عدّة الأكياس في شرح معاني الأساس - ج ٢

أحمد بن محمّد بن صلاح الشرفي القاسمي

عدّة الأكياس في شرح معاني الأساس - ج ٢

المؤلف:

أحمد بن محمّد بن صلاح الشرفي القاسمي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الحكمة اليمانية للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٧
الجزء ١ الجزء ٢

المرجح» لأحد الدليلين على الآخر ويرفضان دليليهما لتعارضهما واستوائهما ، ولا يكاد يستويان من جميع الوجوه ، وحينئذ يزول الاختلاف أيضا.

فإن لم يوجد غيرهما ولم يعلم المرجح فكما لو لم يعلما الاختلاف.

«وإن لم يعلما» اختلافهما «وجب على كل واحد منهما العمل بمقتضى ما رآه» أي ظنّه واجبا عليه بالأمارة.

«لا لأنّهما مصيبان معا بل لإصابة الحق في حق المصيب» للحق منهما بالأمارات «ولاتقاء التّجاري على الله تعالى» أي ولأجل تجنّب التّجاري على الله سبحانه «بالإخلال بما يرى وجوبه عليه» للأمارة التي اقتفاها «في حق المخطي» للحق منهما.

إذ لو لم يعمل بما ظنّه واجبا عليه لكان قد تجارى على الله سبحانه بالعصيان له والمخالفة لأمره فيما يظن وجوبه «كمن يقسم من الأزواج في الليالي والقيلولة لمنكوحة في العدة» أي لامرأة نكحها في العدة «جهلا منه» بذلك «إذ لا خلاف» بين العلماء «في وجوب القسمة» عليه لها «ما دام جاهلا و» لا خلاف أيضا «في أنه غير مصيب» للحق في قسمته لها «في حقيقة الأمر» لأنّ نكاح المعتدة باطل فكذلك يكون حكم هذا المجتهد المخطي للحق في نفس الأمر.

(فصل)

«والنسخ لغة» أي في لغة العرب : «بمعنى الإزالة للشيء» يقال : نسخت الشمس الظّلّ أي أزالته ، ونسخت الريح آثار بني فلان أي أزالتها.

«وبمعنى النقل عند جمهور أئمتنا عليهم» «السلام وبعض المعتزلة».

ومعنى ذلك : أنه حقيقة مشتركة بين المعنيين يقال : نسخت الكتاب أو السّجلّ أي نقلت ما فيهما.

وفيه تجوّز لأنك لم تنقل ما فيهما حقيقة بل كتبت مثل ما فيهما.

والأصح في المثال قولك : نسخت النّحل أي نقلتها من موضع إلى موضع ومنه المناسخة في المواريث.

١٠١

«وقيل : بل» النسخ «حقيقة في الأوّل» وهو الإزالة «مجاز في الثاني» وهو النقل وهذا قول أبي هاشم وأبي الحسين والقاضي جعفر والجويني والرازي.

«وقيل : بل العكس» وهذا قول البستي وهو أبو القاسم بن تال (١) من فقهاء المؤيّد بالله عليه‌السلام.

«و» أما حقيقة النسخ «شرعا» أي في اصطلاح أهل الشرع فهو «بيان انتهاء الحكم الشرعي بطريق شرعي واجبة التراخي عن وقت إمكان العمل».

فقوله : الحكم الشرعي : يخرج الحكم العقلي كالمباح بحكم الأصل فإنّ رفعه بدليل شرعي ليس بنسخ.

وقوله : بطريق شرعي : أي بدليل من الشرع فلا يصحّ أن يكون الناسخ عقليّا وليخرج رفعه بالموت والنوم والجنون.

وقوله : واجبة التراخي : ليخرج البداء كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

وقوله : عن وقت إمكان العمل : ليدخل في ذلك نسخ الشيء قبل فعله بعد مضي وقت يمكن فيه الفعل فإنه يكون نسخا.

فعلى هذا : النسخ تخصيص للحكم مخصوص وهو تخصيصه بالزمان بمعنى أن الشارع إنما أراد بالحكم من وجوب أو غيره في بعض الأزمنة

__________________

(١) أبو القاسم البستي غير أبي القاسم بن تال فإن البستي اسمه إسماعيل بن أحمد من أصحاب قاضي القضاة عبد الجبار بن أحمد وأبو القاسم بن تال هو مهذب مذهب المؤيّد بالله عليه‌السلام وجامع الزيادات والإنارة واسمه الحسين بن الحسن أو ابن أبي الحسن على اختلاف في ذلك وهو من هوسم بلدة من وراء طبرستان والبستي من بست بلد بسجستان وهو الإقليم المعروف المتاخم للهند وسجستان أيضا قرية من قرى البصرة كما ذكره ابن خلّكان ولكنهما كانا متعاصرين ولكن ابن تال كان أحد المشاهير في أصحاب المؤيد بالله عليه‌السلام تمت.

١٠٢

دون بعض لتعلّق المصلحة بذلك الزمان دون غيره.

وهذا هو معنى قوله عليه‌السلام هو بيان انتهاء الحكم ... إلى آخره.

«والبداء لغة : الظهور» يقال : بدا الأمر أي ظهر.

«واصطلاحا» أي في اصطلاح أهل علم الأصول : «رفع عين الحكم المأمور به مع اتحاد الآمر والمأمور والمأمور به ، والقوة والفعل والزمان والمكان لغرض تنبّه له» بعد الغفلة.

مثال ذلك : قول السيد لعبده : صلّ ركعتين أول وقت الظهر في الجامع ، ثم يبدو له خلافه فيقول : لا تصلّ ركعتين أول وقت الظهر في الجامع.

فقد رفع عين الحكم وهو الركعتان واتّحد الآمر وهو السيد والمأمور وهو العبد والمأمور به وهو الركعتان ، والقوّة وهي قدرة العبد على الصلاة حين الأمر بها وحين رفعها واحدة ، والزمان وهو أول وقت الظهر ، والمكان وهو الجامع.

فإن اختل شرط منها فليس ببداء.

وقيل : اتحاد القوة (١) واختلافها في مثل قولك : الماء في البئر مرو مطهّر ، الماء في البئر ليس بمرو ولا مطهّر.

فإن أردت بالأول أنه مرو مطهّر بالقوة أي له صلاحية الرّواء والتطهير وبالثاني أنه ليس بمرو ولا مطهّر بالفعل لكونه في البئر فلا يكون متناقضا ولا يكون من البداء. وإن أردت بالأول ما أردت بالثاني كان من البداء.

وقال العنسي : البداء : أن يتّحد فيه الآمر والناهي والمأمور والمنهي والفعل الذي تعلّقا به والوجه الذي يقع عليه وزمانه إن كان ومكانه ، وهو

____________________________________

(١) هذا التفسير هو الأولى لأنه بالتفسير الأول يصير قوله والفعل تكريرا لقوله والمأمور به كما سيذكره بخلاف هذا التفسير وهذا التفسير هو الذي سمعناه عن والدنا قدس الله روحه تمت من خط سيدي الحسين بن القاسمعليهما‌السلام.

١٠٣

مثل كلام الإمام عليه‌السلام إلّا أن فيه زيادة (١) الوجه الذي يقع عليه الفعل نحو جهرا أو سرّا في صلاة الركعتين.

وقول الإمام عليه‌السلام : والمأمور به ، والفعل تكرار (٢) أو نظر إلى ما (٣) ذكره في الفصول والله أعلم.

«ولا يجوز البداء على الله تعالى» لأنه يستلزم الغفلة وهي من خواص الأجسام.

«خلافا لبعض الإمامية» فإنه روي عنهم جوازه عليه تعالى وهو باطل لما مرّ.

وقد روى النجري عن الشريف المرتضى الموسوي : أنهم إنما يريدون بالبداء النسخ.

«لنا ما مرّ» في صفات الله تعالى وآنفا.

«واتفق المسلمون على جواز النسخ عقلا وشرعا».

وخالف في ذلك شذوذ من الناس وأبو مسلم الأصفهاني في القرآن.

ووجه النسخ عند «قدماء أئمتنا عليهم» «السلام لأنّ لله تعالى أن يستأدي شكره وهو الامتثال» أي له أن يطلب أداء شكره وهو الامتثال لأمره ونهيه «والتعظيم» له جلّ وعلا «بما شاء من العبادات» فله أن يرفع جلّ وعلا حكما منها ويثبت غيره مكانه كما قال تعالى : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها) (٤) أي ما نبدّل من حكم آية بالنّسخ له نأت بخير منها أو ننسها أي نتركها بحالها لا نغير شيئا ممّا حكمنا به فيها. هكذا ذكره عبد الله بن الحسين بن القاسم عليه‌السلام في كتاب الناسخ والمنسوخ.

قال : وكذلك قال الله تعالى في موضع آخر : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ

__________________

(١) (ش) زيادة اتحاد الوجه.

(٢) (ش) تكرار للتأكيد وفي (ب) تكرّر.

(٣) (ش) لما ذكره في الفصول.

(٤) البقرة (١٠٦).

١٠٤

وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) (١) أي أصل ذلك وجملته مثبتا في علمه لا يعزب عنه شيء ممّا نسخ ولا ممّا لم ينسخ ولا ممّا وقع الحكم به ومضى ولا ممّا لم يقع به ولم يمض. انتهى.

قلت : ومع ذلك فإنه تعالى لا يرفع حكما ويبدّل غيره إلّا لحكمة ومصلحة راجعة إلى العباد.

«ولكون غيرها» أي غير العبادات من الشرائع «مصالح للمكلفين وهي تختلف باختلاف الأحوال» أي صفات المكلفين ونحوها «والأشخاص» أي أعيانهم «والأزمنة والأمكنة» وذلك يقتضي النسخ.

«وقال غيرهم :» أي غير قدماء أهل البيت عليهم‌السلام وهو جمهور المعتزلة وغيرهم : «بل لأنها» أي الشرائع «مصالح كلها» كما مرّ لهم في النبوّة.

«لنا ما مرّ» في كتاب النبوّة.

وقال «أكثر اليهود لا يصحّ النسخ» عقلا ولا سمعا.

وبعضهم جوزه عقلا لا سمعا ، وبعضهم جوزه عقلا وسمعا.

وأنكروا كون نبيئنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرسلا إليهم.

«لنا عليهم ما مرّ» وقد بسطنا الردّ عليهم في الشرح في ذكر نبوءة نبينا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ولنا عليهم صحة وقوعه «فإنه قد وقع» باتفاق بين الناس «وذلك تحريم نكاح الأخوات بعد أن كان مباحا لأولاد آدم».

وذلك أن الله تعالى أباح نكاح الأخت من أولاد آدم للأخ الذي لم يكن توأما لها أي لم يولد معها في بطن واحد.

روي أن حوّى ولدت قابيل وأخته في حمل واحد وهابيل وأخته في حمل آخر وكانت توأمة قابيل أحسن من توأمة هابيل فأوحى الله إلى آدم أن

__________________

(١) الرعد (٣٩).

١٠٥

زوّج هابيل توأمة قابيل.

وكان ذلك من أسباب حسد قابيل لهابيل مع ما حكا الله سبحانه من تقريب القربان.

وأما رواية من روى أنّ الله سبحانه أخرج لولدي آدم زوجتين من حور الجنة فغير صحيحة.

وهو أي تحريم نكاح الأخت بعد إباحته لا يمكن اليهود دفعه لأنه مذكور عندهم في التوراة «والوقوع فرع الجواز».

وكذلك روي أن في التوراة : إن الله تعالى قال لنوح عليه‌السلام. عند خروجه من الفلك : إني جعلت كل دابّة حيّة مأكولا لك ولذريتك وأطلقت ذلك لكم كنبات العشب ما خلا الدم فلا تأكلوه ، ونسخ ذلك بعد فحرم على بني إسرائيل كثير من الحيوانات.

وكان الجمع بين الأختين حلالا في شريعة يعقوب عليه‌السلام وحرّمه الله في زمن موسىعليه‌السلام.

وفي التوراة في العبد يستخدم ستّ سنين ثم يعتق في السابعة فإن أبى العتق فلتثقب أذنه ويستخدم أبدا.

وقال في موضع آخر : يستخدم خمسين سنة وغير ذلك.

«وشريعة نبيئنا» محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نسخت ما قبلها من الشرائع كما مرّ ذكره «إلّا ما ورد» تقريره من الشرائع المتقدمة «على لسانه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نحو آية القصاص».

لقوله تعالى : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ...) الآية (١).

وكذلك الصيام والصلاة والزكاة وغير ذلك وإن اختلفت صفاتها.

«وفي شريعته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الناسخ والمنسوخ» كالقبلة والوصية للوالدين والأقربين على رأي والعدّة. وغير ذلك.

__________________

(١) المائدة (٤٥).

١٠٦

«خلافا لأبي مسلم الأصفهاني في الكتاب» فقال : لم يقع فيه نسخ «لنا الإجماع» على وقوع ذلك كنسخ القبلة والعدّة وصدقة النجوى. وغير ذلك.

وقوله تعالى : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها) (١).

أي أكثر ثوابا منها أو أدخل في المصلحة في ذلك الوقت «أو مثلها» أي مثلها في ذلك حين انقضت مصلحة الأولى ، وفيها تقديم وتأخير وحذف ، والمعنى : ما ننسخ من آية نأت بخبر منها أو مثلها ، وما ننسها أي نتركها ولا نغيّر حكمها فلمصلحة وحكمة في إبقائها على حالها.

وأما من فسّر (ننسها) أي نذهب بحفظها عن القلوب كما يروون أنه نسخ شيء من القرآن بإزالة حفظه عن القلوب أو نسخ تلاوته لا حكمه فليس ذلك بصحيح عند أئمة أهل البيت عليهم‌السلام وقد صرّح بذلك الإمام الكبير عبد الله بن الحسين بن القاسم عليهم‌السلام في كتاب الناسخ والمنسوخ وغيره.

وفي معنى هذه الآية قوله تعالى : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ) (٢) أي ينسخ الله ما يشاء ويثبت أي يترك ما يشاء من الآيات على حالها فلا يرفع حكمها. وهاتان الآيتان حجة على أبي مسلم.

«وفي كتب الأصول» أي أصول الفقه «ذكر قواعده» أي قواعد النسخ وشروطه «وفي غيرها» أي في غير كتب الأصول «ذكر أعيانهما» أي أعيان مسائل الناسخ والمنسوخ إمّا في كتب مفردة لذلك أو داخلة في ضمن غيرها من الكتب.

__________________

(١) البقرة (١٠٦).

(٢) الرعد (٣٩).

١٠٧
١٠٨

«كتاب الإمامة»

هي تابعة للنبوءة في الوجه الذي وجبت له لأنّ الأئمة عليهم‌السلام يقومون مقام الأنبياءعليهم‌السلام في تبليغ الشريعة وإحياء ما اندرس منها ، ومقاتلة من عند عنها ولهذا لم تكن إلّا بإذن من الشارع واختيار منه كالنبوّة.

واعلم : أن مسألة الإمامة من أكبر مسائل أصول الدين وأعظمها لأنه يترتب عليها طاعة الله وطاعة الرسول والقيام بالشرائع والجهاد والموالاة والمعاداة والحدود وغير ذلك.

فتجب معرفتها على كل مكلّف ويؤكد ذلك قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (١). ولا تتم طاعة الإمام إلّا بمعرفته.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «من مات ولم يعرف إمامه مات ميتة جاهليّة».

وهذا الخبر متلقّى بالقبول. ذكر ذلك القاسم بن إبراهيم عليهما‌السلام في كتاب تثبيت الإمامة ، والحسين بن القاسم بن علي عليهم‌السلام وروى الناصر للحق عليه‌السلام عن إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن عليهم‌السلام أنه سئل عن معنى هذا الخبر فقال : أراد عليه‌السلام من مات ولم يعرف إمامه عادلا فيتبعه أو جائرا فيجتنبه مات ميتة جاهلية.

__________________

(١) النساء (٥٩).

١٠٩

قال الناصر للحق عليه‌السلام : والحق عندي أن المراد بهذا الخبر أن النبيء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيّن لأمّته «أني مخلف فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا من بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، إنّ اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض وهما الخليفتان من بعدي».

فجعلهما الإمامين لعباد الله إلى يوم القيامة.

ثم قال عليه الصلاة والسلام وعلى آله «من مات ولم يعرف إمامه مات ميتة جاهلية» يقول : إمامه من الكتاب والعترة.

انتهى كلام الناصر عليه‌السلام.

ومثله ذكره الهادي عليه‌السلام في آخر كتاب الأحكام حيث قال : إذا كان في عصر هذا الإنسان إمام قائم زكي تقي عالم نقي ولم ينصره وتركه وخذله ومات على ذلك مات ميتة جاهلية فإذا لم يكن إمام معروف باسمه فالإمام الرسول والقرآن وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ومن كان على سيرته (١) وصفته من ولده فتجب معرفة ما ذكرنا على جميع الأنام إذا لم يعلم في الأرض في ذلك العصر إمام.

ويجب عليهم أن يعلموا أن هذا الأمر في آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاصة دون غيرهم ، وأنه لا يعدم في كل عصر حجة لله يظهر منهم إمام يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.

فإذا علم كل ما ذكرنا وكان الأمر عنده على ما شرحنا ثم مات فقد نجا من الميتة الجاهلية ومات على الميتة الملّيّة.

ومن جهل ذلك ولم يقل به ولم يعتقده فقد خرج من الميتة الملّيّة ومات على الميتة الجاهلية. فهذا تفسير الحديث ومعناه. انتهى.

[ويؤيّد (٢) ذلك ما رواه الهادي عليه‌السلام (٣) قال : بلغنا عن رسول

__________________

(١) (ض) على سيرته وفي صفته.

(٢) (ض) ويؤكد.

(٣) (ض) حيث قال.

١١٠

الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال «من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر من ذريتي فهو خليفة الله في أرضه وخليفة كتابه وخليفة رسوله»].

وقال القاسم بن إبراهيم عليهما‌السلام في جواب من سأله عن إمام (صلاة) شاك في إثبات الإمامة هل تجوز الصلاة خلفه إذا كان موافقا في غيرها من أمر الدين؟

فقال عليه‌السلام : إن الولاية واجبة من الله عزوجل بتنزيله في كتابه لكل فاضل على كل مفضول ... إلى قوله عليه‌السلام : فمن اشتبه عليه فرض الإمامة وما حكم الله به من ذلك على الأمّة ولم يدر أفرض الله ذلك عليه أو لم يفرضه ولم يعلم من ذلك ما يلزمه فهو ضال غير مهتد وأمره في ذلك مسخوط عند الله غير مرضي لأنّ الله كلفه العلم كما كلفه العمل فجهل من ذلك ما علم فعليه أن يتعلم ما جهل فإن لم يفعل كان ضالّا ولم يكن مهتديا ولا برّا.

ولا يجوز أن يؤتم في الصلاة إلّا بكل برّ زكيّ ... إلى آخر كلامه عليه‌السلام.

وكلام الهادي عليه‌السلام في خطبة الأحكام مثله وأوضح.

وقال علي بن أبي طالب عليه‌السلام في نهج البلاغة :

«وإنّما الأئمة قوام الله على خلقه وعرفاؤه على عباده لا يدخل الجنة إلّا من عرفهم وعرفوه ، ولا يدخل النار إلّا من أنكرهم وأنكروه).

وقال أيضا فيه لمّا سمع قول الخوارج : لا حكم إلّا لله :

(هذه كلمة حق يراد بها باطل ، نعم إنّه لا حكم إلّا لله ولكن هؤلاء يقولون : لا إمرة ، وإنّه لا بدّ للناس من أمير بر أو فاجر يعمل في إمرته المؤمن ويستمتع فيها الكافر ، ويبلغ الله فيها الأجل ويجمع به الفيء ويقاتل به العدو ويأمن به السّبل ويؤخذ به للضعيف من القوي حتى يستريح برّ ويستراح من فاجر).

وقال القاسم بن إبراهيم عليه‌السلام في جواب من سأله. ومن لم يعتقد بعد النبيء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إمامة علي بن أبي طالب عليه

١١١

السلام لم يقبل الله منه صلاة ولا زكاة ولا حجّا ولا صوما ولا شيئا من أعمال البرّ.

ثم من بعده الحسن والحسين.

ومن لم يؤمن بأن الإمام كان بعد النبيء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّا عليه‌السلام كما يؤمن بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والقرآن والصلاة والزكاة والصوم والحج لم ينفعه شيء من عمله إلّا أعجمي أو صبي أو امرأة أو جاهل لم يقرأ القرآن ولم يعلم العلم فإن جملة الإسلام تجزيهم.

وقال القاسم بن إبراهيم عليه‌السلام.

واعلم : أنّ أفرض الفرائض وأوكدها فرض الإمامة لأنّ جميع الفرائض لا تقوم إلّا بها ، ولا يجوز تبديل فريضة الإمامة بوجه من الوجوه لأنّ فيها من الفساد ما ليس في غيرها من الفرائض ... إلى قوله :

فإن قالوا : فما وجه الإمامة عندكم؟

قيل لهم : وجه الإمامة موضع الاختيار من الله تعالى.

فإن قالوا : وما موضع الاختيار من الله؟

قيل لهم : موضع الاختيار من الله معدن الرسالة ليكونوا موضعا معروفا والدليل على ذلك : أنّ الإمامة موضع حاجة الخلق فلا يجوز أن تكون في موضع غير معروف ، إذا بطلت الحاجة وضاع المحتاجون وإذا كان كذلك فسد اليقين ودخل الوهن في الدين ... إلى آخر كلامه عليه‌السلام.

وقال القاسم بن علي العياني عليهما‌السلام في كتاب الردّ على الملحدين : الإمامة فرض من الله لا يسع أحدا جهلها لأنّ الحكيم لا يهمل خلقه مع ما يرى من اختلافهم.

وقال الإمام أحمد بن سليمان عليه‌السلام في كتاب حقائق المعرفة :

أعلم : أنه لمّا كانت النبوّة لا تحصل لأحد بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنّ الله قد ختم به الرسل ، وكان الناس محتاجين إلى من

١١٢

يقوم مقام النبيء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينفذ الأحكام ويحلّ الحلال ويحرم الحرام ويكفل الضعفاء والأيتام وينصف المظلوم من الظالم ويدعو إلى عزّ الإسلام وبناء المكارم ، ويدفع كل خائن وغاشم ، ويدعو إلى الجهاد في سبيل رب العالمين ويعزّ المؤمنين ويذلّ الفاسقين : حكم العقل بوجوب قيام إمام من المؤمنين لصلاح الإسلام والمسلمين.

وحكم العقل أنه إن لم يقم إمام أن الإسلام يضعف وأن الكفر يتقوّى وأنّ الفساد يلحق جميع الناس.

فوجب قيام الإمام بعد النبيء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وكذلك القول إذا مات الإمام أو قتل أنه يجب قيام إمام بعده إلى آخر الدهر.

وحكم العقل أيضا بأن الإمام بعد النبيء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكون مختارا ولا يكون في الأمّة من يكون أجمع منه للمحامد انتهى.

وقال الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة عليه‌السلام في جواب من سأله : وأما كون أكثر الشريعة مرويّا من طريق الآحاد نقول لا شك فيه ولا مرية ، لكن نائم أنت أم يقظان إنّما أنت في الإمامة وهي من مهمّات أصول الدين فلا يقبل فيها إلّا الأخبار المتواترة المعلومة كما روينا في خبر الغدير والمنزلة فإنهما من الأخبار المعلومة بالضرورة كحج النبيء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واعتماره وأمره بالخمس الصلوات ومقادير أصول الزكاة.

فلو شغب في ذلك شاغب لعدّ مجنونا إلّا أن يعلم عقله كان مرتدا كافرا لإنكاره ما علم من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضرورة. انتهى.

وقد بسطنا القول في هذه المسألة في الشرح لأنها من مهمات أصول الدين.

قال عليه‌السلام : «وهي» أي الإمامة «لغة التّقدم».

يقال : أمّ القوم فلان أي تقدمهم على وجه يقتدون به.

١١٣

ومنه إمام الصلاة.

«وشرعا» أي في عرف الشرع «رئاسة عامة» أي على جميع الناس تثبت (١) «باستحقاق» لها «شرعي» أي بدليل من الشرع أي باختيار من الشارع لصاحبها لأنها تالية للنبوّة.

والنبوّة لا تكون إلّا بالاختيار (٢) فكذلك الإمامة «لرجل» واحد «لا يكون فوق يده يد مخلوق».

فقوله : عامة : خرجت الخاصة كرئاسة أمراء أهل السّرايا ونحوهم.

وقوله : بدليل شرعي أي باختيار من الشارع لصاحبها.

وإن كان فرض الإمامة جملة معلوما بالعقل.

وخرجت الرئاسة التي تكون بالقهر والغلبة والاختيار من القبيلة.

وقوله : لرجل خرج بذلك المرأة.

وقولنا في الشرح : واحد احتراز من النبوّة فإنها قد تثبت لاثنين وأكثر والفارق بينهما الإجماع.

ووجهه : أن تعدّد الأئمة في وقت واحد وبلاد واحدة يؤدّي إلى التشاجر والنزاع والفساد ، بخلاف النبوّة فلا يقع فيها ذلك لأنّ النبيء يتبع الوحي.

وإذا تباعدت الديار جاز قيام إمامين والله أعلم.

وقوله : لا يكون فوق يده يد مخلوق : زيادة توضيح وإلّا فقد أغنى عنه قوله : عامّة. والله أعلم.

قال «بعض أئمتنا عليهم» «السلام وأبو القاسم البلخي وأبو الحسين البصري» والجاحظ وغيرهم : «وهي واجبة عقلا وسمعا» أي يحكم العقل بوجوبها والشرع قد قضى به أمّا الشرع : فلما سيأتي.

وأما العقل : فلما مرّ من حاجة الناس إلى الإمام لدفع ضرر بعضهم

__________________

(١) (أ) ثبتت.

(٢) من الشارع.

١١٤

عن بعض ولحفظ الشريعة وإحياء ما اندرس منها.

لأنّ الناس مع كثرتهم واختلاف هممهم وقوّة دواعيهم إلى العدوان وميل أنفسهم إلى الظلم لا يكادون ينزجرون ويكف بعضهم شرّه عن البعض (١) إلّا إذا كان هناك رئيس له قوة وسطوة وأعوان فيمنعهم خوفه عن التّوثّب في العدوان.

ولهذا إذا ضعف السلطان أو تشاغل عن النظر في أمور العامّة كثر في الناس الظلم والفساد وخافت الطرق وتغلب القوي على الضعيف ثم إنه لا توجد قبيلة في كل زمان إلّا ولها رئيس يمنع القوي من الضعيف وينتصف للمظلوم من الظالم.

وقال «بعض أئمتنا عليهم» «السلام» وهم بعض المتأخرين منهم «والجمهور» من غيرهم «بل» وجبت «سمعا فقط».

قالوا : لأنّ ثمرتها أمور شرعية كالحدود والجمعات.

قالوا : ولا إشكال أن الإمام لطف ومصلحة للخلق لكن العلم بكونه لطفا ومصلحة إنما طريقه الشرع كالنبوّة عندهم.

«وقيل : لا تجب» الإمامة لا عقلا ولا سمعا «لما سيأتي لهم».

قال في الشامل : أهل هذا القول : أبو بكر الأصم وضرار وهشام الفوطي وبعض المرجئة وبعض الحشوية والنّجدات من الخوارج.

قال : ثم اختلف هؤلاء :

فزعم الأصم أنه لا يجب نصب الأئمة في كل وقت وإنما يجب عند ظهور الظلم والتظالم بين الخلق ليدفع بنصب الإمام ظلم الناس.

وأما هشام : فزعم أن الأمر على عكس ذلك فقال لا يجب نصبه عند ظهور الظلم والتظالم بين الخلق لأنه ربّما قتلوه فيصير نصبه سببا في الفتنة ، فأما عند عدم الظلم وخلو الزمان عنهم فإنه يجب نصبه لإظهار شعار الإسلام وقوّة شوكته.

__________________

(١) (ب) عن بعض.

١١٥

وأما النجدات من الخوارج وضرار بن عمرو فلم يوجبوا نصب الإمام في حالة من الحالات. وذهب إلى مثل هذا القرشي في المنهاج.

«قلنا» ردّا على المخالف في وجوبها أو زعم أن العقل لا يدل على ذلك : «التّظالم واقع بين الناس قطعا ولا يتم دفعه إلّا برئيس» للناس عموما يرجعون إليه ودفعه من غير رئيس يؤدّي إلى كثرته «ودفع التّظالم واجب عقلا فوجب» على المسلمين «إقامة رئيس» لهم «لذلك» أي لدفع التظالم.

«ودليلها شرعا قوله تعالى» : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) (١) قالَ أي إبراهيم عليه‌السلام (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) أي واجعل يا رب من ذريتي أئمة من بعدي ينالون من فضلها وشرفها «قال لا ينال عهدي الظالمين» أي ومن ذريتك اجعل أئمة مهما كانوا أخيارا مؤمنين فإني لا أستثني إلّا الظالمين (٢) فإنهم لا ينالهم عهدي.

والمراد بالعهد هنا : ما يتحمله الإمام والنبيء من الحق العظيم والأعباء الثقال من التكاليف.

ووجه دلالة الآية : إنّ الله سبحانه اختار إبراهيم عليه‌السلام للإمامة وجعله أهلا لها ، وكذلك من ذريته ، وإذا أذن الله سبحانه بذلك فقد حكم لهم بالإمامة وخصّهم بهذه الفضيلة دون غيرهم.

والعقل قد حكم بوجوب الإمامة جملة كما سبق فثبت بذلك وجوب الإمامة فيهم دون غيرهم لعدم الإذن فيمن سواهم.

«و» دليلها «من السّنّة ما يأتي إن شاء الله» قريبا.

«والإجماع» أيضا من الصحابة والتابعين وغيرهم.

فإنه لمّا توفي نبيئنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أجمع جميع الناس على أنه لا بدّ من رئيس يقوم بأمر الأمّة ، ولم ينكر ذلك أحد فيقول :

__________________

(١) البقرة (١٢٤).

(٢) (ض) فإنّه.

١١٦

لا نحتاج إلى إمام ، بل أطبقوا على أن الإمامة حق مطلوب محتاج إليه.

وإنما وقع الاختلاف والخبط وركوب الأهواء في تعيين القائم بأمر الأمّة بعد النبيء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وعلى هذا توالت الأعصار بعد يوم السقيفة فإنهم كانوا يفزعون إلى الإمام ويطلبونه ويعتقدون وجوب قيامه قطعا.

قلت : وعندي أن هذا الإجماع دليل على أن وجوبها بالعقل مقرّر كالشرع لأنهم إنّما أجمعوا على مقتضى ما ارتكز في عقولهم من احتياج الأمّة إلى رئيس.

ولنا أن نقرّر الإجماع على وجه آخر فنقول : أمر الله تعالى بإقامة الحدود على مرتكبيها ، وأجمعت الأمّة على أنه لا يتولى (١) الحدود إلّا الأئمة أو من يلي من جهتهم فيكون الأمر بإقامة الحدود أمرا بنصب الأئمة لأنّ ما لا يتم الواجب المطلق إلّا به وكان مقدورا للمكلف فهو واجب.

(فصل)

«ويجب على المسلمين في كل عصر إعانة من يصلح لها» أي للإمامة بالمال والنفس والجنان والأركان «إجماعا» بين الأمّة إلّا من أنكر وجوبها كما سيأتي وقد مرّ ذكرهم.

«لأنّ ثمرتها» أي فائدتها «وهي حفظ بيضة الإسلام ودفع التّظالم» بين المسلمين «وإنصاف المظلومين» من الظالمين «وإقامة الحدود» التي أمر الله تعالى بها في نحو قوله تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) (٢).

«ونحو ذلك» كإقامة الجمعات وقسم الفيء والصدقات «لا يختص وقتا دون وقت» بل هي حاصلة في جميع الأوقات على سواء ، فلهذا وجب إعانة من يصلح للإمامة في كل وقت.

__________________

(١) (ش) لا يتولى إقامة الحدود.

(٢) المائدة (٣٨).

١١٧

«و» اعلم : أنّ العترة عليهم‌السلام قد أجمعوا ووافقهم غيرهم أيضا أنه «لا يخلو الزمان ممّن يصلح لها» أي للإمامة من منصبها الشريف وهم العترة عليهم‌السلام «لأخبار صحيحة» وردت عن النبيء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«نحو قوله» صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «أهل بيتي كالنجوم كلّما أفل نجم طلع نجم».

والمراد تشبيه أهل البيت عليهم‌السلام في هداية الخلق والقيام بمصالحهم بالنجوم في هدايتها لمن اهتدى بها إلى مراده.

ومنها قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «إنّي تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا ... الخبر».

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «إنّ عند كل بدعة تكون من بعدي يكاد بها الإسلام وليّا من أهل بيتي موكّلا يعلن الحق وينوره ويرد كيد الكائدين ، فاعتبروا يا أولي الأبصار وتوكلوا على الله».

يؤكد ذلك قول علي كرّم الله وجهه : (اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة إمّا ظاهرا مشهورا أو خاملا مغمورا كيلا تبطل حجج الله وبيّناته).

قال الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة عليه‌السلام : وتجب معرفة ذلك على كل مكلف.

وقال عليه‌السلام : اعلم : أنه لا يجوز مرور وقت من الأوقات ولا عصر من الأعصار إلّا وفيهم عليهم سلام الله من تجب طاعته ويحرم خلافه من الصالحين الذين هم أعلام الدين وقدوة المؤمنين والقادة إلى عليين والذادة عن سرح الإسلام والمسلمين ، وبهم أقام الله حجته على الفاسقين ورد كيد أعداء الدين ، وهم القائمون دون هذا الدين القويم حتى تقوم الساعة ينفون عنه شبه الجاحدين وإلحاد الملحدين. انتهى.

«وقيل : لا تجب» إعانة من يصلح لها إذ لا تجب الإمامة لا عقلا ولا

١١٨

شرعا وقد تقدم ذكر أهل هذا القول.

قالوا : «لخلو بعض الأزمنة عن إمام ، لأنها لو كانت واجبة» في كل عصر «لكانت الأمّة في ذلك العصر» الذي خلى عن ظهور الإمام «مجمعة على الإخلال بالواجب» وهو إقامة الإمام «ولا يجوز أن تجمع الأمّة على الإخلال بالواجب إذ لا تجتمع على ضلالة».

لما روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «لن تجتمع أمّتي على ضلالة».

ولما تقدم ذكره من الدلالة على أن الإجماع حجة.

وهذا هو الموعود بذكره حجة للمخالف حيث قال عليه‌السلام فيما سبق (لما سيأتي لهم).

«قلنا : قد ثبت الإجماع» من الصحابة والتابعين وغيرهم «على ما ذهبنا إليه» من وجوب نصب الإمام كما سبق ذكره.

«وإنّما خلى بعض الأزمنة» عن قيام الإمام وظهوره «لقهر الظلمة من يعين صاحبها» أي صاحب الإمامة أي من يستحقها «الذي هو» أي من يعين صاحبها أي إعانته «شرط في وجوبها» أي في قيام الإمام وانتصابه فلا يجب على المستحق للإمامة القيام بها إلّا مع وجود المعين له والناصر.

فإذا كان المعين والنّاصر مقهورا من الظلمة لم يتمكن من إعانة الإمام لم يجب على المستحق للإمامة الانتصاب لها لأنّه يكون إلقاء بنفسه إلى التّهلكة (١) «أو» لم يقهر الظلمة كل الناس على ذلك لكن تعذّر قيامه «لخذلان الأكثر» له تمردا منهم والأقل منهم عازم على النّصرة والإعانة ولكنه لا يحصل به المقصود.

وإذا كان كذلك «فالمغلوب عن» تحصيل «الشرط» وهو المقهور من الناس «والأقل» منهم «العازم» على المعاونة «غير مخل» بالواجب فلا يلزم ما ذكروه من إجماع الأمّة على الإخلال بالواجب «إذ العزم» على فعل

__________________

(١) (أ) في التهلكة.

١١٩

الواجب مع عدم التمكّن من الفعل «كاف كمن يجبر على ترك الصّلاة» أو أيّ واجب فإنّ العزم على فعله متى تمكن منه يكفيه في الامتثال لأمر الله «وكالحج» فإنّه «لا يجب على أحد حتى يتمكن من» شرط «وجوبه وهو الزاد والراحلة وكفاية من يمون» من عياله «حتى يرجع» على ما هو مفصّل في موضعه «والمغلوب والأقل غير متمكن» من إعانة الإمام.

والإمام حينئذ معذور عن القيام ومثل هذا ذكره صاحب المحيط [لبعض الناصرية] ، فثبت بهذا ما ذهبنا إليه وعليه الأكثر من الأمّة من وجوب الإمامة في كل عصر إذ المراد مع التمكن من تحصيل شرطها كما تقرر.

فإن قيل : إنّ الأئمة من أهل البيت عليهم‌السلام وشيعتهم قد أجازوا قيام المحتسب بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ومن شرطه أن لا يصحّ انتصابه إلّا مع عدم الإمام فدل على أن الزمان قد يخلو من المجتهد.

قلنا : ذلك لا يدل على ذلك لجواز أن يكون لمستحق الإمامة مانع من القيام والانتصاب إمّا لعدم النصرة كما في حق علي عليه‌السلام أو لنحو ذلك.

(فصل)

«وشروط صاحبها» أي شروط الإمام أربعة عشر شرطا :

الأول : «البلوغ والعقل للإجماع على أن لا ولاية للصبي والمجنون» على أنفسهما فضلا عن غيرهما.

«و» الثاني : «الذّكورة» لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «ما أفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة» ولأنّ المرأة لا تولّى جميع أمرها (١) ولأنها ممنوعة من مخالطة الناس وغير ذلك.

__________________

(١) (ض) أمورها.

١٢٠