهنم.

«وأيضا : ما قالوا» أي ما قاله المخالف : «يستلزم تكليف المؤمنين في الآخرة» بالمرور عليه مع خطره وهوله ، «والإجماع» منعقد من الأمّة «على أن لا تكليف فيها» لأنها دار جزاء لا دار تكليف.

«قيل : ويلزمنا التكليف بالوقوف في المحشر» فهو «كالوقوف بعرفة» والوقوف بعرفة تكليف بلا شك «والمرور إلى الجنة» أي ويلزمنا التكليف بالمرور إلى الجنة لأنه «كالمرور إلى الحج» فما الفرق بين المرورين.

«قلنا : لا سواء» بين المرورين ولا بين الوقوفين «لأن الوقوف في المحشر لا مشقة فيه على المؤمنين» وإن كان فيه مشقة على العاصين فليس تكليفا أيضا «لأنه تعجيل جزاء» للمكلفين أي من مقدمات ثواب المطيعين وعقاب العاصين.

«وكذلك مرورهم إلى الجنة» من مقدمات الجزاء ولا مشقة فيه «لسرورهم به وسوقهم إليها بخلاف المرور على جسر جهنم فهو مشقة لا أعظم منها لأنكم تزعمون أن الأنبياء والمرسلين يقولون ـ : سلّم سلّم» دعاء

__________________

(١) الأنعام (١٦١).

(٢) الطور (١٣).

(٣) الزمر (٧١ ـ ٧٢).

٣٥٣

لهم بالسلامة «خوفا من أن يقعوا فيها» أي في النار «وذلك أعظم تكليف» لا شك فيه.

ثم نقول إن هذا الذي زعمتم من إثبات الجسر والمرور عليه يناقض ما تقدم ذكره واتفق الإجماع منّا ومنكم عليه من تبشير المؤمن في قبره بالجنة والعاصي بالنار.

وبعد ذلك الميزان سواء كان على الحقيقة كما زعمتموه أو كان المراد به العدل والإنصاف لأنه يعرف به سعادة السعيد وشقاوة الشقي ، ويعلم كل مكلف مستقره من جنة أو نار.

«قالوا» : قال تعالى : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) (١).

«أي النار وليس ورودها إلّا المرور على الجسر» الذي فوقها.

«قلنا : بل ورودها حضورها» أي القرب منها «فقط لأنّ الورود في اللغة بمعنى الحضور» كقوله تعالى : (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ) (٢).

«أي حضر» ماء مدين ، وحضورها هو «من غير خوف ولا حزن على المؤمنين لقوله تعالى» : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) (٣).

«وقوله تعالى» : (وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) (٤) (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) (٥) وهذا إنّما يكون قبل دخولهم الجنة.

وقال الحسين بن القاسم عليه‌السلام في تفسيرها : يقول عزوجل : إنا إذا نزعنا من كل شيعة أشدّهم عتيّا لم نذر منكم يا من بقي من الأوباش والسفل أحدا إلّا وردها فلا تحسبوا أنا إذا عذّبنا المتكبرين تركنا الهمج من

__________________

(١) مريم (٧١).

(٢) القصص (٢٣).

(٣) فصّلت (٣٠).

(٤) النمل (٨٩).

(٥) الأنبياء (١٠٣).

٣٥٤

النار وعذابها ، ولا تطمعوا أيها الضعفاء أن تسلموا من جهنم ولهبها بل نعذبكم جميعا.

قال عليه‌السلام : ومعنى قوله تعالى : (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا) أي وننجي الذين آمنوا ولكن (ثم) تقوم مقام (الواو) لأنهما من حروف العطف.

«قالوا» : قد روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «يمدّ الصراط فيكون أول من يمرّ به أنا وأمّتي والملائكة بجنبيه أكثرهم يقول : سلّم سلّم ... الخبر».

تمامه : «وإنّ عليه لكلاليب وحسكا ثقالا يقال لها : السّعدان تنبت بنجد ، وأنه لدحض مزلّة فيمرون عليه كالبرق وكالريح وكأجاويد الخيل والرجال فناج مسلّم ، ومكدوش في النار ... إلى آخره».

«قلنا : لا ثقة براويه ، وإن سلّم» أنّ راويه ثقة «فمعارض» أي فهو معارض «بأقوى منه» أي بخبر أقوى منه متنا ورواية «وهو : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي كرّم الله وجهه في الجنّة ـ : «يا عليّ : إن المؤمنين إذا خرجوا من قبورهم استقبلوا بنوق عليها رحائل الذهب يستوون عليها فتطير بهم إلى باب الجنة ... الخبر بطوله».

وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «فإذا حلقة من ياقوت على صفائح الباب ، وإذا عند الباب شجرة ينبع من أصلها عينان فيشربون من إحدى العينين فلما بلغ الشراب إلى الصدر أخرج الله ما في صدورهم من الغل والحسد والبغي ، وذلك قوله تعالى : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) (١) فلما انتهى إلى البطن طهّره الله من دنس الدنيا وقذرها وذلك قوله تعالى : (وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً) (٢).

ثم اغتسلوا من الأخرى فجرت عليهم نظرة النعيم لا تشعث أشعارهم ولا تتغير ألوانهم فيضربون بالحلقة على الصفائح فلو سمعت لها طنينا يا

__________________

(١) الحجر (٤٧).

(٢) الإنسان (٢١).

٣٥٥

عليّ فيبلغ كل حوراء أن زوجها قدم فتبعث قيّمة فلولا أن الله سبحانه عرفهم نفسه لخرّ ساجدا ممّا يرى من النور والبهاء والحسن فتقول : يا ولي الله أنا قيمتك التي وكلت بمنزلك فتنطلق وهو بالأثر حتى ينتهي إلى قصر من الفضة شرفه الذهب يرى ظاهره من باطنه وباطنه من ظاهره فيريد أن يدخله فتقول : يا ولي الله أمامك ما هو أحسن منه ، فتنطلق به إلى قصر من الذهب شرفه الفضة ترى ظاهره من باطنه وباطنه من ظاهره فيقول : لمن هذا؟

فتقول : هو لك.

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فلو مات أحد من أهل الجنة من الفرح لمات.

فيريد أن يدخله فتقول : أمامك ما هو أحسن منه ، فلا يزال يمرّ على قصور جنانه وأنهاره حتى تنتهي به على غرفة من ياقوت أحمر وأخضر وأصفر وأبيض في الغرفة سرير عرضه فرسخ في طول ميل عليه من الفرش كقدر سبعين غرفة بعضها فوق بعض ، فراشه نور وسريره نور وعلى رأس ولي الله تاج لذلك التاج سبعون ركنا في كل ركن ياقوتة تضيء مسيرة ثلاثة أيّام للراكب المتعب.

وجهه مثل القمر ليلة البدر عليه طوق ووشاحان له نور يتلألأ ، وفي يده ثلاثة أسورة من فضة وذهب ولؤلؤ وذلك قوله تعالى : (يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ) (١) فيهتز السرير فرحا وشوقا إلى ولي الله ، فيوضع له حتى يستوي عليه ، ثم يهتز في السماء.

ثم تأتيه قهرمانة بقضيب الملك فجعل ينكت به فينظر إلى أساس بنيانه ويسترقه مخافة أن يذهب ببصره ، فبينما هو كذلك إذ أقبلت حوراء عيناء معها سبعون جارية وسبعون غلاما وعليها سبعون حلّة يرى مخ ساقها من وراء الحلل والحلي والجلد والعظم كما يرى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء ، وكما ترون السلك في الدءة [البيضاء الصافية].

__________________

(١) فاطر (٣٣).

٣٥٦

قال : فلما عاينها نسي كل شيء قبلها فتستوي معه على السرير فيضرب بيده إلى نحرها (١) فإذا هو يقرأ ما في كبدها وإذا فيه مكتوب : «أنت حبي وأنا حبك إليك اشتهت نفسي» فذلك قوله تعالى : (كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ) فينعم معها سبعون [مرّة] لا تنقطع شهوتها ولا شهوته ، فبينما هم كذلك : إذ أقبلت الملائكة وللغرفة سبعون ألف باب على كل باب حاجب ، فتقول الملائكة : استأذنوا لنا على ولي الله؟

فيقول الحجاب : إنه ليتعاظمنا أن نستأذن عليه إنه مع أزواجه ، فيقولون : لا بدّ لنا إنّا رسل الجبّار إليه فيتناجون بينهم فيقولون : يا ولي الله : الملائكة يستأذنون إليك؟

فيقول : ائذنوا لهم وتلا : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) (٢).

وقرأ (وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً) (٣).

«يعني استئذان الملائكة». انتهى.

ذكره العنسي في الإرشاد وغيره أيضا ، وفيه تصريح بعدم الجسر فوق جهنم.

«وما روى ابن البيّع» وهو من خيار الشيعة «بإسناده إلى النعمان بن سعد قال : كنا جلوسا عند علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه» فقرأ قوله تعالى : (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً) (٤).

قال : (لا والله ما على أرجلهم يحشرون ولا يساقون ولكنهم يؤتون بنوق من نوق الجنة لم تنظر الخلائق إلى مثلها رحالهم الذهب).

قال في الصحاح : الرحل : رحل البعير وهو أصغر من القتب والجمع

__________________

(١) (ن) على نحوها.

(٢) الرعد (٢٣ ـ ٢٤).

(٣) الإنسان (٢٠).

(٤) مريم (٨٥).

٣٥٧

الرحال والرحال أيضا الطنافس الحبرية (١) وعليه قول الشاعر :

نشرت عليه برودها ورحالها

«وأزمتها الزبرجد فيقعدون حتى يقرعوا باب الجنة».

ثم «قال» ابن البيع : «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه يعني البخاري ومسلم» لأنه صنف كتابه المستدرك وذكر فيه ما لم يخرجاه وهو على شرطيهما ، وفي هذا تصريح بعدم الجسر أيضا.

«و» ما «روى البخاري ومسلم والنسائي عن أبي هريرة عن النبيء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «يحشر الناس على ثلاث طرائق» أي ثلاث فرق.

ولعل (٢) المراد ما جاء في خبر أبي ذرّ المتقدم يحشرون ثلاثة أفواج .. إلى آخره والله أعلم.

راغبين راهبين واثنان (٣) على بعير وثلاثة على بعير ، وأربعة على بعير وعشرة على بعير ... الخبر.

[تمامه : ويحشر بقيتهم النار تقيل معهم حيث قالوا وتبيت معهم حيث باتوا وتصبح معهم حيث أصبحوا وتمسي معهم حيث أمسوا].

«ونحوه» من الأخبار الدالة على عدم الجسر.

«وإن سلّم التعادل» بين أخبارنا وأخبار مخالفينا «وجب طرحها» أي طرح هذه الأخبار كلها «والرجوع إلى ما قدمنا من الأدلة القطعية» على كون الصراط دين الله وفي اللغة الطريق ، وامتناع الجسر والتكليف في الآخرة.

«و» من أحوال القيامة : «إنطاق الجوارح» الذي ذكره الله في القرآن وهو «حقيقة» لا مجاز لقدرة الله سبحانه على ذلك إمّا بخلق كلام فيها كما خلقه في الحصى والشجر أو بأن يخلق بذلك العضو آلة الكلام. وقيل إنه مجاز لا

__________________

(١) (أ) الحيرية وفي غيرها الحبرية بالباء أي الحمراء وهو الأنسب والأظهر تمت.

(٢) لعلّ.

(٣) (ن) فاثنان.

٣٥٨

حقيقة كقوله تعالى (فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) (١).

«قلنا : لا مانع» من حمله على الحقيقة فلا وجه للعدول عنها «لقدرة الله سبحانه على ذلك كتسبيح الحصى في كفه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم».

روي أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذ في كفّه سبع حصيات أو تسع فسبّحت بكفه وكان لتسبيحهن دويّ كدويّ النحل ، فلما وضعهن انقطع ذلك.

وكذلك : تكليم الذراع المسموم له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والقصة مشهورة في غزوة خيبر.

ومن أحوال يوم القيامة : اللواء والحوض.

روى صاحب الإشارة وغيره عن ابن عباس أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : رجع من سفر وهو متغيّر اللون فخطب الناس خطبة بليغة وهو يبكي ثم قال : «أيها الناس : إني خلفت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي وأرومتي ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ألا وإنّي أنتظرهما ، ألا وإني أسائلكم في ذلك يوم القيامة عند الحوض وأنه سيرد عليّ الحوض يوم القيامة ثلاث رايات من هذه الأمّة : راية سوداء : فتقف فأقول : من أنتم؟ فينسون ذكري ويقولون : نحن أهل التوحيد من العرب ، فأقول : أنا محمد نبيء العرب والعجم فيقولون : نحن من أمّتك ، فأقول : أنا محمد نبيء العرب والعجم فيقولون : نحن من أمّتك ، فأقول : كيف خلفتموني في عترتي وكتاب ربي فيقولون : أما الكتاب فضيعنا ، وأما عترتك فحرصنا أن نبيدهم ، فأولّي وجهي عنهم فيصدرون عطاشا قد اسودّت وجوههم. ثم ترد عليّ راية أخرى أشد سوادا من الأولى فأقول لهم من أنتم فيقولون كما قالت الأولى : نحن من أهل التوحيد ، فإذ ذكرت اسمي قالوا : نحن من أمّتك ، فأقول : كيف خلفتموني في الثقلين كتاب ربي وعترتي؟ فيقولون : أما الكتاب فخالفنا ، وأما العترة فخذلنا ومزقناهم كل ممزق.

__________________

(١) فصلت (١١).

٣٥٩

فأقول : إليكم عنّي ، فيصدرون عطاشا مسودّة وجوههم.

ثم ترد عليّ راية أخرى تلمع نورا فأقول : من أنتم؟

فيقولون : نحن أهل كلمة التوحيد والتقوى نحن أمّة محمد ونحن بقية أهل الحق حملنا كتاب ربنا وأحللنا حلاله وحرّمنا حرامه وأحببنا ذرية محمد فنصرناهم من كل ما نصرنا منه أنفسنا وقاتلنا معهم وقاتلنا من ناوأهم فأقول لهم أبشروا فأنا نبيئكم محمد ولقد كنتم كما وصفتم.

ثم أسقيهم من حوضي فيصدرون رواء.

ألا وإنّ جبريل أخبرني بأن أمّتي تقتل ولدي الحسين بأرض كرب وبلاء ألا ولعنة الله على قاتله وخاذله أبد الدهر أبد الدهر».

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «حوضي ما بين مكة إلى أيلة له ميزابان من الجنة ... إلى قوله : شرابه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل وأطيب ريحا من المسك ، من كذّبه اليوم لم يصبه في الشرب يومئذ شيء منه» (١).

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «حوضي كما بين المدينة وصنعاء» ذكر هذا في الغايات وغيره مثله كثير.

وقال الحسين بن القاسم العياني عليهما‌السلام : الكوثر هو الخير الكثير ، وإنّما قيل كوثرا من الكثرة كما يقال : غفران من المغفرة قال : والكوثر عندنا نهر في الجنة خصّ الله به نبيئه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

قال «الهادي عليه‌السلام وأبو هاشم وغيرهما» كقاضي القضاة وأكثر المعتزلة : «والجنة والنار لم يخلقا قطعا» أي ما قد خلقتا قطعا وإنما يخلقهما الله تعالى يوم القيامة «لقوله تعالى» في وصف الجنة (أُكُلُها دائِمٌ) (وَظِلُّها) ولا بدّ من فناء كل شيء كما مر» فلو كانتا قد خلقتا لوجب أن تفنيا وحينئذ يكون خلقهما وإفناؤهما عبثا.

__________________

(١) (ض) يومئذ منه شيء.

٣٦٠