عدّة الأكياس في شرح معاني الأساس - ج ١

أحمد بن محمّد بن صلاح الشرفي القاسمي

عدّة الأكياس في شرح معاني الأساس - ج ١

المؤلف:

أحمد بن محمّد بن صلاح الشرفي القاسمي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الحكمة اليمانية للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٤
الجزء ١ الجزء ٢

«و» أمّا «أفعال العباد» فإنها «أفعال جارحة» أي أفعال بجارحة وجوارح الإنسان أعضاؤه التي يكتسب بها ، «وأفعال قلب» وهي كالعلم والظن والمحبة والكراهة «وهي» أي أفعال العباد «أعراض فقط» إذ هي إمّا حركة أو سكون أو نحوهما كأفعال القلوب ويستحيل من العباد إحداث الأجسام وبعض الأعراض كالألوان والطعوم والروائح والحرارة لا ابتداء ولا توليدا.

خلافا لبشر بن المعتمر وبعض البغدادية فقالوا : يقدر العبد على إيجادها متولّدة عن الاعتماد كتبييض النّاطف وهو القُبَّيطَى (١) الحادث بالضرب وتسويد الحبر الحادث (٢) بالخلط والحرارة الحاصلة عند حك إحدى الراحتين بالأخرى ، فلما توقّف البياض والسواد على فعلنا الذي هو الضرب والخلط على طريقة واحدة كانا متولدين عنهما كما في سائر المتولدات.

وأجيب : بأن اللّون كان كامنا في الجسم ككمون الدّهن في السمسم والنار في الحطب.

قلت : ويمكن أن يستدل على هذا بقوله تعالى : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً) (٣) والله أعلم.

قال «الجمهور» من أئمتنا عليهم‌السلام وغيرهم «والأفعال كلها» سواء كانت من الله تعالى أو من المخلوقين «مبتدأ ومتولّد» فالمبتدأ من فعلنا هو ما يفعل بالقدرة في محلّها لا بواسطة.

والمتولد هو المسبّب وهو من أفعال العباد الفعل الموجود بالقدرة بواسطة فعل سواء كان مباشرا كالعلم أو غير مباشر كتحريك الغير والمباشر هو ما فعل في محل القدرة سواء كان متولدا كالعلم أو لا كالاعتماد. والمتولد من أفعال الله تعالى هو المسبب (٤) ، والمباشر من فعله تعالى هو المفعول بغير واسطة وهو المبتدأ ، وقد بسطنا القول في المتولّدات في الشرح.

__________________

(١) وهو نوع من الحلوى تمت.

(٢) (ض) الحاصل.

(٣) يس (٨٠).

(٤) (ب) والمتولد من فعل الله هو المسبّب.

٢٢١

واعلم أنه تصح التوبة من المتولد بعد وجود سببه وإذا صحت وجبت لأنها من الواجبات المضيّقة.

وقال عبّاد : لا تصح إلّا بعد وقوعه.

قلنا : ما وجد سببه كالواقع إذ يخرج عن كونه مقدورا.

وقال «أبو علي» الجبائي واسمه محمد بن عبد الوهاب :

«لا متولد في أفعال الله تعالى لاستلزامه الحاجة» على الله تعالى إلى السبب المولّد للفعل وتجويز الحاجة عليه تعالى محال.

ويجعل حركة السفن ، والأشجار ونحوها مبتدئات.

«قلنا : لا يستلزم الحاجة إلّا حيث كان الله تعالى لا يقدر عليه إلّا به» أي بالسبب المولد له «والله تعالى يقدر عليه» أي المتولد «ابتداء» من غير سبب «فهو تعالى فاعل مختار» قادر على تحريك الشجرة والسفينة بغير رياح كما يحركهما برياح فلم يستلزم الحاجة «و» لنا ردّا وحجة «قوله تعالى (اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً) (١) فنسب الإثارة إلى الرياح لكونها سببا.

وقوله تعالى : (إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ) (٢) وغير ذلك.

واعلم : أن السبب والمسبب قد يتفقان في الحسن والقبح وقد يختلفان ولا يلزم اتفاقهما في ذلك إلّا إذا اشتركا في القصد بأن يقصد بفعل السبب فعل المسبب.

(فصل)

قال العدلية كافة : «والقدرة» وتسمّى قوة وطاقة واستطاعة «غير موجبة للمقدور» لأن الله خلقهما للعبد (٣) كالآلة للفعل فلا تأثير لها في وجود الفعل البتة فيصح أن توجد القدرة ولا يوجد الفعل كما توجد الآلة ولا يوجد الفعل لأن وجود الفعل بالفاعل «خلافا للمجبرة» الذين أثبتوا للعبد قدرة كالنجارية

__________________

(١) الروم (٤٨).

(٢) الشورى (٣٣).

(٣) (ض) لأن الله جعلها للإنسان.

٢٢٢

والأشعرية فقالوا : القدرة موجبة للمقدور فلا يصح أن توجد القدرة من دون وجود المقدور.

«لنا» عليهم «ثبوت الاختيار للفاعل المختار» إن شاء فعل وإن شاء ترك وذلك معلوم «ضرورة» أي بضرورة العقل «والإيجاب» أي إيجاب القدرة للمقدور «ينافيه» أي ينافي الاختيار من الفاعل المختار.

أما المكره على الفعل والملجأ إليه فإنه يسمى فاعلا له حقيقة ولكنه لا حرج عليه في الفعل لأجل الإكراه.

قالت «العدلية : وهي» أي القدرة «متقدّمة على الفعل» لاحتياج الفعل إليها.

وقالت «الأشعرية» وكذا النجارية : «بل» هي «مقارنة للفعل» الذي هو المقدور.

«قلنا : محال إذ» مع المقارنة «ليس إيجاد أحدهما» وهو المقدور مثلا «بالآخر» وهو القدرة مثلا «بأولى من العكس» وهو إيجاد القدرة بالمقدور إذ لا مخصص لتقارنهما في الوجود.

وأيضا لو كانت مقارنة لم يتعلق الفعل بالفاعل لأنه قبل وجود القدرة غير قادر لعدم القدرة وبعد وجودها لا اختيار له فيه لأنه قد وجد معها وهو ردّ لما علم بضرورة العقل من تعلّق الفعل بالفاعل مع كونه أيضا تكليف ما لا يطاق وذلك كفر.

واعلم : أن القدرة في العبد عرض خلقه الله سبحانه فيه لينتفع به الحي في معاشه وتصرفه في جميع جوارحه كحاسّة اللّمس.

قال الإمام المهدي عليه‌السلام حكاية عن بعض المعتزلة : وهي غير الحركة والسكون وغير الحياة وغير الصحة والسلامة.

قالت «العدلية» جميعا : «والله خلق للعباد قدرة يوجدون بها أفعالهم على حسب دواعيهم وإرادتهم» وذلك معلوم بضرورة العقل والمشاهدة لا ينكره العقلاء.

٢٢٣

وقالت «الأشعرية: بل خلق لهم قدرة لا يوجدون بها فعلا» ولا يملكون الانتفاع بها حيث جعلوها موجبة للمقدور فالقدرة الموجدة للفعل هي قدرة الله بزعمهم ، وإنّما أثبتوا للعباد قدرة غير معقولة فرارا عمّا لزمهم من إنكار الضرورة.

«قلنا» إذا كان كما زعمتم : «فلا فائدة إذا فيها» بل لا تسمّى لهم قدرة رأسا «ولنا» عليهم «ما مر» من ثبوت الاختيار للفاعل المختار ومن وقوع الفعل على حسب دواعيه وانتفائه بحسب صوارفه.

«ولنا» أيضا «ما نذكره الآن إن شاء الله تعالى».

وقالت «الصوفية والجهمية» إن الله «لم يخلق لهم قدرة البتة» بل الله يصرفهم ويفعل بهم ما شاء.

«قلنا» ردّا عليهم «إما أن يكون الله تعالى قادرا على أن يخلق لهم قدرة يحدثون بها أفعالهم» كما هو المعلوم قطعا «أو غير قادر ليس الثاني» من القسمين «لأنّ الله على كل شيء قدير وإن كان الأول» وهو أن يكون الله تعالى قادرا على أن يخلق لهم قدرة «فقد فعل الله سبحانه «أي خلق لهم قدرة بها يتصرفون وبها ينتفعون وبها يمدحون وبها يثابون ويكرمون ويذمون ويعاقبون «بشهادة ضرورة العقل» كما تكرر ذكره «وبشهادة صريح القرآن حيث يقول عزوجل (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها) (١) فصرح جل وعلا بأن العامل للعمل الصالح وللسيّئة هو العبد بما جعل الله له من القدرة على العمل وجعل الاختيار إليه في عمل أيهما شاء ليستحق الثواب ويتم التكليف الموصل إلى أسنى الذخائر وأرفع المنازل ، ولو منعه جل وعلا عن فعل المعصية لم يستحق الثواب على فعل الطاعة ولا ترك المعصية ولبطل التكليف إذ هو ملجأ حينئذ.

«و» كذلك «شهادة كل عاقل عليهم» بأنه قد خلق لهم قدرة. «قالوا» أي الأشعرية والصوفية والجهمية «لو فعل» أي : لو خلق الله لعباده قدرة يتصرفون بها «لكان فعل الفاعل» من العباد للمعصية والفساد «منازعة له

__________________

(١) فصّلت (٤٦).

٢٢٤

تعالى في سلطانه» ومغالبة له حيث نهاهم عن فعل ذلك فعصوه ونازعوه وغالبوه بفعله فغلبوه.

«قلنا : ليس فعل العبد منازعة» لمولاه في سلطانه «أما في فعل الطاعة والمباح فواضح» إذ ليس مكروها لله تعالى.

«وأما فعل المعصية فهو كفعل عبد قال له سيده : لا أرضاك تأكل البرّ» لمصلحة رأيتها لك «ولا أحبسك عنه لكن إن فعلت» وأكلت البر مخالفة لأمري «عاقبتك» على ذلك «ففعل العبد» أي أكله للبر «ليس نزاعا» لسيده في سلطانه «لأن النزاع» هو «المقاومة والمغالبة وهذا» العبد «لم يقاوم ولم يغالب» سيده فكذلك العبد العاصي لله سبحانه.

«قالوا» أي المجبرة جميعا : «سبق في علم الله أن العاصي يفعل المعصية» فكيف يتمكن من ترك المعصية مع ذلك؟

وقالوا : قد روي أنه يكتب في جبينه مؤمن وكافر وشقي وسعيد.

«قلنا : علم الله تعالى» بعصيان العبد وطاعته لا تأثير له في فعل الطاعة والمعصية لأنه «سابق» لهما «غير سائق» إليهما فما اختاره العبد من فعل الطاعة أو المعصية علمه الله سبحانه منه قبل حصوله بل قبل حصول العبد وحدوثه ولا تأثير لعلمه تعالى في حدوث الفعل البتة.

«فلم يناف» علم الله سبحانه بما سيفعله العبد «تمكّن العاصي من الفعل والترك» فإن فعل العبد الطاعة علم الله سبحانه منه قبل أن يفعلها وكذلك المعصية ، فعلمه تعالى مشروط باختيار العبد للفعل أو إكراهه عليه (١).

«وإن سلّم» ما ادعته المجبرة من أن علم الله سائق : عارضناهم بمثله فنقول : إذا زعمتم ذلك «فعلم الله تعالى» بأن العبد متمكن من فعل الطاعة وتركها على وفق اختياره «ساقه إلى التمكن إذ هو تعالى عالم أن العاصي متمكن» من فعل الطاعة وتركها فما قولكم بأنه ساقه إلى الفعل أولى من قولنا إنه ساقه إلى التمكن «وذلك إبطال للجبر» أي لقول أهل الجبر.

__________________

(١) (ض) زيادة أو كراهته له.

٢٢٥

«قالوا : لو كان يقدر الكافر على الإيمان لكشف عن الجهل في حقه تعالى لو فعل» الكافر الإيمان لأنه لم يكن معلوما لله تعالى «والله يتعالى عن ذلك» أي عن الجهل.

قلنا : الله سبحانه عالم بالكفر» من الكافر «وشرطه» أي وعالم بشرطه «وهو اختياره» أي اختيار العبد للكفر وتأثيره على الإيمان «مع التمكن من فعله» وتركه «و» الله سبحانه عالم أيضا «بالإيمان وشرطه وهو اختياره» أي اختيار العبد للإيمان «كذلك» أي مع التمكن من فعله وتركه.

فالله سبحانه عالم بالأمرين معا وشرطهما وهو اختيار العبد وتمكنه من فعل ما يفعله منهما وتركه «فلم يكشف» وقوع الإيمان من الكافر لو قدّرنا وقوعه «عن الجهل في حقه تعالى» لعلمه سبحانه وتعالى بالأمرين وشرطهما كما ذكرنا ، «كعدم» أي كعلمه تعالى عدم «اطلاع النبيء صلى الله عليه وعلى آله وسلم على أهل الكهف» الذين ذكرهم الله سبحانه في القرآن حيث قال تعالى : (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً) (١).

«فإنه» أي علم الله سبحانه عدم اطلاع النبيء صلى الله عليه وعلى آله وسلم على أهل الكهف «لم يكشف عن الجهل في حقه تعالى» بالاطلاع المفروض المقدّر لو حصل من النبيء صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأنه تعالى عالم لذلك بعد أن علم عدم اطلاع النبيء صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقد علم الأمرين معا وهما عدم الاطلاع والاطلاع المفروض المقدّر لو حصل شرطه بدليل ما ذكره الله سبحانه من أنه «لو اطلع عليهم لولّى منهم فرارا ولملىء منهم رعبا كما أخبر الله تعالى» لأنه لو لم يعلمه لما صحّ أن يقول (لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً) فهو تعالى عالم بالأمرين معا وشرطهما ، وهذا نص صريح فيما قلنا به وثبت أن علمه تعالى بكفر الكافر لم يكشف عن الجهل في حقه جل وعلا لو آمن «لأنه لا يكشف عن الجهل في حقه تعالى إلّا حيث كان تعالى لا يعلم إلّا أحدهما» إمّا الإيمان في حق المؤمن أو الكفر في حق الكافر وذلك واضح.

__________________

(١) الكهف (١٨).

٢٢٦

وأما معنى : (لا حول ولا قوة إلّا بالله) : فهو كما قال علي عليه‌السلام في نهج البلاغة : (إنا لا نملك مع الله إلّا ما ملّكنا فمتى ملّكنا ما هو أملك به منّا كلّفنا ، ومتى ما أخذه منّا وضع تكليفه عنّا) انتهى.

والمعنى : أنّا لا نقدر على شيء من الأشياء إلّا متى جعل الله لنا قدرة.

قال «أئمتنا عليهم‌السلام والبهشمية» أي أتباع أبي هاشم : «وهي» أي قدرة العباد «باقية» فيهم بعد إيجاد الفعل الأول من أفعالهم.

وقال أبو القاسم «البلخي و» محمد بن عبد الله «الصيمري و» أبو الحسن بن بشر «الأشعري» ليست باقية بل تعدم بعدم الفعل الأول «ويجدّدها الله عند الفعل» الثاني.

فكلما أراد العبد فعلا جدّدها الله له وهو بناء منهم على أصلهم في الأعراض بأنها كلها لا تبقى. ذكره الإمام المهدي عليه‌السلام عنهم.

«لنا : حسن ذم من لم يمتثل» أمر من تجب طاعته «إذ لو لم تكن حاصلة» عند أمره «لم يحسن» ذمّه على عدم امتثاله لأنه غير متمكن من الفعل «كعادم الآلة» التي لا يتمكن من الفعل إلّا بها فإنه إذا عدمها لم يحسن ذمه على ترك الفعل الذي أمر به.

(فرع)

«ومقدور بين قادرين متّفقين» لا مختلفين «ممكن» حصوله «وفاقا لأبي الحسين البصري» من المعتزلة.

«وخلافا لبعض متأخري الزيدية» كالإمام المهدي عليه‌السلام وغيره من الشيعة «وجمهور المعتزلة» فقالوا : إنه محال فلا تتعلّق قدرة قادر بعين ما تعلقت به قدرة قادر آخر ، بل إنما تتعلق بجنسه وسواء في ذلك عندهم القادر بقدرة والقادر لا بقدرة كالباري تعالى فلا يقدر جل وعلا عندهم على عين ما قدر عليه العبد فيكون ذلك الفعل من العبد ومن الله مقدور بين قادرين فاعلين له.

«قلنا : تحريك الجماعة نحو الخشبة حركة واحدة وكسرهم نحو العود

٢٢٧

كسرا واحدا في حالة واحدة لا ينكره عاقل».

وذلك دليل واضح على ما ذهبنا إليه لأنّ الفعل وهو التحريك والكسر فعل واحد ومقدور واحد بلا شك وقد اشترك فيه جماعة علم ذلك ضرورة ، فإن قالوا : قدرة كل واحد تعلقت بغير ما تعلقت به قدرة الآخر وإن لم يتميز مقدور كل واحد منهم فلكل منهم مقدور.

قلنا : هذا باطل بل تعلقت قدرة كل واحد منهم بعين ما تعلقت به قدرة الآخر وهو تحريك الخشبة وكسر العود لأنه المقدور الذي حصل بمجموع فعلهم والتحريك والكسر شيء واحد لا يتبعض ولا يتجزأ فهو مقدور واحد بين قادرين ولا يلزم من اجتماع القدر وضم بعضها إلى بعض تعدّد المقدور إذ لا ملازمة بينهما وذلك واضح.

«قالوا : لو أمكن» مقدور بين قادرين متفقين «لصحّ منهما مختلفين» بأن يريده أحدهما ويكرهه الآخر لأن من لازم كل قادرين صحة اختلاف مراديهما «فيكون موجودا» بالنسبة إلى من أراده ، «معدوما» بالنسبة إلى من كرهه «دفعة» أي في وقت واحد «وذلك محال» لأن فيه اجتماع النقيضين وهو محال ،.

«قلنا : لا يلزم اطراده» في المتفقين والمختلفين (لتضاد العلّتين)في إيجاد الفعل وإعدامه «لأن العلّة في صحة المتفقين الاتفاق» أي اتفاقهما في طلب وجوده.

«و» العلّة في «تعذّره بين المختلفين الاختلاف» أي اختلافهما في طلب حصوله «فيجب الامتناع مع الاختلاف» لوجود العلّة المانعة وهي التضاد ، وعدم الامتناع مع الاتفاق لوجود العلة المجوزة وعدم المانع وذلك «كالفاعل الواحد» فإنه يمكنه إيجاد الفعل أو إعدامه لاتحاد العلّة ، ويستحيل منه إيجاده وإعدامه في حالة واحدة لاختلاف العلتين حسبما ذكره الإمام عليه‌السلام بقوله : «إذ إيجاده له وإعدامه منه دفعة» واحدة «محال» وإذا امتنع ذلك من الفاعل الواحد فمن الاثنين فما فوقهما أولى «ولم يمنع ذلك» أي استحالة إعدامه وإيجاده من الفاعل الواحد «من فعله أحدهما والفرق» بين الفاعل الواحد وبين الفاعلين «تحكّم» أي مجرد دعوى للفرق بغير دليل.

٢٢٨

قالوا : لو صح مقدور بين قادرين لصح لون لمتلوّنين وحركة لمتحركين.

قلنا : لا ملازمة بينهما كما صح معلوم لعالمين ومسموع لسامعين ومرئيّ لرائين.

«ويستحيل إيجاد النقيضين» من أيّ قادر في ذات واحدة والنقيضان ما ينقض أحدهما الآخر ولا يرتفعان كالحيض والطهر والليل والنهار والوجود والعدم.

«و» يستحيل أيضا «إيجاد(١) الضدين» وهما ما يمنع وجود أحدهما الآخر بأن لا يجتمعا معا في ذات واحدة ، ويجوز أن يرتفعا معا كالبياض والسواد يرتفعان بالحمرة ونحوها فيستحيل اجتماعهما «في محل واحد دفعة واحدة» أي في وقت واحد ، «خلافا لبعض المجبرة» فإنهم جوّزوا اجتماع الضدين والنقيضين في محل واحد ، وقالوا : إن الله سبحانه قادر على ذلك.

«قلنا :» وذلك «لا يعقل» والعقل يحكم باستحالة ما لا يعقل.

(فائدة) : قالت البهشمية : والنفي وهو أن لا يفعل القادر ما هو قبيح جهة استحقاق ثواب ومدح وأن لا يفعل ما هو واجب عليه جهة استحقاق عقاب وذم فمنشأ الاستحقاق هو النفي الصّرف كالفعل للقبيح وللواجب فإنه منشأ استحقاقهما اتفاقا.

وقال الشيخان (أبو علي وأبو القاسم) : لا يصح أن يكون النفي جهة للاستحقاق (٢) أصلا لأنه غير حاصل بقدرة العبد ولا تأثيرها ، ولأن العبد لا يخلو عن الفعل أصلا فلا يكون أن لا يفعل نفيا محضا بل هو فعل الضد فيتوجه الاستحقاق إليه.

وأجابت البهشمية : أما كون النفي غير تأثيره فمسلم لكنه واقف على اختياره فجرى ذلك مجرى التأثير.

__________________

(١) (أ) اتحاد.

(٢) (ب) جهة الاستحقاق.

٢٢٩

وأما كون العبد لا يخلو عن (١) فعل فهو بناء على أصل فاسد وقد تقدّم إبطاله قالوا : ولنا حجة على مذهبنا : أن حسن ذم من أخل بالواجب معلوم ضرورة من غير نظر إلى صدور فعل من ذلك الذي ترك الواجب ، فإنه من بلغنا أنه ترك واجبا متعمّدا حسن منّا ذمّه ، وإن لم يخطر ببالنا ما فعل في ذلك الوقت وهل فعل شيئا أو لا ، فلولا أن النفي هو جهة الاستحقاق لما حسن منا ذلك.

ويمكن أن يقال : إنما حسن ذمّه لأنه قد نوى ترك الواجب فقد فعل فعلا وهو النيّة بدليل أنه لو لم ينو الترك كالساهي والنائم لم يستحق عقابا. وقال الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد قدس الله روحه : لا يكون (٢) الثواب ولا العقاب في التحقيق إلّا على فعل ، فالصوم كف النفس عن المفطرات وتجنب الحرام كف النفس عن فعله بدليل أنه لو لم يكن قاصدا لذلك بل كان ساهيا أو عازما على فعل الحرام أو المفطّر لم يصح صومه ولا استحقاقه للثواب على ترك القبيح ، إذ لا قائل : بأن للساهي والعازم على فعل القبيح ثوابا البتّة ، وكذلك ترك ما لا يقدر عليه من القبيح وإنما يتصور الترك فيما يقدر عليه لا من الساهي والنائم والجاهل بالشيء انتهى.

(فصل)

في الإرادة

هذه المسألة يذكرها كثير من أهل علم الكلام في كتاب التوحيد عند ذكر صفات الله تعالى الفعلية.

وبعضهم يجعلها في كتاب العدل وهي من أعظم مسائل المعتزلة خبطا وحرصا وخطرا.

وهي من المخلوق النّيّة والضمير.

وأما من الخالق فقال «جمهور أئمتنا عليهم» «السلام و» أبو القاسم «البلخي و» إبراهيم بن سيار «النظام» وأبو الهذيل وغيرهم : «وإرادة الله

__________________

(١) (ض) من فعل.

(٢) (أ) ولا يكون.

٢٣٠

سبحانه لخلقه المخلوق نفس ذلك المخلوق ولأمر عباده نفس ذلك الأمر ، ولنهيهم نفس ذلك النهي ، ولإخبارهم» بما قصّ الله في كتابه «نفس ذلك المخبر» (١) وهذا على سبيل المجاز سمّي مراده إرادته توسّعا لأنه جل وعلا مريد لا بإرادة كما أنه عالم لا بعلم وقادر لا بقدرة (٢) ، لأن الإرادة الحقيقة التي هي الضمير والنّيّة في حق الله تعالى محال.

(وهذه النسخة المتقدمة في الأساس ، والحق عليه‌السلام نسخة عوضا متأخرة وهي) :

«وصف الله تعالى بأنه مريد ثابت عقلا وسمعا» أي يحكم العقل بأنه يجوز (٣) وصف الله سبحانه بأنه مريد والسمع قد ورد به ، «أما عقلا : فلأنه تعالى خالق رازق آمر ومثل ذلك» الخلق والرزق والأمر «لا يصدر من حكيم من غير إرادة»

وقد ثبت أن الله سبحانه حكيم «وما فعله غير المريد فليس بحكمة والله سبحانه حكيم».

«وأما السمع : فقال تعالى : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٤) وقال الله سبحانه : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (٥) وغير ذلك كثير.

«وكذلك يوصف جل وعلا بأنه كاره عقلا وسمعا :

أما العقل : فلأن الكراهة ضد الإرادة» فمن أراد شيئا لزم منه أن يكره ضده «والحكيم لا يكره إلّا ما كان ضد الحكمة».

ومن المعلوم أنه لا بدّ للحكمة من ضدّ وإلّا لما علم كونها حكمة.

__________________

(١) (ب) الخبر.

(٢) (ض) عالم لا بعلم سواه وقادر لا بقدرة سواه.

(٣) (أ) يجب وفي (ش) يجوز.

(٤) يس (٨٢).

(٥) البقرة (١٨٥).

٢٣١

«وأما السمع : فقال الله تعالى (وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ ..) (١) الآية. «قلت : فإرادة الله (٢) إدراكه بعلمه حكميّة الفعل» أي علمه باشتمال الفعل على المصلحة «وكراهته جل وعلا : إدراكه بعلمه قبح الفعل» أي علمه باشتمال الفعل على المفسدة وضد الحكمة.

فالإرادة والكراهة على هذا راجعة إلى معنى الإدراك أي علم الله سبحانه بكون الفعل حكمة أو مفسدة وهو سبحانه لم يزل عالما بذلك قبل وجود المعلوم.

«والمعلوم عند العقلاء أن إدراك المعلوم» أي إدراك الفعل المشتمل على حكمة أو مفسدة «غير العالم» وهو الله سبحانه وتعالى «وغير المعلوم» وهو ذلك الفعل لأن إدراك الشيء غير الشيء «ولا يلزم من ذلك (٣) توطين النفس» على الفعل «لأن التوطين هو النية ، ولا يشك العقلاء أن إدراك المعلوم هو غير النية» وغير الضمير فلا يلزم من ذلك أن تكون الإرادة عرضا حالّا في غيره.

(إلى هنا انتهى النسخة المتأخرة).

ولعله عليه‌السلام نظر إلى ما ذكره الإمام يحيى عليه‌السلام ولفظ الإمام يحيى في الشامل : والمختار عندنا أن معنى الإرادة في حق الله تعالى : هو علمه باشتمال الفعل على مصلحة ، فإرادته لأفعاله تعالى هو علمه باشتمالها على المصالح فيفعلها ،

ومعنى إرادته لفعل غيره هو أمره به ،

وأما كراهته فهو علمه باشتمال الفعل على مفسدة ،

وكراهته لفعل غيره هو نهيه عنه ،

قال : ويدل على ما قلناه : هو أنا توافقنا على أنه لا بد من الداعي إلى الفعل في حقه تعالى وهو علمه باشتمال الفعل على مصلحة.

__________________

(١) التوبة (٤٦).

(٢) (ض) فإرادة الله هي إدراكه.

(٣) أي من قولنا إن إرادة الله سبحانه إدراكه بعلمه حكميّة الفعل وأنها غير العالم وغير المعلوم أن تكون الإرادة توطين النفس إلخ تمت (ش).

٢٣٢

ولكن زعموا : أنه لا بدّ من أمر زائد على هذا العلم بكونه تابعا له وهو الذي يعنونه بالإرادة.

فنقول : إن كون الإرادة أمرا زائدا على الداعي ليس يعقل إلّا أن يكون ميلا في القلب وتشوّقا من جهة النفس وتوقانا من جهتها إلى مرادها وهذا المعنى مستحيل في حقه تعالى.

ولهذا قلنا : إن معنى الإرادة في حقه تعالى ليس أمرا زائدا على مجرد الداعي وهو علمه باشتمال الفعل على مصلحة ، فإثبات أمر زائد على ما ذكرناه لا يعقل.

قال : وهذا الذي اخترناه في إرادة الله تعالى فهو مذهب الخوارزمي وأبي الحسين انتهى كلام الإمام يحيى عليه‌السلام.

وهو معنى كلام الأئمة المتقدمين وإن اختلف اللفظ لأنّ مضمونه : أنه لا إرادة لله سبحانه غير علمه باشتمال الفعل على مصلحة.

فإطلاق اسم الإرادة على ذلك كإطلاقه على المراد سواء سواء لأنّ حقيقة الإرادة في حقه تعالى محال إلّا أنه لا ينبغي إطلاق اسم الداعي عليه تعالى لإيهامه الخطأ والله أعلم.

وقول الإمام عليه‌السلام : والمعلوم عند العقلاء أن إدراك المعلوم غير العالم وغير المعلوم بناء على ما تقدم له في حدّ العلم من أنه يطلق على ثلاثة أشياء : المعلوم والعرض الذي يدرك به المعلومات والإدراك للمعلومات نفسه وهو اعتباري والله أعلم.

وقال «بعض الزيدية» كالإمام المهدي وغيره «وجمهور المعتزلة بل هي» أي إرادة الله سبحانه حقيقة إذ هي «معنى» خلقه الله تعالى مقارنا لخلق «المراد».

قالوا : لأنّ المتقدم على الفعل عزم والعزم لا يجوز على الله تعالى قالوا : وهي على حدّ إرادة الواحد منّا وكذلك الكراهة منه تعالى.

٢٣٣

قالوا : وهي المعنى التي (١) متى اختص بالحي أوجب كونه مريدا.

قالوا : وكونه مريدا أمر زائد على الذات على الجملة ، ثم اختلفوا في هذا الأمر الزّائد هل هو صفة أو معنى؟

فقال أبو هاشم في أحد قوليه : إنه صفة غير العالمية إذ نجد الفرق بين العالمية والمريدية من النفس وكذلك كوننا مريدين غير كوننا مشتهين لأن أحدنا قد يشتهي ما لا يريد كالزنا وشرب الخمر.

وقال أبو علي : ليس للمريد بكونه مريدا حال وصفة بل المريد هو من أوجد الإرادة وهذا هو قول أبي الهذيل.

فأبو هاشم يثبت المريديّة صفة ، وأبو علي يثبتها معنى لا يوجب صفة ذكر هذا في الدامغ.

ثم قال : والإرادة معنى في حقّنا وفي القديم تعالى خلافا لنفاة الأعراض والنظام وقد بسطنا الكلام في ذلك في الشرح.

قالوا : وذلك المعنى المقارن لخلق المراد «غير مراد في نفسه» لأن إرادته عبث إذ الشيء إنما يراد لوقوعه على وجه مخصوص ، ولا وجه للإرادة مخصوص تقع عليه ، وكذلك الكراهة مثل الإرادة في جميع ما ذكر.

قالوا : وذلك المعنى «لا محلّ له» لاستحالة الحلول في حقه تعالى وليكون مختصّا بالله تعالى على أبلغ ما يمكن لكونه جل وعلا لا محلّ له ولو حلّت في غيره تعالى لكان المريد ذلك الغير دون الباري جل وعلا.

«قلنا» ردّا على المخالف : ذلك المعنى الذي زعمتم «يستلزم الحاجة» على الله سبحانه «إليه» أي إلى ذلك المعنى.

«و» يستلزم أيضا «نحو العبث» كالسهو والغفلة «حيث لم يكن» ذلك المعنى «مرادا في نفسه» لأن من فعل ما لا يريد فهو عابث «و» أيضا «عرض لا محل له محال كحركة لا في متحرك» وذلك كله محال وإلّا لزم بطلان

__________________

(١) في (ش) وأغلب النسخ الأخرى الذي.

٢٣٤

اختصاص الأعراض بالأجسام.

وأما قولهم : إنه مختص به على أبلغ ما يمكن لكونه جل وعلا لا محل له فنقول : إن نسبته حينئذ إليه وإلى غيره على سواء لأن معقول حقيقة اختصاص الإرادة بالمريد أن تكون حاله في قلبه لا غيره.

وقال «بعض المجبرة» وهم الكلابية والأشعرية : «بل» إرادته تعالى «معنى قديم» كقولهم في سائر الصفات.

«قلنا : يستلزم إلها مع الله وقد مر إبطاله» في غير موضع «أو» يستلزم «توطين النفس» إن قالوا بتقدّمها لا في الأزل كما هو قول بعضهم «وذلك يستلزم التجسيم» لأن التوطين عرض يختص بالأجسام (١).

«و» يستلزم «الجهل» أيضا على الله تعالى إذ لا يحتاج إلى التوطين على فعل المراد إلّا من كان جاهلا بالمراد ويخاف الغفلة عنه «وقد مر إبطالهما».

وقالت «النجارية» من المجبرة : «بل» الله تعالى مريد «لذاته» كقولهم أيضا في سائر الصفات فهو لم يزل مريدا لأنه لم يزل غير ساه ولا غافل.

قالوا : وأيضا لو لم يكن مريدا في الأزل لكان قد حصل مريدا بعد أن لم يكن وذلك تغير لا يجوز على الله تعالى.

والجواب والله الموفق : أن نقول : قولكم : إنه لم يزل غير ساه ولا غافل حقّ ولكن لا يلزم من ذلك أنه لم يزل مريدا إنما يلزم من ذلك أن يكون لم يزل عالما ، فإن أردتم ذلك فهو حق.

وقولكم : إنه تعالى حصّل مريدا بعد أن لم يكن وذلك تغير ما مرادكم بالتغير إن أردتم أنه اتّصف بصفة لم يكن متصفا بها فهذا لا يسمّى تغيّرا لكونه خالقا ورازقا ، وإن أردتم أن ذاته صارت غير ما كانت فهو باطل ، وإن أردتم أن ذاته تعالى مقتضية للإرادة وكالعلة فيها فهو باطل بما أبطلنا به كلام المعتزلة في الصفات. قال عليه‌السلام :

__________________

(١) (أ) الأجسام.

٢٣٥

«قلنا» يعني في الرد على النجارية : «يلزم توطين النفس» الذي في شرح عقائد النسفي أن النجارية يقولون : هو مريد بذاته حيث قال ، والإرادة صفة لله تعالى أزلية قائمة بذاته تقتضي تخصيص المكونات بوجه دون وجه وفي وقت دون وقت لا كما زعمت الفلاسفة من أنه موجب بالذات لا فاعل بالإرادة والاختيار.

ولا كما زعمت النجارية من أنه مريد بذاته لا بصفته انتهى.

وحينئذ يكون الفرق بين قول النجارية والأشعرية :

أن الأشعرية قالوا : مريد لذاته ، والنجارية قالوا : مريد بذاته.

فإن كانت اللّام والباء للتعليل فهما (١) كقول أبي علي وأبي هاشم في صفات الله تعالى أنها مقتضاة عن الذات أو عن الصفة الأخص وقد مرّ إبطال ذلك والله سبحانه أعلم.

وفي بعض النسخ زيادة وهي وأن تكون ذاته مختلفة لأن إرادته الصيام في رمضان خلاف إرادته تركه يوم الفطر لأن التخالف لا يكون إلّا بين شيئين فصاعدا. إلى هنا تمام الزائد وهو مبنيّ على نسخة متقدمة كانت في الأساس في الرواية عن النجارية وهي : «النجارية : بل ذاته» والله أعلم.

وقال «هشام بن الحكم ومتابعوه من الرافضة : بل» إرادته تعالى هي «حركة لا هي الله ولا هي غيره».

قال النجري : يحتمل أن يريدوا الحركة على حقيقتها بناء على التجسيم وأن يريدوا بها صفة المريديّة التي أثبتها المعتزلة فيكون الخطأ في العبارة فقط.

«قلنا : لا واسطة» في هذه القسمة التي زعموها «إلّا العدم» فإذا لم تكن حركة الله تعالى عن ذلك ولا حركة غيره ، وقد زعموا أنها حركة فهي عدم محض.

وقال «الحضرمي» وعلي بن ميثم ومن تبعهما : «بل» إرادته تعالى «حركة في غيره» تعالى.

__________________

(١) (ض) فالقولان بدل فهما.

٢٣٦

«قلنا : إذا فالمريد غيره تعالى» وهو ذلك الغير لاختصاص الحركة به «وإن سلّم لزم الحاجة» أي حاجة الله سبحانه إلى ذلك الغير المتحرك لتوجد به المرادات (١).

«و» يلزم أيضا «أن يكون أول مخلوق» لله عزوجل «غير مراد لعدم وجود غيره» تعالى تحل فيه تلك الحركة «حينئذ» أي حين خلق الله أول مخلوق قبل أن يخلق محلّا لتلك الإرادة.

وهذا الحين إنما هو مفروض مقدر إذ لا وقت قبل أن يخلق الله شيئا «وذلك يستلزم نحو العبث» والعبث قبيح ونحوه كالسهو والغفلة «كما مر» في الرد على المعتزلة.

«قالوا» أي من خالفنا في الإرادة الدليل على كونه تعالى مريدا كإرادة الواحد منّا : أنّ قوله تعالى : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ) خبر يصلح أن ينصرف إلى كل واحد من المحمّدين «ولا ينصرف» أي «محمد رسول الله صلوات الله عليه وآله وسلم إلى ابن عبد الله» النّبيّ الأمّيّ «إلّا بإرادة» من الله تعالى بكونه المقصود بهذا الخبر من بين المحمّدين.

قالوا : لأن صفة هذا الخبر وهو كونه خبرا عن محمد بن عبد الله بخصوصه وهي الصفة التي يتميز بها عمّا سواه من الأخبار لا يصح أن يستحقها هذا الخبر لذاته أو لشيء من صفاته لأن ذات الخبر وصفاته مع سائر المحمّدين على السواء (٢) ولا يستحقها (٣) لمعنى لاستحالة قيام المعنى بالمعنى فلم يبق إلّا أن يستحقها بالفاعل وليس ذلك لكونه قادرا إذ لا تأثير لها إلّا في الإحداث وكون الخبر خبرا صفة زائدة عليه ، ولا لكونه عالما إذ لا تأثير لها إلّا في الإحكام وهذا غير الإحكام.

وإذا بطل تأثير هاتين الصفتين فتأثير غيرهما أبعد فلم يبق إلّا أن يكون مريدا وهو المطلوب.

__________________

(١) في (ش) أي حاجة الله سبحانه إلى ذلك الغير والحركة لإيجاد المرادات ولا تجوز الحاجة على الله سبحانه تمت.

(٢) (ب) على سواء.

(٣) (ض) وهو لا يستحقها.

٢٣٧

قالوا : وأيضا قد أمر وأباح وتهدّد بصيغة واحدة نحو «أقيموا الصلاة فالآن باشروهنّ ، اعملوا ما شئتم» فلو لا أنه مريد لما تناوله الأمر وكاره لما تناوله التّهديد ، وغير مريد ولا كاره لما تناولته الإباحة للزم أن لا يتميز بعض هذه من بعض.

«قلنا : لم ننفها» أي الإرادة «إذ هي» في حق الله تعالى «ما ذكرنا» لاستحالة الإرادة الحقيقيّة التي هي النية والضمير في حقه تعالى كما ذكرنا.

وأما قياسهم له جل وعلا على المخلوق ففاسد.

ثم نقول : الأمارة من قول أو فعل أو غيرهما ترشدنا إلى المراد من قوله تعالى : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ) ومن الصيغة الصالحة للأمر والتهديد والإباحة ولا يحتاج إلى الضمير ونحوه مما زعموا كما أرشدتنا إلى المراد من خطاب المخلوقين لأنا لا نعلم ما في الصدور.

وأما التقسيم الذي ذكروه في الخبر وفي صفاته على زعمهم فهو مبني على أصل فاسد وهو تأثير المؤثرات غير الفاعل المختار ، وعلى أن الكلام من قبيل الذوات لا من قبيل الصفات وقد مر بطلانه.

وأن الكلام صفة لمن قام به كالألوان وجميع الأعراض على ما مر ذكره والله أعلم.

قالت «العدلية» جميعا : «وللعباد إرادة يحدثونها» لمصالح أنفسهم ويتصرفون بها لمنافعهم ودفع مضارهم بها يستحقون المدح والذم ويجب تقدمها وهي لا توجب المراد ولا تولده كالقدرة.

وقالت «المجبرة : لا» أي ليس للعباد إرادة يحدثونها.

«قلنا : لا ينكرها عاقل» إذ هي معلوم حصولها على حد حصول أفعالهم المرادات فإنكارها إنكار للضرورات.

«وقد» أكد هذه الدلالة السمع حيث «قال الله تعالى : (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) (١) فنسب المشيئة وهي الإرادة إلى العبد.

__________________

(١) المزمل (١٩).

٢٣٨

«وقال تعالى : (وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً) (١) فنسب الإرادة إلى الشيطان.

«وهي» أي الإرادة من العباد «توطين النفس على الفعل» أي تشوّق النفس وميلها إليه والعزم على فعله ولأفعال غيرهم تشوّق النفس وميلها إليه ، وأما في المكره فهي العزم على الفعل فقط.

«أو» توطين النفس «على الترك» وهذا حيث تعلقت الإرادة بالنفي ، وأما إن جعلنا الترك (٢) فعلا فلا يحتاج إلى قوله : أو الترك والله أعلم.

واعلم : أن العزم على الفعل تقع المؤاخذة عليه.

واختلف العلماء هل يكون هذا العزم مشاركا لمعزومه أو لا :

فقال بعضهم : يكون مشاركا للفعل على الإطلاق في كونه كفرا أو فسقا لقوله تعالى: (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) (٣) وذهب بعضهم : إلى أنه غير مشارك بكل حال.

وقال بعضهم : إن الله سبحانه وتعالى يتجاوز عن هذه العزومات والإرادات لما روي عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال : «تجاوز الله عن أمّتي ما حدّثت به أنفسها ما لم تقل أو تفعل» ونحوه.

وقال بعضهم : إن كان العزم مشاركا للفعل المعزوم عليه فحكمه حكمه في الكفر والفسق ، وإن كان غير مشارك للمعزوم عليه لم يكن لاحقا به فإن العزم على شرب المسكر ليس فسقا لمّا لم يكن مشاركا له.

والعزم على الاستخفاف بالله تعالى أو بأنبيائه يكون كفرا لمّا كان مشاركا له في الوجه الذي صار به كفرا.

وهذا هو الحق ويدل على ذلك ما روي عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال : «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار قيل يا

__________________

(١) النساء (٦٠).

(٢) (ض) النفي.

(٣) البقرة (٢٨٤).

٢٣٩

رسول الله : فهذا القاتل فما بال المقتول؟ فقال : إنه أراد قتل صاحبه».

وأما ما لم يدخل تحت الوسع من أفعال القلوب فإنه غير مؤاخذ به لقوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) (١) وذلك كالخواطر التي ترد على القلب من غير عزم. هكذا ذكره الإمام يحيى عليه‌السلام. قال : وأما إرادة القصد فقد تكون كفرا وهذا نحو أن يريد بسجوده عبادة الشيطان أو الأوثان والأصنام.

وقد ذهب (٢) أكثر المعتزلة أنها لا تعلق بالنفي.

قالوا : إنما تعلق بما تؤثر فيه والنفي لا يفتقر إلى مؤثر.

قالوا : ونيّة الصوم وإرادته متعلقة بكراهة المفطرات.

قلنا : إن أحدنا يجد من نفسه إرادة أن لا يكون كذا ويعلمه ضرورة فإن قالوا : هي راجعة إلى الكراهة فإرادة أن لا يقوم هي كراهة قيامه قلنا :

فيلزم من ذلك قبح إرادة أن لا يقوم لأنها على ما زعمتم كراهة وكراهة الحسن قبيحة مطلقا ، والقيام حيث هو مباح لزيد حسن بلا شك. ثم نقول : وما الدليل على أنها لا تعلق إلّا بما يصح تأثيرها فيه؟

وإن سلمنا لكم صحة تأثيرها فهلّا كانت كالاعتقاد يصح بما يؤثر فيه المعتقد وما لا يصح تأثيره فيه.

(فصل)

«ورضى الله ومحبّته والولاية التي بمعنى المحبّة» لا الولاية التي بمعنى ملك التصرف ، فهذه الثلاثة معناها في حق الله تعالى واحد وهو «الحكم باستحقاق الثواب قبل وقته» بعد وقوع سببه وهو الطاعة «وإيصاله إليه في وقته» أي في دار الآخرة.

وقالت المعتزلة : بل هي في حقه تعالى بمعنى الإرادة فإذا علّقت بالفاعل فقيل : رضي الله عن فلان أو والاه أو أحبّه فمعناه أراد نفعه وكره ضره ، وإذا

__________________

(١) البقرة (٢٨٦).

(٢) (أ) زعم.

٢٤٠