صيانة القرآن من التحريف

الشيخ محمّد هادي معرفة

صيانة القرآن من التحريف

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي معرفة


المحقق: مؤسسة التمهيد
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة التمهيد ـ قم
المطبعة: ياران
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-90596-0-0
الصفحات: ٢٧٢

وسنأتي على سائر سفاسفهم عند التعرّض لمزاعم شيخهم المتأخّر ، حسب ما يلي :

مزاعم صاحب «فصل الخطاب»

وضع المحدّث النوري كتابه (فصل الخطاب) على مقدّمات ثلاث واثني عشر فصلا وخاتمة. وجعل من الفصول الاثني عشر دلائل عرضها لإثبات تحريف الكتاب. والذي دعاه إلى ذلك ما زعمه من إسقاط المخالفين فضائل أهل البيت عليهم‌السلام ومثالب أعدائهم من القرآن. كتبه جوابا عمّا سأله بعض علماء الهند يومذاك عن سبب خلوّ القرآن من أسماء الأئمّة المعصومين عليهم‌السلام.

قال ـ في الفصل التاسع ، الذي وضعه لبيان وجود أسماء العترة ومواليدهم في كتب العهدين ـ : كيف يحتمل المنصف أن يهمل الله تعالى ذكر أسامي أوصياء خاتم النبيين وابنته الصديقة عليهم‌السلام في كتابه المهيمن على جميع كتب السالفين ، ولا يعرّفهم للامّة التي هي أشرف الامم وهو أهم من سائر الواجبات التي تكرّر ذكرها في القرآن.

ثمّ أيّد ذلك بما رواه عن كعب الأحبار اليهودي العاكف على أعتاب معاوية الطاغية ، أنّه قرأ مواليد العترة في اثنين وسبعين كتابا كلّها نازلة من السماء ، وأنّهم أفضل الخلائق بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنّهم أمان الله في أرضه. قال ذلك بمحضر معاوية الذي أساءه هذا النعت ، فقام وخرج مغضبا ...! (١)

وهكذا سبقه إلى هذا الوهم السيّد الجزائري ، قال : إنّهم قد غيّروا وبدّلوا في الدين ما هو أعظم ، كتغييرهم القرآن وتحريف كلماته وحذف ما فيه من مدائح آل الرسول والأئمّة الطاهرين وفضائح المنافقين وإظهار مساوئهم. (٢)

وبعد : فإليك عرضا موجزا عن دلائله التي أوردها ضمن هذه الفصول ، متعقّبا كلّ فصل بما يناسبه من تعليق :

قال ـ أوّلا ـ : قد وقع التحريف في كتب العهدين ، فكانت ضرورة تشابه الأحداث

__________________

(١) ـ فصل الخطاب ، ص ١٨٣ ـ ١٨٤.

(٢) ـ الأنوار النعمانية ، ج ١ ، ص ٩٧.

١٨١

فيما غبر وحضر تستدعي وقوع التحريف في القرآن أيضا. (١)

وقد أسلفنا أنّ تحريف العهدين كان تحريفا معنويا وتفسيرا على غير وجهه. مضافا إلى ضياع كثير من بنود الأصل ، وكان الباقي سليما حتى عهد الرسالة ، بتصريح الكتاب الكريم.

وأمّا تشابه الامم فإنّما هو في اصول الأخلاق والمعاشرة ، المبتنية على أصل التنازع في البقاء ، وليس في السلوك والأساليب المتّخذة المتناسبة مع شرائط خاصة بكلّ زمان ، حسبما سبق تفصيله.

* * *

وقال ـ ثانيا ـ : إنّ الأساليب التي قام بها جامعوا القرآن ذلك العهد ، لتستدعي انفلات شيء من كلماته وآياته ، ولا سيما بالنظر إلى عدم إمكانية الإحاطة بجميع القرآن لمن لم يستكمل الجمع على حياة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله. (٢)

وقد شرحنا مراحل جمع القرآن الثلاث منذ عهد الرسالة فإلى دور توحيد المصاحف على عهد عثمان. وقد تحقّقت مرحلتان منها في حياة الرسول : تأليف الكلمات ونظم الآيات. وبقي ترتيب السور إلى ما بعد وفاته صلى‌الله‌عليه‌وآله. الأمر الذي لا يستدعي تغييرا في كلمات القرآن وآياته الكريمة. (٣)

* * *

وقال ـ ثالثا ـ : إنّ ما تذرّعت به العامة لتوجيه رواياتهم في التحريف بأنّها من منسوخ التلاوة لغو باطل. إذ فيها الصراحة بأنّ كثيرا من التحريف حصل على يد عثمان نفسه وفي عهده. (٤)

وقد ذكرنا أنّها من تلفيقات الحشويّة جاءت في اصول العامة ذهولا ، ولا وزن لها في

__________________

(١) ـ راجع : فصل الخطاب ، ص ٣٥ ـ ٩٥.

(٢) ـ المصدر ، ص ٩٦ ـ ١٠٤.

(٣) ـ راجع : الجزء الأوّل من هذا التأليف (التمهيد) ، «تأليف القرآن».

(٤) ـ راجع : فصل الخطاب ، ص ١٠٥ ـ ١٢٠.

١٨٢

عالم الاعتبار رأسا. (١)

* * *

ورابعا : كان لأمير المؤمنين عليه‌السلام مصحف يخصّه ، فلا بدّ أنّه يخالف سائر المصاحف. (٢)

نعم يخالفها في النظم والترتيب والاحتواء على شروح وتفاسير على الهامش ، وقد تقدم شرحه. (٣)

* * *

وخامسا : كان لعبد الله بن مسعود أيضا مصحف يخصّه. (٤)

كان اختلافه مع سائر المصاحف في قراءته بالزيادة التفسيرية أحيانا ، وبتبديل كلمات غير مألوفة إلى نظيراتها المألوفة لغرض الإيضاح. وقد أسقط المعوّذتين بزعم أنّهما عوذتان. ولم يثبت سورة الفاتحة في مصحفه ، نظرا لأنّها عدل القرآن وليس منه.

هكذا كان يزعم. ولكن كلّ ذلك لا ينمّ عن قصد إلى تحريف الكتاب. (٥)

* * *

وسادسا : كان مصحف ابيّ بن كعب مشتملا على أكثر من مصحفنا اليوم. (٦)

نعم ، كان مشتملا على دعائي القنوت وقد حسبهما سورتين : سورة الخلع وسورة الحفد. وقد زاد في مفتتح سورة الزمر «حم» ليكون عدد الحواميم عنده ثمانية ، على خلاف المشهور. وكانت له زيادات تفسيرية على غرار زيادات ابن مسعود. وقد وصفنا ذلك كلّه فيما سبق (٧) الأمر الذي لا يغني مدّعي التحريف فتيلا.

* * *

وسابعا : إنّ عثمان قد أسقط من المصحف بعض الكلمات بل الآيات ، حيث كان وجودها متنافيا مع بقاء سلطانه. وقد غفل عنه صاحباه ، فقام هو بالأمر تداركا عمّا فات

__________________

(١) ـ راجع : المقال المتقدّم بشأن الحشويّة وموضعهم من مسألة التحريف.

(٢) ـ فصل الخطاب ، ص ١٢٠ ـ ١٣٤.

(٣) ـ راجع : الجزء الأوّل من التمهيد ، «وصف مصحف علي عليه‌السلام

(٤) ـ فصل الخطاب ، ص ١٣٥ ـ ١٤٣.

(٥) ـ التمهيد ، ج ١ ، «وصف مصحف ابن مسعود».

(٦) ـ فصل الخطاب ، ص ١٤٤ ـ ١٤٨.

(٧) ـ التمهيد ، ج ١ ، «وصف مصحف ابيّ بن كعب».

١٨٣

زملاءه من ذي قبل. مضافا إلى دواع اخر بعثته على الحذف والتحريف.

أضف إلى ذلك اختلاف ما بين مصاحف الآفاق التي أرسلها عثمان ، فكان دليلا قاطعا على التحريف. (١) هكذا زعم المحدث النوري!.

قلت : ما ذكره بهذا الشأن لإثبات مزعومه لا يعدو سرد حادثة جمع المصاحف على عهد عثمان ، وتوحيدها وبعث نسخ منها إلى الآفاق ، وكان المشروع بمرأى من الصحابة ومع موافقتهم ، (٢) ولم يأت في شيء منها دلالة على وقوع تحريف على يد عثمان أو على يد ذويه. ولم ندر من أين عرف النوري أنّ فيها دلالة على ذلك.

وقد أحسّ الرجل بوهن استنتاجه فتداركه أخيرا بقوله : إنّ مدّعي السقوط وإن كان يحتاج إلى إقامة دليل (٣) إلّا أنّ الثقة بمطابقة الجمع الثاني للجمع الأول تتوقّف على الثقة بعدالة الناسخين وضبطهم. الأمر الذي يعلم انتفاؤه.

لكنّا شرحنا حادث توحيد المصاحف بتفاصيله (٤) ممّا يبعث على الاطمئنان بعدم تغيير في نصّ الأصل ، وإنّما الاختلاف وقع في رسم الخط الذي لا يمسّ جانب التحريف.

ومن ذلك يعرف مدى صلة اختلاف مصاحف الآفاق بموضوع البحث!.

* * *

وثامنا : روايات عامّية رواها أهل الحشو ، نقلها جلال الدين السيوطي في التفسير وفي الإتقان ، وغيره من أصحاب الحديث. (٥)

وقد ذكرنا شطرا منها عند التعرّض لمسألة «التحريف عند حشويّة العامّة».

وكانت لا وزن لها ولا اعتبار لا سندا ولا مدلولا ، ما دامت تخالف صريح القرآن وما

__________________

(١) ـ فصل الخطاب ، ص ١٤٩ ـ ١٧٠.

(٢) ـ وقد أسلفنا (التمهيد ، ج ١ ، «موقف الصحابه تجاه المشروع المصاحفي») موافقة الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام مع أصل المشروع وذكر السيد رضي الدين ابن طاووس في كتابه «سعد السعود ، ص ٢٧٨» أنّ ما فعله عثمان كان برأي مولانا علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

(٣) ـ كلامه هذا يدلّ على عدم ثقته بوفاء دلائله لإثبات المقصود. راجع : فصل الخطاب ، ص ١٥٣.

(٤) ـ التمهيد ، ج ١ ، «توحيد المصاحف».

(٥) ـ فصل الخطاب ، ص ١٧١ ـ ١٨٣.

١٨٤

عليه جمهور المسلمين. وقد تعرّضنا لها نقدا وتحليلا ، واحدة واحدة فلا نعيد. (١)

والغريب أنّه نقل مزعومة سورة الولاية بكاملتها عن كتاب دبستان المذاهب ، (٢) وجعلها من روايات المخالفين في هذا الباب. وأخيرا حاول إثبات وجود الإشارة إليها في كتب الخاصة قال ـ عند ما ينتهي من نقلها ـ : ظاهر كلام صاحب الدبستان أنّه أخذها من كتب الشيعة ، ولم أجد لها أثرا فيها. غير أنّ ابن شهر آشوب ذكر في كتاب المثالب ـ على ما حكي عنه ـ أنّهم أسقطوا من القرآن تمام سورة الولاية. ولعلّها هذه السورة ، والله العالم. (٣) وقد تكلّمنا عن كتاب المثالب والحكاية عنه. (٤)

* * *

وتاسعا : إنّ الله تبارك وتعالى قد ذكر أسامي أوصياء خاتم النبيين وابنته الصدّيقة الطاهرة عليهم‌السلام وبعض شمائلهم وصفاتهم في تمام الكتب المباركة التي أنزلها على رسله ، إمّا لعناية بتلك الامم ليتبرّكوا بتلك الأسامي ويجعلوها وسيلة لإنجاح سؤلهم وكشف ضرّهم ، أو لارتفاع قدرهم وإعلاء شأنهم بذكرهم قبل ظهورهم بهذه الأوصاف. إذن فكيف يحتمل المنصف أن يهمل الله تعالى ذكرهم في القرآن المهيمن على سائر الكتب والباقي على مرّ الدهور ، فلا يعرّفهم لامّة نبيّه الذين هم أشرف الامم والعناية بهم أكثر ، ورفع قدرهم وإعلاء ذكرهم بدرج صفاتهم ونعوتهم في القرآن أظهر. وهذا أهمّ من غيره من الواجبات التي تكرّر ذكرها في الكتاب الكريم.

قال : وهذا الوجه وإن كان مجرّد استبعاد ، إلّا أنّ مرجعه حقيقة إلى الاستقراء التام أو إلى تنقيح المناط القطعي.

قال : وهذا الاستبعاد أحسن من استبعاد الناكرين للتحريف بحجة أنّ شدّة اهتمام الصحابة في حفظه وحراسته تمنع من احتمال وقوع التحريف في الكتاب!

قال : وعلى أي تقدير فالواجب هو ذكر سند الدليل ، وهي عدّة روايات :

__________________

(١) ـ راجع ما أسلفنا بشأن الحشويّة.

(٢) ـ فصل الخطاب ، ص ١٧٩ ـ ١٨٠.

(٣) ـ المصدر ، ص ١٨٠.

(٤) ـ عند الكلام عن مزاعم الحشويّة برقم ٢٦.

١٨٥

منها : حديث كعب الأحبار اليهودي وقراءته اثنين وسبعين كتابا نازلا من السماء ، وفي جميعها ذكر مولد النبيّ ومواليد عترته. (١) إلى آخر ما أسلفناه في مقدّمة الفصل.

* * *

وحديث آخر أغرب ، حدّث به هشام الدستوائي نقلا عن ابن شمر عن جابر الجعفي عن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، أنّه كان يحدّث أبا جعفر محمد بن علي الباقر عليه‌السلام بمكّة عند الحجر ، ويقول : سمعت أبي يقول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : إنّ الله عزوجل أوحى إليّ ليلة اسري بي قال : يا محمّد! أتحبّ أن ترى أسماء الأئمّة من أهل بيتك؟ قلت : نعم. قال : تقدّم أمامك ، فتقدّمت فإذا : علي ، والحسن ، والحسين ، وعلي بن الحسين ، ومحمد بن علي ، وجعفر بن محمد ، وموسى بن جعفر ، وعلي بن موسى ، ومحمد بن علي ، وعلي بن محمد ، والحسن بن علي ، والحجّة القائم ، كأنّه كوكب درّي في وسطهم. فقلت يا ربّ من هؤلاء؟ فقال : هؤلاء الأئمّة!

قال جابر : فلمّا انصرف سالم تبعته وقلت له : انشدك بالله هل أخبرك أحد غير أبيك بهذه الأسماء؟ قال : أمّا الحديث من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلا. ولكنّي كنت مع ابيّ عند كعب الأحبار ، فسمعته يقول : إنّ الأئمّة من هذه الامّة على عدد نقباء بني إسرائيل. إذ أقبل علي بن أبي طالب ، فقال كعب : هذا المقفى أوّلهم وأحد عشر من ولده ، وسمّاهم كعب بأسمائهم في التوراة هكذا :

(تقوبيت. قيذو ، دبيرا ، مفسورا ، مسموعا ، دوموه ، مشيو ، هذار ، يثمو ، بطور ، نوقس ، قيذمو).

قال هشام الدستوائي : لقيت يهوديا بالحيرة يقال له : «عثّوبن اوسو» وكان حبرا ، فتلوت عليه هذه الأسماء ، فقال : هذه نعوت وأوصاف لأقوام بالعبرانية صحيحة نجدها عندنا في التوراة. ثم جعل يفسّرها ، قال : أمّا تقوبيت ، فهو أوّل الأوصياء ، لآخر الأنبياء. وأمّا قيذو ، فهو ثاني الأوصياء. وأمّا دبيرا ، فهو سيّد الشهداء. وأمّا مفسورا ، فهو سيّد

__________________

(١) ـ فصل الخطاب ، ص ١٨٣ ـ ٢٠٩.

١٨٦

العابدين. وأمّا مسموعا ، فهو وارث علوم الأوّلين والآخرين. وأمّا دوموه ، فهو الناطق عن الله الصادق. وأمّا مشيو ، فهو خير المسجونين. وأمّا هذار ، فهو النازح عن الأوطان ، وأمّا يثمو ، فهو قصير العمر طويل الأثر ، وأمّا بطور ، فهو رابع اسمه. وأمّا نوقس ، فهو سميّ عمه. وأمّا قيذمو ، فهو المفقود القائم بأمر الله. (١)

* * *

وهكذا درج أهل الحشو والأخباريون على سرد المهازل ونشر الأباطيل ، على حساب أحبار اليهود الذين هم أبطال هذه المعركة. وقد سخروا من عقول هؤلاء البسطاء فجعلوا يتلون عليهم الأكاذيب في خبث ولؤم قديم.

إن هذا إلّا أساطير إسرائيلية وأقاصيص مفتعلة ، وضعتها نفوس خبيثة ، لعبا بمقدّرات المسلمين ، ومهزلة لعقول السفهاء. قال تعالى : (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ). (٢)

نعم ، كان ولا يزال اليهود يعادون الإسلام ، ويحاولون الزعزعة بكيان المسلمين! ولكن ما لهؤلاء الضعفاء يعيرون مسامعهم لسفاسف اولئك الخبثاء ويسترسلون قيادتهم تجاه دسائس إخوان الشياطين اللعناء. قال تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً). (٣)

ومن ثمّ نعود فنقول لأمثال المحدّث النوري : لا تعتمدوا على نشر أباطيل دعما لاكذوبة اختلقتموها أنتم وسلفكم من ذي قبل (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً). (٤) ولا تجعلوا القرآن عرضة لسهام أعدائه الألدّاء ، عصمنا الله من مزالّ الأقدام.

* * *

__________________

(١) ـ المصدر ، ص ١٩١ ـ ١٩٢ ، وراجع : الغيبة للنعمائي ، ص ١٠٨.

(٢) ـ المائدة ٥ : ٨٢.

(٣) ـ الأنعام ٦ : ١١٢.

(٤) ـ النحل ١٦ : ٩٢.

١٨٧

ولننظر الآن في سند الحديثين مع غضّ النظر عن ضحالة المحتوى ، الأمر الذي يزيد وهنا في وهن :

أمّا الحديث الأوّل فقد رواه محمد بن سنان (رجل ضعيف جدا لا يعوّل عليه ولا يلتفت إلى ما تفرّد به) (١) عن أبي الجارود زياد بن المنذر المعروف بالسرحوب (رأس الجارودية من الزيدية) عن الليث بن سعد (من رجال العامّة ولد سنة ٩٤ وتوفي سنة ١٧٥) قال : قلت لكعب وهو عند معاوية (هلك معاوية سنة ٦٠ أي قبل ولادة ليث بأربع وثلاثين سنة!) : كيف تجدون صفة مولد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ وهل تجدون لعترته فضلا؟ فالتفت كعب إلى معاوية لينظر هواه ، فأجرى الله على لسانه ... إلى آخر الاسطورة!

قلت : البليّة إنّما جاءت من قبل أبي الجارود الأعمى. قال أبو عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشّي : حكي أنّ أبا الجارود سمّي سرحوبا ـ بضمّ السين والحاء المهملتين ـ وتنسب إليه السرحوبية من الزيدية أيضا. سمّاه بذلك أبو جعفر محمد بن علي الباقر عليه‌السلام ، وذكر أنّ سرحوبا اسم شيطان أعمى يسكن البحر. وكان أبو الجارود مكفوفا أعمى أعمى القلب. (٢)

قال ابن الغضائري : وأصحابنا يكرهون ما رواه محمد بن سنان عنه. (٣)

وأمّا الحديث الثاني فقد رواه صاحب «مقتضب الأثر» أبو عبد الله أحمد بن محمد بن عياش الجوهري (٤) عن ثوابة الموصلي عن أبي عروبة الحرّاني عن موسى بن عيسى الأفريقي (هؤلاء ثلاثتهم مجاهيل) عن هشام بن سنبر الدستوائي (كان من أعلام الحديث عند العامة. قال الطيالسي : هشام الدستوائي أمير المؤمنين في الحديث). (٥)

عن عمرو بن شمر بن يزيد (كان ضعيفا في الحديث : روى كتاب جابر وزاد فيه ، ومن

__________________

(١) ـ قاله النجاشي في رجاله ، ج ٢ ، ص ٢٠٨.

(٢) ـ رجال الكشي ، برقم ١٠٤ ، ص ١٩٩.

(٣) ـ جامع الرواة للأردبيلي ، ج ١ ، ص ٣٣٩.

(٤) ـ كان هو وأبوه من أعيان بغداد ، وكان صاحب تأليف كثير ، لكنّه اضطرب في آخر عمره ، توفّي سنة ٤٠١. قال النجاشي : ورأيت شيوخنا يضعّفونه فلم أرو عنه شيئا وتجنّبته. تنقيح المقال ، ج ١ ، ص ٨٨ ، رقم ٥١٧.

(٥) ـ تهذيب التهذيب ، ج ١١ ، ص ٤٣.

١٨٨

ثمّ كانت أحاديث جابر عن طريقه ملتبسة. (١) قال العلّامة : فلا أعتمد على شيء ممّا يرويه). (٢)

عن جابر بن يزيد الجعفي (كان ثقة في نفسه. قال ابن الغضائري : ولكن جلّ من روى عنه ضعيف. وقال النجاشي : روى عنه جماعة غمز فيهم وضعّفوا ، وكان في نفسه مختلطا. قال العلّامة : الأقوى عندي الوقوف فيما يرويه هؤلاء عنه وعدّ منهم عمرو بن شمر). (٣)

والظاهر أن البليّة جاءت من قبل عمرو بن شمر ، وهو الذي وضع الحديث على لسان الجعفي.

عن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب. كان من فقهاء المدينة السبعة المرموقين (ت ١٠٦) كانت امّه بنت يزدجرد من سبايا فارس زوّجها من أبيه الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام كما زوّج اختها من ابنه الحسين فولدت له عليا. وزوّج اختها الاخرى محمد بن أبي بكر فولدت له القاسم. وقد كان عليه‌السلام قوّمهنّ على نفسه فزوّجهنّ لهؤلاء. (٤)

لكن لماذا أسند عمرو بن شمر هذا الحديث إلى حفيد ابن الخطاب؟! إنّ الأمر لمريب!

وسائر الأسانيد التي اعتمدها النوري في هذا المجال هي على نفس النمط فلا نتكرّر بالكلام فيها. وعليه فلا وقع لصرح بني على هذا الأساس المنهار. كما لم يثبت تصريح بأسماء أئمّة الهدى كملا في كتب العهدين البتّة. اللهمّ إن هذا إلّا اختلاق.

وأخيرا فإنّا نربأ بأمثال المحدّث النوري ـ ممّن قضوا شطرا كبيرا من حياتهم في خدمة الدين والترويج من ولاء السادة آل سيّد المرسلين ـ أن يلجأوا إلى أحضان يهوديّة قذرة ، لغرض إثبات فضيلة قدسية ملكوتية ، هي في غنى عن لمس أعتاب كافرة دنسة!

فلا يكون ـ وحاشاه ـ مصداقا لقوله تعالى : (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً). (٥)

__________________

(١) ـ رجال النجاشي ، ج ٢ ، ص ١٣٢.

(٢) ـ رجال العلّامة ، ص ٢٤٢.

(٣) ـ جامع الرواة ، ج ١ ، ص ١٤٤.

(٤) ـ تهذيب التهذيب ، ج ٣ ، ص ٤٣٨.

(٥) ـ الكهف ١٨ : ١٠٤.

١٨٩

الدليل العاشر ـ الذي أقامه المحدّث النوري لإثبات التحريف ـ مسألة اختلاف القراءات ، قال : لا شكّ أنّ القرّاء مختلفون في كثير من حروف القرآن وفي هيئات كلماته ، وقد نزل القرآن بحرف واحد لا تغيير فيه ولا اختلاف ، قال : لكن بما أنّ المصحف الحاضر غير خالص عن بعض تلكم القراءات بل عن أكثرها غير المطابقة لما انزل ، فهو حينئذ غير مطابق كاملا لما انزل على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إعجازا ، وهو المقصود!

قال : وهذا الدليل وإن كان غير واف لإثبات نقصان سورة بل آية وكلمة أيضا ، لعدم اختلاف القرّاء في مثل ذلك. إلّا أنّه يمكن تتميمه بعدم القول بالفصل! (١)

وقد فصّلنا القول في القرّاء والقراءات ، وذكرنا أوجه مغايرة مسألة القراءة المختلف فيها مع مسألة تواتر القرآن ، وأن لا صلة بينهما في شيء ، فإنّ القرآن شيء والقراءات شيء آخر. والقرآن هو النص المتواتر عن رسول الله النازل عليه وحيا إعجازيا ، وقد احتفظ عليه جمهور المسلمين وكبار أئمّة الدين ، لا تغيير فيه ولا اختلاف عبر الدهور.

أمّا القراءات فهي اجتهادات في تعبير هذا النصّ وفي كيفية أدائه ، على ما سبق تفصيله. (٢)

أمّا مسألة التتميم بعدم القول بالفصل ، فلا موضوع لها أوّلا. وثانيا : هي مسألة اصولية تخصّ الامور النظرية العقلية. دون العلوم النقلية المبتنية على أساس النقد والتمحيص.

وبعد ... فإليك أهمّ أدلّته ، هما دليلاه الحادي عشر والثاني عشر :

أهمّ مستند القول بالتحريف

ولعلّ أهمّ مستند القائلين بالتحريف هي مجموعة روايات كانت مبعثرة هنا وهناك حسبوهنّ دلائل على تحريف الكتاب ، إمّا دلالة بالعموم ، أو ناصّة على موضع التحريف بالخصوص ـ فيما زعموا ـ وقد جعل المحدّث النوري من النوع الأوّل دليله الحادي عشر ،

__________________

(١) ـ فصل الخطاب ، ص ٢٠٩ ـ ٢٣٣.

(٢) ـ في الجزء الثاني من التمهيد ، «وقفة عند مسألة تواتر القراءات».

١٩٠

والنوع الثاني دليله الثاني عشر! جمعهنّ من مصادر شتّى لا شأن لأكثريتها ولا اعتبار. والبقية القليلة لا مساس لها بمسألة التحريف.

ومن الغريب أنّ محدّثنا النوري يتحدّى مخالفيه بسعة تتبّعه والأخذ من مصادر جمّة يزعم قلّ من اطّلع عليها. قال ـ معرّضا بالسيّد البغدادي حيث قوله في شرح الوافية «لم ينقل تلك الأخبار سوى اولئك الذين رووا أخبار الجبر والتفويض وما شاكلها من مخالفات المذهب» ـ قال : لكنّه معذور ، لقلّة تتبّعه الناشئ من قلّة تلك الكتب عنده! (١)

قلت : ما شأن كثرة الكتب إذا كانت مجرّد حبر على ورق من دون اعتبار!

قال الحجّة البلاغي : قد جهد المحدّث النوري في جمع روايات التحريف ـ حسب زعمه ـ في حجم كبير ، بتكثير أعداد المسانيد بضمّ المراسيل المأخوذة في الأصل من تلك المسانيد ، كمراسيل العياشي وفرات وغيرهما. مع أنّ القسط الوافر من أسانيدها ترجع إلى بضعة أنفار متّهمين في تراجم الرجال. فمنهم الكذّاب الخبيث أو المجفوّ المنبوذ لا يستحلّ الرواية عنه أو شديد العداء لسلالة آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمثال ذلك من تعابير تنبئ عن سوء السريرة أو سوء القصد. قال : ومن الواضح أنّ أمثال هؤلاء لا تجدي كثرتهم شيئا. (٢)

وإليك من أهمّ المصادر التي نقل عنها تلك الروايات ، وهي كتب لا اعتبار لها ولا أسناد :

كتب اعتمدها النوري لا اعتبار بها

١ ـ رسالة مجهولة النسب

هناك رسالة مجهولة الانتساب ، اعتمدها أصحاب القول بالتحريف ، نسبت إلى كلّ من سعد بن عبد الله الأشعري (ت ٣٠١) ومحمد بن إبراهيم النعماني (ت ٣٦٠) والسيّد المرتضى (ت ٤٣٦) لكن مع اختلاف في العنوان وإن اتّحد المعنون.

__________________

(١) ـ فصل الخطاب ، ص ٣٥٠.

(٢) ـ راجع تفصيل كلامه في آلاء الرحمان ، المقدمة ، ص ٢٦.

١٩١

فقد نسبت إلى الأشعري باسم : رسالة الناسخ والمنسوخ. وإلى النعماني باسم : ما ورد في صنوف آيات القرآن. وإلى المرتضى باسم : رسالة المحكم والمتشابه. (١)

قال العلّامة المجلسي ـ بعد نقل تمام الرسالة منسوبة إلى النعماني ـ :

وجدت رسالة قديمة هكذا : حدّثنا جعفر بن محمد بن قولويه ، قال : حدّثني سعد الأشعري أبو القاسم ، وهو مصنّفه : الحمد لله ذي النعماء والآلاء والمجد والعزّ والكبرياء ، وصلّى الله على محمّد سيّد الأنبياء وعلى آله البررة الأتقياء. روى مشايخنا عن أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام ... ـ وساق الحديث كما في رسالة النعماني باختلاف يسير ـ. (٢)

هذا مع العلم بأنّ ابن قولويه لم يرو عن سعد إلّا بواسطة أخيه أو أبيه. قال الحسين بن عبيد الله : جئت بالمنتخبات (من كتب سعد) إلى أبي القاسم بن قولويه أقرأها عليه ، فقلت : حدّثك سعد؟ فقال : لا ، بل حدّثني أبي وأخي عنه ، وأنا لم أسمع من سعد إلّا حديثين ـ وفي رواية إلّا أربعة أحاديث ـ. (٣)

ومن ثمّ قال المحقّق الطهراني : لعلّ في السند سقطا. (٤) هذا والرواية من سعد مجهولة الإسناد إلى الصادق عليه‌السلام ، لأنّه يروي عن مشايخه عن أصحابنا عنه عليه‌السلام.

وأمّا نسبة الرسالة إلى النعماني فقد جاء في مقدّمتها بعد الحمد والصلاة هكذا : واعلم يا أخي أنّ القرآن جليل خطره عظيم قدره ـ إلى أن يقول : ـ قال أبو عبد الله محمد بن إبراهيم النعماني في كتابه في تفسير القرآن : حدّثنا ابن عقدة عن الجعفي عن ابن مهران عن الحسن

__________________

(١) ـ واحتمل أخيرا انتسابها إلى الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني من رؤساء الواقفية ، لأنّ له رسالة باسم «فضائل القرآن» ذكر النجاشي (ج ١ ، ص ١٣٣) إسناده بذلك الكتاب بنفس الإسناد المذكور في مقدمة رسالة النعماني! لكنّه احتمال غريب بعد إمكان اتّحاد إسناد النعماني والنجاشي إلى ذلك الكتاب ، وأنّ النعماني نقل عن تلك الرسالة رواية منسوبة إلى الصادق عليه‌السلام تنتهي إلى قوله «فضلّوا وأضلّوا». ولا موضع لزعم انتساب جميع رسالة النعماني إليه! وعلى الفرض فليس حال البطائني بأحسن من حال غيره في عدم صحة الاستناد إليه!

(٢) ـ بحار الأنوار ، ج ٩٠ ، ص ٩٧.

(٣) ـ معجم رجال الحديث ، ج ٨ ، ص ٧٥ و ٧٩.

(٤) ـ الذريعة ، ج ٢٤ ، ص ٩.

١٩٢

بن علي بن أبي حمزة البطائني عن أبيه عن ابن جابر قال : سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام يقول : ...

وظاهر هذا التعبير أنّ واضع الرسالة هو غير النعماني ، لأنّه ينقل عن كتابه في التفسير ، فيبدو أنّه غير هذه الرسالة بالذات.

هذا فضلا عن أنّ السند ضعيف للغاية بوجود البطائني. قال العياشي : سألت ابن فضال عنه ، قال : كذّاب ملعون ، إنّي لا أستحلّ أن أروي عنه حديثا واحدا. وقال : إنّي لأستحي من الله أن أروي عنه. (١)

واحتمل النوري أنّ الرسالة وضعت بمنزلة الشرح لمقدمة التفسير المنسوب إلى علي بن إبراهيم القمّي وبسطا في فصول كلامه ، (٢) ولكن كيف انتسبت إلى النعماني؟! ولعلّها من صنع بعض تلاميذه فشاعت باسم شيخه. وكيف كان فالرسالة مجهولة الانتساب لا يعرف واضعها!

وأمّا النسبة إلى المرتضى فالظاهر أنّه من اشتباه اسم الناسخ المتوافق مع اسم السيّد ، إذ لم يذكر أحد من أصحاب التراجم نسبتها إلى السيّد المرتضى علم الهدى ولا جاءت في عداد تآليفه الكثيرة ، فضلا عن مخالفته الصريحة مع رأي السيّد في مسألة صيانة القرآن من التحريف.

وقد ذكر المحقّقون أنّ الرسالة مستنسخة تماما من المنسوبة إلى النعماني ابتداء من الخطبة حتى نهاية الخاتمة بالضبط الكامل من غير فرق (٣) فلعلّ الناسخ استنسخها وتوافق اسمه مع اسم السيّد اتفاقا ، فاختلط الحابل بالنابل!

وبعد ، فرسالة هذا شأنها ـ لا يعرف واضعها ولا ناسخها ، ولا صحّ سندها ، ولا حظيت بتوثيق أحد من رجالات العلم والحديث ، ولا نصّ على اعتبارها وإسنادها أحد من أئمّة النقد والتمحيص ـ لا تصلح مستندا لاختيار ولا مصدرا يرجع إليه. نعم تصلح مرجعا

__________________

(١) ـ جامع الرواة ، ج ١ ، ص ٢٠٨.

(٢) ـ فصل الخطاب ، ص ٢٦.

(٣) ـ راجع : الذريعة ، ج ٢٠ ، ص ١٥٥.

١٩٣

لمثل النوري الغريق الذي يتشبّث بكلّ حشيش. وقد شحن حقيبته الجوفاء (رسالة فصل الخطاب) بهكذا حشائش هزيلة سرعان ما تجتثّ من فوق الأرض ما لها من قرار.

وهكذا سائر الكتب التي استند إليها القوم في مسألة التحريف ، لم يكن شأنها بأفضل من شأن هذه الرسالة المجهولة!؟

٢ ـ كتاب السقيفة لسليم بن قيس الهلالي (ت ٩٠)

كان سليم من خواصّ أصحاب الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام وقد صنّف كتابا أودع فيه بعض أسرار الإمامة والولاية ، وكان من أنفس الكتب التي حظيت به الشيعة ذلك العهد.

لكن هل النسخة الدارجة هي النسخة الأصل؟

لقد تشكّك فيها جلّ أهل التحقيق. قال الشيخ المفيد : هذا الكتاب غير موثوق به ولا يجوز العمل على أكثره ، وقد حصل فيه تخليط وتدليس. فينبغي للمتديّن أن يتجنّب العمل بكلّ ما فيه ولا يعوّل على جملته والتقليد لروايته. (١)

وذلك أنّه لمّا طلبه الحجّاج ليهدر دمه هرب وآوى إلى أبان بن أبي عياش (فيروز) فلمّا حضرته الوفاة سلّم الكتاب إلى أبان مكافأة لجزيل فضله. قال العلّامة في الخلاصة : فلم يرو عن سليم كتابه هذا سوى أبان وعن طريقه.

وأبان هذا كان تابعيا صحب الباقر والصادق عليهما‌السلام ، وقد ضعّفه الشيخ في رجاله. وقال ابن الغضائري : ضعيف لا يلتفت إليه.

وقد اتّهم الأصحاب أبانا بأنّه دسّ في كتاب سليم ، ومن ثمّ هذا التخليط. حتى أنّهم نسبوا الكتاب إليه رأسا. قال ابن الغضائري : وينسب أصحابنا وضع كتاب سليم بن قيس الهلالي إليه.

وللشيخ إلى كتاب سليم طريقان ، أحدهما : عن طريق حمّاد بن عيسى وعثمان بن عيسى عن أبان عن سليم. والآخر : عن حماد عن إبراهيم بن عمر اليماني عن أبان عن

__________________

(١) ـ راجع : آخر كتابه «تصحيح الاعتقاد» ، ص ١٤٩ ـ ١٥٠.

١٩٤

سليم. على ما ذكره الطهراني في الذريعة. قال سيّدنا الاستاذ الخوئي قدس‌سره : وكيفما كان فطريق الشيخ إلى كتاب سليم بكلا سنديه ضعيف.

قال : والصحيح أنّه لا طريق لنا إلى كتاب سليم بن قيس الهلالي المروي بطريق حماد بن عيسى ، وذلك فإنّ في الطريق «محمد بن علي الصيرفي أبا سمينة» وهو ضعيف كذّاب.

قلت : قد اشتهر هذا الكتاب باختلاف النسخ ، ولعلّ طول الزمان وتداول أيدي الكتّاب جعله عرضة للدسّ فيه مع مختلف الآراء والأنظار. شأن كلّ كتاب لم يوفّق المصنّف لنشره بنفسه بل على أيدي الآخرين بعد وفاته.

قال المحقّق الطهراني : رأيت منه نسخا متفاوتة من ثلاث جهات :

اولاها : التفاوت في السند في مفتتح النسخ.

ثانيتها : التفاوت في كيفيّة الترتيب ونظم أحاديثه.

ثالثتها : التفاوت في كمية الأحاديث.

وجهة رابعة ذكرها بعض المحقّقين في مقدّمة الكتاب ، قال : وهناك أحاديث كثيرة أوردها العلّامة المجلسي في أجزاء البحار المتعدّدة وكذا غيره من الأعلام في كتبهم (كالكليني ، والصدوق ، والحلّي في مختصر بصائر الدرجات ، وابن عبد الوهّاب في عيون المعجزات ، والصفّار في البصائر وغيرهم) مرويّة عن سليم ، لا توجد فيما بأيدينا من نسخ الكتاب. وكثيرة منها مرفوعة إليه من غير طريق أبان ، الأمر الذي يؤكّد مسألة تصرّف أبان في كتاب سليم.

وأخيرا ، فإنّ الكتاب وضع على اسلوب التقطيع ، فيتكرّر في أثنائه : «وعن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي ، قال : سمعت ...».

وعليه فاحتمال كون الكتاب من صنع أبان وأنّه هو الذي وضعه على هذا الاسلوب فزاد فيه ونقص ورتّب حسب تصرّفه الخاص ، احتمال قويّ. فاستناد الكتاب في وضعه الحاضر إلى أبان أولى من استناده إلى سليم ، وإن كان هو الأصل.

فما يوجد فيه من مناكير أو خلاف معروف لم يثبت كونه من سليم.

١٩٥

فقد صحّ ما قاله قدوة أهل التحقيق الشيخ المفيد قدس‌سره بشأن الكتاب :

هذا الكتاب غير موثوق به!

ولا يجوز العمل على أكثره!

فيه تخليط وتدليس!

فينغبي للمتديّن أن يجتنب العمل بكلّ ما فيه!

ولا يعوّل على جملته والتقليد لروايته! (١)

جزاه الله خيرا عن رأيه هذا الأنيق وعن تحقيقه هذا الرشيق.

٣ ـ كتاب القراءات لأحمد بن محمد السّياري (ت ٢٦٨)

قال الشيخ : أحمد بن محمد بن سيّار الكاتب كان من كتّاب آل طاهر ، ضعيف الحديث ، فاسد المذهب ، مجفوّ الرواية ، كثير المراسيل.

وقال ابن الغضائري : ضعيف متهالك ، غال محرّف. وحكى محمد بن علي بن محبوب في كتاب النوادر المصنّفة : إنّه قال بالتناسخ. (٢) وكتابه هذا يعرف بكتاب «التنزيل والتحريف» على ما عبّر به الشيخ حسن بن سليمان الحلّي في مختصر البصائر. وهذا العنوان أقرب إلى محتوى الكتاب من عنوان القراءات. وكانت عند المحدّث النوري منه نسخة ونقل عنها في مستدرك الوسائل ، (٣) وعندنا منه نسخة فتوغرافيّة.

وكان القمّيون يحذفون من كتب الحديث ما كان برواية السيّاري ، فأجدر بكتبه أن لا يعتمدها الأصحاب!

٤ ـ تفسير أبي الجارود زياد بن المنذر السرحوب (ت ١٥٠)

تقدّم أنّه رأس الجارودية من الزيدية. وسمّوا بالسرحوبيّة أيضا. قال الكشي : وكان

__________________

(١) ـ راجع : معجم رجال الحديث ، ج ١ ، ص ١٤١ ـ ١٤٢ وج ٨ ، ص ٢١٦ ـ ٢٢٨ ؛ والذريعة ، ج ٢ ، ص ١٥٢ ـ ١٥٩ ؛ ومقدمة كتاب سليم ، ص ١٩ ـ ٣٩ ؛ والفهرست لابن النديم ، ص ٣٢١ ، الفن الخامس من المقالة السادسة.

(٢) ـ معجم رجال الحديث ، ج ٢ ، ص ٢٨٢ ـ ٢٨٤.

(٣) ـ الذريعة ، ج ١٧ ، ص ٥٢.

١٩٦

أبو الجارود مكفوفا أعمى أعمى القلب. وقد ورد لعنه عن لسان الصادق عليه‌السلام ، قال : لعنه الله فإنّه أعمى القلب أعمى البصر. وقال فيه محمّد بن سنان : أبو الجارود ، لم يمت حتى شرب المسكر وتولّى الكافرين. (١)

أما تفسيره هذا فالذي يرويه عنه هو أبو سهل كثير بن عياش القطان. وإليه ينتهي طريق الشيخ والنجاشي إلى تفسيره. قال الشيخ : وكان ضعيفا. (٢)

٥ ـ تفسير علي بن إبراهيم القمي (ت ٣٢٩)

تقدّم أنّ هذا التفسير منسوب إليه من غير أن يكون من صنعه ، وإنّما هو تلفيق من إملاءاته على تلميذه أبي الفضل العباس بن محمد العلوي ، وقسط وافر من تفسير أبي الجارود ، ضمّه إليها أبو الفضل وأكمله بروايات من عنده ، كما وضع له مقدّمة وأورد فيها مختصرا من روايات منسوبة إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام في صنوف آي القرآن ، وقد فصّلها وشرحها صاحب التفسير المنسوب إلى النعماني ، حسبما تقدّم.

فقد أخذ أبو الفضل العلوي عن شيخه القمي ما رواه بإسناده إلى الإمام الصادق عليه‌السلام من تفسير القرآن. وضمّ إليه من تفسير أبي الجارود ما رواه عن الإمام الباقر عليه‌السلام وأكمله بما رواه هو عن سائر مشايخه تتميما للفائدة. فجاء هذا التفسير مزيجا من روايات القمي وروايات أبي الجارود وروايات غيرهما ممّا رواه أبو الفضل نفسه.

إذن فهذا التفسير بهذا الشكل ، هو صنيع أبي الفضل العلوي ، وإنّما نسبه إلى شيخه القمي لأنّه الأصل والأكثر حظّا من روايات هذا التفسير.

قال المحقّق الطهراني : وهذا التصرّف وقع منه من أوائل سورة آل عمران حتى نهاية القرآن. (٣)

ويبتدئ التفسير بقوله : «حدّثني أبو الفضل العباس بن محمد بن القاسم بن حمزة

__________________

(١) ـ فهرست ابن النديم ، ص ٢٦٧.

(٢) ـ معجم رجال الحديث ، ج ٧ ، ص ٣٢٢.

(٣) ـ الذريعة ، ج ٤ ، ص ٣٠٢ ـ ٣٠٣.

١٩٧

بن موسى بن جعفر عليه‌السلام قال حدّثنا أبو الحسن علي بن إبراهيم ...».

فمن ذا يكون القائل في قوله : «حدّثني ...»؟ (١)

ومن هو أبو الفضل العباس العلوي ، الذي يحدّث عن شيخه القمي؟

فهنا مجهولان ، الأوّل : الذي يحدّث عن أبي الفضل العلوي ، لا يعرف شخصه ، لا اسمه ولا وصفه.

الثاني : نفس أبي الفضل ، هذا غير معروف عند أصحاب الحديث. ولا ذكره أحد من أصحاب التراجم ، لا بمدح ولا بقدح ، نعم إنّما يعرف بأنّه من أعقاب حمزة بن الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام لا شيء سواه. فالذي يعرف عنه أنّه من العلويين (٢) وربّما كان من تلامذة عليّ بن إبراهيم القمي هذا لا غير.

فكما أنّ الأوّل مجهول شخصا ونسبا ، فهذا يعدّ من المهملين في علم الرجال.

وعليه فالإسناد إلى هذا التفسير مقطوع أو مجهول اصطلاحا.

وهكذا تأليف ساقط عن درجة الاعتبار عند أرباب الحديث.

٦ ـ كتاب الاستغاثة لعليّ بن أحمد الكوفي (ت ٣٥٢)

قال النجاشي : كان يقول إنّه من آل أبي طالب ، وغلا في آخر عمره وفسد مذهبه ، وصنّف كتبا كثيرة أكثرها على الفساد ، منها هذا الكتاب كما ذكره الشيخ. قال : كان إماميا مستقيما ، وصنّف كتبا سديدة منها كتاب الأوصياء وكتاب الفقه على ترتيب كتاب

__________________

(١) ـ احتمل العلّامة السيد موسى الزنجاني (المعاصر) أنّ القائل بقوله حدّثني هو : علي بن حاتم بن أبي حاتم القزويني الذي يروي عن الضعفاء. نظرا لأنّ الذين يروي عنهم عليّ بن حاتم هذا وهم قريب من ٢٥ شخصا كلّهم مذكورون في هذا الكتاب.

(٢) ـ والعباس هذا لعلّه المدفون بطبرستان المعروف بالعباس بن محمد الأعرابي ، وله أولاد بها. على ما ذكره علماء الأنساب.

قال المحقّق الطهراني : وبما أنّ طبرستان في ذلك الأوان كانت مركز الزيدية ، فينقدح في النفس احتمال أن يكون نزول العباس بها ، إنّما كان لترويج مذهب الحقّ فيها. ورأى من الترويج السعي في جلب الرغبات إلى هذا التفسير ، فلذلك أدخل بعض ما يرويه عن أبي الجارود الزيدي في تفسيره جلبا لرغبتهم فيه بذلك.

١٩٨

المزني. ثم خلط وأظهر مذهب الخمسة ، وصنّف كتبا في الغلوّ والتخليط وله مقالة تنسب إليه.

قال ابن الغضائري : كذّاب غال صاحب بدعة ومقالة ، رأيت له كتبا كثيرة ، لا يلتفت إليه. قال العلّامة : ومعنى التخميس عند الغلاة لعنهم الله أنّ سلمان الفارسي والمقداد وعمّارا وأبا ذر وعمرو بن اميّة الضمري هم الموكّلون بمصالح العالم. قال سيّدنا الاستاذ قدس‌سره : وطريق الشيخ إليه مجهول. (١)

٧ ـ كتاب الاحتجاج للطبرسي

تقدّم اشتهار كتاب بهذا الاسم منسوب إلى الطبرسي نسبة إلى طبرس (معرّب تفرش) (٢) ولكن من هذا الطبرسي؟

ذكر السيّد محمّد بحر العلوم في مقدّمة الكتاب ستّة من المعاريف يحتمل انتساب الكتاب إليهم :

١ ـ أبو منصور ، أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي (ت ٦٢٠) والمعروف انتساب الكتاب إليه. نسبه إليه السيّد ابن طاووس في كتاب «كشف المحجّة».

٢ ـ أبو عليّ ، الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي (ت ٥٤٨) صاحب تفسير «مجمع البيان». نسبه إليه صاحب كتاب «الغوالي» والمحدّث الاسترابادي ، وابن أبي جمهور الاحسائي في كتاب «المجلّى».

٣ ـ أبو نصر ، الحسن بن الفضل بن الحسن صاحب كتاب «مكارم الأخلاق» نجل الطبرسي أمين الإسلام صاحب التفسير.

٤ ـ أبو الفضل ، عليّ بن الحسن بن الفضل ، حفيد صاحب التفسير. له كتاب «نثر اللئالي» وكتاب «مشكاة الأنوار» كتبه تتميما لكتاب والده «مكارم الأخلاق».

٥ ـ أبو عليّ ، محمد بن الفضل الطبرسي ، من تلامذة الشيخ الطوسي.

__________________

(١) ـ معجم رجال الحديث ، ج ١١ ، ص ٢٤٦ ـ ٢٤٧.

(٢) ـ راجع تحقيق ذلك بهامش تصحيح الاعتقاد ، ص ١٢٦.

١٩٩

٦ ـ أبو علي ، الحسن بن عليّ بن محمّد الطبرسي ، المعاصر للخواجا نصير الدين الطوسي.

أمّا الكتاب فلا يعدو مراسيل لا أسناد لها ، أكثرها تلفيقات من روايات نقلية واحتجاجات عقلية كانت العبرة بذاتها لا بالأسانيد. ومن ثمّ فإنّ العلماء يرفضون الأخذ بها كروايات متعبّد بها ، وإنّما هو كلام عقلاني وإلّا فلا اعتبار بكونه منقولا. الأمر الذي يحطّ من شأن الكتاب باعتبار كونه سندا لحوادث تاريخية سالفة.

ولعلّه لذلك أخفى المؤلّف اسمه في صدر الكتاب. ويعلّل تأليفه لهذا الكتاب ترغيب أبناء الطائفة في سلوك طريق الحجاج والمجادلة بالتي هي أحسن ، فأتى فيه بأنواع الجدل في مختلف شؤون الدين ، ناسبا لها إلى عظماء الامّة كلّا أو بعضا ترويجا لهذه الطريقة الحسنة!

قال : ولا نأتي في أكثر ما نورده من الأخبار بأسناده ، إمّا لوجود الإجماع عليه أو موافقته لما دلّت العقول إليه ، أو لاشتهاره في السير والكتب.

وعليه فهو أشبه بكتاب كلامي من كونه مصدرا حديثيا أو تاريخيا. والعمدة هي الاستدلال بطريقة العقل لا مجرّد النقل.

ومن ذلك احتجاجات مسهبة يذكرها إجابة على أسئلة زنديق يزعم وجود التناقض في القرآن ، وهذه المحاورة ينسبها إلى الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ولعلّها مسائل فرضية لغرض التنبيه على مواضع الحجاج والجدال الحسن ، وإن كان فيه بعض المنقول.

ومن ثمّ تفرّد بنقله بهذا التفصيل مع خبط وتخليط غريب. (١)

٨ ـ تفسير منسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام

هناك تفسير مبتور ، فيه تفسير فاتحة الكتاب وآيات متقطّعة من سورة البقرة حتى

__________________

(١) ـ كتاب الاحتجاج ، ج ١ ، ص ٣٥٨ ـ ٣٨٤. وتجد الحديث مختصرا مسندا في كتاب التوحيد للصدوق ، ص ٢٥٥ ـ ٢٧٠. ونقلهما المجلسي في البحار ، ج ٩٠ ، ص ٩٨ و ١٢٧ ـ ١٤٢.

٢٠٠