أبكار الأفكار في أصول الدّين - ج ٥

أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]

أبكار الأفكار في أصول الدّين - ج ٥

المؤلف:

أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]


المحقق: د. أحمد محمد المهدي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتب والوثائق القوميّة
المطبعة: مطبعة دار الكتب والوثائق القوميّة
الطبعة: ٢
ISBN: 977-18-0328-x
الصفحات: ٣١٨

١
٢

٣
٤

القاعدة السابعة

في الأسماء والأحكام

وتشمل على ستة فصول :

الفصل الأول : فى تحقيق معنى الإيمان ، وأنّه هل يقبل الزيادة والنّقصان ، أم لا؟

الفصل الثانى : فى تحقيق معنى الكفر.

الفصل الثالث : فى أن العاصى من أهل القبلة / هل هو كافر ، أم لا؟

الفصل الرابع : فى أن مخالف الحقّ من أهل القبلة هل هو كافر أم لا؟

الفصل الخامس : فى أنّ الكفّار هل هم معذورون ، أم لا؟

وفى حكم المصيب فى الاعتقاد من غير دليل.

الفصل السادس : فى معنى التّوبة وأحكامها؟

٥
٦

الفصل الأول

فى تحقيق معنى الإيمان ، وأنّه هل يقبل

الزّيادة والنقصان ، أم لا؟ (١)

وقد اتفق أهل الإسلام على أن مفهوم لفظ الإيمان لا يخرج عن أعمال القلب والجوارح ، وما تركب منهما.

لكن اختلفوا :

فمنهم من قال : إنّه لا يخرج عن أعمال القلب.

ومنهم من قال : إنّه لا يخرج عن أعمال الجوارح.

ومنهم من قال : لا يخرج عن المركّب منهما.

فأمّا من قال : بأنّه لا يخرج عن أعمال القلب ؛ فقد اختلفوا :

فمنهم من قال : الإيمان هو تصديق القلب. وهو مذهب الشيخ أبى الحسن والقاضى أبى بكر ، والاستاذ ابى إسحاق ، وأكثر الأئمة ، ووافقهم على ذلك الصالحى ، وابن الراوندى من المعتزلة (٢).

ومنهم من قال : الإيمان بالله ـ تعالى ـ معرفته ، وهو مذهب جهم بن صفوان (٣) وبكر ابن اخت عبد الواحد بن زيد (٤) والإمامية.

__________________

(١) لمزيد من البحث والدراسة. يرجع إلى المراجع التالية بالإضافة لما ورد هاهنا : اللمع للإمام الأشعرى ص ١٢٢ وما بعدها. والإنصاف للباقلانى ص ٥٤ وما بعدها. والإرشاد للجوينى ص ٣٩٦ وما بعدها.

وأصول الدين للبغدادى ص ٢٤٧ وما بعدها.

والاقتصاد فى الاعتقاد للغزالى ص ١٤١ وما بعدها. وفيصل التفرقة. وكله فى مسألتنا. وغاية المرام فى علم الكلام للآمدى ص ٣٠٩ وما بعدها.

ومن كتب المعتزل : شرح الأصول الخمسة للقاضى عبد الجبار ص ٧٩٧ وما بعدها ومن كتب المتأخرين عن الآمدي :

شرح المواقف للجرجانى : الموقف السادس ص ٢٣٤ وما بعدها تحقيق الدكتور أحمد المهدى.

وشرح المقاصد للتفتازانى ٢ / ١٨١ وما بعدها.

والايمان لابن تيمية. (كله فى هذا الموضوع وما يتعلق به) وشرح الطحاوية لابن أبى العز الحنفى ص ٣٦٠ وما بعدها.

(٢) ابن الراوندى انظر ترجمته فى الجزء الأول فى هامش ل ٢٣١ / أ

(٣) انظر عنه ما مر فى الجزء الأول فى هامش ل ٥ / أ

(٤) انظر عنه ما مر فى الجزء الأول فى هامش ل ١٩٢ / ب.

٧

ومنهم من قال : الإيمان معرفة الله ، ورسله ، وما جاءت به الرسل على الجملة ؛ وهو منقول عن بعض الفقهاء.

وأما من قال : إنه لا يخرج عن أعمال الجوارح :

فمنهم من قال : هو إقرار اللسان بالشهادتين لا غير. وهذا هو مذهب الكرّامية (١).

ومنهم من قال : هو الطاعة لكن اختلفوا :

فمنهم من قال : كل طاعة إيمان سواء كانت فرضا ، أو نفلا. وهو مذهب الخوارج والعلاف ، وعبد الجبار من المعتزلة.

ومنهم من قال : الإيمان هو الطاعات المفترضة ، دون النوافل منها. وهذا هو مذهب الجبائى ، وأكثر البصريين من المعتزلة.

ومنهم من قال : الإيمان هو الإقرار باللسان ، والمعرفة. وهو مذهب الغيلانية (٢) وهو أيضا محكى عن أبى حنيفة (٣) ، وعبد الله بن سعيد بن كلاب (٤).

ومنهم من قال : هو الإقرار باللسان ، ومعرفة بالقلب ، وعمل بالأركان ؛ وهذا هو مذهب القلانسى (٥) من أصحابنا ، والنجار (٦) من المعتزلة.

__________________

(١) راجع ما مر عن الكرامية فى الجزء الأول ه ل ٦٥ / أ. وما سيأتى فى هذه القاعدة ل ٢٥٦ / ب وما بعدها.

(٢) الغيلانية : أصحاب غيلان بن مروان الدمشقى. انظر عنه ما سيأتى فى هامش ل ٢٤٤ / أو الفرقة الرابعة من المرجئة ل ٢٥٥ / أ.

(٣) أبو حنيفة : الإمام الأعظم : النعمان بن ثابت ، التيمى بالولاء الكوفى : إمام الحنفية ، الفقيه المجتهد المحقق ، أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة. قيل أصله من أبناء فارس. ولد بالكوفة سنة ٨٠ ه‍ ونشأ بها. وكان يبيع الخز ويطلب العلم فى صباه ، ثم انقطع للتدريس والإفتاء. طلبه بن هبيرة (أمير العراقين) من قبل الأمويين للقضاء ، فرفض ورعا ، وأراده المنصور العباسى قاضيا للقضاة فرفض ؛ فحبسه إلى أن مات فى محبسه سنة ١٥٠ ه‍. وكان قوى الحجة ومن أحسن الناس منطقا. قال عنه الإمام مالك : رأيت رجلا لو كلمته فى هذه السارية أن يجعلها ذهبا ؛ لقام بحجته. وقال عنه الإمام الشافعى : «الناس عيال فى الفقه على أبى حنيفة» كتبت عنه وعن مناقبه وسيرته وآرائه وفقهه كتب كثيرة. رحمه‌الله ورضى عنه آمين.

[تاريخ بغداد ١٣ / ٣٢٣ ـ ٤٢٣ ، أبو حنيفة : حياته وعصره وآراءه وفقهه. للشيخ محمد أبو زهرة].

(٤) عبد الله بن سعيد بن كلّاب راجع ما كتب عنه فى هامش ل ٨٢ / ب من الجزء الأول.

(٥) القلانسى : انظر ترجمته فى هامش ل ١٢٤ / أمن الجزء الأول.

(٦) النّجار : انظر ترجمته فى هامش ل ٦٤ / ب من الجزء الأول.

٨

وأما من قال : بأنه لا يخرج عن المركب من أعمال القلب والجوارح قال :

هو المعرفة بالجنان ، والإقرار باللسان ، والعمل بالأركان. وهو مذهب أكثر أهل الأثر ، وابن مجاهد (١)

وإذ أتينا على تفصيل المذاهب ؛ فلا بد من تحقيق الحق ، وإبطال الباطل منها.

والحق فى هذه المسألة غير خارج عن مذهب الشيخ أبى الحسن الأشعرى : وهو أن الإيمان بالله ـ تعالى ـ هو تصديق القلب به.

فإن التّصديق من أحوال النفس. ومن ضرورته المعرفة شرعا. ولا بد من تحقيق ذلك ، وإيراد مآخذ الخصوم فى معرض الشبه ، والانفصال عنها فنقول :

أما أن الإيمان هو / / التصديق شرعا :

فهو أن الإيمان فى اللغة : هو التصديق / المعدى بالباء ، باتفاق أهل اللغة

ومنه قوله ـ تعالى ـ (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا) (٢) [أى بمصدق لنا] (٣) ، ومنه قولهم :

فلان يؤمن بالحشر ، والنشر : أى يصدق به.

وإذا ثبت أن معنى الإيمان فى اللغة هو التصديق. وجب حمل كل ما ورد من ألفاظ فى الكتاب والسنة عليه. إلا ما دلّ دليل على مخالفته. وإنما قلنا ذلك لوجهين :

الأول : هو أن خطاب الشارع للعرب إنما كان بلغتهم ؛ فيجب حمل كل ما كان من ألفاظهم على معانيهم.

__________________

(١) ابن مجاهد : أحمد بن موسى بن العباس التميمى أبو بكر بن مجاهد كبير العلماء بالقراءات فى عصره. من أهل بغداد ولد سنة ٢٤٥ ه‍ وتوفى سنة ٣٢٤ ه‍ [الفهرست لابن النديم ١ / ٣١ والأعلام للزركلى ١ / ٢٦١].

قال شارح العقيدة الطحاوية : «اختلف الناس فيما يقع عليه اسم الإيمان اختلافا كثيرا : فذهب مالك والشافعى وأحمد والأوزاعى واسحاق بن راهويه وسائر أهل الحديث وأهل المدينة رحمهم‌الله وأهل الظاهر وجماعة من المتكلمين : إلى أنه تصديق بالجنان ، وإقرار باللسان ، وعمل بالأركان» [شرح العقيدة الطحاوية لابن أبى العز الدمشقى المتوفى سنة ٧٩٢ ه‍ ت : بشير محمد عون ـ الناشر : مكتبة دار البيان بدمشق].

/ / أول ل ١٣٤ / ب

(٢) سورة يوسف ١٢ / ١٧

(٣) ساقط من «أ».

٩

ويدل على أن خطاب الشارع لهم إنما كان بلغتهم قوله ـ تعالى ـ : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ) (١) وقوله ـ تعالى ـ فى صفة القرآن ، ونزوله بلسان العرب (وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) (٢) وقوله ـ تعالى ـ (إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) (٣) وقوله ـ تعالى ـ (بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (٤).

والثانى : أنه لو كان لفظ الإيمان فى الشرع معبرا عن وضع اللغة مع غلبة مخاطبة الشارع لبين للأمة نقله ، وتغييره بالتوقيف ، كما عرف سائر الأحكام الشرعية وإلا فالمقصود من الخطاب لا يكون حاصلا ؛ لأنهم لا يحملون ما يخاطبون به من ألفاظهم ، إلا على مصطلحهم ، ولا يخفى ما فيه من الخلل ولو ورد فيه توقيف ؛ لكان متواترا ؛ إذ الحجة لا تقوم بالآحاد.

ولو كان كذلك ؛ لاشترك الناس فى معرفته ، كاشتراكهم فى معرفة ما ورد به من الأحكام الشرعية.

وأما أن الإيمان مختص بالقلب. فيدل عليه الكتاب ، والسنة.

أما الكتاب : فقوله ـ تعالى ـ (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) (٥) وقوله ـ تعالى ـ (وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ) (٦) وقوله ـ تعالى ـ (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) (٧) وقوله تعالى (أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ) (٨) وقوله ـ تعالى ـ (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) (٩)

وأما السنة : فما روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أنه كان يقول : يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبى على دينك) (١٠).

__________________

(١) سورة إبراهيم ١٤ / ٤.

(٢) سورة النحل ١٦ / ١٠٣.

(٣) سورة يوسف ١٢ / ٢.

(٤) سورة الشعراء ٢٦ / ١٩٥.

(٥) سورة الحجرات ٤٩ / ١٤.

(٦) سورة المائدة ٥ / ٤١.

(٧) سورة النحل ١٦ / ١٠٦.

(٨) سورة المجادلة ٥٨ / ٢٢.

(٩) سورة الانعام ٦ / ١٢٥.

(١٠) رواة الترمذي في القدر ٤ / ٤٤٨ ، ٤٤٩ عن انس ـ رضى الله عنه ـ وهو حديث حسن.

١٠

وأيضا : ما روى عنه ـ عليه‌السلام ـ أنه قال لأسامة. وقد قتل من قال لا إله إلا الله «هلّا شققت عن قلبه» (١).

وذلك كله يدل على اختصاص القلب بالإيمان.

فإن قيل : سلمنا أن الإيمان فى اللغة عبارة عن التصديق ؛ ولكن لا نسلم أنه فى الشرع كذلك.

قولكم : إنّ الشارع يخاطب العرب بلغتهم ؛ مسلم.

ولكن لا نسلم امتناع خطابه لهم بغير لغتهم.

وأما النصوص الدالة على كون القرآن عربيا.

فليس فيه ما يدل على امتناع اشتماله على غير العربية ، ولا يخرجه ذلك عن كونه عربيا ، وعن اطلاق اسم العربىّ عليه.

فإنّ الشّعر الفارسىّ. يسمى فارسيا. وإن كان فيه آحاد من كلمات العرب والّذي يدلّ على ذلك اشتمال القرآن على كلمات ليست عربية. فإنّ المشكاة (٢) هندية ، والإستبرق (٣) : فارسية.

وقوله ـ تعالى ـ (وَفاكِهَةً وَأَبًّا) (٤) قال أهل الأدب (الأبّ) (٥) ليس من لغة العرب.

وإن سلمنا : / امتناع مخاطبة العرب بغير ألفاظ العربيّة ، ولكن لا نسلم امتناع استعمال الألفاظ العربية فى غير موضوعها لغة ، ويدلّ على ذلك النص ، والإلزام.

أما النّص : فمن جهة الكتاب ، والسنة.

أما الكتاب : فقوله ـ تعالى ـ (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) (٦) : أى صلاتكم إلى بيت المقدس.

__________________

(١) رواه الامام مسلم فى صحيحه.

(٢) (المشكاة) : كوّة فى الحائط غير نافذة يوضع فيها المصباح. وفى التنزيل العزيز (كمشكاة فيها مصباح) ـ المعجم الوسيط ـ باب الشين)

(٣) (الإستبرق) : الديباج الغليظ (المعجم الوسيط ـ باب الهمزة)

(٤) سورة عبس ٨٠ / ٣١.

(٥) (الأبّ) العشب رطبه ويابسه. وفى التنزيل العزيز (وَفاكِهَةً وَأَبًّا).

وتقول : فلان راع له الحب ، وطاع له الأبّ ، زكا زرعه واتسع مرعاه. (المعجم الوسيط. باب الهمزة)

(٦) سورة البقرة ٢ / ١٤٣.

١١

وأما السنة : فقوله ـ عليه‌السلام ـ «نهيت عن قتل المصلين» (١) وأراد به المؤمنين.

وأيضا : قوله ـ عليه‌السلام ـ : «الإيمان بضع وسبعون بابا أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق» (٢). وكل ذلك خلاف الوضع.

وأما الإلزام : فمن خمسة عشر وجها :

الأول : هو أن الصلاة في اللغة : عبارة عن الدّعاء (٣) ، وفى الشرع ؛ عبارة عن الأفعال المفتتحة بالتكبير المختتمة بالتسليم ، وكذلك الزكاة فى (٤) اللغة ، عبارة عن النمو والزيادة وفى الشرع عبارة عن وجوب أداء مال مخصوص ، وكذلك الحج (٥) فى اللغة : عبارة عن القصد مطلقا ، وفى الشرع عبارة عن القصد مطلقا إلى مكان خاص.

الثانى : أنه لو كان الإيمان فى الشرع : هو التّصديق ؛ فالتصديق لا يختلف ولا يزيد ، ولا ينقص ، ويلزم من ذلك أن يكون إيمان النبي ـ عليه‌السلام ـ كإيمان الواحد من العوام الأغبياء ؛ وهو ممتنع.

الثالث : هو أن الفسوق يناقض الإيمان ، ولا يجامعه. ولو كان الإيمان هو التصديق فى الشرع / / لما امتنع مجامعته للفسوق ، ويدل على امتناع الجمع بينهما قوله ـ تعالى ـ : (وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ) (٦) ووجه الاحتجاج به أنه ذكر الإيمان ، وقابله بالكفر ، والفسوق ؛ فدل على أن الفسوق يناقض الإيمان.

__________________

(١) أخرجه الطبرانى فى المعجم الكبير عن أنس رضى الله عنه.

(٢) متفق عليه أخرجه البخارى ومسلم فى صحيحيهما.

(٣) (الصّلاة) : الدّعاء. يقال : صلى صلاة ، ولا يقال : تصلية. و ـ العبادة المخصوصة المبينة حدود أوقاتها فى الشريعة [المعجم الوسيط (باب الصاد)].

(٤) (الزّكاة) : البركة والنماء. و ـ الطهارة. و ـ الصّلاح. و ـ صفوة الشيء.

و ـ (فى الشرع) حصة من المال ونحوه يوجب الشرع بذلها للفقراء ونحوهم بشروط خاصة [المعجم الوسيط (باب الزاى)].

(٥) (حجّ) إليه حجا : قدم. و ـ المكان : قصده. و ـ البيت الحرام : قصده للنّسك. و (الحجّ) : أحد أركان الإسلام الخمسة. وهو القصد فى أشهر معلومات إلى

البيت الحرام للنسك والعبادة. [المعجم الوسيط (باب الحاء)].

/ / أول ل ١٣٥ / أ.

(٦) سورة الحجرات ٤٩ / ٧.

١٢

الرابع : هو أن فعل الكبيرة مما ينافى الإيمان ، ولو كان الإيمان فى الشرع هو التصديق ، لما كان فعل الكبيرة مناقضا له ، وبيان مناقضة فعل الكبيرة للإيمان قوله ـ تعالى ـ (وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) (١). وقوله ـ تعالى ـ فى حق مرتكب بعض الكبائر : (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ) (٢) فدلّ مجموع الآيتين علي أن مقارف الكبيرة ليس مؤمنا.

الخامس : أن المؤمن غير مخزى لقوله ـ تعالى ـ : (يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) (٣). وقد قال ـ تعالى ـ فى حق قطاع الطريق : (ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) (٤) ومجموع الآيتين يدل على أن قاطع الطريق ليس مؤمنا مع أنه مصدق بالله ـ تعالى ـ ، وهذا دليل على أن الإيمان فى الشّرع ليس هو التصديق.

السادس : أن المستطيع إذا ترك الحجّ من غير عذر ؛ فهو كافر لقوله ـ تعالى ـ (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) (٥) ولو كان الإيمان فى الشرع هو التصديق ؛ لما كان كافرا ؛ لكونه مصدقا.

السابع : هو أن من لم يحكم / بما أنزل الله ؛ [فهو كافر لقوله ـ تعالى ـ (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ]) (٦) فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (٧). ولو كان الإيمان فى الشرع هو التصديق ؛ لما كان كافرا ؛ لكونه مصدقا.

الثامن : أن الزّانى ليس بمؤمن لقوله عليه‌السلام : «لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن» (٨). ولو كان الإيمان هو التصديق ؛ لما كان الزّانى غير مؤمن ؛ لكونه مصدقا.

__________________

(١) سورة الأحزاب ٣٣ / ٤٣.

(٢) سورة النور ٢٤ / ٢.

(٣) سورة التحريم ٦٦ / ٨.

(٤) سورة المائدة ٥ / ٣٣.

(٥) سورة آل عمران ٣ / ٩٧.

(٦) ساقط من أ.

(٧) سورة المائدة ٥ / ٤٤.

(٨) الحديث متفق عليه أخرجه البخارى ومسلم. (صحيح البخارى : الحديث رقم ٦٧٧٢ (كتاب الحدود) عن أبى هريرة ـ رضى الله عنه ـ ، وأخرجه مسلم فى صحيحه عن أبى هريرة أيضا (كتاب الإيمان) ١ / ٧٦.

١٣

التاسع : أن من مات ولم يحج ؛ فهو كافر لقوله ـ عليه‌السلام ـ «من مات ولم يحجّ فليمت إن شاء يهوديا ، وإن شاء نصرانيا» (١) ، ولو كان الإيمان هو التصديق ؛ لما كان كافرا ؛ إذ هو مصدق بالله ـ تعالى.

العاشر : أنّ من ترك الصّلاة متعمدا ؛ فهو كافر لقوله عليه‌السلام : «من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر» (٢) ولو كان الإيمان هو التّصديق ؛ لما كان كافرا ؛ لكونه مصدقا.

الحادى عشر : أنه لو كان الإيمان هو التصديق بالله ـ تعالى ـ فى الشرع ، لما كان من قتل نبيا ، أو استخفّ به ، أو سجد بين يدى صنم مع كونه مصدقا ؛ كافر ؛ وهو خلاف اجماع الأمة.

الثانى عشر : أن فعل الواجبات هو الدين لقوله ـ تعالى ـ (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) (٣) والإشارة فى قوله ـ تعالى ـ (وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) راجعة إلى جملة المذكور السابق والدين هو الإسلام لقوله ـ تعالى ـ (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) (٤). والإسلام هو الإيمان ؛ لأنه لو كان غيره لما قبل من مبتغيه لقوله ـ تعالى ـ (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) (٥) ولو كان الإيمان فى الشّرع هو التصديق ؛ لما كان الإيمان هو فعل الواجبات.

الثالث عشر : أنه لو كان الإيمان فى الشرع هو التصديق ؛ لما صح وصف المكلف به حقيقة إلا فى وقت صدوره منه كما فى سائر الأفعال ، ولو كان كذلك لما وصف النائم فى حالة منامه ، والغافل فى حالة غفلته بكونه مؤمنا حقيقة ؛ وهو خلاف الاجماع ؛ وذلك يدل على تغير الوضع فى لفظ الإيمان.

الرابع عشر : أنه لو كان الإيمان باقيا على وضعه فى الشّرع ؛ لصحّ أن يقال فى الشرع لمن صدق بألوهية غير الله ـ تعالى ـ مؤمنا ؛ وهو خلاف الإجماع.

__________________

(١) أخرجه الإمام الترمذي فى سننه ٣ / ١٦٧ كتاب الحج ـ عن على بن أبى طالب رضى الله عنه ـ قال عنه الترمذي ـ حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وفى اسناده مقال.

(٢) رواه ابن ماجه فى سننه عن أبى الدّرداء ١ / ١٣٣٩ ـ كتاب الفتن ـ ضمن حديث طويل بلفظ «ولا تترك صلاة مكتوبة متعمدا ، فمن تركها متعمدا ؛ فقد برئت منه الذمة».

(٣) سورة البينة ٩٨ / ٥.

(٤) سورة آل عمران ٣ / ١٩.

(٥) سورة آل عمران ٣ / ٨٥.

١٤

الخامس عشر : أن الله ـ تعالى ـ قد وصف بعض المؤمنين بالله ـ تعالى ـ بكونه مشركا بقوله ـ تعالى ـ (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) (١) ، ولو كان الإيمان بالله تعالى ـ فى الشرع هو التصديق به ؛ لامتنع مجامعته للشرك.

سلمنا أنّ الإيمان فى الشّرع هو التصديق ؛ ولكن ما المانع أن يكون هو التّصديق باللّسان كما قاله الكرامية (٢).

كيف وأن ذلك هو الأولى ؛ لأنّ أهل اللّغة لا يفهمون من التّصديق غير التّصديق / باللسان

والجواب :

قولهم : لا نسلّم امتناع مخاطبة الشّارع للعرب بغير لغتهم.

قلنا : دليله ما ذكرناه من الوجهين.

قولهم : ما ذكرتموه من النصوص لا يدلّ على امتناع اشتمال القرآن على غير العربية ؛ لأن ما بعضه عربى ، وبعضه ، غير عربى ؛ فلا يكون كله عربيا ، وظاهر / / ما ذكرناه من النّصوص يدل على أن القرآن بجملته عربى.

قولهم : إنّ الشّعر الفارسىّ لا يخرج عن كونه فارسيا باشتماله على كلمات من العربية ؛ فكذلك الكلام العربى ، لا يخرج عن كونه عربيا ، باشتماله على كلمات ليست عربية.

قلنا : إن قيل بأن ما هو العربى منه ، لا يخرج عن كونه عربيا ؛ فهو مسلم.

وإن قيل إن الجملة الكائنة من العربى ، وغير العربى ، انها تكون عربية ؛ فهو مباهتة للمعقول والمحسوس.

نعم غايته إطلاق اسم العربى عليها ؛ لغلبة الكلام العربى فيها ؛ لكنّه بطريق المجاز دون الحقيقة. والأصل فيما نحن فيه ، إنّما هو حمل الكلام على جهة حقيقته دون مجازه.

__________________

(١) سورة يوسف ١٢ / ١٠٦.

(٢) ذهبت الكرامية إلى أن الإيمان هو الإقرار باللسان فقط. فالمنافقون عندهم مؤمنون كاملوا الإيمان ، ولكنهم يقولون : بأنهم يستحقون الوعيد الّذي أوعدهم الله به. وقولهم ظاهر الفساد. (شرح العقيدة الطحاوية ص ٣٦٠).

/ / أول ل ١٣٥ / ب.

١٥

قولهم : القرآن مشتمل على كلمات غير عربية لا نسلم ذلك. وما ذكروه من الكلمات فلا نسلم أنها ليست عربية ، وإنما استعملها غيرهم من أرباب اللغات مع نوع تغيير ، كما غير العبرانيون الإنسان : ناسوت ، والإله لا هوت.

قولهم : لا نسلم امتناع استعمال الألفاظ العربية فى غير موضعها لغة ـ

قلنا : لأنها إذا استعملت بإزاء معانى غير معانيها لغة ، كاستعمال لفظ الغنى : بإزاء الفقير ، والفقير : بإزاء الغنى ؛ فلا يكون لغويا : أى لا يكون من لسان العرب أهل اللغة. وعند ذلك فيمتنع مخاطبة الشرع به للعرب ؛ لما سبق.

وقوله : ـ تعالى ـ (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) (١). لا نسلم أن المراد به الصلاة ؛ بل المراد به التصديق بالصلاة ، وإنما سمى التصديق بالصلاة ، صلاة على سبيل التجوز ؛ لدلالة الصّلاة على التصديق ، والمجاز من لغة العرب ؛ لا أنه خارج عنها.

وقوله عليه‌السلام : نهيت عن قتل المصلين (٢) ... فالمراد به المصدقين على سبيل التجوز أيضا ، وتسمية إماطة الأذى عن الطريق إيمانا ، إنما كان بطريق المجاز أيضا ؛ لدلالتها على الإيمان.

قولهم : الصلاة فى اللغة عبارة عن الدعاء ، والزكاة عبارة عن النمو ، والحج عبارة عن القصد ، وفى الشرع لغير هذه المحامل.

قلنا : لا نسلم التغيير فى هذه الألفاظ ؛ بل هى مستعملة فى الشرع بإزاء ما كانت مستعملة بإزائه فى اللغة ، غير أن الشارع اعتبر فيها شروطا لصحتها فى الشرع من غير أن تكون الشروط ، داخلة فى المسمى ؛ فالشرع تصرف بوضع الشروط للصحة الشرعية لا فى نفس الوضع بالتغيير.

قولهم : لو كان الإيمان فى الشرع هو التصديق ؛ / لكان إيمان النبي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كإيمان العامىّ الغبىّ.

قلنا : التّصديق الواحد بالشّيء ، وإن استحال فيه الزيادة ، والنقصان بين النبي ، والواحد منا ، غير أن الإيمان عرض ، والعرض متجدّد على ما أسلفناه (٣).

__________________

(١) سورة البقرة ٢ / ١٤٣.

(٢) سبق تخريجه فى هامش ل ٢٣٧ / أ.

(٣) راجع ما مر فى الاعراض : الفرع الرابع : فى تجدد الأعراض ل ٤٤ / ب وما بعدها.

١٦

وعند ذلك : فلا يمتنع التفاوت بين إيمان النبي ، وإيمان الواحد منا بسبب كثرة تخلل الغفلة ، والفتور بين أعداد الإيمان المتجدّدة للواحد منا ، وقلّة تخللها بين الإعداد المتجدّدة من إيمان النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، أو بسبب ما يعرض لنا من الشّبه والتّشكيكات التى يفتقر فى دفعها إلى الاجتهاد بالنّظر ، والاستدلال بخلاف النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قولهم : إنّ الفسوق يقابل الإيمان ، ولا يجامعه ؛ ممنوع.

وقوله تعالى : (وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ) (١). ليس فيه ما يدل على كون الفسوق مقابلا للإيمان ، ولهذا فإنه لو قال ـ تعالى ـ إن الله تعالى حبّب إليكم العلم به ، وكرّه إليكم الفسوق ؛ فإنه لا يدلّ على المناقضة بين العلم به ، والفسوق.

وكون الكفر مقابلا للإيمان ، لم يكن مستفادا من الآية ؛ بل من ضرورة التّضاد بينهما عقلا.

وإن سلمنا دلالة ما ذكروه على مناقضة الفسوق للإيمان ، غير أنه معارض بما يدل على عدمه ، ودليله قوله ـ تعالى ـ : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ) (٢) فإنه يدل على مقارنة الظلم للإيمان.

وأيضا قوله ـ تعالى ـ (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) (٣). وذلك يدلّ على مجامعة الظّلم لمن اصطفاه الله ـ تعالى ـ ؛ والمصطفى لا يكون إلا مؤمنا.

قولهم : إنّ فعل الكبيرة مما ينافى الإيمان ؛ لا نسلّم ذلك.

قولهم : المؤمن مرحوم ؛ لما ذكروه من النّص. مسلم أيضا ؛ ولكن ليس فيه ما يدل على منافاة الكبيرة للإيمان.

وقوله ـ تعالى ـ فى حقّ مرتكب الكبيرة ، (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ) (٤). ليس فيه ما يدلّ أيضا / / على كون المؤمن غير مرحوم من الله ـ تعالى ـ ولا سيما مع

__________________

(١) سورة الحجرات ٤٩ / ٧.

(٢) سورة الأنعام ٦ / ٨٢.

(٣) سورة فاطر ٣٥ / ٣٢.

(٤) سورة النور ٢٤ / ٢.

/ / أول ل ١٣٦ / أ

١٧

قوله ـ تعالى ـ (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) (١) ؛ بل المراد من الآية أنكم لا تحملكم الشفقة ورأفة الجنسية على إسقاط حدود الله ـ تعالى ـ بعد وجوبها. والّذي يدلّ على ذلك أن مرتكب الكبيرة ، إذا تاب فإنّه مؤمن بالإجماع ، ومرحوم وإن أقيم عليه الحدّ. كيف وأن ما ذكروه معارض بما قدّمناه ، من النصوص الدّالة علي نفى الممانعة بين الإيمان وفعل الكبيرة.

قولهم : إنّ المؤمن لا يخزى ، وقاطع الطريق مع كونه مصدّقا مخزى ؛ لما ذكروه من الآيتين.

قلنا : ليس فيما ذكروه دلالة ؛ وذلك لأنّ آية نفى الخزى ، دلّت على نفى الخزى فى الآخرة ، وآية القطّاع دالّة على الخزى فى الدّنيا ، ولا يلزم من منافاة الخزى ، فى يوم القيامة للإيمان ، منافاته للإيمان / فى الدنيا

كيف وأن آية نفى الخزى قاصرة علي النبي وصحابته ؛ فلا تعم.

قولهم : المستطيع إذا ترك الحجّ من غير عذر كافر. لا نسلم ذلك ، وقوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً). وإن دلّ على وجوب الحج لقوله ـ تعالى ـ (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) (٢). ليس فيه ما يدلّ على الكفر بترك الحجّ الواجب ؛ بل هو ابتداء كلام آخر ، والمراد به من لم يصدّق.

وإن سلمنا أن المراد به الكفر ، بترك الحج الواجب ، فالمراد به أنه من لم يصدق بمناسك الحجّ ، وجحدها اعتقادا ؛ وذلك لا يتصور معه التّصديق.

قولهم : إنّ من لم يحكم بما انزل الله فهو كافر.

فقد قال المفسرون : المراد به من لم يعتقد التزام أحكامه ، ولم يستسلم لاحكام الإسلام ؛ وذلك لا يتصور معه التصديق.

وقوله عليه‌السلام : «لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن» (٣) لا نسلم أن قوله : وهو مؤمن فى هذا الحديث ، مأخوذ عن الإيمان ؛ بل من الأمن ، ومعناه لا يزنى الزّانى حين يزنى وهو مؤمن ـ أى على أمن من عذاب الله تعالى.

__________________

(١) سورة الأعراف ٧ / ١٥٦.

(٢) سورة آل عمران ٣ / ٩٧.

(٣) سبق تخريج هذا الحديث فى ل ٢٣٧ / ب.

١٨

وإن سلمنا أنه مأخوذ من الإيمان ، غير أنّه يجب حمله على الإيمان ؛ بمعنى التّصديق ؛ لما فيه من موافقة الوضع اللّغوى ، وأن يحمل قوله : «لا يزني الزانى حين يزنى وهو مؤمن». على حالة الاستحلال لزناه ، ويكون تقديره ـ لا يزنى الزانى حين يزنى مستحلا لزناه وهو مؤمن ـ أى مصدق ويمكن أن يكون المراد من قوله : «لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن» أى على صفات المؤمن ، من اجتناب المحظورات ، وهو وإن لزم منه التأويل ، غير أنا لو لم نحمله على ذلك ؛ للزم منه حمل الإيمان على غير موضوعه اللغوى.

ولا يخفى أن تأويل الظّواهر أولى من مخالفته الأوضاع اللّغوية لوجهين :

الأول : أن تأويل الظّواهر متفق عليه ، بخلاف مخالفة الأوضاع ، ومخالفة ما اتفق على جواز مخالفته ، أولى من مخالفة ما لم يتفق على مخالفته.

الثانى : أن مخالفة الظواهر فى الشّرع ، أكثر من مخالفة الأوضاع اللّغوية عند القائلين بمخالفة الأوضاع ، فإن أكثر الظواهر مخالفة ، وأكثر الأوضاع مقرّرة ؛ وذلك يدل على أن المحذور فى مخالفة الأوضاع أعظم منه فى مخالفة الظواهر ؛ فكانت مخالفة الظواهر أولى.

وعلى هذا يجب حمل قوله عليه‌السلام : «من مات ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا ، وإن شاء نصرانيا» (١) ، وقوله عليه‌السلام : «من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر» (٢) على حالة الاستحلال ، وإنكار الوجوب ؛ لما ذكرناه من الترجيح.

قولهم : لو كان الإيمان هو التصديق ؛ لما كان من قتل نبيا ، أو استخف به ، أو سجد / بين يدى صنم كافرا ـ إذا كان مصدّقا.

قلنا : نحن لا ننكر جواز مجامعة هذه الكبائر مع الإيمان عقلا ، غير أن الأمّة مجمعة على تكفيره ؛ فعلمنا انتفاء التّصديق عند وجود هذه الكبائر سمعا ، ويجب أن يقال بذلك جمعا بين العمل بوضع اللّغة ، وإجماع الأمّة على التّكفير ؛ وهو أولى من إبطال أحدهما.

قولهم : فعل الواجبات هو الدّين ـ لا نسلم ذلك ؛ بل الدّين هو التصديق بالواجبات ، وقوله ـ تعالى ـ (وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) (٣). ليس فيه ما يدلّ على أنّ إقامة

__________________

(١) تم تخريج هذا الحديث فى هامش ل ٢٣٧ / ب

(٢) سبق تخريج هذا الحديث فى هامش ل ٢٣٧ / ب.

(٣) سورة البينة ٩٨ / ٥.

١٩

الصّلاة ، وفعل الزكاة من الدّين ؛ فإن الآية قد فرّقت بين الدّين ، وفعل الصلاة ، والزّكاة ، حيث قال ـ تعالى ـ : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ). ثم قال بعد ذلك : (حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ) (١) ؛ وذلك دليل المغايرة بين الدّين وما ذكر من الواجبات.

ثم وإن سلمنا دلالة ما ذكروه على أنّ الدّين هو فعل الواجبات ، وأن الدّين هو الإسلام ؛ ولكن لا نسلم أن الإسلام هو / / الإيمان ، ويدل عليه قوله تعالى : (قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) (٢) ؛ وذلك يدل على المغايرة بينهما.

ثم وإن سلمنا دلالة ما ذكروه على أنّ الإيمان هو فعل الواجبات ، غير أنه معارض بما يدل على المغايرة بينهما ، وبيانه من جهة النّص ، والإجماع ، والمعقول :

أما النصّ : فقوله ـ تعالى ـ (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً) (٣) ؛ فإنه يدل على المغايرة بين الإيمان ، والعمل الصّالح ؛ حيث عطف العمل الصالح ، على الإيمان والظّاهر أنّ الشيء لا يعطف على نفسه.

وأيضا قوله ـ تعالى ـ (لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي) (٤) عطف الإيمان ، على الصّلاة ، والزكاة ؛ وهو دليل المغايرة بينهما.

أما الإجماع فمن وجهين :

الأول : هو أن الأمّة من المسلمين قبل ظهور المخالفين ؛ مجمعة على امتناع إطلاق القول على أنّ من ترك طاعة ، وواجبا ، أنه ترك الإيمان ، وذلك يدلّ على المغايرة.

الثانى : أنّ الأمة من السّلف ، مجمعة على أنّ الإيمان شرط فى صحة أفعال الواجبات من الطّاعات ، والشّرط (٥) غير المشروط.

__________________

(١) سورة البينة ٩٨ / ٥.

/ / أول ل ١٣٦ / ب.

(٢) سورة الحجرات ٤٩ / ١٤.

(٣) سورة التغابن ٦٤ / ٩.

(٤) سورة المائدة ٥ / ١٢.

(٥) الشرط فى اللغة : عبارة عن العلامة. والمشروط : هو تعليق شيء بشيء. ، بحيث إذا وجد الأول وجد الثانى.

وقيل : ما يتوقف ثبوت الحكم عليه (التعريفات للجرجانى ص ١٤٣).

٢٠