عدّة الأكياس في شرح معاني الأساس - ج ٢

أحمد بن محمّد بن صلاح الشرفي القاسمي

عدّة الأكياس في شرح معاني الأساس - ج ٢

المؤلف:

أحمد بن محمّد بن صلاح الشرفي القاسمي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الحكمة اليمانية للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٧
الجزء ١ الجزء ٢

«و» الثالث : «الحرية لأنّ العبد مملوك الرقبة والتصرّف» أي ممنوع من التصرّف قد ملك تصرّفه عليه وملكت رقبته أيضا فلا يصحّ أن يتولّى على غيره.

والرابع : ما ذهب إليه «العترة عليهم» «السلام والجمهور» وهو «المنصب» فلا تصحّ الإمامة إلّا في منصب مخصوص بيّنه الشّارع.

«خلافا للنظام ونشوان» بن سعيد الحميري «والخوارج وبعض الحشوية» فقالوا : تصحّ الإمامة في جميع الناس «مطلقا» أي سواء وجد القرشيّ أم لم يوجد ، والعجمي والعربي والزنجي وغيرهم سواء عندهم ، وتردّد في ذلك الجويني.

وروي عن ضرار أنه قال : العجمي أولى لأنه إذا أريد عزله كان أيسر.

«و» خلافا «لأبي علي : إن عدم القرشيّ».

يعني أنّ أبا علي يشترط المنصب وهو من ينتسب إلى قريش وهو النّضر بن كنانة فإن عدم القرشي الجامع لشروط الإمامة جازت في جميع الناس للضرورة كما قيل في المفضول تجوز إمامته إذا حصل في الأفضل عذر وكما يجوز التيمّم : إذا عدم الماء.

«قلنا : لا دليل على ثبوتها» أي الإمامة «لمن عداه» أي لمن عدى المنصب المخصوص.

وهي ولاية لا تكون إلّا بإذن الشارع واختياره كالنبوّة.

وأيضا : لو لم تكن الإمامة في موضع مخصوص لوقع الفساد كما سبق ذكره. قالت «العترة عليهم» «السلام» جميعا «وشيعتهم وهو» أي المنصب «الوصي» أمير المؤمنين «علي بن أبي طالب عليه‌السلام والحسنان» أبناء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «وذريتهما» أي أولادهما عليهم‌السلام لما نذكره من الأدلة.

«وقيل : منصبها الوصي عليه‌السلام وذريته جميعا» سواء كانوا من

١٢١

أولاد الحسنين أو من غيرهما كمحمد بن الحنفية والعباس بن علي وعمر بن علي ، وهذا القول حكاه صاحب المحيط عن بعض المتأخرين من الزيدية.

قال في المحجة البيضاء : هو مروي عن أصحاب عبد الله بن محمد العقبي وإليه ذهب بعض المحدثين من العلوية قالوا لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «إني تارك فيكم كتاب الله وعترتي ... الخبر».

وقوله في بعض روايات حديث الكساء : «علي وذريته».

قلنا : لفظ العترة لا يتناول على الحقيقة إلّا الحسنين وذريتهما لأنهما أولاد النبيء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقوله «كل بني أنثى ينتمون إلى أبيهم إلّا ابني فاطمة فأنا أبوهما وعصبتهما».

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «إنّ الله جعل ذرية كل نبيء في صلبه وجعل ذرّيتي في صلب علي ... الخبر».

والمراد من فاطمة عليها‌السلام.

قال عليه‌السلام : «قلنا : لا دليل على ثبوتها» أي الإمامة «لمن عدا من ذكرنا وهي مما تعم به البلوى علما وعملا» أي يعمّ وجوب العلم والعمل به جميع المكلفين.

«فلو كان» أي لو ثبت عليها دليل لمن ذكره المخالف «لظهر» لجميع المكلفين «كدليل الحج ونحوه» من الصلاة والصوم وسائر أصول الدين والشرائع ، وكل دعوى كذلك فلا شك في بطلانها.

وقال «الراوندي» وهو أبو الحسين أحمد بن يحيى الراوندي «بل» منصب الإمامة «العباس» بن عبد المطلب عمّ النبيء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبنوه من بعده.

قال : لأنهم عصبة النبيء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو أحق بميراث الإمامة ، وهذا القول مبتدع ابتدعته شيعة بني العباس الراوندية في زمن السفاح وأخيه أبي الدوانيق بعد ذهاب دولة بني أميّة.

وما زالت هذه البدعة يستعملها أهل الجهل والتمويه إلى أن زالت

١٢٢

دولة بني العباس.

ثم إلى زمن ملك صاحب الروم لجهات مصر وما إليها وهو في المائة التاسعة وهو أنهم يأخذون الولاية من العباسي طوعا أو كرها ويجلسونه في مجلس مخصوص ولباس مخصوص وعمامة مدورة مخصوصة ويذكرونه في الخطبة مع السلطان ويجرون له نفقته على ما يريدون.

ثم يتصرفون في البلاد والعباد بما شاءوا رضي أم كره.

ومتى أحبوا عزلوه أو قتلوه أو سملوه أو حبسوه كما ذلك كله مذكور في كتب التواريخ.

«قلنا» ردّا على الراوندي ومن تبعه : «لا دليل» على ما ابتدعت وافتريت «كما ذكرنا» أوّلا.

وأيضا فإنّ الذي يستحقّ بالميراث هو الأموال وأمّا الإمامة فليست بمال يقسم.

«وأيضا : لم يدّعها العباس» بعد موت النبيء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «ولا ولده عبد الله بن العباس» بعد موت أبيه «بل قال العباس للوصي عليه‌السلام امدد يدك أبايعك» حتّى يقال عمّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بايع ابن أخيه فلا يختلف عليك اثنان.

«ومتابعة عبد الله بن العباس للوصي عليه‌السلام لا تنكر» بل هي معلومة لجميع الناس فإنه كان من ولاته وأخصّ أصحابه وكان يقاتل بين يديه.

وقال «جمهور المعتزلة وغيرهم» كالأشعرية : «بل» منصبها كل «قريش لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «الأئمة من قريش».

وما روي من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «قدّموا قريشا ولا تقدموهم».

قال عليه‌السلام : «قلنا : هذا الحديث غير صحيح لقول عمر بن الخطاب : لو كان سالما مولى أبي حذيفة حيّا ما شككت فيه».

١٢٣

أي ما شككت في أنه يصلح للخلافة بعدي.

لأن عمر قال ذلك حين قيل له بعد ما طعن : ألا تستخلف.

وروي أنه قال : لو كان أبو عبيدة حيّا لاستخلفته ، ولو كان معاذ حيّا لاستخلفته ، ولو كان سالم حيّا لاستخلفته.

فإني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «أبو عبيدة أمين هذه الأمّة ، ومعاذ أمّة لله قانت (١) ليس بينه وبين الله يوم القيامة إلّا المرسلون ، وسالم شديد الحب لله لو كان لا يخاف الله لم يعصه».

«وسالم المذكور ليس من قريش ولم ينكر من حضر من الصحابة على عمر» في قوله هذا.

«فلو كان الحديث صحيحا لأنكروا عليه» ولما تكلم بذلك عمر في حضرة الصحابة.

قال في المحيط : ذكر أبو عثمان الجاحظ أن سالما كان عبدا لامرأة من الأنصار فعتق فأتى مكة فحالف أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة فصاهره فلما قتل يوم اليمامة مع خالد بن الوليد بعثوا بتركته إلى مولاته الأنصارية.

وإنّما يقال : مولى أبي حذيفة لأنه كان حليفه ، والحليف مولى في كلام العرب «مع أنه» أي هذا الحديث «آحادي لا يثبت الاحتجاج به في هذه المسألة لأنها من أصول الدين».

والخبر الآحادي لا يفيد اليقين وأصول الدين لا يؤخذ فيه إلّا باليقين.

قال صاحب المحيط أيضا بعد ذكره لهذا الحديث أعني : الأئمة من قريش ـ : فإن هذا خبر واحد لا يصحّ التعلّق به في الاعتقادات ، مع ما بلغنا من جماعة أئمة الحديث أنّ هذا الخبر موضوع.

وأما قول من قال : إنّ مسألة الإمامة ليست من مسائل أصول الدين : فهو باطل بما قدمناه من الأدلة.

«وإن سلّم» أن الخبر صحيح «فهو مجمل بيّنه خبر الوصي» أمير

__________________

(١) (ض) قانتا.

١٢٤

المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام المذكور في النهج «وهو قوله» : (أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا كذبا وبغيا علينا أن رفعنا الله ووضعهم وأعطانا وحرمهم وأدخلنا وأخرجهم بنا يستضاء الهدى وبنا يستجلى العمى إن «الأئمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم» (لا تصلح على سواهم ولا تصلح الولاة من غيرهم).

وقوله : (هذا البطن) أي بطن النبيء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي هو من هاشم.

وقول علي عليه‌السلام حجة يجب اتباعه.

«و» لنا أيضا حجة على قولنا : «ما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى من النصوص» بعد ذكر إمامة الحسنين.

على أن إجماع أهل البيت عليهم‌السلام يكفي في ذلك لأنه حجّة قطعية كما مرّ.

وقال «بعض المعتزلة : بل» منصب الإمامة «كل العرب» وهذه رواية القرشي ولعلها غير صحيحة والله اعلم وأما رواية القرشي عن الصالحية من الزيدية : أنه يكفي في الإمام أن يكون قرشيّا فهي باطلة بما حققنا في الشرح من الرواية عنهم وسيأتي ذكر ذلك إن شاء الله تعالى.

«قلنا : لا دليل» كما مرّ.

«ولنا» تأكيدا لقولنا : «قوله تعالى» (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) (١) وهو النبيء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «ويتلوه شاهد منه» «أي من لحمته» أي من قرابته أو من نوره أي خلق من نوره وهو الوصي أمير المؤمنين كرّم الله وجهه في الجنّة.

والشاهد : هو الإمام يشهد لله تعالى بإقامة شريعته وتبليغ حجته على عباده.

__________________

(١) هود (١٧).

١٢٥

وروى الناصر للحق عليه‌السلام بإسناده قال : قال عليّ عليه‌السلام : (ما من رجل إلّا وقد نزلت فيه آية أو آيات من كتاب الله ، فقال له رجل : فما نزل فيك يا أمير المؤمنين؟

فقال : أما تقرأ الآية في سورة هود (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) (١) فمحمّد على بيّنة وأنا الشّاهد منه).

ذكره الحاكم في كتاب تنبيه الغافلين.

ومثله ذكر الحاكم أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله بن أحمد الحسكاني المحدث الكبير في كتابه «شواهد التنزيل» وفيه من قول علي عليه‌السلام : (أما والّذي فلق الحبّة وبرأ النّسمة إنّ مثلنا فيكم كمثل سفينة نوح في قومه ، ومثل باب حطة في بني إسرائيل ، أتقرءوا سورة هود (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ). فرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على بيّنة من ربّه وأنا أتلوه الشاهد منه).

ثم قال : له طرق عن الأعمش وطرق عن المنهال والحارث عنه ثم ذكر له طرقا كثيرة عن ابن عباس وعن أنس بن مالك وزاذان.

قلت : ويؤكده أيضا ما روي في قصة أحد : أن جبريل عليه‌السلام قال للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في شأن عليّ :

«هذه هي المواساة فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «إنّه منّي وأنا منه ، فقال جبريل : وأنا منكما».

«و» لنا أيضا حجة على ما ذهبنا إليه : قوله تعالى : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) الآية (٢).

وقد ثبت أن عليّا عليه‌السلام أقرب رحما إلى النبيء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنه خلق من نوره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنّ الحسنين عليهما‌السلام وأولادهما هم أولاد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعصبته وعترته.

__________________

(١) هود (١٧).

(٢) الأحزاب (٦).

١٢٦

فهم أولى بمقامه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لدلالة العقل ، وهذه الآية الكريمة مؤكدة لذلك.

قال القرشي في المنهاج : في الاحتجاج على حصر الإمامة في أولاد الحسنين عليهما‌السلام لنا العقل والسمع :

أمّا العقل : فالمعلوم الظاهر عند جميع العقلاء أن أهل بيت الرجل أحق الناس بمكانه وأولاهم بالرئاسة بعده ، وعلى هذا كان جميع العرب من الجاهلية بل كان عليه العجم وهم عليه إلى الآن قال : ولسنا ندّعي أن العقل يحيل خلاف هذا ولكن العقل يقضي بأن هذا هو الأولى.

قلت فكيف إذا قرّر الله سبحانه هذه الدلالة العقلية وجعل عترة النبيء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي شهد بطهارتها وحكم بمودّتها على الأمّة قائمة مقام النبيء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هداية عباده وإحياء شريعته وإقامة حجته لما علم من طهارتهم وتزكيتهم ووجه دلالة هذه الآية الكريمة : أن الله سبحانه ابتدأ بذكر الولاية فقال عزوجل : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) ثم عقّب ذلك بقوله : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) (١).

فدلّ ذلك على أن أولاده أولى بمقامه في الولاية من غيرهم. هكذا ذكره الحاكم أبو سعيد الجشمي في تنبيه الغافلين.

قال : ويصحّح ذلك : ما رويناه في حديث غدير خمّ أنّ النبيء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا : بلى قال : فمن كنت مولاه فعليّ مولاه».

قال : وروينا عن النبيء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «كل بني أنثى ينتسبون إلى آبائهم إلّا الحسن والحسين فأنا أبوهما وعصبتهما».

الشرط الخامس : ما ذهب إليه «جمهور أئمتنا عليهم» «السلام و» هو

__________________

(١) الأحزاب (٦).

١٢٧

«الاجتهاد» أي يكون مجتهدا في العلوم ليتمكن من استنباط الأحكام (١) فيرشد الضّال ويحلّ الشّبه ويجيب الفتوى.

وقد ذكر أصحابنا في كتبهم : أنّ المجتهد من جمع علوما خمسة :

علم العربيّة ، وآيات الأحكام ، ومعرفة سنّة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومسائل الإجماع ، وعلم أصول الفقه.

وأما علم أصول الدين : فهو من تمام الإسلام والدين ، وأمّا علم المنطق فهو من علوم الفلسفة فلا ينبغي تعلّمه ولغة العرب قد أغنت عنه.

واعلم : أن القدر الذي يحتاجه الإمام من العلوم المذكورة سهل يسير غير عسير مع الذكاء والفطنة.

وعمدة الإمامة ورحاها الذي تدور عليه : هو الورع ، ومن وقف على سير الأئمة المتقدمين عليهم‌السلام علم صدق ما قلنا.

وقال «بعض متأخري الزيدية والغزالي : فإن لم يوجد المجتهد فالتقليد كاف» أي يجوز إمامة المقلد للضرورة وهذا روي عن الإمام يحيى عليه‌السلام.

وقال الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة عليه‌السلام في الشافي في ذكر المستظهر العباسي ما لفظه : ولما كان في أيامه النزاع والخلاف وقد وسم نفسه بالإمامة وخلافة النبوّة على ما جرت به عادات سلفه وعلم أن الكافة من أهل عصره يعلمون جهله وقلة معرفته : تقرّب إليه الغزالي في أيامه وصنّف له تصنيفا زبدته : أنه يجوز للإمام أن يكون جاهلا مقلدا ولا يفتقر إلى العلم في صحة الإمامة.

فهذا وجنسه هو الذي هوّن عند القوم أمر دين الله وجرّأهم على ارتكاب دعوى الخلافة بغير استحقاقها. انتهى.

«لنا» حجة على قولنا : «إجماع الصدر الأول» من الصحابة وأهل

__________________

(١) (ض) الأحكام الشرعية.

١٢٨

البيت عليهم‌السلام وغيرهم «على وجوب الاجتهاد» في حق الإمام.

قال في البحر : فيجب كونه مجتهدا إجماعا ليتمكن من إجراء الشريعة على قوانينها.

قال : وقال الإمام يحيى عليه‌السلام : فلو قدّر تعذر الاجتهاد ففي إمامة المقلد تردّد الأصح الجواز للضرورة كالحاكم.

قال الإمام المهدي عليه‌السلام : لكن قد ذكر في شرح الأصول وغيره من الكتب الكلامية: أنّه لا يجوز من الله سبحانه إخلاء الزمان عمّن يصلح للإمامة ، وادّعى الإجماع على أن شرطها الاجتهاد.

قلت : ويمكن أن يقال : وجود المجتهد من أهل البيت عليهم‌السلام لا يرفع حكم الضرورة لجواز أن يكون له عذر عن القيام بالإمامة كما مرّ ذكره في المحتسب والله أعلم.

«ولقوله تعالى» : (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (١).

ولا يصحّ أن يكون الذي يهدي إلى الحق إلّا مجتهدا.

وقوله تعالى : (فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) توبيخ وإنكار لاتّباع غير المجتهد.

«و» قد عرف أنه «لا يخلو الزمان من مجتهد لما مرّ» فثبت بما ذكرناه أنّه لا بدّ أن يكون الإمام مجتهدا.

وقالت «الحشوية : لا يشترط» في الإمام «العلم رأسا».

قال الإمام المهدي عليه‌السلام في الغيث : والعجب ممّن يرى فضل النّووي في العلم والورع مع كونه من أهل هذا المذهب.

قال في منهاجه الذي صنّفه في الفقه في بيان ما تنفذ (٢) به الإمامة ما هذا لفظه : [تنعقد] بالغلبة ولو فاسقا أو جاهلا في الأصحّ.

__________________

(١) يونس (٣٥).

(٢) (ض) تنعقد.

١٢٩

فأوجب طاعة الجهّال والفسّاق والائتمام بهم. انتهى.

«لنا» عليهم «الإجماع والآية كما مرّ».

«و» السادس من شروط الإمامة : «الورع» وهو الإتيان بالواجبات والانتهاء عن المحرّمات وملاك النّفس على (١) ذلك.

قال الإمام يحيى عليه‌السلام في الشامل : ولا يشترط بلوغه في الورع أعلى المراتب ولكن مقدار ما يحصل به مجانبة الكبائر وترك الأمور المسترذلة فلا تصحّ إمامة الفاسق ومن يفعل ما لا يفعله إلّا أهل الفسق كالبول في السّكك والشوارع ، والإصرار على ما يظن كونه معصية قال : وإذا كان الشّاهد يجرح بذلك فالإمام أولى.

«خلافا للحشوية» فإنهم لا يشترطون العدالة.

«لنا قوله تعالى» : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) فأخبر الله تعالى أنّ الإمامة التي هي عهد الله وأمانته لا تنال الظالمين وكيف يصحّ أن يكون الإمام ظالما وإنّما شرع نصبه لدفع الظلم. قال الشاعر :

لنا ملك ما فيه للملك آية

سوى أنه يوم السلام متوج

أقيم لإصلاح الورى وهو مائل

وكيف يقوم الظلّ والعود أعوج

وكما لا يجوز في حكم الله عزوجل أن يجعل المتقين كالفجار ولا الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين : فكذلك لا يجوز في حكمه أن يجعل المتقين أتباعا للفجّار وأن يجعل المفسدين أئمة للمصلحين.

«و» السابع : «اجتناب المهن المسترذلة» كالدّباغة والحجامة والحياكة «خلافا للحشوية».

«قلنا : اختلّت العدالة» بذلك «والإجماع» ممّن يعتد به «على اعتبارها».

وقول الحشوية ساقط لمخالفته العقل والنقل.

وبعض أهل المذهب يأتي بلفظ العدالة ويريد بها : الورع والسخاء والشجاعة.

__________________

(١) (ب) عن ذلك (ض) عند ذلك.

١٣٠

«و» الثامن : «الأفضلية» فيكون الإمام أفضل أهل زمانه أو كأفضلهم «لقوله» صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من ولى رجلا وهو يعلم أن غيره أفضل منه فقد خان الله في أرضه».

وإذا كان هذا في حق الإمام إذا ولى غيره في الأعمال فكذلك في الإمام نفسه وهذا قول جمهور أئمة الزيدية وبعض المعتزلة.

قال في المحيط : أجمعت الزيدية والإمامية على أنّ إمامة المفضول لا تجوز وأن الإمام يجب أن يكون أفضلهم ، لا يجوز أن يعدل عنه إلى غيره بوجه من الوجوه.

وإليه ذهب أكثر المرجئة وقوم من المعتزلة منهم الجاحظ.

وقالت المعتزلة : إنّ الإمامة يستحقها الفاضل الذي يعرف فضله بأكثر الرأي إلّا أن يحدث أمر يكون نصب المفضول عنده أصلح وجب نصبه في هذه الحال ، ولا يجوز نصب الفاضل.

قال : والذي يمنع عندنا من إمامة المفضول هو السّمع دون العقل.

قال : وهذا على أصول أئمة الزيدية ودلائلهم.

وقد جرى في بعض كتب الزيدية : أن العقل يمنع من ذلك وهو مذهب الإمامية.

قال : والدليل على أنّ إمامة المفضول لا تجوز : إجماع الصحابة فإنّ من عرف ما وقع في بيعة أبي بكر وعمر وعثمان وحديث المناشدة علم ذلك قطعا ، وقد بسطنا الكلام في هذا الموضع في الشرح.

«و» التاسع : «الشجاعة وحدّها : أن يكون معه من رباطة الجأش» أي شدّة القلب وثباته «ما يتمكن معها من تدبير الحروب عند فشل الجموع» من الهزائم ونحوها.

والجأش مهموز روع القلب إذا اضطرب عند الفزع «لئلّا تتحطم جيوش المسلمين» أي تهلك لأنّه إذا فشل الإمام في مثل ذلك الوقت ولم يتمكن من تدبير الحرب المؤدّي إلى حفظ المسلمين ظفر بهم العدوّ وضعف أمر المسلمين.

١٣١

وقال الإمام شرف الدين عليه‌السلام : الشجاعة تنقسم إلى واجب وهو مقاومة الواحد للاثنين في الجماعة أو منفردا حيث يكون هو الطالب في الأصحّ وإن ظنّ الهلكة في الأصحّ لقوله تعالى : (فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ ...) الآية (١).

واستقرّ عليه الشرع ، ومندوب حيث يزيد عدد الكفار على مثلي المسلمين ويظن عدم الهلكة.

ومكروه : وهو حيث يزيد عدد الكفار على مثلي المسلمين ويظن الهلكة ، في قول ومحظور في هذه الصورة في قول ، ومباح حيث يزيد عدد الكفار على مثلي المسلمين ولا يحصل له الظنّ بل يجوّز الهلكة والغلب.

قال : وقسم المحظور إنّما يستقيم على أحد وجهي أصحاب الشافعي وإلّا فقد حكى الإمام يحيى عليه‌السلام أنّ الفرار لا يجب بلا خلاف فلا يستقيم إقدام محظور إلّا في بغي أو نحوه.

قال : فعرف من هذا أنه يجب أن يعرف من حال الإمام أن يكون ممّن يكثر منه الإقدام حيث يظنّ السلامة وحيث يستوي الأمران بل وحيث يظن الهلكة لأنّ ذلك قد يجب في الصورة المذكورة.

قال : وهذا هو المختار وإلّا فقد بالغ أبو طالب عليه‌السلام حيث نصّ على أنه يجب الإقدام وإن تيقّن الهلكة إذا لم يحصل مجموع ثلاثة شروط معروفة في كتب الأصحاب رضي الله عنهم.

قال : فعرف بهذا صحة كلام الأزهار مقدام حيث يجوّز السّلامة لأنّ تجويز السلامة مع ظنّ الهلكة باق ، وتفسير التجويز بالظن غلط محض. انتهى «و» العاشر : «التدبير» فتكون آراؤه صالحة وأنظاره ثاقبة وسياسته حسنة ولا يشترط أن لا يخطي في ذلك بل يكون الأغلب من حاله الإصابة.

«و» الحادي عشر : «القدرة على القيام بثمرة الإمامة» وهي صلاح

__________________

(١) الأنفال (٦٦).

١٣٢

الخاصة والعامة وسدّ الثغور والقيام بأمور المسلمين فلا يكون ملولا عاجزا ضعيفا ضيّقا قلبه لا يتّسع (١) لتحمّل الأثقال «لئلّا تنتثر» أي ثمرة الإمامة فلا يحصل المقصود من قيام الإمام.

«و» الثاني عشر : «السّخاء بوضع الحقوق في مواضعها» التي أمر الله بوضعها فيها «لأنّ ذلك من ثمرة الإمامة» فلا يمنع أهل الحقوق حقهم وعليه التحري في ذلك والنظر للمسلمين بالمصلحة «ولأنّ المنع» للمستحق من حقه «حيف» وميل عن الحق «تسقط به العدالة» وقد ثبت اشتراطها.

وقال الإمام شرف الدين عليه‌السلام : الواجب من السّخاء قسمان :

قسم : واجب بالشرع كالزكاة ونحوها.

وقسم : واجب بالمروءة والعادة كالضّيافة على من تجب عليه لكل بما يليق به ويستحقه مثله بحيث لا يلحق المضيّف ذمّ ولا زيادة مدح والمكافأة للمحسن على إحسانه وترك المضايقة والاستقصاء في المحقرات في حق من كثر ماله ، وترك مشاحّة من تحت يده في الزيادة القليلة على ما فرض له.

والمندوب من السّخاء : الزيادة في الأصناف المذكورة ونحوها على الواجب كالإكثار من البرّ والصّدقات وكثرة إكرام الوفّاد وتلذيذهم بأنواع الضّيافات وإجزال العطايا والصّلات والسّماحة الزائدة في المعاملات والتّوسيع على من تحت يده في الفواكه والكساء والأقوات.

والمحظور من السخاء : هو إنفاق المال فيما لا يجلب نفعا ولا ثناء ولا يدفع ضررا عن نفس أو مال أو عرض ، أو صرفه في وجه قبيح وهذا هو السّرف. انتهى.

«و» الثالث عشر : «السّلامة من المنفرات نحو الجذام والبرص» ونحو ذلك ممّا ينفر عن مخالطة الناس «ليتمكن من مخالطة المسلمين» التي لا يتم القيام بأمور المسلمين إلّا معها.

__________________

(١) (أ) لا يسع. (ض) لا يتسع لحمل.

١٣٣

«و» الرابع عشر : «سلامة الحواس والأطراف» فلا يكون أعمى ولا أصم ولا أشل ولا أعرج على صفة ينتقص (١) بها أمر تدبيره أو مخالطته المسلمين وشجاعته المعتبرة.

ولهذا قال عليه‌السلام : «التي يختل القيام بثمرة الإمامة عند فقدها» لا الأمر اليسير الذي لا يمنع القيام بثمرة الإمامة.

وقد روي أن الناصر عليه‌السلام أصابه طرش في أذنيه قبل دعوته من ضرب المأمون له لعنه الله.

«وزاد» السيد «أبو العباس» الحسني وهو أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن إبراهيم بن محمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام «والإمامية» في شروط الإمامة «العصمة» وهو أن يكون معصوما من ارتكاب الكبائر.

قال في المحيط : وذهب السيد أبو العبّاس الحسني عليه‌السلام من بين الزيدية إلى أنّ الإمام يجب أن يكون معصوما ، وأنه إذا لم يكن معصوما يجب على الله أن يظهر لنا ستره ويبدي لنا عورته لنقف على فسقه ونتبرأ منه ولا تلزم طاعته (٢).

قلت : فمضمون قوله : أنّ الإمام القائم بالدّعوة الذي ظهرت لنا كمال خصال الإمامة فيه ظاهرا ولم نعلم من خفيّ حاله ما يخالف ظاهره محكوم بعصمته وإنّا نقطع بكونه معصوما لأنه لو لم يكن كذلك لظهر خفيّ حاله ومكنون فسقه وحينئذ لا يتحقق الخلاف إلّا إذا فسق الإمام ولا يكاد يوجد ذلك والله أعلم.

قال عليه‌السلام : «ولا دليل عليها» أي على اشتراطها أي العصمة «إلّا تقدير حصول المعصية» من الإمام «لو لم يكن معصوما» أي لا دليل لهم على اشتراط العصمة إلّا تقدير حصول المعصية وهو لا يصلح (٣) دليلا

__________________

(١) (ض) ينتقض بالضاد المعجمة.

(٢) (ض) ولا نلزم طاعته.

(٣) (ن) وهو لا يصحّ أن يكون دليلا.

١٣٤

لما ذكره عليه‌السلام بقوله :

«قلنا : ذلك التقدير حاصل» في المعصوم فيفرض حصول المعصية منه كما «قال تعالى» في سيد المعصومين «لئن أشركت ليحبطن عملك» ولا يلزم من هذا الفرض وقوع الشرك منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

«قالوا :» لا سواء فإنه «امتنع وقوعها من المعصوم» قطعا ولو قدّرت منه تقديرا فإنّا نعلم انتفاءها «بخلاف غيره» أي غير المعصوم فإنه مع تقديرها منه يمكن وقوعها ولا يمتنع فلم يستوي التقديران.

«قلنا ما دام» الإمام «عدلا فلا وقوع» للمعصية منه «وإن وقعت منه» المعصية «فكلو مات المعصوم».

لأنّ تقدير موت الإمام المعصوم ووقوع المعصية من الإمام غير المعصوم سواء في كونهما مبطلين للإمامة فهلّا منعتم من قيام الإمام المعصوم لتقدير موته كما منعتم من إمامة العدل لتقدير معصيته وكذلك تقدير العمى والجذام أو نحو ذلك.

«وزاد الإماميّة في شروط الإمامة : «أن يولد عالما».

«وذلك باطل حيث لم يثبت ذلك» أي خلق العلم فيه من وقت الولادة «للأنبياء صلوات الله عليهم» وهم أفضل من الأئمة عليهم‌السلام.

«قال تعالى» في نبيئنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ)(١) أي ما كنت تدري ما القرآن قبل نزوله عليك ولا ما الشرائع المنزّلة المفروضة.

وقال تعالى فيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) (٢) أي ضالّا عن علم الشرائع فهداك إليها.

«وقال تعالى حاكيا عن موسى» صلّى الله عليه (قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا

__________________

(١) الشورى (٥٢).

(٢) الضحى (٧).

١٣٥

مِنَ الضَّالِّينَ) (١) أي الجاهلين ، يريد أنّ قتل القبطي قبل نبوّته وقبل علمه بالشرائع.

(فصل)

«ولا تثبت» أي الإمامة «لأحد من الناس إلّا بدليل شرعي إجماعا» وذلك لما كانت الإمامة تابعة للنبوّة لأنّ ثمرتها هي حفظ الشريعة وتقويمها وتجديد ما درس (٢) منها ودفع التظالم وتحمّل التكاليف الثقيلة : لم تكن إلّا لمن اختاره الله واصطفاه وعلم طهارته وقيامه بما كلّف به كالنبوّة وذلك بتخصيص الشارع وتعيينه لبعض الخلق.

وقوله : إجماعا : لعله يريد به العترة عليهم‌السلام وشيعتهم.

قال الهادي عليه‌السلام : تثبت الإمامة للإمام وتجب له على جميع الأنام بتثبيت الله لها فيه وجعله إيّاه له ، وذلك فإنّما يكون من الله إليه إذا كانت الشروط المتقدمة التي ذكرناها فيه ، فمن كان من أولئك كذلك فقد حكم الله سبحانه له بذلك وصي بذلك الخلق أم سخطوا.

ويحتمل أن يريد عليه‌السلام [من قوله] : إجماعا بين الأمّة لما ذكره عليه‌السلام من قوله : «لترتب كثير من الشرائع عليها» كالحدود وإقامة الجمعات «ولا طريق إلى من يقوم بها إلّا الشرع» ولا مجال للعقل فيه (٣) وإن اختلفوا في ذلك الدليل الشرعي ما هو :

فقال أئمة الزيدية وشيعتهم : هو النص في علي والحسنين عليهم‌السلام وفي غيرهم النص الجملي ، وإجماع العترة عليهم‌السلام وشيعتهم المفسّر لذلك النص الجملي وإجماعهم أيضا على أنه من دعا الناس إلى نصرته والجهاد معه وهو جامع لشروط الإمامة صار إماما تجب طاعته.

وقالت المعتزلة : والأشعرية لا نص من الشارع على إمام معيّن بعد

__________________

(١) الشعراء (٢٠).

(٢) (ض) ما اندرس في (ن) درس وفي بعض درس.

(٣) (شض) في ذلك (ض) فيها.

١٣٦

النبيء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولكن أجمع الصحابة على العقد والاختيار ، فمن عقد له واختير وهو من قريش صار إماما للإجماع على ذلك والإجماع دليل شرعي.

وأما قول الحشوية : إن الإمامة تثبت بالقهر والغلبة فقول ساقط لا يعتدّ به.

وقال القرشي في المنهاج : اتّفق الناس على أن الإمام لا يصير إماما بنفس الصّلاحيّة بل لا بدّ من أمر واختلفوا في ذلك الأمر :

فقالت العباسية : الإرث.

وقال المصححون : لإمامة معاوية الغلبة.

وقالت الإمامية : النص الجلي على الاثني عشر.

وقالت البكرية : [النص] الجلي في أبي بكر.

وقال الحسن البصري : الخفي في أبي بكر.

وقالت المعتزلة والصالحية من الزيدية : العقد والاختيار.

وقال أهل البيت عليهم‌السلام : النص الخفي في أمير المؤمنين عليه‌السلام والدعوة والخروج ممّن صلح من أولاده.

قال : وهذا هو الحق.

ومعنى كون النص جليّا أنه يعلم قصد النبيء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه ضرورة.

ومعنى كونه خفيّا : أنه لا يعلم المراد منه إلّا بالنظر. انتهى.

وقوله : النص الخفي في أمير المؤمنين سلام الله عليه غير واضح فإن الحق أنّ النص فيهعليه‌السلام جلي واضح.

ثم إن النص في اصطلاح أهل الأصول لا يطلق إلّا على الجلي ، ثم ولو فرضنا أنه خفيّ فإنه بعد وجوب معرفة إمامته كرّم الله وجهه في الجنة على كل مكلف عند العترةعليهم‌السلام جميعا وشيعتهم يستوي فيه العلم الضروري والاستدلالي فيما يترتب عليهما كمعرفة الباري تعالى.

وإدخاله للصالحية مع المعتزلة في قولهم بالعقد والاختيار : غير

١٣٧

صحيح لأنّ الصالحيّة فرقة من الزيدية لا يجعلون الإمامة بالعقد والاختيار ولا يجعلونها في قريش كافة.

قال في الجزء الثاني من المحيط ما لفظه : وذهبت الجريرية من أصحاب زيد بن عليعليهما‌السلام وهم أصحاب سليمان بن جرير إلى أن بيعة أبي بكر وعمر كانت خطاء إلّا أنهما لا يستحقان اسم الفسق من قبل التأويل وأن الأمّة تركت الصلاح في ذلك ، ولم يتبرءوا من أبي بكر وعمر ولم يتولّوا أيضا ، وتبرءوا من عثمان.

وقالت البترية : وهم أصحاب كثير الأبتر بن الحسن بن صالح بن حي إن عليّا عليه‌السلام أفضل الأمّة بعد نبيئها وأولاهم بسياستها وأنه لو امتنع من بيعتهما وحاربهما لكان يحلّ له دماؤهما ولمّا لم يمتنع من بيعتهما فهي بيعة محمودة وتوقفوا في أمر عثمان. انتهى.

وقال الإمام أحمد بن سليمان عليه‌السلام في كتاب حقائق المعرفة ما لفظه : فقال أبو الجارود ومن قال بقوله من الزيدية : عليّ وصيّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والإمام بعده ، وأنّ الأمّة كفرت وضلّت في تركها بيعته.

ثم الإمام بعده الحسن والحسين بالنص ، ثم هي بينهم شورى فمن خرج من أولادهما جامعا لشروط الإمامة فهو الإمام.

وكذلك قالت الصالحية الحسن بن صالح بن حيّ ومن قال بقوله [من الزيدية] في الإمامة إلّا أنهم قالوا : إنّ أبا بكر وعمر غير مخطئين بسبب سكوت عليّ عليه‌السلام عن حقّه ، وكذلك عثمان إلى أن تبرأ منه المسلمون وتوقف فيه بعد ذلك.

وكذلك قال ابن التمّار ومن قال بقوله من الزيدية إلّا أنهم تبرءوا من عثمان بعد ما عزله المسلمون وشهدوا على من خالف عليّا بالكفر.

وقال سليمان بن جرير ومن قال بقوله في علي والحسن والحسين عليهم‌السلام مثل ذلك وأنّ بيعة أبي بكر وعمر خطأ لا يستحقّان عليها

١٣٨

اسم الفسق من قبل التّأويل وتبرءوا من عثمان. انتهى.

ومثل هذا ذكر الفقيه محمد بن الحسن الديلمي رحمه‌الله في كتابه قواعد عقائد أهل البيتعليهم‌السلام :

قلت : البترية هم الصالحية لأنّ البترية نسبة إلى كثير بن الحسن بن صالح بن حيّ ، وقد سمّاه المغيرة بن سعيد بالأبتر وهو ابن التمّار أيضا.

والصالحية نسبة إلى الحسن بن صالح بن حيّ فعرفت أن الصالحية إنّما اعتقدت صحة إمامة أبي بكر وعمر بسكوت علي عليه‌السلام وتسليمه (١) حقّه لهما بمثابة رجل له حق على غيره فرضي بإسقاطه لا أنّ الاختيار يصيّر الإمام إماما لأنهم من الزيدية الذين يقولون : إنّ الإمامة بالنص في علي والحسنين عليهم‌السلام ثم فيمن قام ودعا من أولادهما جامعا لشروط الإمامة.

ويوضح ذلك : ما ذكره الديلمي في كتاب قواعد عقائد أهل البيت عليهم‌السلام ولفظه :

وقالت الفرقة الثانية : لم يصحّ عندنا أن الحسين عهد إلى أحد ولا دعي ابنه علي بن الحسين إلى بيعته ، فنحن نقف حتى نرى رجلا من أحد البطنين (يعنون ولد الحسن والحسين) (٢) يصحّ لنا ولادته وزهده وعلمه وشجاعته وعدالته وورعه وكرمه يشهر السيف ويباين الظالمين فتكون علينا طاعته.

فسمّوا : الواقفة ، فمكثوا بعد قتل الحسين عليه‌السلام ستين سنة حتى قام زيد بن عليعليهما‌السلام في الكوفة في زمان هشام بن عبد الملك فبايعوه فسمّوا زيدية .. إلى أن قال : إذا عرفت هذا فاعلم : أن الزيدية افترقت ثلاث فرق على الأشهر بترية ، وجريرية ، وجارودية.

وقيل : صالحية ، وسليمانية ، وجارودية.

__________________

(١) (ب) ولتسليمه.

(٢) تصحّ.

١٣٩

ثم بيّن هذه الفرق كما ذكره الإمام أحمد بن سليمان عليه‌السلام ، وقد بسطت في هذا الموضع [الكلام] لأنه قد وقع سهو في الرواية عن الصالحية والجريرية في كثير من كتب أصحابنا فليعرف ذلك ، وقد عرفت من هذا أن البترية هي الصالحية.

قالت «العترة عليهم». «السلام جميعا والشيعة والإمام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا فصل» أمير المؤمنين وسيد الوصيين «علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه في الجنة ثم الحسن» بعده بلا فصل «ثم الحسين» بعد الحسن عليهم‌السلام بلا فصل للنص الذي سيأتي ذكره في الثلاثة جميعا.

وقال «سائر الفرق» من المعتزلة وغيرهم : «بل» الإمام بعده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا فصل «أبو بكر ثم عمر ثم عثمان».

قال «جمهورهم : ثم علي عليه‌السلام» بعد عثمان ، ولا خلاف في ذلك لغير العثمانية إلّا الحشوية والأصم لقولهم بالقهر والغلبة.

وقالت «العثمانية» وهم قوم بسجستان يفضلون عثمان على علي عليه‌السلام ويسمّون: النواصب لنصبهم العداوة لعلي لزعمهم أنه الذي أمر بقتل عثمان فقالوا : «لا» أي ليس الإمام بعد عثمان علي عليه‌السلام : «بل ثم معاوية» بن أبي سفيان :

وقال جمهور المجبرة : وإمامة عليّ اجتهادية وخطأ معاوية فيها معفو وعليه أكثر الشافعية في الزمن المتأخر.

«لنا» حجة على مخالفينا العقل والنقل :

أما النقل فمنه «قوله تعالى» : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) (١).

«بيان الاحتجاج بهذه الآية : إنّ المعنيّ بقوله تعالى : (وَالَّذِينَ

__________________

(١) المائدة (٥٥).

١٤٠