أبكار الأفكار في أصول الدّين - ج ٥

أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]

أبكار الأفكار في أصول الدّين - ج ٥

المؤلف:

أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]


المحقق: د. أحمد محمد المهدي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتب والوثائق القوميّة
المطبعة: مطبعة دار الكتب والوثائق القوميّة
الطبعة: ٢
ISBN: 977-18-0328-x
الصفحات: ٣١٨

الفرقة الثانية : الحمزية (١)

أصحاب حمزة بن أدرك ، وافقوا الميمونية فى مذهبهم ، إلا فى أطفال الكفار ؛ فإنهم قالوا : إنهم فى النار.

الفرقة الثالثة منهم : الشعيبية (٢)

أصحاب شعيب بن محمد

قائلون ببدع الميمونية إلا فى القدر

الفرقة الرابعة : الحازمية (٣) : أصحاب حازم بن عاصم.

والخلفية : أصحاب خلف الخارجى.

والأطرافية : الذين عذروا أهل الأطراف فى ترك ما لا يعرفوه من الشريعة إذا أتوا بما يعرف لزومه من جهة العقل ، قائلون بنفى القدر ، وبأصول أهل السنة ، وقد نقل عنهم التوقف فى أمر عليّ رضي الله عنه.

__________________

(١) أتباع حمزة بن أدرك. ظهر أيام الرشيد سنة ١٧٩ ه‍ فى خراسان ، وعاش إلى عصر المأمون الّذي أرسل إليه جيشا كبيرا ؛ فهزمه ، وقتل الكثير من أصحابه وانظر بشأن هذه الفرقة ـ مقالات الإسلاميين ص ١٧٧ والملل والنحل ص ١٢٩ والفرق بين الفرق ص ٩٨ ـ ١٠٠ والتبصير فى الدين ص ٣٣ وشرح المواقف ص ٤٩.

(٢) أصحاب شعيب بن محمد. انظر عنهم : مقالات الإسلاميين ص ١٧٨ والملل والنحل ص ١٣١ ، والفرق بين الفرق ص ٩٥ ، ٩٦ والتبصير فى الدين ص ٣٢ وشرح المواقف ص ٥٠.

(٣) الحازمية : أتباع حازم بن عاصم. انظر بشأنها : مقالات الإسلاميين ص ١٧٩ سماها [الخازمية] كما ذكر الخلفية ص ١٧٧ أيضا والملل والنحل ص ١٣١ وسماه حازم بن على ، والتبصير فى الدين ص ٣٢ سماها الخازمية [بالخاء] كما ذكر الخلفية أيضا والفرق بين الفرق ص ٩٤ سماها الخازنية [بالخاء] كما ذكر الخلفية أيضا ص ٩٦.

أما شرح المواقف ص ٥٠ فذكر : الرابعة : الحازمية ، والخامسة : الخلفية.

والسادسة : الأطرافية. وقال :

الرابعة : الحازمية : هو حازم بن عاصم : وافقوا الشعبية.

الخامسة : الخلفية أصحاب خلف الخارجى وهم خوارج كرمان ، ومكران.

السادسة : الأطرافية : هم على مذهب حازم ورئيسهم رجل من سجستان يقال له : غالب بن شاذك من سجستان».

وسموا : الأطرافية : لأنهم عذروا أهل الأطراف فيما لم يعرفوه من الشريعة.

٨١

الفرقة الخامسة : المعلومية (١) :

قائلون بمذهب الحازمية ، غير أنهم قالوا من لم يعلم الله بجميع أسمائه ؛ فهو جاهل به ، فإذا علمه بجميع أسمائه ؛ فهو مؤمن ، وإن أفعال العباد مخلوقه لهم.

الفرقة السادسة : المجهولية (٢) :

مذهبهم أيضا كمذهب الحازمية ، غير أنهم قالوا : من علم الله تعالى ببعض أسمائه دون البعض ؛ فهو عارف به مؤمن ، وإن أفعال العباد مخلوقه لله تعالى ، وكل واحدة منهما تكفر الأخرى.

الفرقة السابعة : منهم : الصلتية (٣) :

أصحاب عثمان بن أبى الصلت ، وقيل الصلت بن الصامت بن الصلت امتازوا عن العجاردة بأن الرجل إذا أسلم واستجار بنا توليناه ، وبرئنا من أطفاله ؛ إذ لا إسلام لهم حتى يدركوا ، فيدعوا إلى الإسلام فيقبلوا.

ونقل عن بعضهم : أنه ليس لأطفال المشركين ، والمسلمين ولاية ، ولا عداوة .. حتى يبلغوا فيدعون إلى الإسلام ، فيقرون ، أو ينكرون.

الفرقة الثامنة من العجاردة : الثعالبة (٤)

أصحاب ثعلبة بن عامر ، قائلون بولاية الأطفال صغارا ، وكبارا ، حتى يظهر منهم إنكار الحق بعد البلوغ. وقد نقل عنهم أيضا أنهم قالوا : ليس للأطفال حكم من ولاية

__________________

(١) انظر : مقالات الإسلاميين ص ١٧٩ سماها الخازمية المعلومية والفرق بين الفرق ص ٩٧ وسماها : المعلومية والمجهولية. والتبصير ص ٣٣ البعض يسميها المعلومية والآخر يسميها المجهولية ، وشرح المواقف ص ٥١ الفرقة السابعة : المعلومية.

(٢) انظر : مقالات الإسلاميين ص ١٧٩ سماها : الخازمية المجهولية ، والفرق بين الفرق ص ٩٧ : سماها : المعلومية والمجهولية ، والتبصير فى الدين ص ٣٣ البعض يسميها المعلومية ، والبعض يسميها المجهولية وشرح المواقف ص ٥١ : الفرقة الثامنة : المجهولية.

(٣) الصلتية : انظر عنهم : مقالات الإسلاميين ص ١٧٩ والملل والنحل ص ١٢٩ والفرق بين الفرق ص ٩٧ والتبصير فى الدين ص ٣٣ وشرح المواقف ص ٥١ من التذييل.

(٤) الثعالبة : أصحاب ثعلبة بن عامر.

انظر مقالات الإسلاميين ص ١٧٩ ـ ١٨٢. والملل والنحل ص ١٣١ ـ ١٣٤.

أما الفرق بين الفرق ص ١٠٠ فقال : أتباع ثعلبة بن مشكان وكذلك سمى فى التبصير فى الدين ص ٣٣.

أما شرح المواقف ص ٥١ فسماه : ثعلب بن عامر.

٨٢

ولا عداوة حتى يدركوا ، ويرون أيضا أخذ الزكاة من العبيد ، إذا استغنوا ، ودفعها إليهم إذا افتقروا وقد افترقت الثعالبة أربع فرق :

الأولى : الأخنسية (١)

أصحاب أخنس بن قيس ، توقفوا فى جميع من فى دار التقية ، ومن أهل القبلة إلا من عرف إيمانه ، أو كفره ، وحرموا الاغتيال بالقتل ، والسرقة وأنه لا يبتدأ أحد بالقتال ، حتى يدعى إلى الدين ، فإن امتنع قوتل.

ونقل عنهم أنهم جوزوا تزويج المسلمات من مشركى قومهم ، وهم على أصول الثعالبة فيما عدا ذلك من المسائل.

الفرقة الثانية : المعبدية (٢) :

أصحاب معبد بن عبد الرحمن ؛ خالفوا الأخنسية فى تزويج المسلمات من المشركين ، والثعالبة فى أخذ الزكاة من عبيدهم ودفعها إليهم.

الفرقة الثالثة : الشيبانية (٣) :

أصحاب شيبان بن سلمة ، قائلون بالجبر ونفى القدرة الحادثة / ؛ وهو باطل بما سبق.

الفرقة الرابعة : المكرمية (٤) :

أصحاب مكرم العجلى ، قائلون بأن تارك الصلاة كافر ، لا من أجل ترك الصلاة ؛ بل بجهله بالله ـ تعالى ـ وطردوا ذلك فى فعل كل كبيرة.

__________________

(١) الأخنسية : أصحاب أخنس بن قيس.

انظر عنهم : مقالات الإسلاميين ص ١٨٠ والملل والنحل ١٣٢ والتبصير فى الدين ص ٣٣ ، ٣٤ والفرق بين الفرق ص ١٠١ وشرح المواقف ص ٥٢ من التذييل.

(٢) المعبدية أصحاب معبد بن عبد الرحمن.

انظر عنهم : مقالات الإسلاميين ص ١٨٠ ، والتبصير فى الدين ص ٣٣ ، والملل والنحل ص ١٣٢ ، والفرق بين الفرق ص ١٠١ ، وشرح المواقف ص ٥٢ من التذييل.

(٣) الشيبانية : أتباع شيبان بن سلمة الخارجى قتل سنة ١٣٠ ه‍ انظر عنه بالإضافة لما ورد هنا :

مقالات الإسلاميين ص ١٨٠ ، ١٨١ ، والملل والنحل ص ١٣٢ ، ١٣٣ ، والتبصير فى الدين ص ٣٤. والفرق بين الفرق ص ١٠٢ وشرح المواقف ص ٥٢ من التذييل.

(٤) المكرمية : أصحاب مكرم العجلى. انظر عن هذه الفرقة إضافة لما ورد هنا مقالات الإسلاميين ص ١٨٢ (أبى مكرم). والملل والنحل ص ١٣٣ (مكرم بن عبد الله العجلى) ، والفرق بين الفرق ص ١٠٣ ، والتبصير فى الدين ص ٣٤ (أبى مكرم) ، وشرح المواقف ص ٥٣ من التذييل. (مكرم العجلى).

٨٣

وزعموا أن الله ـ تعالى ـ إنما يتولى عباده ويعاديهم على ما هم صائرون إليه من موافاة الموت ، لا على أعمالهم الراهنة ؛ إذ هى غير موثوق بدوامها ؛ فإذا وصل إلى آخر عمره ، ونهاية أجله ؛ فإن كان فى تلك الحالة مؤمنا ، واليناه ، وإن كان كافرا عاديناه.

وهؤلاء مخالفون للإجماع بتكفير مرتكب الكبيرة ، والدليل ما سبق (١).

فإذن حاصل فرق الخوارج عشرون فرقة (٢).

وأما المرجئة (٣) :

فإنهم يرون تأخير العمل عن النية ، والعقد ، ويقولون لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفران طاعة.

__________________

(١) انظر ما مر فى الفصل الثالث ل ٢٤١ / ب وما بعدها.

(٢) بيان فرق الخوارج الكبيرة بالإجمال سبع فرق كما بينها المصنف. أما بيان هذه الفرق بالتفصيل فعشرون فرقة بيانها كما يلى :

المحكمة الأولى : فرقة واحدة البيهسية : فرقة واحدة الأزارقة : فرقة واحدة

النجدات : فرقة واحدة

الصفرية : فرقة واحدة

الإباضية : أربع فرق

العجاردة : إحدى عشرة فرقة

وقد وضح الآمدي ذلك بقوله : «فإذن حاصل فرق الخوارج عشرون فرقة».

(٣) المرجئة : من الفرق الإسلامية التى ظهرت على الساحة الإسلامية كرد فعل لظهور الخوارج الذين حكموا على مرتكب الكبيرة بالكفر ، والخلود فى النار فعارضهم المرجئة بقولهم : لا يضر مع الإيمان معصية ، كما لا ينفع مع الكفر طاعة. والإرجاء له معنيين :

أحدهما : بمعنى التأخير : أى الإمهال فى الحكم. وهذا الإطلاق صحيح ؛ لأنهم كانوا يؤخرون العمل عن النية ، والعقد.

والثانى : بمعنى إعطاء الرجاء ، وهو ظاهر : لأنهم كانوا يقولون : لا يضر مع الإيمان معصية ، كما لا ينفع مع الكفر طاعة.

وقيل : الإرجاء تأخير الحكم إلى يوم القيامة ؛ فلا يقضى على صاحب الكبيرة بحكم فى الدنيا.

وقيل : الإرجاء تأخير على ـ رضي الله عنه ـ عن الدرجة الأولى ، إلى الدرجة الرابعة.

والمرجئة أربعة أصناف : مرجئة الخوارج ، ومرجئة القدرية ، ومزجئة الجبرية ، والمرجئة الخالصة.

أما عن فرق المرجئة : فقد ذكر الأشعرى فى مقالات الإسلاميين ص ٢١٤ ـ ٢٣٤ أنهم اثنتى عشرة فرقة بينما ذكر الشهرستانى فى الملل والنحل ص ١٣٩ ـ ١٤٦ أنهم ست فرق.

أما البغدادى فى الفرق بين الفرق ص ٢٠٢ ـ ٢٠٥ فقد قال : إن المرجئة الخارجة عن الجبر والقدر خمس فرق.

كما ذكر أنهم خمس فرق أيضا كلا من الأسفرايينى فى التبصير فى الدين ص ٥٩ ـ ٦١ والرازى فى اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ٧٠ ، ٧١ والآمدي هنا وصاحب المواقف ص ٥٤ وما بعدها.

٨٤

وبالنظر إلى هذين القولين سموا مرجئة ؛ لأن الإرجاء فى اللغة قد يطلق ويراد به التأخير ، ومنه قوله تعالى : (قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ) (١) : أى أمهله ، وأخره ، وهو مطابق للقول الأول. وقد يطلق ويراد به إعطاء الرجاء ، وهو مطابق / / للقول الثانى.

والمرجئة الخالصة خمس فرق :

الفرقة الأولى : اليونسية (٢)

أصحاب يونس بن النميرى ، زعموا أن الإيمان هو المعرفة بالله ـ تعالى ـ والخضوع له ، والمحبة بالقلب ، فمن اجتمعت فى حقه هذه الخصال ؛ فهو مؤمن لا يضره مع ذلك ترك الطاعات ، ولا يعذب عليها ، والمؤمن إنما يدخل الجنة بإيمانه ، لا بعلمه وعمله.

وزعموا أن إبليس كان عارفا بالله وحده غير أنه كفر باستكباره ، وترك الخضوع لله تعالى ـ لقوله ـ تعالى ـ (أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) (٣) وقد بينا إبطال معتقدهم فيما تقدم (٤).

الفرقة الثانية : العبيدية (٥)

أصحاب عبيد المكتئب ، قائلون بأن ما دون الشرك ، مغفور لا محالة ، وأن العبد إذا مات على إيمانه ، لا يضره ما اقترف من المعاصى.

وأن علم الله ـ تعالى ـ لم يزل شيئا غيره ، وأن الله على صورة الإنسان ، والرد عليهم فى هذه الأقوال فقد تقدم.

__________________

(١) سورة الأعراف : ٧ / ١١١.

/ / أول ل ١٤٥ / ب.

(٢) اليونسية : أصحاب يونس بن عون النميرى ، انظر بشأن هذه الفرقة بالإضافة لما ورد هنا : مقالات الإسلاميين للإمام الأشعرى ص ٢١٤ حيث سماه يونس السمرى والملل والنحل للشهرستانى ص ١٤٠ والتبصير فى الدين ص ٦٠ ، والفرق بين الفرق ص ٢٠٢ ، واعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ٧٠ وشرح المواقف ص ٥٤ ، ٥٥ من التذييل.

(٣) سورة البقرة ٢ / ٣٤.

(٤) انظر الفصل الأول ل ٢٣٨ / أوما بعدها.

(٥) العبيدية : أصحاب عبيد المكتئب : وقد انفرد الشهرستانى بذكر هذه الفرقة فى الملل والنحل ص ١٤٠ وتبعه الآمدي ، وصاحب المواقف ص ٥٥ من التذييل.

٨٥

الفرقة الثالثة : الغسانية (١)

أصحاب غسان الكوفى ، زعموا أن الإيمان هو المعرفة بالله ـ تعالى ـ ورسوله ، والإقرار بهما ، وبما جاء من عندهما في الجملة ، دون التفصيل وأن الإيمان يزيد ، ولا ينقص.

وقالوا : إن قائلا لو قال : أعلم أن الله ـ تعالى ـ فرض الحج إلى الكعبة ، غير أنى لا أدرى أين الكعبة ، ولعلها باليمن ، لا بمكة ، كان مؤمنا.

ولو قال : اعلم أن الله بعث محمدا رسولا ، ولا أدرى أنه الشخص المشار إليه بالمدينة ، أو غيره ؛ لكان مؤمنا.

وكان يحكى غسان هذه المقالة عن أبى حنيفة وما ذكروه فى تفسير الإيمان ؛ فقد أبطلناه فيما تقدم.

وأما الشك فى عين الكعبة والرسول / فأمر لا يستجيزه العاقل لنفسه ؛ وهو خلاف إجماع الأمة.

وأما حكاية ذلك عن أبى حنيفة ـ رضي الله عنه ـ فلعل الناقل كاذب فيه لقصد الاستئناس فيما قاله بموافقة رجل كبير مشهور ، ومع هذا فإن أصحاب المقالات قد عدوا أبا حنيفة ، وأصحابه من مرجئة السنة (٢) ، ويشبه أن يكون ذلك ؛ لأنه كان يخالف القدرية ، وهم المعتزلة.

والمعتزلة قد كانوا فى الصدر الأول ، يلقبون كل من خالفهم فى القدر مرجئا ، أو لأنه لما كان يقول : إن الإيمان هو التصديق بالقلب ، وأنه لا يزيد ولا ينقص ، ظن به

__________________

(١) الغسانية : أتباع غسان الكوفى ، وقيل : غسان بن الكوفى ، وقيل : غسان المرجئ وانظر بشأن هذه الفرقة.

الملل والنحل ص ١٤٠ ، والفرق بين الفرق ص ٢٠٣ ، والتبصير فى الدين ص ٦٠ واعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ٧٠ وشرح المواقف ص ٥٥ ، ٥٦ من التذييل.

(٢) انظر مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين للإمام الأشعرى فقد ذكر أن الفرقة التاسعة من المرجئة : [أبو حنيفة وأصحابه].

قال : «الفرقة التاسعة من المرجئة «أبو حنيفة وأصحابه» يزعمون أن الإيمان المعرفة بالله والإقرار بالله والمعرفة بالرسول الإقرار بما جاء به من عند الله فى الجملة دون التفسير ... وزعم أن الإيمان لا يتبعض ولا يزيد ولا ينقص ولا يتفاضل الناس به».

[مقالات الإسلاميين ١ / ٢١٩ ـ ٢٢١].

٨٦

الإرجاء بتأخير العمل عن الإيمان وتركه ، وليس كذلك ، مع ما عرف من مبالغته فى العمل ، والاجتهاد فيه (١).

الفرقة الرابعة الثوبانية (٢) :

أصحاب ثوبان المرجئ زعموا أن الإيمان هو المعرفة والإقرار بالله وبرسله ، وكل ما لا يجوز فى العقل أن لا يفعله ، وما جاز فى العقل تركه ؛ فليس من الإيمان ، وأخروا العمل كله عن الإيمان ، ووافقهم على ذلك أبو مروان بن غيلان (٣) الدمشقى ، وأبو شمر (٤) ، ومويس بن (٥) عمران ، والفضل (٦) الرقاش ، ومحمد بن شبيب (٧). وصالح قبة (٨) ، إلا أن ابن غيلان جمع بين الإرجاء والقول بالقدر ، والخروج حيث قال بأن الإمام يجوز أن لا يكون قرشيا.

وقد اتفق من عددناهم من الجماعة على أن الله ـ تعالى ـ لو عفا عن عاص فى القيامة ؛ عفا عن كل مؤمن هو فى مثل حاله ، ولو أخرج من النار واحدا ؛ أخرج كل من هو فى مثل حاله ، ولم يجزموا القول بأن المؤمنين يخرجون من النار ولا بد.

__________________

(١) يرى الآمدي أن الإمام أبى حنيفة ـ رحمه‌الله ـ بريء من تهمة الإرجاء التى الصقها به المعتزلة ؛ لأنهم كانوا يلقبون كل من خالفهم فى القدر مرجئا ، ويقول إن هذا خطأ ؛ فهو لم يؤخر العمل عن الإيمان ؛ بل قد عرف عنه المبالغة فى العمل والاجتهاد فيه.

(٢) أصحاب ثوبان المرجئ : انظر بشأن هذه الفرقة بالإضافة إلى ما ورد هاهنا : مقالات الإسلاميين ص ٢١٦ قال الأشعرى : أصحاب أبى ثوبان والملل والنحل للشهرستانى ص ١٤٢. قال الشهرستانى : أصحاب أبى ثوبان المرجئ. والتبصير فى الدين ص ٦١ ، والفرق بين الفرق ص ٢١٣ واعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ٧٠ (أصحاب أبى ثوبان).

وشرح المواقف ص ٥٦ من التذييل (أصحاب ثوبان المرجئ).

(٣) سبقت ترجمته فى هامش ل ٢٤٤ / أ.

(٤) أبو شمر : من مرجئة القدرية ـ وممن وافق ثوبان المرجئ. انظر عنه وعن آرائه الفرق بين الفرق ص ٢٠٥ ، ٢٠٦ ، ومقالات الإسلاميين فى عدة مواضع والملل والنحل : ١ / ١٤٥.

(٥) مويس بن عمران : من مرجئة القدرية وعده صاحب المنية والأمل : ٥٨ من معتزلة الطبقة السابعة ، وقد وافق ثوبان المرجئ فى آرائه (شرح المواقف ـ تذييل ص ٥٦).

(٦) الفضل الرقاش : هو ممن جمع بين الاعتزال والإرجاء (انظر عنه شرح المواقف ـ تذييل ص ٥٦).

(٧) محمد بن شبيب من أصحاب النظام ، وممن جمع بين الاعتزال والارجاء فهو موافق لثوبان المرجئ ، وهو من معتزلة الطبقة السابعة كما قال صاحب المنية والأمل : ص ٥٨ ، وانظر عن آرائه : الفرق بين الفرق ص ٢٠٧ ومقالات الإسلاميين ١ / ٢١٨.

(٨) صالح قبة : ذكره ابن المرتضى فى الطبقة السابعة من طبقات المعتزلة ص ٧٣. وله كتب كثيرة وخالف الجمهور فى أمور كثيرة. وهو ممن جمع بين القدر والارجاء والخروج [الفرق بين الفرق ص ٢٠٥ ـ ٢٠٧].

٨٧

وما ذكروه فى تفسير الإيمان ، وترك العمل ، وقول ابن غيلان بالقدر ، والإمامة فى غير قريش ، فقد أبطلناه فيما تقدم وما ذكره الجماعة فمشعر بوجوب الفعل على الله ـ تعالى ـ وهو باطل أيضا بما تقدم.

الفرقة الخامسة : التومنية (١) :

أصحاب أبى معاذ التومنى ، زعموا أن الإيمان ما كان عاصما من الكفر ، وهو اسم لخصال لو تركها التارك ، أو بعضها كفر ولا يقال لبعضها أنه إيمان ، ولا بعض إيمان ، وتلك الخصال هو المعرفة ، والتصديق والمحبة ، والإخلاص ، والإقرار بما جاء به الرسول ، وكل معصية لم يجمع المسلمون على أنها كفر ؛ فلا يقال لفاعلها إنه فاسق ؛ بل فسق ، وعصى.

وأن من ترك الصلاة ، والصيام مستحلا ؛ كفر لتكذيبه بما جاء به الرسول ، ومن ترك ذلك على نية القضاء ؛ لم يكفر ، ومن قتل نبيا ، أو لطمه كفر ، لا من أجل القتل ، أو اللطمة ؛ بل من أجل الاستخفاف به ، والدلالة على تكذيبه ، وبغضه.

وبه قال ابن الراوندى (٢) ، وبشر المريسى (٣) ، وزعما أن / / السجود للصنم ليس بكفر غير أنه علامة على الكفر.

وما ذكروه فى تفسير الإيمان ؛ فقد أبطلناه (٤).

وقولهم : إن كل معصية لا تكون كفرا لا يقال لفاعلها إنه فاسق / بل فسق ، وعصى ؛ فهو تناقض ؛ فإنه لا معنى لقولنا فسق غير أنه قام به فعل الفسق ، ولا معنى للفاسق إلا ذلك.

فهذه كل فرق المرجئة الخالصة.

__________________

(١) التومنية : أصحاب أبى معاذ التومنى.

انظر : مقالات الإسلاميين ص ٢٢١ ، ٢٢٢ والفرق بين الفرق ص ٢٠٣ ، ٢٠٤ ، والتبصير فى الدين ص ٦١ ، والملل والنحل ص ١٤٤ ، وشرح المواقف ص ٥٧ من التذييل.

(٢) ابن الراوندى سبقت ترجمته فى الجزء الأول هامش ل ٢٣١ / أوما بعدها.

(٣) بشر المريسى : سبقت ترجمته فى الجزء الثانى هامش ل ١٠٣ / ب وما بعدها.

/ / أول ل ١٤٦ / أ.

(٤) راجع ما مر فى الفصل الأول : فى تحقيق معنى الإيمان ل ٢٣٦ / أوما بعدها.

٨٨

ومن المرجئة من جمع بين الإرجاء ، والقدر : كالصالحىّ ، ومحمد بن شبيب وأبى شمر ، وغيلان.

غير أن الصالحى زعم أن الإيمان هو المعرفة بالله ـ تعالى ـ على الإطلاق ، وأن ـ للعالم صانعا فقط ، والكفر هو الجهل به على الإطلاق ، وبنى على ذلك أن القول بأن الله ثالث ثلاثة ، ليس بكفر ، ولكنه لا يظهر إلا من كافر ، وأن الإيمان يصح مع جحد الرسول عقلا ، ولا يصح سمعا لقول الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «من لا يؤمن بى فهو كافر» ، وزعم أيضا أنه لا عبادة لله ـ تعالى ـ سوى الإيمان به.

وأما أبو شمر المرجئ : فإنه زعم أن الإيمان هو : المعرفة بالله تعالى ، والمحبة والخضوع له بالقلب ، والإقرار به أنه واحد ليس كمثله شيء فقط ، وذلك مما لم تقم حجة الأنبياء ، فإذا قامت حجة الأنبياء فالإقرار بهم ، وتصديقهم من الإيمان ، وأما الإقرار والمعرفة : بما جاءوا به ، فليس من الإيمان الأصلي ، وليس كل خصلة من خصال الإيمان إيمانا ، ولا بعض إيمان.

وأما غيلان فإنه قال : إن الإيمان هو المعرفة الثانية الكسبية بالله ـ تعالى والمحبة ، والخضوع له ، والإقرار بما جاء به الرسول ، والمعرفة الأولى الفطرية ، وهو علمه بأن للعالم صانعا ، فليس من الإيمان.

وأما النجارية (١)

أصحاب أبى الحسين بن محمد النجار ، فموافقون للصفاتية من أهل السنة فى القول بأن الله ـ تعالى ـ خالق أفعال العباد ، وأن الاستطاعة مع الفعل ، وأن العبد مكتسب ، وموافقون للمعتزلة فى نفى الصفات الوجودية عن ذات الله تعالى ـ ونفى

__________________

(١) النجارية : أتباع أبى الحسين بن محمد النجار أما بقية كتب الفرق فقالت : الحسين بن محمد النجار وهو رأس النجارية ، وإليه نسبتها. وهو من متكلمى الجبرية ، وله مع النظام مناظرات ، وسبب موته انقطاعه أمام النظام ؛ فحمّ ومات عقب المناظر فى حدود سنة ٢٣٠ ه‍ انظر عنه ما مر فى هامش من ل ٦٤ / ب من الجزء الأول. وانظر بشأن هذه الفرقة :

مقالات الإسلاميين ص ٢١٦ وما بعدها والملل والنحل ص ٨٨ وما بعدها. والفرق بين الفرق ص ٢٠٧ وما بعدها ، والتبصير فى الدين ص ٦١ وما بعدها. واعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ٦٨ ، وشرح المواقف ص ٥٨ من التذييل.

٨٩

الرؤية ، والقول بحدوث كلام الله ـ تعالى ـ ووافقهم على ذلك ضرار بن (١) عمرو ، وحفص الفرد (٢).

ثم افترقوا ثلاث فرق :

الفرقة الأولى : البرغوثية (٣) :

زعموا أن كلام الله تعالى ـ حادث ، وأنه إذا قرئ ؛ فهو عرض ، وإذا كتب ؛ فهو جسم.

وهو كفر بارد لا يستجيزه من له أدنى مسكة من العقل ، ثم يلزمهم على ذلك أن كلام الله ـ تعالى ـ إذا كتب بنجاسة ، صارت تلك الحروف المقطعة من تلك النجاسة كلام الله ـ تعالى ـ بعد أن لم تكن كلاما ؛ وهو محال.

الفرقة الثانية : الزعفرانية (٤)

زعموا أن كلام الله ـ تعالى ـ غيره ، وأن كل ما هو غيره فهو مخلوق ، ومع ذلك قالوا : إن من قال إن القرآن مخلوق ؛ فهو كافر ولذلك ، فإنهم يقولون : يا رب القرآن ، أهلك من قال إن القرآن مخلوق ، فإن أرادوا بنفى كونه مخلوقا بمعنى الاختلاق ، والكذب ، وإلا فهو تناقض ، محال.

الفرقة الثالثة : المستدركة (٥)

استدركوا على الزعفرانية وقالوا : إن كلام الله مخلوق مطلقا غير أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال : «كلام الله غير مخلوق» ، وأجمعت الأمة على ذلك ، فوافقناهم ، وحملنا قولهم غير

__________________

(١) ضرار بن عمرو : سبقت ترجمته فى هامش ل ٧٢ / ب من الجزء الأول.

(٢) حفص الفرد : سبقت ترجمته فى هامش ل ٢٣١ / أمن الجزء الأول.

(٣) أصحاب محمد بن عيسى المعروف ببرغوث وهو من أتباع النّجار إلا أنه خالفه فى بعض ما ذهب إليه ، انظر عنه وعن فرقته ، الفرق بين الفرق للبغدادى ص ٢٠٩ والتبصير فى الدين ص ٦٢ والملل والنحل ص ٨٨ وما بعدها.

وشرح المواقف ص ٥٨ من التذييل.

(٤) الزعفرانية : أتباع الزعفرانى من أهل الرى. وكان يناقض بآخر كلامه أوله انظر عنه : الفرق بين الفرق ص ٢٠٩ ، ٢١٠ ، والتبصير فى الدين ص ٦٢ ، وشرح المواقف ص ٥٨ من التذييل.

(٥) المستدركة : وهم قوم من الزعفرانية. سموا بهذا الاسم ، لأنهم زعموا أنهم استدركوا على أسلافهم ما خفى عليهم. انظر عنهم : التبصير فى الدين ص ٦٢ والفرق بين الفرق ص ٢١٠ ، ٢١١ فقد ذكر البعض مناظرة له مع واحد من أفراد هذه الطائفة. وشرح المواقف ص ٥٩ من التذييل.

٩٠

مخلوق / أى على هذا التركيب ، والنظم من هذه الحروف ، والأصوات ؛ بل هو مخلوق على غير هذه الحروف بعينها ، وهذه حكاية عنها.

وزعموا أن أقوال مخالفيهم كلها كذب ، وضلالة ، حتى أنه لو قال لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فقوله ضلال ، وكذب.

والقائل بهذه المقالة ففى غاية السخافة من العقل ، فإنه إذا قال مخالفهم لا إله إلا الله محمد رسول الله ، إن كان إخباره على خلاف ما المخبر عليه ؛ فيلزم أن يكون ثم إله غير الله ، وأن لا يكون محمد رسولا ؛ وهو محال ، وإن كان إخباره على وفق ما المخبر عنه ، فيمتنع أن يكون خبره كذبا ، وضلالة ؛ بل صدقا ، وإيمانا.

ثم يلزمهم أن مخالفهم إذا قال لزعيمهم : إنك مؤمن ، أنه إن كان صادقا ؛ فقد نقضوا مذهبهم ، وإن كان كاذبا ، فالصادق عليه إنه ليس بمؤمن ؛ فهم غير مؤمنين.

وأما الجبرية (١) :

فالجبر عبارة عن نفى الفعل عن العبد حقيقة ، وإضافته إلى الرب ـ تعالى ـ غير أن الجبرية تنقسم إلى :

جبرية خالصة : وهى التى لا تثبت للعبد فعلا ، ولا كسبا : كالجهمية (٢). وإلى :

جبرية متوسطة : وهى التى لا تثبت للعبد فعلا ؛ ولكن تثبت له كسبا كالأشعرية (٣) / / والنجارية (٤) ، والضرارية (٥) ، والحفصية (٦) ، والمقصود هنا إنما هو بيان مذهب الجبرية الخالصة ؛ وهم أصحاب جهم بن صفوان.

__________________

(١) انظر عن هذه الفرقة بالإضافة لما ورد هاهنا : مقالات الإسلاميين للأشعرى ١ / ٢٣٨ والملل والنحل ص ٨٥ ـ ٩١. والفرق بين الفرق ص ٢١١ ـ ٢١٥. والتبصير فى الدين ص ٦٣ وما بعدها ، وشرح المواقف ص ٥٩ ، ٦٠ من التذييل.

(٢) أتباع الجهم بن صفوان وقد سبقت ترجمته فى الجزء الأول فى هامش ل ٥ / أ.

/ / أول ل ١٤٦ / ب.

(٣) أصحاب الإمام الأشعرى انظر عنه ما سبق فى الجزء الأول هامش ل ٣ / أ.

(٤) راجع عنهم ما مر فى ل ٢٥٥ / ب وهامشها.

(٥) أصحاب ضرار بن عمرو ـ انظر عنه ما سبق فى الجزء الأول فى هامش ل ٧٢ / ب.

(٦) أصحاب حفص الفرد ـ انظر عنه ما سبق فى الجزء الأول فى هامش ل ٢٣١ / أ.

٩١

أما المتوسطة : فقد عرف مذهبهم فيما تقدم.

وقد زعمت الجهمية الخالصة : أن الإنسان لا يوصف بالاستطاعة على الفعل بل هو مجبور بما يخلقه الله ـ تعالى ـ له من الأفعال ، على حسب ما يخلقه فى سائر الجمادات. وأن نسبة الفعل إليه إنما هو بطريق المجاز ، كما يقال : جرى الماء ، وطلعت الشمس وتغيمت السماء ، وأمطرت ، واهتزت الأرض ، وأنبتت ، وأثمرت الشجرة ، إلى غير ذلك .. وإن لم يكن ذلك من فعل المنسوب إليه ، ولا من كسبه ، وهذا فقد أبطلناه فيما تقدم فى القدر الحادثة.

وزعموا أيضا أن الله ـ تعالى ـ لا يعلم الشيء قبل وقوعه ، وأن علومه حادثة لا بمحل ، وقد أبطلناه أيضا.

ومن مذهبهم : امتناع اتصاف الرب ـ تعالى ـ بما يصح أن يوصف به غيره ؛ لأن ذلك مما يوجب التشبيه ، وذلك ككونه شيئا ، وحيا ، وعالما ، ولا يمنعون من اتصافه بما لا يشاركه فيه غيره ، ككونه خالقا ، وفاعلا ..

ويلزمهم من ذلك إبطال أكثر ما ورد به القرآن ، والسنة من الأسماء الحسنى ؛ كالرحيم والعالم ، والشاكر ، والشكور ، والوتر ، والحى ، والسميع والبصير ، واللطيف ، والخبير ، والحكيم ونحو ذلك ؛ وهو خلاف النصوص ، والإجماع.

ومن مذهبهم : أن الجنة والنار تفنيان بعد دخول أهلهما إليها ويفنى ما فيهما ، حتى لا يبقى غير الله تعالى.

وفيه تكذيب لقوله ـ تعالى : (أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها) (١) ، وقوله تعالى : (عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) (٢) : أى غير مقطوع ، وقوله ـ تعالى ـ فى أهل النار : / (خالِدِينَ فِيها) (٣).

ومن مذهبهم أيضا : موافقة المعتزلة فى نفى الرؤية ، وإثبات خلق الكلام ، وإيجاب المعارف بالعقل ، قبل ورود الشرع ؛ وهو باطل بما سبق (٤).

__________________

(١) سورة الرعد : ١٣ / ٣٥.

(٢) سورة هود : ١١ / ١٠٨.

(٣) سورة هود : ١١ / ١٠٧.

(٤) راجع ما مر فى الجزء الأول : ل ١٢٣ / أوما بعدها ، ول ٨٢ / ب وما بعدها. وما ورد فى الجزء الثانى ل ٢١٥ / ب وما بعدها.

٩٢

وأما المشبّهة (١) :

فقد اتفقوا على تشبيه الإله ـ تعالى ـ بالمخلوقات وتمثيله بالحادثات ، ولذلك جعلناهم فرقة واحدة ، وإن كانت طرقهم فى التشبيه متفاوتة وأقاويلهم فيه مختلفة.

فمنهم مشبهة غلاة الشيعة (٢) : كالسبائية ، والبيانية ، والمغيرية ، والجناحية والخطابية ، والذمية ، والهشامية ، والزرارية ، والرزامية ، والنصيرية ، والإسحاقية على ما حققناه من مذاهبهم القائلة بالتجسيم ، والحركة ، والانتقال ، والحلول فى الأجسام إلى غير ذلك.

ومنهم مشبهة الحشوية : كمضر ، وكهمس ، والهجيمى ، وغيرهم ؛ فقد نقل عنهم أنهم أجازوا على ربهم الملامسة ، والمصافحة ، والمعانقة ، للمخلصين ، وأنهم يرونه فى الدنيا ، ويزورونه ، ويزورهم ، حتى نقل عن بعضهم أنه قال اعفونى عن الفرج واللحية ، واسألونى عما وراء ذلك.

وقال : إن معبوده ، جسم من لحم ، ودم ، وله جوارح ، وأعضاء من يد ، ورجل ورأس وعينين ، ولسان ، وأذنين ، وأنه أجوف الأعلى ، مصمت الأسفل ، وأنهم أجروا كل ما ورد من أخبار الصفات ، على ما تقدم فى إبطال التشبيه (٣) على ظاهرها.

ومنهم مشبهة الكرامية : أصحاب أبى عبد الله بن محمد بن كرام (٤) وفرقهم متعددة وأقوالهم فى التشبيه مختلفة ، غير أنها لم تكن منسوبة إلى أئمة معتبرين آثرنا

__________________

(١) المشبهة : هم كل من شبه ذات البارى ـ تعالى ـ بذات غيره من المخلوقين ومنهم من شبه صفاته بصفات غيره.

وهم أصناف : فمنهم جماعة من الشيعة الغالية : كالهشاميين وغيرهم ومنهم جماعة من حشوية المحدثين مثل : مضر. وكهمس ، وأحمد الهجيمى وغيرهم وقد جعلهم سيف الدين الآمدي فرقة واحدة ، وإن كانت طرقهم فى التشبيه متفاوتة ، وأقاويلهم فيه مختلفة كما سيتضح لنا ذلك بالتفصيل فيما يلى : أما عن أصنافهم ، وآرائهم بالتفصيل والرد عليهم : فانظر : الجزء الأول من هذا الكتاب ـ تحقيقنا ل ١٤٢ / أإلى ل ١٦٦ / أوالملل والنحل للشهرستانى ص ١٠٣ ـ ١١٣ وما بعدها. والتمهيد للباقلانى ص ١٤٨ وما بعدها والفرق بين الفرق للبغدادى ص ٢١٥ وما بعدها وأصول الدين له أيضا والتبصير فى الدين للأسفراييني ص ٦٥ وما بعدها.

(٢) راجع آراء غلاة الشيعة فيما مر ل ٢٤٧ / أوما بعدها.

(٣) راجع آراءهم والرد عليهم فيما سبق فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ الباب الأول ـ القسم الأول ـ النوع الرابع : فى إبطال التشبيه وما لا يجوز على الله تعالى. ل ١٤٢ / أوما بعدها.

(٤) هو أبو عبد الله محمد بن كرام. مؤسس مذهب الكرامية ، عاش في أواخر القرن الثانى للهجرة حتى منتصف القرن الثالث وتوفى سنة ٢٥٥ ه‍. لتوضيح مذهبه انظر الملل والنحل للشهرستانى ١ / ١٠٨ وما بعدها ومن الدراسات الحديثة : انظر نشأة الفكر والفلسفى للنشار ١ / ٤٠٥ وما بعدها والتجسيم عند المسلمين (مذهب الكرامية) د. سهير مختار. شركة للطباعة والنشر سنة ١٩٧١ م. وما مر فى هامش ل ٦٥ / أمن الجزء الأول.

٩٣

الإعراض عن الأقوال الشاذة لهم ، واقتصرنا على أقوال زعيمهم ، والمشهور منهم وقد اتفقوا على أن الله ـ تعالى ـ مستقر على العرش مماس له من الصفحة العليا وأنه بجهة فوق بذاته ، وأنه مما تجوز عليه الحركة والانتقال ، والنزول. ومنهم من قال : امتلأ به العرش.

ومنهم من قال : إنه على بعض العرش ، ومنهم من قال : إنه محاذى للعرش ، لكن منهم من قال : بينهما بعد متناه ، ومنهم من قال : بعد غير متناه ، ومنهم من أطلق لفظ الجسم عليه تعالى ، ثم منهم من أثبت كونه متناهيا من جميع جهاته ، ومنهم من أثبت له النهاية من جهة تحت ، دون غيرها ، ومنهم من نفى عنه النهاية مطلقا.

واتفقوا على جواز حلول الحوادث بذاته ، وأنها زائدة على الحوادث الخارجة عن ذاته ، وزعموا أنه إنما يقدر على الحوادث / / الحادثة فى ذاته دون غيرها ، وأوجبوا على الله ـ تعالى ـ ، أن يكون أول شيء خلقه حيا يصح منه الاستدلال.

وزعموا أن الرسالة ، والنبوة صفتان قائمتان بذات الرسول سوى الوحى إليه ، وسوى أمر الله ـ تعالى ـ له بالتبليغ عنه ، وسوى إظهار المعجزة على يده ، وسوى عصمته عن المعاصى ، وأن من كان فيه تلك الصفة فإنه يجب على الله تعالى ـ إرساله.

وفرقوا بين الرسول والمرسل من جهة / أن الرسول رسول للمعنى الّذي قام به والمرسل مرسل ؛ لأن الله ـ تعالى ـ أرسله.

وأجازوا أن يكون الرسول غير مرسل ، ولم يجيزوا مرسلا غير رسول ، وأن الرسول لا يجوز عزله عن كونه رسولا ، بخلاف المرسل ، وزعموا أنه لا يجوز فى الحكمة الاقتصار على رسول واحد.

وجوزوا وجود إمامين فى عصر واحد ، وقضوا بأن عليا ، ومعاوية كانا إمامين فى عصر واحد ، غير أن إمامة عليّ على وفق السنة ، وإمامة معاوية على خلاف السنة ، ومع ذلك أوجبوا طاعة رعيته له.

وزعموا أيضا أن الإيمان هو الإقرار الّذي وجد فى الذر حين قال تعالى : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) (١) فقولهم : بلى فى الذر هو الإيمان ، وأن ذلك الإيمان باق فى جميع

__________________

/ / أول ل ١٤٧ / أ.

(١) سورة الأعراف : ٧ / ١٧٢.

٩٤

الخلائق على السوية غير المرتدين ، وأن إيمان المنافقين مع كفرهم كإيمان الأنبياء ـ عليهم‌السلام ـ لاستواء الجميع فى ذلك القول ، وأن الإتيان بالشهادتين ليس بإيمان ، إلا إذا قيلت بعد الردة وأن تكرار الإيمان ، ليس بإيمان. هذا حكاية مذاهب المشبهة.

وأما نحن ـ فقد أبطلنا فيما تقدم كل ، ما قالوه من التجسيم ، والتصوير والحركة والانتقال ، والتحديد ، والنهاية ، والحلول ، والجهة ، والاستقرار على العرش ، وحلول الحوادث فى ذاته تعالى ، وإيجاب الفعل على الله تعالى ، والحجر. عليه كل قول فى موضعه (١).

وبينا أيضا أن الرسول لم يكن رسولا لمعنى فى ذاته ، ولا لصفة من صفاته وأنه لا معنى لكونه رسولا ؛ غير قول الله ـ تعالى ـ له أرسلتك وأنت رسولى ؛ فبلغ عنى.

وعلى هذا فقد بطل قولهم : أنه لا يكون رسولا ، وهو غير مرسل ، وأن الرسول لا يجوز عزله ، بخلاف المرسل.

وأما قولهم : بجواز نصب إمامين فى قطرين ، فى عصر واحد ؛ فليس ذلك بدعا ، وهو مختلف فيه عند أصحابنا ، كما يأتى.

وإنما العجب من قولهم بوجوب طاعة معاوية مع الاعتراف ، بأن إمامته على خلاف السنة كيف وإن الأمة من السلف مجمعة على أن معاوية ، لم يكن إماما فى زمن إمامة على.

وما ذكروه فى فصل الإيمان من أن الإيمان : هو الإقرار الموجود فى الذر ، وأن تكرار الإيمان ، ليس بإيمان يوجب أن لا يكون أحد ، غير المرتدين مأمورا بالإيمان ، وأن يكون المنافق الكافر مؤمنا ؛ وهو خلاف إجماع الأمة من السلف.

فهذه هى الفرق الضالة الهالكة المستوجبون النار ، بقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهى اثنان وسبعون فرقة. عشرون قدرية ، واثنان وعشرون شيعة ، وعشرون خوارج ، وخمس مرجئة ، وثلاث نجارية ، وفرقة جبرية ، وفرقة مشبهة.

__________________

(١) انظر ما سبق فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ الباب الأول ـ القسم الأول ل ٤٠ / ب وما بعدها.

٩٥

وأما ما وراء ذلك من الفرق الهالكة ، وأرباب الأقوال المضلة ؛ فإنها وإن كانت متكثرة خارجة عن الحصر ، غير أن منها ما هو متفرع على ما سبق من أقوال الفرق الهالكة ، ومنها ما هو من أقوال العوام الطغام ، وحثالة الناس ، ومن لا يؤبه له ؛ لعدم أصالته فى العلم ، وخساسته بين أهل النظر. فلذلك لم / يعدوا من أرباب المقالات ، ولم يعتد بوفاقهم ، ولا خلافهم.

وأما الفرقة الناجية :

وهى الثالثة والسبعون فهى ما كانت على ما كان النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وسلف الصحابة على ما سبق ، من قوله ـ عليه‌السلام ـ حين قيل له من الفرقة الناجية قال : «هم الذين على ما أنا عليه وأصحابى»

وهذه الفرقة هى : الأشاعرة ، والسلفية من المحدّثين وأهل السنة والجماعة. وذلك لأنهم / / لم يخلطوا أصولهم بشيء من بدع القدريّة ، والشيعة ، والخوارج ، والمرجئة ، والنّجارية ، والجبرية ، والمشبهة مما سبق تحقيقه من بدعهم وأقوالهم (١).

بل هم مجمعون على حدوث العالم ، ووجود البارئ ـ تعالى ـ ، وأنه لا خالق ولا مبدع سوى الله ـ تعالى ـ ، وأنه قديم لم يزل ، ولا يزال ، وأنه متصف بصفات الجلال من العلم ، والقدرة ، والإرادة ، ونحو ذلك مما سبق تحقيقه.

وأنه لا شبيه له ولا نظير ، وأنه لا يحل فى شيء ، ولا هو محل للحوادث ، وأنّه ليس فى جهة ، ولا حيز ، ولا يجوز عليه الحركة ، والانتقال ، وأنه يستحيل عليه الجهل ، والكذب وسائر صفات النقص ، وأنه لا شريك له ، ولا ضد ، ولا ند ، وأنه مرئى للمؤمنين فى الآخرة وأنه لا يكون إلا ما يريد ، وما أراده فهو كائن ، وأنه غنى عن خلقه غير محتاج إلى شيء ، وأنه لا يجب عليه شيء ، بل إن أثاب فبفضله ، وإن عاقب فبعد له ، وأنه بريء عن المقاصد ، والأغراض فى فعله ، ولا يوصف فيما يفعله ، بجور ، ولا

__________________

/ / أول ل ١٤٧ / ب.

(١) انظر عن المبتدعة ما مر بالتفصيل من ل ٢٤٣ / ب إلى نهاية ل ٢٥٧ / أمن هذه القاعدة ـ الفصل الثالث : فى أن مخالف الحق من أهل القبلة هل هو كافر أم لا؟

٩٦

ظلم ، وأنه واحد غير متبعض ، ولا له حد ، ولا نهاية ، وأنه غير محجور عليه فى فعله ؛ بل ما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن ، وله الزيادة ، والنقصان فى مخلوقاته ، ومبتدعاته (١).

وأجمعوا علي المعاد ، والمجازاة ، والمحاسبة ، وخلق الجنة ، والنار ، وخلود نعيم أهل الجنة ، وخلود عذاب أهل النار من الكفار ، وجواز العفو عن المذنبين ، وشفاعة الشافعين.

وعلى جواز بعثة الرسل ، والاعتراف بكل من بعث ، وأيد بالمعجزات من الرسل والأنبياء ، من آدم إلى محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ.

وأن أهل بيعة الرضوان ، وأهل بدر من أهل الجنة ، وأما فى الإمامة فعلى ما سيأتى تحقيقه (٢).

فإن قيل : فإذا كان حكم أهل البدع ، والأهواء من الفرق الضالة أنها هالكة من أهل النار فى الآخرة. فما حكمهم فى الدنيا؟

قلنا : اختلف المسلمون فى ذلك. فنقل عن الشيخ أبى الحسن الأشعرى وكثير من أصحابه وعن جماعة من أئمة الفقهاء : كالشافعى ، وأبى حنيفة ، أن مخالفى الحق من أهل القبلة مسلمون ، حتى نقل عن الشافعى ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : لا أرد شهادة أحد من أهل الأهواء غير الخطابية (٣) ؛ فإنهم يعتقدون جواز الشهادة لأوليائهم على أعدائهم زورا ، ومن أصحابنا من قال بتكفيرهم (٤).

__________________

(١) قارن بما ذكره الشيخ الأشعرى فى الإبانة ـ الباب الثانى : فى إبانة قول أهل الحق والسنة من ص ٥٧ ـ ٦٧ «قال :

فإن قال قائل : قد أنكرتم قول المعتزلة ، والقدرية ، والجهمية ، والحرورية والرافضة ، والمرجئة فعرفونا قولكم الّذي به تقولون ، وديانتكم التى بها تدينون. قيل له : قولنا الّذي نقول به ، وديانتنا التى ندين بها : التمسك بكتاب ربنا عزوجل وبسنة نبينا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وما روى عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث ... وجملة قولنا» ثم ذكر الأقوال بالاجمال وهى إحدى وخمسون قولا ، ثم شرحها بالتفصيل. فى ص ٦٨ وما بعدها.

(٢) انظر ما سيأتى في قاعدة الإمامة ل ٢٦٣ / أوما بعدها.

(٣) الخطابية : إحدى فرق غلاة الشيعة وهى الفرقة : السابعة يستحلون شهادة الزور لموافقيهم على مخالفيهم انظر عنهم بالتفصيل ما مر ل ٢٤٨ / أوما بعدها.

(٤) انظر أصول الدين للبغدادى ص ٣٤٠ الأصل الخامس عشر : فى بيان أحكام الكفر ـ المسألة الرابعة عشرة من هذا الأصل فى أنكحة أهل الأهواء ، وذبائحهم ، ومواريثهم. حيث وضح رأى أهل السنة فيهم بالتفصيل.

وانظر أيضا المسألة الخامسة عشرة من هذا الأصل : فى حكم دور أهل الأهواء ص ٣٤٢ وما بعدها. حيث وضح رأى أهل السنة فى دورهم ومعاملاتهم بالتفصيل.

٩٧

أما القدرية فمن وجوه سبعة :

الأول : لقوله عليه الصلاة والسلام / : «القدرية مجوس هذه الأمة» (١).

وقد اختلف أصحابنا فى حكم تمجيسهم :

فمنهم من قال إنهم مجوس ، بمعنى لو بذلوا ما لا يحقنون به دماؤهم قبل منهم ، غير أنه لا تؤكل ذبائحهم ، ولا تنكح نساؤهم ، ولو قتل واحد منهم ، بغير حق ، وكان قاتله من أهل السنة ، فعليه مثل دية المجوسى ، وهو اختيار الأستاذ أبى إسحاق (٢).

ومنهم من قال حكمهم حكم المرتدين ؛ فلا تقبل منهم الجزية ، ولا تؤكل ذبائحهم ، ولا تنكح نساؤهم ، ولا دية على قاتل واحد منهم ، وإن لحق واحد منهم بدار الحرب ، وسبى لا يسترق.

الثانى : إنكارهم للصفات ، وجهلهم بالله ـ تعالى ـ (٣).

الثالث : لمخالفتهم لإجماع الأمة على أن فعل الله ـ تعالى ـ خير من فعل غيره حيث قالوا ، بأن الإيمان من فعل العبد ، مع كونه خيرا من كل حادث.

الرابع : قولهم بخلق القرآن ، ومخالفتهم لقوله ـ عليه‌السلام ـ «من قال القرآن مخلوق فهو كافر» (٤).

الخامس : إنكارهم كون الرب ـ تعالى ـ مريدا لجميع الكائنات ، ومخالفة الإجماع فى قولهم : «ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن» (٥).

السادس : إنكارهم للرؤية ، وقد قال الله تعالى : (بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ) (٦).

__________________

(١) رواه أبو داود رقم (٤٦٩١) فى السنة : باب فى القدر ، والحاكم فى «المستدرك» ١ / ٨٥ من حديث عبد الله بن عمر رضى الله عنهما مرفوعا بلفظ : «القدرية مجوس هذه الأمة» وأحمد فى المسند ٢ / ٨٦ من حديث ابن عمرو وأيضا بلفظ : «لكل أمة مجوس ومجوس أمتى الذين يقولون لا قدر» ورواه أحمد أيضا فى المسند ٥ / ٤٠٦ ، ٤٠٧ وله شواهد بالمعنى عند الحاكم ١ / ٨٥ من حديث أبى هريرة عن عمر بن الخطاب رضى الله عنهما بلفظ : «لا تجالسوا أهل القدر ، ولا تفاتحوهم» وهو حديث حسن بطرقه وشواهده.

(٢) سبقت ترجمته فى هامش ل ٥ / أمن الجزء الأول.

(٣) انظر ما مر فى القاعدة الرابعة ـ النوع الثانى : فى الصفات ص ٢٩٥ ـ ٤٧٣ ، فقد ذكر الآمدي بدعتهم فى إنكار الصفات ، ورد عليها بالتفصيل.

(٤) راجع ما مر فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ الباب الأول ـ القسم الأول ـ النوع الثانى ـ المسألة الخامسة : فى إثبات صفة الكلام لله ـ تعالى. ل ٨٢ / ب وما بعدها.

(٥) انظر ما مر ل ٢٨٨ / أوما بعدها من الجزء الأول.

(٦) سورة السجدة : ٣٢ / ١٠.

٩٨

السابع : إثباتهم كون المعدوم شيئا (١) ، وذاتا ثابتة فى العدم ، مع إنكار قدمائهم للأحوال ، وذلك يوجب كون الذوات ، ووجودها واحدا ؛ ويلزم منه قدم الجواهر والأعراض ، وخروجها عن أن تكون حاصلة بفعل الله.

وأما الشيعة والخوارج :

فلتكفيرهم أعلام الصحابة ومن شهد له القرآن ، وقول الرسول المعصوم بالتزكية والإيمان ، وأنه من أهل الجنة على ما سبق ؛ فيكون ذلك تكذيبا لله وللرسول ، ومكذب الله والرسول يكون كافرا ، ولأن الأمة مجمعة / / على أن من كفر أحدا من الصحابة : فهو كافر ، ولأن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال : «من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما» (٢) ، وتكفير من كفر الصحابة ـ رضى الله عنهم ـ أولى.

أما المشبهة :

فمن وجوه ثلاثة :

الأول : لاعتقادهم أن الله تعالى جسم ، وجهلهم به.

الثانى : كونهم عابدين للجسم وهو غير الله ـ تعالى ـ ؛ فكان كفرا كعابد الصنم.

الثالث : أنه قال ـ تعالى ـ : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) (٣) وإنما كفرهم لقولهم : بأن غير الله هو الله ، ومن قال بأن الجسم إله فقد قال بأن غير الله ، هو الله ؛ إذ الجسم غير الله.

وأما الأستاذ أبو إسحاق فقد قاله : من كفرنى كفرته ، وإلا فلا.

والمختار : إنما هو التفصيل ، وهو أن ما كان من البدع المضلة ، والأقوال المهلكة ، يرجع إلى اعتقاد وجود إله غير الله ، وحلول الإله فى بعض أشخاص الناس.

__________________

(١) راجع ما مر فى الباب الثانى ـ الفصل الرابع : فى أن المعدوم هل هو شيء وذاته ثابتة في حالة العدم أم لا؟ ل ١٠٨ / ب وما بعدها.

/ / أول ل ١٤٨ / أ.

(٢) الحديث متفق على صحته رواه البخارى فى صحيحه ١ / ٥١٤ (كتاب الأدب باب من أكفر أخاه بغير تأويل فهو كما قال) عن أبى هريرة ، وعن عبد الله ابن عمر رضى الله عنهما. وأخرجه مسلم فى صحيحه ١ / ٧٩ (كتاب الإيمان ـ باب بيان حال إيمان من قال لأخيه المسلم يا كافر) عن ابن عمر رضى الله عنه.

(٣) سورة المائدة ٥ / ١٧.

٩٩

كما هو المنقول عن بعض غلاة الشيعة : كالحابطية ، والسبائية ، والجناحية ، والذمية ، والرزامية ، والنصيرية ، والإسحاقية (١).

أو إلى إنكار رسالة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذمه ، كالمنقول / عن الغرابية ، والذمية (٢).

أو إلى استباحة المحرمات ، وإسقاط الواجبات الشرعية ، وإنكار ما جاء به الرسول : كقول الجناحية ، والمنصورية والخطابية ، والإسماعيلية (٣) ، فذلك مما لا نعرف خلافا بين المسلمين فى التكفير به.

وأما ما عدا ذلك مما أشرنا إليه من المقالات المختلفة : فلا يمتنع أن يكون معتقدها وقائلها مبتدعا غير كافر ؛ وذلك أنه لو توقف الإيمان على أمر غير التصديق بالله تعالى ورسوله ، وما جاء به من معرفة المسائل ، المختلف فيها فى أصول الديانات ، مما عددناه ؛ لكان من الواجب على النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، أن يطالب الناس بمعرفته والبحث عن كيفية اعتقاده ، كما وجب عليه المطالبة بالشهادتين ، والبحث عن اعتقادها ، وكيفيتها ، وحيث لم يجر منه شيء من ذلك في زمانه ، مع العلم بأن آحاد العربان ، ومن لم يكن له قدم راسخ ، فى النظر والاستدلال ، لم يكن عارفا بآحاد تلك المسائل ، ولا عالما بها ، علم أن ذلك مما لا يتوقف عليه أصل الدين ، وعليه جرى الصحابة ، والتابعون إلى وقتنا هذا.

وما لا يكون شرطا فى الإيمان ، ولا يكون الإيمان متوقفا عليه ؛ فالجهل به لا يكون كفرا.

وأما قوله عليه الصلاة والسلام : «القدرية مجوس هذه الأمة» (٤) ، فخبر واحد وخبر الآحاد ، لا يثبت التكفير.

والقول بأنهم أنكروا الصفات ، لا نسلم أن من أنكر الصفات كافر ؛ إذ هى دعوى محل النزاع.

قولهم : لأنهم جاهلون بالله ـ تعالى ـ.

قلنا : مطلقا أو من وجه ، الأول ممنوع ـ فإن أحدا من أهل القبلة لم يكن جاهلا بالله ـ تعالى ـ مطلقا. والثانى مسلم ؛ ولكن لا نسلم أن ذلك يكون موجبا للتكفير [ولو

__________________

(١) انظر عن الفرق ما مر ل ٢٤٧ / أوما بعدها.

(٢) انظر عنهما ، ما مر ل ٢٤٨ / أوما بعدها.

(٣) انظر عن هذه الفرق ما مر ل ٢٤٧ / ب وما بعدها.

(٤) سبق تخريجه فى هامش ل ٢٥٨ / أ.

١٠٠