صيانة القرآن من التحريف

الشيخ محمّد هادي معرفة

صيانة القرآن من التحريف

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي معرفة


المحقق: مؤسسة التمهيد
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة التمهيد ـ قم
المطبعة: ياران
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-90596-0-0
الصفحات: ٢٧٢

الكتاب) غنى وكفاية ، لتماميّتها سندا ومتنا.

قال : أمّا السند فواضح ، لأنّ فيها الصحيح والموثّق ، مع أنّ جلّها موجودة في الكتب المعتبرة. فضلا عن أنّها متواترة معنى. والشكّ في ذلك وسواس ينبغي الاستعاذة منه!

وأمّا المتن (أي الدلالة) فكذلك ـ أي واضح ـ بالنسبة إلى أكثرها ، خصوصا ما تضمّن لفظ السقط والمحو والنقص ...

إلى أن قال : وكذا ما اشتمل على لفظ (التحريف) على ما هو الظاهر المتبادر منه ، فإنّ معناه لغة التغيير. قالوا : وتحريف الكلام تغييره عن مواضعه. وهو ظاهر في تغيير صورته بأخذ الوجوه المتقدّمة (ذكرها في المقدّمة الثانية من الكتاب وأحصاها إلى تسعة عشر وجها من الممكن والممتنع). (١)

قال : وهو الشايع منه في استعماله في أمثال تلك الموارد.

قال : ومن ذلك جميع الأخبار الدالّة على وقوع التحريف في التوراة والإنجيل. وهو بهذا المعنى عند الجميع.

قال : ولو سلّمنا عدم ظهوره في هذا المعنى فإنّه لا بدّ لنا من حمل التحريف الوارد في تلك الروايات على إرادة التحريف اللفظي والتغيير الصوري ، لا التحريف المعنوي ، وذلك لقرائن كثيرة ، منها : ذكر السقط والمحو في غيرها كانت قرينة صارفة لحمل التحريف عليه أيضا ، حفظا لوحدة السياق في تعابير الأخبار. ومنها : إنّ هذا التحريف قد شبّه بتحريف الكتب السالفة ، فلا بدّ أن يكون مثله في تغيير اللفظ وتبديله.

ومنها : قوله : إنّا لم نعثر على التحريف المعنوي الذي نسب إلى الخلفاء ، بأن غيّروا وجه المعنى أو بدّلوا تفسير الآية ، ولو في آية واحدة ، ولم نجد أنّهم فسّروها على خلاف ما أراده الله تعالى. ولو وجد لكان في غاية القلّة. نعم ، إنّما شاع التحريف المعنوي بمعنى التفسير بالرأي في طبقة متأخّرة عنهم من مفسّرين عاصروا الأئمّة عليهم‌السلام كقتادة والضحاك والكلبي وأضرابهم ومن حذا حذوهم طول التأريخ. أمّا الذي صدر من الخلفاء الأوّلين

__________________

(١) ـ فصل الخطاب ، ص ٢٣ ـ ٢٤.

٢٢١

هي مخالفة القرآن في مقام العمل ، هذا فحسب ، وليس ذلك تحريفا ، وإن كان مثل الزمخشري قد عدّ ذلك من التحريف المعنوي. فلاحظ ما ذكره الزمخشري والرازي وأمثالهما في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ..). وقوله : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ ..) .... (١)

ولا يخفى مواضع الضعف في كلامه ، أوّلا : لم يكن من روايات التحريف ما يصلح حجة وسندا لاعتبار ، لأنّها في الأكثر مراسيل أو مقاطيع الإسناد ، فضلا عن اختلاء الكتب المعتمدة عنها ، وإنّما توجد في كتب ورسائل لا قيمة لها ولا اعتبار ، حسبما عرفت.

ثانيا : لم يكن لفظ التحريف مستعملا في اللغة في غير التحريف المعنوي ، وكذا في استعمالات القرآن على ما عرفت. وإنّما هو مصطلح متأخّر لا يحمل عليه الاستعمال الوارد في كلمات الأقدمين. والقرائن التي ذكرها اصطناعية هي أشبه بالمصادرة نحو المطلوب ، كما أسبقنا القول في مسألة تشابه الحاضر والغابر. وأمّا التعبير بالسقط والمحو وما شابه من تعابير فسنذكر وجه التوفيق فيها حسبما ذكره أئمّة النقد والتمحيص.

ثالثا : وهل كانت المخالفات العملية الكثيرة ذلك العهد إلّا مسبقة بتأويل مداليل القرآن وتحوير أوجه معانيه الكريمة؟! وهل قام القاسطون والناكثون والمارقون في وجه عليّ عليه‌السلام إلّا بسلاح تأويل القرآن وتفسيره حسب ما كانوا يشتهون؟! فكيف يا ترى أنّهم لم يمسّوا معاني القرآن بسوء؟!

* * *

النوع الرابع : روايات زعموا دلالتها على سقط آية أو جملة أو كلمة ، وقد عالجها أئمّة نقد الحديث بأنّها كانت من زيادات تفسيرية وشروح وما إلى ذلك ، لا من لفظ النص ، لكن تعلّق بها أهل القول بالتحريف عبثا ، نذكر منها نماذج :

١ ـ روى الكليني مرسلا عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي الكوفي (ت ٢٢١) هو من آل مهران ، وكانوا يقولون بالوقف ، (٢) وكان على رأيهم. ثم استبصر على يد الإمام

__________________

(١) ـ المصدر ، ص ٢٤٦ ـ ٢٤٩.

(٢) ـ الواقفة : جماعة من الشيعة وقفوا على الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام ، ولم يعترفوا بإمامة الإمام الرضا عليه‌السلام من بعده. فلا يعدّون من الإمامية القائلين بإمامة الأئمّة الاثني عشر الذين نصّ عليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله واحدا بعد واحد.

٢٢٢

عليّ بن موسى الرضا عليه‌السلام قال ـ قبل استبصاره ـ : دفع إليّ أبو الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام مصحفا وقال : لا تنظر فيه ، ففتحته وقرأت فيه «سورة : لم يكن الذين كفروا» فوجدت فيها اسم سبعين رجلا من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم! قال : فبعث إليّ : ابعث بالمصحف. (١)

وفي هذا الحديث مواضع إبهام وسؤال ، ذكر تفصيله محمّد بن عمر الكشّي (من أعلام القرن الرابع) في ترجمة الرجل : روى بإسناده عنه قال : لمّا اتي بأبي الحسن (عند ما قبض عليه جلاوزة هارون) اخذ به على القادسية ولم يدخل الكوفة واخذ به على البرّ إلى البصرة. قال : فبعث إليّ مصحفا وأنا بالقادسية ، ففتحته فوقعت بين يديّ سورة لم يكن فإذا هي أطول وأكثر ممّا يقرأها الناس. قال : فحفظت منه أشياء. قال : فأتاني مسافر ومعه منديل وطين وخاتم ، فقال : هات فدفعته إليه ، فجعله في المنديل ووضع عليه الطين وختمه. فذهب عنّي ما كنت حفظت منه ، فجهدت أن أذكر منه حرفا واحدا فلم أذكره. (٢)

وهذا الحديث إذا قارنّاه مع حديث الكليني يرتفع بعض الإبهام من كليهما نسبيا. إذ الذي وجده من سورة «لم يكن : البيّنة» هي أسماء السبعين رجلا من قريش بأسماء آبائهم. وكان سبب دفع المصحف إليه أوّلا هو خوف الإمام من أن يقع في أيدي جلاوزة هارون. ومن ثمّ نهاه من أن ينظر فيه خوف الفتنة. ولكنّه خالف أمر الإمام فنظر فيه ، ولذلك بعث من يستردّه منه لمّا رآه غير مؤتمن على الوديعة.

وعلى أيّة حال ، فإنّ الأسماء التي زعمها رآهن في المصحف ، لعلّها كانت أسماء صناديد قريش ممّن ماتوا على الكفر أو أظهروا الإيمان قهرا ، وقد لعبوا بمقدّرات المسلمين دورا هامّا بعد حياة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وهذه الأسماء كانت كشرح وتفسير للّذين كفروا ، وكانت مكتوبة على الهامش قطعا. كما نبّهنا عليه عند وصف مصحف الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام (في الجزء الأوّل من التمهيد).

قال المحدّث الناقد المولى محسن الفيض : لعلّ المراد أنّه وجد تلك الأسماء مكتوبة

__________________

(١) ـ الكافي ، ج ٢ ، ص ٦٣١ ، رقم ١٦.

(٢) ـ رجال الكشي ، ص ٤٩٢ ، برقم ٤٨١.

٢٢٣

في ذلك المصحف تفسيرا للّذين كفروا والمشركين ، مأخوذة من الوحي. لا أنّها كانت من أجزاء القرآن. (١)

وخلاصة القول : إنّ هذا الحديث من المرسل الذي لا اعتبار به. وقد حدّث به من كان على حالة الوقف غير معترف بمذهب الإمامية ، فلا يعدّ حديثه من أحاديث الطائفة والحال هذه. وأخيرا فإنّ الثبت على الهامش ـ على تقدير صحّة الحديث ـ خارج عن مسألة التحريف.

٢ ـ روى أيضا بإسناده إلى هشام بن سالم (أو هارون بن مسلم ـ كما في بعض النسخ) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إن القرآن الذي جاء به جبرائيل إلى محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله سبعة عشر ألف آية». ذكره في آخر باب النوادر من كتاب فضل القرآن. (٢)

والحديث بهذه الصورة نادر غريب وقد أوقع الشرّاح في مشكل العلاج ، بعد أن كانت آي القرآن ـ حسب واقعيته الراهنة ، الموافق للمأثور عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وعن ابن عباس وغيره من التابعين ، والتي أجمعت عليها عامّة أهل التفسير كالطبرسي وغيره ـ لا تعدو بضعا ومائتين وستة آلاف آية! فهي لا تبلغ سبعة آلاف فكيف بسبعة عشر ألفا؟!

وقد جزم المولى أبو الحسن الشعراني ـ في تعليقته على شرح الكافي للمولى صالح المازندراني ـ بأنّ لفظة «عشر» من زيادة النسّاخ أو الرواة ، والأصل : هي سبعة آلاف عددا تقريبيّا ينطبق مع الواقع نوعا مّا. (٣)

ويؤيّده أنّ صاحب الوافي (٤) ـ المولى محسن الفيض ـ نقل الحديث عن الكافي بلفظ «سبعة آلاف آية» من غير ترديد. الأمر الذي يدلّ على أنّ النسخة الأصلية من الكافي التي كانت عنده كانت بهذا اللفظ ، ولم يحتمل غيره.

قال الشعراني في تعليقه على الوافي : كانت النسخة التي شرحها المجلسي في مرآة

__________________

(١) ـ الوافي ، المجلد التاسع ، ج ٥ ، القسم الثالث ، ص ١٧٧٨ ، ط اصفهان.

(٢) ـ الكافي ، ج ٢ ، ص ٦٣٤ ، رقم ٢٨.

(٣) ـ هامش شرح الاصول للمازندراني ، ج ١١ ، ص ٧٦.

(٤) ـ الوافي ، ج ٩ ، ص ١٧٨١.

٢٢٤

العقول «سبعة عشر ألفا» وكأنّها من فعل بعض النسّاخ ، استقلّ عدد السبعة فأضاف إليه عشرا. غير أنّ السبعة آلاف هي القريبة من الواقع الموجود بأيدينا. وظاهر الحديث أنّه ليس بصدد إحصاء عدد الآيات ، بل ذلك من باب إطلاق العدد التامّ المتناسب مع الواقع بعد حذف الكسور أو تتميمها كما هي العادة والمتعارف في الاستعمال ، من باب التسامح ، بعد عدم تعلّق الغرض بذكر الكسر الناقص أو الزائد.

وهذا نظير ما روي : أنّ الإمام زين العابدين عليه‌السلام لم يزل باكيا بعد شهادة أبيه أربعين سنة. مع أنّه لم يعش بعده أكثر من خمسة وثلاثين سنة.

قال : وهذا التوجيه لا يجري مع زيادة لفظ «عشر». قال ذلك تدليلا على غلط النسخة قطعا.

ثمّ تعرّض لتذرّعات أهل التحريف الواهية ، وتطرّق إلى كتاب «فصل الخطاب» بالمناسبة وقال : وقد تتبّعت الكتاب صدره وذيله وجميع ما فيه ، فلم نجد فيه ما يصلح مستندا للقول بالتحريف سوى بضع روايات ضعاف الأسناد ، وفيها من المناكير ممّا لا يقول به أشياخه ولا سائر علمائنا ، حيث مخالفتها مع اصول المذهب ، كالذي رواه عن كتاب الاحتجاج مرسلا في سقوط ثلث القرآن من آية واحدة من سورة النساء ، المستلزم ذلك كون هذه السورة معادلة لنصف القرآن أو قريبا من النصف مع جهالة راوي هذا الخبر.

وكالذي يرويه عن كتاب «سليم بن قيس الهلالي» وهو كتاب موضوع لا أصل له ولا هو معتبر عند الأصحاب. وكالذي يرويه عن كتاب «دبستان المذاهب» ، وليس له أصل ولا مستند ... إلى آخر ما يقول ـ رحمه‌الله وجزاه عن القرآن خير الجزاء ـ. (١)

وقد اعترف الشيخ النوري باختلاف النسخ ، قال : وربّما يوجد في بعض نسخ الكافي «سبعة آلاف آية». قال : واقتصر عليه المولى محسن الفيض في «الوافي» ، ولم يتعرّض لما في سائر النسخ. قال : وهذا منه قريب من الخيانة!

قال : وأظنّ أنّ نسخته قد سقطت منها لفظة «عشر» فجعل الكاتب أو الناظر كلمة

__________________

(١) ـ بهامش الوافي ، المجلد الثاني ، ج ٥ ، ص ٢٣٢ ـ ٢٣٤.

٢٢٥

«ألف» «آلاف» مراعاة لقواعد النحو ، من غير مراجعة لسائر النسخ. (١)

قلت : ما أقبح بالرجل يختلع فور ما إذا اصطدم مع الواقع المرّ وعاكسته مجاري الامور! إنّ المولى محسن الفيض ليعدّ من أجلّاء عالم التحديث ، ومن أئمّة النقد وتمحيص الأخبار ، وسعة الاطلاع والإحاطة بمختلف الآثار. فكان ولا يزال علما من أعلام الطائفة ومفخرة من مفاخرها.

وهذا المحدّث النوري نفسه ومعه قاطبة الأخباريين يعظّمون من مواقف هذا الرجل المضطلع بأحاديث أهل البيت عليهم‌السلام.

أمّا إذا عاكس موقفهم المنحرف عن اتّجاه كتاب الله العزيز الحميد ، فإنّه يصبح خائنا ومدلّسا في نقل الأخبار! حاشاه من محقّق مدقّق عارف بمشارب الشريعة وصاحب اختيار واعتبار.

وقد عرف المولى محسن الفيض بالإتقان والدقّة في النقل ولا سيّما في موسوعته الحديثية الكبرى «الوافي» لوفائه بمهمّات مسائل الدين في اصوله وفروعه ، مردفة بالتحقيق والشرح والبيان.

وبالحقّ ، كان كتابه هذا من أصحّ الكتب وأدقّها وأحسنها نظما واسلوبا. الأمر الذي جعله مورد اعتماد الأصحاب ومرجعهم عند اختلاف الأنظار.

هذا العلّامة المحقّق ، المولى أبو الحسن الشعراني ، يعلّل اختياره لكتاب الوافي موضعا للشرح والتعليق ، باشتماله على مزايا قلّ ما توجد في سائر الكتب الحديثية.

يقول : وقد تصدّى جمع من علمائنا المتأخّرين لتأليف كتاب يشتمل على ما في الاصول الأربعة. واشتهر بذلك كتابان : وسائل الشيعة والوافي. ولكلّ منهما مزيّة على الآخر.

ويترجّح «الوافي» في جمعه بين الاصول والفروع ، وفي عدم تقطيع الأحاديث ، وفي اشتماله على الشرح والبيان. والعمدة : صحّة النسخة ، وهو الأهمّ في هذا الباب ، أمّا «الوسائل» فهي فاقدة لهذه الامتيازات ، ولا سيّما صحّة النسخة ، إذ لا تطمئن النفس

__________________

(١) ـ فصل الخطاب ، ص ٢٣٦.

٢٢٦

بصحّة نسخ الوسائل الموجودة إلّا بعد مراجعة الاصول المأخوذة منها ، الأمر الذي يغني عن مراجعة نفس الكتاب. (١)

٣ ـ وفي كتاب الرجال لأبي عمرو الكشّي ـ في ترجمة أبي الخطاب ـ روى عن أبي عليّ خلف بن حامد (مجهول) عن أبي محمّد الحسن بن طلحة (مجهول) عن ابن فضّال عن يونس عن العجلي عن الصادق عليه‌السلام : أنزل الله في القرآن سبعة بأسمائهم فمحت قريش ستة وتركوا أبا لهب. (٢)

مثل هذه الرواية بهذا الإسناد الساقط (روى مجهول عن مجهول ـ قد أهمل أصحاب التراجم ذكرهما رأسا) كانت مستند الشيخ النوري وأشياخه في القول بالتحريف. (٣) فضلا عن إبهام متنها : أين كانت الأسماء؟ وأسماء من كانت؟ ولم ومتى حذفتها قريش؟ ولعلّها رواية السبعين رجلا من قريش التي روتها الواقفة ، فضويت إلى سبعة!؟ ولماذا؟ علّهم استكثروها ولم تقبل منهم فنزّلوها بدرجة ، من عشرات إلى آحاد!!

* * *

النوع الخامس : روايات استندوا إليها ، لكن ليس فيها ما يصلح لهذا الاستناد ، نذكر منها :

١ ـ ما رواه أبو سعيد النيسابوري في أربعين حديثه برقم ٣١ بإسناده عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ بن أبي طالب عليه‌السلام : يا عليّ ، الناس خلقوا من شجر شتّى ، وخلقت أنا وأنت من شجرة واحدة ، وذلك أنّ الله تبارك وتعالى يقول : (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ) ـ حتّى بلغ ـ (يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ). (٤) هكذا قرأها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أي بتأويلها إلى نفسه وأخيه عليّ عليهما‌السلام.

وقد استدلّ بها المحدّث النوري دليلا على التحريف (٥) ولكن أين موضع التحريف؟!

__________________

(١) ـ مقدمة الوافي بقلم الشعراني ، ج ١ ، ص ٢.

(٢) ـ رجال الكشي ، ص ٢٤٧ ، برقم ١٣٥.

(٣) ـ فصل الخطاب ، ص ٢٩٦.

(٤) ـ الرعد ١٣ : ٤.

(٥) ـ فصل الخطاب ، ص ٢٩٦.

٢٢٧

ولعلّه زعم من قوله «حتّى بلغ» زيادة في قراءة النص! مع وضوح أنّه من كلام الراوي ، اختصر من قراءة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله للآية!

٢ ـ روي عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : كان أبي إذا صلّى الوتر قرأ في ثلاثتهنّ بقل هو الله أحد ، فإذا فرغ منها قال : «كذلك الله ربّي».

وسأل ابن المهتدي الإمام الرضا عليه‌السلام عن سورة التوحيد فقال : كلّ من قرأ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ..). وآمن بها فقد عرف التوحيد. فقلت : كيف يقرأها؟ قال : كما يقرأها الناس ، وزاد فيه «كذلك الله ربّي ، كذلك الله ربّي». (١)

قال النوري : وفي الخبر إيماء إلى كون الذيل من القرآن ... استفادة غريبة!! (٢)

٣ ـ وروي عن الإمام زين العابدين عليه‌السلام كان يقول عند ما يقرأ (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ :) صدق الله عزوجل ، أنزل القرآن في ليلة القدر ، (وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا أدري. قال الله عزوجل : (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) ليس فيها ليلة القدر. قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : وهل تدري لم هي خير من ألف شهر؟ قال : لا. قال : لأنّها (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ). وإذا أذن الله عزوجل بشيء فقد رضيه. (سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ). يقول تسلّم عليك يا محمّد ملائكتي وروحي بسلامي من أوّل ما يهبطون إلى مطلع الفجر ... (٣)

وإنّا لنستغرب كيف زعم المحدّث النوري أنّ جميع ما جاء في كلام الإمام عليه‌السلام أجزاء ساقطة من النصّ؟! مع وضوح أنّه توضيح وتفسير لا غير!

* * *

النوع السادس : روايات وردت بشأن فساطيط تضرب بظهر الكوفة ، أيّام ظهور الحجّة المنتظر ـ عجّل الله فرجه الشريف ـ لتعليم الناس قراءة القرآن وفق ما جمعه الإمام

__________________

(١) ـ تفسير البرهان ، ج ٤ ، ص ٥٢١ ، رقم ١٦ وص ٥٢٣ ، رقم ٥.

(٢) ـ فصل الخطاب ، ص ٣٤٩.

(٣) ـ القدر ٩٧ : ١ ـ ٥. راجع : تفسير البرهان ، ج ٤ ، ص ٤٨٣ ، رقم ٥.

٢٢٨

أمير المؤمنين عليه‌السلام فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم ، لأنّه خلاف الترتيب المعهود.

وقد حاول فريق المحدّث النوري الاحتجاج بها ، دليلا على مخالفته في سائر الجوانب أيضا ، لكنّها على عكس مقصودهم أدلّ ، كما نبّهنا.

١ ـ فقد روى الشيخ المفيد بإسناده عن جابر الجعفي عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه‌السلام قال : إذا قام قائم آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ضرب فساطيط لمن يعلّم الناس القرآن ، على ما أنزل الله. فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم ، لأنّه يخالف فيه التأليف. (١)

والروايات بهذا المضمون كثيرة ومتقاربة في التعبير. (٢)

فقد علّل الإمام الباقر عليه‌السلام وجه الصعوبة هي المخالفة في التأليف ، أي النظم القائم بين سوره وآياته ، لأنّ مصحف الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام كان على أدقّ ترتيب وفق ما أنزل الله تماما من غير تحوير ، فلم يفته شيء من خصوصيات النزول ، زمانا ومكانا وموردا وترتيبا ، وغير ذلك من وجوه فهم الآية عموما وخصوصا وما شابه. وكلّ ذلك كان مثبتا في مصحفه عليه‌السلام ، ولكن على الهامش طبعا وكما أسلفنا.

وبهذا المعنى روايات اخر نذكر منها :

٢ ـ روى الكليني بإسناده إلى سفيان بن السمط ، قال : سألت الصادق عليه‌السلام عن تنزيل القرآن ، قال : اقرأوا كما علّمتم. (٣)

٣ ـ وعن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام حينما سأله بعض أصحابه عن قراءة آيات من القرآن ليست متوافقة مع القراءة المعروفة ، قائلا : جعلت فداك ، إنّا نسمع الآيات في القرآن ، ليس هي عندنا كما نسمعها ، ولا نحسن أن نقرأها كما بلغنا عنكم ، فهل نأثم؟ فقال عليه‌السلام : لا ، اقرأوا كما تعلّمتم ، فسيجيء من يعلّمكم. (٤)

٤ ـ وبإسناده إلى سالم بن سلمة قال : قرأ رجل على أبي عبد الله عليه‌السلام وأنا أستمع حروفا

__________________

(١) ـ الإرشاد ، ص ٣٨٦.

(٢) ـ راجع : البحار ، ج ٥٢ ، ص ٣٣٩ ، رقم ٨٥ وص ٣٦٤ ، رقم ١٣٩ و ١٤٠ و ١٤١ وغيرها.

(٣) ـ الكافي ، ج ٢ ، ص ٦٣١ ، رقم ١٥.

(٤) ـ المصدر ، ص ٦١٩ ، رقم ٢.

٢٢٩

من القرآن ليس على ما يقرأها الناس ، فقال عليه‌السلام : كفّ عن هذه القراءة ، اقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم ، فإذا قام القائم عليه‌السلام قرأ كتاب الله عزوجل على حدّه ، وأخرج المصحف الذي كتبه عليّ عليه‌السلام. (١)

والأحاديث بهذا النمط غير قليل ، وهي إن دلّت فإنّما تدلّ على اختلاف ما بين مصحفه عليه‌السلام والمصحف الحاضر ، أمّا أنّ هذا الاختلاف يعود في نصّه أم في نظمه أم في أمر آخر ، فهذا ممّا لا تصريح به في تلكم الأحاديث ، سوى الحديث الأوّل الذي نوّهنا عنه ، فإنّه صريح في وجه الاختلاف ، وأنّه ليس في سوى النظم والتأليف ، لا شيء سواه ، فهو خير شاهد على تبيين وجه الاختلاف المنوّه عنه في سائر الروايات ، وهذا في مصطلح الاصوليين من الحكومة الكاشفة لمواضع الإبهام في سائر كلام المتكلّم الحكيم.

على أنّ نفس الاختلاف في نظم الكلام ، يكفي لوحده سببا لصعوبة التلاوة ، ولصعوبة فهم المراد من الكلام ، لأنّ قوام المعنى بذاته رهن النظم القائم بين أجزاء الكلام ، فلو غيّر ، غيّر المعنى لا محالة. كما أنّ وضع جمل الكلام الواحد في مواضعها حسب إرادة المتكلّم ونطقه خير معين على فهم مراده ، حيث القرائن الحافّة بالكلام إنّما تصلح قرائن إذا وضعت حسب وضع المتكلّم ، دون ما إذا غيّرت عن مواضعها الاولى ، سواء عن عمد أو عن اشتباه.

وبعد ، فإذا كانت مسألة النظم تعدّ من أهمّ المسائل اللفظية الكلامية ـ وهي ذات صلة قريبة بمسألة الإفادة والاستفادة ـ فإنّ هذا ممّا يضمن وجوده بالنحو الأكمل في مصحف عليّ عليه‌السلام وتعوزه سائر المصاحف على الإطلاق.

هذا ، وقد ألف الجمهور هذا النسج الحاضر ، واعتادوا عليه خلفا عن سلف طيلة عشرات القرون. فيصعب عليهم التعوّد على خلافه ، ومن ثمّ فهم بحاجة إلى تربية وتعليم وممارسة مستمرّة ممّا يقوم بها صاحب الأمر عند ظهوره ، إن شاء الله.

إذن صحّ قوله عليه‌السلام : «قرأ كتاب الله على حدّه» أي على نسجه الأوّل الأصيل الذي

__________________

(١) ـ المصدر ، ص ٦٣٣ ، رقم ٢٣.

٢٣٠

يضمنه مصحف أمير المؤمنين عليه‌السلام.

٥ ـ وممّا يدلّ على أنّ القرآن الذي يأتي به صاحب الأمر ليست فيه زيادة على هذا الموجود ما رواه العياشي بإسناده عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : ولو قد قام قائمنا فنطق صدّقه القرآن. (١) أي هذا الموجود بأيدينا في آيات منه صريحة في قيامه وظهوره وبسطه العدل في الأرض. إذ لو كان ما دلّ على صدقه هي من زيادات فيما لديه ممّا لم يعهدها المسلمون من ذي قبل لكان ذلك من الدور الباطل ، إذ لا يعرف الشيء من قبل نفسه.

فمن المحتمّ أنّه ـ عجّل الله فرجه ـ يضع يده على مواضع من القرآن كانت دلالتها على صدقه خفية من ذي قبل ، فعند إرشاده عليه‌السلام يتعرّف الناس إلى حقيقة ناصعة كانوا يجهلونها ويجهلون استخراجها من نفس القرآن.

* * *

النوع السابع : ما ورد بشأن فضائل أهل البيت عليهم‌السلام المخبوءة طيّ آيات الذكر الحكيم ، أن لو قرئت كما هي على ما أنزلها الله ـ غضّة طريّة لا يشوبها كدر الأوهام ولا يدنّس صفوها ضغينة الأحقاد ـ لوجدتها ذوات دلائل واضحة وبيّنات لائحة ، تدلّك على شرفهم ورفيع منزلتهم عند الله عزوجل.

ولكن ، هيهات ، طالما عملت الأحقاد القذرة في قلب الحقائق حؤولا دون الوصول إلى إشراقات قدسيّة ملكوتيّة يفيض بها هذا الكتاب العزيز الحميد.

هذا ابن جرير الطبري يحاول في تفسيره ، تحوير أكبر فضيلة من فضائل أهل البيت ، الذين جعل الله مودّتهم أجر الرسالة.

ذكر في تفسيره اختلاف أهل التأويل في معنى قوله تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (٢) ويختار أوّل الوجوه :

إنّها خطاب مع قريش لتحفظ قرابته فيهم فتحميه وتمنعه من شرّ الأعداء. فقد طلب إليهم الموادّة لكونهم ذوي رحم له ، حتّى وإن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا!

__________________

(١) ـ تفسير العياشي ، ج ١ ، ص ١٣ ، رقم ٦.

(٢) ـ الشورى ٤٢ : ٢٣.

٢٣١

قال : كان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قرابة في جميع قريش. فلمّا كذّبوه وأبوا أن يبايعوه ، قال : يا قوم إذا أبيتم أن تبايعوني فاحفظوا قرابتي فيكم ، لا يكن غيركم من العرب أولى بحفظي ونصرتي منكم!

ثمّ ذكر وجوها ثلاثة اخر : طلب الموادّة مع قرابته أهل بيته. وطلب القربى إلى الله والزلفى لديه سبحانه. وصلة الأرحام بعضهم مع بعض.

ويقول في وجه ترجيحه ذلك الوجه : إنّه لموضع «في» في قوله «المودّة في القربى» إذ لا وجه معروفا لدخول «في» في هذا الموضع. وكان ينبغي على سائر الوجوه أن يكون التنزيل «إلّا مودّة القربى» أو «المودّة بالقربى» أو «ذا القربى» على الترتيب.

وقد حاول بكلّ جهده ترجيح اختياره على سائر الوجوه. (١)

ولكنّه تكلّف في كلامه إذ كيف يخفى على ذي لبّ أنّ مثل هكذا مواجهة ممّا يمتنع مع قوم ناكرين مستهزئين بموقف النبيّ الأكرم. إنّهم رفضوا دعوته وجحدوا رسالته فكيف يطالبهم بالأجر عليها؟! إن هذا الاحتمال إلّا وهن بمقامه المنيع صلى‌الله‌عليه‌وآله.

إنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يمدّ يد الوداد إلى أعداء الله الألدّاء حتّى ولو كانوا ذوي قرابته. إذ لا قرابة مع الشرك ولا رحم مع رفض التوحيد. قال تعالى : (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ). (٢)

هذا وقد قال تعالى : (لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) ، (٣) فكيف يخالف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صريح نهيه تعالى؟!

وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله قد عرف منهم العناد واللجاج ، وقد عرفوا فيه قطيعة الرحم وتسفيه الأحلام وإفساد الشباب ، وجعل كيانهم على خطر الانهيار ، هكذا كانوا يحملون الضغائن نحو نبيّ الإسلام ويكرهون لقاءه. وإذا كان الأمر على ذلك ، فكيف يضع نفسه الكريمة موضع الامتهان تجاه سؤال يعلوه الذلّ والصغار؟ حاشاه من نفس أبيّة وأنف حميّة. كما

__________________

(١) ـ جامع البيان للطبري ، ج ٢٥ ، ص ١٥ ـ ١٧.

(٢) ـ هود ١١ : ٤٦.

(٣) ـ الممتحنة ٦٠ : ١.

٢٣٢

قال سبطه الشهيد : وهيهات منّا الذلّة ، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون ، وحجور طابت وطهرت ، وانوف حميّة ونفوس أبيّة ... (١)

وأمّا الذي ذكره دليلا على اختياره فليته لم يذكره ، إذ لا شأن له والأدب الرفيع الذي كان من شأن «جار الله الزمخشري» الذي اختار نقيض رأيه وسلك مسلكا نزيها ومشرّفا في نفس الوقت ، فقد شرح الموقف شرحا وافيا ، تبعه عليه جماعة المفسّرين من أهل النظر والاختيار.

قال : ما معنى قوله : (إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى؟) فأجاب بقوله :

قلت : جعلوا مكانا للمودّة ومقرّا لها ، كقولك : لي في آل فلان مودّة ، ولي فيهم هوى وحبّ شديد ، تريد : احبّهم وهم مكان حبّي ومحلّه.

قال : وليست «في» بصلة ـ أي متعلّقة ـ للمودّة ، كاللام إذا قلت : إلّا المودّة للقربى. إنّما هي متعلّقة بمحذوف تعلّق الظرف به ، في قولك : المال في الكيس. وتقديره : إلّا المودّة ثابتة في القربى ومتمكّنة فيها. والقربى مصدر كالزلفى والبشرى. بمعنى : قرابة. والمراد : في أهل القربى.

قال : روي أنّها لمّا نزلت قيل : يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال : عليّ وفاطمة وابناهما ... ثمّ جعل يسرد روايات جليلة بهذا الشأن (٢) جزاه الله عن آل بيت الرسول خير الجزاء.

وهذا ابن مخلوف الثعالبي ـ في آية الولاية : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) (٣) نراه يحاول امتهان نزولها بشأن عليّ عليه‌السلام حينما أعطى خاتمه للفقير وهو في حالة الركوع من الصلاة. فكانت فضيلة شامخة لمولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام. وقد أجمع عليه المفسّرون وأهل الحديث وتواترت

__________________

(١) ـ المقتل للسيد عبد الرزاق المقرّم ، ص ٢٥٠.

(٢) ـ الكشاف ، ج ٤ ، ص ٢١٩ ـ ٢٢٠.

(٣) ـ المائدة ٥ : ٥٥.

٢٣٣

الروايات بذلك من الفريقين. (١)

قال الثعالبي : والزكاة في الآية عامّ تشمل المفروضة والتطوّع بالصدقة ولكلّ أفعال البرّ ، ثمّ وصفهم سبحانه بتكثير الركوع ، وخصّ بالذكر لكونه من أعظم أركان الصلاة. قال : هذا هو الصحيح في تأويل الآية. ولكن اتّفق مع ذلك أنّ عليّ بن أبي طالب أعطى خاتمه وهو راكع. قال السدّي : وإن اتّفق ذلك لعليّ فالآية عامّة. (٢)

هكذا يخرج من تفسير الآية بهذا الاختصار المبتور! نعم هكذا استحوذ عليهم شيطان الحقائد فأنساهم ذكر الله!

وهذا عبد الله بن الزبير يحاول إثبات كون سورة الإنسان مكّية ، لماذا؟ لأنّه كان يرغمه وجود آيات في القرآن ناصّة على فضائل آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله! إنّه كان يحمل الضغينة لآل البيت حقدا وحسدا (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ). (٣) فقد أسقط ذكر النبيّ من خطبة الجمعة ، معتذرا أنّي كلّما رأيت بني هاشم إذا جاء ذكر النبيّ اشرأبّوا وأشرقت ألوانهم وطالت رقابهم. والله ما كنت لآتي لهم سرورا وأنا أقدر عليه!

وهكذا سار من ورائه بعض مبتذلة أهل التفسير كابن كثير وأخيرا سيّد قطب مستشهدين بالسياق ، تاركين وراءهم إجماع أئمّة التفسير. (٤)

قال الحافظ الحسكاني : اعترض بعض النواصب بأنّ هذه السورة مكية ، وهذه القصة (نذر الصدّيقة الزهراء صوم ثلاثة أيّام استشفاء لولديها الحسن والحسين. ثمّ إعطاء أقراصهم إلى المسكين واليتيم والأسير في ليال ثلاث متواليات) مدنيّة!

فقال ردّا عليه : قال الأكثر : إنّها مدنية ، ونصوص الأئمّة على الترتيب شاهدة عليه. (٥)

__________________

(١) ـ في الدرّ المنثور ، ج ٢ ، ص ٢٩٣ روايات متظافرة بأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال للسائل : من أعطاك هذا الخاتم؟ قال : هذا الراكع ، وأشار إلى علي وهو يصلّي في ناحية المسجد. فأنزل الله الآية فقرأها على أصحابه ثمّ قال : فمن كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه.

(٢) ـ تفسير الثعالبي ، ج ١ ، ص ٤٣٨.

(٣) ـ النساء ٤ : ٥٤.

(٤) ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج ٢٠ ، ص ١٢٣ و ١٢٨ و ١٤٧ ؛ وراجع : الجزء الأوّل من التمهيد ، «سور مختلف فيها ، سورة الإنسان».

(٥) ـ شواهد التنزيل ، ج ٢ ، ص ٣١٠ ـ ٣١٥.

٢٣٤

وهكذا حقّق العلّامة الطبرسي في تفسيره. (١)

نعم ، إذا كانت تلك حالة أهل الضغائن من أصحاب التفسير ، دأبوا يحاولون في إخفاء الحقيقة مهما بلغ الأمر ، وكانت السياسة القائمة يومذاك تواكب نظرة الإخفاء من فضائل آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فلا غرو أن لا تعرف اليوم من فضائلهم ، أو من مساوئ أعدائهم ، شيئا مذكورا في القرآن الكريم.

إنّ في القرآن الشيء الكثير من الدلائل اللائحة بفضلهم وشرفهم ، وقد نزلت كثير من الآيات إشادة بشأنهم الرفيع ، لو تدبّرها متدبّر بعين بصيرة وقلب واع خبير ، لا أن تكون العيون عمشا والقلوب سودا.

أخرج الكليني بإسناده عن أبي مسروق ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّا نكلّم الناس فنحتجّ عليهم بقول الله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (٢) فيقولون : نزلت في امراء السرايا! فنحتجّ عليهم بقوله تعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ ..). (٣) فيقولون : نزلت في المؤمنين! ونحتجّ عليهم بقوله تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (٤) فيقولون : نزلت في قربى المسلمين! قال : فلم أدع شيئا ممّا حضرني ذكره من هذه وشبهه إلّا ذكرته! (٥)

وعليه فليذهب عن بصرك غشاء التعامي ، ولتتحرّر نفسك من أغلال الأحقاد الجاهلية النكراء ، وبعده (فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها). (٦)

١ ـ وهذا هو معنى قول الإمام الصادق عليه‌السلام : لو قد قرئ القرآن كما انزل لألفيتنا فيه مسمّين. (٧)

قوله «كما انزل» أي غضّا طريّا من غير أن يشوبها كدر الأوهام ، أو تلبيسات أهل الزيغ والباطل.

__________________

(١) ـ مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٤٠٥.

(٢) ـ النساء ٤ : ٥٩.

(٣) ـ المائدة ٥ : ٥٥.

(٤) ـ الشورى ٤٢ : ٢٣.

(٥) ـ الكافي ، ج ٢ ، ص ٥١٣ ـ ٥١٤.

(٦) ـ الروم ٣٠ : ٥٠.

(٧) ـ تفسير العياشي ، ج ١ ، ص ١٣ ، رقم ٤.

٢٣٥

ولنذكر شاهدا على ذلك :

قال تعالى : (وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ...). (١)

قال الإمام أبو جعفر الباقر عليه‌السلام : اولوا الأمر هنا هم الأئمّة المعصومون.

قال الشيخ : أبو جعفر الطوسي : وهو الأقوى لأنّه تعالى بيّن أنّهم متى ردّوه إلى اولي العلم علموه ، والردّ إلى من ليس بمعصوم لا يوجب العلم ، لجواز الخطأ عليه بلا خلاف ، سواء أكانوا امراء السرايا أو العلماء. (٢)

فهذه الآية الكريمة ـ وفق هذا التفسير الراجح ـ دلّتنا على مقام عصمة الأئمّة عليهم‌السلام من الخطأ في الرأي والاجتهاد.

وآية اخرى جاءت لتدلّ على مقام عصمتهم عليهم‌السلام عن ارتكاب الذنوب ، سواء أكان قبل تصدّيهم لمقام الإمامة أم كان بعدها ، وهي العصمة المطلقة التي تقول بها الإمامية شرطا أوّليا في ولاة أمر المسلمين (النبيّ وخلفاؤه الأئمّة الهداة عليهم‌السلام) والآية هي قوله تعالى : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ). (٣)

قال الإمام الرازي : احتجّ الروافض بهذه الآية على القدح في إمامة أبي بكر وعمر ، لأنّهما كانا كافرين وكان صدق عليهما في تلك الحالة أنّهما لا ينالان عهد الإمامة البتّة. وإذا صدق عليهما في ذلك الوقت أنّهما لا ينالان عهد الإمامة البتّة ولا في شيء من الأوقات ، ثبت أنّهما لا يصلحان للإمامة.

وأيضا فإنّهما كانا مذنبين ، إذ كان يجوز عليهما ارتكاب الذنب بعد أن لم يكونا معصومين بالاتفاق.

ثمّ أخذ في النقض والردّ ، وأخيرا قال : والمراد من الإمامة هنا ما يشمل النبوّة فمن كفر بالله طرفة عين لا يصلح لهذا المقام الرفيع. (٤) انتهى بتصرّف واختزال.

__________________

(١) ـ النساء ٤ : ٨٣.

(٢) ـ التبيان ، ج ٣ ، ص ٢٧٣.

(٣) ـ البقرة ٢ : ١٢٤.

(٤) ـ التفسير الكبير ، ج ٤ ، ص ٤١ ـ ٤٢ (المسألة الرابعة).

٢٣٦

وآية ثالثة دلّت على اعتبار الاهتداء المطلق في إمام المسلمين ، فلا يرجع في فهم الشريعة في جميع مناحيها إلى غيره إطلاقا ، وإنّما هم يرجعون إليه في جميع المسائل في الاصول والفروع فلا بدّ أن يكون صالحا للإجابة الوافية على كلّ مسائل الشريعة ، سواء أكان في العبادات أم في السياسات فيما يعود إلى إصلاح شؤون العباد وإدارة البلاد على الإطلاق.

وهذا ما يعزّى إلى خليل بن أحمد النحوي ، حيث سئل عن سبب تقديمه للإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام على غيره ، فقال : استغناؤه عن الكلّ ، واحتياج الكلّ إليه ، دليل على أنّه إمام الكلّ. وهو كما ذكر صحيح لا مرية فيه ، حسب دلالة الآية الكريمة في قوله عزّ من قائل : (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ). (١)

فقد روى القمّي بإسناده عن الإمام الباقر عليه‌السلام قال : فأمّا من يهدي إلى الحقّ فهو محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وآل محمّد عليهم‌السلام من بعده ، وأمّا من لا يهدّي فهو من خالف من قريش وغيرهم أهل بيته من بعده. (٢)

فقد عرفت كيف يستفاد ـ من ضمّ الآيات الكريمة بعضها إلى بعض ـ أكبر شأن من شؤون الإمامة الكبرى ، حسبما رسمها الإسلام وبيّنه القرآن بوضوح ، لو تدبّره متدبّر بإمعان وعن يقين وإيمان ، وكان على نور من ربّه (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ) (٣) نعم (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ). (٤) قال تعالى : (سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ). (٥)

وأمّا قوله عليه‌السلام : «فيه مسمّين» فلا يريد التسمية بهذا الأسم ، بل بذكر السمات والنعوت الدالّة على فضيلة الاختصاص ، حسبما عرفت.

__________________

(١) ـ يونس ١٠ : ٣٥.

(٢) ـ الصافي في تفسير القرآن ، ج ١ ، ص ٧٥٢.

(٣) ـ الزمر ٣٩ : ٢٢.

(٤) ـ النور ٢٤ : ٤٠.

(٥) ـ الأعراف ٧ : ١٤٦.

٢٣٧

يدلّك على ذلك ما رواه الكليني بإسناده عن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ). (١) قال : نزلت في عليّ والحسن والحسين. قلت : إنّ الناس يقولون : فما له لم يسمّ عليّا وأهل بيته في كتاب الله! قال عليه‌السلام : قولوا لهم : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نزلت عليه الصلاة ولم يسمّ الله لهم ثلاثا ولا أربعا ، حتّى كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هو الذي فسّر ذلك لهم ... (٢)

قال سيّدنا الاستاذ رحمه‌الله تعقيبا على ذلك : هذه الصحيحة حاكمة على جميع تلك الروايات ، وموضّحة للمراد منها ، أي أنّ ذكرهم عليهم‌السلام في الكتاب إنّما كان بالنعوت والأوصاف ، لا بالتسمية المتعارفة. (٣)

٢ ـ وهكذا قوله عليه‌السلام : من لم يعرف أمرنا من القرآن لم يتنكّب الفتن. (٤)

أي من لم يعرف موضعنا من أمر الولاية ـ على الوصف الذي جاء في القرآن المنطبق علينا بالذات دون من سوانا ـ لم يمكنه التخلّص من مضلّات الفتن. بعد أن طرق أبوابا لا تؤدّي إلى الفوز والنجاح ، ولم يستمسك بالعروة الوثقى والحبل الممدود بين السماء والأرض. والدلائل على أنّ العترة الطاهرة والذريّة الباهرة هم سفن النجاة وحبل الله المتين والعروة الوثقى والسبل إلى الله والوسيلة إليه ـ كما في حديث الثقلين المتواتر ـ (٥) في القرآن كثير في كثير.

٣ ـ ومن ثمّ قال الإمام الباقر عليه‌السلام : لنا حقّ في كتاب الله المحكم من الله ، لو محوه فقالوا ليس من عند الله أو لم يعلموا لكان سواء. (٦)

أي أنّ وصفنا ووصف موضعنا من أمر الولاية ـ على ما هو الحقّ الحقيق ، والجدير بهذا المقام الرفيع ـ مذكور في القرآن بالدلائل والبيّنات ، فلو أنّهم محوه ـ فرضا ـ أو لم يعلموا به ـ أي جهلوه رأسا ـ لكان سواء ، أي كان موضع جهلهم بذلك متساويا مع محوه من الكتاب ، حيث ترك التعرّض له والتدبّر بما فيه ، فضلا عن العمل به ، يتساوى مع محوه

__________________

(١) ـ النساء ٤ : ٥٩.

(٢) ـ الكافي ، ج ١ ، ص ٢٨٦.

(٣) ـ راجع : البيان في تفسير القرآن ، ص ٢٥١.

(٤) ـ تفسير العياشي ، ج ١ ، ص ١٣ ، رقم ١.

(٥) ـ فضائل الخمسة للفيروزآبادي ، ج ٢ ، ص ٤٣.

(٦) ـ تفسير العياشي ، ج ١ ، ص ١٣ ، رقم ٢.

٢٣٨

رأسا.

٤ ـ وبذلك تعرف معنى قولهم عليهم‌السلام : «لو لا أنّه زيد في كتاب الله ونقص منه ، ما خفي حقّنا على ذي حجى». (١)

حيث المراد من الزيادة والنقصان هو تحميل الرأي والتفسير على غير الوجه الصحيح ، فيزيد في مدلول كلامه تعالى وينقص منه عن عمد خبيث ، أو القول فيه بغير علم ولا هدى من الله ، وهو المعبّر عنه بالتفسير بالرأي الممقوت.

هذا فضلا عن كتمان حقائقه دون بيانها للناس ، فإنّه تقصير بشأن الكتاب العزيز ، وتنقيص من دلائله الرشيدة.

وهذا المعنى ـ بعد هذا البيان ـ يتّحد مع قولهم ـ في الحديث الآنف ـ : «لو قد قرئ القرآن كما انزل لألفيتنا فيه مسمّين» ، أي غضّا طريّا لا يشوبه كدر الأوهام.

إذن ، ليس المقصود زيادة في لفظه أو حذف شيء منه ، كما توهّمه أهل التحريف ، إذ لو كان المراد ذلك لكان على خلاف إجماع الطائفة إطلاقا ، وكان مطروحا البتّة ، إذ لم يقل أحد بالزيادة في القرآن حتى الأخباريين.

وقد اعترف المحدّث النوري نفسه بهذا الإجماع ، ومن ثمّ حاول تأويل الرواية على طريقة أسلافه الأخباريين. (٢)

قال سيّدنا الاستاذ رحمه‌الله : قد انعقد إجماع المسلمين على عدم الزيادة في القرآن ولا حرفا واحدا حتى من القائلين بالتحريف. (٣)

٥ ـ ولكثرة ما ورد في القرآن من الإشادة بهذا البيت الرفيع تصريحا أو تلويحا قال الباقر عليه‌السلام : «نزل القرآن على أربعة أرباع : ربع فينا ، وربع في عدوّنا ، وربع فرائض وأحكام ، وربع سنن وأمثال. ولنا كرائم القرآن».

وفي لفظ آخر : «نزل القرآن أثلاثا ، ثلث فينا وفي عدوّنا ، وثلث سنن وأمثال ، وثلث

__________________

(١) ـ المصدر ، ص ١٣ ، رقم ٦.

(٢) ـ فصل الخطاب ، ص ٢٣٦.

(٣) ـ البيان في تفسير القرآن ، ص ٢٥٢.

٢٣٩

فرائض وأحكام». (١)

إذ ليس التحديد بالضبط مقصودا ، وإنّما هو بيان لأنواع آي القرآن ، قسط وافر منه نزل في شأن الولاية التي هي أهمّ الفرائض وأساسها ، والباقي أحكام وسنن وحكم وأمثال.

الأمر الذي دعا بنبهاء الامّة وعلمائها الأجلّاء أن يعيروا هذه الناحية الخطيرة من كتاب الله ، اهتمامهم البالغ ويقوموا بتصانيف قيّمة في هذا الشأن ، منهم الحافظ الكبير عبيد الله بن عبد الله المعروف بالحاكم الحسكاني ـ من مشايخ الطبرسي صاحب التفسير ـ أن يقوم بتصنيف موسوعته القيّمة بشأن أهل البيت وثبت ما نزل من الآيات الكريمة فيهم عليهم‌السلام.

قال متعرّضا بمن كان يستغوي الناس بالوقيعة في نقيب العلويين يومذاك حتى امتدّ في غلوائه وارتقى إلى نقص آبائه ، وأنّه لم يقل أحد من المفسّرين بنزول سورة «هل أتى» في عليّ وأهل بيته ولا شيء سواها من القرآن!!

قال : فأنكرت جرأته وأكبرت بهته وفريته. فرأيت من الحسبة دفع هذه الشبهة عن الأصحاب وبادرت إلى جمع هذا الكتاب ... (٢)

٦ ـ وأورد في الفصل الخامس بإسناده عن سعيد بن جبير عن ابن العباس قال : ما نزل في أحد من كتاب الله تعالى ما نزل في عليّ عليه‌السلام.

٧ ـ وعن مجاهد : نزلت في عليّ سبعون آية ما شركه فيهنّ أحد ، وقال : ما أنزل الله آية في القرآن إلّا وعليّ عليه‌السلام رأسها.

٨ ـ وعن ابن أبي ليلى : لقد نزلت في عليّ ثمانون آية صفوا في كتاب الله ، ما يشركه فيها أحد من هذه الامّة.

٩ ـ وروى بإسناده إلى الإمام عليّ بن الحسين السجّاد عليه‌السلام قال : نزل القرآن علينا ، ولنا كرائمه. (٣)

__________________

(١) ـ تفسير العياشي ، ج ١ ، ص ٩ ، رقم ١ و ٣ ؛ والكافي ، ج ٢ ، ص ٦٢٧ ـ ٦٢٨ ، رقم ٢ و ٤.

(٢) ـ مقدمة كتاب «شواهد التنزيل» ، ص ١٤.

(٣) ـ شواهد التنزيل ، ج ١ ، ص ٣٩ ـ ٤٢.

٢٤٠