تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام - ج ١٩

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

وبقيسارية من : محمد بن يوسف الفريابيّ.

وبعسقلان : من آدم بن أبي إياس.

وبحمص من : أبي المغيرة ، وأبي اليمان ، وعليّ بن عيّاش ، وأحمد بن خالد الوهبيّ ، ويحيى الوحاظيّ.

وذكر أنّه سمع من ألف نفس. وقد خرّج عنهم مشيخة وحدّث بها ، لم نرها.

وحدّث بالحجاز ، والعراق ، وخراسان ، وما وراء النّهر. وكتبوا عنه وما في وجهه شعرة (١).

روى عنه أبو زرعة ، وأبو حاتم قديما.

وروى عنه من أصحاب الكتب : ت. ن. ، على نزاع في ن. والأصحّ أنّه لم يرو عنه شيئا.

وروى عنه مسلم في غير «الصّحيح» ، ومحمد بن نصر المروزيّ الفقيه ، وصالح بن محمد جزرة الحافظ ، وأبو بكر بن أبي عاصم ، ومطيّن ، وأبو العبّاس السّرّاج ، وأبو بكر بن خزيمة ، وأبو قريش محمد بن جمعة ، ويحيى بن محمد بن صاعد ، وإبراهيم بن معقل النّسفيّ ، ومهيب بن سليم ، وسهل بن شاذويه ، ومحمد بن يوسف الفربريّ ، ومحمد بن أحمد بن دلّويه ، وعبد الله بن محمد الأشقر ، ومحمد بن هارون الحضرميّ ، والحسين بن إسماعيل المحامليّ ، وأبو عليّ الحسن بن محمد الدّاركيّ ، وأحمد بن حمدون الأعمش ، وأبو بكر بن أبي داود ، ومحمود بن عنبر النّسفيّ ، ومطيّن (٢) ، وجعفر بن محمد بن الحسن الجروي ، وأبو حامد بن الشّرقيّ ، وأخوه أبو محمد عبد الله ، ومحمد بن سليمان بن فارس ، ومحمد بن المسيّب الأرغيانيّ ، ومحمد بن هارون الرّويانيّ ، وخلق.

وآخر من روى عنه «الجامع الصّحيح» : منصور بن محمد البزدويّ المتوفّى سنة تسع وعشرين وثلاثمائة.

وآخر من زعم أنّه سمع من البخاريّ موتا أبو ظهير عبد الله بن فارس البلخيّ المتوفّى سنة ستّ وأربعين وثلاثمائة.

__________________

(١) الوافي بالوفيات ٢ / ٢٠٧.

(٢) تكرّر اسم «مطيّن» مرتين في الأصل.

٢٤١

وآخر من روى حديثه عاليا : خطيب الموصل في الدّعاء للمحامليّ ، بينه وبينه ثلاثة رجال.

وأمّا جامعه الصّحيح فأجلّ كتب الإسلام وأفضلها بعد كتاب الله تعالى.

وهو أعلى (١) شيء في وقتنا إسنادا للنّاس. ومن ثلاثين سنة يفرحون بعلوّ سماعه ، فكيف اليوم (٢)؟ فلو رحل الشّخص لسماعه من مسيرة ألف فرسخ لما ضاعت رحلته (٣). وأنا أدري أنّ طائفة من الكبار يستقلّون عقلي في هذا القول ، ولكن :

ما يعرف الشّوق إلّا من يكابده

ولا الصّبابة إلّا من يعاينها

ومن جهل شيئا عاداه ، ولا قوّة إلّا بالله.

فصل

نقل ابن عديّ وغيره أنّ مغيرة بن بردزبه المجوسيّ جدّ البخاريّ أسلم على يد والي بخارى يمان الجعفيّ جدّ المحدّث عبد الله بن محمد بن جعفر بن يمان الجعفيّ المسنديّ. فولاؤه للجعفيّين بهذا الاعتبار.

وقال محمد بن أبي حاتم ورّاق البخاريّ : أخرج أبو عبد الله ولده بخطّ أبيه بعد صلاة الجمعة لثلاث عشرة مضت من شوّال سنة أربع وتسعين ومائة.

وقال ابن عديّ : سمعت الحسن بن الحسين البزّاز يقول : رأيت البخاريّ شيخا نحيفا ، ليس بالطّويل ولا بالقصير (٤). عاش اثنتين وستّين سنة إلّا ثلاثة عشر يوما.

وقال أحمد بن الفضل البلخيّ : ذهبت عينا محمد في صغره ، فرأت أمّه إبراهيم عليه‌السلام ، فقال : يا هذه قد ردّ الله على ابنك بصره بكثرة بكائك أو دعائك.

__________________

(١) في الأصل أعلا.

(٢) ورد في الهامش : ث قاله المؤلف في سنة ٧١٣.

(٣) الوافي بالوفيات ٢ / ٢٠٧.

(٤) تاريخ بغداد ٢ / ٦ ، تهذيب الأسماء واللغات ج ١ ق ١ / ٦٨ ، وفيات الأعيان ٤ / ١٩٠ ، تهذيب الكمال ٣ / ٤٥٢ ، سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٥٢ ، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ٢ / ٢١٦.

٢٤٢

فأصبح وقد ردّ الله عليه بصره (١).

وعن جبريل بن ميكائيل : سمعت البخاري يقول : لمّا بلغت خراسان أصبت ببصري ، فعلّمني رجل أن أحلق رأسي وأغلّفه بالخطميّ ، ففعلت ، فردّ الله عليّ بصريّ (٢). رواها غنجار في تاريخه.

وقال أبو جعفر محمد بن أبي حاتم الورّاق : قلت للبخاريّ : كيف كان بدوّ أمرك؟

قال : ألهمت حفظ الحديث في المكتب ولي عشر سنين أو أقلّ. وخرجت من الكتّاب بعد العشر ، فجعلت أختلف إلى الداخليّ وغيره ، فقال يوما فيما يقرأ على النّاس : سفيان ، عن أبي الزّبير عن إبراهيم. فقلت له إنّ أبا الزّبير لم يرو عن إبراهيم. فانتهرني ، فقلت له : ارجع إلى الأصل.

فدخل ثمّ خرج فقال لي : كيف هو يا غلام؟

قلت : هو الزّبير بن عديّ ، عن إبراهيم.

فأخذ القلم منّي وأصلحه ، وقال : صدقت.

فقال للبخاريّ بعض أصحابه : ابن كم كنت؟

قال : ابن إحدى عشرة سنة. فلمّا طعنت في ستّ عشرة سنة حفظت كتب ابن المبارك ، ووكيع ، وعرفت كلام هؤلاء. ثمّ خرجت مع أبي وأخي أحمد إلى مكّة. فلمّا حججت رجع أخي بها وتخلّفت في طلب الحديث.

فلمّا طعنت في ثمان عشرة سنة جعلت أصنّف قضايا الصّحابة والتّابعين وأقاويلهم ، وذلك أيّام عبيد الله بن موسى. وصنّفت كتاب «التّاريخ» إذ ذاك عند قبر النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في اللّيالي المقمرة. وقلّ اسم في «التّاريخ» إلّا وله عندي قصّة.

إلّا أنّي كرهت تطويل الكتاب (٣).

وقال عمرو بن حفص الأشقر : كنّا مع البخاريّ بالبصرة نكتب الحديث ،

__________________

(١) الوافي بالوفيات ٢ / ٢٠٧ ، ٢٠٨.

(٢) الوافي بالوفيات ٢ / ٢٠٨.

(٣) تاريخ بغداد ٢ / ٧.

٢٤٣

ففقدناه أيّاما ، ثمّ وجدناه في بيت وهو عريان وقد نفد ما عنده. فجمعنا له الدّراهم وكسوناه (١).

وقال عبد الرحمن [بن محمد البخاري] (٢) : سمعت محمد بن إسماعيل يقول : لقيت أكثر من ألف رجل ، أهل الحجاز ، والعراق ، والشّام ، ومصر ، وخراسان ، إلى أن قال : فما رأيت واحدا منهم يختلف في هذه الأشياء : إنّ الدّين قول وعمل ، وأنّ القرآن كلام الله (٣).

وقال محمد بن أبي حاتم : سمعته يقول : دخلت أصبهان مرّات ، كلّ ذلك أجالس أحمد بن حنبل ، فقال لي آخر ما ودّعته : يا أبا عبد الله تترك العلم والنّاس وتصير إلى خراسان؟! فأنا الآن أذكر قول أحمد (٤).

وقال أبو بكر الأعين : كتبت عن البخاريّ على باب محمد بن يوسف الفريابيّ وما في وجهه شعرة.

وقال محمد بن أبي حاتم ورّاق البخاريّ : سمعت حاشد بن إسماعيل وآخر يقولان : كان البخاريّ يختلف معنا إلى السّماع وهو غلام ، فلا يكتب ، حتّى أتى على ذلك أيّام. فكنّا نقول له ، فقال : إنّكما قد أكثرتما عليّ ، فاعرضا عليّ ما كتبتما.

فأخرجنا إليه ما كان عندنا ، فزاد على خمسة عشر ألف حديث ، فقرأها كلّها عن ظهر قلب حتّى جعلنا نحكم كتبنا من حفظه.

ثمّ قال : أترون أنّي أختلف هدرا وأضيّع أيّامي؟! فعرفنا أنّه لا يتقدّمه أحد (٥).

قالا : فكان أهل المعرفة يعدون خلفه في طلب الحديث وهو شابّ حتّى يغلبوه على نفسه ويجلسوه في بعض الطّريق ، فيجتمع عليه ألوف أكثر هم ممّن

__________________

(١) تاريخ بغداد ٢ / ١٣ وزاد : ثم اندفع معنا في كتابة الحديث.

(٢) في الأصل بياض ، والمستدرك من : سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٠٧.

(٣) سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٠٧ ، ٤٠٨.

(٤) طبقات الحنابلة ١ / ٢٧٧ ، تاريخ بغداد ٢ / ٢٢ ، ٢٣ ، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ٢ / ٢١٧ ، سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٠٣.

(٥) تاريخ بغداد ٢ / ١٤ ، ١٥ ، طبقات الحنابلة ٢٧٦ ، ٢٧٧ ، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ٢ / ٢١٧ ، سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٠٨ ، مقدّمة فتح الباري ٤٧٩.

٢٤٤

يكتب عنه ، وكان شابّا لم يخرج وجهه (١).

وقال محمد بن أبي حاتم : وسمعت سليم بن مجاهد يقول : كنت عند محمد بن سلّام البيكنديّ فقال لي : لو جئت قبل لرأيت صبيّا يحفظ سبعين ألف حديث.

قال : فخرجت في طلبه وتلقّيته ، فقلت : أنت الّذي تقول : أنا أحفظ سبعين ألف حديث؟

قال : نعم وأكثر ، ولا أجيئك بحديث عن الصّحابة والتّابعين إلّا عرفت مولد أكثر هم ووفاتهم ومساكنهم. ولست أروي حديثا من حديث الصّحابة أو التّابعين إلّا ولي في ذلك أصل أحفظه حفظا عن كتاب الله وسنّة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٢).

قال غنجار : ثنا أبو عمرو أحمد بن محمد المقرئ ، ثنا محمد بن يعقوب بن يوسف البيكنديّ : سمعت عليّ بن الحسين بن عاصم البيكنديّ يقول : قدم علينا محمد بن إسماعيل ، فاجتمعنا عنده ليلة ، فقال بعضنا : سمعت إسحاق بن راهويه يقول : كأنّي انظر إلى سبعين ألف حديث من كتابي.

فقال محمد : أو تعجب من هذا؟ لعلّ في هذا الزمان من ينظر إلى مائتي ألف حديث من كتابه.

قال : وإنّما عني به نفسه (٣).

وقال ابن عديّ : حدّثني محمد بن أحمد القومسيّ : سمعت محمد بن خمرويه يقول : سمعت محمد بن إسماعيل يقول : أحفظ مائة ألف حديث صحيح ، وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح (٤).

__________________

(١) طبقات الحنابلة ١ / ٢٧٧ ، وتهذيب الأسماء واللغات ق ١ ج ١ ٧٠ ، وسير أعلام النبلاء ٤٠٨١٢ ، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي ٢ / ٢١٧.

وقوله : لم يخرج وجهه : أي لم ينبت شعر وجهه.

(٢) تاريخ بغداد ٢ / ٢٤ ، ٢٥ ، تهذيب الكمال ٣ / ١١٧٢ ، سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤١٧ ، طبقات الشافعية للسبكي ٢ / ٢١٨ و ٢٢٢ ، مقدّمة فتح الباري ٤٨٤.

(٣) تاريخ بغداد ٢ / ٢٥ ، تهذيب الكمال ٣ / ١١٧٢ ، سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤١٦ ، طبقات الشافعية للسبكي ٢ / ٢١٨ ، مقدّمة فتح الباري.

(٤) تاريخ بغداد ٢ / ٢٥ ، طبقات الحنابلة ١ / ٢٧٥ ، التقييد لابن النقطة ٣٣ ، تهذيب الأسماء واللغات ج ١ ق ١ / ٦٨ ، تهذيب الكمال ٣ / ١٧٢ ، سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤١٥ ، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ٢ / ٢١٨ ، مقدّمة فتح الباري ٤٨٨.

٢٤٥

وقال إمام الأئمّة ابن خزيمة : ما رأيت تحت أديم السّماء أعلم بالحديث من محمد بن إسماعيل البخاريّ (١).

وقال ابن عديّ : سمعت عدّة مشايخ يحكون أنّ البخاريّ قدم بغداد فاجتمع أصحاب الحديث ، وعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها ، وجعلوا متن هذا لإسناد هذا ، وإسناد هذا لمتن هذا ، ودفعوا إلى كلّ واحد عشرة أحاديث ليلقوها على البخاريّ في المجلس.

فاجتمع النّاس ، وانتدب أحدهم فقال ، وسأله عن حديث من تلك العشرة ، فقال : لا أعرفه. فسأله عن آخر ، فقال : لا أعرفه. حتّى فرغ العشرة.

فكان الفقهاء يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون : الرجل فهم. ومن كان لا يدري قضى عليه بالعجز.

ثمّ انتدب آخر ففعل كفعل الأوّل ، والبخاريّ يقول لا أعرفه. إلى أن فرغ العشرة أنفس ، وهو لا يزيدهم على : لا أعرفه.

فلمّا علم أنّهم قد فرغوا ، التفت إلى الأول فقال : أمّا حديثك الأوّل فإسناده كذا وكذا ، والثّاني كذا وكذا ، والثّالث .... إلى آخر العشرة. فردّ كلّ متن إلى إسناده ، وفعل بالثّاني مثل ذلك إلى أن فرغ ، فأقرّ له النّاس بالحفظ (٢).

وقال يوسف بن موسى المروروذيّ : كنت بجامع البصرة إذا سمعت مناديا ينادي : يا أهل العلم ، لقد قدم محمد بن إسماعيل البخاريّ.

فقاموا في طلبه ، وكنت فيهم ، فرأيت رجلا شابّا يصلّي خلف الأصطوانة ، فلمّا فرغ أحدقوا به ، وسألوه أن يعقد لهم مجلس الإملاء ، فأجابهم.

فلمّا كان من الغد اجتمع كذا كذا ألف ، فجلس للإملاء وقال : يا أهل البصرة أنا شابّ ، وقد سألتموني أن أحدّثكم وسأحدّثكم بأحاديث عن أهل بلدكم تستفيدون الكلّ : ثنا عبد الله بن عثمان بن جبلة بن أبي روّاد بلدّيّكم ،

__________________

(١) التقييد لابن النقطة ٣٢ ، وتهذيب الأسماء واللغات ج ١ ق ١ / ٤٣١ ، طبقات الشافعية الكبرى ٢ / ٢١٨ ، مقدّمة فتح الباري ٤٨٦.

(٢) تاريخ بغداد ٢ / ٢٠ ، ٢١ ، وفيات الأعيان ٤ / ١٩٠ ، تهذيب الكمال ٣ / ١٧١ ، سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٠٩ ، طبقات الشافعية للسبكي ٢ / ٢١٨ ، ٢١٩ ، مقدّمة فتح الباري ٤٨٦ ، ٤٨٧ ، مرآة الجنان ٢ / ١٦٧ ، ١٦٨.

٢٤٦

ثنا أبي ، نا شعبة ، عن منصور ، وغيره ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن أنس أنّ أعرابيّا قال : يا رسول الله الرجل يحبّ القوم. الحديث (١). ثمّ قال : هذا [ليس] (٢) عندكم ، إنّما عندكم عن غير منصور. وأملى مجلسا على هذا النّسق (٣).

قال يوسف : وكان دخولي البصرة أيّام محمد بن عبد الملك بن أبي الشّوارب (٤).

وقال محمد بن حمدون بن رستم : سمعت مسلم بن الحجّاج يقول للبخاريّ : دعني أقبّل رجليك يا أستاذ الأستاذين وسيّد المحدّثين وطبيب الحديث في علله (٥).

وقال التّرمذيّ : لم أر أحدا بالعراق ولا بخراسان في معني العلل والتّاريخ ومعرفة الأسانيد أعلم من محمد بن إسماعيل (٦).

وقال إسحاق بن أحمد الفارسيّ : سمعت أبا حاتم يقول سنة سبع وأربعين ومائتين : محمد بن إسماعيل أعلم من دخل العراق (٧) ، ومحمد بن يحيى أعلم من بخراسان اليوم ، ومحمد بن أسلم أورعهم ، وعبد الله الدّارميّ أثبتهم.

وعن أحمد بن حنبل قال : انتهى الحفظ إلى أربعة من أهل خراسان : أبو

__________________

(١) الحديث بتمامه أخرجه البخاري في الأحكام ٣ / ١١٦ باب القضاء والفتيا في الطريق ، من طريق : عثمان بن أبي شيبة ، عن جرير ، عن منصور ، عن سالم بن أبي الجعد ، حدّثنا أنس بن مالك رضي‌الله‌عنه قال : بينما أنا والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم خارجان من المسجد ، فلقينا رجل عند سدّة المسجد ، فقال : يا رسول الله متى الساعة؟ قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما أعددت لها؟» ، فكأنّ الرجل استكان ، ثم قال : يا رسول الله ما أعددت لها كبير صيام ، ولا صلاة ، ولا صدقة ، ولكن أحبّ الله ورسوله ، قال : «أنت مع من أحببت».

وأخرج البخاري هذا الحديث من طرق أخرى في : الفضائل ٧ / ٤٠ والأدب ١٠ / ٤٥٨ و ٤٦٢ ، ومسلم في البرّ والصّلة (٢٦٣٩) باب المرء مع من أحبّ ، والترمذي (٢٣٨٥) وأبو داود (٥١٢٧).

(٢) في الأصل بياض ، استدركته من سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤١٠.

(٣) تاريخ بغداد ٢ / ١٦.

(٤) سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤١٠.

(٥) تهذيب الأسماء واللغات ج ١ ق ١ / ٧٠ ، سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٣٢ ، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ٢ / ٢٢٣ ، مقدّمة فتح الباري ٤٨٩.

(٦) تهذيب الأسماء واللغات ج ١ ق ١ / ٧٠ ، سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٣٢ ، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ٢ / ٢٢٠.

(٧) سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٣١.

٢٤٧

زرعة ، ومحمد بن إسماعيل ، والدّارميّ ، والحسن بن شجاع البلخيّ.

وقال أبو أحمد الحاكم : كان البخاريّ أحد الأئمّة في معرفة الحديث وجمعه. ولو قلت إنّي لم أر تصنيف أحد يشبه تصنيفه في المبالغة والحسن لزجوت أن أكون صادقا.

قرأت على عمر بن القوّاس : أخبركم أبو القاسم بن الحرستانيّ حضورا ، أنا جمال الإسلام ، أنا ابن طلاب ، أنا ابن جميع : حدّثني أحمد بن محمد بن آدم : حدّثني محمد بن يوسف البخاريّ قال : كنت عند محمد بن إسماعيل بمنزله ذات ليلة ، فأحصيت عليه أنّه قام وأسرج يستذكر أشياء يعلّقها في ليلة ثمان عشرة مرّة (١).

وقال محمد بن أبي حاتم الورّاق : كان أبو عبد الله إذا كنت معه في سفر يجمعنا بيت واحد إلّا في القيظ أحيانا. فكنت أراه يقوم في ليلة واحدة خمس عشرة مرّة إلى عشرين مرّة ، في كلّ ذلك يأخذ القدّاحة فيوري نارا ويسرج ، ثمّ يخرج أحاديث فيعلّم عليها ، ثمّ يضع رأسه. وكان يصلّي وقت السّحر ثلاث عشرة ركعة. وكان لا يوقظني في كلّ ما يقوم ، فقلت له : إنّك تحمل على نفسك في كلّ هذا ولا توقظني! قال : أنت شابّ ولا أحبّ أن أفسد عليك نومك.

وقال الفربربيّ : قال لي محمد بن إسماعيل ، ما وضعت في «الصّحيح» حديثا إلّا اغتسلت قبل ذلك وصلّيت ركعتين (٢). يعني ما جلست لأضع في تصنيفه شيئا إلّا وفعلت ذلك ، لا إنّه يفعل ذلك لكلّ حديث.

وقال إبراهيم بن معقل : سمعته يقول : كنت عند إسحاق بن [راهويه] (٣) ، فقال رجل : لو جمعتم كتابا مختصرا للسّنن.

__________________

(١) تاريخ بغداد ٢ / ١٤ ، تهذيب الكمال ٣ / ١٧٠ ، وسير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٠٤ ، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ٢ / ٢٢٠.

(٢) تاريخ بغداد ٢ / ٩ ، طبقات الحنابلة ١ / ٢٧٤ ، تهذيب الأسماء واللغات ج ١ ق ١ / ٧٤ ، وفيات الأعيان ٤ / ١٩٠ ، تهذيب الكمال ٣ / ١١٦٩ ، سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٠٢ ، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ٢ / ٢٢٠ ، مقدمة فتح الباري ٤٩٠ ، مرآة الجنان ٢ / ١٦٨.

(٣) في الأصل بياض ، والمستدرك من : سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٠١.

٢٤٨

فوقع ذلك في قلبي ، فأخذت في جمع هذا الكتاب (١).

وعن البخاريّ قال : أخرجت هذا الكتاب من نحو ستّمائة ألف حديث ، وصنّفته ستّ عشرة سنة. وجعلته حجّة فيما بيني وبين الله. رويت من وجهين ثابتين ، عنه (٢).

وقال إبراهيم بن معقل : سمعته يقول : ما أدخلت في «الجامع» إلّا ما صحّ ، وتركت من الصّحاح لإجل الطّول (٣) وقال محمد بن أبي حاتم : قلت لأبي عبد الله : تحفظ جميع ما في المصنّف؟ قال : لا يخفى عليّ جميع ما فيه (٤) ، ولو نشر بعض استاذيّ (٥) هؤلاء لم يفهموا كتاب التّاريخ ولا عرفوه.

ثمّ قال : صنّفته ثلاث مرّات (٦).

وقد أخذه ابن راهويه فأدخله على عبد الله بن طاهر فقال : أيّها الأمير ألا أريك سحرا. فنظر فيه عبد الله ، فتعجّب منه وقال : لست أفهم تصنيفه (٧).

وقال الفربريّ : حدّثني نجم بن الفضل ، وكان من أهل الفهم ، قال : رأيت النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في النّوم خرج من قرية ومحمد بن إسماعيل خلفه ، فإذا خطا

__________________

(١) تاريخ بغداد ٢ / ٩ ، تهذيب الكمال ٣ / ١١٦٩ ، سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٠١ ، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ٢ / ٢٢١.

(٢) تاريخ بغداد ٢ / ١٤ ، طبقات الحنابلة ١ / ٢٧٦ ، تهذيب الأسماء واللغات ج ١ ق ١ / ٧٤ ، وفيات الأعيان ٤ / ١٩٠ ، تهذيب الكمال ٣ / ١١٧٠ ، سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٠٥ طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ٢ / ٢٢١ ، مقدمة فتح الباري ٤٩٠.

(٣) تاريخ بغداد ٢ / ٩ ، طبقات الحنابلة ١ / ٢٧٥ ، تهذيب الأسماء واللغات ج ١ ق ١ / ٧٤ ، تهذيب الكمال ٣ / ١١٦٩ ، سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٠٢ ، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ٢ / ٢٢١.

(٤) تاريخ بغداد ٢ / ٩ ، تهذيب الكمال ٣ / ١١٦٩ ، سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٠٣ ، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ٢ / ٢٢١.

(٥) في : تاريخ بغداد ، وطبقات الشافعية للسبكي «إسنادي» وهو تصحيف ، وفي : مقدمة فتح الباري. إستاري» وهو تصحيف أيضا.

(٦) تاريخ بغداد ٢ / ٧ ، سير أعلام النبلاء ١١ / ٤٠٣ ، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ٢ / ٢٢١ ، مقدّمة فتح الباري ٤٨٨.

(٧) تاريخ بغداد ٢ / ٧ ، تهذيب الكمال ٣ / ١١٦٩ ، سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٠٣ ، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ٢ / ٢٢١ ، مقدّمة فتح الباري ٤٨٤.

٢٤٩

خطوة يخطو محمد ويضع قدمه على قدمه ويتبع أثره (١).

وقال خلف الخيّام : سمعت أبا عمرو بن نصر الخفّاف يقول : محمد بن إسماعيل أعلم في الحديث من أحمد وإسحاق بعشرين درجة ، ومن قال فيه شيء فمنّي عليه ألف لعنة. ولو دخل من هذا الباب لملئت منه رعبا.

وقال أبو عيسى التّرمذيّ : كان محمد بن إسماعيل عند عبد الله بن منير ، فلمّا قام من عنده قال له : يا أبا عبد الله جعلك الله زين هذه الأمّة.

قال أبو عيسى : استجيب له فيه.

وقال جعفر بن محمد المستغفريّ في «تاريخ نسف» ، وذكر البخاريّ : لو جاز لي لفضّلته على من لقي من مشايخه ، ولقلت : ما رأى بعينه مثل نفسه.

دخل نسف سنة ست وخمسين وحدّث بها بجامعه الصّحيح ، وخرج إلى سمرقند لعشر بقين من رمضان ، ومات بقرية خرتنك ليلة الفطر.

وقال الحاكم : أوّل ما ورد البخاريّ نيسابور سنة تسع ومائتين ، ووردها في الأخير سنة خمسين ومائتين ، فأقام بها خمس سنين يحدّث على الدّوام.

قال محمد بن أبي حاتم : بلغني أنّ أبا عبد الله شرب البلاذر للحفظ ، فقلت له : هل من دواء يشربه الرجل للحفظ؟ فقال : لا أعلم. ثمّ أقبل عليّ وقال : لا أعلم شيئا أنفع للحفظ من نهمة الرجل ومداومة النّظر (٢). وذلك أنّي كنت بنيسابور مقيما ، فكان يرد إليّ من بخارى كتب ، وكنّ قرابات لي يقرئن سلامهنّ في الكتب ، فكنت أكتب إلى بخارى ، وأردت أن أقرئهن سلامي ، فذهب عليّ أساميهنّ حين كتبت كتابي ، ولم أقرئهنّ سلامي.

وما أقلّ ما يذهب عنّي من العلم ، يعني ما أقلّ ما يذهب عنه من العلم لمداومة النّظر والاشتغال ، وهذه قراباته قد نسي أسماءهنّ. وغالب النّاس بخلاف ذلك ، فتراهم يحفظون أسماء أقاربهم ومعارفهم ولا يحفظون إلّا اليسير من العلم.

__________________

(١) تاريخ بغداد ٢ / ١٠ ، تهذيب الأسماء واللغات ج ١ ق ١ / ٦٨ ، تهذيب الكمال ٣ / ١١٧٠ ، سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٠٥ ، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ٢ / ٢٢١ ، مقدّمة فتح الباري ٤٩٠.

(٢) سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٠٦ ، مقدّمة فتح الباري ٤٨٨.

٢٥٠

قال محمد بن أبي حاتم : وسمعته يقول : لم تكن كتابتي للحديث كما يكتب هؤلاء. كنت إذا كتبت عن رجل سألته عنه اسمه وكنيته ونسبه وعلّة الحديث إن كان فهما ، فإن لم يكن فهما سألته أن يخرج إليّ أصله ونسخته.

فأمّا الآخرون فإنّهم لا يبالون ما يكتبون وكيف يكتبون (١).

وسمعت العبّاس الدّوريّ يقول : ما رأيت أحدا يحسن طلب الحديث مثل محمد بن إسماعيل. كان لا يدع أصلا أو فرعا إلّا قلعه.

ثمّ قال لنا عبّاس : لا تدعوا شيئا من كلامه إلّا كتبتموه (٢).

سمعت إبراهيم الخوّاص مستملي صدقة يقول : رأيت أبا زرعة كالصّبيّ جالسا بين يدي محمد بن إسماعيل يسأله عن علل الحديث (٣).

فصل في ذكائه وسعة علمه

قال جعفر بن محمد القطان إمام كرمينية فيما رواه عنه مهيب بن سليم أنّه سمع محمد بن إسماعيل يقول : كتبت عن ألف شيخ أو أكثر ، عن كلّ واحد منهم عشرة آلاف وأكثر ، ما عندي حديث إلّا أذكر إسناده (٤).

وقال محمد بن أبي حاتم : قرأ علينا أبو عبد الله كتاب الهبة فقال : ليس في هبة وكيع إلّا حديثان مسندان أو ثلاثة ، وفي كتاب عبد الله بن المبارك خمسة أو نحوها ، وفي كتابي هذا خمسمائة حديث أو أكثر (٥).

وسمعت أبا عبد الله يقول : ما قدمت على أحد إلّا كان انتفاعه بي أكثر من انتفاعي به (٦).

قال محمد بن أبي حاتم : سمعت سليم بن مجاهد يقول : سمعت أبا الأزهر يقول : كان بسمرقند أربعمائة ممّن يطلبون الحديث ، فاجتمعوا سبعة أيّام

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٠٦.

(٢) سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٠٦.

(٣) سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٠٧ ، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ٢ / ٢٢٢.

(٤) تاريخ بغداد ٢ / ١٠ ، طبقات الحنابلة ١ / ٢٧٥ ، تهذيب الكمال ٣ / ١١٧٠ ، سير أعلام النبلاء ٤٧.

(٥) سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤١٠ ، ٤١١ ، مقدّمة فتح الباري ٤٨٩.

(٦) سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤١١ ، مقدّمة فتح الباري ٤٨٩.

٢٥١

وأحبّوا مغالطة محمد بن إسماعيل ، فأدخلوا إسناد الشّام في إسناد العراق ، وإسناد اليمن في إسناد الحرمين ، فما تعلّقوا منه بسقطة لا في الإسناد ولا في المتن (١).

وقد ذكرت حكاية البغداديّين في مثل هذا.

وقال الفربريّ : سمعت أبا عبد الله يقول : ما استصغرت نفسي عند أحد إلّا عند عليّ بن المديني ، وربما كنت أغرب عليه (٢).

وقال محمد بن أبي حاتم : سمعت أبا عبد الله يقول : [ما نمت البارحة حتّى عددت] (٣) كم أدخلت في مصنّفاتي من الحديث ، فإذا نحو مائتي ألف حديث مسندة.

وسمعته يقول : ما كتبت حكاية قطّ كنت أتحفّظها. وسمعته يقول : لا أعلم شيئا يحتاج إليه إلّا وهو في الكتاب والسّنّة.

فقلت له : يمكن معرفة ذلك كلّه؟

قال : نعم (٤).

وسمعته يقول : كنت في مجلس الفريابيّ فقال : ثنا سفيان ، عن أبي عروة ، عن أبي الخطّاب ، عن أنس «أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يطوف على نسائه في غسل واحد» (٥).

فلم يعرف أحد في المجلس أبا عروة ، ولا أبا الخطّاب.

قال : أمّا أبو عروة فمعمر ، وأبو الخطّاب قتادة.

قال : وكان الثّوري فعولا ، لهذا يكنّى المشهورين (٦).

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤١١ ، مقدّمة فتح الباري ٤٨٧.

(٢) تاريخ بغداد ٢ / ١٧ ، ١٨ ، وتهذيب الأسماء واللغات ج ١ ق ١ / ٦٩ ، سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤١١ ، وتهذيب الكمال ٣ / ١٧٠ ، ومقدّمة فتح الباري ٤٨٤ ، والوافي بالوفيات ٢ / ٢٠٨.

(٣) في الأصل بياض ، والمستدرك من : سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤١٢.

(٤) سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤١٢.

(٥) أخرجه البخاري في النكاح ٩ / ٩٨ باب كثرة النساء ، والترمذي (١٤٠) ، وأبو داود (٢١٨) ، والنسائي ١ / ١٤٣ ، وعبد الرزاق في المصنّف (١٠٦١) ، وصحيح ابن خزيمة (٢٣٠) و (٢٣١) ، ومسلم (٣٠٩) ، وابن ماجة في الطهارة (٥٨٨) ، وأحمد في المسند ٦ / ٨ و ٩ و ٣٩١.

(٦) سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤١٣.

٢٥٢

قال محمد بن أبي حاتم : قدم رجاء الحافظ فقال لأبي عبد الله : ما أعددت لقدومي حيث بلغك ، وفي أيّ شيء نظرت؟

قال : ما أحدثت نظرا ولم أستعدّ لذلك ، فإن أحببت أن تسأل عن شيء فافعل.

فجعل يناظره في أشياء فبقي رجاء لا يدري ، ثمّ قال له أبو عبد الله : هل لك في الزّيادة؟

فقال استحياء وخجلا منه : نعم.

قال : سل إن شئت.

فأخذ في أسامي أيّوب ، فعدّ نحوا من ثلاثة عشر ، وأبو عبد الله ساكت ، فظنّ رجاء أن قد صنع شيئا فقال : يا أبا عبد الله فاتك خير كثير.

فزيّف أبو عبد الله في أولئك سبعة ، وأغرب عليه نحو أكثر من ستّين رجلا.

ثمّ قال له رجاء : كم رويت في العمامة السّوداء؟

قال : هات كم رويت أنت؟

قال البخاريّ : نروي نحوا من أربعين حديثا.

فخجل رجاء ويبس ريقه (١).

وسمعت أبا عبد الله يقول : دخلت بلخ ، فسألوني أن أملي عليهم لكلّ من كتبت عنه ، فأمليت ألف حديث عن ألف شيخ (٢).

وقال ابن أبي حاتم ورّاق أبي عبد الله : قال أبو عبد الله : سئل إسحاق بن إبراهيم عمّن طلّق ناسيا ، فسكت. فقلت : قال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّ الله تجاوز عن أمّتي ما حدّثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلّم (٣)». وإنّما يراد مباشرة هذه الثّلاث : العمل ، والقلب ، أو الكلام والقلب ، وهذا لم يعتقد بقلبه.

__________________

(١) سير أعلام ٢ لنبلاء ١٢ / ٤١٣ ، ٤١٤.

(٢) سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤١٤.

(٣) أخرجه البخاري في الطلاق ٩ / ٣٤٥ باب الطلاق في الإغلاق والكره والسكران والمجنون ، وفي الأيمان والنذور ١١ / ٤٧٨ باب إذا حنث ناسيا في الأيمان ، ومسلم في الإيمان (١٢٧) باب تجاوز الله عن حديث النفس أو الخواطر ، وأبو داود (٢٢٠٩) ، والترمذي (١١٨٣) ، والنسائي ٦ / ١٥٦ ، ١٥٧ ، وابن ماجة (٢٥٤٠).

٢٥٣

فقال إسحاق : قوّيتني. وأفتى به (١).

قال : وسمعت أبا عبد الله البخاريّ يقول : ما جلست للحديث حتّى عرفت الصّحيح من السّقيم ، وحتّى نظرت في عامّة كتب الرأي ، وحتّى دخلت البصرة خمس مرّات أو نحوها ، فما تركت بها حديثا صحيحا إلّا كتبته ، إلّا ما لم يظهر لي (٢).

وسمعت بعض أصحابي يقول : كنت عند محمد بن سلام البيكنديّ ، فدخل محمد بن إسماعيل ، فلمّا خرج قال محمد بن سلّام : كلّما دخل عليّ هذا الصّبيّ تحيّرت والتبس عليّ أمر الحديث ، ولا أزال خائفا منه ما لم يخرج (٣).

فصل في ثناء الأئمّة على البخاريّ

قلت : فارق البخاريّ بخارى وله خمس عشرة سنة ، ولم يره محمد بن سلّام بعد ذلك ، فقال سليم بن مجاهد : كنت عند محمد بن سلّام البيكنديّ فقال : لو جئت قبل لرأيت صبيّا يحفظ سبعين ألف حديث.

فخرجت حتّى لحقته فقلت : أنت تحفظ سبعين ألف حديث؟ قال : نعم وأكثر ، ولا أجيئك بحديث عن الصّحابة والتّابعين إلّا عرفت مولد أكثر هم ووفاتهم ومساكنهم ، ولست أروي حديثا من حديث الصّحابة والتّابعين إلّا ولي من ذلك أصل أحفظه حفظا عن كتاب أو سنّة (٤).

وقال محمد بن أبي حاتم : سمعت يحيى بن جعفر البيكنديّ يقول : لو قدرت أن أزيد في عمر محمد بن إسماعيل من عمري لفعلت ، فإنّ موتي يكون موت رجل واحد ، وموته ذهاب العلم (٥).

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤١٤ ، مقدّمة فتح الباري ٤٨٤.

(٢) سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤١٦.

(٣) سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤١٦ ، ٤١٧ ، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ٢ / ٢٢٢ ، مقدّمة فتح الباري ٦٨٤.

(٤) تاريخ بغداد ٢ / ٢٤ ، ٢٥ ، تهذيب الكمال ٣ / ١١٧٢ ، سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤١٧ ، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ٢ / ٢١٨ و ٢٢٢ ، مقدّمة فتح الباري ٤٨٤.

(٥) تاريخ بغداد ٢ / ٢٤ ، تهذيب الكمال ٣ / ١١٧٢ ، سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤١٨ ، مقدّمة فتح الباري ٤٨٥.

٢٥٤

وسمعته يقول لمحمد بن إسماعيل : لو لا أنت ما استطبت العيش ببخارى (١).

وسمعت محمد بن يوسف يقول : كنت عند أبي رجاء ، يعني قتيبة ، فسئل عن طلاق السّكران فقال : هذا أحمد بن حنبل ، وابن المدينيّ ، وابن راهويه قد ساقهم الله إليك. وأشار إلى محمد بن إسماعيل.

وكان مذهب محمد أنّه إذا كان مغلوب العقل لا يذكر ما يحدث في سكره أنّه لا يجوز عليه من أمره شيء (٢).

وسمعت عبد الله بن سعيد يقول : لمّا مات أحمد بن حرب النّيسابوريّ ركب محمد وإسحاق يشيّعان جنازته ، فكنت أسمع أهل المعرفة بنيسابور ينظرون ويقولون : محمد أفقه من إسحاق (٣).

سمعت عمر بن حفص الأشقر يقول : سمعت عبدان يقول : ما رأيت بعيني شابّا أبصر من هذا. وأشار بيده إلى محمد بن إسماعيل (٤).

سمعت صالح بن مسمار يقول : سمعت نعيم بن حمّاد يقول : محمد بن إسماعيل فقيه هذه الأمّة (٥).

وقال إسحاق بن أحمد بن خلف : سمعت أحمد بن عبد السّلام يقول : ذكرنا قول البخاريّ لعليّ بن المدينيّ ، يعني ما استصغرت نفسي إلّا بين يدي عليّ بن المدينيّ ، فقال عليّ : دعوا هذا فإنّ محمد بن إسماعيل لم ير مثل نفسه (٦).

وقال محمد بن أبي حاتم : سمعت أبا عبد الله يقول : ذاكرني أصحاب

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤١٨.

(٢) سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤١٨.

(٣) سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤١٨ ، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ٢ / ٢٢٣ ، مقدّمة فتح الباري ٤٨٥.

(٤) في الأصل : «إسحاق» ، وهو وهم ، والتصويب من : تاريخ بغداد ٢ / ٢٤ ، وتهذيب الكمال ٣ / ١١٧١ ، وسير أعلام النبلاء ١٢ / ٤١٩ ، ومقدّمة فتح الباري ٤٨٣.

(٥) تاريخ بغداد ٢ / ٢٢ ، تهذيب الكمال ٣ / ١١٧١ ، سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤١٩ ، مقدّمة فتح الباري ٤٨٣.

(٦) تاريخ بغداد ٢ / ١٨.

٢٥٥

عمرو بن عليّ الفلاس بحديث ، [فقلت : لا أعرفه ، فسرّوا بذلك] (١) وأخبروا عمروا. فقال : حديث لا يعرفه محمد بن إسماعيل ليس بحديث (٢).

قال : وسمعت حاشد بن عبد الله يقول : قال لي أبو مصعب الزّهريّ : محمد بن إسماعيل أفقه عندنا وأبصر من أحمد بن حنبل.

فقيل له : جاوزت الحدّ.

فقال للرجل : لو أدركت مالكا ونظرت إلى وجهه ووجه محمد بن إسماعيل لقلت كلاهما واحد في الفقه والحديث (٣).

وسمعت عليّ بن حجر يقول : أخرجت خراسان ثلاثة : أبو زرعة ، ومحمد بن إسماعيل ، وعبد الله بن عبد الرحمن الدّارميّ. ومحمد عندي أبصرهم وأعلمهم وأفقههم (٤).

وقال أحمد بن الضّوّ : سمعت أبا بكر بن أبي شيبة ، ومحمد بن عبد الله بن نمير يقولان : ما رأينا مثل محمد بن إسماعيل (٥).

وقال محمد بن إبراهيم البوشنجيّ : سمعت محمد بن بشّار يقول : ما قدم علينا مثل محمد بن إسماعيل (٦).

وروي عن عبد الله بن أحمد بن حنبل ، عن أبيه قال : ما أخرجت خراسان مثل محمد بن إسماعيل (٧).

وقال حاشد بن إسماعيل : كنت بالبصرة فقدم محمد بن إسماعيل فقال بندار : اليوم دخل سيّد الفقهاء (٨).

__________________

(١) في الأصل بياض. والمستدرك من : تاريخ بغداد.

(٢) تاريخ بغداد ٢ / ١٨.

(٣) تاريخ بغداد ٢ / ١٩.

(٤) تاريخ بغداد ٢ / ٢٨ ، سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٢١.

(٥) تهذيب الكمال ٣ / ١١٧١ ، سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٢١ ، مقدّمة فتح الباري ٤٨٤.

(٦) تاريخ بغداد ٢ / ١٧ ، تهذيب الكمال ٣ / ١١٧٠ ، سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٢١ ، مقدّمة فتح الباري ٤٨٣.

(٧) تاريخ بغداد ٢ / ٢١ ، التقييد لابن النقطة ٣١ ، تهذيب الأسماء واللغات ج ١ ق ١ / ٦٨ ، تهذيب الكمال ٣ / ١١٧١ ، سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٢١.

(٨) تاريخ بغداد ٢ / ١٦ ، تهذيب الأسماء واللغات ج ١ ق ١ / ٦٨ ، تهذيب الكمال ٣ / ١١٧٠ ، سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٢٢ ، مقدّمة فتح الباري ٤٨٣.

٢٥٦

وقال حاشد بن عبد الله بن عبد الواحد : سمعت يعقوب الدّورقيّ يقول : محمد بن إسماعيل فقيه هذه الأمّة (١).

وجاء من غير وجه عن عبد الله الدّارميّ قال : محمد بن إسماعيل أبصر منّي (٢).

وقال حاشد بن إسماعيل الحافظ : سمعت أحمد بن حنبل يقول : لم يجئنا من خراسان مثل محمد بن إسماعيل (٣).

وقال محمد بن إسحاق بن خزيمة : ما رأيت تحت أديم السّماء أعلم بحديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأحفظ له من محمد بن إسماعيل (٤).

وقال مسبّح بن سعيد البخاريّ : سمعت عبد الله بن عبد الرحمن يقول : قد رأيت العلماء بالحجاز والعراقين ، فما رأيت فيهم أجمع من محمد بن إسماعيل (٥).

وقال محمد بن حمدون الأعمش : سمعت مسلم بن الحجّاج يقول للبخاريّ : دعني أقبّل رجليك يا أستاذ الأستاذين ، وسيّد المحدّثين ، وطبيب الحديث في علله (٦).

وقال أبو عيسى التّرمذيّ : لم أر بالعراق ولا بخراسان في معنى العلل والتّاريخ ومعرفة الأسانيد أعلم من محمد بن إسماعيل (٧).

وقال صالح بن محمد جزرة : كان محمد بن إسماعيل يجلس ببغداد ، وكنت أستملي له ، ويجتمع في مجلسه أكثر من عشرين ألفا (٨).

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٢٤ ، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ٢ / ٢٢٣ ، مقدّمة فتح الباري ٤٨٣.

(٢) سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٢٦.

(٣) تاريخ بغداد ١ / ٢١ ، سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٣١.

(٤) تقدّم هذا القول قبل قليل. وهو في تهذيب الأسماء واللغات ج ١ ق ١ / ٧٠ ، وسير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٣١ ، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي ٢٢ / ٢١٨ ، ومقدّمة فتح الباري ٤٨٦.

(٥) تاريخ بغداد ٢ / ٢٨ ، تهذيب الأسماء واللغات ج ١ ق ١ / ٦٩ ، سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٣٢ ، مقدّمة فتح الباري ٤٨٥.

(٦) تقدّم هذا القول قبل قليل ، وهو في : التقييد لابن النقطة ٣٣.

(٧) تهذيب الأسماء واللغات ج ١ ق ١ / ٧٠ ، سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٣٢ ، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ٢ / ٢٢٠.

(٨) سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٣٣.

٢٥٧

وقال إسحاق بن زبرك : سمعت أبا حاتم في سنة سبع وأربعين ومائتين يقول : يقدم عليكم رجل من خراسان لم يخرج منها أحفظ منه. ولا قدم العراق اعلم منه. فقدم علينا البخاريّ (١).

وقال أبو بكر الخطيب (٢) : سئل العبّاس بن الفضل الرّازيّ الصّائغ : أيّهما أحفظ ، أبو زرعة أبو البخاريّ؟

فقال : لقيت البخاريّ بين حلوان وبغداد ، فرحلت معه مرحلة وجهدت أن أجيء بحديث لا يعرفه فما أمكن ، وأنا أغرب على أبي زرعة عدد شعري (٣).

وقال خلف الخيّام : سمعت أبا عمرو أحمد بن نصر الخفّاف يقول : محمد بن إسماعيل أعلم بالحديث من إسحاق بن راهويه ، وأحمد بن حنبل وغيرهما بعشرين درجة. ومن قال فيه شيئا فمنّي عليه ألف لعنة (٤).

ثمّ قال : ثنا محمد بن إسماعيل التّقيّ النّقيّ العالم الّذي لم أر مثله (٥).

وقال عبد الله بن حمّاد الآمليّ : وددت أنّي شعرة في صدر محمد بن إسماعيل (٦).

وقال محمد بن يعقوب بن الأخرم : سمعت أصحابنا يقولون : لمّا قدم البخاريّ نيسابور استقبله أربعة آلاف رجل على الخيل ، سوى من ركب بغلا أو حمارا ، وسوى الرّجالة (٧).

وقال أبو أحمد الحاكم في «الكنى» (٨) : عبد الله بن الدّيلميّ أبو بسر ، وقال البخاريّ ومسلم فيه أبو بشر ، بشين معجمة.

__________________

(١) تاريخ بغداد ٢ / ٣٣ وزاد : «بعد ذلك بأشهر» تهذيب الكمال ٣ / ١١٧١ ، سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٣٣.

(٢) في تاريخه ٢ / ٣٣.

(٣) التقييد لابن النقطة ٣٣ ، تهذيب الكمال ٣ / ١١٧١ ، سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٣٤ وفيه «عدد شعره» ، مقدّمة فتح الباري ٤٨٥.

(٤) تقدّم مثل هذا القول قبل قليل. وهو في : سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٣٥ ، ٤٣٦ ، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي ٢ / ٢٢١ و ٢٢٥ ، ومقدّمة فتح الباري ٤٨٦.

(٥) تاريخ بغداد ٢ / ٢٨ ، تهذيب الأسماء واللغات ج ١ ق ١ / ٦٩ ، سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٣٩ ، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ٢ / ٢٢٥ ، مقدّمة فتح الباري ٤٨٦.

(٦) سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٣٧.

(٧) سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٣٧.

(٨) الأسامي والكنى ج ١ / ورقة ٨٩ أ.

٢٥٨

قال الحاكم (١) : وكلاهما أخطأ ، في علمي إنّما هو أبو بسر ، وخليق أن يكون محمد بن إسماعيل مع جلالته ومعرفته بالحديث اشتبه عليه ، فلمّا نقله مسلم من كتابه تابعه على زلّته. ومن تأمّل كتاب مسلم في الأسماء والكنى علم أنّه منقول من كتاب محمد بن إسماعيل حذو القذّة بالقذّة ، حتّى لا يزيد عليه فيه إلّا ما يسهل عنده. وتجلّد في نقله حقّ الجلادة ، إذ لم ينسبه إلى قائله. وكتاب محمد بن إسماعيل في التّاريخ كتاب لم يسبق إليه. منهم من نسبه إلى نفسه مثل أبي زرعة ، وأبي حاتم ، ومسلم. ومنهم من حكاه عنه. فالله يرحمه ، فإنّه الّذي أصّل الأصول.

وذكر الحكم أبو أحمد كلاما سوى هذا.

فصل في ديانته وصلاحه

قال مسبّح بن سعيد : كان البخاريّ يختم في رمضان كلّ يوم ختمة ، ويقوم بعد التّراويح كلّ ثلاثة ليال بختمة (٢).

وقال بكر بن منير : سمعت أبا عبد الله البخاريّ يقول : أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني إنّي اغتبت أحدا (٣).

قلت : يشهد لهذه المقالة كلامه ، رحمه‌الله ، في التّجريح والتّضعيف ، فإنّه أبلغ منّا. يقول في الرجل المتروك أو السّاقط : «فيه نظر» أو. «سكتوا عنه» ، ولا يكاد يقول : «فلان كذّاب» ، ولا «فلان يضع الحديث». وهذا من شدّة ورعه (٤).

وقال محمد بن أبي حاتم : سمعت محمد بن إسماعيل يقول : ما اغتبت أحدا قطّ منذ علمت أنّ الغيبة تضرّ أهلها (٥).

قال : وكان أبو عبد الله يصلّي في وقت السّحر ثلاث عشرة ركعة ، وكان

__________________

(١) في الأسامي والكنى ج ١ / ورقة ٧٩ ب ، ٨٠ أ.

(٢) تاريخ بغداد ٢ / ١٢ ، تهذيب الكمال ٣ / ١١٧٠ ، سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٣٨ ، ٤٣٩ ، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ٢ / ٢٢٣ ، ٢٢٤ ، مقدّمة فتح الباري ٤٨٢.

(٣) تاريخ بغداد ٢ / ١٣ ، طبقات الحنابلة ١ / ٢٧٦ ، تهذيب الأسماء ج ١ ق ١ / ٦٨ ، تهذيب الكمال ٣ / ١٧٧٠ ، سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٣٩ ، مقدّمة فتح الباري ٤٨١.

(٤) الوافي بالوفيات ٢ / ٢٠٨.

(٥) سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٤١.

٢٥٩

لا يوقظني في كلّ ما يقوم ، فقلت : أراك تحمل على نفسك فلو توقظني.

قال : أنت شابّ ، ولا أحبّ أن أفسد عليك نومك (١).

وقال غنجار : سمعت أبا عمرو أحمد بن محمد المقرئ : سمعت بكر بن منير يقول : كان محمد بن إسماعيل يصلّي ذات ليلة ، فلسعه الزّنبور سبع عشرة مرّة ، فلمّا قضى الصّلاة قال : انظروا أيش آذاني (٢).

وقال محمد بن أبي حاتم : دعي محمد بن إسماعيل إلى بستان ، فلمّا صلّى بهم الظّهر قام يتطوّع. فلمّا فرغ من صلاته رفع ذيل قميصه وقال لبعض من معه : انظر هل ترى تحت القميص شيئا؟

فإذا زنبور قد أبره في ستة عشر أو سبعة عشر موضعا ، وقد تورّم من ذلك عشرة ، فقال له بعض القوم : كيف لم تخرج من الصّلاة أوّل ما أبرك؟

قال : كنت في سورة فأحببت أن أتمّها (٣).

وقال محمد بن أبي حاتم : رأيت أبا عبد الله استلقى على قفاه يوما ونحن بفربر في تصنيف كتاب «التّفسير» وأتعب نفسه يومئذ ، فقلت له : إنّي أراك تقول إنّي ما أتيت شيئا بغير علم قطّ منذ عقلت ، فما الفائدة في الاستلقاء؟

قال : أتعبنا أنفسنا اليوم ، وهذا ثغر من الثغور ، وخشيت أن يحدث حدث من أمور العدوّ ، وأحببت أن استريح وآخذ أهبة ، فإن غافصنا (٤) العدوّ كان منّا حراك (٥).

وكان يركب إلى الرّمي كثيرا ، فما أعلمني رأيته في طول ما صحبته أخطأ

__________________

(١) تاريخ بغداد ٢ / ١٣ ، ١٤ ، سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٤١ ، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ٢ / ٢٢٠ ، مقدّمة فتح الباري ٤٨٢.

(٢) تاريخ بغداد ٢ / ١٢ ، طبقات الحنابلة ١ / ٢٧٦ ، تهذيب الكمال ٣ / ١١٧٠ ، سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٤١ ، مقدّمة فتح الباري ٤٨١.

(٣) تاريخ بغداد ٢ / ١٢ ، ١٣ ، تهذيب الكمال ٣ / ١١٧٠ ، سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٤٢ ، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ٢ / ٢٢٣ ، مقدّمة فتح الباري ٤٨١.

(٤) غافص : فاجأ ، وأخذ على غرّة.

(٥) تاريخ بغداد ٢ / ١٤ ، تهذيب الأسماء واللغات ج ١ ق ١ / ٧٦ ، تهذيب الكمال ٣ / ١١٧٠ ، سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٤٤ ، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ٢ / ٢٢٦ ، مقدّمة فتح الباري ٤٨١.

٢٦٠