صيانة القرآن من التحريف

الشيخ محمّد هادي معرفة

صيانة القرآن من التحريف

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي معرفة


المحقق: مؤسسة التمهيد
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة التمهيد ـ قم
المطبعة: ياران
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-90596-0-0
الصفحات: ٢٧٢

الآية رقم ٢٨٢ التي هي أطول آيات القرآن ، إلى قوله تعالى : (وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا). وهذا آخر الموجود من هذا التفسير.

زعم مؤلّفاه (هما : أبو يعقوب يوسف بن محمّد بن زياد ، وأبو الحسن عليّ بن محمّد بن سيّار ، حسب رواية الصدوق) أنّه من إملاء الإمام أبي محمّد الحسن بن عليّ العسكري عليهما‌السلام أملاه عليهما في سبع سنين ، كانا يختلفان إليه ويكتبان كلّ يوم مقدار ما ينشط له.

وكانا من أبناء الأثرياء ، حجز أموالهم الأمير الداعي إلى الحقّ إمام الزيدية ب «استرآباد». فخرج والداهما بأهليهما إلى العراق وأتيا سامراء فرحّب بهما الإمام عليه‌السلام ودعا لهما بالخير والفرج. وبعد أن جاءهم التبشير برفع الحجز استأذنا للخروج إلى بلادهم «استرآباد» فأشار عليهما الإمام أن يخلفا ولديهما ليتعلّما العلم فخلفاهما. فلزما حضوره عليه‌السلام يختلفان إليه كلّ يوم مدّة سبع سنين.

والراوي عنهما هو أبو الحسن محمّد بن القاسم الخطيب المعروف بالمفسّر الاسترابادي. وهو طريق أبي جعفر الصدوق إلى هذا التفسير. (١)

نعم ، لم تثبت وثاقة الخطيب الاسترابادي ، مضافا إلى جهالة حال أبي يعقوب وأبي الحسن راويي التفسير. فهنا ثلاثة مجاهيل كانوا مصدر هذا التفسير.

قال ابن الغضائري : محمّد بن القاسم المفسّر الاسترابادي ضعيف كذّاب. روى عنه أبو جعفر تفسيرا يرويه عن رجلين مجهولين. والتفسير موضوع عن سهل الديباجي عن أبيه بأحاديث من هذه المناكير.

قال سيّدنا الاستاذ قدس‌سره : محمّد بن القاسم هذا لم ينصّ على توثيقه أحد من المتقدّمين حتى الصدوق الذي أكثر الرواية عنه. وقد ضعّفه ابن الغضائري ، ومن المتأخّرين العلّامة والسيّد الداماد وغيرهما. قال : والصحيح أنّ الرجل مجهول الحال ، لم تثبت وثاقته ولا ضعفه. ورواية الصدوق عنه كثيرا لا تدلّ على وثاقته ، ولا سيما إذا كانت الكثرة في غير

__________________

(١) ـ الذريعة ، ج ٤ ، ص ٢٨٥.

٢٠١

كتاب الفقيه.

قال : وعلى أيّ حال فالتفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام بروايته لم تثبت. (١) قال : مع أنّ الناظر في هذا التفسير لا يشكّ أنّه موضوع. ويجلّ مقام عالم محقّق أن يكتب مثله فكيف بالإمام حجّة الله على خلقه. (٢)

تفاسير مقطوعة الإسناد

هناك تفاسير جليلة صنّفها علماء أجلّاء ، غير أنّ النسخ الأصل ضاعت مع الأسف وبقيت منها مختصرات محذوفة الإسناد ، وربّما اختزال أو تحوير في الأحاديث وفي ترتيبها ، بما زالت الثقة بأصالة أكثرها.

منها : تفسير أبي النضر محمّد بن مسعود ، ابن عياش السلمي السمرقندي (ت ٣٢٠) المعروف بتفسير العياشي. وقد حذف منه بعض الناسخين أسانيد الروايات لغرض الاختصار.

قال العلّامة المجلسي : ذكر الحاذف لذلك عذرا هو أشنع من جريمته! قال : نظرت في التفسير بإسناده ورغبت إلى هذا وطلبت من عنده سماع من المصنّف أو غيره فلم أجد في ديارنا من كان عنده سماع أو إجازة من المصنّف ، ولذلك حذفت منه الإسناد وكتبت الباقي على وجهه ليكون أسهل على الكاتب والناظر فيه. فإن وجدت بعد ذلك من عنده سماع أو إجازة من المصنّف اتّبعت الأسانيد وكتبتها على ما ذكره المصنّف. ومع ذلك فإنّه لم يبق من هذا التفسير الموتور سوى نصفه إلى آخر سورة الكهف! (٣)

* * *

ومنها : تفسير فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي (توفي حدود ٣٠٠) المقصور على الروايات المأثورة عن الأئمّة الهداة عليهم‌السلام. وقد أكثر الرواية عن الحسين بن سعيد الكوفي

__________________

(١) ـ معجم رجال الحديث ، ج ١٧ ، ص ١٥٦ ـ ١٥٧.

(٢) ـ المصدر ، ج ١٢ ، ص ١٤٧.

(٣) ـ راجع : الذريعة ، ج ٤ ، ص ٢٩٥.

٢٠٢

الأهوازي نزيل قم والمتوفّى بها. الذي كان من أصحاب الأئمّة : الرضا والجواد والهادي عليهم‌السلام. وكذلك يروي كثيرا عن جعفر بن محمّد الفزاري وعبيد بن كثير العامري وعن سائر مشايخه البالغين إلى نيف ومائة شيخ ، كلّهم من رواة أحاديثنا. غير أنّه ليس لأكثرهم ذكر ولا ترجمة في اصولنا الرجالية. كما أنّ فرات أيضا لم يذكر بمدح ولا قدح.

قال المحقّق الطهراني : ولكن من الأسف أنّه عمد بعض إلى إسقاط أكثر تلك الأسانيد واكتفى مثلا بقوله : فرات عن حسين بن سعيد معنعنا عن فلان. وهكذا في غالب الأسانيد. فأشار بقوله : «معنعنا» إلى أنّ الرواية كانت مسندة معنعنة وإنّما تركها للاختصار! (١)

* * *

ومنها تفسير محمّد بن العباس الماهيار المعروف بابن الحجام (توفي حدود ٣٣٠).

من أصحابنا ثقة ثقة عين سديد ، له كتاب «ما نزل من القرآن في أهل البيت عليهم‌السلام». قال النجاشي : قال جماعة من أصحابنا : إنّه كتاب لم يصنّف في معناه مثله. وقيل أنّه ألف ورقة. (٢) وطريق الشيخ إليه صحيح. ولكن هذا التفسير لم يوجد ولم يره أحد من أرباب التحقيق المتأخّرين ، وظاهر عبارة النجاشي أنّه لم يشاهده ، وإنّما نقل عن غيره في مقدار حجمه.

قال الطهراني : وينقل عنه السيّد شرف الدين في كتابه «تأويل الآيات الظاهرة» وهو تلميذ المحقّق الكركي المتوفى سنة ٩٤٠ فيظهر بقاء الكتاب إلى هذا الزمان ، والله العالم بما بعده.

قال السيّد شرف الدين ـ بعد أن نقل عن جماعة من أصحابنا أنّه كتاب لم يصنّف مثله في معناه ـ : وهذا كتابه المذكور لم أقف عليه كلّه ، بل نصفه من هذه الآية إلى آخر القرآن. (٣) والآية هي قوله تعالى : (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا

__________________

(١) ـ المصدر ، ص ٢٩٨.

(٢) ـ معجم رجال الحديث ، ج ١٦ ، ص ١٩٨.

(٣) ـ تأويل الآيات الظاهرة ، ج ١ ، ص ٢٨٤. طبع هذا الكتاب أخيرا في مجلّدين طبعة أنيقة.

٢٠٣

غَيْرَهُ ...). (١)

وينقل عنه السيّد علي بن طاووس في رسالة «محاسبة النفس» وكان عنده تامّا ، كما صرّح به في كتابه «اليقين» قال : إنّه عشرة أجزاء في مجلّدين ضخمين. قال ابن طاووس : وقد روى أحاديثه من رجال العامة لتكون أبلغ في الحجّة. قال الطهراني : ونقل في «اليقين» عن كلا المجلّدين عدّة روايات. (٢)

هذا ، ولكن محدّثنا النوري اشتبه عليه الأمر ، فجعل ينقل عن ماهيار بواسطة الشيخ شرف الدين النجفي في كتابه «تأويل الآيات الباهرة» ما يروق له من روايات التحريف. زاعما أنّه من تفسير ماهيار! (٣)

وهو خلط غريب ، لأنّ الذي ينقل من تفسير ماهيار ، هو «السيّد شرف الدين الاسترآبادي» في كتابه «تأويل الآيات الظاهرة».

وأمّا كتاب «تأويل الآيات الباهرة» فهو ترجمة فارسية مختزلة عن كتاب شرف الدين. قام بها ـ كما صرّح في خاتمة الكتاب ـ (٤) الشيخ محمد تقي المعروف ب «آقا نجفي الاصفهاني» المتوفّى سنة ١٣٣٢. وكان من معاريف عصره في اصفهان صاحب كلمة ونفوذ. وقد استهلّ كتابه وكذا عنونه الناشرون بما يوهم أنّه من تأليفه ، ومن ثمّ اشتبه الأمر على كثيرين ، كما اشتبه على محدّثنا النوري اسم الكتاب واسم مؤلّفه (٥) والله العاصم.

* * *

وإليك الآن عرضا موجزا عن أهمّ روايات استند إليها المحدّث النوري من كلا نوعيها : الدالّة ـ فيما زعم ـ : على التحريف عموما ، أو الناصّة على مواضع التحريف بالخصوص.

__________________

(١) ـ الإسراء ١٧ : ٧٣.

(٢) ـ الذريعة ، ج ٣ ، ص ٣٠٣ ـ ٣٠٤ ، برقم ١١٢٩ وج ١٩ ، ص ٢٩ ـ ٣٠.

(٣) ـ فصل الخطاب ، ص ٢٣٧ ـ ٢٣٨ ، برقم ١٤ من الدليل الحادي عشر ومواضع اخر. وقد سبقه إلى هذا الوهم صاحب «أمل الآمل» وخطّأه صاحب الرياض. راجع : الذريعة ، ج ٣ ، ص ٣٠٥.

(٤) ـ قال : وقد فرغت من ترجمة هذا الكتاب المستطاب ليلة الجمعة ، ١٣ ج ١ سنة ١٢٩٧ ه‍.

(٥) ـ وهكذا في كتابه مستدرك الوسائل ، ج ١ ، ص ٢٧٩ ، رقم ١١.

٢٠٤

ألف حديث وحديث

ما جمعه المحدّث النوري من روايات بشأن مسألة التحريف تربو على الألف ومائة حديث : (١١٢٢) بالضبط. سواء ما زعمه ذا دلالة عامّة وهي : (٦١) أم ناصّا على موضع التحريف بالخصوص وهي : (١٠٦١).

لكن أكثريّتها الساحقة إنّما نقلها من اصول لا أسناد لها ولا اعتبار ممّا عرضناه آنفا من كتب ورسائل إمّا مجهولة أو مبتورة أو هي موضوعة لا أساس لها رأسا.

فإذا ما أسقطنا المنقول من هذه الكتب وهي تربو على الثمانمائة (٨١٥) ، يبقى الباقي ما يقرب من ثلاثمائة حديث (٣٠٧).

وكثرة من هذا العدد ترجع إلى اختلاف القراءة ، ولا سيّما المنقول عن الطبرسي في «مجمع البيان» وهي : ١٠٧ موارد.

مثلا ينقل عنه في سورة العاديات : أنّ عليّا عليه‌السلام قرأ : «فوسّطن» بتشديد السين.

وفي سورة الزلزال : قرأ الكسائي «يره» بضمّ المضارعة مبنيا للمفعول ، قال : وهكذا في رواية عن عليّ عليه‌السلام.

وفي سورة الضحى : قرأ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وكذا عروة بن الزبير ـ في رواية ـ : «ما ودعك» بالتخفيف.

وفي سورة الشمس : قرأ أهل المدينة وابن عامر : «ولا يخاف عقبيها» وروي ذلك عن أبي عبد الله عليه‌السلام أيضا.

وفي سورة الفجر : قرأ الكسائي ويعقوب وسهل : «ولا يوثق» بالفتح. وفي رواية عن أبي قلابة قال : أقرأني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كذلك.

إلى أمثال ذلك من قراءات منقولة عن الأئمّة نقلا بالآحاد لا بالتواتر ، فلا حجّية فيها أوّلا ، ولا مساس لها بمسألة التحريف المصطلح ثانيا.

وإليك نظرة في البقية الباقية من روايات التحريف حسبما زعمه النوري. تبعا للجزائري الآنف :

٢٠٥

نظرة في الروايات

بقيت مائتا حديث تقريبا منقولة عن كتب معتبرة ، ذكرها المحدّث النوري في «فصل الخطاب» دليلا على وقوع التحريف في الكتاب.

لكن هذه الروايات وردت في شؤون شتّى وفي مسائل مختلفة ، زعموهنّ مشتركات في جامع الدلالة على التحريف.

وهي على سبعة أنواع :

النوع الأوّل : روايات تفسيرية ، إمّا توضيحا للآية أو بيان شأن النزول أو تأويل الآية أو تعيين مصداق من مصاديقها الأجلى المنطبق عليها الآية بعمومها. وقد كان من عادة السلف أن يجعلوا من الشرح مزجا مع الأصل ، تبيينا وتوضيحا لمواضع الإبهام من الآية ، من غير أن يلتبس الأمر ، اللهمّ إلّا على اولئك الذين غشيهم غطاء التعامي!!

وهذا النوع يشمل القسط الأوفر من هذه الأحاديث ، وإليك منها :

١ ـ روى ثقة الإسلام الكليني بإسناد رفعه إلى الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه قرأ : (وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ) (١) وعقّبها بقوله : «بظلمه وسوء سيرته». (٢) بيانا لكيفية الإهلاك ، وأنّه ليس بإشعال النار أو وضع السيوف في رقاب الناس بل بارتكاب الظلم وسوء نيّته في التدبير.

٢ ـ وبإسناده أيضا عن الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً) ، (٣) إنّه عليه‌السلام تلا هذه الآية إلى قوله (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) وأضاف : فقد سبقت عليهم كلمة الشقاء وسبق لهم العذاب. وتلا بقيّة الآية. (٤)

قال النوري : ظاهر سياق الخبر أنّ الزيادة كانت من القرآن وليست تفسيرا!

قال ذلك ردّا على العلّامة المجلسي الذي احتمل ـ على فرض صحّة الخبر ـ أن

__________________

(١) ـ البقرة ٢ : ٢٠٥.

(٢) ـ الكافي ، ج ٨ ، ص ٢٨٩ ، برقم ٤٣٥.

(٣) ـ النساء ٤ : ٦٣.

(٤) ـ الكافي ، ج ٨ ، ص ١٨٤ ، برقم ٢١١.

٢٠٦

يكون عليه‌السلام أراد التفسير ، أي إنّما أمر تعالى بالإعراض عنهم ، لسبق كلمة الشقاء وسبق تقدير العذاب (١) لكن السياق مع المجلسي ، الخبير بمواضع كلام الأئمّة ، على خلاف ما زعمه أمثال النوري!

٣ ـ وعن الإمام الصادق عليه‌السلام في قوله تعالى : (ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) ، (٢) قال : ممّا قضيت من أمر الولاية ويسلّموا لله الطاعة تسليما. (٣) وظاهر أنّ ذلك تفسير وتبيين لمواضع التقدير في الكلام على ما أراده المتكلّم ، ولم نعرف وجها معقولا لمستمسك أهل التحريف في هذا الحديث الشريف؟!

٤ ـ قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً). (٤) نزلت بشأن أهل الكتاب كانوا يعارضون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا يستسلمون لقيادته. فطبّقها الإمام الصادق عليه‌السلام على كلّ مخالف لحكم الإسلام ويقاوم أمر الإمام وليّ أمر المسلمين :

قال : ولو أنّا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم ـ وسلّموا للإمام تسليما ـ أو اخرجوا من دياركم ـ رضا له ـ ما فعلوه إلّا قليل منهم. ولو أنّ أهل الخلاف (بدل «ولو أنّهم» ـ توضيحا لموضع الضمير ـ) فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشدّ تثبيتا. (٥)

وفي هذا الحديث نكتة دقيقة : كان قتل النفس كناية عن كبح جموحها واستسلامها لقيادة وليّ الأمر. وكذا كان الخروج من الديار كناية عن الخروج عن ملاذّ النفس المحيطة بها كحصار حصين ، كناية عن امتثال أوامره والانقياد لحكومته ، فيكون في ذلك رضاه عن الناس وبغية أمله في تحكيم إرادة الله سبحانه.

٥ ـ وأيضا روى الكليني عن أبي بصير عن الإمام الصادق عليه‌السلام في قوله تعالى : (وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا) قال : إن تلووا الأمر وتعرضوا عمّا امرتم به (فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ

__________________

(١) ـ فصل الخطاب ، ص ٢٧٥.

(٢) ـ النساء ٤ : ٦٥.

(٣) ـ الكافي ، ج ٨ ، ص ١٨٤ ، رقم ٢١٠.

(٤) ـ النساء ٤ : ٦٦.

(٥) ـ الكافي ، ج ٨ ، ص ١٨٤ ، رقم ٢١٠.

٢٠٧

خَبِيراً). (١)

وقد اعترف النوري (الذي استدلّ بهذا الحديث دليلا على التحريف) بأنّ ظاهر الخبر هو إرادة التفسير. لكنّه تمحّل في توهّمه القديم زاعما دلالة الآية بذاتها على إرادة التحريف ، قال : إلّا أنّه يمكن استظهار نزوله كذلك ، بملاحظة صدر الآية وذيلها (كذا) ...! (٢) ولعلّه من سهو القلم!!

٦ ـ وروى بإسناده عن أبي الربيع الشامي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) (٣) فقال عليه‌السلام : الورقة : السقط. والحبّة : الولد. وظلمات الأرض : الأرحام. والرطب : ما يحيي من الناس. واليابس : ما يغيض ، وكلّ ذلك في إمام مبين. (٤)

واستظهر العلّامة المجلسي من تبديل الكتاب بالإمام في كلامه عليه‌السلام ، كونه تفسيرا له ، نظرا إلى قوله تعالى : (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ). (٥)

وأيّده بما رواه العامّة والخاصّة في هذه الآية أنّها لمّا نزلت أشار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى علي عليه‌السلام مقبلا ، فقال : هذا هو الإمام المبين. (٦)

لكن محدّثنا النوري لم يرقه هذا الاستظهار اللطيف ، فعلّق عليه بقوله : وفي التأييد نظر (٧) يعني أنّه من التحريف لا غير!

٧ ـ وروى بإسناده إلى أبي حمزة الثمالي عن الإمام محمّد بن علي الباقر عليه‌السلام في قوله تعالى : (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا) قال : بولاية علي ثمّ تلا بقية الآية : (قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ). (٨)

__________________

(١) ـ الكافي ، ج ١ ، ص ٤٢١ ، رقم ٤٥ ، والآية ١٣٥ من سورة النساء.

(٢) ـ فصل الخطاب ، ص ٢٧٦.

(٣) ـ الأنعام ٦ : ٥٩.

(٤) ـ الكافي ، ج ٨ ، ص ٢٤٩ ، رقم ٣٤٩.

(٥) ـ يس ٣٦ : ١٢.

(٦) ـ راجع : تفسير البرهان ، ج ٤ ، ص ٦ ـ ٧ ؛ ومرآة العقول ، ج ٢٦ ، ص ٣٢٠ ـ ٣٢٢.

(٧) ـ فصل الخطاب ، ص ٢٨٤.

(٨) ـ الكافي ، ج ١ ، ص ٤٢٢ ، رقم ٥١. والآية ١٩ من سورة الحج.

٢٠٨

وهذا بيان لأبرز مصاديق الكفر بالله. لأنّ نكران ولاية وليّ الله نكران لأعظم شعائر الله في الأرض. روى الكليني في كتاب الحجّة بإسناده عن محمّد بن عبد الرحمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «ولايتنا ولاية الله التي لم يبعث نبيا قطّ إلّا بها» (١) وهذه حقيقة لا مرية فيها ، فإنّ هذا الأثر من ذاك المؤثّر ، فرفض الأثر رفض لصاحب الأثر في واقع الأمر.

وعليه فهو تفسير محض ، وعبثا حاول الشيخ النوري إثبات كون اللفظ من عبارة القرآن. (٢)

٨ ـ ومثله ما رواه عن الثمالي أيضا عن الإمام الباقر عليه‌السلام في قوله تعالى : (فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ) قال : بولاية علي. ثمّ تلا : (إِلَّا كُفُوراً). (٣) ثمّ قال عليه‌السلام : ونزل جبرائيل بهذه الآية هكذا (٤) أي هذا شأن نزولها وبهذا المعنى نزلت الآية. كما حقّقه المولى محسن الفيض في أمثال هذه التعابير :

قال : لعلّ المراد أنّ تلك الزيادات وجدت مكتوبة تفسيرا ولكن مأخوذة من الوحي ، لا أنّها كانت من أجزاء القرآن. قال : فما ورد من استماع حروف على خلاف ما يقرأه الناس ، يعني حروفا تفسّر ألفاظ القرآن وتبيّن المراد منها ، وقد علمت بالوحي (٥) أي علما مستندا إلى الوحي ، ومن ثمّ لا يعلمه سوى الأئمّة من أهل بيت الوحي.

ثمّ استشهد بما روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : ولو أنّ الناس قرأوا القرآن كما انزل ما اختلف اثنان. قال : وهو إشارة إلى صحّة ما أوّلنا به تلك الأخبار. فالمعنى : أنّهم لو فسّروه كما هداهم أهل الوحي ولم يفسّروه وفق أهوائهم وآرائهم لم يختلف اثنان ، إذ لا اختلاف في مبدأ الوحدة.

وهو تحقيق أنيق يختصّ به اولو البصائر في الدين ، لا الذين يروقهم القول الجزاف.

٩ ـ وأيضا ورد بهذا المعنى في قوله تعالى : (فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا). قال : بولاية

__________________

(١) ـ الكافي ، ج ١ ، ص ٤٣٧ ، رقم ٣.

(٢) ـ فصل الخطاب ، ص ٣٠٩.

(٣) ـ الإسراء ١٧ : ٨٩.

(٤) ـ الكافي ، ج ١ ، ص ٤٢٥ ، رقم ٦٤.

(٥) ـ الوافي ، المجلد الثاني ، ج ٥ ، ص ٢٧٣ و ٢٧٤.

٢٠٩

علي عليه‌السلام ، ثمّ تلا البقية : «عذابا شديدا». (١)

١٠ ـ وعن الهيثم بن عروة التميمي بسند ضعّفه المشهور لمكان سهل بن زياد ، قال : سألت الصادق عليه‌السلام عن آية الوضوء (٢) ومسحت من ظهر كفّي إلى المرافق! فقال : ليس هكذا تنزيلها ، إنّما هي : فاغسلوا وجوهكم وأيديكم من المرافق. ثمّ أمرّ يده من مرفقه إلى أصابعه. (٣)

أي ليس المقصود من تنزيل الآية إرادة هذا المعنى ، بل المراد : الغسل من المرفق.

قال العلّامة المجلسي : قوله «هكذا تنزيلها» أي مفادها ومعناها ، بأن يكون المراد بلفظة «إلى» : «من». أو المعنى أنّ «إلى» في الآية غاية المغسول لا الغسل ، فلا يفهم الابتداء من الآية ، وظهر من السنّة أنّ الابتداء من المرفق. (٤)

قلت : لا شكّ أنّ «إلى» في الآية ليست لتحديد الغسل ، بل لبيان حدّ المغسول. فيجب أن يكون الغسل وفق المتعارف من فوق. كما وردت به السنّة. مضافا إلى أنّه لم يعهد قراءة «من» بدل «إلى» في الآية ، فاحتمال ذلك بعيد للغاية. وعلى الفرض فهو غير مسألة التحريف. فتدبّر جيّدا.

١١ ـ وهكذا ما ورد بزيادة لفظ «في عليّ» في موارد مختلفة ، كلّ ذلك بيان لأظهر المصاديق تفسيرا لا كونه من عبارة النصّ.

منها ما رواه الكليني بإسناد ضعيف عن عبد الرحمان بن كثير ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ) (٥) قال : نزلت ـ والله ـ فيهما وفي أتباعهما. وهو قول الله عزوجل الذي نزل به جبرائيل على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ذلك بأنّهم قالوا للّذين كرهوا ما نزّل الله ـ في علي ـ سنطيعكم في بعض الأمر». (٦)

__________________

(١) ـ الكافي ، ج ١ ، ص ٤٢١ ، رقم ٤٥. والآية ٢٧ من سورة فصّلت.

(٢) ـ يعني الآية ٦ من سورة المائدة.

(٣) ـ الكافي ، ج ٣ ، ص ٢٨ ، رقم ٥.

(٤) ـ مرآة العقول ، ج ١٣ ، ص ٩٣.

(٥) ـ محمّد ٤٧ : ٢٦.

(٦) ـ الكافي ، ج ١ ، ص ٤٢٠ ـ ٤٢١ ، رقم ٤٣.

٢١٠

ومن المعلوم أنّ لفظ «في عليّ» كان بيانا لمورد النزول الذي أغضب هؤلاء المنافقين أي كانوا كرهوا ما نزّل الله بشأن عليّ عليه‌السلام من أمر الولاية والخمس كما في ذيل الحديث ، فراجع. (١)

١٢ ـ ونظيره ما وردت الزيادة بلفظ «بمحمّد» أثناء القراءة زيادة تفسيرية من غير فرق.

روى الكليني بإسناده إلى محمّد بن خالد عن الصادق عليه‌السلام قرأ : «وكنتم على شفا حفرة من النّار فأنقذكم منها» (٢) (بمحمّد). قال : هكذا والله نزل بها جبرائيل على محمّد عليهما‌السلام. (٣)

ولا شكّ أنّه أراد السبب العامل للإنقاذ ، فهو تفسير لا غير. والمقصود من نزوله هكذا بيان شأن النزول والمناسبة المستدعية للنزول ذاتا. ولا يحتمل أنّه عليه‌السلام أراد كونه جزءا من الآية!

١٣ ـ ويزيد دلالة على إرادة هذا المعنى ـ أي بيان مورد النزول وإرادة التفسير لا غير ـ ما رواه عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل : (فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ، (٤) قال ـ مفسّرا ـ : يا معشر المكذّبين حيث أنبأتكم رسالة ربّي في ولاية عليّ والأئمّة عليهم‌السلام من بعده ، من هو في ضلال مبين؟ قال : كذا انزلت. (٥)

ولا شكّ أنّه عليه‌السلام لم يرد أنّ هذا البيان والتفسير نزل جزءا من الوحي القرآني ، بل إنّه المقصود من النزول! قال العلّامة المجلسي ـ بعد تضعيف الخبر ـ : واوّل بأنّها نزلت هكذا ، تفسيرا للآية ، كما مرّ نظيره. (٦)

١٤ ـ ومن هذا الباب أيضا ما رواه عن ابن فضيل ، قال : سألت أبا الحسن الماضي عليه‌السلام عن قوله تعالى : (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ). (٧) قال : يريدون ليطفئوا ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام بأفواههم!

__________________

(١) ـ وللمجلسي بيان تفصيلي في وجه هذا التأويل. راجع : مرآة العقول ، ج ٥ ، ص ٤٨ ـ ٥٠.

(٢) ـ آل عمران ٣ : ١٠٣.

(٣) ـ الكافي ، ج ٨ ، ص ١٨٣ ، رقم ٢٠٨.

(٤) ـ الملك ٦٧ : ٢٩.

(٥) ـ الكافي ، ج ١ ، ص ٤٢١ ، رقم ٤٥.

(٦) ـ مرآة العقول ، ج ٥ ، ص ٥٨.

(٧) ـ الصف ٦١ : ٨.

٢١١

قلت : والله متمّ نوره؟

قال : متمّ الإمامة. لقوله عزوجل : (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا) (١) والنور هو الإمام.

قلت : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ). (٢)

قال : يظهره على جميع الأديان عند قيام القائم لقوله عزوجل : (وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ) ولاية القائم (وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (٣) بولاية عليّ.

قلت : هذا تنزيل؟ قال : نعم ، أمّا هذا الحرف فتنزيل ، وأمّا غيره فتأويل. (٤)

وهذا صريح في إرادة شأن النزول ، وأمّا سائر المعاني فهي من التأويل الباطل تحريفا بمعنى الآية. قال العلّامة المجلسي : وفسّر المفسّرون النور بالقرآن. وأوّله عليه‌السلام بالإمام لمقارنته له صلى‌الله‌عليه‌وآله في سائر الآيات.

ثم بيّن قدس‌سره وجه التوفيق في صدق الإنزال على النور المؤوّل بالإمام ، وأخذ في تحقيق سائر الوجوه في شرح الحديث ، مع اعترافه بجهالة الإسناد ، على عادته. (٥)

ولكن المحدّث النوري رغم هذا كلّه نراه قد ذهب في هذا الحديث مذاهب بعيدة ، تتناسب مع عقليّة الأخباريين. (٦)

١٥ ـ وفي ذيل الحديث قال : قال تعالى : يا محمّد (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ) بولاية وصيّك «قالوا نشهد» ـ إلى قوله ـ «إنّ المنافقين» بولاية عليّ «لكاذبون» ـ إلى قوله ـ «ذلك بأنّهم آمنوا» برسالتك «ثمّ كفروا» بولاية وصيّك ـ إلى قوله ـ «ورأيتهم يصدّون» عن ولاية عليّ «وهم مستكبرون». (٧)

وهذا تفسير كلّه بلا ريب ، وقد اعترف بذلك المحدّث النوري. قال : وسوق الحديث

__________________

(١) ـ التغابن ٦٤ : ٨.

(٢) ـ الصف ٦١ : ٩.

(٣) ـ الصف ٦١ : ٩.

(٤) ـ الكافي ، ج ١ ، ص ٤٣٢ ، رقم ٩١.

(٥) ـ راجع : مرآة العقول ، ج ٥ ، ص ١٣٤ ـ ١٣٧.

(٦) ـ راجع : فصل الخطاب ، ص ٣٣٤.

(٧) ـ الكافي ، ج ١ ، ص ٤٣٢ ـ ٤٣٣ ، رقم ٩١. والآيات ١ ـ ٥ من سورة المنافقون.

٢١٢

غير صريح في التحريف ، وإن لم يكن أبيّا من الحمل عليه. (١)

قلت : لا وجه للحمل أصلا ، كما في صدر الحديث حسبما عرفت.

١٦ ـ وأيضا منه : قلت : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً) (٢) قال : بولاية عليّ تنزيلا. قلت : هذا تنزيل؟ قال : نعم ذا تأويل. (٣)

وهو صريح في إرادة التفسير من التنزيل ، تفسيرا يشبه التأويل. ومن ثمّ فإنّه حاكم على كلّ مزعومات أصحاب القول بالتحريف. وسيأتي ما هو أصرح.

١٧ ـ وعن سدير الصيرفي ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : هل يكره المؤمن على قبض روحه؟ قال : لا ، ـ إلى أن قال : ـ وينظر إليهم ثمّ ينادي نفسه [مناد من قبل ربّ العزّة](يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) إلى محمّد وأهل بيته (ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً) بالولاية (مَرْضِيَّةً) بالثواب (فَادْخُلِي فِي عِبادِي) يعني محمّدا وأهل بيته (وَادْخُلِي جَنَّتِي). (٤)

ولفظة «يعني» في الذيل شهادة على كون ذلك كلّه تفسيرا وتوضيحا للآية لا غير.

١٨ ـ وروى عمّار الساباطي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال تعالى بشأن علي عليه‌السلام : (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ) (أنّ محمّدا رسول الله) (وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (أنّ محمّدا رسول الله وأنّه ساحر كذّاب) (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ ،) (٥) ثمّ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : هذا تأويله يا عمّار! (٦)

هذا الحديث الشريف قد أوضح من تلك الزيادات التفسيرية التي ربّما كانت تذكر خلال قراءات الأئمّة عليهم‌السلام إنّما كانت على نحو التفسير أو التأويل ، وليس كما يزعمه أهل التحريف.

١٩ ـ وعن ابن فضّال عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه‌السلام : «فأنزل الله سكينته على

__________________

(١) ـ فصل الخطاب ، ص ٣٣٦.

(٢) ـ الدهر ٧٦ : ٢٣.

(٣) ـ الكافي ، ج ١ ، ص ٤٣٥ ، رقم ٩١.

(٤) ـ تفسير البرهان ، ج ٤ ، ص ٤٦١. والآيات ٢٧ ـ ٣٠ من سورة الفجر.

(٥) ـ الزمر ٣٩ : ٩.

(٦) ـ الكافي ، ج ٨ ، ص ٢٠٤ ـ ٢٠٥ ، رقم ٢٤٦.

٢١٣

رسوله وأيّده بجنود لم تروها» (١) والآية (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها) (٢) فقد وضع اسم الظاهر موضع الضمير ـ إن صحّت الرواية ـ تنبيها على أنّ المراد هو الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله دون صاحبه ، بدليل مرجع الضمير في «أيّده بجنود» الذي ليس سوى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ونظرا لآيات اخرى خصّت نزول السكينة على الرسول (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) ، (٣) وعليه فهو تفسير وبيان لمرجع الضمير.

وهذا معنى قوله عليه‌السلام : «هكذا تنزيلها» أي بهذا المعنى نزلت ، على ما أسلفنا.

وأمّا قوله : «هكذا نقرأها» ـ إن صحّت الرواية ـ فلعلّها قراءة على خلاف المشهور ، نظير ما اثر عن ابن مسعود من زيادات تفسيرية في قراءته ، ولا مستمسك فيها للقول بالتحريف ، حسبما عرفت غير مرّة.

٢٠ ـ وروى بإسناد مقطوع : قرأ رجل عند أبي عبد الله عليه‌السلام : (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) (٤) فقال : ليس هكذا هي ، إنّما هي : والمأمونون ، فنحن المأمونون. (٥)

والرواية ـ على فرض الصحة ـ إنّما تعني تفسير المؤمنين هنا بالمؤمنين المسؤولين ، أي المتحمّلين لمسؤوليّة الامّة وليس مطلق المؤمنين وإن كانوا مسؤولين نوعا مّا. ولا شكّ أنّ المسؤول العامّ هو الذي اؤتمن على دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم ، وليس سوى الإمام من الأئمّة الهداة المعصومين.

فقوله : «ليس هكذا هي» أي لا يذهب وهمك إلى إرادة عموم المؤمنين ، وإنّما هم المؤمنون الكاملون المراد بهم المسؤولون خاصّة.

قال العلّامة المجلسي ـ في الشرح ـ : أي ليس المراد بالمؤمنين هنا ما يقابل الكافرين ليشمل كلّ مؤمن ، بل المراد بهم الكمّل من المؤمنين وهم المأمونون عن الخطأ

__________________

(١) ـ المصدر ، ص ٣٧٨ ؛ وتفسير البرهان ، ج ٢ ، ص ١٢٨ ، رقم ١٣.

(٢) ـ التوبة ٩ : ٤٠.

(٣) ـ الفتح ٤٨ : ٢٦. وفي سورة التوبة (٩ : ٢٦) : «ثمّ أنزل ...».

(٤) ـ التوبة ٩ : ١٠٥.

(٥) ـ الكافي ، ج ١ ، ص ٤٢٤ ، رقم ٦٢.

٢١٤

المعصومون عن الزلل وهم الأئمّة عليهم‌السلام. (١)

* * *

النوع الثاني : ما قدّمنا الإشارة إليه (٢) من قراءات منسوبة إلى بعض الأئمّة ، عن طريق الآحاد ، ربّما كانت تخالف قراءة الجمهور ، ومتوافقة أحيانا مع بعض القراءات الشاذّة في مصطلحهم. وقد أسبقنا أن لا حجّية فيها أوّلا ، لأنّ القرآن إنّما يثبت بالتواتر لا بالآحاد. وثانيا لم يكن الاختلاف في القراءة دليلا على الاختلاف في نصّ الوحي ، لأنّ القرآن شيء والقراءات شيء آخر ، كما أسلفنا. فلا يصلح ذلك مستمسكا للقول بالتحريف. قال الإمام الصادق عليه‌السلام : القرآن نزل على حرف واحد من عند الواحد (٣) وفي رواية اخرى : ولكن الاختلاف يجيء من قبل الرواة (٤) وهم القرّاء يزعمون النصّ فيما يرون. وطريقهم الآحاد ، فلا يثبت بقراءتهم قرآن ، حتّى ولو كان القارئ المنسوب إليه من كبار السلف ، اللهمّ إذا قرأ بها الجمهور ، حكاية عن النصّ الأصل بلا ريب.

وإليك نماذج من قراءات منسوبة إلى الأئمّة عليهم‌السلام جاءت برواية الكليني في «الكافي» الشريف ، مضافا إلى ما سبق برواية الطبرسي في «مجمع البيان» والأسانيد في الغالب ضعيفة على كلّ حال. (٥)

١ ـ روى شيخ الطائفة في «التهذيب» عن الشيخ المفيد بإسناده عن غالب بن الهذيل ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قوله تعالى : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) (٦) على الخفض هي أم على النصب؟ قال : بل هي على الخفض. (٧)

وبما أنّ القراءة المشهورة على النصب أخذ المحدّث النوري من هذا الحديث مستمسكا لزعمه في التحريف. (٨)

__________________

(١) ـ مرآة العقول ، ج ٥ ، ص ٧٩.

(٢) ـ فيما خصّ نقله من مجمع البيان.

(٣) ـ الكافي ، ج ٢ ، ص ٦٣٠ ، رقم ١٣.

(٤) ـ المصدر ، رقم ١٢.

(٥) ـ إمّا مرسلة أو مجهولة أو مقطوعة الأسناد.

(٦) ـ المائدة ٥ : ٦.

(٧) ـ تهذيب الأحكام ، ج ١ ، ص ٧١. وتبديل الواو فاء في الأصل دليل آخر على الغمز في صحة الرواية.

(٨) ـ فصل الخطاب ، ص ٢٨٠.

٢١٥

وقد ذهب عنه أنّ ثلاثة من القرّاء السبعة ، وهم : ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحمزة ، قرأوا بالخفض وثلاثة وهم : ابن عامر ، ونافع ، والكسائي ، قرأوا بالنصب. وأمّا عاصم فقد قرأ بالوجهين ، بالنصب برواية حفص ، وبالخفض برواية شعبة! (١) وقد نصّ عليه الشيخ في التهذيب. (٢)

على أنّ اختلاف القراءة لم يكن يوما مّا دليلا على مسألة التحريف!

ملحوظة : هذه الرواية ساقطة عندنا لا نعتبرها حجّة ، لأنّ المفيد يرويها بإسناده إلى حمّاد عن محمّد بن النعمان (مشترك ، ولو كان هو الأحول الثقة مؤمن الطاق لنصّ عليه) عن غالب بن هذيل أو أبي هذيل (مجهول الحال ، لم يعرف سوى أنّه شاعر كوفي ، وعدّه الشيخ من أصحاب الباقر ثمّ الصادق عليهما‌السلام). ومن ثمّ فالرواية من حيث الإسناد غير صحيحة.

وأمّا قراءة الخفض فمضافا إلى أنّها خلاف المشهور ولم يقرأ بها حفص ولا جمهور المسلمين (وهو الشرط الأوّل لصحّة القراءة) ، كانت على خلاف ضوابط الإعراب ، (والشرط الثاني لصحة القراءة هو كونها موافقة مع الضوابط اللغوية المعروفة). (٣)

توضيح ذلك : أنّ العامّة حملوا قراءة النصب على إرادة العطف على مدخول الغسل ، أي اغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم ، ومن ثمّ حصل الفصل بين العاطف والمعطوف عليه بالأجنبي ، وهو : «وامسحوا برؤوسكم». وهو حمل ساقط ، لأنّ الفصل بالأجنبي غير جائز في اللغة الفصحى.

نعم ، حمله الشيخ الرضي قدس‌سره على إرادة العطف على محلّ المجرور. وذلك لأنّ المسح ممّا يتعدّى بنفسه من غير حاجة إلى دخول الباء ، لكن لمّا كان الواجب هو إمرار اليد المبتلّة بالرأس إمرارا من غير اعتبار الاستيعاب دخلت الباء على الممسوح دلالة على كفاية مجرّد إمرار المسّ ، أي صرف لصوق هذا الفعل بهذا المحلّ ومن ثمّ زيدت الباء. وبما

__________________

(١) ـ حجّة القراءات لأبي زرعة ، ص ٢٢١ و ٢٢٣.

(٢) ـ تهذيب الأحكام ، ج ١ ، ص ٧١.

(٣) ـ راجع اختيارنا في ضابط القبول في الجزء الثاني من التمهيد ، «ملاك صحة القراءة» ، فى صورة الكلمة ، و«دفاع ملثوم».

٢١٦

أنّه بأوّل حصول الفعل (المسح) يحصل الامتثال فيسقط الأمر ولا دليل على الإدامة والاستيعاب. (١)

وأمّا مسح الرجلين فيجب استيعابهما إلى الكعبين ، ومن ثمّ كان عطفا على محلّ المجرور ، أي وامسحوا أرجلكم إلى الكعبين ، نظير «واغسلوا أيديكم إلى المرافق». بدليل بيان الحدّ ، وهو نهاية المحلّ المغسول في اليد ، والممسوح في الرجل.

أمّا إذا قرئ بالخفض فمعناه : المسح ببعض الرجل وهو غير مراد.

ومن ثمّ كانت قراءة النصب هي المتوافقة مع ضابط القبول فهي الحجّة المعتبرة عندنا لا غير.

٢ ـ روى الكليني بإسناده عن عمران بن ميثم ، قال : قرأ رجل عند أمير المؤمنين عليه‌السلام : (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ). (٢)

قال : بلى والله لقد كذّبوه أشدّ التكذيب ، ولكنّها مخفّفة : لا يكذبونك : لا يأتون بباطل يكذبون به حقّك. (٣)

قلت : على فرض صحة الإسناد ، فإنّ التشديد والتخفيف اختلاف في القراءة ، الأمر الذي لا يمسّ مسألة التحريف كما نبّهنا.

وقوله : «لا يأتون بباطل» بيان ل «لا يكذبونك».

وقوله : «ولكنّها مخفّفة» أراد به باب الإفعال من الإكذاب بمعنى بيان كذب الرجل وفضحه ، أمّا التفعيل من التكذيب فهو محض الإنكار وعدم تصديقه.

فالمعنى : انّهم لا يقتصرون على مجرّد الإنكار ورفض الدعوة. بل يحاولون بشتّى الوسائل في إبطال شريعته ونقض رسالته ، بما يقومون من أعمال خبيثة لكنّهم بهذه المحاولة إنّما يقاومون رسالة الله ويجحدون بآياته.

وهذا هو الفارق بين بابي الإفعال والتفعيل ، تخفيفا وتثقيلا ، الأمر الذي ينمّ عن دقّة

__________________

(١) ـ من إفادات شيخنا الحكيم الإلهي المحقّق الشيخ محمد رضا الاصفهاني الجرقوئي طيّب الله رمسه.

(٢) ـ الأنعام ٦ : ٣٣.

(٣) ـ الكافي ، ج ٨ ، ص ٢٠٠ ، رقم ٢٤١.

٢١٧

ظريفة روعيت في هذا الحديث!

٣ ـ وروى من طريق عليّ بن إبراهيم بإسناده عن حريز ، أنّ الصادق عليه‌السلام قرأ : (فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ) ـ من ـ (ثِيابَهُنَّ) (١) بزيادة «من». (٢) ولعلّها زيادة تفسيرية ، تنبيها على أنّ المراد : وضع بعض الثياب بكشف الرأس والرقبة فحسب ، لا كشف تمام البدن. والزيادة لهذا الغرض كانت متداولة ذلك العهد. وقد مرّ نظيرها في قراءات الأصحاب كابن مسعود وابيّ بن كعب وحتى ابن عباس وغيره.

٤ ـ وروى بإسناده إلى ابن ظبيان عن الصادق عليه‌السلام أنّه قرأ : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ). والمشهور : (مِمَّا تُحِبُّونَ). (٣) قال : هكذا أقرأها. (٤)

فعلى القراءة المعروفة ندب إلى الإنفاق ببعض ما يحبّ ، وعلى هذه القراءة كان ندبا إلى الإيثار بكلّ ما يحبّ ، وهذا برّ ليس فوقه برّ. وعلى أيّ حال فهي قراءة من القراءات على فرض الثبوت ، ولا تمسّ مسألة التحريف.

٥ ـ وأيضا عن حمّاد بن عثمان قال : تلوت عند أبي عبد الله عليه‌السلام : (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) (٥) في مسألة جزاء الصيد ، وهي القراءة المعروفة ، فقال الإمام : هذا ممّا أخطأت فيه الكتّاب ، وقرأ : «ذو عدل منكم». (٦) أي يكفي أن يحكم بالمماثلة عادل واحد.

ولا شكّ أنّ الحاكم بذلك يجب أن يكون عارفا بخصوصيات النعم ليعتبرها في الموازنة مع الخصوصيات التي كان عليها الصيد. وهذا ممّا يرجع إلى النظر والاجتهاد ، فهو من أهل الخبرة وليس من باب الشهادة.

وعليه فقد اختلف نظر الفقهاء في اعتبار التعدّد في إخبار أهل الخبرة. وقد رجّحنا عدم اعتباره ، نظرا لعموم وجوب تصديق العادل ، اللهمّ إلّا مع عدم حصول الاطمئنان إلّا مع التعدّد ، والعبرة إنّما هو بحصوله. (٧)

__________________

(١) ـ النور ٢٤ : ٦٠.

(٢) ـ الكافي ، ج ٥ ، ص ٥٢٢ ، رقم ٤.

(٣) ـ آل عمران ٣ : ٩٢.

(٤) ـ الكافي ، ج ٨ ، ص ١٨٣ ، رقم ٢٠٩.

(٥) ـ المائدة ٥ : ٩٥.

(٦) ـ الكافي ، ج ٨ ، ص ٢٠٥ ، رقم ٢٤٧.

(٧) ـ راجع ما كتباه بهذا الصدد في مجلة «فصل نامه حق» ، ص ٤٦ ـ ٤٨ ، العدد الثاني ١٣٦٤ ه‍ ش.

٢١٨

٦ ـ وروى بإسناده عن أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام قرأ قوله تعالى : (هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ) (١) قرأها : «ينطق» مبنيّا للمفعول من باب الإفعال. والقراءة المشهورة : «ينطق» ثلاثيا مبنيا للفاعل.

قال عليه‌السلام في توجيه هذه القراءة : إنّ الكتاب لم ينطق ولن ينطق. ولكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هو الناطق بالكتاب ... قال : هكذا والله نزل به جبرائيل على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ولكنّه فيما حرّف من كتاب الله. (٢) والتحريف هنا مأخوذ من الحرف بمعنى القراءة ، أي القرّاء قرأوها كذلك.

هكذا شرح العلّامة المجلسي هذا الحديث ورفع من إبهامه ، جزاه الله خيرا. (٣)

وروايات اختلاف القراءة التي جاءت في «الكافي» الشريف ربّما تنوف على الخمسين ، اقتصرنا على نماذج منها ، خوف الإطالة.

* * *

النوع الثالث : أحاديث جاء فيها لفظ «التحريف» ، فزعمه أهل القصور تحريفا مصطلحا في حين أنّه تحريف بالمعنى وتفسير على غير الوجه.

١ ـ من ذلك ما رواه الكشي بإسناده عن عليّ بن سويد ، قال : كتب إليّ أبو الحسن الأوّل عليه‌السلام وهو في سجن هارون : وأمّا ما ذكرت يا عليّ ممّن تأخذ معالم دينك ، لا تأخذنّ معالم دينك عن غير شيعتنا ، فإنّك إن تعدّيتهم أخذت دينك عن الخائنين الذين خانوا الله ورسوله ، وخانوا أماناتهم ، إنّهم اؤتمنوا على كتاب الله عزوجل وعلا ، فحرّفوه وبدّلوه ، فعليهم لعنة الله ... (٤)

٢ ـ وروى الصدوق في الخصال عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : يجيء يوم القيامة ثلاثة يشكون : المصحف ، والمسجد ، والعترة. يقول المصحف : يا ربّ حرّفوني ومزّقوني. ويقول المسجد : يا ربّ عطّلوني وضيّعوني. وتقول العترة : يا ربّ

__________________

(١) ـ الجاثية ٤٥ : ٢٩.

(٢) ـ الكافي ، ج ٨ ، ص ٥٠ ، رقم ١١.

(٣) ـ مرآة العقول ، ج ٢٥ ، ص ١٠٨.

(٤) ـ رجال محمد بن مسعود الكشى ، ص ١٠.

٢١٩

قتلونا وطردونا ... (١) ولكن النسخ «حرّقوني» بالقاف.

٣ ـ محمّد بن قولويه بإسناده عن الحسن بن عطيّة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : اللهمّ العن الذين كذّبوا رسلك ، وهدموا كعبتك ، وحرّفوا كتابك. (٢)

والروايات من هذا القبيل كثيرة فلا نتكرّر بذكر الأمثال.

لكن تقدّم : أنّ التحريف في اللغة وفي مصطلح الشرع (في الكتاب والسنّة) يراد به التحريف المعنوي ، أي التفسير بغير الوجه المعبّر عنه بالتأويل الباطل.

وتقدّم الحديث عن الإمام الباقر عليه‌السلام في رسالته إلى سعد الخير : وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرّفوا حدوده ... (٣)

ويشهد لذلك ما ورد عنه عليه‌السلام في تنويع القارئين للقرآن : ورجل قرأ القرآن فحفظ حروفه وضيّع حدوده ... (٤) فجاء استعمال التضييع موضع التحريف. وتضييع حدود القرآن هو تركها وعدم العمل وفقها. كما كان المراد من تحريفها : عدم وضعها في موضعها. لأنّه مأخوذ من الحرف بمعنى الجانب.

وفي حديث الحسن بن موسى الخشاب يرفعه إلى الصادق عليه‌السلام : وذلك أنّهم بتّروا القرآن وأبطلوا السنن وعطّلوا الأحكام ... (٥) فجاء «التبتير» موضع «التحريف». لأنّ القرآن إذا لم يعمل به فقد هجر وبتّر.

وقرينة اخرى في نفس الروايات المتقدّمة : قرن تحريف القرآن بهدم الكعبة وتعطيل المساجد ممّا لا يراد المعنى الحقيقي ، وإنّما هو بفقد حجيج يريدون وجه الله. وخلوّ المساجد عن أهل اليقين في عبادة الله!

هذا ، ولكن محدّثنا النوري تراه مصرّا على إرادة «التحريف» المصطلح (تحريف اللفظ) من لفظ الروايات. قال : ففي روايات الباب (التي سردها دليلا على تحريف

__________________

(١) ـ خصال الصدوق ، باب الثلاثة ، برقم ٢٣٢ ، ص ١٧٤.

(٢) ـ كامل الزيارات ، باب ٧٩ ، ص ١٩٧.

(٣) ـ الكافي ، ج ٨ ، ص ٥٣ ، رقم ١٦.

(٤) ـ المصدر ، ج ٢ ، ص ٦٢٧ ، رقم ١.

(٥) ـ تفسير العياشي ، ج ١ ، ص ٥ ، رقم ٧.

٢٢٠